« هذه فلسطين..الصهيونية عارية »
حسين التريكي
حسين التريكي
«هذه فلسطين..الصهيونية عارية» كتاب تجربة عميقة انطلقت مند تأسيس مؤتمر المغرب العربي سنة1947 وحرص شباب الحزب الحر الدستوري على فكرة أن قضية تحرير تونس من الاستعمار لا يمكن أن تنفصل عن قضية تحرير الجزائر والمغرب وفلسطين وبأن العرب قوة عظمى في توحدهم. كلف حسين التريكي بمهمة تمثيل الجامعة العربية في أمريكا اللاتينية، في بيونس أيرس أين اكتشف أن 26 مدرسة عسكرية تحت سماء الأرجنتين أسستها الصهيونية..هذه الحركة التي استنزفت خمسة عشر ألف طالب لتنفيذ الدعاية الصهيونية..لتصبح الأرجنتين قاعدة لها بعد الولايات المتحدة.. وما كان للصهيونية آنذاك إلا أن تهيمن على القطب الجنوبي للأرض الذي يحتوي على ثروات هائلة على جميع الأصعدة..كل هذه العوامل هذا مت دفع الكاتب للدفاع عن القضية الفلسطينية ويقاوم الدعاية الصهيونية، وينشر عدة كتب وصحف باللغة الاسبانية ساهمت في فضح إسرائيل في أمريكا الجنوبية، ويربط علاقات بالأوساط الدبلوماسية العاملة في الأرجنتين إلى أن حكمت عليه المخابرات الإسرائيلية بالإعدام في عدة مناطق من أمريكا الجنوبية.. ثم اتصل ببعض الحلفاء الطبيعيين لفلسطين ليمدوه بمعلومات عن أي تحرك صهيوني..بعد أن ترسخت في ذهنه حقيقة أن «الصهيونية عدوة الإنسانية».. و أن الذي لا يدرك واقع الصهيونية لا يمكنه فقه المشاكل الطارئة في العالم..ناهيك أنه بعد نكبة 67 تم بعث 35 ألف عالم لإسرائيل وهو دليل على أن كل جامعات العالم أنداك تعمل لفائدة الصهيونية..أمام هذه المعلومات التي تعكس نضالات المفكر فهل من المنطقي أن لا يستفيد طلبة قسم التاريخ يفكر في أية جامعة عربية لاستقدام هذه»الموسوعة التاريخية» وان لا يدرج هذا الكتاب ليدرس في برنامج التاريخ في مادة تاريخ القضية الفلسطينية وان لا تقتنيه وزارات الثقافة العربية ليودع في المكتبات العمومية ليطلع عليه القراء لأهميته.
ففي نسخة أنيقة منقّحة جديدة حاول المؤلف «تعرية» الصهيونية وفضح ما تدّعيه من حقوق تاريخية وجغرافية في فلسطين وكشف عوراتها وكذبها وتحريفها للحقائق.
والكتاب الذي يعدّ 448 صفحة والذي قدّمه المفكر الفنزويلي الكبير «Domingo Alberto Rangel» هو عبارة عن «مرجع» لا يكتفي فيه مؤلفه بالنقد والتحليل فحسب بل يتحدث فيه أيضا بلغة الأرقام والوثائق الشهادات والحقائق الدامغة ليبرهن بالوقائع التاريخية والمعطيات العلمية إن إسرائيل ليست سوى كيان عنصري مصطنع تمتد شرايينه خارج حدوده ليمتص خيرات شعوب أخرى ليتسنى له البقاء.
ويستدل الكاتب في هذا الصدد بشهادات دونها مفكّرون يهود ليبيّن كيف إن اليهود اغتصبوا فلسطين بحد السلاح وبالتواطؤ مع الاستعمار البريطاني في حين أنه ليس لهم أي حق تاريخي في فلسطين العربية وان ما يسمونه «الوعد الإلهي» لا يعدو أن يكون سوى أسطورة اختلقوها لأنفسهم…
ويتوقف الكاتب بإسهاب عند جذور قضية فلسطين محاولا إلقاء الضوء على خفاياها ونفض الغبار عن الحق الفلسطيني الذي عمدت الصهيونية إلى طمس معالمه الحقيقة بكافة وسائل الدعاية والنشر حتى تسمّم الرأي العام العالمي وتاه في منعرجات «الباطل الصهيوني» وأصبح خلافا للمنطق يناصر الجلاد ضد الضحية… ويذبح الحرية… باسم الحرية…
وفي هذا الإطار يوضح الكاتب أهم وأخطر المراحل التي مرت بها قضية العرب الأولى وكيف بيعت في سوق «البورصة الصهيونية» وكيف بيعت معها الذمم ومبادئ الحرية والكرامة الوطنية وحق تقرير المصير على مسرح الأمم المتحدة لزرع كيان غريب على أنقاض وطن تضرب عروبته في أعماق عشرات القرون من التاريخ.
فهو يري انه قام بتمهيد وتحيين النسخة الثالثة لتمكن القارئ المعاصر من استيعاب جوهر النزاع العربي اليهودي “استيعابا” جيدا لنشوء هذا النزاع الذي تولدت عنه عدة حروب،والذي لا يزال يحدث الاختلال بالأمن والسلم الدوليين بصورة تكاد لا تنقطع. إذ أن “مشكلة فلسطين” باتت منذ منتصف القرن التاسع عشر مركزا لإحداث الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية….والحروب التي تعانيها كل الدول بصورة مباشرة أو غير مباشرة علي المستوي العالمي.
والواقع انه لا يمكن استيعاب هذا النزاع استيعابا حقيقيا إلا بالتعمق في سوابق الظروف الذي تولد عنها وفيها “المشكل الفلسطيني” الذي ليس له مثيل في التاريخ .
إذ أن هذا المشكل تولد في خضم المؤامرات والدسائس التي حيكت خلال الصراعات التي تشابكت فيها المصالح والصراعات الاستعمارية قبل أن يتجلى علي ارض فلسطين.
إذ يؤكد ذلك شايم وايزمان فيما دونه في مذكراته حيث يقول”لم يكن اليهود هم الذين انشئوا وطنهم القومي في فلسطين بل أن السياسة الاستعمارية(السائدة حينذاك) هي التي تكفلت بتطويره”
كما يؤكد ذلك اباايبان وزير خارجية حكومة إسرائيل الأولي في احدي خطبه علي منبر هيئة الأمم المتحدة حينما ناشد أعضاء هذه الهيئة قائلا:” إذا لم نستوعب جيدا الظروف التي تولدت فيها مشكلة فلسطين لن يتسني لنا أن نجد لها حلا عادلا”
ويري التريكي إن هذه الدولة المصطنعة سرعان ما تحولت إلي مركز جوهري للارتباكات المستمرة بين الدول، والإخلال بأسباب السلام والأمن الدوليين المولد للحروب والمنشئ للمشاكل العنصرية والدينية، المتسببة في الاشتباكات المسلحة والاقتتال بين العرب واليهود..وبذلك أصبحت إسرائيل مركزا يستحيل معه التعايش السلمي بين مختلف العروق التي تتكون منها العائلة البشرية الكبيرة التي خلقها الله.
إن إسرائيل تشكل المركز الرئيسي للاضطرابات الدائمة التي تنشا بين المجتمعات العقائدية في مختلف القارات، وإنها بالتالي مركز لتراكم الغضب والشعور بالإذلال والاخزاء والإحباط وخيبة الأمل التي سرعان ما يتحول تراكمات إلي كومة من أعمال العنف والإرهاب كالتي تمثلت في تحطيم أبراج وويل سترييت في نيورك ووزارة الدفاع في البنتاغون والتي سجلها التاريخ ب”بإحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ” وما تولد عنها من أزمات مأساوية وتبعاتها.
ويعتمد حسين التريكي في جل تحليلاته إلي مصادر يهودية أمريكية حيث يعود إلي كتاب وليام بلوم” الدولة الداعرة” الذي صدر سنة 2001 وهو يهودي أمريكي عمل في وزارة الخارجية الأمريكية والذي حلل فيه أسباب كره العرب والمسلمين للولايات المتحدة وارتكابهم أعمالا إرهابية ضد مصالحها قائلا: “كثيرا ما تكون تعبيرا عن الغضب وردود فعل لما تقترفه الولايات المتحدة من دعم وما تمنحه من أموال طائلة لدولة إسرائيل لتمكنها من اقتراف ما تقترفه يوميا من أعمال البطش والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني وان الأهداف التي استهدفوها لم يكن اختيارها عفويا ،إن مركز التجارة العالمي ومبني وزارة الدفاع يحتلان القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة،وإذا اعتبرنا أن ما قام به قراصنة الجو له عذرا إلا أنه غير متعذر التعليل.”
إن أغلبية الشعب الأمريكي يصعب عليه استيعاب أن ما قام به الإرهابيون هو انتقام ورد فعل لسياسة الولايات المتحدة الخارجية …ويستند التريكي إلي مذكرات جيمس كارتر حين قال بدون لبس” لقد أرسلنا جنود البحرية إلي لبنان. ومن يزور لبنان أو الأردن أو سوريا يمس شعور الغضب والكره والضغينة الذي يكنه الناس هناك ضد الولايات المتحدة …لقد حولنا أنفسنا إلي شياطين في أنفس الذين يكنون لنا شعور الغضب. ذلك هو السبب الذي دفع هؤلاء باحتجاز الرهائن (الأمريكيين) والقيام بأعمال الإرهاب (ضدنا)
كما يستشهد التريكي بتقرير نشره النائب السابق في مجلس نواب ولاية لوزيانا داوود دوك علي الانترنيت بعنوان” الإرهاب الإسرائيلي والخيانة الأمريكية وراء هجمات الحادي عشر من سبتمبر” حيث أكد أن كل من يرتكب عملا إجراميا تجاه أمريكا يجب أن يعاقب،فكان من واجب أمريكا إذن أن تضع إسرائيل في أعلي القائمة “إلا أن” جرائم إسرائيل وأعمالها في حق الولايات المتحدة لم يتم تجاهلها بل وجرت مكافأتها من بعض السياسيين الخونة(الأمريكيين)لبلادهم.ط ويعتبر داوود دوق أنه علي شعب الولايات المتحدة أن تكون له الشجاعة الكافية ليبحث عن الأسباب التي ” تحدث شعور الكراهية نحونا” ويعتبر “ان العديد من السياسيين الأمريكيين خانوا شعبهم بدعمهم غير المحدود لأكبر دولة راعية للإرهاب علي وجه الأرض: إسرائيل ” ويضيف قائلا ” مقتل خمسة ألاف أمريكي في الحادي عشر من سبتمبر كلها كانت لصالح إسرائيل. متى يدرك الأمريكيون بأن كل ما هو مضر بمصلحة أمريكا يصب بالتالي في مصلحة دولة إسرائيل الإرهابية ؟ إلى متى نظل عاجزين عن وضع حد لكل العملاء الإسرائيليين والخونة الأمريكيين لوقف خمسين عاما من دعم الإرهاب الإسرائيلي؟
لقد وهبت حياتي لأمريكا الحرة المستقرة ، أمريكا التي تسعى لصالح مواطنيها و ليس لصالح إطراف إرهابية أخرى.
أرسل هذا المقال إلى كل أمريكي والى بقية العالم كي يطلع العالم على حقيقة أسوأ دولة على وجه الأرض ، إسرائيل. انك بعملك هذا لا تساعد الفلسطينيين فقط ، بل تساهم أيضا في حماية الأمريكيين أنفسهم ودعم ركائز حريتهم. “
بناء على كل ما سبق ، فالحقيقة واضحة كالشمس . إسرائيل هي الدولة الأكثر دموية على وجه الأرض. ورؤسائها الإرهابيون أياديهم ملطخة بدماء جرائمهم التي ارتكبوها على مدى نصف قرن ضد الفلسطينيين من تطهير عرقي وتفجير وقصف وقتل وتعذيب.
وسجل إسرائيل الأسود حافل بالخيانات ضد أمريكا ، فقد قمت للتو بسرد الأدلة التي تثبط تورط إسرائيل في فضيحة لافون ، وقضية تجسس بولارد، والهجوم على البارجة الحربية يو اس اس لبيريتي.
من خلال جهود اليهود وعملائهم ممن خانوا الولايات المتحدة ، تبنت الحكومة الأمريكية سياسات خارجية تقوم على أساس خيانة المصالح الأمريكية الحقيقية. فقد ساهم الدعم العسكري والمادي الأمريكي على تمادي إسرائيل في إرهابها المتواصل ضد الفلسطينيين. وما الحقد والكره الشديدين ضد الولايات المتحدة إلا نتيجة طبيعية لدعم الإرهاب الإسرائيلي والذي أثر بدوره سلبا على اقتصاد أمريكا ومصالحها الإستراتيجية.
فالخونة الذين باعوا أمريكا لإسرائيل يتحملون في الواقع مسؤولية قتل 5000 آلاف أمريكي قضوا في انفجارات الحادي عشر من سبتمبر ، وبطبيعة الحال فإنهم لا يقلوا إجراما عن أولئك الذين قاموا بالفعل بخطف وتفجير مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع (مبنى البنتاغون).
على مدى العامين الماضيين عانت إسرائيل من أسوأ أزمة في تاريخها على مستوى علاقاتها الدولية حيث كان انتخاب السفاح شارون رئيسا للوزراء بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير والتي غيرت رؤية الملايين حول العالم لهذا الكيان العنصري. وكان قرار مؤتمر الأمم المتحدة حول العنصرية باعتبار إسرائيل” دولة عنصرية”، أحد العوامل التي أدت إلى ازدياد رفض المجتمع الدولي لإسرائيل. ولكن الموازيين انقلبت فجأة لصالح إسرائيل بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر . هل هذه مجرد مصادفة؟
مما سبق يتضح لنا وبالأدلة الدامغة أن إسرائيل حاولت مرارا القيام بأعمال إرهابية ضد مصالح أمريكية وإلصاق التهمة بالعرب. لأن أي عمل إرهابي يقوم به عرب يصب بالتالي في مصلحة إسرائيل ، ولكن القيادة الإسرائيلية هذه المرة كانت واعية واستفادت من الدروس الماضية ، فبدلا من المخاطرة بأعمال إرهابية من المحتمل أن تنكشف حقيقتها فأنه من الآمن لإسرائيل أن تمارس المزيد والمزيد من الإرهاب ضد العرب كما حدث في صبرا وشاتيلا ، مما سوف يحفز أعداءها من المسلمين ويدفعهم إلى ارتكاب أعمال انتقامية ضد الغرب ، وهذا بالضبط ما حصل في بيروت والذي زاد من الإرهاب الإسرائيلي الذي أدى بدوره إلى تفجير مركز التجارة.
يفضل المناضل الكبير حسين التريكي التنازل عن ألقاب التشريف التي يسبغها عليه المؤرخون المنصفون كقولهم إنه شيخ المناضلين العرب، ويعتزّ في المقابل بأن يعتبره الناس جنديا في ساحة المعركة العربية فهو يشعر الآن أكثر من أي وقت مضى أنها البداية.يتخلّى حسين التريكي إذن عن لقب يستحقه لنضاله الطويل على جبهات متعدّدة خدمة للقضية العربية بدءا من معركة التحرير الوطني وصولا إلى القضية الأم، قضية القضايا، مشكلة فلسطين التي يرتبط بها مصير العرب فتنبض على إيقاع دقات ساعة القدس العتيقة قلوبُهم، يتخلّى عن هذا التشريف لا فقط بغاية التواضع أمام أجيال كثيرة تتطلّع إلى استلهام مبادئ الالتزام والنضال من مسيرته في الحياة والكفاح، وإنما تعبيرا عن أن الطريق ما تزال طويلة وأن ليس للمحارب راحة تلهيه إنما هو رغم سنواته التسعين منتصب القامة على أرض الميدان يقوم بدور يحقق به وجوده في خضم تاريخ مغتصب وأرض سليبة وروح عربية تطارد اليأس والقتامة متطلّعة إلى بصيص من الضوء يلوح في آخر النفق الطويل.
خاتمة
تتسم حياة حسين التريكي بملامح تجربته السياسية والإنسانية أكثر في ضوء الأحاسيس الثورية التي تكتنف لحظتنا هذه، إنه بكل بساطة واختزال إنسان عربي متجذر في إحساسه القومي المرهف ملتزم بالدفاع عن راية العروبة والنضال حتى تتحرّر الذات العربية من الأسر، أسر الدكتاتوريات والجهل والتخلف والفقر، أسر العقل الصهيوني الكبير الذي تتخبّط بين قضبانه العالية إرادة الشعوب، ولكن إرادة الشعوب لا تقهر، ذلك هو الدرس الذي يقرأه القارئ في كتاب حسين التريكي ومن خلال سيرته فحسين التريكي يهدي جيل الثورة ثمرة من ثمار تجربته: “هذه فلسطين…الصهيونية عارية” كي تكون كشافا يضيء طريقا ما تزال طويلة ولكن: أليس الصبح بقريب؟.
لقد تناول في كتابه نفوذ الصهيونية وتأثيرها الأخطبوطي في السياسة العالمية، وقد نبّه في كتابه إلى حجم التمويلات الضخمة التي تدعم الصهيونية العالمية من مصادر متنوعة في العالم وهو ما قلّما ينتبه إليه في سياق دراسة تطور هذه الحركة ومراقبة أساليب عملها، لقد حاول حسين التريكي بما أمكن له من قدرة على النفاذ في الأوساط السياسية المؤثرة في أمريكا اللاتينية التنبيه إلى مخاطر تدفق المال السياسي في اتّجاه الكيان الإسرائيلي المزروع في قلب الوطن العربي إنشاء لحلم عنصري استطاعت المنظمة الصهيونية العالمية أن تحوّله إلى واقع ملموس في أقلّ من نصف قرن.
لقد عاش حسين التريكي في الأرجنتين التي حمّله رئيسها الأسبق الجنرال خوان دومينيجو بيرون في كاراكاس سنة 1956 رسالة يعتزّ بها إلى الآن: “إلى أصدقائي البيرونيين، السيد حسين التريكي يتجوّل لقضايا تتّصل بقضيتنا المشتركة أرجو من أصدقائي أن يقدّموا له كل مساعدة يطلبها كما لو كانوا يقدّمونها لي شخصيا…”
تحميل كتاب
آخر تعديل بواسطة المشرف: