الحكمة من وقوع أهل الإيمان في العصيان؟!

الطيب الجزائري84

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 جوان 2011
المشاركات
4,119
نقاط التفاعل
4,687
النقاط
191
العمر
39
الجنس
ذكر
بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.

الحكمة من وقوع أهل الإيمان في العصيان؟!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن مما قدره كونا علام الغيوب أيها الأفاضل،أنه سبحانه لم يجعل لعباده المؤمنين عصمة من الخطايا والذنوب، فلابد أن يقع منهم التقصير مهما بلغت مكانتهم وعلت منزلتهم .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:(وليس في المؤمنين إلا من له ذنب من ترك مأمور أو فعل محظور كما قال صلى الله عليه وسلم:"كُلُّ بني آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ".-رواه ابن ماجة(2499) من حديث أنس –رضي الله عنه-،وحسنه الشيخ الألباني –رحمه الله-).رسالة في التوبة (ص258)
يقول المناوي-رحمه الله-:"فلابد أن يجري على العبد ما سبق به القدر، فكأنه قال لابد لك من فعل الذنوب لأنها مكتوبة عليك،فأحدث توبة فإنه لا يؤتى العبد من فعل المعصية وإن عظمت،بل من ترك التوبة".التيسير بشرح الجامع الصغير (2/212)
لكنَّ المؤمنين الأبرار أيها الأحبة الكرام يُبغضون المعاصي ويعلمون أنها داء خطير وشر مستطير على العباد والبلاد، فينتابهم بعد إتيانها الندم والعزم على عدم العود إليها،ويبادرون بالتوبة والذكر والاستغفار إلى العزيز الجبار،يقول جل وعلا:(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)[آل عمران: 135].
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :" أي : صدر منهم أعمال سيئة كبيرة أو ما دون ذلك، بادروا إلى التوبة والاستغفار، وذكروا ربهم، وما توعد به العاصين ووعد به المتقين،فسألوه المغفرة لذنوبهم والستر لعيوبهم مع إقلاعهم عنها وندمهم عليها،فلهذا قال:(ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون)".تفسير السعدي (ص 149)
بخلاف غيرهم من الفجار والأشرار!فلا نرى على وجوههم الحسرات ولا الندم على ما ارتكبوا من المحرمات،لأن هدفهم السعي وراء الملذات!والركض خلف الشهوات!لذا نجد عندهم الاستصغار للمنكرات،يقول عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- :"إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه،وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه! فقال به هكذا،وأشار الراوي(بيده فوق أنفه)".رواه البخاري في صحيحه(5949)
يقول ابن الجوزي-رحمه الله-:"إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من العقوبة،لأنه على يقين من الذنب،وليس على يقين من المغفرة، والفاجر قليل المعرفة بالله،فلذلك قل خوفه فاستهان بالمعاصي".كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/287)
وعلى الرغم من ضرر المعاصي بأنواعها إلا أن فعل المؤمن لها أحيانا قد يرجع عليه بفوائد وعوائد متعدية بإذن الله جل وعلا، ومن أهمها :
1- إكثاره بعدها من التوبة والاستغفار والخضوع والانكسار للعزيز الغفار، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وَالَّذِي نَفْسِي بيده لو لم تُذْنِبُوا لَذَهَبَ الله بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لهم". رواه مسلم (2749)
يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :" فلابد للإنسان من ذنب، ولكن ماذا يصنع؟ يجب عليه إذا أذنب ذنبا أن يرجع إلى الله، ويتوب إليه، ويندم ويستغفر حتى ينمحي عنه ذلك الذنب". شرح رياض الصالحين (6/604)
2- ولولا الذنب! أيها الكرام لأصيب المؤمن بداء عضال ومرض قتال،حيث يبوء من ابتلي به بالحرمان والخسران، ألا وهو "داء العجب"،فعن أنس-رضي الله عنه- أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال :"لو لم تكونوا تذنبون لخشيت عليكم ما هو أكثر من ذلك، العُجب العجب".رواه البزار في مسنده(13/524)،وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في السلسلة الصحيحة(658)
يقول المناوي –رحمه الله- :"كرره-أي العجب- زيادة في التنفير ومبالغة في التحذير، وذلك لأن العاصي يعترف بنقصه فيرجى له التوبة،والمعجب مغرور بعمله فتوبته بعيدة".التيسير بشرح الجامع الصغير ( 2/312)
3-ولولا الذنوب!!لما جاهد المؤمن نفسه والشيطان على الازدياد من الحسنات ليمحو بإذن الله تعالى وفضله ما قدمه من السيئات،ولما اجتهد في إخلاص النية لرب البرية فنال بسبب ذلك المكانة المرضية والدرجات العليَّة،يقول تعالى:(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)[العنكبوت :69].
يقول الشيخ الشنقيطي –رحمه الله-:"ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن الذين جاهدوا فيه،أنه يهديهم إلى سبل الخير والرشاد،وأقسم على ذلك ".أضواء البيان(6 /163)
فهذه من أهم الثمار النافعة والمتعدية التي ينبغي للمؤمن أن يَجنيها بعد ارتكابه للذنوب!،وهذا لا يعني أيها الأحبة الكرام أنه يُشرع له فعل المحرمات من أجل أن يَقطف هذه الثمار!بل لا بد عليه أن يحذر ما أمكنه من فعل المعاصي والتهاون فيها! وإذا غلبته نفسه الأمارة بالسوء وتجرأ على فعلها!فليبادر إلى إصلاح ما أفسد!ولا يمل من التوبة والاستغفار،وإن تكرر منه فعل الآثام! مادامت نفسه بين جنبيه!وأبواب التوبة ولله الحمد مفتوحة،وليحذر أشد الحذر من تلبيس وتيئيس إبليس له، حيث يسعى هذا اللعين دائما ليُقنط المؤمن من رحمة العزيز الغفار، قيل للإمام الحسن البصري –رحمه الله-: "ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود؟! فقال -رحمه الله-:"ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا!،فلا تملوا من الاستغفار".جامع العلوم والحكم لابن رجب(1/165)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"ولو تاب العبد، ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضاً، ولا يجوز للمسلم إذا تاب، ثم عاد،أن يصر،بل يتوب،ولو عاد في اليوم مائة مرة ". مجموع الفتاوى (16/58)
وعليه كذلك أن يتقي الشبهات،ويبتعد عن كل ما يجعله يقع في المحرمات من الشهوات والملذات،وإذا حدثته نفسه الأمارة بالسوء بارتكاب المنكرات!فليتذكر عظمة رب الأرض والسموات،لأنه أيها الكرام ما ارتكبت الذنوب وتعدى الخلق على حدود علام الغيوب إلا بعد ذهاب الخوف من القلوب،يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله-:"الخوف علامة صحة الإيمان، وترحُّله من القلب علامة ترحُّل الإيمان منه".مدارج السالكين(1/515)
ويقول المناوي-رحمه الله-:"القلب إذا امتلأ من الخوف –أي من الله- أحجمت الأعضاء جميعها عن ارتكاب المعاصي، وبقدر قلة الخوف يكون الهجوم على المعاصي، فإذا قل الخوف جدا واستولت الغفلة كان ذلك من علامة الشقاء".فيض القدير (2/ 132)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا وإياكم ممن يخافه في السر والعلن،وأن يوفقنا إلى كل خير وسرور ، وأن يبعدنا عن سائر الشرور ، فهو سبحانه ولي ذلك والعزيز الغفور.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي

المصدر ..ملتقى اهل الحديث

 
رد: الحكمة من وقوع أهل الإيمان في العصيان؟!

باااااااارك الله فيك
 
رد: الحكمة من وقوع أهل الإيمان في العصيان؟!

وفيكم بارك الله
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top