أما القسم الأول ففي الصحيحين عن جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم يحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة فقوله صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر قيل كان اذا هم بغزو قوم أرهبوا منه قبل ان يقدم عليهم بشهر ولم يكن هذا لأحد سواه وما روي في صحيح مسلم في قصة نزول عيسى عليه الصلاة والسلام الى الأرض وأنه لا يدرك نفسه كافرا إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي بصره فإن كان ذلك صفة له لم تزل من قبل أن يرفع فليست نظير هذا وإلا فهو بعد نزوله الى الأرض أحد أمة محمد صلى الله عليه وسلم يعني انه يحكم بشرعه ولا يوحى اليه بخلافها والله تعالى أعلم واما قوله صلى الله عليه وسلم وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فمعنى ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده إن من كان قبلنا كانوا لا يصلون في مساكنهم وإنما كانوا يصلون في كنائسهم وقوله وطهورا يعني به التيمم فإنه لم يكن في أمة قبلنا وإنما شرع له صلى الله عليه وسلم ولأمته توسعة ورحمة وتخفيفا وقوله صلى الله عليه وسلم وأحلت لي الغنائم فكان من قبله إذا غنموا شيئا أخرجوا منه قسما فوضعوه ناحية فتنزل نار من السماء فتحرقه وقوله صلى الله عليه وسلم وأعطيت الشفاعة يريد بذلك صلوات الله وسلامه عليه المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون والمقام الذي يرغب إليه الخلق كلهم ليشفع لهم الى ربهم ليفصل بينهم ويريحهم من مقام المحشر وهي الشفاعة التي يحيد عنها أولو العزم لما خصه الله به من الفضل والتشريف فيذهب الى الجنة قبل الأنبياء وقول الخازن له بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك وهذه خصوصية أيضا ليست إلا له من البشر كافة فيدخل الجنة فيشفع الى الله تعالى في ذلك كما جاء في الأحاديث الصحاح وهذه هي الشفاعة الأولى التي يختص بها دون غيره من الرسل ثم تكون له بعدها شفاعات في إنقاذ من شاء الله من أهل الكبائر من النار من أمته ولكن الرسل يشاركونه في هذه الشفاعة فيشفعون في عصاة أممهم وكذلك الملائكة بل والمؤمنون كما في الصحيح من حديث أبي هريرة وأبي سعيد فيقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين وذكر الحديث وقد استقصى هذه الشفاعات الإمام أبو بكر بن خزيمة في آخر كتاب التوحيد وكذلك أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب السنة له وكذلك هي مبسوطة بسطا حسنا في حديث الصور الذي رواه الطبراني في المطولات وأبو موسى المديني الأصبهاني وغيرهما ممن صنف في المطولات وقد جمع الوليد بن مسلم عليه مجلدا وقد أفردت إسناده في جزء فأما رواية أصحاب الكتب الستة كالصحيحين وغيرهما فإنه كثير ما يقع عندهم اختصار في الحديث أو تقديم وتأخير ويظهر ذلك لمن تأمله والله أعلم ثم رأيت في صحيح البخاري شيئا من ذكر الشفاعة العظمى فإنه قال في كتاب الزكاة باب من سأل الناس تكثرا حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر قال سمعت حمزة بن عبدالله بن عمر قال سمعت عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم وقال إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد وزاد عبدالله بن يوسف حدثني الليث عن أبي جعفر فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم فهذه هي الشفاعة العظمى التي يمتاز بها عن جميع الرسل أولي العزم بعد أن يسأل كل واحد منهم أن يقوم فيها فيقول لست هناكم اذهبوا الى فلان فلا يزال الناس من رسول الى رسول حتى ينتهوا الى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أنا لها فيذهب فيشفع في أهل الموقف كلهم عند الله تعالى ليفصل بينهم ويريح بعضهم من بعض ثم له بعد ذلك شفاعات أربع أخر منها في إنقاذ خلق ممن أدخل النار ثم هو أول شفيع في الجنة كما رواه الامام أحمد في مسنده عن المختار بن فلفل عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول شافع في الجنة وهو شفيع في رفع درجات بعض أهل الجنة وهذه الشفاعة اتفق عليها أهل السنة والمعتزلة ودليلها ما في صحيح البخاري من رواية أبي موسى أن عمه أبا عامر لما قتل بأوطاس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لعبيد ابي عامر واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك وقال عليه الصلاة والسلام لما مات أبو سلمة بن عبد الأسد اللهم ارفع درجته وسنفرد إن شاء الله تعالى في الشفاعة جزءا لبيان أقسامه وتعدادها وأدلة ذلك إن شاء الله تعالى أما قوله صلى الله عليه وسلم وكان النبي يبعث الى قومه وبعثت إلى الناس عامة فمعناه في الكتاب العزيز وهو قوله عز وجل وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم وقوله تعالى وإن من أمة إلا خلا فيها نذير فكان النبي ممن كان قبلنا لا يكلف من أداء الرسالة إلا ما يدعو به قومه إلى الله وأما محمد صلوات الله وسلامه عليه فقال الله تعالى قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا وقال تعالى لأنذركم به ومن بلغ وقال تعالى ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده وقال تعالى وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد في آي كثير من القرآن تدل على عموم رسالته الى الثقلين فأمره الله تعالى أن ينذر جميع إنسهم وجنهم وعربهم وعجمهم فقام صلوات الله وسلامه عليه بما أمر وبلغ عن الله رسالته من خصائصه على إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين أنه أكملهم وسيدهم وخطيبهم وإمامهم وخاتمهم وليس لنبي إلا وقد أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمر أن يأخذ على أمته الميثاق بذلك قال الله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين يقول تعالى مهما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول بعد هذا كله فعليكم الإيمان به ونصرته وإذا كان هذا الميثاق شاملا لكل منهم تضمن أخذه لمحمد صلى الله عليه وسلم من جميعهم وهذه خصوصية ليست لأحد منهم سواه ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ولد مسرورا كما ورد في الحديث الذي جاء من طرق عديدة لكنها غريبة وقد قيل إنه شاركه فيها غيره من الأنبياء كما ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب تلقيح الفهوم ومن ذلك أن معجزة كل نبي انقضت معه ومعجزته صلى الله عليه وسلم باقية بعده إلى ما شاء الله وهو القرآن العزيز المعجز لفظه ومعناه الذي تحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا ولا يمكنهم ذلك أبدا الى يوم القيامة ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أسري به الى سدرة المنتهى ثم رجع الى منزله في ليلة واحدة وهذه من خصائصه صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون في الحديث من قوله بحيث يقول جبريل للبراق حين جمح لم أراد صلى الله عليه وسلم أن يركبه اسكن فوالله ما ركبك خير منه وكذا قوله في الحديث فربطت الدابة في الحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء ما يدل على أنه قد قربهم ربهم إلا أننا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يشاركه أحد منهم في المبالغة في التقريب والدنو منه للتعظيم ولهذا كانت منزلته في الجنة أعلاها منزله وأقربها الى العرش كما جاء في الحديث ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي الا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فصلى الله عليه وسلم ومن ذلك أن أمته اذا اجتمعت على قول واحد في الأحكام الشرعية كان قولها ذلك معصوما من الخطأ بل يكون اتفاقها ذلك صوابا وحقا كما قرر ذلك في كتب الأصول وهذه خصوصية لهم بسببه لم تبلغنا عن أمة من الأمم قبلها ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أو من تنشق عنه الأرض ومن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام إذا صعق الناس يوم القيامة يكون هو أولهم إفاقة كما أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة اليهودي لما قال لا والذي اصطفى موسى على العالمين فلطمه رجل من المسلمين وترافعا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش فلا أدري أفاق أم كان ممن استثنى الله وفي رواية أم جوزي بصعقة الطور وقد حمل بعض من تكلم على هذا الحديث هذه الإفاقة على القيام من القبر وغيره في ذلك ما وقع في بعض روايات البخاري من حديث يحيى بن عمرو المديني عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخيروني على الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من تنشق عنه الأرض فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أكان ممن صعق أم جوزي بصعقته الأولى وهذا اللفظ مشكل والمحفوظ رواية البخاري عن يحيى بن قزعة عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة وعبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة فذكر قصة اليهودي الى أن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق فأجد موسى وذكر الحديث فهذا نص صريح لا يحتمل تأويلا أن هذه الإفاقة عن صعق لا عن موت وهذا حقيقة الإفاقة ثم من تأمل قوله فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور جزم بهذا والله سبحانه وتعالى أعلم ومن ذلك أنه صاحب اللواء الأعظم يوم القيامة ويبعث هو وأمته على نشز من الأرض دون سائر الأمم يأذن الله له ولهم بالسجود في المحشر دون سائر الأمم كما رواه ابن ماجه عن جبارة بن المغلس الحماني حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود فيسجدون له طويلا ثم يقال ارفعوا رؤوسكم فقد جعلنا عدتكم فداءكم من النار وجبارة ضعيف وقد صح من غير وجه أنهم أول الأمم يقضى بينهم يوم القيامة ومن ذلك أنه صاحب الحوض المورود وقد روى الترمذي وغيره أن لكل نبي حوضا ولكن نعلم أن حوضه صلى الله عليه وسلم أعظم الحياض وأكثرها واردا ومن ذلك أن البلد الذي بعث فيه أشرف بقاع الأرض ثم مهاجره على قول الجمهور وقيل إن مهاجره أفضل البقاع كما هو مأثور عن مالك بن أنس رحمه الله وجمهور الأصحاب وقد حكى ذلك عياض السبتي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والله أعلم ونقل الإتفاق على أن قبره الذي ضم جسده بعد موته أفضل بقاع الأرض وقد سبقه إلى حكاية هذا الإجماع القاضي أبو الوليد الباجي وابن بطال وغيرهما وأصل ذلك ما روي أنه لما مات صلى الله عليه وسلم اختلفوا في موضع دفنه فقيل بالبقيع وقيل بمكة وقيل ببيت المقدس فقال أبو بكر رضي الله عنه إن الله لم يقبضه إلا في أحب البقاع إليه ذكره عبدالصمد بن عساكر في كتاب تحفة الزائر ولم أره بإسناد ومن ذلك أنه لم يكن ليورث بعد موته كما رواه أبو بكر وأبو هريرة رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا نورث ما تركناه فهو صدقة أخرجاه من الوجهين ولكن روى الترمذي بإسناد جيد في غير الجامع عن أبي بكر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال نحن معشر الأنبياء لا نورث فعلى هذا يكونون قد اشتركوا في هذه الصفة دون بقية المكلفين ومما يشترك فيه هو والأنبياء أنه صلى الله عليه وسلم كان تنام عيناه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء وجاء في الصحيح تراصوافي الصف فإني أراكم من وراءظهري فحمله كثيرعلى ظاهره والله أعلم وقال أبونصربن الصباغ كان ينظر من ورائه كما ينظر من قدامه ومعنى ذلك التحفظ والحس وجاء في حديث رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أنس مرفوعا الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون القسم الثاني
ما اختص به دون أمته وقد يشاركه فيها غيره من الأنبياء
نذكره مرتبا على أبواب الفقه
كتاب الإيمان
فمن ذلك أنه كان معصوما في أقواله وأفعاله لا يجوز عليه التعمد ولا الخطأ الذي يتعلق بأداء الرسالة ولا يقر فيبقى عليه فلا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فلهذا قال كثير من العلماء لم يكن له الاجتهاد لأنه قادر على النص وقال آخرون بل له أن يجتهد ولكن لا يجوز عليه الخطأ وقال آخرون بل لا يقر عليه فعلى الأقوال كلها هو واجب لا يتصور استمرار الخطأ عليه بخلاف سائر أمته فإنه يجوز ذلك كله على كل منهم منفردا فأما إذا اجتمعوا كلهم على قول واحد فلا يجوز عليهم الخطأ كما تقدم ومن ذلك ما ذكره أبو العباس بن القاص أنه كلف وحده من العلم ما كلف الناس بأجمعهم واستشهد البيهقي على ذلك بحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم إذ أتيت بقدح فيه لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم رواه مسلم ومن ذلك أنه كان يرى ما يرى الناس حوله ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها هذا جبريل يقرأ عليك السلام فقالت عليه السلام يا رسول الله ترى ما نرى وعنها في حديث ال**وف الذي في الصحيحين والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وقال البيهقي حدثنا الحكم حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم الغفاري حدثنا عبيد بن موسى حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر رضي الله عنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أتي على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا حتى ختمها ثم قال إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها تئط ما فيه موضع قدر أصبع إلا ملك واضع جبهته ساجدا لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله والله لوددت أني شجرة تعضد رواه ابن ماجه قال البيهقي يقال إن قوله شجرة تعضد من قول أبي ذر والله أعلم ومن ذلك أن الله أمره أن يختار الآخرة على الأولى وكان يحرم عليه أن يمد عينيه إلى ما متع به المترفون من أهل الدنيا ودليله من الكتاب العزيز ظاهر ومن ذلك أنه لم يكن له أن يعلم الشعر قال الله تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغي له وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي رواه أبو داود فلهذا قال أصحابنا كان يحرم عليه تعلم الشعر ومن ذلك أنه لم يكن يحسن الكتابة قالوا وقد كان يحرم عليه ذلك قال الله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وقال تعالى وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون وقد زعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى تعلم الكتابة وهذا قول لا دليل عليه فهو مردود إلا ما رواه البيهقي من حديث أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن مجالد عن عون بن عبدالله عن أبيه قال لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ وقال مجالد فذكرت ذلك للشعبي فقال قد صدق سمعت من أصحابنا يذكرون ذلك ويحيى هذا ضعيف ومجالد فيه كلام وهكذا ادعى بعض علماء المغرب أنه كتب صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية فأنكر ذلك عليه أشد الإنكار وتبرئ من قائله على رؤوس المنابر وعملوا فيه الأشعار وقد غره في ذلك ما جاء في بعض روايات البخاري فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله وقد علم أن المقيد يقضي على المطلق ففي الرواية الأخرى فأمر عليا فكتب هذا ما قاضى عليه محمد ابن عبدالله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك أن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره فقد توترت عنه صلوات الله وسلامه عليه أن من كذب عليه متعمدا فليتبوأ مقعده من النار روي هذا الحديث من طريق نيف وثمانين صحابيا فهو في الصحيحين من حديث علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعند البخاري من رواية ال**ير بن العوام وسلمة بن الأكوع وعبدالله بن عمروا ولفظه بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وفي مسند أحمد عن عثمان وعمر وأبي سعيد وواثلة بن الأسقع وزيد بن أرقم وعند الترمذي عن ابن مسعود ورواه ابن ماجه عن جابر وأبي قتادة وقد صنف فيه جماعة من الحفاظ كإبراهيم الحربي ويحيى بن صاعد والطبراني والبزار وابن مندة وغيرهم من المتقدمين وابن الجوزي ويوسف بن خليل من المتأخرين وصرح بتواتره ابن الصلاح والنووي وغيرهما من حفاظ الحديث وهو الحق فلهذا أجمع العلماء على كفر من كذب عليه متعمدا مستجيزا لذلك واختلفوا في المتعمد فقط فقال الشيخ أبو محمد يكفر أيضا وخالفه الجمهور ثم لو تاب فهل تقبل روايته على قولين فأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو بكر الحميدي قالوا لا تقبل لقوله صلى الله عليه وسلم إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار قالوا ومعلوم أن من كذب على غيره فقد أثم وفسق وكذلك الكذب عليه لكن من تاب من الكذب على غيره يقبل بالإجماع فينبغي أن لا تقبل رواية من كذب عليه فرقا بين الكذب عليه والكذب على غيره وأما الجمهور فقالوا تقبل روايته لأن قصارى ذلك أنه كفر ومن تاب من الكفر قبلت توبته وروايته وهذا هو الصحيح ومن ذلك أنه من رآه في المنام فقد رآه حقا كما جاء في الحديث فإن الشيطان لا يتمثل بي لكن بشرط أن يراه على صورته التي هي صورته في الحياة الدنيا كما رواه النسائي عن ابن عباس واتفقوا أن من نقل عنه حديثا في المنام أنه لا يعمل به لعدم الضبط في رواية الرائي فإن المنام محل تضعف فيه الروح وضبطها والله تعالى أعلم ومن ذلك ما ذكره الحافظ أبو بكر البيهقي في سننه الكبير عن أبي عباس ابن القاص في قوله تعالى لئن أشركت ليحبطن عملك قال أبو العباس وليس كذلك غيره حتى يموت لقوله تعالى ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم قال البيهقي كذا قال أبو العباس وذهب غيره إلى أن المراد بهذا الخطاب غير النبي عليه الصلاة والسلام ثم المطلق محمول على المقيد انتهى كلامه قلت وهذا الفرع لم يكن إلى ذكره حادة لعدم الفائدة منه وما كان ينبغي أن يذكر لولا ما يتوهم من إسقاطه إسقاط غيره مما ذكروه وإلا فالضرب عن مثل هذا صفحا أولى والله أعلم ومن ذلك أنه لم يكن له خائنة الأعين أي أنه لم يكن له أن يومئ بطرفه خلاف ما يظهره كلامه فيكون من باب اللمز ومستند هذا قصة عبدالله بن سعد ابن أبي سرح حين كان قد أهدر صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح في جملة ما أهدر من الدماء فلما جاء به أخوة من الرضاعة عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال يا رسول الله بايعه فتوقف صلى الله رجاء أن يقوم إليه رجل فيقتله ثم بايعه ثم قال لأصحابه أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني قد أمسكت يدي فيقتله فقالوا يا رسول الله هلا أومأت إلينا فقال إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين