روعة ليالينا
:: عضو منتسِب ::
- إنضم
- 4 مارس 2014
- المشاركات
- 42
- نقاط التفاعل
- 49
- النقاط
- 3
بعد وفاة أبو بكر الصدّيق تقدمت وفود الأمصار علي "يثرب" لمبايعة خليفته عمر بن الخطاب علي السّمع والطّاعة
وفي ذات صباح قدم علي امير المؤمنين وفد من " البحرين " مع طائفة أخري من الوفود , وكان الفاروق
رضوان الله عليه شديد الحرص علي ان يسمع كلام الوافدين عليه , لعله يجد فيما يقولونـــه
موعظة بالغة أو فكرة نافعـة
فندب عدداً من الحاضرين للكلام فلم يقولوا شيئاً ذا بال , فالتفت فإذا برجل يحمد الله ويثني عليه ويقول
إنك ياأمير المؤمنين ما وُلّيت أمر هذه الأمة إلا ابتلاءً من الله عز وجل إبتلاك به . فاتّق الله فيما
وُلّيت , وأعلم أنه لو ضلت شاة بشاطئ الفرات لسُئلت عنها يوم القيامة
فأجهش عمر بالبكاء وقال: ما صدقني أحد منذ استخلفت , فمن أنت ؟ فقال : الربيع بن زياد الحارثــــــيّ
فلما انفضّ المجلس دعا عمر بن الخطاب أبا موسي الاشعريّ وقال : تحرّ أمر الربيع بن زياد
فإن يك صادقاً فإن فيه خيراً كثيراً وعوناً لنا علي هذا الامــــر , واكتب لي بخبره
أعد ّ أبو موسي الاشعري ّ جيشاً لفتح " مناذر " من أرض " الأهواز " بناءً علي أمر الخليفة وجعـــل في
الجيش الربيع بن زياد وأخاه المهاجر بن زياد , وتم محاصرة " مناذر " ودارت حرب طاحنة لم
تشهد لها الحروب نظير , فقد ابدي المشركون من شدة البأس وقوة الصبر
ما لم يخطر علي بال وكثر القتل في المسلمين كثرةً فاقت كل تقدير , فقد كانوا يومئذ يقاتلون وهــــم
صائمون رمضان , فوقف أبو موسي الاشعريّ ونادي في الجيش : يامعشر المسلمين , أقسمت
علي كل صائم أن يفطر , أو يكفّ عن القتال .. وشرب من ماء كان معــــه
ليشرب الناس بشربه , فلما سمع " المهاجر بن زياد " ما قاله جرع جُرعة من الماء وقال : والله ما شربتها
من عطش ولكنني أبررت قسم أميري , ثم طفق يشق بين الصفوف ويصرع الرجال غير وجل ولا
هيّاب , فلما أوغل في جيش الاعداء أطبقوا عليه وتداولته سيوفهم حتي
خــــرّ صريعـــــاً
ثم أخذوا رأسه ونصبوه علي شرفة مطلة علي ساحة القتال ,فنظر اليه أخوه الربيع وقال : طوبـــي لـــك
وحسن مآب وقال : والله لأنتقمنّ لك ولقتلي المسلمين إن شاء الله , فلما رأي أبو موسي
مانزل بالرّبيع من الجزع علي أخيه وادرك ما يكن صدره علي اعداء الله
تخلّي له عن قيادة الجيش , ومضي الي مدينة " السوس " لفتحها , فهبوا علي المشركين هبوب الاعصار
فمزقوا صفوفهم وأوهنوا بأسهم ففتح الله " مناذر " للربيع بن زياد فقتل المقاتلين وسبي الذرية
وغنم ما شاء الله أن يغنم
لمع نجم الربيع بن زياد بعد معركة " مناذر " فلم عزم المسلمون علي فتح " سجستان" عهدوا اليه بقيادة
الجيش وأملوا علي يديه النصر , فمضي الربيع بجيشه الغازي في سبيل الله الي " سجستان "
عبر صحراء تعجز عن قطعها الوحوش الكاسرة , فكان أول ما عرض لـه
إقليم " رُستاق زالق " علي حدود " سجستان" فبث الربيع عيونه عليه قبل ان يصل اليه . وعلم أن القوم
سيحتفلون قريباً بمهرجان لهم فتربص لهم حتي بغتهم في ليلة المهرجان علي حين غرّة
وأعمل في رقابهم السيف وأخذهم عنوة فسبي منهم عشرين ألفاً
وأوقع في الاسر رئيس إقليمهم , ولما وضعت المعركة أوزارها تقدم رئيس الاقليم الي الربيع يعرض عليـــــه
إفتداء نفسه وأهله , فقال له الربيع : أفديك إذا أجزلت للمسلمين الفدية , فقال له : وكم تبغي
فقال الربيع : أثبت هذا الرمح في الارض ثم صب عليه الذّهب والفضّة
حتي تغمــــــره غمــــراً
فقال : رضيــــت , واستخرج ما في كنـــوزه من الذّهب والفضّــــــة , وطفق يصبها علي الرمح حتي غطاه
توغل الربيع بن زياد بجيشه المنتصر في أرض " سجستان " وأخذت الحصون تتساقط تحت
حوافر خيله , وهب أهل ىالمدن يستقبلونه طالبين الأمان خاضعين
قبل ان يُشهر في وجوههم السيف حتي بلغ مدينة " زرنج" عاصمة " سجستان"فإذا بالعدو قد أعد لحربه
العدّة وإستقدم لمواجهته النجدات وعقد العزم علي ان يبعده عن المدينة الكبيرة وان يوقف
زحـــفه علـــي " سجستان" مهمـــــأ كــــــان الثمــــن غاليـــــاً
ثم دارت رحي الحرب ولم يضنّ عليها أي الفريقين بما تطلّبه من الضحايا , فلما بدت أول بادرة من بوادر
النصر للمسلمين رأي رئيس القوم المدعو ( برويز ) أن يسعي لمصالحة الربيع وهو ما تزال
فيه بقية من قوة لعله يحظي لنفسه ولقومــــه بشروط أفضـل
فبعث الي الرّبيع بن زياد رسولاً ليفاوضه علي الصلح فأجابه الي طلبه, ثم أمر رجاله ان يعدّوا المكان
لإستقبال "برويز" وطلب منهم ان يكدّسوا حول المجلس أكواماً من جثث قتلــــــي الفرس
وأن يطرحوا علي جانبي الطريق الذي سيمر به "برويز " جثثاً أخري
منثورة في غير إنتظام , ولما كان الربيع بن زياد عظيم الهامة , ضخم الجثة يبعث الرّوع في نفس من
يراه , فلما دخل عليه "برويز " ارتعدت فرائصه جزعاً وإنخلع فؤاده هلعاً من منظر القتلي
فلم يجرؤ علي الدّنوّ منه , وخاف فلم يتقدم لمصافحته , وكلمه بلسان
متلجلج وصالحه علي ان يقدّم له ألف غلام وعلي رأس كل غلام كأس من الذهب , فقبل الربيع وصالح
"بروبز" علي ذلك , وفي اليوم التالي دخل الربيع بن زياد المدينة في موكب من تهليل
المسلمين وتكبيرهم ... فكــــــــان يومـــــــــا مشهوداً من ايام الله
ظل الربيع بن زياد سيفاً مصلتاً في يد المسلمين يصولون به علي اعداء الله ففتح لهم المدن وولي
لهم الولايات حتي آل الأمر الي بني "أميّة" فولّاه معاوية بن أبي سفيان ( خُراسان )
لكنه لم يكن منشرح الصدر لهذه الولاية وقد زاده انقباضاً منها لما
بعث أحد كبار ولاة بني "أميّة " كتاباً يقول فيه : ( إن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان يأمرك أن
تستبقي الذّهب والفضّة من غنائم الحرب لبيت مال المسلمين , وتقسم ما سوي ذلك
بين المجاهدين ) فكتب اليه يقول : " إنّي وجدت كتاب الله عز وجل
يأمر بغير ما أمرتني به علي لسان أمير المؤمنين " ثم نادي في الناس : أن اغدوا علي غنائمكم
فخذوها , ثم أرسل الخمس الي دار الخلافة في دمشق .. ولما كان يوم الجمعة الذي
تلا وصول هذا الكتاب , خرج الرّبيع بن زياد الي الصلاة وخطب الناس
خُطبة الجمعة , ثم قال أيها الناس إني قد مللت الحياة , وإنّي داع بدعوة فأمّنوا علي دعائــــــــي ثم
قال : اللهم إن كنت تريد بي خيراً فاقبضني اليك عاجلاً غير آجل .. فأمّن الناس علي دعائه
فلم تغب شمس ذلك اليوم حتي لحق الربيع بن زيــاد بجوار ربه
رحم الله الرّبيع بن زياد وجازاه عن المسلمين خير الجزاء