الصدقة
قسَّم الله خلقه إلى غني وفقير، ولا تتم مصالحهم إلا بسد خلة الفقير، فأوجب في فضول أموال الأغنياء ما يسد به عوز الفقراء.
والسخي المؤمن قريب من الله ومن خلقه ومن أهله، قريب من الجنة بعيد عن النار، والبخيل بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار. فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده، وأحب الخلق إلى الله من اتصف بمقتضيات صفاته مما لم يختص به الرب جل وعلا، فهو سبحانه كريم يحب الكريم من عباده، وعالم يحب العلماء، ورحيم يحب الرحماء. قال ابن القيم ([1]): "الكريم المتصدق يعطيه الكريم مالا يُعطي غيره جزاء له من جنس عمله".
ومن خير أعمال المسلم الصدقة على الفقراء وذوي الحاجات والكربات، قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): "ذكر لي أن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة أنا أفضلكم". وهدي النبي (صلى الله عليه و سلم) كان يدعو إلى الإحسان والصدقة والسعي في تفريج هموم المسلمين.
وأفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدق عليه، وكانت دائمة مستمرة، والصدقة تَفدي العبد من عذاب الله، فإن ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه فتجيء الصدقة تفديه من العذاب، ولهذا قال النبي (صلى الله عليه و سلم) لما خطب النساء يوم العيد:«يا معشر النساء تصدقن ولو من حُليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار» (متفق عليه). وفي الصحيحين «فاتقوا النار ولو بشق تمرة».
والصدقة تطفئ شؤم المعصية، يقول النبي (صلى الله عليه و سلم) لمعاذ (رضي الله عنه): «ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» (رواه الترمذي).
الصدقة تقي مصارع السوء، وتدفع البلاء، وتحفظ المال، وتجلب الرزق، وتُفرح القلب، وتُوجب الثقة بالله وحسن الظن به، وتُزكي النفس وتنميها، وتحبب العبد إلى ربه وتستر عليه كل عيب، وتزيد في العمر، وتدفع عن صاحبها عذاب القبر، وتكون عليه ظلاًّ يوم القيامة، وتشفع له عند الله، وتُهون عليه شدائد الدنيا والآخرة، وتدعوه إلى سائر أنواع البر فلا تُستعصي عليه.
الصدقة وقاية بين العبد وبين النار، والمخلص المسرُّ بها يستظل بها يوم القيامة، ويدعى من باب الصدقة، قال النبي (صلى الله عليه و سلم): «ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة» (متفق عليه).
الصدقة ترفع البلاء وتنفرج بها بإذن الله الكروب، قال ابن القيم ([2]): "للصدقة والإحسان تأثير عجيب في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد، ولو لم يكن في هذا إلا تجارب الأمم قديماً وحديثاً لكفى به، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملاً فيه باللطف والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة فالمحسن المتصدق في خفارة إحسانه وصدقته، عليه من الله جنة واقية وحصن حصين".
ويقول أيضاً ([3]): "فإن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مُقرون به، لأنهم جرَّبوه". اهـ.
والمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه وانفسح بها صدره، قال ابن القيم([4]): "ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقاً بالاستكثار منها والمبادرة إليها، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: 9]
".اهـ.
والبخيل محبوس عن الإحسان، ممنوع عن البر، ممنوع من الانشراح، ضيق الصدر، صغير النفس قليل الفرح، كثير الهم والغم والحزن، لا يكاد تقضى له حاجة، ولا يعان على مطلوب.
فتصدق في يومك ولو بشيء يسير، فأفضل الصدقة جهد المقل، وفي صبيحة كل يوم ينزل ملكان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً.
والصدقة قرض مسترد مضاعف قال عليه الصلاة والسلام: «ما نقصت صدقة من مال». رواه مسلم. وقال جل وعلا:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة: 245] فابذل للفقير بسخاء نفس، وجود يد، وحسن ظن بالله بمضاعفة الثواب والمال.
* لا تتصدق على الفقير ليدعو لك:
يرتقي العبد بالصدقة إذا أخلص فيها لله، ولم يرج بها نوال دعوة مكروب أو ثناء أو طلب شهرة أو تحصيل مطمع من زخرف الحياة، فإذا تصدقت على فقير فلا تتصدق عليه لأجل أن يدعو لك، بل أنفق عليه ابتغاء مرضاة الله، لتكن في سلك المنظومين تحت قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: 207] قال شيخ الإسلام([5]): "في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8-9] قال ومن طلب من الفقراء الدعاء أو الثناء خرج من هذه الآية، فإن في الحديث الذي في سنن أبي داود: «من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه».
ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذا أرسلت إلى قوم بهدية تقول للرسول: "اسمع ما دعوا به لنا حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا، ويبقى أجرنا على الله".
وقال بعض السلف: "إذا أعطيت المسكين فقال بارك الله عليك، فقل بارك الله عليك" أراد أنه إذا أثابك بالدعاء فادع له بمثل ذلك حتى لا تكون اعتضت منه شيئاً.
وقال أيضاً ([6]): "ومن طلب من العباد العوض ثناء أو دعاء أو غير ذلك لم يكن محسناً إليهم لله".
فبين شيخ الإسلام أن الصدقة من أجل الدعاء لا يدخل صاحبها في قوله تعالى:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9]. فالمسلم يتصدق لوجه الله، وما يحصل بها من تفريج الكروب وإزالة الهموم فهي ثمرات من ثمار الصدقة لوجه الله.
[1] الوابل الصيب ص56.
[2]بدائع الفوائد 2/467.
[3]الوابل الصيب ص49.
[4]الوابل الصيب ص51.
[5] الفتاوى 11/111.
[6]الفتاوى 1/55.
قسَّم الله خلقه إلى غني وفقير، ولا تتم مصالحهم إلا بسد خلة الفقير، فأوجب في فضول أموال الأغنياء ما يسد به عوز الفقراء.
والسخي المؤمن قريب من الله ومن خلقه ومن أهله، قريب من الجنة بعيد عن النار، والبخيل بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار. فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده، وأحب الخلق إلى الله من اتصف بمقتضيات صفاته مما لم يختص به الرب جل وعلا، فهو سبحانه كريم يحب الكريم من عباده، وعالم يحب العلماء، ورحيم يحب الرحماء. قال ابن القيم ([1]): "الكريم المتصدق يعطيه الكريم مالا يُعطي غيره جزاء له من جنس عمله".
ومن خير أعمال المسلم الصدقة على الفقراء وذوي الحاجات والكربات، قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): "ذكر لي أن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة أنا أفضلكم". وهدي النبي (صلى الله عليه و سلم) كان يدعو إلى الإحسان والصدقة والسعي في تفريج هموم المسلمين.
وأفضل الصدقة ما صادفت حاجة من المتصدق عليه، وكانت دائمة مستمرة، والصدقة تَفدي العبد من عذاب الله، فإن ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه فتجيء الصدقة تفديه من العذاب، ولهذا قال النبي (صلى الله عليه و سلم) لما خطب النساء يوم العيد:«يا معشر النساء تصدقن ولو من حُليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار» (متفق عليه). وفي الصحيحين «فاتقوا النار ولو بشق تمرة».
والصدقة تطفئ شؤم المعصية، يقول النبي (صلى الله عليه و سلم) لمعاذ (رضي الله عنه): «ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» (رواه الترمذي).
الصدقة تقي مصارع السوء، وتدفع البلاء، وتحفظ المال، وتجلب الرزق، وتُفرح القلب، وتُوجب الثقة بالله وحسن الظن به، وتُزكي النفس وتنميها، وتحبب العبد إلى ربه وتستر عليه كل عيب، وتزيد في العمر، وتدفع عن صاحبها عذاب القبر، وتكون عليه ظلاًّ يوم القيامة، وتشفع له عند الله، وتُهون عليه شدائد الدنيا والآخرة، وتدعوه إلى سائر أنواع البر فلا تُستعصي عليه.
الصدقة وقاية بين العبد وبين النار، والمخلص المسرُّ بها يستظل بها يوم القيامة، ويدعى من باب الصدقة، قال النبي (صلى الله عليه و سلم): «ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة» (متفق عليه).
الصدقة ترفع البلاء وتنفرج بها بإذن الله الكروب، قال ابن القيم ([2]): "للصدقة والإحسان تأثير عجيب في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد، ولو لم يكن في هذا إلا تجارب الأمم قديماً وحديثاً لكفى به، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملاً فيه باللطف والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة فالمحسن المتصدق في خفارة إحسانه وصدقته، عليه من الله جنة واقية وحصن حصين".
ويقول أيضاً ([3]): "فإن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مُقرون به، لأنهم جرَّبوه". اهـ.
والمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه وانفسح بها صدره، قال ابن القيم([4]): "ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقاً بالاستكثار منها والمبادرة إليها، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: 9]
".اهـ.
والبخيل محبوس عن الإحسان، ممنوع عن البر، ممنوع من الانشراح، ضيق الصدر، صغير النفس قليل الفرح، كثير الهم والغم والحزن، لا يكاد تقضى له حاجة، ولا يعان على مطلوب.
فتصدق في يومك ولو بشيء يسير، فأفضل الصدقة جهد المقل، وفي صبيحة كل يوم ينزل ملكان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً.
والصدقة قرض مسترد مضاعف قال عليه الصلاة والسلام: «ما نقصت صدقة من مال». رواه مسلم. وقال جل وعلا:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة: 245] فابذل للفقير بسخاء نفس، وجود يد، وحسن ظن بالله بمضاعفة الثواب والمال.
* لا تتصدق على الفقير ليدعو لك:
يرتقي العبد بالصدقة إذا أخلص فيها لله، ولم يرج بها نوال دعوة مكروب أو ثناء أو طلب شهرة أو تحصيل مطمع من زخرف الحياة، فإذا تصدقت على فقير فلا تتصدق عليه لأجل أن يدعو لك، بل أنفق عليه ابتغاء مرضاة الله، لتكن في سلك المنظومين تحت قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: 207] قال شيخ الإسلام([5]): "في قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8-9] قال ومن طلب من الفقراء الدعاء أو الثناء خرج من هذه الآية، فإن في الحديث الذي في سنن أبي داود: «من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه».
ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذا أرسلت إلى قوم بهدية تقول للرسول: "اسمع ما دعوا به لنا حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا، ويبقى أجرنا على الله".
وقال بعض السلف: "إذا أعطيت المسكين فقال بارك الله عليك، فقل بارك الله عليك" أراد أنه إذا أثابك بالدعاء فادع له بمثل ذلك حتى لا تكون اعتضت منه شيئاً.
وقال أيضاً ([6]): "ومن طلب من العباد العوض ثناء أو دعاء أو غير ذلك لم يكن محسناً إليهم لله".
فبين شيخ الإسلام أن الصدقة من أجل الدعاء لا يدخل صاحبها في قوله تعالى:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9]. فالمسلم يتصدق لوجه الله، وما يحصل بها من تفريج الكروب وإزالة الهموم فهي ثمرات من ثمار الصدقة لوجه الله.
[1] الوابل الصيب ص56.
[2]بدائع الفوائد 2/467.
[3]الوابل الصيب ص49.
[4]الوابل الصيب ص51.
[5] الفتاوى 11/111.
[6]الفتاوى 1/55.
آخر تعديل: