الجُحر الإيراني إذ يسكنه الشيطان الأكبر
القاعدة التي تنطلق منها العلاقات السياسية هي المصلحة, والمصلحة فقط, خاصة في مجال العلاقات الدولية, حيث تتوارى القيم والأخلاقيات, وحتى الجانب الأيديولوجي يغدو عاملاً ثانوياً كبقية العناصر, إذا ما قورن بالعنصر الأساس, وهو المصلحة.
والعلاقات الأمريكية الإيرانية ليست بدعاً من هذه القاعدة, بل هي أنموذج لتلك العلاقات السياسية التي تبنى على المصلحة, وتتأرجح صعوداً وهبوطاً على ضوء تلك المصلحة, والتي قد تكون مصلحة مشتركة للطرفين, أو مصلحة يسعى الطرف الأول للحصول عليها, في مقابل مصلحة ومنفعة يدفعها للطرف الثاني.
وحتى لا نغرق في التفصيلات التنظيرية والأكاديمية يمكن أن نأتي من الواقع بما يشهد على ما ذكرناه, من وجود علاقات ومصالح مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.. فقد قدمت إيران - وما زالت - "خدمات جليلة" للولايات المتحدة في بدايات الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان, وأثناء المعارك، وهو ما اعترف به قادة إيران أكثر من مرة، حيث صرح محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية، في ختام أعمال مؤتمر "الخليج وتحديات المستقبل" الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية سنوياً بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء 22/11/1424هـ.. الموافق 15/1/2004م بأن بلاده "قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق"، مؤكداً أنه "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة".
وقبل ذلك نقلت صحيفة الشرق الأوسط في 16/12/1422هـ.. الموافق 9/2/2002م عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشم رافسنجاني، قوله في يوم 8 فبراير في خطبته بجامعة طهران: إن "القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها"، وإنه لو لم تُساعد قواتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني، وإنه يجب على أمريكا أن تعلم أنه لولا الجيش الإيراني الشعبي ما استطاعت أن تُسْقط طالبان.. أليس ما ذكرنا يؤكد هذا التعاون، بل جل الباحثين والمحللين والسياسيين يؤكدون هذا الأمر الذي أصبح يعلمه الداني والقاصي، وليس بخافٍ على أحد.
على ضوء ذلك الواقع يمكن أن نفهم الغزل الدائر الآن بين الولايات المتحدة وإيران, والذي تجسد في صورة مكالمة هاتفية مباشرة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني, وهي المكالمة العلنية الأولى منذ ما يقرب من 30 سنة.
هذا التقارب الأمريكي الإيراني لا يمكن قراءته على أن الملفات الخلافية بينهما قد زالت أو انتهت, أو هي في طريقها إلى ذلك, فما زالت هناك خلاقات حول الدور الإيراني في لبنان, والدور الإيراني في سوريا, وحدود الدور الذي يمكن أن تؤديه إيران في الخليج.
ولكن ثمة مستجدات في الساحة الإقليمية تحديداً قد أملت هذا التقارب الأمريكي الإيراني, وجعلت منه تقارباً سريعاً وعلنياً.
ولعلنا نلحظ أن أهم هذه المستجدات هو التقارب المصري السعودي الإماراتي, عقب التغيير الذي حدث في بنية النظام السياسي المصري, والتلويح من جانب بعض هذه الدول بتغيير تحالفاتها الدولية, وإعطاء ميزة نسبية للعلاقات مع روسيا والصين على حساب العلاقات مع الولايات المتحدة.
جاء الرد الأمريكي على هذا الحراك العربي سريعاً ومفاجئاً, فالنووي الإيراني جرى الحديث عنه على اعتبار أنه برنامج سلمي, كما صرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري, وتغير الموقف من الأزمة السورية, وتم إعطاء قبلة الحياة مجدداً لنظام المجرم بشار الأسد بعدما كان قاب قوسين من تلقي ضربة عسكرية أمريكية.
إن المحور الأمريكي الإيراني موجه بصورة مباشرة إلى دول الخليج العربي, ومن العبث أن نظن غير ذلك, ومن ثم كان الحراك نحو مواجهة هذا المحور شديد الأهمية للأمن القومي العربي عموماً, والخليجي على وجه الخصوص.
من حق إيران أن تبحث عن مصلحتها في أحضان "الشيطان الأكبر" أو بعيداً عنه, وقد لا نستطيع أن نثنيها عن مخططاتها التي تتلاقى وتتقاطع كثيراً مع الخطوط الأمريكية في المنطقة, ومن الفطنة والكياسة السياسية ألا نُخدع بالتقية الإيرانية بعد أن افتضح أمرها في لبنان والعراق وأفغانستان وغيرها من الدول العربية والإسلامية, ولا نلدغ من الجحر الإيراني مرات ومرات, لاسيما وقد سكنه الشيطان الأكبر.. أما أمريكا والعلاقات معها فهذا ما ستكشفه المرحلة القادمة
المصدر: سبق
القاعدة التي تنطلق منها العلاقات السياسية هي المصلحة, والمصلحة فقط, خاصة في مجال العلاقات الدولية, حيث تتوارى القيم والأخلاقيات, وحتى الجانب الأيديولوجي يغدو عاملاً ثانوياً كبقية العناصر, إذا ما قورن بالعنصر الأساس, وهو المصلحة.
والعلاقات الأمريكية الإيرانية ليست بدعاً من هذه القاعدة, بل هي أنموذج لتلك العلاقات السياسية التي تبنى على المصلحة, وتتأرجح صعوداً وهبوطاً على ضوء تلك المصلحة, والتي قد تكون مصلحة مشتركة للطرفين, أو مصلحة يسعى الطرف الأول للحصول عليها, في مقابل مصلحة ومنفعة يدفعها للطرف الثاني.
وحتى لا نغرق في التفصيلات التنظيرية والأكاديمية يمكن أن نأتي من الواقع بما يشهد على ما ذكرناه, من وجود علاقات ومصالح مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.. فقد قدمت إيران - وما زالت - "خدمات جليلة" للولايات المتحدة في بدايات الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان, وأثناء المعارك، وهو ما اعترف به قادة إيران أكثر من مرة، حيث صرح محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية، في ختام أعمال مؤتمر "الخليج وتحديات المستقبل" الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية سنوياً بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء 22/11/1424هـ.. الموافق 15/1/2004م بأن بلاده "قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق"، مؤكداً أنه "لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة".
وقبل ذلك نقلت صحيفة الشرق الأوسط في 16/12/1422هـ.. الموافق 9/2/2002م عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشم رافسنجاني، قوله في يوم 8 فبراير في خطبته بجامعة طهران: إن "القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها"، وإنه لو لم تُساعد قواتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني، وإنه يجب على أمريكا أن تعلم أنه لولا الجيش الإيراني الشعبي ما استطاعت أن تُسْقط طالبان.. أليس ما ذكرنا يؤكد هذا التعاون، بل جل الباحثين والمحللين والسياسيين يؤكدون هذا الأمر الذي أصبح يعلمه الداني والقاصي، وليس بخافٍ على أحد.
على ضوء ذلك الواقع يمكن أن نفهم الغزل الدائر الآن بين الولايات المتحدة وإيران, والذي تجسد في صورة مكالمة هاتفية مباشرة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني, وهي المكالمة العلنية الأولى منذ ما يقرب من 30 سنة.
هذا التقارب الأمريكي الإيراني لا يمكن قراءته على أن الملفات الخلافية بينهما قد زالت أو انتهت, أو هي في طريقها إلى ذلك, فما زالت هناك خلاقات حول الدور الإيراني في لبنان, والدور الإيراني في سوريا, وحدود الدور الذي يمكن أن تؤديه إيران في الخليج.
ولكن ثمة مستجدات في الساحة الإقليمية تحديداً قد أملت هذا التقارب الأمريكي الإيراني, وجعلت منه تقارباً سريعاً وعلنياً.
ولعلنا نلحظ أن أهم هذه المستجدات هو التقارب المصري السعودي الإماراتي, عقب التغيير الذي حدث في بنية النظام السياسي المصري, والتلويح من جانب بعض هذه الدول بتغيير تحالفاتها الدولية, وإعطاء ميزة نسبية للعلاقات مع روسيا والصين على حساب العلاقات مع الولايات المتحدة.
جاء الرد الأمريكي على هذا الحراك العربي سريعاً ومفاجئاً, فالنووي الإيراني جرى الحديث عنه على اعتبار أنه برنامج سلمي, كما صرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري, وتغير الموقف من الأزمة السورية, وتم إعطاء قبلة الحياة مجدداً لنظام المجرم بشار الأسد بعدما كان قاب قوسين من تلقي ضربة عسكرية أمريكية.
إن المحور الأمريكي الإيراني موجه بصورة مباشرة إلى دول الخليج العربي, ومن العبث أن نظن غير ذلك, ومن ثم كان الحراك نحو مواجهة هذا المحور شديد الأهمية للأمن القومي العربي عموماً, والخليجي على وجه الخصوص.
من حق إيران أن تبحث عن مصلحتها في أحضان "الشيطان الأكبر" أو بعيداً عنه, وقد لا نستطيع أن نثنيها عن مخططاتها التي تتلاقى وتتقاطع كثيراً مع الخطوط الأمريكية في المنطقة, ومن الفطنة والكياسة السياسية ألا نُخدع بالتقية الإيرانية بعد أن افتضح أمرها في لبنان والعراق وأفغانستان وغيرها من الدول العربية والإسلامية, ولا نلدغ من الجحر الإيراني مرات ومرات, لاسيما وقد سكنه الشيطان الأكبر.. أما أمريكا والعلاقات معها فهذا ما ستكشفه المرحلة القادمة
المصدر: سبق