الغزل العذري (نشاته، سماته، خصائصه وشعراؤه):

nymar

:: عضوية محظورة ::
إنضم
3 نوفمبر 2013
المشاركات
210
نقاط التفاعل
96
النقاط
7
العمر
26
nymar، تم حظره "حظر دائم". السبب: مخالفة القوانين
الغزل العذري (نشاته، سماته، خصائصه وشعراؤه):
نحو اواسط القرن الاول للهجرة فيمايليها واخذت بعض شعراء اهل الوبر المعدودين يقول القصائد في مجرد النسيب بل لايتعاطون غيره وصناعتهم بعيد عن اسلوب شعراء الجاهلية وعن منهج الغزليين عن اهل المدر, فانهم لايعشقون الاإمراة واحدة، جعلوا عيشهم فداءها ولا يتغزلون ولايفتخرون بنيل وصلها وانما يظفرون في شعرهم رقة القلب وشدة الحنو ويكثرون في بيان الصبابة وتوجع الكآبة وقلق الاشواق الم الفراق وفرط الحزن والغم واليأس وكل ذلك مصوغ في قالب رشيق, مترجم بلفظ رقيق, وكلام لطيف عفيف لايدخل فيه شيء من الخلاعة والشهرة الدينية
تسميته: ان الغزل العذري اكتسب اسمه من قبيلة بني عذرة احدي قبائل قضاعة التي كانت تنزل في وادي القري شمالي الحجاز، لان شعراءها اكثروا من التغني به ونظمه ويصيرون الي الجنون ومن قبيل صدفة غريبة فان هولاء العشاق المتيمين ينتمون الي قبيلة اصيلة الجنوب العربي، وهذه يضاف اليها حديث منحول:" من احب فعف فمات مات شهيدا".
ماهية الغزل العذري:
فالغزل العذري تعبير عن وضع طائفة من المسلمين كانت تتحرج وتذهب مذهب التقي، وتؤثر السلامة والعافية علي المقامرة والمخاطرة، وتري ان النفس امارة بالسوء "ان النفس لامارة بالسوء" وان النارقد حفت بالشهوات علي حد تعبير الحديث الشريف "و انه من الخير لها ان تصبر… "و ان تلتزم ما امر الله به ان يلتزم ‍وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتي يغنيهم الله من فضله.
اما الغزل العذري التعبير الفني الشعري عن هذا الحب… انه هذه الثروة الشعرية التي خلقتها لنا النفوس المحبة التي تذرعت بالايمان واجتمعت بالعفة. ولنا ان نقول اذن ان الغزل العذري هو المظهر الفني للعواطف المتعففة والمتلهبة في آن معا والتي وجدت ان هذا التعويض الفني هو خير ما تطفيء به لبهما وتتسامي به في غرائزها
ولادة الغزل العذري وعوامل نشأته اوظهوره:
قد يكون من العبث ان تحدد ولادة هذا الفن الشعري ذلك انه ظاهرة من الظواهر الفنية التي ترتبط اشد الارتباط بالظواهر الاجتماعيه… ومثل هذه الظواهر تمتاز بانها ليست منفصلة عما قبلها ولامنفصلة عما بعدها… فليس لها هذا التوقيت، وليس في صورتها المكتمله التي نراها عليها مايبيح لنا ان نقول انها نشأت في هذا العصر او استوت في هذه الفترة.
وكان الاسلام اقوي العوامل في ظهور هذا النوع من الغزل، از خلق ادراكا جديدا للعاطفة، فيما دعا اليه من جهاد النفس، ومقاومة الهوي، وفيما هيا للروح الزهد، وبتهوينه من شأن الدنيا، وتهوينه لعذاب الاخرة، وكانت مقاوة النفس للهوي اكبر ظاهرة تجلي فيها زهد هؤلاء الغزليين من المتاع الحسي، حتي كان بعضهم من الزهاد والاتقياء
وفي بيان تأثير الاسلام في ظهور هذا الجنس نقوم بدراسه حياة البدوبين في العصرين الاسلامي(الاموي) والجاهلي علي حسب ما جاء به طه حسين في حديث الاربعاء: يكفي ان توازن بين حياه البدو بعد الاسلام وقبله، لتري ان هناك فروقا عظيمة بين هذين النوعين من الحياة، ولكن هذه الفروق تكاد تقتصر علي الحياة المعنوية وحدها. فلم تكد الحياة المادية تتغير عند هؤلاء الناس بعد الاسلام، وانما كانوا في ظل الخلفاء كما كانوا في عصر الجاهلية: يخضعون لقوانين البداوة ويقاسون من شظفها وخشونتها مثل ما كانوا يقاسون في العصر الجاهلي. وربما اتيح لهم شيء من سعة الحياة، ولكنه لم يكن كثيرا ولاموفورا، ذلك لا نهم لم يكونوا يشتركون في الحياة السياسية، فان فعلوا لم يكونوا يحتفظون بالحياة البدوية.
وربما كان من الحق ان نلاحظ ان هؤلاء الناس من اهل البادية كانوا قد احتملوا اعباء في الاسلام لم يكونوا يحتملونها في الجاهلية، اريد اعبا الصدقة والزكاة، فقد كانوا قبل الاسلام احرارا لايؤدون اتاوة ولا يخضعون لنظام الا ما اصطنعوا لا نفسهم من نظمهم الخاصه فيما بينهم. اما بعد الاسلام فقد ضربت عليهم الضرائب واخذوا بالصدقات في سائمتهم. اضف الي هذا شيئا آخر، وهو ان الاسلام قد اخذ علي هؤلاء الناس شيئا من طرق الكسب التي كانت مألوفة في الجاهلية، لأن الاسلام اقرا السلام بين القبائل البدوية وحال بينهما وبين ما كانت تتخذه مجدا وشرفا ومكسبا من الغزو وضروب الاغارة. فلم يكن يتاح للقبائل بعد الاسلام ان تتغازي ويغير بعضها علي بعض، كما كانت الحال في الجاهلية. واذن فقد كانت الحياة المادية عند اهل البادية بعد الاسلام شرا مما كانت عليه قبل الاسلام، ولهذا لم تدم الحياة الاسلامية المنظمة في البادية عصرا طويلا، ولم يكد يضعف سلطان الخلفاء ولم يكد الخلفاء ينصرفون الي تدبير البلاد المفتوحة حتي انتهز اهل البادية هذه الفرصة، فاستأنفوا ما كانوا فيه ايام الجاهلية من غزو واغاره وحرب وخصومة، بل لم يدع اهل البادية فرصة تمكنهم من الفرار من اداء الصدقات والضرائب الا انتهزوها واستفادوا منها.
لم تتغير اذن حياتهم المادية في جملتها، بل ظلوا يلقون من الضيق ويقاسون من الشظف مثلما كانوا يلقون ويقاسون في العصر الجاهلي. اما حياتهم العقلية والمعنوية بنوع خاص فقد تغيرت تغيرا شديدا. وحسبك ان تقارن حياة بدوية متأثرة بهذه الطائفة من الآراء التي كان يتأثر بها الجاهليون، بحياة بدوية اخري متأثرة بالقران الكريم وما فيه من دين وخلق وادب وحكمة ونظام، لتشعر بالفرق بين نفسيه البدوي المسلم في الاول عهد الناس بالاسلام ونفسيه البدوي الجاهلي. كان هذا الفرق عظيما وكان التوازن مختلا بين الحياة العقلية والحياة المادية، تغيرت الاولي تغيرا تاما، ولم تتغير الاخري اولم نيلها من التغير الا شي قليل.
ومن هنا نشأ في نفوس هؤلاء الناس شيء من اليأس (لسبب تغيير مقرالدولة من الحجاز الي العراق) في الحياة المادية، تبعه شيء من الأمل في حياة اخري ليس واضحا في هذه النفوس الساذجة وضوحه في نفوس اهل الحضر ومن هذا اليأس والأمل تكون لهؤلاء البدو مزاج خاص لاهو بالبدوي الغليظ ولا هو بالحضري الرقيق، وانما هو شيء بين بين.
ويعزو كثير من الباحثين ظهور العفة في شعر الغزل الي اخذ الناس باسباب الدين وباسباب الحياة الخلقية والاجتماعية التي كانت تسود اوساط الناس في البوادى، وربما كان شيء من ذلك صحيحا، وربما كان ايضا كثير ام قليل من ذلك صحيحا، غير اننا نؤكد قطعا خضوع الادب شروط الحياة التي تتوافر له في هذه البيئة وذلك المناخ، كما تتوافر له شروط اخري في خارجها، والغزل الذي نما شروط الحياة في البوادي، انتج لنا نموذجين اثنين من الشعر:


  1. غزل عفيف طاهر، طغت عليه نزعة الحب الوجداني.
  2. غزل نقي باهر، طغت عليه نزعة الحب الوصفي.
وعميد النوع الاول من الغزل العفيف، هو جميل بثينة، الذي اقام له مجسما في ركن الروح اما عميد النوع الثاني من الغزل النقي، فهو ذوالرمة، الذي كان يقيم له من شعره مجسما، اتخذ عناصره من اشياء البادية.
وبمقتضي هذه النظرية الاشتراطية التي تطابق بين الحياة والشعر، فان الغزل البدوي كان يشكل اعلي تجليات المطابقة بين الشعر والطهرية الدينية الاخلاقية في المجتمع البدوي
زمن نشاته:
في يقيني ان الغزل العذري لم ينشاء في العصر الجاهلي. لأن شعراء هذا العصر وان كان قد اثر عن بعضهم انهم تغزلوا في امرأة بعينها، ولكن غزلهم لم يكن فنا قائما بذاته، ولم يكن معروفا في ذلك الوقت ان شاعرا كان شعره قاصرا علي الغزل، وعلي الغزل بأمرأة يحبها وتحبه، فاودع شعره كل ما قاله فيها.
ولم ينشأ في العصر الاسلامي: لأنه كانت احداث اخري: احداث الدين الجديد، ونشره، وفتح الفتوحات، ودفع راية الاسلام، ومن شأن هذا ان يغلب الناس علي كل شيء. ولم يكن من الممكن ان يظهر في عصر الخلفاء الراشدين بالرغم من ان تمثل التقي والصلاح كان في عصر الراشدين اشد وضوحا منه في عصر الامويين، وبالرغم من ان الانعتاق من بعض الحدود والتحلل من بعض النواحي والتحرر من بعض الشدد وجد مجالا في العصر الاموي باكثر مما كان في عصر الراشدين.
وفي العصر الاموي حيث استتب الملك واصبح الناس في ظله الوارف، وفي ضروب من الدعه، والراحه، والطمأنينة والرخاء، واصبح فريق منهم يسكنون بادية الحجاز لم يكن لهم حظ من هذا الترف، بل كان بؤس وحرمان جرهم الي حال من اليأس، والي حال من الزهد والي حال من صفاء الروح، يتجرد عن المادة الي حياة خالصة طاهرة. جعلتهم يجنحون الي الطموح والمثل العليا، وحداهم هذا الطموح الي ان يكون لهم تفكير جديد في الادب.
وكأنهم ثاروا بهذا علي الاوضاع العابثة، التي كانت في مدن الحجاز، ونشأ عنها الغزل الماجن
ويقول الدكتور ياسين الايوبي حول هذا الموضوع"وهو ردة فعل في وجه الحب الصريح، ظهر على مسرح الحياة العربية،في اواسط العصر الاموي لدى جماعة عاشت في بيئة حجازية ضيقة، لا تعرف الا الصحاري والفراغ والضجر. ولم يعرف اول متغزل بهذا النوع بالضبط، وانما عرف من احبوا بطريقته". وانه يواصل حديثه وثم يقول: قلت انه ردة فعل في وجه الحب الاباحي، وقد لا يكون ذلك مؤكجا. وقد يكون وجها آخر من الحياة العاطفية العربية حبث نجد انسانا يحب بطريقة ما، وآخر يحب بطريقة اخرى…مع ان هؤلاء الشعراء المحبين لا بد من التفاتة قصيرة: وهي انهم عاشو في شقوة قاسية مردها البؤس واليأس في كثير من اوقات حياتهم، ولا سيما ان التقاليد كانت صارمة على ابناء العشق؛ فويل للرجل ان احب وويل ان يعلن حبه. وويل له ان كتم هذا الحب وويل اكثر ان اشاعه. كيف يمكنه كتمان ما هو في جوهر حياته ولا يستطيع ان ينشر همسة واحدة حوله؟
الحل في القبول بالامر الواقع، اي: لا بد من اذاعة الخبر وال دفن هو وحبه احتراقا.فليحترق مع الاعلان ومع الايصال افضل من ان يحترق مع الصمت. وهكذا كان؛ بمجرد ان يشبب الرجل منهم بواحدة تحرم عليه، والحرمان هنا مرده التقليد الصارم، لا غير….
والأمرمع ذلك يبدو بسيطا… فهذا الغزل العذري يجب ان يكون اثرا لتربية جيل جديد تربية صادقة صارمة… هذا من نحو… يجب ان يكون اثرا لنوع من الحياة الاجتماعية تعرف الاستقرار وتساعد عليه من نحو آخر… وكلا هذين الامرين لم يتوافر، معا الا في عصر بني امية… صحيح ان الرسول ربي جيلا من الصحابة ولكن هذا الجيل كان مشغولا عن نفسه بواجبه. اما في العصر الاموي فقد آن لهذه البنتة، لهذا الغزل العذري وان تنفتح وان تزدهر، وان تتشقق ازهارها عن الثمرات الطيبة من تاريخ الادب العربى.
لذلك لن تستغرب ولادة هذا الغزل في العصر الاموي، ولن نقول في انفسنا ما بال هذا اللون من الفن لم تتنفس به الجزيرة في عصر الخلفاء…[ففي] العصر الاموي كانت اكتملت نشأة هذا الجيل الذي مازجت التربية الاسلامية اعماقه، وخالطت دماءه وظلت طريقه… وفي هذا العصر ايضا همدت ريح الفتوح وانقلبت هذه الفتوح من عمل جماعي يتدفق من كل ارض الجزيرة ويتجمع في هذه التيارات الي عمل حكومي تنطمه الدولة وتشرف عليه وتأخذ نفسها باعداده والاختيار له، وتركز له وقته وتدعواليه وتلزم الناس الحرب مرة والاستقرار مرة… ففي هذا العصر اذن آن لنا ان نستمع الي انغام هذا الغزل الي دقات اوتاره الاولي… اما قبل ذلك فقد كان المجتمع الاسلامي يخضع لهذه الظروف القاسية التي لا تتيح له ان يصرف قواه العاطفية جميعا في غير حركة التوسع هذه التي كانت ابتلاء لهذا المجتمع الناشيء واختبارا لقواه. ومن كل هذا نستطيع ان نقول ان ولادة الغزل العذري لم تكن حادثة ذات تاريخ محدد… انها شيء اصطلحت عليه بعض الظواهر العاطفية والدينية والاجتماعية ثم صاغته هذه الصياغة الفنية الخاصة… وقد وجد هذا الغزل نموه في العصر الاموي
ولكن الدكتور الحوفي يؤكد انه نشأ في العصر الجاهلي واورد على ذلك شواهد في قصائد مستقلة للحب الخالص لا شي فيها سوى الغزل منها لقيس بن الحدادية قصيدة غزلية في اربعة واربعين بيتا واخرى لحسان في سبعة عشر بيتا وهذه القصائد اثر الغزل المادي فيها ضئيل،فنحن نرى للنابغة الذبياني قصيدة من هذا النوع يتغزل بحبيبتهنعم،ويتشوق الى عهدهما الماضي يوم كانا معا يتناجيان والؤمان غافل عنهما فيتبادلان الاسرار المكتومة والحب الصافي وينتقل الىالمرحلة التالية حيث هجرته نعم فاذا هو يجعو قلبه بملاقاته…
صفات الحب العذري:
اول ما يتميز به هذا الحب، الوحدانية، اي الاقتصار علي نشدان امرأة واحدة من بين سائر النساء، وهكذا اتحدت اسماء العذربين باسماء صويحباتهم فقيل: جميل بثينة، وكثير عزة، ومجنون ليلي، وفقيس لبني وهكذا.
ومادام هؤلاء يحبون امرأة واحدة فهم يحبونها لذاتها لا للجمال الذي تتمتع به ولا يجدون عوضا عن هذا الحب فالحب ها هنا عاطفي وفي. تغلغل مفاعليه في ثنايا النفس، ولا تزيده الايام الا رسوخا، وتمنحه محاربة البيئة البدوية له منعه، فيكتب له الاستمرار والثبات وفديقضي هؤلاء العذريون من فرط الصبابة، ولسانهم لايزال يردد اسم الفتاة، اوالمرأة التي علق قلب الواحد منهم بها.
وهاتان الصفتان البارزتان عند العذريين، الوحدانية في الحب وحب المرأة لذاتها تفسران لنا الصفة الثالثة فيه، وهو انه حب عنيف يستحوذ علي تفكير المحب، ويأسر عقله واعماقه بحيث تهيم روحه في ديار الحبيبة، وتطوف بمضربها، وتقدس التربة التي تطأها
في الحب العذري يعيش فيه العقل في اسار القلب، انه حس لايخالطه برد التعقل ولا تظله سحب الفكر… وانما يمضى بصاحبه في كل حيز خشن صلب، ويقذف به فوق الرمال المشوبة يشتوي بها ,يوقد النار ويحيرق بها… انه حب يمتاز بالحرارة المتلهبة
وهو كذلك، حب زاهد او يأس، والزهد نومان: اولهما بمعني الاعراض التام عن الحب، وثانيهما هذا الناشيء عن الأسي الدائم، والقنوط وخيبة الأمل وزهد العذريين من هذا النوع الثاني، فهم يحبون كغيرهم من الناس اذا احبوا، ويتوقون الي مسرات الحب، وسعادة اللقاء، وطمأنينة الوصال، ولكن مواكب حبهم تتيه في بطاح الصحراء، حين تهب عليها رياح التقاليد البدوية، فينصرفون عن التغني بالجمال المادي، الي هذه الشكوي المريرة التي تجتاح افئدتهم، واذا هم يزهدون بالجمال الذي يري ويحس، ليجدوا العزاء في الوفاء للعهد. فالحب العذري حب ظامئئ عفيف يشكو من ألم الحرمان من غير تصريح ظاهر او اباحية مسرفة، ولا ننسي ما للأخلاق البدوية المتأثرة بالعاطفة الاسلامية من يد طولي في توجيه هذا الحب الوحهه المشار اليها.
لغة الغزل العذري:
لغة هذا الغزل "هنا لغة جزلة فيها من خشونة البداوة وجفاف التقاليد، ما يجعلها اقرب الى العصر الجاهلي منه الى العصر الاموي.
الطوابع العامة للغزل العذري:
يتصف شعر العذريين بوضوح الحب والحرقة والألم والاخلاص وصدق العواطف ونبلها، فالحب العذري لايخرج عن ان يكون صراعا بين الجسد والروح يتحول في نفس العاشق – لاسباب شخصية او اجتماعية اوا قتصادية- الي رغبة مكبوتة، وهي رغبات كان العشاق العذريون يتسامون بها فوق مستوي الغرائز ويرتفعون بها فوق مستوي الشهوات ويستعلون بها فوق رغبات الجسد.
ويري الدكتور شكري فيصل: فان الغزل العذري ينطبع بهذه الطوابع العامة:


  1. بساطة معاني الحب الذي ينفصل به وينهب عواطفه.
  2. الصدق النفسي، حيث يصدر الحب عن صاحبه تدفق الماء من الينبوع بالاضافة الي الصدق الفني، حيث يعبر الشاعر عن حبه دون زيف.
  3. وحدة الغرض والاتجاه، بحيث ينشغل المحب بمحبوبته ولايتجاوزه بل يستغرق فيه.
  4. الاسلوب المباشر، حيث يتجه الشاعر الي الحب وحده دون التواء.
  5. العفة في الاسلوب وطهر القول، وعدم التطرق الي المغريات الجنسية.
  6. تصوير حالة اليأس التي يعيشها الشاعر بسبب شد أسر المحبوبة له.
  7. الصفاء والاشراق، حيث يتطابق عمق الحب مع قوة اللغة الشعرية وجزالتها
اصحابه:
ان جميل بن معمر العذري، كان زعيم الغزل العذري، ونسطيع ان نذكر من الشعراء العذريين:
1- قيس بن الملوح. ويدعي بمجنون ليلي، نسبه الي ليلي التي اشتهر بحبه لها. ولم يعرف انه تغزل في غيرها. ونموذج من شعره.
اعد الليالي ليلة بعد ليلة
وقد عشت دهرا لا اعداللياليا
اراني اذ اصليت يمت نحوها
بوجهي وان كان المصلي ورايئا…

2- قيس بن ذريح، وصاحبه لبني، التي احبها، واخلص لها في الحب واصابه في سبيل حبها عذاب وسقم وهلاك، ويقول فيها:
يقر بعيني قربها ويزيدني
بها كلفا من كان عندي يعيبها
وكم قائل قد قال تب فعصيته
وتلك لعمري توبة لااتوبها
فيا نفس صبرا لست والله فاعلمي
بأول نفس غاب منها حبيبها

3- عروه بن حزام العذري، احب عفراء بنت عمه ويكاد يكون شعره حقولا فيها وحدها، ومن شعره:
ما بي من خبل ولا بي جنة
ولكن عمي يا اخيَّ كذوب
اقول لعراف اليمامه:داوني
فانك ان داويتنى بطبيب و…

ونسطيع ان نذكر: توبة بن الحمير، احب ليلي الأخيلية ومات وسبيل حبها وايضا كثير بن عبدالرحمن، يعرف بكثير عزة، نسبه الي عشيقته عزة، ويزيدبن الطئرية، احب امرأة من جرم يقال لها وحشيه.و…
وكانت لكل منهم قصة حب لاتختلف في اطارها العام عن قصص العشاق الجاهليين، وكانت خيوطها تنسج اما بالمرعي او في اثنا المرور بديار الأحبة، ولكنها عند ما كانت تصل الي العقدة تتشعب بها السبل، فاما ان يتزوج المحب من محبوبته، واما ان يتعذر عليه ذلك فيهيم في هذه الحال علي وجهه الي ان يلقي مصيره المحتوم. وحتي الذين تزوجوا لم تدم لهم السعادة الزوجية اذ سرعان ما انفصلت عراها لضغوط عائلية تاركة الحب في القلوب يؤججها وكان خيال الرواة يأبي الايجمع بين المحبين- في بعض الأحيان- من جديد بأساليب ووسائل ظاهرة التكلف والغرابة لما فيها من خروج علي ابسط قواعد العرف والتقاليد العربية
واذا كان لنا ان ننصب رائد الكل من فني الغزل مادية وعذرية فان عمربن ابي ربيعة رائد للاول (للاباحي) وجميل بن معمر رائد للثاني، واذا كان لابد من تنصيب زعيم لشعر الغزل بنوعيه فلانجد مناصا من الاعتراف لعمر بن ابي ربيعة بهذه الزعامة
رأينا في الحب العذري:
هل صحيح انه كان مظهرا من مظاهر الحياة العربية القديمة،او انه منحول عليها،داخل في الاخبار الاسطورية؟
لقد بقي هذا الموضوع نائما في ضمير الادب العربي حتى الفترة الاخيرة-لسنوات خلت-حينما اقدم الاديب السوري د صادق جلال العظم على اصداركتابه (في الحب العذري)او بالاحرى في محاضرته عن هذا الحب،نفى فيها ان يكون هناك شئ اسمه حب عذري،كما نفى ان يكون ان يكون هؤلاء شعراء صادقين في تعبيرهم وشعرهم،الذي اشتمل-كما يقول-على موصوفات جسدية صريحة لا تنسجم مع المقومات التي تعارف عليها النقاد والشعراء بصدد هذا الحب….
وجوابنا على مقولة الدكتور العظم هو ان شككنا في الحب العضري او رفضنا له، يؤديان الى نكران قسم كبير من الشعر العربي القديم. فاذا جازنا الشك، فانما يجوز على اساس البحث عن الجذور، او البحث عن مسوغات هذا الحب، ومقوماته الحقيقية والدواعي الثابتة لمظاهره ومشاعراصحابه، لا غير.
وفي الختام ارى من الضروري ان اذكر ان هناك الى جانب هذين النوعين من الغزل كان نوعا آخر يسمى الغزل الكيدي او الهجائي. وهذا النوع من الغزل كان يتخذ الغزل والنساء وسيلة للاهداف والاغراض السياسية يستمد منه الشعراءكآلة للنيل من اعراض خصومهم.وفي شأن زمن نشأة هذا الجنس يختلف العلماء، ويتبع عبد المنعم خفاجي جذوره في الجاهلية ويأتي بالشعراء الذين يمكن لنا ان نجد لهم اشعار قد انشدوا في هذا الجنس مثلا يقول"وقد لج بين قيس بن الحظيم وعبد الله بن رواحة فتغزل الاول بعمرة اخت عبد الله ولكن غزله كان عفيفا. وبين حسان وقيس بن الحظيم حدث شئ، من هذا فان حسانا في معرض فخره على الاول تغزل بليلى اخت قيس.
ولهذا النوع من الغزل خطره الشديد على نفوس الحجازيين ويرون فيه الاهانة بالغة قد يحتاجون في غسلها الى الدم، فان كعب بن الاشراف اتخذ من الغزل الكيدي وسيلة الى تجريح المسلمين والتندير عليهم و…
اما الدكتور طه الحسين يرى انه وليد العصر الاموي في بيئة الحجاز ويعد عبيد الله الرقيات والعرجي من اصحاب هذا الجن الادبي ويقولفي هذا المجال:
وهنا الاحظ شيئا يكاد يختص به عبيد الله بن قيس الرقيات: وهو انه صاحب لهو وسياسة، وانه اتخذ الغزل الى اللهو والسياسة. فكان يتغزل حينا ليلهو او ليصف عواطف نفسه حقا،وكان يتغزل حينا آخر لا للهو ولا لوصف حب صادق، بل ليبعث بخصومه السياسين، اذ يذكر نساءهم بما يحسن وبما لايحسن.
والعرجي يتغزل بجيداء ام محمد بن هشام، وبجيرة زوج محمد بن هشام هذا. وكذلك فعل عبيد الله بن قيس الرقيات قبل العرجي،فسن له واغيره هذه السنة. وبلغ من هذا الغزل الهجائي مالم يبلغه احد من شعراء العصر الاموي. فلم يكتفي بالنسيب المألوف يذكر فيه المأة التي يريد ان يهجو اهلها كما كان يفعل العرجي، وانما كان يتخيل القصص والاخبار فيقصها في شعره مسرفا في تفصيلها اسرافا شديدا.
وهذا موضوع خصب يحتاج الى دراسة شاملة ومنهجية.
الخاتمة أو النتيجة:
ان الغزل ازدهر في العصر الاموي ازدهارا بحيث قد عرف الحجاز عرف بهذا الجنس آنذاك وهذا الامر ساق الباحثين بان يروا: ان الغزل وليد العصر الاموي فحسب دون ان يرتبط بالعصور الماضية.ولكن لايمكن الاطمئنان بهذا القول ولا يمكن دراسة الغزل دراسة شاملة دون النظر الى ماضي الشعر العربي. لأننا في دراسة الاجناس الادبية عند الامم المختلفة نرى ان الاجناس الادبية قبل ان ظهر في اطارها الناضج كانت موجودة عند الشعوب والامم بصورة الشعبية او العامية او البدائية المتناسقة مع احوال الشعوب وطبيعتهم واوضاع حياتهم ونحن لا نستطيع ان نستثنى الامة العربية او الادب العربي عن هذه القاعدة الكلية. ومن هذا نستطيع ان نستنتج: ان الغزل كان موجودا في العصر الجاهلي وكان معروفا لدى الشعراء الجاهليين ولكن انه كان مقصورا في مستهل القصائد وفي اثناء الاغراض الشعرية الاخرى وفي الواقع انهم يأتون بالغزل ويعبرون ان عواطفهم في الحب دون ان ينفردوا القصيدة له او حياتهم الشعرية له.
ولكن في العصر الاموي وفي بيئة الحجاز نجد الشعراء انهم قد قصروا شعرهم وحياتهم في الغزل فحسب ولا يتعاطون الاغراض والفنون الشعرية الاخرى بحيث قد نضج هذا الجنس الشعري عندهم وانطبع بطابع حياتهم اليومية واكتسب الخصائص الجديدة لم تكن الموجودة في غزل الشعراء الجاهليين وانهم افردوا قصائد في الغزل وعرفوا بهذا الفن الشعري. وطبيعي انهم قد استمدوا مادة شعرهم الاولى عن الجاهلين وعن اجدادهم ولكن زادوا فيها خصائص الجديدة منطبقة مع حياتهم الجديدة المترفة المغنية اوالغنائية والعناصر الاجنبية الموجودة في بلادهم وقللوا عن ابياتها وخففوا عن اوزانها، وبما ان هذه الخصائص الجديدة لم تكن موفورة في غزل الجاهليين المقصور في مستهل القصائد لذا قيل انه قد ولد في هذا العصر وفي هذه البيئة وهذا قول ورأى يمكن الاستناد عليه.
ولكن هناك امر آخر يلفت النظر وهو انقسام هذا الجنس الشعري الى الغزل العمري والبدوي. وان النوع الاول قد سبق النوع الثاني وعلى هذا الامر قد ساق كثير من الباحثين الى الاعتقاد بان الثاني منه يعد بمثابة ردة فعل للاول ولكن برأئي لا يمكن الاستناد بهذا القول. بل يمكننا ان نقول ان كل واحد منهما بمثابة ردة فعل لاوضاع حياتهم واحوال معيشتهم. لان كل واحد من شعراء الغزل الاباحي والحضري كان مشغولا عن الاخرى بنفسه والتاريخ لم يذكر لنا عن علاقة كل واحد من هذين بالآخر لكي ينضجر اصحاب الغزل العفيف عن اباحية ومجون الحضرين وعزم على ردة الفعل.


 
رد: الغزل العذري (نشاته، سماته، خصائصه وشعراؤه):

شكرا عطاهونا الاستاذ بحث سهلتي علي المهمة:-h
 
  • أعجبني
التفاعلات: nymar
nymar، تم حظره "حظر دائم". السبب: مخالفة القوانين
رد: الغزل العذري (نشاته، سماته، خصائصه وشعراؤه):

ممكن استفسار:
ساعدوني في تنسيق البحث
 
رد: الغزل العذري (نشاته، سماته، خصائصه وشعراؤه):

sorry, انا منعرفش بصح انا عجبني التنسيق نتاعو مقبول جدا :-h
 
nymar، تم حظره "حظر دائم". السبب: مخالفة القوانين
رد: الغزل العذري (نشاته، سماته، خصائصه وشعراؤه):

شكرا عفوا على الإزعاج
 
رد: الغزل العذري (نشاته، سماته، خصائصه وشعراؤه):

شكرا عفوا على الإزعاج
لا شكر على واجب :d
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top