بداية لك الشكر على طرح هذا الموضوع ..
الموضوع حساس للغاية وشائك .. فهناك فواصل صغيرة تفصل بين :
المجاملة .. والمداهنة.
والمجاملة ..والمداراة.
والمجاملة .. والكذب .
والمجاملة .. والنفاق القولي.
وهل المجاملة عملة ذات وجهين : وجه حسن مقبول ،، ووجه قبيح مرفوض ؟
فالمجاملة لغة :
تقول : 1- جامله اي عامله بالجميل والتهذيب ولم يخلص له الإخاء . // 2 - جامله : أحسن عشرته .
المعجم: الرائد.
مجاملة : ( مصدر جَامَلَ ).
1 ." جامله اي : سَايَرَهُ فِي كَلاَمِهِ مُجَامَلَةً " : تَأَدُّباً لَهُ لاَ عَنِ اقْتِنَاعٍ أَوْ تَسْلِيمٍ .
****************************************
وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله - :
في بعض الظروف تقتضي المجاملة بأن لا نقول الحقيقة ، فهل يعتبر هذا نوعا من الكذب ؟
فأجاب :
هذا فيه تفصيل : فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل : لم تجز هذه المجاملة ، أما إن كانت المجاملة
لا يترتب عليها شيء من الباطل ، إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ، ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ، ولا إسقاط حق لأحد :
فلا أعلم حرجاً في ذلك .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 280 ) .
*************************************
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - :
وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغَلِطَ ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها ، والمداهنةَ محرَّمة ، والفرق أن المداهنة من الدهان
وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه ، وفسرها العلماء بأنها : معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه ،
والمداراة : هي الرفق بالجاهل في التعليم ، وبالفاسق في النهي عن فعله ، وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه ، والإنكار
عليه بلطف القول والفعل ، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك .
" فتح الباري " ( 10 / 528 ) .
******************************
عن عائشة رضي الله عنها : يَا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ النَّاسُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ .
قَالَ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ : " فيه مداراة من يتقى فحشه ، ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثنى عليه في
وجهه ، ولا في قفاه ، إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام " .
************************
ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان : ( باب المداراة مع الناس ) وقال فيه :
" ويُذكَرُ عن أبي الدرداء : إِنَّا لنُكَشِّرُ في وجوهِ أقوامٍ وإنَّ قُلوبَنا لَتَلعَنُهُم " .
ومعنى " لنكشر " : من الكشر ، وهو ظهور الأسنان ، وأكثر ما يكون عند الضحك ، وهو المراد هنا .
***********************
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - :
وقيل لابن عقيل في فنونه : أسمع وصية الله عز وجل ( ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا , فكيف لي بطاعة الله تعالى والتخلص من النفاق ؟ .
فقال ابن عقيل : " النفاق هو : إظهار الجميل , وإبطان القبيح , وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر, والذي تضمنتْه الآية :
إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن " .
فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير لإيقاع الشر المضمر ، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح
ليزول الشر : فليس بمنافق ، لكنه يستصلح ، ألا تسمع إلى قوله سبحانه وتعالى ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ،
فهذا اكتساب استمالة , ودفع عداوة , وإطفاء لنيران الحقائد , واستنماء الود ، وإصلاح العقائد , فهذا طب المودات ، واكتساب الرجال .
" الآداب الشرعية " ( 1 / 50 ، 51 ) .
***************
والفرق بين المجاملة والنفاق :
ان النفاق هو إظهار الإيمان والإسرار بالكفر, ومن انواع النفاق: النفاق العملي المذكور في حديث البخاري: آية المنافق ثلاث؛ إذا حدث كذب... وأما المجاملة فهي معاملة الناس بما يرضيهم ويحمد عندهم في العرف قال في لسان العرب : والمجاملة المعاملة بالجميل. وقال الفراء: المجامل الذي يقدر على جوابك فيتركه إبقاء على مودتك, والمجامل الذي لا يقدر على جوابك فيتركه ويحقد عليك إلى وقت ما.اهـ
والنفاق محرم بشطريه,
وأما المجاملة فلا حرج فيها إلا إذا ترتبت عليها معصية كإقرار على معصية أو مشاركة
فيها فتحرم حينئذ.
خلاصة القول : ان المجاملة عملة ذات وجهين ...اذا استخدمت استخداما سيئا كانت:
نفاقا ... او مداهنة .. او ضعفا ...او ...
وان استخدمت استخداما حسنا كانت .. خلقا فاضلا ،، وحكمة وفطنة وحلما.
ارجو ان اكون قد وضحت بعضا من هذا الاشكال ..