بسم الله الرحمان الرحيم
مقـــدمـــة
عرف الإقتصاد الجزائري منذ الإستقلال تغيرات عدة ساهمت بشكل كبير في تغير المفاهيم و الإديولوجيات و كذا الإستراتيجيات و بالتالي تغـير القـــرارات و الأنظمة . و تعتبر المؤسسة الإقتصادية الجزائرية بمختلف قطاعاتها القلب النابض للإقتصاد الوطني ، بالرغم من أنها كانت و لا زالت مختبرا للعديد من التجارب والأنظمة المستوردة .
إن الواقع الحالي للتسيير في المؤسسات الجزائرية يلزم علينا الرجوع إلى الحقبة التاريخية الماضية لتفسير الوضعية المتوصل إليها حاليا .
1- التطور التاريخي للمؤسسات الجزائرية
لقد مرت المؤسسات الجزائرية بمراحل مختلفة تخللتها فترات مهمة و هي :
أ- مرحلة التسيير الذاتي للمؤسسات : خرجت الجزائر من الحرب (1962) و اقتصادها شبه مدمر. فبعد الاستقلال غادر العاملين بالإدارة و المراكز الحساسة مناصبهم (90% معمرين و أجانب) ، تاركين المؤسسات و الإدارات مهملة حيث غادر خلال 6 اشهر 800ألف شخص . وكان القصد من وراء هذا الهروب خلق مشاكل أمام الدولة الجزائرية المستقلة حديثا إضافة إلى المشاكل الموضوعية التي كانت تواجهها كالبطالة تفوق( 70%) ، الفقر ,التهميش, الأمية (98%) الخ.
إن نمط تسيير الاقتصاد الوطني و استراتيجية التنمية الاقتصادية آلتي يجب اتباعها , كان إحدى اهتمامات قادة الثورة بالرغم من التوجه و الصورة التي لم تكن واضحة حول نموذج التنمية ، لكن في مؤتمر طرابلس بدأت ملامح هذا النموذج تسير نحو التوجه لإعطاء الأولوية للقطاع الفلاحي و إعتباره محرك القطاعات الأخرى ، و كذا تقليص الملكية الخاصة و تشجيع الشكل التعاوني , و هذه الخطوة كانت تأكيدا لنمط التسيير الاشتراكي للاقتصاد الوطني .
خلال هذا الوقت حاول العمال على اختلاف فئاتهم و قدراتهم ملئ الفراغ الذي تركه المسيرين الأجانب بهدف حماية الاقتصاد الوطني و مواصلة العملية الإنتاجية في المؤسسات قصد مواجهة احتياجات المجتمع , وهذا التجاوب من طرف العمال سهل عملية تجسيد التسيير الذاتي للمؤسسات.
إن فكرة التسيير الذاتي لم تكن وليدة تفكير عميق , و إنما كانت استجابة عفوية لظروف اقتصادية، سياسية و اجتماعية معينة فرضت العمل بهذا النمط حيث وصل عدد المؤسسات الصناعية في سنة 1964 إلى 413 مؤسسة كانت تسير ذاتيا , و أغلبية هذه المؤسسات تتميز بصغر حجمها .إن منهاج التسيير الذاتي لم يدم طويلا , حتى بدأ العمل على التقليل من انتشاره , و ما قرارات التأميم إلا تأكيدا على
ذلك .
و قد عرفت الجزائر بعد تاريخ 19 جوان 1965 تغييرا حقيقيا حيث بدأتها بمرحلة التأميمات .قطاع البنوك و المناجم في سنة 1966 ، قطاع المؤسسات مابين 1966 و 1970 ، قطاع المحروقات 24 فبراير 1971 .
ب - مرحلة الشركة الوطنية: تزامنا مع مرحلة التأميمات بدأ متخذو القرار في التفكير في خلق شركات وطنية. ففي سنة 1965 مثلا : تأسست كل من الشركة الوطنية للنفط و الغاز ، الشركة الوطنيةللحديد و الصلب ((sns ، الشركة الوطنية للصناعات النسيجية (sonitex) ، الشركة الجزائرية للتأمين (saa). إن هذه الشركات و غيرها اعتبرت آنذاك كأدوات أساسية لتحقيق استراتيجية التنمية وخلالفترة71-1965 ) 9(1 أصبحت هذه الشركات لا تستطيع حصر أهدافها و التي كانت محددة و مسطرة من قبل الجهاز المركزي و الوصاية لأن هناك أهداف أخرى تتعارض و طبيعة نشاطها بسبب عوامل عدة من بينها :
* قلة الإطارات و نقص الخبرة .
* تلبية المطالب الإجماعية .
* خلق شروط الاستقرار السياسي .
و في هذه المرحلة كانت أهداف الاقتصاد الوطني غير محددة حسب قانون العرض و الطلب و إنما حسب منطق الخطة الاقتصادية الموضوعة ، و هذا ما جعل التحكم في عملية التصنيع و اتخاذ القرارات يتم خارج الشركات الوطنية من قبل الجهاز المركزي و هذا ما دفع بالسلطة إلى تغيير نمط آخر للتسيير.
جـ - مرحلة التسيير الاشتراكي للمؤسسات : جاءت مرحلة التسيير الاشتراكي للمؤسسات و التي تعتمد على أساس النظام الاشتراكي الذي يرتكز على الملكية العامة لوسائل الإنتاج ، و أن يكون العمال طرفا مهما في تسيير و مراقبة هذه الشركات . و بالتالي أصبح العامل يتمتع بصفة( المسير ، المنتج) .
إن العجز المالي الإجمالي الدي عرفته المؤسسات اللإشتراكية خلال هذه الفترة واضح إذ أنه إرتفع من 408 دج سنة 1973 إلى مليار و 880 دج في 1978 هذا ما يوضح لنا أن تطور الإنتاج يكون مرتبط بالجهد المبذول من طرف جماعة مهما تكن مرفقة بتزايد إنتاجية العامل إذ أن معدل استعمال القدرات الموضوعة في سنة 1980 هـي ما بين 60% و 70 % في الصناعة و 40و50 % في الإسكان بسبب تطور ارتفاع الإنتاج هذا ما بين الشك بتساوي التسيير الاشتراكي للمؤسسة و التزايد في الإنتاج أي أن التسيير المؤسسات لم يكن يهم نمط التسيير السليم من أجل زيادة الأرباح .
فنتائج تطبيق هذا الأسلوب تظهر أنها ليست مشجعة لأن القرارات كانت و لا زالت في يد الجهات الوصية.
د - مرحلة المؤسسات العمومية الاقتصادية
إعادة الهيكلة : أدت خبر ة الثمانينات بكثير من البلدان النامية إلى إعادة النظر في نهجها التنموي رغم أن البلدان تختلف من حيث إمكانياتها الاقتصادية وسياساتها الحكومية، فإعادة الهيكلة تعتمد على القطاع الخاص و مؤشرات السوق في توجيه موارد المؤسسة .
إن الأسباب الرئيسية لعملية إعادة الهيكلة مرتبطة بالوضع العام ( اقتصادي ، سياسي ، اجتماعي .....) الذي تهيكلت فيه المؤسسة العمومية الجزائرية ففي المرحلة ما قبل الثمانينات وجدت تشوهات و عوائق عديدة لدى تعددت المهام و تعددت معها مراكز إتخاد القرارات مما أدى إلى تضارب أهداف المؤسسة. إن عملية احتكار الدولة للتجارة الخارجية لا سيما عندما يتعلق الأمر بتوسيع الاستثمارات و توفير المواد الأولية و كذا تصريف المنتوج النهائي و غيرها من الأسباب شكلت هدفا معتبرا لموارد مادية كبيرة مما أدت إلى حتمية وجود منفذ يمكن المؤسسة الوطنية بأخذ على عاتقها معا الفعالية الاقتصادية و الربحية لتنمية القدرات الإنتاجية و تحفيزها على أداء النشاط الموكل إليها.
· إعادة الهيكلة العضوية : يخص المؤسسة الوطنية ذات الحجم الكبير المتعدد المهام حسب المعيار المعتمد و الهدف من ذلك. كان تعداد المؤسسات الوطنية آنذاك 85 مؤسسة أما المؤسسات الجهوية و المحلية فبلغت 526 مؤسسة، و كان العمل المستهدف هو تقسيمها إلى 145 مؤسـسة بالنســبة للأولى و 1200 مؤسسة بالنسبة للثانية .
· إعادة الهيكلة المالية : كل مؤسسة تستطيع العمل و ممارسة نشاطها إذا و فرت لها موارد مالية مهما كان مصدرها فإن هذه الموارد في المؤسسة هي وسائل تمويل لمختلف استعمالاتها حتى تستطيع خلق عملية التوازن ما بين مواردها و استعمالاتها .
* مقياس إعادة الهيكلة المالية : تتمثل في تطهير الوضعية المالية و إعادة النظر في هيكلة المؤسسة العمومية، هذه المقاييس تهدف لتأمين التوازن المالي للمؤسسة حتى تضمن إستــمراريـتها و تتمثل في :
- تخصيص المؤسسة العمومية لأموال الخاصة و لرأس مال عام .
- إعادة هيكلة ديوان بإعادة برمجة مستحقي الفوائد و الديون .
- تسهيل الديون بين المؤسسات .
إن من الأهداف المتبعة اللجنة الوطنية لإعادة النظر في الهيكلة المالية هو إعداد البيان الذي يحلل أسباب عدم التوازن المالي و القوانين الإقتصادية و المالية لبناء توازن مالي جديد و مخطط لإعادة النظر في الهياكل المالية القصيرة و المتوسطة الأجل للمؤسسات .
في هذا الإطار كل مؤسسة معنية تعد مخططات لإعادة هيكلتها المالية بالأخذ بعين الإعتبار المقاييس التطبيقية القصيرة و المتوسطة الأجل و مقاييس التوازن المالي المستمر .
* حقائق مرحلة إعادة الهيكلة : كان من المفروض أن تكون المرحلة الإنتاجية الحقيقية لأنها ارتبطت بتغيير طبيعة السياسية الاقتصادية المطبقة مما أدى إلى خضوع المؤسسة الوطنية خلال هذه الفترة إلى حقل من التجارب في تطبيق السياسة الاقتصادية. و لكن شهدت هذه المرحلة إصدار الطاقات الإنتاجية فكان الخاسر الأكبر هو الاقتصاد الوطني و المتثمل في المؤسسة الوطنية العمومية . إن الإستراتيجية السياسية المطبقة على المؤسسة الوطنية لم تكن إقتصاديات رشيدة تمكن من إستخدام مواردها و طاقاتها على هذا الوضع الذي أصبحت فيه معظم المؤسسات الوطنية العمومية مع خلق مؤسسات جديـدة زاد مــن التضخــم و المكشوفات البنكية و بالتالي العجز المالي الذي أصبح معتادا عليه في مؤسساتنا الوطنية مما أدى بالحكومة للبحث عن أسرع الطرق لإنقاد الوضع الذي آل إليه الاقتصاد الوطني.
فإعادة الهيكلة لم تكن تقسيما للمؤسسات بقدر ما كانت تقسيما للأعباء و المصاريف فقط.
هـ - استقلالية المؤسسات
وضعية المؤسسة الوطنية العمومية قبل الاستقلالية : قدمت إحصائيات نهاية الثمانيناتبيانات توضح فيه المدى الذي توصلت إليه المؤسسة الوطنية العمومية من خسارة متزايدة، فالمؤسسة ليست حرة في علاقاتها الإقتصادية و التجارية و في إختيار أصحابها سواء في الداخل أو في الخارج .
إن الأزمة التي عاشها الإقتصاد الجزائري سنة 1986 و التي كانت ظاهرة خطيرة الاقتصاد الوطني حيث إنخفض سعر برميل البترول و تدهورت قيمته ، بالإضافة إلى التسيير السيئ للمؤسسة و لأجل هذه النتائج سعت الجزائر إلى البحث عن أحسن السبل لبناء إقتصاد وطني عصري و إخراج المؤسسة الوطنية من البيروقراطية و إعطائها الحرية اللازمة لإصدار قراراتها الخاصة لتسيير مواردها المالية و المـادية و من ثمة بدأت مناقشة قضية استقلالية المؤسسة، و في بداية 1988 بدأت مرحلة تطبيق، بعد دراسة مشاريع و قوانين حددت الحكومة شروطها و مخططاتها .
و الاستقلالية تعني حرية الإدارة في التصرف دون الخضوع إلى أي إجراء من الإجراءات اليروقراطية ، كما تحرر من الضغوطات و التدخلات المختلفة للسلطات و يترتب عليها حرية ادارة المؤسسة بتمتع هده الأخيرة بالذمة المالية و الإستقلال المال و من هنا فالاستقلالية ترمي أسـاسا إلى تنمية خلق روح المسؤولية ، و من أهدافها :
- اللامركزية في السلطة و القرار .
- إعطاء المؤسسة المسؤولية المباشرة في القيام بعملياتها الإقتصادية التجارية و تنظيم علاقاتها الإقتصادية .
- تسيير موردها المادية و البشرية و كذلك إختيار مسؤولياتها .
- المؤسسة هي الوسيلة الاقتصادية ذات العلاقات الدائمة مع الحكومة أي مع العمليات التجارية للمؤسسة و على هذا يجب على الحكومة مواجهة جميع الالتزامات.
و - مرحلة اقتصاد السوق
بعد 30 سنة من الإستقلال نستطيع تلخيص على أساس المؤشرات الاقتصادية كل مار عرفه الاقتصاد الجزائري :
* وجود قطاع الصناعات ضخم لكنه يعتمد على أكثر من 80% من المواد الأولية المستورة بالنسبة للقطاعين العام و الخاص ما عدا الصناعات النفطية التي تمثل أكثر من 92 % من الواردات الكلية.
* الاستعمال الضعيف للقدرات الإنتاجية بسبب عدم اتقان التكنولوجية وعدم قابلية الدينار للتحويل مما جعل الدولة بحاجة ماسة إلى العملة الصعبة، مع ضعف القدرة الشرائية .
* ضعف مردودية المحصول الزراعي المتعلقة بوجود سياسة خاطئة بالنسبة للقطاع الزراعي على العموم.
* عدم تنظيم التجارة مما ادى خلق سوق موازي زاد من سوء الوضعية للإقتصادية و المالية (التضخم أي كتلة نقدية تفوق الإنتاج الوطني ) .
* مديونية خارجية مرتفعة بسبب غياب سياسة حقيقية و سوء تسيير الموارد المالية المقترضة ، بالإضافة إلى خدمات الديون التي تمتص 4/3 من المداخيل النهائية للواردات .
* عدم مطابقة و تعاقد النظام الجبائي .
عرفت العشرية الأخيرة من القرن الماضي مرحلة خطيرة ، لم تعرف أبدا البلاد انزلا قات كالتي عرفتها خلال هذه الحقبة ، فالأوضاع السياسية الغير مستقرة أثرت بصورة سلبية على كل الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية .
لقد عاش الاقتصاد الوطني خلال هذه المرحلة هزات عدة جاءت نتيجة تخريب العديد من ممتلكات الدولة كحرق المصانع ، هجرة الإطارات و الكوادر من جهة , وإفلاس المؤسسات وغلقها ، وكذا تسريح عمالها من جهة أخرى . ولكن رغم هذا و ذاك بقيت الدولة صامدة أمام هذا الوضـع ، و استمر مسؤولي القطاعات الاقتصادية في اتباع أنظمة جديدة تخرج البلاد من الأزمة .
وفي سنة 1990 أصدرت الدولة قانون 90/10 الخاص بالقرض والنقد و بموجبه أنشئ مجلس النقد والقرض والذي يعتبر مجلس إدارة البنك المركزي ، فمن خلال هذا القانون (كان أول قانون صدر في تلك المرحلة) أرادت الدولة أن تبرز نية توجهها السياسي نحو ما يسمي باقتصاد السوق economie de marche .فقانون 90/10 مهد الطريق لإصدار قانون 93/12 والذي بموجبه أصبح المستثمر حر وله امتيازات وتشجيعات ويسمي هذا القانون بقانون الاستثمارات .
ويمكن القول أن قانون 90/10 جاء بتسهيلات و امتيازات للمستثمرين الخواص إلا أنها لم تكن واضحة وبصدور قانون 93/12 اتضحت الصورة والسبل أمام المستثمرين الخواص حيث يسمح هذا القانون بترقية الاستثمار بصورة أوسع .
و هكذا دخلت الجزائر في عملية تعديل وتغيير لتشريعاتها الاقتصادية و هذا تماشيا والمحيط الاقتصادي باعتبار أنها انتقلت من الاقتصاد المغلق إلى الاقتصاد المفتوح ، وكمثال عن هذه التغيرات إصدار قانون تجاري جديد ، قانون الإجراءات المدنية مع الأجانب ، قانون البورصة للقيم ...الخ.
إن هذه التعديلات جاءت نتيجة وجود قوانين غير كافية لتشجيع جلب الاستثمارات المحـلية و الأجنبية الضرورية لإرساء قاعدة اقتصاد السوق ، ولتفسير واقع التسيير للمؤسسات الجزائرية سيتم التركيز على أربعة مستويات .
2 – مستويات الاقتصاد الوطني :
يمكن دراسة مستويات الاقتصاد الوطني من خلال ما يلي :
أ – مستوى الاقتصاد الكلي :
عرفت المؤسسات الجزائرية منذ الاستقلال توجها نحو سياسية اجتماعية هدفها الأساسي الإنتاج من جهة ، و امتصاص أكبر قدر من اليد العاملة النشيطة من جهة أخرى . هذا الأسلوب المقرر مركزيا لم يكن يوما في مصلحة المؤسسة الجزائرية التي انعد مت فيها كل الأساليب التقنية المتعلقة بالمفهوم الحقيقي الاقتصاد منها :
* تحديد اليد العاملة .
* استعمال المحاسبة العامة والتحليلية لمعرفة المركز المالي للمؤسسة .
* تحديد كمية الإنتاج ونوعيته .
* استراتيجية الإنتاج والأرباح على المدى القصير ، المتوسط والطويل.
* تحديد ديون ومستحقات المؤسسة .
* دراسة السوق أي معرفة نوعية وكمية المنتوج المطلوب ( قانون العرض والطلب ).
إن هذه التقنيات ضرورية لاستمرارية حياة المؤسسات ولكنها انعدمت خلال السنوات السابقة بسبب القرارات المركزية وما زاد الطين بلة هو نقص الوعي الاقتصادي لدى الطبقة العاملة فبدأت ظاهرة عدم الانضباط في العمل من حيث الوقت ( الغياب ، الدوران ) بالإضافة إلى عدم المحافظة على ممتلكات المؤسسة كالآلات والمعدات ...الخ . دون أن ننسى أن نلفت النظر إلى أن المنتوج الجزائري رغم الكمية الهائلة إلا أن الجودة والنوعية كانت ناقصة ، عفوا منعدمة بسبب غياب الدراسات عند إنشاء المؤسسات التي تقوم بخلق المنتوج أي القيمة المضافة . فقد أوكلت مهمة إنشاء المؤسسات إلى شركات دول أجنبية جلبت إلينا تكنولوجيا قديمة technologie dépasser ، وهذا ما جعل المنتوج الجزائري لا يستطيع أن ينافس على الإطلاق ولو بنسبة قليلة أي منتوج عالمي . ورغم قرارات الدولة بعدم السماح للمنتجات الأجنبية باكتساح الأسواق المحلية إلا أن هذا المنتوج يختـق الحدود و يباع في السوق السوداء . و يمكن التعرض الى مؤشرات مختلفة لدراسة هذا المستوى :
الصـــادرات : اشتهرت الجزائر منذ الاستقلال و لا تزال بأنها من بين اكبر الدول المصدرة للبترول و الغاز الطبيعي وتحتل نسبة كبيرة تقدر ب %98 أما الباقي %02 يعود إلى منتجات أخرى كالحوامض ...............و غيرها .
إن هذه النسبة تظهر و بشكل مخيف إن مستقبل الجزائر الاقتصادي في خطر فاعتماد الدولة يرتكز بشكل أساسي على عائدات النفط و التي تباع كمواد أولـية و بأثمان زهيدة ، وان باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى كزراعة و الصناعة و الخدمات ، السياحة ........ الخ و كأنها غير موجودة فعوض أن تكون هده القطاعات منتجة أصبحت مستهلكة .
لم تكن الدولة تول أي اهتمام لعدم نجاعة القطاعات الأخرى و كان ارتكازها طبيعيا على قطاع المحروقات و لكنها تفطنت حينما عرف العالم أزمة 1986 و انخفضت أسعار البرميل الواحد من البترول انخفاضا محسوسا فمن 40$ إلى 13$ ، فنقصت إيرادات الدولة ، و بالتالي بدأت تبحث عن سبل تنعش بها القطاعات الاقتصادية الأخرى للزيادة من إيراداتها من جهة و لمواجهة الأزمات النفطية في المستقبل من جهة أخرى .
الــواردات : خلال الحقبة الأخيرة كانت الجزائر دولة استهلاكية اكثر منها منتجة ، و هذا ما جعلها تستورد المنتجات التي تفتقر إليها خاصة المواد الغذائية و المواد الأولية .
و قد جاءت الإصلاحات الجبائية بهدف تشجيع الاستثمارات الخاصة و تنمية الصادرات ، حيث أن إحداث الضريبة على القيمة المضافة TVA أكد ذلك لانه من جهة يفتح المجال أمام العمل المغاربي المشترك عن طريق التناسق بين الضرائب في هذه الأقطار و يسهل عملية التبادل الصناعي و الـتجاري و عليه فهذه الضريبة تعفي عملية البيع و الصنع التي تتعلق بالبضائع المصدرة و تشجيعها للصادرات .
المديــونية : ارتفعت مديونية الجزائر و ارتفعت معها خدمات الديون ، و أصبحت الدولة تواجه شبحا اسمه المديونية. إلا أن الحكومة أعلنت في نوفمبر 2001 على لسان رئيسها السيد علي بن فليس رئيس الحكومة أخبارا سارة تؤكد على أن رقم المديونية يستـمر في الانخـفاض و قد بلـغ حيينها 22,5 مليار دولار .
التضخم :إن التضخم المالي في الجزائر عرف أزمة نقدية و التي جاءت نتيجة انخفاض أسعار النفط فسمحت الدولة بإصدار النقود بدون مقابل " الإنتاج، الاحتياطي من الذهب " فمع أواخـر الثمانينات أعلنت الجهات الرسمية على أن هناك كتلة نقدية تقارب 50 مليار دينار متداولة في السوق بدون مقابل . و هذا التضخم أرادت الدولة أن تتخلص منه مع بداية التسعينات فأعلنت عن سياسة انخفاض قيمة العملةDévaluation du dinars . و بدأت السوق الوطنية خلال هذه الفترة تعرف اضطرابات يعبر عنها على الخصوص الوضع الحاد لتضخم الأسعار التي ارتفعت خاصة المواد الغذائية في 1986 بمعدل% 576. وهـذا رغـم سياسة إسناد أسعار مواد الاستهلاك الأساسية التي خصصتها الدولة في تلك السنة(80 م.دينار)، و في الحقيقة إن التضخم مس جميع المواد الاستهلاكية بدرجات متفاوتة و قد قدم جهاز التخطيط رقم متوسط للتضخم للسنوات الآتية :
· 1987-1985 1,9 % سنويا
· 1990 3,16 % سنويا
· 1991 4,24 % سنويا
لا شك أن هذا التضخم يدل على الحالة الناذرة للمنتوجات و هي وليدة عجز في الإنتاج مع ضعف الإمكانيات المستوردة من السلع على سند الطلب الوطني و هو وضعية أزمة اقتصادية نتج عنها بروز مظاهر الاقتصاد الغير رسمي الذي يشكل سياسة المضاربة عبر شبكة أو إدارة الوسطاء .
و بالنسبة للمؤسسات العمومية الجزائرية فقد عرفت عدة تقلبات و اضطرابات راجعة للأسباب التالية :
* سوء النظام الاقتصادي و السياسي.
* سوء تسيير المؤسسات و تطبيق تقنيات البرنامج المسطر لها من طرف الدولة.
* سوء الاختيارات الاستثمارية و عدم ملائمة التحويلات.
* ضعف المردود المالي للقطاع العام و ضعف الرقابة.
* ارتفاع المديونية و اختلال موازين مدفوعاتها.
و مؤخرا تسعى الحكومة إلى تقليص التضخم و هذا ما أكده رئيسها حيث أعلن أن احيتاطات الصرف فاقت 18 مليار دولار .
ب – مستوى الاقتصاد الجزئي :
إن دخول الجزائر إلى مرحلة اقتصاد السوق حتم عليها إدخال العديد من التعديلات و التغيرات القانونية لتسهيل عملية الاقتصاد الحر الذي يتطلب إرساء قواعد مثل المنافسة ، الخوصصة ، حرية التجارة ........الخ .
من اجل ذلك سـعت سيــاسة الدولة ٌلإنشاء المؤسـسات الصغيرة و المتوسطة P.M.E
(petites, moyenne Entreprises ) و قد كانت الاتصالات حثيثة من أجل نظام أساسي لتحفيز الاستثمار المقرر من المشرع الجزائري كالتالي :
ففي مجال ترقية الاستثمار و خلق قدرة تشغيل الشباب و في انتظار فائدة من ذلك ، فهناك نظامين لتحفيز الاستثمار .
1 نظام ترقية الاستثمار :
إن المرسوم التشريعي رقم 93/12 المؤرخ جاء بثلاث أنظمة مشجعة هي :
النظام العام :
هو مرتبط بقرار وكالة ترقية الاستثمار (APSI) المقرر من المنشور التشريعي رقم 17-08 و يقضي بالإعفاء من حقوق الملكيات بجميع المنشآت العقارية في اطار الاستثمارات ، تطبيق القانون المثبت و المحدد ب 5% للمواد المسجلة للنشاطات المؤسسة و التي تؤدي الى ارتفاع رأس المال و التصريح الضريبي للرسم على القيمة المضافة و تقديم الخدمات في الواقع الاستثمار .
2 نظام المناطق الريفية :
يتكامل لترقية المناطق للتوسع الاقتصادي (ZEE) و هدا الارتباط متساوي بقرار (APSI) و هذا يوضح النظام العام مع الإيجابيات المرتبطة بمرحلة الاستغلال من المرسوم 21-22 و يقضي بالاعفاء IBS,VF,TAP لمدة تتراوح ما بين خمس سنوات إلى عشر سنوات ، و حتى 31/12/1998 كان التخفيض بـ 50 % من المعدل بالنسبة (IBS) و هذا مقرر بمنشور 49 من قانون المالية لسنة 1999 .
نظام منطقة التبادل الحر :
مواصفته هي مواصفات النظام الجبائي الجمركي و الإعفاءات المرتبطة بطبيعة النشاط يخضع لمجموعة من الضرائب و هذا المفهوم مقسم إلى مجموعة من المنتجات المتشابهة الواردة للنشاطات الممارسة في المناطق المذكورة أعلاه المادة 28 للمرسوم ( 93/11) و قد نص هذا القانون على أن تكون الإعفاءات الضريبية و الرسوم ملغاة بالنسبة النقل السياحي المستغل ، الإيرادات الناتجة عن النشاط الاقتصادي معفية من الضرائب ، و كذا دخل الأشخاص الأجانب المستخدمين استثمار النشاط في مناطق التــبادل الحر و تكون نسبة الإعفاء 20 % .
واقــــع التســيــير فــي المــؤسســات الجــزائـــريــة فــي ظــل الوضـعـية الاقتــــــــــصاديــــــة و الاجــتـــماعــيــــة الــــراهـــنـــــــــة
مقـــدمـــة
عرف الإقتصاد الجزائري منذ الإستقلال تغيرات عدة ساهمت بشكل كبير في تغير المفاهيم و الإديولوجيات و كذا الإستراتيجيات و بالتالي تغـير القـــرارات و الأنظمة . و تعتبر المؤسسة الإقتصادية الجزائرية بمختلف قطاعاتها القلب النابض للإقتصاد الوطني ، بالرغم من أنها كانت و لا زالت مختبرا للعديد من التجارب والأنظمة المستوردة .
إن الواقع الحالي للتسيير في المؤسسات الجزائرية يلزم علينا الرجوع إلى الحقبة التاريخية الماضية لتفسير الوضعية المتوصل إليها حاليا .
1- التطور التاريخي للمؤسسات الجزائرية
لقد مرت المؤسسات الجزائرية بمراحل مختلفة تخللتها فترات مهمة و هي :
أ- مرحلة التسيير الذاتي للمؤسسات : خرجت الجزائر من الحرب (1962) و اقتصادها شبه مدمر. فبعد الاستقلال غادر العاملين بالإدارة و المراكز الحساسة مناصبهم (90% معمرين و أجانب) ، تاركين المؤسسات و الإدارات مهملة حيث غادر خلال 6 اشهر 800ألف شخص . وكان القصد من وراء هذا الهروب خلق مشاكل أمام الدولة الجزائرية المستقلة حديثا إضافة إلى المشاكل الموضوعية التي كانت تواجهها كالبطالة تفوق( 70%) ، الفقر ,التهميش, الأمية (98%) الخ.
إن نمط تسيير الاقتصاد الوطني و استراتيجية التنمية الاقتصادية آلتي يجب اتباعها , كان إحدى اهتمامات قادة الثورة بالرغم من التوجه و الصورة التي لم تكن واضحة حول نموذج التنمية ، لكن في مؤتمر طرابلس بدأت ملامح هذا النموذج تسير نحو التوجه لإعطاء الأولوية للقطاع الفلاحي و إعتباره محرك القطاعات الأخرى ، و كذا تقليص الملكية الخاصة و تشجيع الشكل التعاوني , و هذه الخطوة كانت تأكيدا لنمط التسيير الاشتراكي للاقتصاد الوطني .
خلال هذا الوقت حاول العمال على اختلاف فئاتهم و قدراتهم ملئ الفراغ الذي تركه المسيرين الأجانب بهدف حماية الاقتصاد الوطني و مواصلة العملية الإنتاجية في المؤسسات قصد مواجهة احتياجات المجتمع , وهذا التجاوب من طرف العمال سهل عملية تجسيد التسيير الذاتي للمؤسسات.
إن فكرة التسيير الذاتي لم تكن وليدة تفكير عميق , و إنما كانت استجابة عفوية لظروف اقتصادية، سياسية و اجتماعية معينة فرضت العمل بهذا النمط حيث وصل عدد المؤسسات الصناعية في سنة 1964 إلى 413 مؤسسة كانت تسير ذاتيا , و أغلبية هذه المؤسسات تتميز بصغر حجمها .إن منهاج التسيير الذاتي لم يدم طويلا , حتى بدأ العمل على التقليل من انتشاره , و ما قرارات التأميم إلا تأكيدا على
ذلك .
و قد عرفت الجزائر بعد تاريخ 19 جوان 1965 تغييرا حقيقيا حيث بدأتها بمرحلة التأميمات .قطاع البنوك و المناجم في سنة 1966 ، قطاع المؤسسات مابين 1966 و 1970 ، قطاع المحروقات 24 فبراير 1971 .
ب - مرحلة الشركة الوطنية: تزامنا مع مرحلة التأميمات بدأ متخذو القرار في التفكير في خلق شركات وطنية. ففي سنة 1965 مثلا : تأسست كل من الشركة الوطنية للنفط و الغاز ، الشركة الوطنيةللحديد و الصلب ((sns ، الشركة الوطنية للصناعات النسيجية (sonitex) ، الشركة الجزائرية للتأمين (saa). إن هذه الشركات و غيرها اعتبرت آنذاك كأدوات أساسية لتحقيق استراتيجية التنمية وخلالفترة71-1965 ) 9(1 أصبحت هذه الشركات لا تستطيع حصر أهدافها و التي كانت محددة و مسطرة من قبل الجهاز المركزي و الوصاية لأن هناك أهداف أخرى تتعارض و طبيعة نشاطها بسبب عوامل عدة من بينها :
* قلة الإطارات و نقص الخبرة .
* تلبية المطالب الإجماعية .
* خلق شروط الاستقرار السياسي .
و في هذه المرحلة كانت أهداف الاقتصاد الوطني غير محددة حسب قانون العرض و الطلب و إنما حسب منطق الخطة الاقتصادية الموضوعة ، و هذا ما جعل التحكم في عملية التصنيع و اتخاذ القرارات يتم خارج الشركات الوطنية من قبل الجهاز المركزي و هذا ما دفع بالسلطة إلى تغيير نمط آخر للتسيير.
جـ - مرحلة التسيير الاشتراكي للمؤسسات : جاءت مرحلة التسيير الاشتراكي للمؤسسات و التي تعتمد على أساس النظام الاشتراكي الذي يرتكز على الملكية العامة لوسائل الإنتاج ، و أن يكون العمال طرفا مهما في تسيير و مراقبة هذه الشركات . و بالتالي أصبح العامل يتمتع بصفة( المسير ، المنتج) .
إن العجز المالي الإجمالي الدي عرفته المؤسسات اللإشتراكية خلال هذه الفترة واضح إذ أنه إرتفع من 408 دج سنة 1973 إلى مليار و 880 دج في 1978 هذا ما يوضح لنا أن تطور الإنتاج يكون مرتبط بالجهد المبذول من طرف جماعة مهما تكن مرفقة بتزايد إنتاجية العامل إذ أن معدل استعمال القدرات الموضوعة في سنة 1980 هـي ما بين 60% و 70 % في الصناعة و 40و50 % في الإسكان بسبب تطور ارتفاع الإنتاج هذا ما بين الشك بتساوي التسيير الاشتراكي للمؤسسة و التزايد في الإنتاج أي أن التسيير المؤسسات لم يكن يهم نمط التسيير السليم من أجل زيادة الأرباح .
فنتائج تطبيق هذا الأسلوب تظهر أنها ليست مشجعة لأن القرارات كانت و لا زالت في يد الجهات الوصية.
د - مرحلة المؤسسات العمومية الاقتصادية
إعادة الهيكلة : أدت خبر ة الثمانينات بكثير من البلدان النامية إلى إعادة النظر في نهجها التنموي رغم أن البلدان تختلف من حيث إمكانياتها الاقتصادية وسياساتها الحكومية، فإعادة الهيكلة تعتمد على القطاع الخاص و مؤشرات السوق في توجيه موارد المؤسسة .
إن الأسباب الرئيسية لعملية إعادة الهيكلة مرتبطة بالوضع العام ( اقتصادي ، سياسي ، اجتماعي .....) الذي تهيكلت فيه المؤسسة العمومية الجزائرية ففي المرحلة ما قبل الثمانينات وجدت تشوهات و عوائق عديدة لدى تعددت المهام و تعددت معها مراكز إتخاد القرارات مما أدى إلى تضارب أهداف المؤسسة. إن عملية احتكار الدولة للتجارة الخارجية لا سيما عندما يتعلق الأمر بتوسيع الاستثمارات و توفير المواد الأولية و كذا تصريف المنتوج النهائي و غيرها من الأسباب شكلت هدفا معتبرا لموارد مادية كبيرة مما أدت إلى حتمية وجود منفذ يمكن المؤسسة الوطنية بأخذ على عاتقها معا الفعالية الاقتصادية و الربحية لتنمية القدرات الإنتاجية و تحفيزها على أداء النشاط الموكل إليها.
· إعادة الهيكلة العضوية : يخص المؤسسة الوطنية ذات الحجم الكبير المتعدد المهام حسب المعيار المعتمد و الهدف من ذلك. كان تعداد المؤسسات الوطنية آنذاك 85 مؤسسة أما المؤسسات الجهوية و المحلية فبلغت 526 مؤسسة، و كان العمل المستهدف هو تقسيمها إلى 145 مؤسـسة بالنســبة للأولى و 1200 مؤسسة بالنسبة للثانية .
· إعادة الهيكلة المالية : كل مؤسسة تستطيع العمل و ممارسة نشاطها إذا و فرت لها موارد مالية مهما كان مصدرها فإن هذه الموارد في المؤسسة هي وسائل تمويل لمختلف استعمالاتها حتى تستطيع خلق عملية التوازن ما بين مواردها و استعمالاتها .
* مقياس إعادة الهيكلة المالية : تتمثل في تطهير الوضعية المالية و إعادة النظر في هيكلة المؤسسة العمومية، هذه المقاييس تهدف لتأمين التوازن المالي للمؤسسة حتى تضمن إستــمراريـتها و تتمثل في :
- تخصيص المؤسسة العمومية لأموال الخاصة و لرأس مال عام .
- إعادة هيكلة ديوان بإعادة برمجة مستحقي الفوائد و الديون .
- تسهيل الديون بين المؤسسات .
إن من الأهداف المتبعة اللجنة الوطنية لإعادة النظر في الهيكلة المالية هو إعداد البيان الذي يحلل أسباب عدم التوازن المالي و القوانين الإقتصادية و المالية لبناء توازن مالي جديد و مخطط لإعادة النظر في الهياكل المالية القصيرة و المتوسطة الأجل للمؤسسات .
في هذا الإطار كل مؤسسة معنية تعد مخططات لإعادة هيكلتها المالية بالأخذ بعين الإعتبار المقاييس التطبيقية القصيرة و المتوسطة الأجل و مقاييس التوازن المالي المستمر .
* حقائق مرحلة إعادة الهيكلة : كان من المفروض أن تكون المرحلة الإنتاجية الحقيقية لأنها ارتبطت بتغيير طبيعة السياسية الاقتصادية المطبقة مما أدى إلى خضوع المؤسسة الوطنية خلال هذه الفترة إلى حقل من التجارب في تطبيق السياسة الاقتصادية. و لكن شهدت هذه المرحلة إصدار الطاقات الإنتاجية فكان الخاسر الأكبر هو الاقتصاد الوطني و المتثمل في المؤسسة الوطنية العمومية . إن الإستراتيجية السياسية المطبقة على المؤسسة الوطنية لم تكن إقتصاديات رشيدة تمكن من إستخدام مواردها و طاقاتها على هذا الوضع الذي أصبحت فيه معظم المؤسسات الوطنية العمومية مع خلق مؤسسات جديـدة زاد مــن التضخــم و المكشوفات البنكية و بالتالي العجز المالي الذي أصبح معتادا عليه في مؤسساتنا الوطنية مما أدى بالحكومة للبحث عن أسرع الطرق لإنقاد الوضع الذي آل إليه الاقتصاد الوطني.
فإعادة الهيكلة لم تكن تقسيما للمؤسسات بقدر ما كانت تقسيما للأعباء و المصاريف فقط.
هـ - استقلالية المؤسسات
وضعية المؤسسة الوطنية العمومية قبل الاستقلالية : قدمت إحصائيات نهاية الثمانيناتبيانات توضح فيه المدى الذي توصلت إليه المؤسسة الوطنية العمومية من خسارة متزايدة، فالمؤسسة ليست حرة في علاقاتها الإقتصادية و التجارية و في إختيار أصحابها سواء في الداخل أو في الخارج .
إن الأزمة التي عاشها الإقتصاد الجزائري سنة 1986 و التي كانت ظاهرة خطيرة الاقتصاد الوطني حيث إنخفض سعر برميل البترول و تدهورت قيمته ، بالإضافة إلى التسيير السيئ للمؤسسة و لأجل هذه النتائج سعت الجزائر إلى البحث عن أحسن السبل لبناء إقتصاد وطني عصري و إخراج المؤسسة الوطنية من البيروقراطية و إعطائها الحرية اللازمة لإصدار قراراتها الخاصة لتسيير مواردها المالية و المـادية و من ثمة بدأت مناقشة قضية استقلالية المؤسسة، و في بداية 1988 بدأت مرحلة تطبيق، بعد دراسة مشاريع و قوانين حددت الحكومة شروطها و مخططاتها .
و الاستقلالية تعني حرية الإدارة في التصرف دون الخضوع إلى أي إجراء من الإجراءات اليروقراطية ، كما تحرر من الضغوطات و التدخلات المختلفة للسلطات و يترتب عليها حرية ادارة المؤسسة بتمتع هده الأخيرة بالذمة المالية و الإستقلال المال و من هنا فالاستقلالية ترمي أسـاسا إلى تنمية خلق روح المسؤولية ، و من أهدافها :
- اللامركزية في السلطة و القرار .
- إعطاء المؤسسة المسؤولية المباشرة في القيام بعملياتها الإقتصادية التجارية و تنظيم علاقاتها الإقتصادية .
- تسيير موردها المادية و البشرية و كذلك إختيار مسؤولياتها .
- المؤسسة هي الوسيلة الاقتصادية ذات العلاقات الدائمة مع الحكومة أي مع العمليات التجارية للمؤسسة و على هذا يجب على الحكومة مواجهة جميع الالتزامات.
و - مرحلة اقتصاد السوق
بعد 30 سنة من الإستقلال نستطيع تلخيص على أساس المؤشرات الاقتصادية كل مار عرفه الاقتصاد الجزائري :
* وجود قطاع الصناعات ضخم لكنه يعتمد على أكثر من 80% من المواد الأولية المستورة بالنسبة للقطاعين العام و الخاص ما عدا الصناعات النفطية التي تمثل أكثر من 92 % من الواردات الكلية.
* الاستعمال الضعيف للقدرات الإنتاجية بسبب عدم اتقان التكنولوجية وعدم قابلية الدينار للتحويل مما جعل الدولة بحاجة ماسة إلى العملة الصعبة، مع ضعف القدرة الشرائية .
* ضعف مردودية المحصول الزراعي المتعلقة بوجود سياسة خاطئة بالنسبة للقطاع الزراعي على العموم.
* عدم تنظيم التجارة مما ادى خلق سوق موازي زاد من سوء الوضعية للإقتصادية و المالية (التضخم أي كتلة نقدية تفوق الإنتاج الوطني ) .
* مديونية خارجية مرتفعة بسبب غياب سياسة حقيقية و سوء تسيير الموارد المالية المقترضة ، بالإضافة إلى خدمات الديون التي تمتص 4/3 من المداخيل النهائية للواردات .
* عدم مطابقة و تعاقد النظام الجبائي .
عرفت العشرية الأخيرة من القرن الماضي مرحلة خطيرة ، لم تعرف أبدا البلاد انزلا قات كالتي عرفتها خلال هذه الحقبة ، فالأوضاع السياسية الغير مستقرة أثرت بصورة سلبية على كل الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية .
لقد عاش الاقتصاد الوطني خلال هذه المرحلة هزات عدة جاءت نتيجة تخريب العديد من ممتلكات الدولة كحرق المصانع ، هجرة الإطارات و الكوادر من جهة , وإفلاس المؤسسات وغلقها ، وكذا تسريح عمالها من جهة أخرى . ولكن رغم هذا و ذاك بقيت الدولة صامدة أمام هذا الوضـع ، و استمر مسؤولي القطاعات الاقتصادية في اتباع أنظمة جديدة تخرج البلاد من الأزمة .
وفي سنة 1990 أصدرت الدولة قانون 90/10 الخاص بالقرض والنقد و بموجبه أنشئ مجلس النقد والقرض والذي يعتبر مجلس إدارة البنك المركزي ، فمن خلال هذا القانون (كان أول قانون صدر في تلك المرحلة) أرادت الدولة أن تبرز نية توجهها السياسي نحو ما يسمي باقتصاد السوق economie de marche .فقانون 90/10 مهد الطريق لإصدار قانون 93/12 والذي بموجبه أصبح المستثمر حر وله امتيازات وتشجيعات ويسمي هذا القانون بقانون الاستثمارات .
ويمكن القول أن قانون 90/10 جاء بتسهيلات و امتيازات للمستثمرين الخواص إلا أنها لم تكن واضحة وبصدور قانون 93/12 اتضحت الصورة والسبل أمام المستثمرين الخواص حيث يسمح هذا القانون بترقية الاستثمار بصورة أوسع .
و هكذا دخلت الجزائر في عملية تعديل وتغيير لتشريعاتها الاقتصادية و هذا تماشيا والمحيط الاقتصادي باعتبار أنها انتقلت من الاقتصاد المغلق إلى الاقتصاد المفتوح ، وكمثال عن هذه التغيرات إصدار قانون تجاري جديد ، قانون الإجراءات المدنية مع الأجانب ، قانون البورصة للقيم ...الخ.
إن هذه التعديلات جاءت نتيجة وجود قوانين غير كافية لتشجيع جلب الاستثمارات المحـلية و الأجنبية الضرورية لإرساء قاعدة اقتصاد السوق ، ولتفسير واقع التسيير للمؤسسات الجزائرية سيتم التركيز على أربعة مستويات .
2 – مستويات الاقتصاد الوطني :
يمكن دراسة مستويات الاقتصاد الوطني من خلال ما يلي :
أ – مستوى الاقتصاد الكلي :
عرفت المؤسسات الجزائرية منذ الاستقلال توجها نحو سياسية اجتماعية هدفها الأساسي الإنتاج من جهة ، و امتصاص أكبر قدر من اليد العاملة النشيطة من جهة أخرى . هذا الأسلوب المقرر مركزيا لم يكن يوما في مصلحة المؤسسة الجزائرية التي انعد مت فيها كل الأساليب التقنية المتعلقة بالمفهوم الحقيقي الاقتصاد منها :
* تحديد اليد العاملة .
* استعمال المحاسبة العامة والتحليلية لمعرفة المركز المالي للمؤسسة .
* تحديد كمية الإنتاج ونوعيته .
* استراتيجية الإنتاج والأرباح على المدى القصير ، المتوسط والطويل.
* تحديد ديون ومستحقات المؤسسة .
* دراسة السوق أي معرفة نوعية وكمية المنتوج المطلوب ( قانون العرض والطلب ).
إن هذه التقنيات ضرورية لاستمرارية حياة المؤسسات ولكنها انعدمت خلال السنوات السابقة بسبب القرارات المركزية وما زاد الطين بلة هو نقص الوعي الاقتصادي لدى الطبقة العاملة فبدأت ظاهرة عدم الانضباط في العمل من حيث الوقت ( الغياب ، الدوران ) بالإضافة إلى عدم المحافظة على ممتلكات المؤسسة كالآلات والمعدات ...الخ . دون أن ننسى أن نلفت النظر إلى أن المنتوج الجزائري رغم الكمية الهائلة إلا أن الجودة والنوعية كانت ناقصة ، عفوا منعدمة بسبب غياب الدراسات عند إنشاء المؤسسات التي تقوم بخلق المنتوج أي القيمة المضافة . فقد أوكلت مهمة إنشاء المؤسسات إلى شركات دول أجنبية جلبت إلينا تكنولوجيا قديمة technologie dépasser ، وهذا ما جعل المنتوج الجزائري لا يستطيع أن ينافس على الإطلاق ولو بنسبة قليلة أي منتوج عالمي . ورغم قرارات الدولة بعدم السماح للمنتجات الأجنبية باكتساح الأسواق المحلية إلا أن هذا المنتوج يختـق الحدود و يباع في السوق السوداء . و يمكن التعرض الى مؤشرات مختلفة لدراسة هذا المستوى :
الصـــادرات : اشتهرت الجزائر منذ الاستقلال و لا تزال بأنها من بين اكبر الدول المصدرة للبترول و الغاز الطبيعي وتحتل نسبة كبيرة تقدر ب %98 أما الباقي %02 يعود إلى منتجات أخرى كالحوامض ...............و غيرها .
إن هذه النسبة تظهر و بشكل مخيف إن مستقبل الجزائر الاقتصادي في خطر فاعتماد الدولة يرتكز بشكل أساسي على عائدات النفط و التي تباع كمواد أولـية و بأثمان زهيدة ، وان باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى كزراعة و الصناعة و الخدمات ، السياحة ........ الخ و كأنها غير موجودة فعوض أن تكون هده القطاعات منتجة أصبحت مستهلكة .
لم تكن الدولة تول أي اهتمام لعدم نجاعة القطاعات الأخرى و كان ارتكازها طبيعيا على قطاع المحروقات و لكنها تفطنت حينما عرف العالم أزمة 1986 و انخفضت أسعار البرميل الواحد من البترول انخفاضا محسوسا فمن 40$ إلى 13$ ، فنقصت إيرادات الدولة ، و بالتالي بدأت تبحث عن سبل تنعش بها القطاعات الاقتصادية الأخرى للزيادة من إيراداتها من جهة و لمواجهة الأزمات النفطية في المستقبل من جهة أخرى .
الــواردات : خلال الحقبة الأخيرة كانت الجزائر دولة استهلاكية اكثر منها منتجة ، و هذا ما جعلها تستورد المنتجات التي تفتقر إليها خاصة المواد الغذائية و المواد الأولية .
و قد جاءت الإصلاحات الجبائية بهدف تشجيع الاستثمارات الخاصة و تنمية الصادرات ، حيث أن إحداث الضريبة على القيمة المضافة TVA أكد ذلك لانه من جهة يفتح المجال أمام العمل المغاربي المشترك عن طريق التناسق بين الضرائب في هذه الأقطار و يسهل عملية التبادل الصناعي و الـتجاري و عليه فهذه الضريبة تعفي عملية البيع و الصنع التي تتعلق بالبضائع المصدرة و تشجيعها للصادرات .
المديــونية : ارتفعت مديونية الجزائر و ارتفعت معها خدمات الديون ، و أصبحت الدولة تواجه شبحا اسمه المديونية. إلا أن الحكومة أعلنت في نوفمبر 2001 على لسان رئيسها السيد علي بن فليس رئيس الحكومة أخبارا سارة تؤكد على أن رقم المديونية يستـمر في الانخـفاض و قد بلـغ حيينها 22,5 مليار دولار .
التضخم :إن التضخم المالي في الجزائر عرف أزمة نقدية و التي جاءت نتيجة انخفاض أسعار النفط فسمحت الدولة بإصدار النقود بدون مقابل " الإنتاج، الاحتياطي من الذهب " فمع أواخـر الثمانينات أعلنت الجهات الرسمية على أن هناك كتلة نقدية تقارب 50 مليار دينار متداولة في السوق بدون مقابل . و هذا التضخم أرادت الدولة أن تتخلص منه مع بداية التسعينات فأعلنت عن سياسة انخفاض قيمة العملةDévaluation du dinars . و بدأت السوق الوطنية خلال هذه الفترة تعرف اضطرابات يعبر عنها على الخصوص الوضع الحاد لتضخم الأسعار التي ارتفعت خاصة المواد الغذائية في 1986 بمعدل% 576. وهـذا رغـم سياسة إسناد أسعار مواد الاستهلاك الأساسية التي خصصتها الدولة في تلك السنة(80 م.دينار)، و في الحقيقة إن التضخم مس جميع المواد الاستهلاكية بدرجات متفاوتة و قد قدم جهاز التخطيط رقم متوسط للتضخم للسنوات الآتية :
· 1987-1985 1,9 % سنويا
· 1990 3,16 % سنويا
· 1991 4,24 % سنويا
لا شك أن هذا التضخم يدل على الحالة الناذرة للمنتوجات و هي وليدة عجز في الإنتاج مع ضعف الإمكانيات المستوردة من السلع على سند الطلب الوطني و هو وضعية أزمة اقتصادية نتج عنها بروز مظاهر الاقتصاد الغير رسمي الذي يشكل سياسة المضاربة عبر شبكة أو إدارة الوسطاء .
و بالنسبة للمؤسسات العمومية الجزائرية فقد عرفت عدة تقلبات و اضطرابات راجعة للأسباب التالية :
* سوء النظام الاقتصادي و السياسي.
* سوء تسيير المؤسسات و تطبيق تقنيات البرنامج المسطر لها من طرف الدولة.
* سوء الاختيارات الاستثمارية و عدم ملائمة التحويلات.
* ضعف المردود المالي للقطاع العام و ضعف الرقابة.
* ارتفاع المديونية و اختلال موازين مدفوعاتها.
و مؤخرا تسعى الحكومة إلى تقليص التضخم و هذا ما أكده رئيسها حيث أعلن أن احيتاطات الصرف فاقت 18 مليار دولار .
ب – مستوى الاقتصاد الجزئي :
إن دخول الجزائر إلى مرحلة اقتصاد السوق حتم عليها إدخال العديد من التعديلات و التغيرات القانونية لتسهيل عملية الاقتصاد الحر الذي يتطلب إرساء قواعد مثل المنافسة ، الخوصصة ، حرية التجارة ........الخ .
من اجل ذلك سـعت سيــاسة الدولة ٌلإنشاء المؤسـسات الصغيرة و المتوسطة P.M.E
(petites, moyenne Entreprises ) و قد كانت الاتصالات حثيثة من أجل نظام أساسي لتحفيز الاستثمار المقرر من المشرع الجزائري كالتالي :
ففي مجال ترقية الاستثمار و خلق قدرة تشغيل الشباب و في انتظار فائدة من ذلك ، فهناك نظامين لتحفيز الاستثمار .
1 نظام ترقية الاستثمار :
إن المرسوم التشريعي رقم 93/12 المؤرخ جاء بثلاث أنظمة مشجعة هي :
النظام العام :
هو مرتبط بقرار وكالة ترقية الاستثمار (APSI) المقرر من المنشور التشريعي رقم 17-08 و يقضي بالإعفاء من حقوق الملكيات بجميع المنشآت العقارية في اطار الاستثمارات ، تطبيق القانون المثبت و المحدد ب 5% للمواد المسجلة للنشاطات المؤسسة و التي تؤدي الى ارتفاع رأس المال و التصريح الضريبي للرسم على القيمة المضافة و تقديم الخدمات في الواقع الاستثمار .
2 نظام المناطق الريفية :
يتكامل لترقية المناطق للتوسع الاقتصادي (ZEE) و هدا الارتباط متساوي بقرار (APSI) و هذا يوضح النظام العام مع الإيجابيات المرتبطة بمرحلة الاستغلال من المرسوم 21-22 و يقضي بالاعفاء IBS,VF,TAP لمدة تتراوح ما بين خمس سنوات إلى عشر سنوات ، و حتى 31/12/1998 كان التخفيض بـ 50 % من المعدل بالنسبة (IBS) و هذا مقرر بمنشور 49 من قانون المالية لسنة 1999 .
نظام منطقة التبادل الحر :
مواصفته هي مواصفات النظام الجبائي الجمركي و الإعفاءات المرتبطة بطبيعة النشاط يخضع لمجموعة من الضرائب و هذا المفهوم مقسم إلى مجموعة من المنتجات المتشابهة الواردة للنشاطات الممارسة في المناطق المذكورة أعلاه المادة 28 للمرسوم ( 93/11) و قد نص هذا القانون على أن تكون الإعفاءات الضريبية و الرسوم ملغاة بالنسبة النقل السياحي المستغل ، الإيرادات الناتجة عن النشاط الاقتصادي معفية من الضرائب ، و كذا دخل الأشخاص الأجانب المستخدمين استثمار النشاط في مناطق التــبادل الحر و تكون نسبة الإعفاء 20 % .