إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فـلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ [ آل عمران : 102 ] .
] يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [ [ النساء : 1 ] .
] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِـرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِـعِ اللَّهَ وَرَسُـولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ [ الأحزاب : 70-71 ] .
أما بعـد :-
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار .
أحبتى فى الله …
(( هيا بنا نؤمن ساعة )) هذا هو عنوان لقاءنا مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم المبارك .. وحتى لا ينسحب بساط الوقـت من تحت أقـدامنا سريعاً فسوف أركز الحديث مع حضراتكم فى العناصر التالية :
أولاً : جدد إيمانك .
ثانيـاً : قسوة القلوب وقلة الخوف من علام الغيوب .
ثالثـاً : إلى أين المصير ؟!
وأخيراً : متى ستتوب ؟!!
فأعيرونى القلوب والأسماع والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولى الألباب .
أولاً : جدد إيمانك .
أخى الحبيب : إن الإيمان قول وعمل ، الإيمـان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان ، والإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان والزلات قال جل وعلا : ] هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [ [ الفتح : 4 ].
وفى الحديث الذى رواه (( ما من القلوب إلا وله سحابة كسحابة القمر مضىء إذ علته سحابة فأظلم فإذا تجلت عنه أضاء ))
فإذا تراكمت سحب المعاصى على القلب حجبت السحب نور الإيمان فى القلب كما تحجب السحابة الكثيفة نور القمر عن الأرض ، فإذا انقسعت السحب ظهر نور القمر لأهل الأرض مرة أخرى كذلك إذا انقشعت سحب المعاصى والذنوب عن القلب ظهر نور الإيمان فى القلوب ، فلا بد من تعهد القلب ، ولابد من تجديد الإيمـان فى القلب وزيادته من آن لآخـر وذلك بتعويض القلب بمواد تقوية الإيمان بالله جل وعلا ، ومن هذه المواد المقوية للإيمـان قراءة القرآن ، وذكر الرحمن ، والصـلاة على النبى عليه الصلاة والسلام ، والاستغفار ، وزيارة القبـور ، وزيارة المرضى والمحافظـة على الصلوات فى جماعة بالمساجد ، والإنفاق على الفقراء والمساكين ، والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمحرومين .
هذه بعض الأعمال التى تقوى وتجدد الإيمـان فى القلب فإن القلب هو الملك والأعضاء والجـوارح هم جنوده ورعاياه ، فإن طاب الملك ، طابت الجنود والرعايا ، وإن خبث الملك خبثت الجنود والرعايا .
كما فى الصحيحين من حديث النعمان بن بشير أن البشير النذير قال (( …الا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب ))()
فلابد من تعهد حال الإيمـان فى القلب .. ولابد من تجديد الإيمان فى القلب . ووالله الذى لا إله غيره ، لا أعلم زمان قست فيه القلوب وتراكمت فيه الذنوب على الذنوب ، وقل الخوف من علام الغيوب كهذا الزمان ولا حول ولا قوة إلا بالله وهذا هو عنصرنا الثانى بإيجاز .
ثانياً : قسوة القلوب وقلة الخوف من علام الغيوب.
قال تعالى : ] أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [ [ الحديد : 16 ].
ألم يأن لقلوب من وَحّدوُا الله وآمنوا برسوله أن تخضع لعظمة الله تبارك وتعالى ، وأن تزعن لآمره ، وأن تجتنب نهيه ، وأن تقف عند حدوده تبارك وتعالى .
إخوتى الكرام : إن قلة الخوف من الله جل وعلا ثمرةٌ مرةٌ لقسوة القلب وظلمته ووحشته ، فمنا الآن من يستمع لكلام الرحمن يتلى ولا تدمع عينيه ، ولا يتحرك قلبه ، ولا تلين جوارحه ، ولايقشعر جلده !!! ذلك أن القلوب قست ، لأن القلوب فى وحشة وأن القلوب فى ظلمه ، فقلة الخوف من الله وإن الخوف من الرحمن ثمرة حلوة للإيمان ، فعلى قدر إيمـانك بالله ، وعلى قدر حبك لله ، وعلى قدر علمك بالله ، وعلى قدر معرفتك بالله جل وعلا يكون حياؤك ، وخوفك ، ومراقبتك لله تبارك وتعالى ، قف على هذه القاعدة ليتبين كل واحد منا الآن : هل يحمل فى صدره قلباً رقيقاً أم قلباً قاسياً وهو لا يدرى ؟!!
قال تعالى :] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [
[ فاطر : 28 ]
فعلى قدر علمك ومعرفتك بالله يكون خـوفك من الله . فيا من تتجرأ على المعصية ، يا من ترخى الستور ، وتغلق الأبواب وتبارز الله جل وعلا بالمعصية ، وأنت تظن يا مسكين أنه لا يسمعك ولا يراك أحد ، فاعلم أيها المسكين وكن على يقين أنك لا تعرف الله جل وعلا ، وعلى قدر علمك بالله يكون حياؤك منه كما قال أعرف الناس بالله رسولنا محمد
(( … أما والله ، إنى لأخشاكم لله ، وأتقاكم له … ))().
فالذى يعرف الله إن زلت قدمه فى المعصية وارتكب كبـيرة من الكبائر فى حـالة ضعف بشرى منه تجده سرعان ما يجدد التوبة والأوبة والندم وهو الذى سرعان ما يطرح قلبه بين يدى الله بذل وانكسار وهو يعترف بفقره وعجزه وضعفه .
وكان النـبى يصلى ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ، وهو الذى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
وفى الصحيحين من حديث أنس t قال : خطبنا رسول الله r خطبـة ما سمعت مثلها قط فقال : (( والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ))()، قال : فغطىَّ أصحاب رسـول الله r وجوههم ، ولهم خنين (( الخنين : شبيه بالبكاء مع مشاركة فى الصوت من الأنف )) .
ورد فى مسند الإمـام أحمد وسنن الترمذى بسند صحيح بالشواهـد من حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى قال : (( كيف أنعم وقد التقم صاحب صاحب القرن القرن وحنا جبهته وأصغى سمعه ، ينتظر أن يؤمر فينفخ ؟ فكأن ذلك ثَقُلَ على أصحابه ، فقالوا : فكيف نفعل يا رسول الله أو نقول ؟ قال : قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيـل ، على الله توكلنا ، وربما قـال : (( توكلنا على الله ))().
والله لو وقفت على خوف النـبى من ربه وهو أعـرف الناس به ، وأتقى الناس له ، وأخشى الناس منه ، لرأيت العجب العجاب .
وهذا فاروق الأمة الأواب عمر بن الخطاب الذى أجرى الله الحق على لسانه لمـا نام على فراش الموت دخل عليه شاب فقال : أبشر يا أمير المؤمنـين ببشرى الله لك وصحبة رسول الله r وقدمٍ فى الإسـلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شـهادة فقال عمر : وددت أن ذلك كفافٌ لا علىّ ولا لى .
وفى رواية : دخل عليه ابن عباس فقال : أليس قد دعا رسول الله أن يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافـون بمكة ، فلما أسلمت كان إسلامك عزاً ، وظهر بك الإسلام ، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً ، ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله r من قتال المشركين ، ثم قُبض وهو عنك راض ، ووازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله r فضربت من أدبر بمن أقبل ، ثم قبض الخليفة وهو عنك راضٍ ، ثم وليت بخير ما ولى الناس : مصَّر الله بك الأمصار ، وجيَّا بك الأموال ونعى بك العدو وأدخل بك على أهل بيت من سيوسعهم دينهم وأرزاقهم ثم ختم لك بالشهادة فهنيئاً لك .
فقال عمر : والله إن المغرور من تغرونه().
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال : ليتنى هذه التبنة ليتنى لم أك شيئاً ، ليت أمى لم تلدنى.
وهذا حب المصطفى معاذ بن جبل الذى أقسم له النبى فقال : (( يا معاذ والله إنى لأحبك )) .
يبتلى معاذ بطعون الشام وينام على فراش المـوت وهو الشاب الذى لم يبلغ الثالثة والثلاثـين من عمره فيقول لأصحـابه : هل أصبـح الصباح ؟ فيقولون : لا بعـد فيقول أخرى : هل أصبح الصبـاح ؟ فيقولون : لا بعد فيقول ثالثة : هل أصبح الصباح ؟ فيقولون : لا بعد فيقول معاذ : أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار !!!
وهذا سفيان الثورى إمام الدنيا فى الزهـد والورع والحديث ، ينام على فراش الموت ويدخل عليه حماد بن سلمة فيقول له : أبشر يا أبا عبد الله أنك مقبل على ما كنت ترجـوه ، وهو أرحم الراحمـين فيبكى سفيان ويقول: أسألك بالله يا حماد أتظن أن مثلى ينجو من النار ؟ !!!
وهذا إمام الدنيا الشافعى يدخل عليه الإمام المزنى وهو على فراش الموت فيقـول له : كيف أصبحت يا إمـام فيقول : أصبحت من الدنيـا راحلا وللإخوان مفارقا ، ولعملى ملاقيا ، ولكأس المنى شاربا وعلى الله واردا ، ثم بكى وقال : فـلا أدرى والله يا مُزنى أتصير روحى إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ؟!!!
وهذا مالك بن دينار وهو من أئمة السلف الأخيـار كان يصلى للعزيزِ الغفـار ويقبض على لحيته ويبكى ثم يقـول : لقد علمت مساكن الجنة ومساكن النار ففى أى الدارين منـزل مالك بن دينار ؟!!
فهل فكرت يا عبد الله فى هذا المصير ، أتصير إلى جنة أم إلى نار ؟!!
وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء .
ثالثا : أين المصير ؟!!
وهذا سؤال يجب على كل واحد منا أن يسأله لنفسه فى الليل والنهار ، يا من بارزت الله بالزنا قل لنفسك أين المصير ؟!
يا من ذهب زَوجَكِ إلى بلاد الغربة ليوفر لَكِ وللأولادكِ المعيشة الطيبة الحلال فلم تحفظيه فى عرضه وماله قولى لنفسك أين المصير ؟!
يا من تلاعبت ببنات المسلمين وبارزت الله بالمعاصـى قـل لنفسك أين المصير ؟
يا من أكلت الربا قل لنفسك أين المصير ؟!!
يا من أكلت الحرام قل لنفسك أين المصير ؟!!
يا من تظلم الناس قل لنفسك أين المصير ؟!!
مثل وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حـيراناَ
النار تلهب من غيظٍ ومن حنقٍ على العصاةِ ورب العرش غَضباناَ
اقرأ كتابك يا عبدُ على مَهَـل فهل ترى فيه حرفاً غـير ما كانا
فلما قرأت ولم تنكر قراءتـه إقرار من عرف الأشياء عرفـانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتى وامضوا بعبدٍ عصا للنار عطشانا
المشركون غـداً فى النار يلتهبوا والمؤمنـون بدار الخـلد سكانا
ماذا تقول لربك غداً إذا وقفت بين يديه عـارٍ: أين المنصب ؟!
أين الجاه ؟! أين السلطان ؟!! أين الأموال ؟!! أين القوة ؟!!
(( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ))
أين المصـير ؟! وجه لنفسك اليوم هذا السؤال : هل أنت ممن عمل الطاعة وتنتظر من الله الجنـة أم أنك مصرف على نفسك بالمعصية ومع ذلك تتمنى على الله الأمانى وترجوا الجنة ما أقل حياء من طمع فى الجنـة وهولم يعمل بالطاعة ولم يمتثل لأوامر الله .. إننا لا نقوى على النار ومن يقوى عليها ؟! ومن يقوى على نار الدنيا وهى (( ناركم هذه التى توقد ابن آدم جزء من سبعين جـزءاً من نار جهنم )) .
فاتقوا النار أيها المسلمون فإن حرها شديد ، وقعرهـا بعيد ، ومقامعها من حديد ، إن الطعام فى النار نار ، وإن الشراب فى النار نار ، وإن الثياب فى النار نار ، وطعام أهل النار من الزقوم والغسلين والضريع .
هل تعلم عن الزقوم والغسلين والضريع شىء ؟!!
الزقوم شجرة تنبت فى أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين .
يقول ابن عباس رضى الله عنهما : لو أن قطرة منها قطرت على أهل الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون الزقوم طعامه .
] أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ(62)إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ(63)إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ(64)طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ(65)فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [ [الصافات : 62-65]
أما الضريع !! فهو نوع من أنواع الشَّوْك ..
قال تعالى : ] هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ(1)وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ(2)عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ(3)تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً(4)تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ(5)لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ(6)لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [ [ الغاشية : 1-7 ].
أما الغسلين !! فهو عصارة أهل النار من فيح وصديد .
قال تعالى : ] وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ(26)يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ لْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(34)فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ(35)وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ [ [ الحاقة : 25-36 ]
إذا استغاث أهل النار يغاثون بماء ولكن ما هذا الماء ؟
قال تعالى : ] … وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [ [ محمد : 15 ]
وقال تعالى : ] إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا[
[ الكهف : 29 ]
وهنا يستغيث أهل النار بخزنة جهنم ] وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ[ [ غافر : 49 - 50]
فإن يئس أهل النار من خزنة جهنم نادو على رئيس الخزنة ] وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [ [ الزخرف : 77 ]
فيتذكرأهل النار أهل التوحيد ممن كانوا يعرفونهم فى الدنيا فينادونهم ليغيثونهم بشىء من الماء أو مما رزقهم الله ] وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(50)الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [
[ الأعراف : 50-51 ]
فإن يأس أهل النار من الخلق أجمعين استغاثوا بالملك الكريم .
قال تعالى : ] قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ(106)رَبَّنَا أَخْرِجْـنَا مِنْهَا فَإِنْ عُـدْنَا فَإِنَّا ظَـالِمُونَ(107)قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ [ [ المؤمنين : 106-108 ]
الطعام نار ، والشراب نار ، والثياب من نار .
قال تعالى : ] هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ(19)يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ(20)وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [ [ الحج : 19-21 ]
أما الذين سعدوا ففى الجنة خـالدين .. جنة لا يعلم ما أُعـِدَّ فيها من كرامة لأوليائه - إلا العزيز الغفار . (( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )) .
ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه قال : (( إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب ذُرِّى السماء إضاءة ، لا يبولون ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ، ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة – عود الطيب – أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ستون دراعاً فى السماء ))().
ويكفى أخى الكريم : أن تقف على أدنى أهل الجنة منـزلة لتعلم قدر أعلى أهل الجنة ففى صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أن النبى r قال : (( سأل موسى ربه جل وعلا فقال : يارب ما أدنى أهل الجنة منـزلة ؟ فقال هو : رجل يجىء بعد أُُدخل أهل الجنة الجنة ، فيقال له : ادخل الجنة ، فيقول : أى رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم ؟! فيقال : له أترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِكٍ من ملوك الدنيا ؟ فيقول رضيت رب ، فيقال : لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ، فيقول فى الخامسة : رضيت رب ، فيقول هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك .
فيقول موسى : يا رب هذا أدنى أهل الجنة منـزلة فما أعلاهم منـزلا قال الله : ذلك الذى أردت غرست كرامتهم بيدى وختمت عليهم فلم ترى عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر ))
أيها المسلمون : إن أعلى نعيم أهل الجنـة هو النظر إلى وجه الله جل وعلا قال تعالى : (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22)إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ))
[ القيامة : 22-23 ]
ففى صحيح مسلم من حديث أنه قال : (( إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تعالى : يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك ،فيقول : هل رضيتم ؟! فيقولون : يا ربنا قد أعطيتنا ما لم تعط أحد من خلقك ، وما لنا لا نرضى ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ، فيقولون : أى شىء أفضل من ذلك ، فيقول : أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدا )) .
وفى رواية أبى سعيد : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى الله عز وجل : قال تعالى : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ))
والزيادة هى النظر إلى وجه الله تعالى .
والسؤال الأخير : إذا كان الأمر كذلك فمتى ستتوب ؟!!
والجواب : بعد جلسة الاستراحة وأقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم
الخطبة الثانية ..
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحـابه وأحبابه و أتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد : فيا أيها الأحبة الكرام أيها الآباء الفضلاء .. وأيها الأخوات الفضليات وأيها الشباب متى سنتوب ؟! متى سنرجع إلى علام الغيوب ؟!
أما آن لقلوبنا أن تخشع ، وأن ترجـع وأن تخضع لله رب العالمـين إن الموت يأتى بغته ، وإن أقرب غائب ننتظره هو الموت فلا تسوف التوبة ، وعاهد الله من الآن أن تقف عند حدوده وأن تراقبه فى سرك وعلانيتك .. فى خلوتك وجلوتك ، وأن تحرص على مجالس العلم وأن تفرغ لها من الوقت والجهد والمال فإن مجالس العلم تجدد الإيمان فى القلب ، وتحول بينك وبين معصية الله عز وجل لأن مجلس العلم طريق إلى الجنة وطريق يبعدك عن النار كما قال نبيك المختار : (( ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سَهَّلَ الله له طريقاً إلى الجنة ))
أحبتى فى الله …
فلنرجع ونتوب من الآن إلى الله تعالى توبة صـادقة مهما بلغت ذنوبنا ونعاهد الله تعالى من الآن على أن نعود إليه و أن نجـدد التوبة والأوبة ونحن على يقين أنه سبحانه يفرح بتوبة عبده المؤمن وهو الغـنى عنا الذى لا ينفعه الطاعة ولا تضره المعصية قال تعالى : ] قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُــوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنـُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُـورُ الرَّحِيمُ [ [ الزمر : 53 ]
وأذكركم أحبتى فى الله أن التوبة لها شروط حتى يقبلها الله تبارك وتعالى وأول شرط فيها : أن تقلع عن الذنب ثم الندم على ما مضى ، ولا تباهى لا وتتفاخر أنك فعلت وفعلت ثم تعمل الصالحات .
قال تعالى : ] إِلاَّ مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [ [ الفرقان : 70 ]
وفى الحديث القدسى الذى رواه الترمـذى أن النبى قال : قال الله تعالى : (( يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو أتيتنى يتراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة
] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ [ آل عمران : 102 ] .
] يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [ [ النساء : 1 ] .
] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِـرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِـعِ اللَّهَ وَرَسُـولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ [ الأحزاب : 70-71 ] .
أما بعـد :-
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار .
أحبتى فى الله …
(( هيا بنا نؤمن ساعة )) هذا هو عنوان لقاءنا مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم المبارك .. وحتى لا ينسحب بساط الوقـت من تحت أقـدامنا سريعاً فسوف أركز الحديث مع حضراتكم فى العناصر التالية :
أولاً : جدد إيمانك .
ثانيـاً : قسوة القلوب وقلة الخوف من علام الغيوب .
ثالثـاً : إلى أين المصير ؟!
وأخيراً : متى ستتوب ؟!!
فأعيرونى القلوب والأسماع والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولى الألباب .
أولاً : جدد إيمانك .
أخى الحبيب : إن الإيمان قول وعمل ، الإيمـان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان ، والإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان والزلات قال جل وعلا : ] هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [ [ الفتح : 4 ].
وفى الحديث الذى رواه (( ما من القلوب إلا وله سحابة كسحابة القمر مضىء إذ علته سحابة فأظلم فإذا تجلت عنه أضاء ))
فإذا تراكمت سحب المعاصى على القلب حجبت السحب نور الإيمان فى القلب كما تحجب السحابة الكثيفة نور القمر عن الأرض ، فإذا انقسعت السحب ظهر نور القمر لأهل الأرض مرة أخرى كذلك إذا انقشعت سحب المعاصى والذنوب عن القلب ظهر نور الإيمان فى القلوب ، فلا بد من تعهد القلب ، ولابد من تجديد الإيمـان فى القلب وزيادته من آن لآخـر وذلك بتعويض القلب بمواد تقوية الإيمان بالله جل وعلا ، ومن هذه المواد المقوية للإيمـان قراءة القرآن ، وذكر الرحمن ، والصـلاة على النبى عليه الصلاة والسلام ، والاستغفار ، وزيارة القبـور ، وزيارة المرضى والمحافظـة على الصلوات فى جماعة بالمساجد ، والإنفاق على الفقراء والمساكين ، والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمحرومين .
هذه بعض الأعمال التى تقوى وتجدد الإيمـان فى القلب فإن القلب هو الملك والأعضاء والجـوارح هم جنوده ورعاياه ، فإن طاب الملك ، طابت الجنود والرعايا ، وإن خبث الملك خبثت الجنود والرعايا .
كما فى الصحيحين من حديث النعمان بن بشير أن البشير النذير قال (( …الا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب ))()
فلابد من تعهد حال الإيمـان فى القلب .. ولابد من تجديد الإيمان فى القلب . ووالله الذى لا إله غيره ، لا أعلم زمان قست فيه القلوب وتراكمت فيه الذنوب على الذنوب ، وقل الخوف من علام الغيوب كهذا الزمان ولا حول ولا قوة إلا بالله وهذا هو عنصرنا الثانى بإيجاز .
ثانياً : قسوة القلوب وقلة الخوف من علام الغيوب.
قال تعالى : ] أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [ [ الحديد : 16 ].
ألم يأن لقلوب من وَحّدوُا الله وآمنوا برسوله أن تخضع لعظمة الله تبارك وتعالى ، وأن تزعن لآمره ، وأن تجتنب نهيه ، وأن تقف عند حدوده تبارك وتعالى .
إخوتى الكرام : إن قلة الخوف من الله جل وعلا ثمرةٌ مرةٌ لقسوة القلب وظلمته ووحشته ، فمنا الآن من يستمع لكلام الرحمن يتلى ولا تدمع عينيه ، ولا يتحرك قلبه ، ولا تلين جوارحه ، ولايقشعر جلده !!! ذلك أن القلوب قست ، لأن القلوب فى وحشة وأن القلوب فى ظلمه ، فقلة الخوف من الله وإن الخوف من الرحمن ثمرة حلوة للإيمان ، فعلى قدر إيمـانك بالله ، وعلى قدر حبك لله ، وعلى قدر علمك بالله ، وعلى قدر معرفتك بالله جل وعلا يكون حياؤك ، وخوفك ، ومراقبتك لله تبارك وتعالى ، قف على هذه القاعدة ليتبين كل واحد منا الآن : هل يحمل فى صدره قلباً رقيقاً أم قلباً قاسياً وهو لا يدرى ؟!!
قال تعالى :] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [
[ فاطر : 28 ]
فعلى قدر علمك ومعرفتك بالله يكون خـوفك من الله . فيا من تتجرأ على المعصية ، يا من ترخى الستور ، وتغلق الأبواب وتبارز الله جل وعلا بالمعصية ، وأنت تظن يا مسكين أنه لا يسمعك ولا يراك أحد ، فاعلم أيها المسكين وكن على يقين أنك لا تعرف الله جل وعلا ، وعلى قدر علمك بالله يكون حياؤك منه كما قال أعرف الناس بالله رسولنا محمد
(( … أما والله ، إنى لأخشاكم لله ، وأتقاكم له … ))().
فالذى يعرف الله إن زلت قدمه فى المعصية وارتكب كبـيرة من الكبائر فى حـالة ضعف بشرى منه تجده سرعان ما يجدد التوبة والأوبة والندم وهو الذى سرعان ما يطرح قلبه بين يدى الله بذل وانكسار وهو يعترف بفقره وعجزه وضعفه .
وكان النـبى يصلى ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ، وهو الذى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
وفى الصحيحين من حديث أنس t قال : خطبنا رسول الله r خطبـة ما سمعت مثلها قط فقال : (( والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ، ولبكيتم كثيراً ))()، قال : فغطىَّ أصحاب رسـول الله r وجوههم ، ولهم خنين (( الخنين : شبيه بالبكاء مع مشاركة فى الصوت من الأنف )) .
ورد فى مسند الإمـام أحمد وسنن الترمذى بسند صحيح بالشواهـد من حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى قال : (( كيف أنعم وقد التقم صاحب صاحب القرن القرن وحنا جبهته وأصغى سمعه ، ينتظر أن يؤمر فينفخ ؟ فكأن ذلك ثَقُلَ على أصحابه ، فقالوا : فكيف نفعل يا رسول الله أو نقول ؟ قال : قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيـل ، على الله توكلنا ، وربما قـال : (( توكلنا على الله ))().
والله لو وقفت على خوف النـبى من ربه وهو أعـرف الناس به ، وأتقى الناس له ، وأخشى الناس منه ، لرأيت العجب العجاب .
وهذا فاروق الأمة الأواب عمر بن الخطاب الذى أجرى الله الحق على لسانه لمـا نام على فراش الموت دخل عليه شاب فقال : أبشر يا أمير المؤمنـين ببشرى الله لك وصحبة رسول الله r وقدمٍ فى الإسـلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شـهادة فقال عمر : وددت أن ذلك كفافٌ لا علىّ ولا لى .
وفى رواية : دخل عليه ابن عباس فقال : أليس قد دعا رسول الله أن يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافـون بمكة ، فلما أسلمت كان إسلامك عزاً ، وظهر بك الإسلام ، وهاجرت فكانت هجرتك فتحاً ، ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله r من قتال المشركين ، ثم قُبض وهو عنك راض ، ووازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله r فضربت من أدبر بمن أقبل ، ثم قبض الخليفة وهو عنك راضٍ ، ثم وليت بخير ما ولى الناس : مصَّر الله بك الأمصار ، وجيَّا بك الأموال ونعى بك العدو وأدخل بك على أهل بيت من سيوسعهم دينهم وأرزاقهم ثم ختم لك بالشهادة فهنيئاً لك .
فقال عمر : والله إن المغرور من تغرونه().
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال : ليتنى هذه التبنة ليتنى لم أك شيئاً ، ليت أمى لم تلدنى.
وهذا حب المصطفى معاذ بن جبل الذى أقسم له النبى فقال : (( يا معاذ والله إنى لأحبك )) .
يبتلى معاذ بطعون الشام وينام على فراش المـوت وهو الشاب الذى لم يبلغ الثالثة والثلاثـين من عمره فيقول لأصحـابه : هل أصبـح الصباح ؟ فيقولون : لا بعـد فيقول أخرى : هل أصبح الصبـاح ؟ فيقولون : لا بعد فيقول ثالثة : هل أصبح الصباح ؟ فيقولون : لا بعد فيقول معاذ : أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار !!!
وهذا سفيان الثورى إمام الدنيا فى الزهـد والورع والحديث ، ينام على فراش الموت ويدخل عليه حماد بن سلمة فيقول له : أبشر يا أبا عبد الله أنك مقبل على ما كنت ترجـوه ، وهو أرحم الراحمـين فيبكى سفيان ويقول: أسألك بالله يا حماد أتظن أن مثلى ينجو من النار ؟ !!!
وهذا إمام الدنيا الشافعى يدخل عليه الإمام المزنى وهو على فراش الموت فيقـول له : كيف أصبحت يا إمـام فيقول : أصبحت من الدنيـا راحلا وللإخوان مفارقا ، ولعملى ملاقيا ، ولكأس المنى شاربا وعلى الله واردا ، ثم بكى وقال : فـلا أدرى والله يا مُزنى أتصير روحى إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ؟!!!
وهذا مالك بن دينار وهو من أئمة السلف الأخيـار كان يصلى للعزيزِ الغفـار ويقبض على لحيته ويبكى ثم يقـول : لقد علمت مساكن الجنة ومساكن النار ففى أى الدارين منـزل مالك بن دينار ؟!!
فهل فكرت يا عبد الله فى هذا المصير ، أتصير إلى جنة أم إلى نار ؟!!
وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء .
ثالثا : أين المصير ؟!!
وهذا سؤال يجب على كل واحد منا أن يسأله لنفسه فى الليل والنهار ، يا من بارزت الله بالزنا قل لنفسك أين المصير ؟!
يا من ذهب زَوجَكِ إلى بلاد الغربة ليوفر لَكِ وللأولادكِ المعيشة الطيبة الحلال فلم تحفظيه فى عرضه وماله قولى لنفسك أين المصير ؟!
يا من تلاعبت ببنات المسلمين وبارزت الله بالمعاصـى قـل لنفسك أين المصير ؟
يا من أكلت الربا قل لنفسك أين المصير ؟!!
يا من أكلت الحرام قل لنفسك أين المصير ؟!!
يا من تظلم الناس قل لنفسك أين المصير ؟!!
مثل وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حـيراناَ
النار تلهب من غيظٍ ومن حنقٍ على العصاةِ ورب العرش غَضباناَ
اقرأ كتابك يا عبدُ على مَهَـل فهل ترى فيه حرفاً غـير ما كانا
فلما قرأت ولم تنكر قراءتـه إقرار من عرف الأشياء عرفـانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتى وامضوا بعبدٍ عصا للنار عطشانا
المشركون غـداً فى النار يلتهبوا والمؤمنـون بدار الخـلد سكانا
ماذا تقول لربك غداً إذا وقفت بين يديه عـارٍ: أين المنصب ؟!
أين الجاه ؟! أين السلطان ؟!! أين الأموال ؟!! أين القوة ؟!!
(( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ))
أين المصـير ؟! وجه لنفسك اليوم هذا السؤال : هل أنت ممن عمل الطاعة وتنتظر من الله الجنـة أم أنك مصرف على نفسك بالمعصية ومع ذلك تتمنى على الله الأمانى وترجوا الجنة ما أقل حياء من طمع فى الجنـة وهولم يعمل بالطاعة ولم يمتثل لأوامر الله .. إننا لا نقوى على النار ومن يقوى عليها ؟! ومن يقوى على نار الدنيا وهى (( ناركم هذه التى توقد ابن آدم جزء من سبعين جـزءاً من نار جهنم )) .
فاتقوا النار أيها المسلمون فإن حرها شديد ، وقعرهـا بعيد ، ومقامعها من حديد ، إن الطعام فى النار نار ، وإن الشراب فى النار نار ، وإن الثياب فى النار نار ، وطعام أهل النار من الزقوم والغسلين والضريع .
هل تعلم عن الزقوم والغسلين والضريع شىء ؟!!
الزقوم شجرة تنبت فى أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين .
يقول ابن عباس رضى الله عنهما : لو أن قطرة منها قطرت على أهل الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون الزقوم طعامه .
] أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ(62)إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ(63)إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ(64)طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ(65)فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [ [الصافات : 62-65]
أما الضريع !! فهو نوع من أنواع الشَّوْك ..
قال تعالى : ] هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ(1)وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ(2)عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ(3)تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً(4)تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ(5)لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ(6)لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [ [ الغاشية : 1-7 ].
أما الغسلين !! فهو عصارة أهل النار من فيح وصديد .
قال تعالى : ] وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ(26)يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ لْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(34)فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ(35)وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ [ [ الحاقة : 25-36 ]
إذا استغاث أهل النار يغاثون بماء ولكن ما هذا الماء ؟
قال تعالى : ] … وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [ [ محمد : 15 ]
وقال تعالى : ] إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا[
[ الكهف : 29 ]
وهنا يستغيث أهل النار بخزنة جهنم ] وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ[ [ غافر : 49 - 50]
فإن يئس أهل النار من خزنة جهنم نادو على رئيس الخزنة ] وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [ [ الزخرف : 77 ]
فيتذكرأهل النار أهل التوحيد ممن كانوا يعرفونهم فى الدنيا فينادونهم ليغيثونهم بشىء من الماء أو مما رزقهم الله ] وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(50)الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [
[ الأعراف : 50-51 ]
فإن يأس أهل النار من الخلق أجمعين استغاثوا بالملك الكريم .
قال تعالى : ] قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ(106)رَبَّنَا أَخْرِجْـنَا مِنْهَا فَإِنْ عُـدْنَا فَإِنَّا ظَـالِمُونَ(107)قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ [ [ المؤمنين : 106-108 ]
الطعام نار ، والشراب نار ، والثياب من نار .
قال تعالى : ] هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ(19)يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ(20)وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [ [ الحج : 19-21 ]
أما الذين سعدوا ففى الجنة خـالدين .. جنة لا يعلم ما أُعـِدَّ فيها من كرامة لأوليائه - إلا العزيز الغفار . (( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )) .
ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه قال : (( إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب ذُرِّى السماء إضاءة ، لا يبولون ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ، ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة – عود الطيب – أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ستون دراعاً فى السماء ))().
ويكفى أخى الكريم : أن تقف على أدنى أهل الجنة منـزلة لتعلم قدر أعلى أهل الجنة ففى صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أن النبى r قال : (( سأل موسى ربه جل وعلا فقال : يارب ما أدنى أهل الجنة منـزلة ؟ فقال هو : رجل يجىء بعد أُُدخل أهل الجنة الجنة ، فيقال له : ادخل الجنة ، فيقول : أى رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم ؟! فيقال : له أترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِكٍ من ملوك الدنيا ؟ فيقول رضيت رب ، فيقال : لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ، فيقول فى الخامسة : رضيت رب ، فيقول هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك .
فيقول موسى : يا رب هذا أدنى أهل الجنة منـزلة فما أعلاهم منـزلا قال الله : ذلك الذى أردت غرست كرامتهم بيدى وختمت عليهم فلم ترى عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر ))
أيها المسلمون : إن أعلى نعيم أهل الجنـة هو النظر إلى وجه الله جل وعلا قال تعالى : (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22)إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ))
[ القيامة : 22-23 ]
ففى صحيح مسلم من حديث أنه قال : (( إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تعالى : يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك ،فيقول : هل رضيتم ؟! فيقولون : يا ربنا قد أعطيتنا ما لم تعط أحد من خلقك ، وما لنا لا نرضى ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ، فيقولون : أى شىء أفضل من ذلك ، فيقول : أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدا )) .
وفى رواية أبى سعيد : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى الله عز وجل : قال تعالى : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ))
والزيادة هى النظر إلى وجه الله تعالى .
والسؤال الأخير : إذا كان الأمر كذلك فمتى ستتوب ؟!!
والجواب : بعد جلسة الاستراحة وأقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم
الخطبة الثانية ..
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحـابه وأحبابه و أتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .
أما بعد : فيا أيها الأحبة الكرام أيها الآباء الفضلاء .. وأيها الأخوات الفضليات وأيها الشباب متى سنتوب ؟! متى سنرجع إلى علام الغيوب ؟!
أما آن لقلوبنا أن تخشع ، وأن ترجـع وأن تخضع لله رب العالمـين إن الموت يأتى بغته ، وإن أقرب غائب ننتظره هو الموت فلا تسوف التوبة ، وعاهد الله من الآن أن تقف عند حدوده وأن تراقبه فى سرك وعلانيتك .. فى خلوتك وجلوتك ، وأن تحرص على مجالس العلم وأن تفرغ لها من الوقت والجهد والمال فإن مجالس العلم تجدد الإيمان فى القلب ، وتحول بينك وبين معصية الله عز وجل لأن مجلس العلم طريق إلى الجنة وطريق يبعدك عن النار كما قال نبيك المختار : (( ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سَهَّلَ الله له طريقاً إلى الجنة ))
أحبتى فى الله …
فلنرجع ونتوب من الآن إلى الله تعالى توبة صـادقة مهما بلغت ذنوبنا ونعاهد الله تعالى من الآن على أن نعود إليه و أن نجـدد التوبة والأوبة ونحن على يقين أنه سبحانه يفرح بتوبة عبده المؤمن وهو الغـنى عنا الذى لا ينفعه الطاعة ولا تضره المعصية قال تعالى : ] قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُــوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنـُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُـورُ الرَّحِيمُ [ [ الزمر : 53 ]
وأذكركم أحبتى فى الله أن التوبة لها شروط حتى يقبلها الله تبارك وتعالى وأول شرط فيها : أن تقلع عن الذنب ثم الندم على ما مضى ، ولا تباهى لا وتتفاخر أنك فعلت وفعلت ثم تعمل الصالحات .
قال تعالى : ] إِلاَّ مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [ [ الفرقان : 70 ]
وفى الحديث القدسى الذى رواه الترمـذى أن النبى قال : قال الله تعالى : (( يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى ، يا ابن آدم لو أتيتنى يتراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة