رحلة طالب العلم التّـبسي في الماضي
- من ذكريات الزمن الجميل -
- من ذكريات الزمن الجميل -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فإن طلب العلم من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد لربه قال رسول الله عليه الصلاة
والسلام:" من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وان العالم ليستغفر له من في السنوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العلم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وان العلماء ورثة الأنبياء، وان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه اخذ بحظ وافر "
وقد قال معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه تعلموا العلم, فان تعلمه لله خشية, وصلبه عبادة, ومدارسته تسبيح, والبحث عنه جهاد, وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه, وبذل لاهله قربة, وهو الانيس في الوحدة, والصاحب في الخلوة).
لهذا فقد إعتنى اهل تبسة في الماضي بالعلم وسارعوا إلى تحصيله بما أتيحت لهم من إمكانيات ,وسنحاول أن نوضح لكم بعض تفاصيل رحلة طلب العلم بالنسبة للتبسيين في تلك الفتـــرة.
كان طالب العلم في تبسة في أواخر القرن الثامن عشر لا يتلقى في بلدته غير حفظ القرآن الكريم وشيء يسير من المبادئ الأولى في العلوم الدينية واللغة العربية على يد قلة من المعلمين والذين كانوا هم أيضا قليلي علم ومعرفة .
فإذا أراد طالب العلم الإستزادة من العلوم فما عليه إلا الإلتحاق بإحدى المعاهد أو المساجد الشهيرة في الوطن أو خارجه كمعهد ليانة ببسكرة أو معهد نفطة – الجريد - بتونس أو معهد إبن باديس بقسنطينة - عندما بني في اوائل القرن التاسع عشر-.
بعد حصوله على تعليم ديني معتبر ينتقل إلى جامع الزيتونة المعمور بتونس أو الأزهر بمصر أو القرويين بالمغرب أو الحجاز والتي كانت تعد أكبر المعاهد العلمية والشرعية في العلم أنذاك,عكس ما آلت إليه في الحاضر .
كانت رحلة الطالب في ذلك الوقت مثيرة وشاقة للغاية تختلف عن رحلة طالب العلم في زماننا .
بعد أن يكمل تعليمه الإبتدائي على يد شيوخه المحليين – من بلدته – يعطونه تزكية خطية لتكون دليله إلى وجهته والمعهد أو الشيخ المتجه إليه
تبدأ رحلته مع إنطلاق القافلة النصف سنوية والتي بنظم إليها بتوصية من والده الذي يتصل بقائد القافلة ويعطيه مبلغ من المال للعناية بإبنه وإيصال جزء منه لمدير المعهد الذي سيلتحق به الطالب .
يحمل الطالب معه ثلاث أجربة – نوع من الحقائب – محشوة بالرفيس والتمر والسويكة والزميطة المشبعة بالسمن والعسل الحر وكيس مملوءة بخبز الشعير وكل هذه الأمور قابلة للبقاء لمدة طويلة يتزود منها خلال رحلته الشاقة أطول وقت ممكن - وغالبا ما تكون من إعداد أمه –
عند إنتهاء مؤنته يقوم المعهد بتوفير الغذاء وشؤون الطالب معتمدا على الصدقات والهبات والتبرعات التي تقدم للمعهد
بعد سنة كاملة تعود القافلة ومعها الطالب ليمكث فترة الصيف بين أهله ليعود في العام المقبل إن تيسر له ذلك .
وأحيانا لا يعود الطالب في الإجازة الصيفية بل يعتمد على نفسه في تحصيل قوته وحاجياتها وأيضا ينتظر ما سيرسله والده من المال إن إستطاع …
وهكذا حتى يتم الطالب دراسته ويحصل على أعلى الشهادات التي يستطيع الصبر للوصول إليها ماديا وعلميا – من أبرزها شهادة الأهلية والتطويع والعالمية والتي تقابل في الوقت الحالي الليسانس والماجستير والدكتراه -
وعندما يكمل دراسته يعود لبلدة تبسة وهو مؤهل للتدريس والخطابة والتعليم
هذه لمحات يسيرة موجزة عن الرحلة العلمية لطالب التبسي ,والتي تكون غالبا لسنوات عدة, يتحمل خلالها الكثير من الصعاب والمشاق من جوع وقلة ملبس وغربةعن الأهل لهدف واحد هو العلم والتعلم.
لذا فأوصي نفسي وأحبتي باطلب العلم والصبر على ذلك وخاصة أن وسائله أصبحت سهلة ومتوفرة بحمد الله ومنه وكرمه ..
وقبل هذا كله وجب التحلي بالأخلاق الحميدة والتي بدونها لن يمكن لطالب العلم مهمى كانت درجته العلمية وقد صدق من قال :
لا تحسبنّ العلم ينفع وحده ***** ما لم يتوّج ربّه بخلاق
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
كتبه سمير زمال