بسم الله الرحمن الرحيم
قبل أن تبدأ بقراءة الموضوع
ألقِ نظرة متأنية على لوحة المفاتيح في الجهاز الذي تستخدمه لتقرأ التدوينة ولاحظ ترتيب الحروف الإنجليزية والعربية فيها .
ستتأكد فعلا من عدم اتباعها للترتيب الهجائي بكلتا اللغتين وربما تشعر ببعض العشوائية،
فمن الذي اختار هذا الترتيب وعلى أي أساس قام باختياره؟
هنا تقرأ السؤال وإجابته والتي نحتاج حتى نعرفها أن نعود بالزمن للوراء إلى حقبة تاريخية لم يكن فيها الحاسوب أو لوحة المفاتيح موجودين بعد، ليس بآلة سفر عبر الزمن وإنما بالقراءة!
عام 1868 :
حصل كريستوفر شولمز (Christopher Sholes) ورجلين آخرين ( CarlosGlidden & Samuel Soule) على براءة اختراع تصميم أول آلة كاتبة في الولايات المتحدة الأمريكية ، ولم تكن إلا جهاز بسيط عبارة عن ألواح معدنية تسمى ألواح الطباعة ..في نهاية كل لوح منها شكل حرف من الحروف ..وعند الضرب عى أي لوح منها يتحرك ليرتطم بشريط مغلف بالحبر يليه الورق الملفوف على البكرة فيطبع عليها الحرف الخاص به بالحبر ثم يعود مكانه .
وكما أملى عليهم المنطق كان ترتيب الحروف في الآلة هجائيا في سطرين متوازيين تواليا وبالترتيب : A B C D….Y Z
عام 1873 :
قامت شركة (Remington & Sons ) بإنتاج هذه الآلة الكاتبة وتسويقها، ومع الاستخدام المتكرر بدأت العيوب بالظهور !
فمع الطباعة على آلة الكتابة ظهر عطل ميكانيكي! حيث أنه مع الضرب السريع تواليا على الحروف المتجاورة والقريبة تصطدم أذرعها مع بعضها البعض أثناء عودتها لمكانها أو تأرجحها للارتطام بالورق وتنحشر فوق بعضها مما يسبب تعليق الطباعة بها والحاجة لفك الانحشار يدويا كل مرة ! لم تكن المشكلة تسبب تعطيلا للطباعة وتأخيرا لإنهائها وإزعاجا للمستخدم فحسب ولكنها كانت سببا لتخريب المستند الذي تتم طباعته أيضا .
وهنا وجب على كريستوفر البحث عن حل للمشكلة!!
ولكنه لم يعرف كيف يحل المشكلة عن طريق تغيير الصناعة والتركيب فأوجد حلا آخر يضرب به عصفورين بحجر واحد بعد 5 سنين من اختراعه الأول أي عام 1875
وهو إعادة ترتيب الحروف في الآلة !
بالاستعانة بــآموس دينزمور (Amos Densmore) درس كريستوفر الكلمات الإنجليزية المستخدمة كثيرا في الكتابة ومن خلالها أعد قائمة بالحروف التي تتوالى كثيرا في الكلمات مثل (TH , ER ) وقارن تكرار استخدام كل زوج من الأحرف ليعرف أيها أكثر تكرارا وعمل على تصميم جديد للحروف على مفاتيح الطباعة بحيث يبعد هذه الحروف التي تتوالى كثيرا في الكلمات عن بعضها البعض على اللوحة ويجعل كل واحد منهما في مكان معاكس للآخر وهكذا استفاد كرستوفر من التغيير من وجهين :
الأول: لم تعد الحروف المتتابعة في الكلمات متتالية على اللوحة، فمثلا إذا تتابع حرف A ثم B في كلمة واحدة يكون مكان الحرف A على اللوحة بعيد جدا عن الحرف B وبالتالي يتمكن لوح الحرف الأول من العودة لمكانه دون أن يصطدم بلوح الحرف التالي وهو في طريقه للطباعة مما يقلل نسبة حصول انحشار المفاتيح المتجاورة على اللوحة.
الثاني: بعد تغيير الترتيب الهجائي للحروف لم تعد سرعة الكتاب على الآلة كما كانت من قبل، حيث كان من السهل عليهم إيجاد الحروف عندما كانت مرتبة هجائيا فيضربون عليها سريعا، أما بعد الترتيب الجديد فسيحتاجون لبعض الوقت للبحث عن الحرف ثم ضربه للكتابة ،وتقليل سرعة الضرب في حد ذاتها تساعد على تقليل نسبة حدوث الانحشار والتعليق أثناء الكتابة.
لم يكن الحل سحريا ويقضي على المشكلة نهائيا ولكنه قلل من نسبة حدوثها كثيرا، وعلى عكس المتوقع زادت سرعة الطباعة إجماليا بفضل تقليل نسبة حدوث المشاكل الميكانيكية وتقليل جهد الكتاب في فك الانحشار يدويا!
هل تعرفون ماهو الترتيب الذي نتج من إعادة الترتيب التي تمت في ذلك الوقت ؟
إنه الترتيبالمعروف بــ QWERTY الذي أستخدمه أنا حاليا وأنا أكتب هذه التدوينة من جهازي المحمول من ماركة HP عام 2013! والذي حصل كرستوفر على براءة اختراعه عام 1878
ويسمى كذلك نسبة إلى ترتيب الحروف الستة الأوائل الموجودة في الصف الأول من اليسار تحت صف الأرقام تماما . يطلق عليه أيضا الترتيب العالمي ( universal layout ) لأنه فعلا عالمي الاستخدام!
إذن عام 1878 حصل كريستوفر على براءة اختراع جديدة ..كان الترتيب الجديد مهما لدرجة جعلته يكون سببا رئيسيا لبراءة الاختراع .
في الصورة التالية تجدون رسما تقريبيا للآلة الكاتبة بترتيب QWERTY لاحظوها الحروف الستة الأوائل من اليسار:
ما الذي نقل هذا الترتيب من آلة الكتابة إلى حواسيبنا وأجهزتنا المختلفة الآن؟
خلال فترة ظهور الحاسوب وانتشاره، تم الاستغناء عن آلات الكتابة محدودة الاستعمال والقدرات واستبدالها بأجهزة الكمبيوتر الأكثر تقدما مقارنة بها .
لكن مع تغيير الأجهزة سيظل الأشخاص الذين كانوا يقومون بالكتابة والطباعة بواسطة آلة الكتابة نفسهم ليعملوا مع أجهزة الحاسوب للقيام بذات المهمة.
ورغم عشوائية الترتيب الجديد ( QWERTY )مقارنة بالترتيب الهجائي فإن الكتاب حفظوه وأتقنوا العمل معه.
وبدلا من تدريب عدد كبير من العاملين وتحمل تكلفة كبيرة من المال لاستخدام الأجهزة الجديدة، تقرر إبقاء ترتيب الحروف في لوحة مفاتيح الحاسوب تماما كما كانت في آلة الطباعة حتى يسهل على الكتاب استخدام الحاسوب بالترتيب الذي اعتادوا عليه .
إذن هل نستطيع أن نقول أن هذا هو ترتيب الحروف الوحيد في العالم لكل الأجهزة؟
ألم يحاول شخص آخر ابتكار ترتيب جديد؟
بالطبع كان هناك العديد من المحاولات والترتيبات المختلفة التي كانت تظهر ثم تختفي دون أن تثبت جدارتها، لكن عام 1932 بذل الأستاذ الجامعي أوغست دوفارك (August Dvorak) من جامعة ولاية واشنطن بتمويل من مركز متخصص جهودا كبيرة ليبتكر ترتيب أفضل للحروف على لوحة المفاتيح . كان يهدف لأن يزيد من سرعة الطباعة وراحة المستخدم
فماذا فعل؟
قرر أن يجعل الحروف الأكثر استخداما في اللغة الإنجليزية جميعها في الصف الأكثر أهمية، الذي يضع المستخدم يده عليه دائما ويقسمه بحيث يجعل جميع حروف العلة (vowels) في جهة والحروف الساكنة (consonants) في جهة أخرى هكذا: AOEUIDHTNS
وبسبب هذا التصميم لن تحتاج لتحريك يدك كثيرا فوق لوحة المفاتيح عند استخدامه ، وستستخدم كلتا يديك في الكتابة في نفس الوقت ممايزيد سرعتك حيث ستكون اليد اليسرى مرتكزة على حروف العلة والقليل من الحروف الساكنة، أما اليد اليمنى فستستخدم حروف ساكنة فقط. وهكذا ستكون كلمات قليلة جدا في الانجليزية هي التي تعطل الوقت وتكتب بيد واحدة فقط، فمعظم الكلمات تكتب بواسطة اليدين لكفاءة وسرعة أكبر.
وهكذا يدعي البروفيسور دوفارك والذي سمي هذا الترتيب نسبة له : ترتيب دوفارك ( Dovark layout ) أن ترتيبه للحروف أفضل.
فهل هذا الكلام صحيح؟
1-باستخدام ترتيب دوفارك للحروف يمكن للكاتب بالإنجليزية أن يكتب 400 كلمة كاملة باستخدام صف الحروف الأساسي فقط، بينما باستخدام ترتيب QWERTY يمكن كتابة 100 كلمة فقط .
2- في حالة استخدام لوحة المفاتيح ( Dovark ) لطباعة خطاب مثلا فإن الصف الأساسي للحروف سيمثل 70% من استخدامك بينما لو قمت بكتابة نفس الخطاب بواسطة لوحة مفاتيح ( QWERTY ) فإن صفه الأساسي سيشكل فقط 30% من العمل!
3-يمكن أيضا قياس افضلية هذا الترتيب الجديد للحروف بالمسافة التي تقطعها يديك وهي تتحرك فوق لوحة المفاتيح، فمثلا لو احتجت لكتابة مقال مطول تطبعه باستخدام لوحة مفاتيح (QWERTY ) إلى أن تتحرك يداك 50 مترا فستحتاج باستخدام نظام دوفارك إلى 30 مترا مثلا.
لكن ظلت هذه الفروق نظرية فقط،!
أما عمليا فمازال نظام QWERTY أكثر انتشارا واستخداما حيث أن معظم الفروق السابقة الذكر تم إثباتها ومحاولة نشرها من قبل مخترع النظام الجديد الذي سيستفيد ماديا من اختراعه.
وأخيرا قامت جهة محايدة بعمل دراسة لتتأكد فوجدت أنه لايوجد فرق حقيقي فالكاتب الجيد يطبع سريعا بأي لوحة مفاتيح والكاتب السيئ سيكون بطيء بأي منهما أيضا . ويمكن للكاتب السريع أن يطبع 100 كلمة في الدقيقة باستخدام نظام QWERTY
وهكذا لن يتحمس أحد ليتدرب على ترتيب حروف جديد إذا لم تكن الإضافة منه كبيرة . وفشل نظام دوفارك في أن يكون بديلا للترتيب القديم
فحاليا بالنسبة لترتيب الحروف اللاتينية مازال ترتيب QWERTY هو الأكثر انتشارا واستخداما عالميا ، وأحيانا توجد بعض الترتيبات المختلفة المشتقة منه في دول معينة.
فمثلا في إيطاليا يستخدمون الترتيب : QZERTY في فرنسا وبلجيكا يستخدمون : AZERTY وفي ألمانيا: QWERTZ
علما بأن هذه الأسماء تعني الحروف الستة الأوائل في لوحة المفاتيح من اليسار.
حسنا كل ما سبق كان حديثا عن الترتيب اللاتيني فماذا عن ترتيب الحروف العربية على لوحة المفاتيح؟
للأسف لم أجد معلومات كافية حول الموضوع
حسب ويكبيديا هذا التخطيط هو حجر الأساس :
حيث استخدم في الآلات الكاتبة العربية التي ظهرت أولها في العام 1914 على أيدي المصريين فيليب واكد وسليم حداد. وحاليا توجد ترتيبات مختلفة لكل من أجهزة ماكنتوش أو ويندوز وغيرها، يمكنكم تصفحها هنا