محمد السلفي المالكي
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 4 أوت 2013
- المشاركات
- 248
- نقاط التفاعل
- 200
- النقاط
- 13
لسلام وعليكم قصة رائعة ومشوقة من كتاب نظرات ج1 للمنفلوطي لكنها طويلة نوعا ما اتمنى ان تعجبكم
-------------------------
غفوت إغفاءة طويلة لا علم لي بمداها ولا بما وقع لي فيها، ثم صحوت فرأيت نفسي في صحراء مد البصر مكتظة [مكتظة: مملوءة.] بأنواع من الخلق لا أحصيهم عدداً، فعلمت أني بعثت، وإنه يوم القيامة، فساورني [ساورته الهموم: واثبته وملكت ناصيته.] من الهم ما ساورني حين ذكرت ان مقداره ألف سنة من سني القيامة.
وقلت: من لي بالصبر على موقف يهلك فيه صاحبه ظمأ وجوعاً، ويحترق تحت أشعة شمس ليس بينه وبينها إلا قيد ظفر؟
فتماسكت بضعة أشهر، م لم أجد بعد ذلك إلى الصبر سبيلا، فزينت لي نفسي الكاذبة أن أذهب إلى رضوان خازن الجنان، وكنت أحمل شهادة التوبة في يدي لاسترحمه وألتمس منه الاذن بالدخول قبل انفضاض المحشر، فما زلت أرقيه بقصائد المدح المسومة [المسومة: المعلمة.] باسمه كما كنت أرقي بأمثالها أمثاله من عظماء العاجلة وسادتها، فما أبه [ابه: احتفل.] لي ولا فهم كلمة مما أقول.
انصرفت عنه إلى خازن آخر اسمه زفر فكان شأني معه شأني مع صاحبه؛ إلا أنه كان أرق منه وألين جانباً، فأشار علي بالذهاب إلى النبي الذي أتبعه، وأفهمني أن الأمر موكول إليه، فعدت وبين جنبي من الحسرة والألم ما الله عالم به، فبينما أنا أتخلل الصفوف، وازاحم الوقوف،إذ وقع بصري على حلقة من الناس تحيط بشيخ هرم، وانعمت النظر فيه، فإذا هو الشيخ أبو علي الفارسي النحوي، وإذا بالمحتفين به جماعة من شعراء العرب كلهم يخاصمه وكلهم ينقم عليه، هذا يقول له: رويت بيتي على غير وجهه؛ وذاك يقول: أعربته على غير ما أردت وذهبت، فدفعني الفضول كما دفعهم إلى النزول في ميدانهم فما فرغنا من الرفع والنصب والزيادة والحذف حتى أدركت شؤم ما فعلت، وعلمت أن شهادة التوبة قد سقطت مني في ذلك المعترك، فقلت: قبح الله الشعر والاعراب واللغة والآداب، إنها شؤم الآخرة والأولى.
وقفت أحير من ضب في حمارة قيظ [الحمارة ـ بالتشديد ـ شدة الحر.] لا أدري ما آخذ، وما أدع، حتى رميت بطرفي فإذا بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب في لفيف من العترة [عترة الشخص: عشيرته وأهله.] الطاهرة النبوية فدلفت [دلف: مشى مشياً متثاقلاً.] إليه وأبثثته [أبثه السر: كاشفه.] أمري وأمر الشهادة المفقودة فقال: لا عليك، ألك شاهد بالتوبة؟ قلت: نعم، فنودي بشهودي فشهدوا بتوبتي، فقال: تريث [تريث: أبطأ.] قليلاً حتى تمر فاطمة بنت محمد فنسألها في أمرك، فهي تمت إلى أبيها بما لا نمت به [تمت بالشيء: توسل به.] وكانت ممن قسم لهم دخول الجنة قبل فصل القضاء إلا أنها كانت تخرج كل حين للتسليم على أبيها، ثم تعود إلى مستقرها؛ فإنا لكذلك، وإذا بمناد ينادي ان غضوا أبصاركم يا أهل الموقف حتى تعبر فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، فهرعت إليها، فرأيتها راكبة مع أخوتها وجواريها على أفراس من نور، وتقدم من وعدني بسؤالها في أمري، فأنجز وعده، فقال لأخيها إبراهيم: دونك الرجل، فقال: تعلق بركابي، فتعلقت، فطارت الأفراس في الهواء تقطع الأجيال وتتخطى رؤوس القرون، حتى وافينا محمداً صلى الله عليه وسلم، واقفاً لشهادة القضاء، فقصت عليه فاطمة ما علمت من أمري، فراجع الديوان الأعظم فوجد اسمي في التائبين فشفع لي فعدت في ركب فاطمة فرحاً مستبشراً، وما كنت أقدر أن بين يدي عقبة الصراط، فلما وافيته وجدتني لا أستمسك عليه لرقته فأمرت فاطمة جارية من جواريها ان تعبر معي فأمسكت بيدي، فمشيت اترنح ذات اليمين وذات الشمال، وخفت السقوط فقلت لها: احمليني زقفونة، فقالت: وما زقفونة؟ فقلت: أما سمعت قول الجحجلول من أهل كفر طاب:
صلحت حالتي إلى الخلف حتى صرت أمشي إلى الورا زقفونة
فقالت: ما سمعت بزقفونة ولا الجحجلول ولا كفر طاب، فقلت: ألقي يدي فوق كتفيك، واجعل باطني إلى ظهرك، فحملتني، وجازت بي الصراط كالبرق الخاطف، حتى صرت إلى باب الجنة، فرمت الدخول فوقف رضوان في وجهي وقال: أين جوازك [الجواز: صك المسافر.] فبعلت [بعل بأمره: برم به فلم يدر ما يصنع فيه.] بالأمر؛ ثم رأيت في دهليز الجنة شجرة صفصاف فعالجته على أن يعطيني منها ورقة أعود بها إلى الموقف لأستكتب عليها الجواز فأبى؛ فقلت، وقد ملك الهم على رشدي وصوابي: أما والله لو أنك حارس على أبواب الكرماء، أو خازن الملوك والأمراء لما وصل شاعر إلى درهم، ولا سائل إلى سحتوت، [السحتوت في الأصل: السويق القليل الدسم، ثم أطلق على كل شيء قليل.] ولهلك الفقراء بؤساً وجوعاً، فسمع ابراهيم عليه السلام حواري [الحوار: مراجعة الكلام.] فجذبني جذبة حصلني بها في الجنة وصاحبي ينظر إلي شزراً فدخلت، فرأيت ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
رأيت انهاراً من الماء العذب أصفى من أديم السماء، وأصقل من مرآة الحسناء، تنصب فيها جداول من الكوثر، إذا جرع الشارب منها جرعة جرع ماء الحياة وأمن أن يذوق كأس المنون مرة أخرى، ورأيت جداول تفيض بالراح فيضاً قد زينت حوافيها بأباريق من العسجد، وكئوس من الزبرجد، فما نهلت منها نهلة حتى قلت لو كشف لأهل العاجلة عما في هذه الخمرة من اللذة لا يشوبها كدر، والنشوة التي لا يعقبها خمار [الخمار: صداع الخمر.] ما باعوا قطرة منها بكل ما تشتمل عليه بابل وقطر بل من من البواطي [جمع باطية، وهي إناء للشراب يوضع بين الشرب للاغتراف منه.] والدنان، ولو نظر الاقيشر الاسدي بعين الغيب إلى عسجد هذه الأباريق وزبرجد تلك الكئوس لخجل من نفسه أن يقول:
أفنى تلادي وما جمعت من نشب قرع القوازيز أفواه الاباريق
[القوازيز: جمع قازوزة، وهي قدح للشراب.]
وفي تلك الأنهار آنية ترفرف فوق سطحها على صورة الطيور كال****ي والطواويس والبط والعندليب ينحدر من مناقيرها شراب أرق من السراب وتسبح فيها أسماك من الذهب والياقوت:
يعمق فيها بأوساط مجنحة [محجنة: ذات احجنة.] كالطير تنشر في جو خوافيها
ورأيت أنهاراً من لبن، وأنهاراً من عسل لا يدرك الوهم كنهه إلا إذا أدرك ما يمتص نحل الجنة من أزهارها وأنوارها.
رأيت جميع تلك الأنهار مكبرة، ثم تمثلت في نظري مصغرة، فإذا هي سطور من النور، واحرف بيضاء في صحيفة خضراء، قرأتها فرأيتها "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن، وانهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، ولهم فيها من كل الثمرات".
ظللت أمشي فما أكاد أخطو خطوة حتى أرى منظراً عجباً ينسى السابق، ويشوق إلى اللاحق، فوددت لو طويت لي الأرض طياً فأتعجل النظر إلى ما غاب عني من الجنة وبدائعها. فما أخذ هذا الخاطر مكانه من نفسي حتى رأيت بين يدي فرساً من الجوهر المتخير مسرجاً ملجماً فعلمت أني قد سعدت وأنها الأمنية التي كنت أتمناها، فعلوت ظهره وغمزته غمزة خرج بها خروج الودق [الودق: المطر.] من السحاب، ولاسيف من القراب، [قراب السيف: غمده.] وعلى ماجهدته لم يشك إلي ما شكاه جواد عنترة العبسي إلي في قوله:
فأزور من وقع القنا بلبانه وشكا إلي بعبرة وتحمحم
أو ما شكاه جواد عمر بن أبي ربيعة إليه في قوله:
تشكي الكميت الجري لما جهدتـ ـه وبين لو يسطيع أن يتكلما
ذكرت أني، وأنا في الدار الفانية كنت أسمع بذكر الذاهبين الأولين من الأدباء والشعراء والرواة، فآسف على أن لم أكن في زمنهم أراهم وأحضر مجالسهم، فقلت ليت شعري ما فعل الله بهم في هذه الدار، وهل سعدوا شقوا، وهل يقيض لي من رؤيتهم في دار البقاء، ما لم يقيض في دار الفناء؟
ثم رميت بطرفي فإذا فارس يحضر فرسه [أحضر الفرس: ارتفع في عدوه.] في الهواء إحضاراً حتى تقاربنا فتماست الركب واختلفت الأعناق، فقال: أنتسب، فقلت: فلان، ومن أنت يرحمك الله، وقد فعل؟ فقال: عدي بن زيد العبادي، فدهشت وقلت: عدني ابن زيد في الجنة بعد الزيغ والضلال؟ فقال أنا عيسوي، وأنت محمدي، وليس لصاحبك على أحد حجة إلا بعد ظهوره، وبلوغ دعوته، فقلت: لا نكران؛ ولكن كيف لم يقعد بك فسقك وشرابك، وأين استهتارك في قولك:
بكر العاذلون في وضح الصبح يقولون لي أما تستفيق
ودعوا بالصبوح فجر أفجاءت قينة في يمينها إبريق
قال: غفر الله لنا ما غفر لكم، قلت: هل لك علم بجماعة الشعراء والرواة فقد تمنيت على الله أن أراهم فكنت عنوان الكتاب وفاتحة الإجابة! فقال: اصحبني، فطارت بنا الخيل، فقلت له: هل آمن ألا يقذف بي هذا السابح على خرة من الزمرد أو هضبة من الياقوت فيكسر لي عضداً أو ساقاً؟ فتبسم، وقال: أين يذهب بك؟ نحن في دار الخلود والبقاء.
مررنا بروضة من رياض الجنة يخترقها غدير خمري على شاطئه جمع كثير على سرر متقابلين، أو على الأرائك متكئين، فهوى صاحبي بفرسه فهويت هويه، وقلنا سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، فرحبوا بنا وهشوا للقائنا وانتسبنا فتعارفنا، ثم أخذوا فيما كانوا فيه، فإذا الأصمعي ينشد مروياته، وأبو عبيدة يسرد وقائع الحروب ومقاتل الفرسان، وإذا سيبويه والكسائي متصافيان بعد أن وقع بينهما في مجلس البرامكة ما وقع، وأحمد بن يحيى لا يضمر لمحمد بن زيد من الموجدة ما كان يضمر، لمحمد بن يزيد من الموجدة ما كان يضمر، وأخذت تهب من ناحية النهر نفحة عطرية ذكرتني بقول أعشى ميمون:
مثل ريح المسك ذاك ريحها
وعلى ذكر الأعشى ذكرت مصرعه وشقاءه، وقلت في نفسي: لولا أن قريشاً صدته عن الإسلام لكان اليوم بيننا في مجلسنا هذا، فسمعت هاتفاً من ورائي يقول: أنا بينكم، وفي مجلسكم، فالتفت فإذا الأعشى ميمون، فلم أدر من أي مدخليه أعجب، امن مدخله إلى الجنة؟ أم من مدخله إلى نفسي، وعلمه بما هجس في صدري؟ فعلمت أن أهل الجنة ملهمون، ثم سألته، كيف غفر لك؟ فقال: سحبتني الزبانية إلى سقر فرأيت في عرصات القيامة رجلاً يتلألأ وجه تلألؤ القمر والناس يهتفون به من كل جانب: الشفاعة يا محمد، فأخذت أخذهم، وهتفت هتافهم فأمر ان أدنو منه، فدنوت فسألني: ما حرمتك؟ فقلت: أنا القائل:
ألا أيهذا السائل ان يممت فإن لها في أهل يثرب موعدا
فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من وجى حتى تلاقي محمدا
متى ما تناخى عند باب ابن هاشم تراحى وتلقى من فواضله ندا
نبي يرى ما لا ترون وذكره أغار لعمري في البلاد وأنجدا
فقال: ما سمعتها منك قبل اليوم، فقلت: خدعتني عنك الناس بعدما شددت راحلتي إليك، وكنت رجلا أحب الشراب وخفتك عليه أن تفرق بيني وبينه، فشفع لي، فدخلت الجنة على ألا أذوق فيها الخمر، فقنعت بالرضاب عن الشراب، وبماء الثغر المنضود عن ماء العنقود، ورأيت بجانبه شاباً ريق الشباب، فسألت عنه فقيل لي: زهير بن ابي سلمى، فما كدت أصدق أنه القائل:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
فقلت له: بم غفر الله لك؟ فقال: كنت في جاهليتي أترقب مبعث محمد، وأتمنى البقاء حتى أراه، فحال بيني وبينه الموت؛ فأوصيت به ابني كعباً وبحيراً وكنت أؤمن بالحساب فما نفعني شيء ما نفعني قولي:
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب ويدخر ليوم الحساب أو يقدم فينقم
وإلى جانب زهير، عبيد بن الأبرص، فسألته عن مصير أمره؟ فقال: كتبت لي النار فما زال الناس يهتفون بقولي:
من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب
والعذاب يخفف عني شيئاً فشيئاً حتى خرجت ببركة هذا البيت من الجحيم إلى النعيم.
ذهبنا في الحديث كل مذهب وذهب بعضنا إلى ارتشاف الخمر من النهر، في آنية الدر، فانتشينا جميعاً فما افقنا إلا على حفيف رف [الرف: الطيع من الطير.] من إوز الجنة نزل بنا، ثم انتفض عن كواعب أتراب يغنين بالمزاهر والآلات الثقيل والخفيف والهزج، فما أتين على الألحان الثمانية حتى دارت بنا الأرض الفضاء، وحتى ملكنا من الطرب ما يستخف الحلوم ويطير بالهموم، وقلنا: لو علم جبلة بن الأيهم بما نحن فيه، لقرع السن على أن باع دينه بسرور محدود وأنس معدود، ودف وعود.
ذكرت جبلة فذكرت لذكره النار وقوله تعالى: (فاطلع فرآه في سواء الجحيم) فتمنيت أن أطلع فأرى المعذبين كما رأيت المنعمين؛ فألهمت الإذن؛ فأشرت لصاحبي فقام وقمت، وركبنا فرسينا فطارتا بنا حتى أنتهيا إلى سور الجنة فرأينا عنده من الداخل كوخاً يسكنه شيخ زري الهيئة، فأشرفنا عليه فقال: لا تعجبوا لشأني، أنا الخطيئة.. فوالله لولا أني صدقت مرة واحدة في حياتي في قولي:
أرى وجهاً شوه الله خلقه فقبح من وجه وقبح حامله
لما دخلت الجنة.. ولما أدركت كوخاً ولا حجراً؛ فتركناه.. وطلعنا، فما رآنا أهل النار حتى ضجوا بصوت واحد (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) فرأينا ملوكاً وأكاسرة يتضاغون [يقال: باب الصبيان يتضاغون من الجوع، أي: يتضورون منه.] في السلاسل والأغلال ويقولون: (ربنا ارجعنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل) فيهتف بهم هاتف (أو لم نعمركم؟ ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير).
ورأيت بجانبي أمرأة تبينتها فإذا هي الخنساء، تطلع مثلنا فترى رجلاً كالجبل الأشم على رأسه شعلة من النار. فتمتعض وتقول: يا صخرة.. هذا تأويل قولي فيك من قبل:
وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه النار
ورأيت هناك كثيراً من أمثال أمرئ القيس وعنترة وعمرو بن كلثوم وطرفة بن العبد، ورأيت بشاراً بن برد تفتح عيناه بكلاليب من نار، وكلما اشتد به الألم رفس إبليس برجله، وقال له ما كنت لأدخل النار لولا قولي فيك:
-------------------------
غفوت إغفاءة طويلة لا علم لي بمداها ولا بما وقع لي فيها، ثم صحوت فرأيت نفسي في صحراء مد البصر مكتظة [مكتظة: مملوءة.] بأنواع من الخلق لا أحصيهم عدداً، فعلمت أني بعثت، وإنه يوم القيامة، فساورني [ساورته الهموم: واثبته وملكت ناصيته.] من الهم ما ساورني حين ذكرت ان مقداره ألف سنة من سني القيامة.
وقلت: من لي بالصبر على موقف يهلك فيه صاحبه ظمأ وجوعاً، ويحترق تحت أشعة شمس ليس بينه وبينها إلا قيد ظفر؟
فتماسكت بضعة أشهر، م لم أجد بعد ذلك إلى الصبر سبيلا، فزينت لي نفسي الكاذبة أن أذهب إلى رضوان خازن الجنان، وكنت أحمل شهادة التوبة في يدي لاسترحمه وألتمس منه الاذن بالدخول قبل انفضاض المحشر، فما زلت أرقيه بقصائد المدح المسومة [المسومة: المعلمة.] باسمه كما كنت أرقي بأمثالها أمثاله من عظماء العاجلة وسادتها، فما أبه [ابه: احتفل.] لي ولا فهم كلمة مما أقول.
انصرفت عنه إلى خازن آخر اسمه زفر فكان شأني معه شأني مع صاحبه؛ إلا أنه كان أرق منه وألين جانباً، فأشار علي بالذهاب إلى النبي الذي أتبعه، وأفهمني أن الأمر موكول إليه، فعدت وبين جنبي من الحسرة والألم ما الله عالم به، فبينما أنا أتخلل الصفوف، وازاحم الوقوف،إذ وقع بصري على حلقة من الناس تحيط بشيخ هرم، وانعمت النظر فيه، فإذا هو الشيخ أبو علي الفارسي النحوي، وإذا بالمحتفين به جماعة من شعراء العرب كلهم يخاصمه وكلهم ينقم عليه، هذا يقول له: رويت بيتي على غير وجهه؛ وذاك يقول: أعربته على غير ما أردت وذهبت، فدفعني الفضول كما دفعهم إلى النزول في ميدانهم فما فرغنا من الرفع والنصب والزيادة والحذف حتى أدركت شؤم ما فعلت، وعلمت أن شهادة التوبة قد سقطت مني في ذلك المعترك، فقلت: قبح الله الشعر والاعراب واللغة والآداب، إنها شؤم الآخرة والأولى.
وقفت أحير من ضب في حمارة قيظ [الحمارة ـ بالتشديد ـ شدة الحر.] لا أدري ما آخذ، وما أدع، حتى رميت بطرفي فإذا بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب في لفيف من العترة [عترة الشخص: عشيرته وأهله.] الطاهرة النبوية فدلفت [دلف: مشى مشياً متثاقلاً.] إليه وأبثثته [أبثه السر: كاشفه.] أمري وأمر الشهادة المفقودة فقال: لا عليك، ألك شاهد بالتوبة؟ قلت: نعم، فنودي بشهودي فشهدوا بتوبتي، فقال: تريث [تريث: أبطأ.] قليلاً حتى تمر فاطمة بنت محمد فنسألها في أمرك، فهي تمت إلى أبيها بما لا نمت به [تمت بالشيء: توسل به.] وكانت ممن قسم لهم دخول الجنة قبل فصل القضاء إلا أنها كانت تخرج كل حين للتسليم على أبيها، ثم تعود إلى مستقرها؛ فإنا لكذلك، وإذا بمناد ينادي ان غضوا أبصاركم يا أهل الموقف حتى تعبر فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، فهرعت إليها، فرأيتها راكبة مع أخوتها وجواريها على أفراس من نور، وتقدم من وعدني بسؤالها في أمري، فأنجز وعده، فقال لأخيها إبراهيم: دونك الرجل، فقال: تعلق بركابي، فتعلقت، فطارت الأفراس في الهواء تقطع الأجيال وتتخطى رؤوس القرون، حتى وافينا محمداً صلى الله عليه وسلم، واقفاً لشهادة القضاء، فقصت عليه فاطمة ما علمت من أمري، فراجع الديوان الأعظم فوجد اسمي في التائبين فشفع لي فعدت في ركب فاطمة فرحاً مستبشراً، وما كنت أقدر أن بين يدي عقبة الصراط، فلما وافيته وجدتني لا أستمسك عليه لرقته فأمرت فاطمة جارية من جواريها ان تعبر معي فأمسكت بيدي، فمشيت اترنح ذات اليمين وذات الشمال، وخفت السقوط فقلت لها: احمليني زقفونة، فقالت: وما زقفونة؟ فقلت: أما سمعت قول الجحجلول من أهل كفر طاب:
صلحت حالتي إلى الخلف حتى صرت أمشي إلى الورا زقفونة
فقالت: ما سمعت بزقفونة ولا الجحجلول ولا كفر طاب، فقلت: ألقي يدي فوق كتفيك، واجعل باطني إلى ظهرك، فحملتني، وجازت بي الصراط كالبرق الخاطف، حتى صرت إلى باب الجنة، فرمت الدخول فوقف رضوان في وجهي وقال: أين جوازك [الجواز: صك المسافر.] فبعلت [بعل بأمره: برم به فلم يدر ما يصنع فيه.] بالأمر؛ ثم رأيت في دهليز الجنة شجرة صفصاف فعالجته على أن يعطيني منها ورقة أعود بها إلى الموقف لأستكتب عليها الجواز فأبى؛ فقلت، وقد ملك الهم على رشدي وصوابي: أما والله لو أنك حارس على أبواب الكرماء، أو خازن الملوك والأمراء لما وصل شاعر إلى درهم، ولا سائل إلى سحتوت، [السحتوت في الأصل: السويق القليل الدسم، ثم أطلق على كل شيء قليل.] ولهلك الفقراء بؤساً وجوعاً، فسمع ابراهيم عليه السلام حواري [الحوار: مراجعة الكلام.] فجذبني جذبة حصلني بها في الجنة وصاحبي ينظر إلي شزراً فدخلت، فرأيت ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
رأيت انهاراً من الماء العذب أصفى من أديم السماء، وأصقل من مرآة الحسناء، تنصب فيها جداول من الكوثر، إذا جرع الشارب منها جرعة جرع ماء الحياة وأمن أن يذوق كأس المنون مرة أخرى، ورأيت جداول تفيض بالراح فيضاً قد زينت حوافيها بأباريق من العسجد، وكئوس من الزبرجد، فما نهلت منها نهلة حتى قلت لو كشف لأهل العاجلة عما في هذه الخمرة من اللذة لا يشوبها كدر، والنشوة التي لا يعقبها خمار [الخمار: صداع الخمر.] ما باعوا قطرة منها بكل ما تشتمل عليه بابل وقطر بل من من البواطي [جمع باطية، وهي إناء للشراب يوضع بين الشرب للاغتراف منه.] والدنان، ولو نظر الاقيشر الاسدي بعين الغيب إلى عسجد هذه الأباريق وزبرجد تلك الكئوس لخجل من نفسه أن يقول:
أفنى تلادي وما جمعت من نشب قرع القوازيز أفواه الاباريق
[القوازيز: جمع قازوزة، وهي قدح للشراب.]
وفي تلك الأنهار آنية ترفرف فوق سطحها على صورة الطيور كال****ي والطواويس والبط والعندليب ينحدر من مناقيرها شراب أرق من السراب وتسبح فيها أسماك من الذهب والياقوت:
يعمق فيها بأوساط مجنحة [محجنة: ذات احجنة.] كالطير تنشر في جو خوافيها
ورأيت أنهاراً من لبن، وأنهاراً من عسل لا يدرك الوهم كنهه إلا إذا أدرك ما يمتص نحل الجنة من أزهارها وأنوارها.
رأيت جميع تلك الأنهار مكبرة، ثم تمثلت في نظري مصغرة، فإذا هي سطور من النور، واحرف بيضاء في صحيفة خضراء، قرأتها فرأيتها "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن، وانهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، ولهم فيها من كل الثمرات".
ظللت أمشي فما أكاد أخطو خطوة حتى أرى منظراً عجباً ينسى السابق، ويشوق إلى اللاحق، فوددت لو طويت لي الأرض طياً فأتعجل النظر إلى ما غاب عني من الجنة وبدائعها. فما أخذ هذا الخاطر مكانه من نفسي حتى رأيت بين يدي فرساً من الجوهر المتخير مسرجاً ملجماً فعلمت أني قد سعدت وأنها الأمنية التي كنت أتمناها، فعلوت ظهره وغمزته غمزة خرج بها خروج الودق [الودق: المطر.] من السحاب، ولاسيف من القراب، [قراب السيف: غمده.] وعلى ماجهدته لم يشك إلي ما شكاه جواد عنترة العبسي إلي في قوله:
فأزور من وقع القنا بلبانه وشكا إلي بعبرة وتحمحم
أو ما شكاه جواد عمر بن أبي ربيعة إليه في قوله:
تشكي الكميت الجري لما جهدتـ ـه وبين لو يسطيع أن يتكلما
ذكرت أني، وأنا في الدار الفانية كنت أسمع بذكر الذاهبين الأولين من الأدباء والشعراء والرواة، فآسف على أن لم أكن في زمنهم أراهم وأحضر مجالسهم، فقلت ليت شعري ما فعل الله بهم في هذه الدار، وهل سعدوا شقوا، وهل يقيض لي من رؤيتهم في دار البقاء، ما لم يقيض في دار الفناء؟
ثم رميت بطرفي فإذا فارس يحضر فرسه [أحضر الفرس: ارتفع في عدوه.] في الهواء إحضاراً حتى تقاربنا فتماست الركب واختلفت الأعناق، فقال: أنتسب، فقلت: فلان، ومن أنت يرحمك الله، وقد فعل؟ فقال: عدي بن زيد العبادي، فدهشت وقلت: عدني ابن زيد في الجنة بعد الزيغ والضلال؟ فقال أنا عيسوي، وأنت محمدي، وليس لصاحبك على أحد حجة إلا بعد ظهوره، وبلوغ دعوته، فقلت: لا نكران؛ ولكن كيف لم يقعد بك فسقك وشرابك، وأين استهتارك في قولك:
بكر العاذلون في وضح الصبح يقولون لي أما تستفيق
ودعوا بالصبوح فجر أفجاءت قينة في يمينها إبريق
قال: غفر الله لنا ما غفر لكم، قلت: هل لك علم بجماعة الشعراء والرواة فقد تمنيت على الله أن أراهم فكنت عنوان الكتاب وفاتحة الإجابة! فقال: اصحبني، فطارت بنا الخيل، فقلت له: هل آمن ألا يقذف بي هذا السابح على خرة من الزمرد أو هضبة من الياقوت فيكسر لي عضداً أو ساقاً؟ فتبسم، وقال: أين يذهب بك؟ نحن في دار الخلود والبقاء.
مررنا بروضة من رياض الجنة يخترقها غدير خمري على شاطئه جمع كثير على سرر متقابلين، أو على الأرائك متكئين، فهوى صاحبي بفرسه فهويت هويه، وقلنا سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، فرحبوا بنا وهشوا للقائنا وانتسبنا فتعارفنا، ثم أخذوا فيما كانوا فيه، فإذا الأصمعي ينشد مروياته، وأبو عبيدة يسرد وقائع الحروب ومقاتل الفرسان، وإذا سيبويه والكسائي متصافيان بعد أن وقع بينهما في مجلس البرامكة ما وقع، وأحمد بن يحيى لا يضمر لمحمد بن زيد من الموجدة ما كان يضمر، لمحمد بن يزيد من الموجدة ما كان يضمر، وأخذت تهب من ناحية النهر نفحة عطرية ذكرتني بقول أعشى ميمون:
مثل ريح المسك ذاك ريحها
وعلى ذكر الأعشى ذكرت مصرعه وشقاءه، وقلت في نفسي: لولا أن قريشاً صدته عن الإسلام لكان اليوم بيننا في مجلسنا هذا، فسمعت هاتفاً من ورائي يقول: أنا بينكم، وفي مجلسكم، فالتفت فإذا الأعشى ميمون، فلم أدر من أي مدخليه أعجب، امن مدخله إلى الجنة؟ أم من مدخله إلى نفسي، وعلمه بما هجس في صدري؟ فعلمت أن أهل الجنة ملهمون، ثم سألته، كيف غفر لك؟ فقال: سحبتني الزبانية إلى سقر فرأيت في عرصات القيامة رجلاً يتلألأ وجه تلألؤ القمر والناس يهتفون به من كل جانب: الشفاعة يا محمد، فأخذت أخذهم، وهتفت هتافهم فأمر ان أدنو منه، فدنوت فسألني: ما حرمتك؟ فقلت: أنا القائل:
ألا أيهذا السائل ان يممت فإن لها في أهل يثرب موعدا
فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من وجى حتى تلاقي محمدا
متى ما تناخى عند باب ابن هاشم تراحى وتلقى من فواضله ندا
نبي يرى ما لا ترون وذكره أغار لعمري في البلاد وأنجدا
فقال: ما سمعتها منك قبل اليوم، فقلت: خدعتني عنك الناس بعدما شددت راحلتي إليك، وكنت رجلا أحب الشراب وخفتك عليه أن تفرق بيني وبينه، فشفع لي، فدخلت الجنة على ألا أذوق فيها الخمر، فقنعت بالرضاب عن الشراب، وبماء الثغر المنضود عن ماء العنقود، ورأيت بجانبه شاباً ريق الشباب، فسألت عنه فقيل لي: زهير بن ابي سلمى، فما كدت أصدق أنه القائل:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
فقلت له: بم غفر الله لك؟ فقال: كنت في جاهليتي أترقب مبعث محمد، وأتمنى البقاء حتى أراه، فحال بيني وبينه الموت؛ فأوصيت به ابني كعباً وبحيراً وكنت أؤمن بالحساب فما نفعني شيء ما نفعني قولي:
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب ويدخر ليوم الحساب أو يقدم فينقم
وإلى جانب زهير، عبيد بن الأبرص، فسألته عن مصير أمره؟ فقال: كتبت لي النار فما زال الناس يهتفون بقولي:
من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب
والعذاب يخفف عني شيئاً فشيئاً حتى خرجت ببركة هذا البيت من الجحيم إلى النعيم.
ذهبنا في الحديث كل مذهب وذهب بعضنا إلى ارتشاف الخمر من النهر، في آنية الدر، فانتشينا جميعاً فما افقنا إلا على حفيف رف [الرف: الطيع من الطير.] من إوز الجنة نزل بنا، ثم انتفض عن كواعب أتراب يغنين بالمزاهر والآلات الثقيل والخفيف والهزج، فما أتين على الألحان الثمانية حتى دارت بنا الأرض الفضاء، وحتى ملكنا من الطرب ما يستخف الحلوم ويطير بالهموم، وقلنا: لو علم جبلة بن الأيهم بما نحن فيه، لقرع السن على أن باع دينه بسرور محدود وأنس معدود، ودف وعود.
ذكرت جبلة فذكرت لذكره النار وقوله تعالى: (فاطلع فرآه في سواء الجحيم) فتمنيت أن أطلع فأرى المعذبين كما رأيت المنعمين؛ فألهمت الإذن؛ فأشرت لصاحبي فقام وقمت، وركبنا فرسينا فطارتا بنا حتى أنتهيا إلى سور الجنة فرأينا عنده من الداخل كوخاً يسكنه شيخ زري الهيئة، فأشرفنا عليه فقال: لا تعجبوا لشأني، أنا الخطيئة.. فوالله لولا أني صدقت مرة واحدة في حياتي في قولي:
أرى وجهاً شوه الله خلقه فقبح من وجه وقبح حامله
لما دخلت الجنة.. ولما أدركت كوخاً ولا حجراً؛ فتركناه.. وطلعنا، فما رآنا أهل النار حتى ضجوا بصوت واحد (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) فرأينا ملوكاً وأكاسرة يتضاغون [يقال: باب الصبيان يتضاغون من الجوع، أي: يتضورون منه.] في السلاسل والأغلال ويقولون: (ربنا ارجعنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل) فيهتف بهم هاتف (أو لم نعمركم؟ ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير).
ورأيت بجانبي أمرأة تبينتها فإذا هي الخنساء، تطلع مثلنا فترى رجلاً كالجبل الأشم على رأسه شعلة من النار. فتمتعض وتقول: يا صخرة.. هذا تأويل قولي فيك من قبل:
وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه النار
ورأيت هناك كثيراً من أمثال أمرئ القيس وعنترة وعمرو بن كلثوم وطرفة بن العبد، ورأيت بشاراً بن برد تفتح عيناه بكلاليب من نار، وكلما اشتد به الألم رفس إبليس برجله، وقال له ما كنت لأدخل النار لولا قولي فيك:
إبليس أفضل من أبيكم آدم فتبينوا يا معشر الأشرار
النار عنصره وآدم طينه والطين لا يسمو سمو النار
وجزعنا من المنظر فهممنا بالرجوع.. وإذا ابليس يهتف بنا: يا أهل الجنة! بلغوا عني أباكم آدم أني لم أدخل النار بسببه حتى أخذت معي أكثر ولده وأفلاذ كبده، فلا يهنأ كثيراً بمصيري، فقلنا: قبحه الله، ما يزال ينفس على آدم نعمته حتى اليوم، فما كان لنا هم بعد رجوعنا إلا لقاء ابينا آدم عليه السلام.. فلقيناه.. فبلغناه الرسالة، فقال: وارحمتاه له، ما كان بينه وبين الإيمان إلا القليل.. فأرداه الحسد فكان من المهلكين.. فقبلنا يده وانصرفنا إلى ما أعد الله لنا من ملك كبير وجنة وحرير.. وحور وولدان، كأنهم الياقوت والمرجان، فحمدنا الله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
النار عنصره وآدم طينه والطين لا يسمو سمو النار
وجزعنا من المنظر فهممنا بالرجوع.. وإذا ابليس يهتف بنا: يا أهل الجنة! بلغوا عني أباكم آدم أني لم أدخل النار بسببه حتى أخذت معي أكثر ولده وأفلاذ كبده، فلا يهنأ كثيراً بمصيري، فقلنا: قبحه الله، ما يزال ينفس على آدم نعمته حتى اليوم، فما كان لنا هم بعد رجوعنا إلا لقاء ابينا آدم عليه السلام.. فلقيناه.. فبلغناه الرسالة، فقال: وارحمتاه له، ما كان بينه وبين الإيمان إلا القليل.. فأرداه الحسد فكان من المهلكين.. فقبلنا يده وانصرفنا إلى ما أعد الله لنا من ملك كبير وجنة وحرير.. وحور وولدان، كأنهم الياقوت والمرجان، فحمدنا الله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.