أنا من طائفة الفلافل
روى الشاعر الأردني حيدر محمود في أحد مقالاته القديمة, حين كان سفيراً في تونس, عن جلسةٍ جمعته بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات, والشاعر محمود درويش, وحديث ياسر عرفات عن قصةٍ غريبة حصلت معه, حيث ورده إتصال من أنديرا غاندي التي كانت تخوض وحزبها إنتخابات الرئاسة الهندية, وقال عرفات لرفقائه في الجلسة : فوجئت بإتصالها وهي تطلب مني يد العون في هذه الإنتخابات, ولم أفهم قصدها إذ كيف يمكني كفلسطني أن أساعد مرشحاً للفوز بإنتخابات الرئاسة الهندية ؟ ويروي عرفات الحادثة _ وأنا هنا أسردها من الذاكرة وتغيب عني بعض التفاصيل_ بعد هذا الإتصال توجهت إلى الهند بناءاً على طلب الصديقة أنديرا غاندي, وحين وصلت كالعادة أستقبلوني بحفاوة بالغة, وعلى الفور طلبت مني أنديرا أن نتحدث في قضية مهمة, حينها سألتها عن دوري في مسألة الإنتخابات الرئاسية وكيف يمكن أن أفيدكم ؟ فقالت أنديرا : يوجد طائفة في الهند يقرب تعدادها حوالي عشرون مليون شخص ويقف على رأس هذه الطائفة فلسطيني, يدينون له بالولاء ويعظمونه تعظيم الآلهة ! نطلب إليك المساعدة في إستمالته وجعله يصدر الأوامر لأتباعه كي يصوتوا لمصلحة الحزب, لأن موقفنا محرج ونحتاج هذا الكم من الأصوات لنفوز بالإنتخابات.
عرفات الذي أستمع لهذه الروابة, حاول أن يستوعب الأمر, وكأنها قصة من الخيال أو خرافة يتداولها الناس للتسلية, لكنه أستفاق على حقيقتها حين تواصل مع هذا الشخص, ورأى ما يمثله لدى هذه الطائفة الهندية, وبعد شد وجذب قَبِل زعيم الطائفة إكرماً لعرفات بأن يدعم وأتباعه حزب أنديرا, وبالفعل تم الأمر وأستحوذ حزب أنديرا غاندي على الأصوات المطلوبة وأستلم الحزب الحكم في البلاد, وعاشت الهند تلك الفترة نهضة صناعية بقيادة أنديرا, إبنة الزعيم الهندي الكبير جواهر لال نهرو, أول رئيس وزراء للهند بعد الإستقلال .
الديانات والطوائف التي تنتشر حول العالم, لا يعلم عددها إلا الله, وقد صادفت الكثير من الديانات الغريبة أثناء محاولاتي الإطلاع على عقائد الآخرين, حاولت أن أفهم كيف تكونت هذه الإعتقادات وكيف أقتنع بها الناس وقدسوا مبتكريها, وأتضح لي أن الأمر قد يستغرق ربما عمرأً فوق عمري كي أُلم بهذه المعرفة, وأكتفيت بالإطلاع دون فهم الأسباب, ومن عبادة كائنات فضائية غامضة نزلت إلى الأرض في الأزمنة الغابرة وبنائها للحضارات التي سكنها الإنسان فيما بعد وخطى أولى خطواته نحو في الحياة إلى من يعبدون فيلب الأمير البريطاني, مروراً بعبادة فلاديمير بوتن لدى أحد الطوائف الحديثة النشأة وأعتقادهم بأنه إله يريد تخليصهم من أتباع المسيح الدجال, وصولاً لعبادة الفئران والبقر وفروج النساء والأعضاء الذكرية للرجال, كُنت أتتبع الديانات والطوائف, كأن أحدهم قال لي راقب هذان الخطان المتوازيان وحين يلتقيان أرجو أن تعلمني بذلك !
كان علماء الدين الإسلامي يدرسون شريعة محمد طوال حياتهم وكانوا كل يومٍ يخرجون بشيء جديد, ومات الكثير منهم وهم لم ينتهوا بعد, فما بالكم بشخصٍ أحمق مثلي أرد أن يَطلع على كل ديانات الأرض ومذاهبها؟! لا بد أنه ضرباً من الجنون وليس لك من حلولٍ, سوى أن تأخذ القليل من كل ما تصادفه من هذه المعتقدات من باب العلم بالشيء وصلى الله وبارك .
العقل البشري بالغ التعقيد, وطريقة ترجمته للبيانات المدخلة إليه, يحتاج فهمها بالشكل الدقيق ربما مئات السنين إن أخذنا بالحسبان الكم الهائل من الأحداث والمعلومات المختلفة التي يتلقاها ويتطلب منه أن يتعامل معها بشكل فوري وسريع, ولو تركنا حاجته ( الإنسان ) لمعتقد ديني أو فكري كي ينظم حياته, وأستعرضنا فقط أداءه حين يتعرض شخص ما لحالات الخوف والطواريء, سندرك حتماً عظمة هذا الجزء الحي المليء بالعجائب والمفاجآت, وقد قرأت قولاً أعجبني مفاده أن العقل ليس فقط ذلك الجزء الموجود داخل الجمجمة, بل أن المُحدثات التي أبتدعها العقل البشري كالكومبيوتر والآلة الحاسبة وغيرها, هي جزء من الدماغ البشري وإضافة لا تنفصل عنه وهو بالتالي زاد من قدراته على الإنطلاق والبحث والمعرفة والتخزين وأصبحت المساحة التي يتحرك فيها مادياً وفكرياً لا حد لها .
كل يومٍ نجد فكرة جديدة, تحليل جديد لكل ما حولنا ويذهب العقل لإيجاد أي فكرة تتطابق مع ميوله أو تختلف مع ما هو متعارف عليه في العلوم والفلسفات وحتى الأديان, ولهذا أصبح أمر الإعتقادات الدينية _بعيداً عن الأديان السماوية_ يرتبط بقدرة العقل البشري على خلق ما هو جديد وما يراه صالحاً لحياته وقيمه التي يؤمن بها.
لن أجد أي غرابة إذا صادفت مثلاً من يعبد الأنف والأذن والحنجرة, متأثرين بأطباء هذا الإختصاص أو من يعبدون برامج (microsoft office) لأنهم وجدوا فيها ما ينظم حياتهم, أو من يعبدون المعكرونة لسهولة صنعها وأكلها, وما دام العقل البشري بعيداً عن السماء ستمتلىء الأرض بمذاهب وطوائف العقل والتفكير.
يؤسفني جداً الحال التي وصلنا إليها في عالمنا العربي والنزعة الطائفية التي حصدت الكثير من الأرواح وسفكت الدماء, مِن أشخاص نصبوا أنفسهم وكلاء الله على الأرض في محاسبة خلقه, بالسكين والرصاص والقنابل حتى دون الرجوع للنصيحة أو حتى المحاسبة عبر القانون وقنواته الرسمية, الشيعة والسنة مُجبرون على أن يتعايشوا سوياً, والتاريخ يَشهد أن حروبنا المذهبية لم تصل إلى أي نتيجة وكنا خاسرين حتى وإن ظنت إحدى الطائفتين أنها ربحت, وأستذكر هنا قولان للفاروق عمر وللإمام علي رضي الله عنهما :
يقول الفاروق عمر بن الخطاب : أعقل الناس , أعذرهم للناس .
ويقول الإمام علي بن أبي طالب : دليل عقل المرء فعله , ودليل علمه قوله.
هذا ما قاله سلفنا الصالح في مخاطبة العقل والعقلاء, ولم يكن الحث على القتل والسحل والتفجير وترويع الآمنين وأخذ الحق باليد دون الرجوع لمن هو مسؤول عن أخذ الحقوق.
أنا شخص مُسلم أحب ( الفلافل ) بالرغم من معدتي المهترئة التي لا تحتمل الكثير من المقليات إلا أنني أعد نفسي راهب فلافل , أغيب عنها يوم ولا أتركها يومان متتابعين واقترحت لنفسي أن أحمل مُعتقد مسلم من طائفة الفلافل علِّ أتخلص من لعنة الطائفية التي تنجر إليها الأمة بلا هوادة بين السنة والشيعة, ومن أراد طائفة المندي فليكن ومن أراد طائفة الفول فليكن وعند أخواننا في المغرب العربي أطلب منهم أن يعتمدوا طائفة ( الكسكس ) وكفى الله المؤمنين شر القتال !
زيــد سلامة
25/6/2013
نُشرت بالتزامن على مدونتي
أوقاتكم طيبة و تحياتي للجميع .
روى الشاعر الأردني حيدر محمود في أحد مقالاته القديمة, حين كان سفيراً في تونس, عن جلسةٍ جمعته بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات, والشاعر محمود درويش, وحديث ياسر عرفات عن قصةٍ غريبة حصلت معه, حيث ورده إتصال من أنديرا غاندي التي كانت تخوض وحزبها إنتخابات الرئاسة الهندية, وقال عرفات لرفقائه في الجلسة : فوجئت بإتصالها وهي تطلب مني يد العون في هذه الإنتخابات, ولم أفهم قصدها إذ كيف يمكني كفلسطني أن أساعد مرشحاً للفوز بإنتخابات الرئاسة الهندية ؟ ويروي عرفات الحادثة _ وأنا هنا أسردها من الذاكرة وتغيب عني بعض التفاصيل_ بعد هذا الإتصال توجهت إلى الهند بناءاً على طلب الصديقة أنديرا غاندي, وحين وصلت كالعادة أستقبلوني بحفاوة بالغة, وعلى الفور طلبت مني أنديرا أن نتحدث في قضية مهمة, حينها سألتها عن دوري في مسألة الإنتخابات الرئاسية وكيف يمكن أن أفيدكم ؟ فقالت أنديرا : يوجد طائفة في الهند يقرب تعدادها حوالي عشرون مليون شخص ويقف على رأس هذه الطائفة فلسطيني, يدينون له بالولاء ويعظمونه تعظيم الآلهة ! نطلب إليك المساعدة في إستمالته وجعله يصدر الأوامر لأتباعه كي يصوتوا لمصلحة الحزب, لأن موقفنا محرج ونحتاج هذا الكم من الأصوات لنفوز بالإنتخابات.
عرفات الذي أستمع لهذه الروابة, حاول أن يستوعب الأمر, وكأنها قصة من الخيال أو خرافة يتداولها الناس للتسلية, لكنه أستفاق على حقيقتها حين تواصل مع هذا الشخص, ورأى ما يمثله لدى هذه الطائفة الهندية, وبعد شد وجذب قَبِل زعيم الطائفة إكرماً لعرفات بأن يدعم وأتباعه حزب أنديرا, وبالفعل تم الأمر وأستحوذ حزب أنديرا غاندي على الأصوات المطلوبة وأستلم الحزب الحكم في البلاد, وعاشت الهند تلك الفترة نهضة صناعية بقيادة أنديرا, إبنة الزعيم الهندي الكبير جواهر لال نهرو, أول رئيس وزراء للهند بعد الإستقلال .
الديانات والطوائف التي تنتشر حول العالم, لا يعلم عددها إلا الله, وقد صادفت الكثير من الديانات الغريبة أثناء محاولاتي الإطلاع على عقائد الآخرين, حاولت أن أفهم كيف تكونت هذه الإعتقادات وكيف أقتنع بها الناس وقدسوا مبتكريها, وأتضح لي أن الأمر قد يستغرق ربما عمرأً فوق عمري كي أُلم بهذه المعرفة, وأكتفيت بالإطلاع دون فهم الأسباب, ومن عبادة كائنات فضائية غامضة نزلت إلى الأرض في الأزمنة الغابرة وبنائها للحضارات التي سكنها الإنسان فيما بعد وخطى أولى خطواته نحو في الحياة إلى من يعبدون فيلب الأمير البريطاني, مروراً بعبادة فلاديمير بوتن لدى أحد الطوائف الحديثة النشأة وأعتقادهم بأنه إله يريد تخليصهم من أتباع المسيح الدجال, وصولاً لعبادة الفئران والبقر وفروج النساء والأعضاء الذكرية للرجال, كُنت أتتبع الديانات والطوائف, كأن أحدهم قال لي راقب هذان الخطان المتوازيان وحين يلتقيان أرجو أن تعلمني بذلك !
كان علماء الدين الإسلامي يدرسون شريعة محمد طوال حياتهم وكانوا كل يومٍ يخرجون بشيء جديد, ومات الكثير منهم وهم لم ينتهوا بعد, فما بالكم بشخصٍ أحمق مثلي أرد أن يَطلع على كل ديانات الأرض ومذاهبها؟! لا بد أنه ضرباً من الجنون وليس لك من حلولٍ, سوى أن تأخذ القليل من كل ما تصادفه من هذه المعتقدات من باب العلم بالشيء وصلى الله وبارك .
العقل البشري بالغ التعقيد, وطريقة ترجمته للبيانات المدخلة إليه, يحتاج فهمها بالشكل الدقيق ربما مئات السنين إن أخذنا بالحسبان الكم الهائل من الأحداث والمعلومات المختلفة التي يتلقاها ويتطلب منه أن يتعامل معها بشكل فوري وسريع, ولو تركنا حاجته ( الإنسان ) لمعتقد ديني أو فكري كي ينظم حياته, وأستعرضنا فقط أداءه حين يتعرض شخص ما لحالات الخوف والطواريء, سندرك حتماً عظمة هذا الجزء الحي المليء بالعجائب والمفاجآت, وقد قرأت قولاً أعجبني مفاده أن العقل ليس فقط ذلك الجزء الموجود داخل الجمجمة, بل أن المُحدثات التي أبتدعها العقل البشري كالكومبيوتر والآلة الحاسبة وغيرها, هي جزء من الدماغ البشري وإضافة لا تنفصل عنه وهو بالتالي زاد من قدراته على الإنطلاق والبحث والمعرفة والتخزين وأصبحت المساحة التي يتحرك فيها مادياً وفكرياً لا حد لها .
كل يومٍ نجد فكرة جديدة, تحليل جديد لكل ما حولنا ويذهب العقل لإيجاد أي فكرة تتطابق مع ميوله أو تختلف مع ما هو متعارف عليه في العلوم والفلسفات وحتى الأديان, ولهذا أصبح أمر الإعتقادات الدينية _بعيداً عن الأديان السماوية_ يرتبط بقدرة العقل البشري على خلق ما هو جديد وما يراه صالحاً لحياته وقيمه التي يؤمن بها.
لن أجد أي غرابة إذا صادفت مثلاً من يعبد الأنف والأذن والحنجرة, متأثرين بأطباء هذا الإختصاص أو من يعبدون برامج (microsoft office) لأنهم وجدوا فيها ما ينظم حياتهم, أو من يعبدون المعكرونة لسهولة صنعها وأكلها, وما دام العقل البشري بعيداً عن السماء ستمتلىء الأرض بمذاهب وطوائف العقل والتفكير.
يؤسفني جداً الحال التي وصلنا إليها في عالمنا العربي والنزعة الطائفية التي حصدت الكثير من الأرواح وسفكت الدماء, مِن أشخاص نصبوا أنفسهم وكلاء الله على الأرض في محاسبة خلقه, بالسكين والرصاص والقنابل حتى دون الرجوع للنصيحة أو حتى المحاسبة عبر القانون وقنواته الرسمية, الشيعة والسنة مُجبرون على أن يتعايشوا سوياً, والتاريخ يَشهد أن حروبنا المذهبية لم تصل إلى أي نتيجة وكنا خاسرين حتى وإن ظنت إحدى الطائفتين أنها ربحت, وأستذكر هنا قولان للفاروق عمر وللإمام علي رضي الله عنهما :
يقول الفاروق عمر بن الخطاب : أعقل الناس , أعذرهم للناس .
ويقول الإمام علي بن أبي طالب : دليل عقل المرء فعله , ودليل علمه قوله.
هذا ما قاله سلفنا الصالح في مخاطبة العقل والعقلاء, ولم يكن الحث على القتل والسحل والتفجير وترويع الآمنين وأخذ الحق باليد دون الرجوع لمن هو مسؤول عن أخذ الحقوق.
أنا شخص مُسلم أحب ( الفلافل ) بالرغم من معدتي المهترئة التي لا تحتمل الكثير من المقليات إلا أنني أعد نفسي راهب فلافل , أغيب عنها يوم ولا أتركها يومان متتابعين واقترحت لنفسي أن أحمل مُعتقد مسلم من طائفة الفلافل علِّ أتخلص من لعنة الطائفية التي تنجر إليها الأمة بلا هوادة بين السنة والشيعة, ومن أراد طائفة المندي فليكن ومن أراد طائفة الفول فليكن وعند أخواننا في المغرب العربي أطلب منهم أن يعتمدوا طائفة ( الكسكس ) وكفى الله المؤمنين شر القتال !
زيــد سلامة
25/6/2013
نُشرت بالتزامن على مدونتي
أوقاتكم طيبة و تحياتي للجميع .