تاريخ تبســـه البهية
" الخلافة الإسلامية "
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
وصحبه ومن والاه وبعد :
شهدت مدينة تبسة تعاقب الكثير من الحضارات البشرية وإستوطنها العديد من الدول والمماليك منذ القدم خلفت لنا مجموعة من المعالم والأمارات الدالة على عظمتها و تبين مدى الأهمية التي كانت تتميز بها من حيث المكانة والتواجد في منطقة شمال إفريقيا
لقد مرت من هنا الحضارة العاترية والرومانية والوندالية والبيزنطية وكذا الحضارة الإسلامية والتي ولهن الحمد نحن الآن نتنعم بنعمة الإسلام بفضل الله ثم بفضل جهود أولئك البواسل من الصحابة والتابعين الذين قدموا لنا أفضل هدية وأرشدونا إلى أقوم دين وأسسوا أعظم الحضارات ألا وهي الحضارة الإسلامية.
بجهدنا المقل ومصادرنا الشحيحة سنحاول تسليط الضوء على هذه الفترة المباركة "الحضارة الإسلامية "في مدينتا متطرقين إلى بدايات الفتح الإسلامي وكيفية دخولها والتعرف على مختلف المماليك والدول التي تواجدت تحت رايتها وأهم منجزاتها وآثارها بشكل مبسط وسلس مبتعدين نوعا ما عن سرد التواريخ للإختلافات الكثيرة الموجودة في المصادر مع إتفاقهم على الوقائع والأحداث
الفتح الإسلامي لمنطقة لتبسة
تعد مدينة تبسه من المدن التي وصلها الإسلام قبل غيرها من المدن الجزائرية فقد كانت أولى المواجهات بين الفاتحين المسلمين والرومان البيزنطيين سنة 21 ه /647 م تقريبا قرب مكان يسمى سبيطلة والتي تروي المصادر التاريخية أنها تعتبر تابعة إلى منطقة تبسه بين جرجير ملك الروم وعبد الله بن أبي سرح أمير المسلمين .والتي أنتصر فيها الجيش الإسلامي .
لما وصل عقبة بن نافع على رأس عشرة آلاف مقاتل سنة 29 ه / 681م وفتح قرطاج بتونس أقام أول مسجد في شمال إفريقيا وهو المعروف حاليا بجامع القيروان من 50/ 55 ه
انطلق عقبة بن نافع بعدها ليفتح عدة مناطق في إفريقيا من ضمنها مدينة تبسة إذ توجه بكامل قواه العسكرية المذكورة آنفا متجها نحوها 40/41 ه
وجد الفاتحون صعوبة كبيرة في فتح المنطقة لصلابة وقوة البربر السبب الذي أدى إلى حملتين عسكريتين فشلت الأولى ونجح البربر في صدها ونجحت الحملة الثانية .
الحملة الأولى انطلق جيش المسلمين الفاتحين بقيادة حسان بن النعمان الغساني والصحابي الجليل عقبة بن نافع و من القيروان خصيصا باتجاه المدينة لفتحها مواجهين جيش البربر بقيادة الكاهنة وأبنائها .غرب مدينة تبسه اشتبك الجمعان على ضفاف جبال سردياس و تاغدة والتي تبعد – 20 كلم غرب مدينة تبسه –
انتصر في هته المواجهة جيش البربر وتم قتل القائد والصحابي الجليل عقبة بن نافع الفهري من قبل الكاهنة وأبنائها بعدما أعطوه العهود والمواثيق ثم غدروا به
وقد اختلفت المصادر والروايات التاريخية في عدد الضحايا الفاتحين فرواية تقول إستشهد 300 فاتح وأخرى 80 .وتم أسر 80 من بينهم القائد الإسلامي المسمى بخالد العبسي الذي إحتفظ به الجيش البربري وأطلقت صراح الباقي بعد مدة .
يذكر أن الكاهنة حكمت هي وأبناءها المنطقة حوالي خمسة سنوات بعد هذه المعركة وسلكت سياسة الأرض المحروقة لسد الطريق أمام المسلمين الفاتحين .
الحملة الثانية
عاد الفاتح حسان بن النعمان ثانية ليفتح منطقة تبسه .اختلف المؤرخون في التاريخ على ثلاثة أقوال والراجح منها 81 ه /698م . تذكر المصادر أن هذه المرحلة تميزت بعنف المواجهات وشدتها .
دارت أهم معركة في قرب بئر ماء قرب مدينة بئر العاتر أصبح فيما بعد يسمى ببئر الكاهنة حيث تمكن القائد حسان من القضاء على الكاهنة وأسر أبنائها
من هنا كانت بداية فتح باقي مناطق إفريقيا الشمالية الغربية .انطلق المسلمون الفاتحون في كل اتجاه متخذين سبيل الإصلاح وإعادة الأمور إلى نصابها من إفراد الله جل وعلى بالعبادة ونبذ ما يعبد من دونه من آلهة وثنية وأحجار وفرض العدالة الاجتماعية بين السكان بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله فيما بينهم في كل الميادين والمجالات الاجتماعية والثقافية والإدارية والسياسية
فتح مديــنة تبسة
تبسه آنذاك كان بها أميرا قويا له هيبة قوية تعداد جيشه ثمانية عشر ألف مقاتل لا يعصون له أمرا. متحصنا بسورها العظيم متخذا من أبراجها موقعا مميزا لدفاع والمواجهة
كان يقود جيش المسلمين تحت إمرة عقبة ابن نافع كل من عبد الله بن جعفر وفيصل الدفاعي .عند نهاية المعارك كانت نتائجها سقوط خمسة آلاف من جيش أمير تبسه وألفي مجاهد من الفاتحين الذين فتحوا ثغرة في الصور بالجهة الشرقية دخل عبد الله إلى داخل السور في يوم مطير وجاء عقبة بن نافع الذي ليرفع الراية على سور تبسة وهم يهتفون لا إله إلا الله ...
كما مر عليها عقبة بن نافع في حملته الثانية 62ه الموافق 682 م هو وعبد الله بن أي سرح ودخلوا تبسة دون مقاومة تذكر
الدول والمماليك الإسلامية التي حكمت تبسة
ظلت تبسة تابعة لولاية القيروان تحت ظل الخلافة الأموية إلى غاية تقلد العباسيين مقاليد الحكم حيث أرسل الخليفة العباسي هارون الرشيد 170/193 واليا مستقلا على إفريقيا وهو إبراهيم ابن الأغلب والذي سميت فترت حكمه بدولة الأغالبة 184ه.306 م /296ه.909م ثم دخل تحت نفوذ الدولة الفاطمية . لتخضع بعدها لحكم المماليك الإسلامية المستقلة ببلاد إفريقيا بداية بدولة بني زير ثم دولة الرستميين ثم الصنهاجيين
وقعت تبسة بعد ذلك لحكم الفاطميين الشيعة - والتي كان المعز لدين الله الفاطمي حاكمها - والذين دخلوا تبسة بقيادة أبو عبد الله الصنعاني حيث هاجمها وإحتلها سنة 311/365ه
ليستولي عليها بعد ذلك الهلاليون والذين كانت تعد منطقة مهمة جدا بالنسبة لهم حيث كانت نقطة عبور استراتيجية ثم الحماديين فالمرابطين فالموحدون الذين بسطت دولتهم نفوذها السياسي على جل مناطق المغرب الكبير فترة يسيرة من الزمن .
وقد تخلل حكم هذه المالليك عدة حروب وصراعات ومعارك طاحنة وتبقى في مد وجزر جعلت المنطقة تعبش في فوضى عارمة بين سنوات 365 ه إلى غاية 548 ه / 1153م إلى أن خرج الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن خليفة الموحدي في جيش كبير – حوالي ثلاثين ألف ومعه حلفائه لجمع شمل كل الماطق وقتال كل المنشقين فكان له ذلك
لتبقلى منطقة تبسه تحت حكم الموحدين لغاية سنة 758 ه أين تمكنت الدولة الحفصية من القضاء على الموحدين وتحكم المنطقة لحين تمكن الحفصيين من الاستيلاء عليها وبسط نفوذهم إلى غاية قيام الخلافة العثمانية
الخلافة العثمانية في تبسة
حينما قامت الدولة العثمانية على حساب العباسيين كان من البديهي أن تفرض سيطرتها على كامل الأرض الإسلامية فجيش الجيوش وأرسلت الرسل وعينت امراء جدد في كل المناطق ومن بينها منطقة تبسه التي عين فيها النوبا – لقب أغا – كان مجهزا بأسلحة متطورة حسب تلك المرحلة من أهمها المدفعية والتي كان تعدادها حوالي أربعين مدفعا مجهزا
بعد أن بسط الأتراك نفوذهم الإداري والسياسي وضعوا حراسة مشدد داخل المدينة وعلى أبواب سورها . وتميزوا أيضا بفرض الضرائب والغرامات الكبيرة على السكان وكذا إحتقارهم. الأمر الذي أدى إلى غضب الأهالي وخاصة من قبيلة النمامشة الذين عرفوا بأنفتهم وحبهم الشديد لكرامتهم ورجولتهم الذين قاموا بالعديد من الصدامات التي أدت إلى نشوب معارك وثورات شعبية ضد العثمانيين امتدت من سنة 1739 إلى سنة 1824 أين تمكن العثمانيين بمساعدة باي قسنطينة الوزناجي ولكن لفترة وجيزة دامت 5 سنوات إلى حين دخول الاحتلال الفرنسي الجزائر سنة 1830 م
أهم آثار الخلافة الإسلامية بتبسة
لم تخلف لنا الحضارة الإسلامية آثارا إلا معلما واحدا مازال شاهدا على مرورهم من هنا وهو مسجد العتيق الذي أسس في آخر أيام الخلافة العثمانية وكان نهاية بنائه و افتتاحه في سنة 1842 وهو نفس التاريخ الذي دخلت فيه القوات الفرنسية للمدينة
كان مسجد العتيق تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة وكذا بعض دروس الوعظ من طرف الأئمة الذين توظفهم فرنسا مما أدى إلى قلة رواده عزوف الكثير من السكان على الصلاة فيه وحضور الجمع والأعياد وخاصة مع تحريم الشيخ العربي التبسي الصلاة فيه بعد صدور فتوى جمعية العلماء المسلمين بحرمة الصلاة وراء الأئمة المعينين من طرف السلطات الفرنسية وقد أدى هذا الوضع إلى ركود علمي و إنتشار الجهل بين الأهالي إلا زمرة يسيرة ممن يرسلهم أهليهم إلى جامع الزيتونة و الجريد ونفطة وكذا الأزهر لحين قدوم الشيخ الإمام العربي التبسي الذي أسس مسجدا جديدا ومدرسة بدا يعلم ويوجه ويرشد الأهالي فبدا السكان يسترجعون عافيتهم العلمية و يستزيدون من العلوم الشرعية وينهلون من معين العقيدة الصحيحة على يد الشيخ العربي التبسي رحمه الله .ومازال لحد الأن يرفع فيه الأذان و تقام فيه الصلوات .
من أعلام تبسة خلال الخلافة الإسلامية
تميزت فترة الخلافة الإسلامية بمدينة تبسه ببروز نخبة من العلماء وطلاب العلم الذين برزوا في العلوم الشرعية و نالوا أعلى الدرجات العلمية و أسمى الألقاب وعلى كثرتهم لكن المصادر لم تتطرق إلى حياتهم العلمية وتراثهم بشكل موسع وإنما أكتفت بإشارات يسيرة تجعلنا نتأسف حينما نرى علماء المشرق بلغوا من الشهرة ذروتها في وقت دفن ذكر علماء تبسة وتلاشى ذكرهم حين لم يجدوا من يعرف الناس بهم وسأضع بين أيديكم ثلاثة أمثلة من تلك الثلة المبارك
الشيخ عمر بن عبد الله القفصي التبسي
سديد الدين محدث من كبار العلماء من أهل تبسه رحل إلى المشرق ولقي كقي جماعة من كبار الشروخ . كتب عنه المؤرخ الشهير إبن عديم صاحب التاريخ الكبير "بغية الطلب في تاريخ حلب " وقد توفي رحمه الله حوالي 620ه/1222م
الشيخ محمد بن ناجي التنوخي التبسي
من قبيلة تنوخ العربية التي نزحت للمغرب الإسلامي مع موجة الفتوحات الإسلامية ولد بالمغرب الأقصى ثم رحل إلى القيروان وصار خطيبا في جامع الزيتونة حيث قضى واحد وعشرون سنة خطيبا فيه كما تقلب في عدد من المناصب العلمية والفقهية فقد ولي قضاء جزيرة جربه ثم ولي بعدها قضاء مدينة باجة التونسية ثم قضاء مدينة قابس . وقد صنف العديد من المؤلفات الشهيرة من أهمها مؤلفه الشهير " معالم الإيمان في وصف المساجد القديمة وتاريخ بناء القيروان "
توفي في تبسه سنة 800ه / 1397 م
الشيخ محمد بن عيسى التبسي
شمس الدين أبو عبد الله ،قاض ،نحوي ، من كبار العلماء من أهل التبسة ، رحل الى المشرق فدخل مصر و الشام وبلاد الروم ، و أخد عنه جماعة من العلماء ، قال الإمام ابن حجر العسقلاني فيه : كان جامعا بين المعقول و المنقول ، ولي قضاء حماة بسورية و أقام بها مدة ،ثم توجه الى بلاد الروم فأقام بها أيضا وأقبل عليه الناس ، و كان حسن الفهم ، شعلة نغار في الذكاء ، كثير الاستحضار ، عارفا بعدة علوم خصوصا العربية ، مات ببرصة من بلاد الروم حوالي 840ه 1436م
الشيخ محمد بن عبد الله التبسي :
ولي الدين محمد بن عبد الله التبسي ، العالم الغوي الشهير ،و الفقيه المالكي المشهور ، ذو التصانيف الجليلة و المؤلفات الرصينة من أهل تبسة ، رحل إلى المشرق و مكث به و صار من أعلام المالكية بالشام ، ترك الكثير من الشروحات و الحواشي على متون المالكية ،توفي بالشام سنة 1336م .
الخاتمة
يتبين لك أخي القارئ الكريم من خلال ما سبق بيانه أن تبسه كانت من أهم المواقع الإستراتيجية بالنسبة لجل الحضارات التي تعاقبت عليها وبالأخص الخلافة الإسلامية فقد كانت بحق بوابة الشرق ومنطلق الفتوحات الإسلامية إلى بلاد المغرب وإفريقية وقد رأينا أيضا بسالة الفرد التبسي و حبه لأرضة وتطلعه للحرية وقد ظهر هذا جليا من خلال الصعوبات التي وجدها الفاتحون إبان المعارك التي دارت بين الطرفين .وأيضا لاحظتم معي النهضة العلمية والوعي الديني الذي إنتشر وسط المجتمع التبسي الذي ادى إلى بروز مجموعة من العلماء المشهود لهم بالرسوخ في العلم وتبحرهم في مختلف فروعه الحديثية والفقهية والقرآنية .
لقد تأقلم المجتمع التبسي مع هذه الخلافة بسرعة لبداهته الجبلية و فطنته المتناهية لأن الدين الإسلامي دين الفطرة السليمة والمنطق السليم وأيضا لانهم وجدوا في العدالة الإجتماعية والعدل في إعطاء الحقوق وفرض الواجبات ...
هذه خطوة ولبنة في طريق تخليد الأماجد وكشف تاريخ هذه البلدة المشهورة والمغمورة في نفس الوقت .مشهورة بياريخها العريق ورجالها الأفذاذ ومغمورة بإهمال الكتاب والباحثين والمؤلفين ولعل هذا الجهد البسيط مع ما كتب والف على قلته يفتح الشهية لأبناء هذه المدينة ليساهموا بما ولو بالقليل في بيان مزاياها وخصائصها وتاريخها ليطلع عليه أبناءها بالدرجة الأولى ثم ليستنير به محبوا الإطلاع والإستكشاف
خير ما نختم به أبيات للشاعر والأديب محمد الشبوكي – رحمه الله – :
هذي تبسه فأنظر الآثــــــار *** واستنطق الأحقاب والأســوار
وأستجل في الصفحات تاريخ الألـى ***سادوا بأرض إفريقية أعصــارا
حسبوا ضلال أنها أمست لهـــم *** وتجاهلوا أهل الحمى الأحـــرارا
فنبت بهم أيامهم وتقلصــــت *** آمالهم فتولوا الأدبــــــار ا
فبنوا نوميديا الأشاوس صممــوا *** أن يطردوا دخلاءها الأشــرارا
وكتائب الإسلام أقبل زحفـــها *** تهب البلاد العدل والأنــــوارا
وتبث دين الله في أرجائهــــا *** وتزيل غلا قيد الأفكـــــارا
فتطهرت أرض الأطالس كلهــا *** وتحررت من قيدها إجبــــارا
إلى لقاء آخر وفصل جديد من تاريخ مدينة تبسة بحول الله وقدرته .
ملاحظة : الكتب التي إعتمد عليها صاحب الموضوع
تبســــــــة وأعلامهــــا . للدكتور أحمد عيساوي
كتاب مرشد عام للمتحف والمعالم الأثرية بتبسة للأستاذ علي سلطاني
" الخلافة الإسلامية "
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله
وصحبه ومن والاه وبعد :
شهدت مدينة تبسة تعاقب الكثير من الحضارات البشرية وإستوطنها العديد من الدول والمماليك منذ القدم خلفت لنا مجموعة من المعالم والأمارات الدالة على عظمتها و تبين مدى الأهمية التي كانت تتميز بها من حيث المكانة والتواجد في منطقة شمال إفريقيا
لقد مرت من هنا الحضارة العاترية والرومانية والوندالية والبيزنطية وكذا الحضارة الإسلامية والتي ولهن الحمد نحن الآن نتنعم بنعمة الإسلام بفضل الله ثم بفضل جهود أولئك البواسل من الصحابة والتابعين الذين قدموا لنا أفضل هدية وأرشدونا إلى أقوم دين وأسسوا أعظم الحضارات ألا وهي الحضارة الإسلامية.
بجهدنا المقل ومصادرنا الشحيحة سنحاول تسليط الضوء على هذه الفترة المباركة "الحضارة الإسلامية "في مدينتا متطرقين إلى بدايات الفتح الإسلامي وكيفية دخولها والتعرف على مختلف المماليك والدول التي تواجدت تحت رايتها وأهم منجزاتها وآثارها بشكل مبسط وسلس مبتعدين نوعا ما عن سرد التواريخ للإختلافات الكثيرة الموجودة في المصادر مع إتفاقهم على الوقائع والأحداث
الفتح الإسلامي لمنطقة لتبسة
تعد مدينة تبسه من المدن التي وصلها الإسلام قبل غيرها من المدن الجزائرية فقد كانت أولى المواجهات بين الفاتحين المسلمين والرومان البيزنطيين سنة 21 ه /647 م تقريبا قرب مكان يسمى سبيطلة والتي تروي المصادر التاريخية أنها تعتبر تابعة إلى منطقة تبسه بين جرجير ملك الروم وعبد الله بن أبي سرح أمير المسلمين .والتي أنتصر فيها الجيش الإسلامي .
لما وصل عقبة بن نافع على رأس عشرة آلاف مقاتل سنة 29 ه / 681م وفتح قرطاج بتونس أقام أول مسجد في شمال إفريقيا وهو المعروف حاليا بجامع القيروان من 50/ 55 ه
انطلق عقبة بن نافع بعدها ليفتح عدة مناطق في إفريقيا من ضمنها مدينة تبسة إذ توجه بكامل قواه العسكرية المذكورة آنفا متجها نحوها 40/41 ه
وجد الفاتحون صعوبة كبيرة في فتح المنطقة لصلابة وقوة البربر السبب الذي أدى إلى حملتين عسكريتين فشلت الأولى ونجح البربر في صدها ونجحت الحملة الثانية .
الحملة الأولى انطلق جيش المسلمين الفاتحين بقيادة حسان بن النعمان الغساني والصحابي الجليل عقبة بن نافع و من القيروان خصيصا باتجاه المدينة لفتحها مواجهين جيش البربر بقيادة الكاهنة وأبنائها .غرب مدينة تبسه اشتبك الجمعان على ضفاف جبال سردياس و تاغدة والتي تبعد – 20 كلم غرب مدينة تبسه –
انتصر في هته المواجهة جيش البربر وتم قتل القائد والصحابي الجليل عقبة بن نافع الفهري من قبل الكاهنة وأبنائها بعدما أعطوه العهود والمواثيق ثم غدروا به
وقد اختلفت المصادر والروايات التاريخية في عدد الضحايا الفاتحين فرواية تقول إستشهد 300 فاتح وأخرى 80 .وتم أسر 80 من بينهم القائد الإسلامي المسمى بخالد العبسي الذي إحتفظ به الجيش البربري وأطلقت صراح الباقي بعد مدة .
يذكر أن الكاهنة حكمت هي وأبناءها المنطقة حوالي خمسة سنوات بعد هذه المعركة وسلكت سياسة الأرض المحروقة لسد الطريق أمام المسلمين الفاتحين .
الحملة الثانية
عاد الفاتح حسان بن النعمان ثانية ليفتح منطقة تبسه .اختلف المؤرخون في التاريخ على ثلاثة أقوال والراجح منها 81 ه /698م . تذكر المصادر أن هذه المرحلة تميزت بعنف المواجهات وشدتها .
دارت أهم معركة في قرب بئر ماء قرب مدينة بئر العاتر أصبح فيما بعد يسمى ببئر الكاهنة حيث تمكن القائد حسان من القضاء على الكاهنة وأسر أبنائها
من هنا كانت بداية فتح باقي مناطق إفريقيا الشمالية الغربية .انطلق المسلمون الفاتحون في كل اتجاه متخذين سبيل الإصلاح وإعادة الأمور إلى نصابها من إفراد الله جل وعلى بالعبادة ونبذ ما يعبد من دونه من آلهة وثنية وأحجار وفرض العدالة الاجتماعية بين السكان بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله فيما بينهم في كل الميادين والمجالات الاجتماعية والثقافية والإدارية والسياسية
فتح مديــنة تبسة
تبسه آنذاك كان بها أميرا قويا له هيبة قوية تعداد جيشه ثمانية عشر ألف مقاتل لا يعصون له أمرا. متحصنا بسورها العظيم متخذا من أبراجها موقعا مميزا لدفاع والمواجهة
كان يقود جيش المسلمين تحت إمرة عقبة ابن نافع كل من عبد الله بن جعفر وفيصل الدفاعي .عند نهاية المعارك كانت نتائجها سقوط خمسة آلاف من جيش أمير تبسه وألفي مجاهد من الفاتحين الذين فتحوا ثغرة في الصور بالجهة الشرقية دخل عبد الله إلى داخل السور في يوم مطير وجاء عقبة بن نافع الذي ليرفع الراية على سور تبسة وهم يهتفون لا إله إلا الله ...
كما مر عليها عقبة بن نافع في حملته الثانية 62ه الموافق 682 م هو وعبد الله بن أي سرح ودخلوا تبسة دون مقاومة تذكر
الدول والمماليك الإسلامية التي حكمت تبسة
ظلت تبسة تابعة لولاية القيروان تحت ظل الخلافة الأموية إلى غاية تقلد العباسيين مقاليد الحكم حيث أرسل الخليفة العباسي هارون الرشيد 170/193 واليا مستقلا على إفريقيا وهو إبراهيم ابن الأغلب والذي سميت فترت حكمه بدولة الأغالبة 184ه.306 م /296ه.909م ثم دخل تحت نفوذ الدولة الفاطمية . لتخضع بعدها لحكم المماليك الإسلامية المستقلة ببلاد إفريقيا بداية بدولة بني زير ثم دولة الرستميين ثم الصنهاجيين
وقعت تبسة بعد ذلك لحكم الفاطميين الشيعة - والتي كان المعز لدين الله الفاطمي حاكمها - والذين دخلوا تبسة بقيادة أبو عبد الله الصنعاني حيث هاجمها وإحتلها سنة 311/365ه
ليستولي عليها بعد ذلك الهلاليون والذين كانت تعد منطقة مهمة جدا بالنسبة لهم حيث كانت نقطة عبور استراتيجية ثم الحماديين فالمرابطين فالموحدون الذين بسطت دولتهم نفوذها السياسي على جل مناطق المغرب الكبير فترة يسيرة من الزمن .
وقد تخلل حكم هذه المالليك عدة حروب وصراعات ومعارك طاحنة وتبقى في مد وجزر جعلت المنطقة تعبش في فوضى عارمة بين سنوات 365 ه إلى غاية 548 ه / 1153م إلى أن خرج الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن خليفة الموحدي في جيش كبير – حوالي ثلاثين ألف ومعه حلفائه لجمع شمل كل الماطق وقتال كل المنشقين فكان له ذلك
لتبقلى منطقة تبسه تحت حكم الموحدين لغاية سنة 758 ه أين تمكنت الدولة الحفصية من القضاء على الموحدين وتحكم المنطقة لحين تمكن الحفصيين من الاستيلاء عليها وبسط نفوذهم إلى غاية قيام الخلافة العثمانية
الخلافة العثمانية في تبسة
حينما قامت الدولة العثمانية على حساب العباسيين كان من البديهي أن تفرض سيطرتها على كامل الأرض الإسلامية فجيش الجيوش وأرسلت الرسل وعينت امراء جدد في كل المناطق ومن بينها منطقة تبسه التي عين فيها النوبا – لقب أغا – كان مجهزا بأسلحة متطورة حسب تلك المرحلة من أهمها المدفعية والتي كان تعدادها حوالي أربعين مدفعا مجهزا
بعد أن بسط الأتراك نفوذهم الإداري والسياسي وضعوا حراسة مشدد داخل المدينة وعلى أبواب سورها . وتميزوا أيضا بفرض الضرائب والغرامات الكبيرة على السكان وكذا إحتقارهم. الأمر الذي أدى إلى غضب الأهالي وخاصة من قبيلة النمامشة الذين عرفوا بأنفتهم وحبهم الشديد لكرامتهم ورجولتهم الذين قاموا بالعديد من الصدامات التي أدت إلى نشوب معارك وثورات شعبية ضد العثمانيين امتدت من سنة 1739 إلى سنة 1824 أين تمكن العثمانيين بمساعدة باي قسنطينة الوزناجي ولكن لفترة وجيزة دامت 5 سنوات إلى حين دخول الاحتلال الفرنسي الجزائر سنة 1830 م
أهم آثار الخلافة الإسلامية بتبسة
لم تخلف لنا الحضارة الإسلامية آثارا إلا معلما واحدا مازال شاهدا على مرورهم من هنا وهو مسجد العتيق الذي أسس في آخر أيام الخلافة العثمانية وكان نهاية بنائه و افتتاحه في سنة 1842 وهو نفس التاريخ الذي دخلت فيه القوات الفرنسية للمدينة
كان مسجد العتيق تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة وكذا بعض دروس الوعظ من طرف الأئمة الذين توظفهم فرنسا مما أدى إلى قلة رواده عزوف الكثير من السكان على الصلاة فيه وحضور الجمع والأعياد وخاصة مع تحريم الشيخ العربي التبسي الصلاة فيه بعد صدور فتوى جمعية العلماء المسلمين بحرمة الصلاة وراء الأئمة المعينين من طرف السلطات الفرنسية وقد أدى هذا الوضع إلى ركود علمي و إنتشار الجهل بين الأهالي إلا زمرة يسيرة ممن يرسلهم أهليهم إلى جامع الزيتونة و الجريد ونفطة وكذا الأزهر لحين قدوم الشيخ الإمام العربي التبسي الذي أسس مسجدا جديدا ومدرسة بدا يعلم ويوجه ويرشد الأهالي فبدا السكان يسترجعون عافيتهم العلمية و يستزيدون من العلوم الشرعية وينهلون من معين العقيدة الصحيحة على يد الشيخ العربي التبسي رحمه الله .ومازال لحد الأن يرفع فيه الأذان و تقام فيه الصلوات .
من أعلام تبسة خلال الخلافة الإسلامية
تميزت فترة الخلافة الإسلامية بمدينة تبسه ببروز نخبة من العلماء وطلاب العلم الذين برزوا في العلوم الشرعية و نالوا أعلى الدرجات العلمية و أسمى الألقاب وعلى كثرتهم لكن المصادر لم تتطرق إلى حياتهم العلمية وتراثهم بشكل موسع وإنما أكتفت بإشارات يسيرة تجعلنا نتأسف حينما نرى علماء المشرق بلغوا من الشهرة ذروتها في وقت دفن ذكر علماء تبسة وتلاشى ذكرهم حين لم يجدوا من يعرف الناس بهم وسأضع بين أيديكم ثلاثة أمثلة من تلك الثلة المبارك
الشيخ عمر بن عبد الله القفصي التبسي
سديد الدين محدث من كبار العلماء من أهل تبسه رحل إلى المشرق ولقي كقي جماعة من كبار الشروخ . كتب عنه المؤرخ الشهير إبن عديم صاحب التاريخ الكبير "بغية الطلب في تاريخ حلب " وقد توفي رحمه الله حوالي 620ه/1222م
الشيخ محمد بن ناجي التنوخي التبسي
من قبيلة تنوخ العربية التي نزحت للمغرب الإسلامي مع موجة الفتوحات الإسلامية ولد بالمغرب الأقصى ثم رحل إلى القيروان وصار خطيبا في جامع الزيتونة حيث قضى واحد وعشرون سنة خطيبا فيه كما تقلب في عدد من المناصب العلمية والفقهية فقد ولي قضاء جزيرة جربه ثم ولي بعدها قضاء مدينة باجة التونسية ثم قضاء مدينة قابس . وقد صنف العديد من المؤلفات الشهيرة من أهمها مؤلفه الشهير " معالم الإيمان في وصف المساجد القديمة وتاريخ بناء القيروان "
توفي في تبسه سنة 800ه / 1397 م
الشيخ محمد بن عيسى التبسي
شمس الدين أبو عبد الله ،قاض ،نحوي ، من كبار العلماء من أهل التبسة ، رحل الى المشرق فدخل مصر و الشام وبلاد الروم ، و أخد عنه جماعة من العلماء ، قال الإمام ابن حجر العسقلاني فيه : كان جامعا بين المعقول و المنقول ، ولي قضاء حماة بسورية و أقام بها مدة ،ثم توجه الى بلاد الروم فأقام بها أيضا وأقبل عليه الناس ، و كان حسن الفهم ، شعلة نغار في الذكاء ، كثير الاستحضار ، عارفا بعدة علوم خصوصا العربية ، مات ببرصة من بلاد الروم حوالي 840ه 1436م
الشيخ محمد بن عبد الله التبسي :
ولي الدين محمد بن عبد الله التبسي ، العالم الغوي الشهير ،و الفقيه المالكي المشهور ، ذو التصانيف الجليلة و المؤلفات الرصينة من أهل تبسة ، رحل إلى المشرق و مكث به و صار من أعلام المالكية بالشام ، ترك الكثير من الشروحات و الحواشي على متون المالكية ،توفي بالشام سنة 1336م .
الخاتمة
يتبين لك أخي القارئ الكريم من خلال ما سبق بيانه أن تبسه كانت من أهم المواقع الإستراتيجية بالنسبة لجل الحضارات التي تعاقبت عليها وبالأخص الخلافة الإسلامية فقد كانت بحق بوابة الشرق ومنطلق الفتوحات الإسلامية إلى بلاد المغرب وإفريقية وقد رأينا أيضا بسالة الفرد التبسي و حبه لأرضة وتطلعه للحرية وقد ظهر هذا جليا من خلال الصعوبات التي وجدها الفاتحون إبان المعارك التي دارت بين الطرفين .وأيضا لاحظتم معي النهضة العلمية والوعي الديني الذي إنتشر وسط المجتمع التبسي الذي ادى إلى بروز مجموعة من العلماء المشهود لهم بالرسوخ في العلم وتبحرهم في مختلف فروعه الحديثية والفقهية والقرآنية .
لقد تأقلم المجتمع التبسي مع هذه الخلافة بسرعة لبداهته الجبلية و فطنته المتناهية لأن الدين الإسلامي دين الفطرة السليمة والمنطق السليم وأيضا لانهم وجدوا في العدالة الإجتماعية والعدل في إعطاء الحقوق وفرض الواجبات ...
هذه خطوة ولبنة في طريق تخليد الأماجد وكشف تاريخ هذه البلدة المشهورة والمغمورة في نفس الوقت .مشهورة بياريخها العريق ورجالها الأفذاذ ومغمورة بإهمال الكتاب والباحثين والمؤلفين ولعل هذا الجهد البسيط مع ما كتب والف على قلته يفتح الشهية لأبناء هذه المدينة ليساهموا بما ولو بالقليل في بيان مزاياها وخصائصها وتاريخها ليطلع عليه أبناءها بالدرجة الأولى ثم ليستنير به محبوا الإطلاع والإستكشاف
خير ما نختم به أبيات للشاعر والأديب محمد الشبوكي – رحمه الله – :
هذي تبسه فأنظر الآثــــــار *** واستنطق الأحقاب والأســوار
وأستجل في الصفحات تاريخ الألـى ***سادوا بأرض إفريقية أعصــارا
حسبوا ضلال أنها أمست لهـــم *** وتجاهلوا أهل الحمى الأحـــرارا
فنبت بهم أيامهم وتقلصــــت *** آمالهم فتولوا الأدبــــــار ا
فبنوا نوميديا الأشاوس صممــوا *** أن يطردوا دخلاءها الأشــرارا
وكتائب الإسلام أقبل زحفـــها *** تهب البلاد العدل والأنــــوارا
وتبث دين الله في أرجائهــــا *** وتزيل غلا قيد الأفكـــــارا
فتطهرت أرض الأطالس كلهــا *** وتحررت من قيدها إجبــــارا
إلى لقاء آخر وفصل جديد من تاريخ مدينة تبسة بحول الله وقدرته .
ملاحظة : الكتب التي إعتمد عليها صاحب الموضوع
تبســــــــة وأعلامهــــا . للدكتور أحمد عيساوي
كتاب مرشد عام للمتحف والمعالم الأثرية بتبسة للأستاذ علي سلطاني