التفاعل
10.3K
الجوائز
2.5K
- تاريخ التسجيل
- 8 جانفي 2010
- المشاركات
- 10,646
- آخر نشاط
- الوظيفة
- تاجر
1/2

الأخلاق الحميدة
لفضيلة الشيخ الدكتور/
مُحَمد بن هادي الْمَدخلي
-حفظه الله-
خطبة ألقاها - حفظه الله - في محافظة الطائف –
بجامع العذل بتاريخ : 18/11/1430هـ
تفريغ وتنسيق
أبو عبدالله شريف حمد.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه و أله و سلم).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾[النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن خير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النّار .
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اعلموا رحمني الله وإياكم أن هذا الدين المتين قام على أسس قويمة متينة ومن هذه الأسس العظيمة التي أوجبت الترابط بين أهله والتآخي والتلاحم بينهم بعد التوحيد والقيام بأركان الإسلام، الأخلاق الفاضلة الحسنة.
فإن الأخلاق يا عباد الله تألف بين الناس وتباعد بينهم، فالأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة، تحبب الناس بعضهم لبعض.
والأفعال السيئة، والأخلاق الذميمة تكره الناس بعضهم في بعض، ولقد كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-مضرب المثل في ذلك وكفانا مدح ربه له بقوله جل وعلا: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
أيها المؤمنون:
لقد كان رسولكم-صلى الله عليه وسلم- يضرب بأخلاقه الحسنة، وأفعاله الجميلة، وسجاياه الشريفة، يضرب لكم أروع الأمثلة، ولهذا قال الله جل وعز: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْفِيرَسُولِ اللَّهِأُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنكَانَيَرْجُواللَّهَوَالْيَوْمَ الْآخِرَوَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) كان معروفا بالصدق في الجاهلية، ومعروفا بالأمانة أيضا، حتى إن قريشا تلقبه بالأمين ، أو تلقبه بالصادق الأمين، كان محط أنظارهم يودعونه أموالهم ، ومحط استشارتهم، لما علموه من صدقه ونصحه لهم، صلوات الله وسلامه عليه.
ولقد اهتم عليه الصلاة والسلام بهذا الأمر غاية الاهتمام فثبت عنه في الحديث أنه قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا).
وجاء في الترمذي وغيره من حديث عبد الله سلام -رضي الله عنه- ، وقد كان من أحبار اليهود بالمدينة قبل إسلامه وقدوم النبي-صلى الله عليه وسلم-عليها، قال رضي الله تعالى عنه: لما قدم النبي المدينة انجفل الناس عليه وكنت فيمن انجفل فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول شيء سمعته يقول (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام).
انظروا إلى هذه الوصايا العظيمة إن هذه الوصايا كل واحدة منها بحاجة إلى أن تفرد بحديث مستقل.
فإطعام الطعام من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وبذل السلامكذلك وصلة الأرحام كذلك، وصى بها رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فإطعام الطعام يحصل به التكافل بين المسلمين، فلا يبقى بينهم فقير ولا معوز ولا جائع.
وبث السلام: تحصل به الألفة بين القلوب، قال عليه الصلاة والسلام: أفلا أدلّكم على شيءإذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
فإفشاء السلام من الشعائر الظاهرة بين أمة الإسلام، وهو سبب للألفة بين المسلمين.
وصلة الأرحام: به تتوثق أواصر القربى بين المسلمين، فلا يقطع رحم إلا من ران على قلبه عصيان الله ورسوله، عياذا بالله من ذلك.
أما من عمر قلبه الإيمان بالله، والمحبة والإتباع لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فإنه لا يمكن بحال أن يقطع رحمه، وهو يعلم ما في القطيعة من الإثم العظيم، (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ).
انظروا عباد الله إلى هذه الوصية التي بثها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أوّل قدومه مدينته عليه الصلاة والسلام.
أيها المسلمون:
لقد أجمع النبي-صلى الله عليه وسلم-مكارم الأخلاق وعظم مكانتها في حديثين:
فجاء في الحديث الأول الذي يعرفه أكثر المسلمين قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أقربكم منيمجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً).
وجاء عنه عليه الصلاة و السلام في السنن وغيرها أنه قال : (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسُنَ خلقُه أو حسّن خلقه).
فانظروا عباد الله منزلة الخلق الحسن، أن يقع صاحبها في أعلى الجنة فلهذا احتل المسلمون بين الأمم أعظم المنازل حينما كانوا متمسكين بالأخلاق الحميدة، والسجايا الجميلة، التي جاء بها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، بل بعض بلدان الإسلام اليوم ما فتحت بسيف ولا خيل وإنما فتحت قلوب أهلها بحسن تعامل المسلمين معهم.
أيها المسلمون:
الله الله في تحقيق الأخلاق الحسنة والتحلي بها، فإن ذلك من ركائز الدين، التي يقوم عليها وتُأثر في المسلمين، وتنتج مجتمعا صالحا، يأمن بعضهم بعضا ويعطف بعضهم على بعض، ويصل بعضهما بعضا، هذه الأخلاق الجميلة التي حث الله سبحانه وتعالى عليها في كتابه، وحث عليها رسوله-صلى الله عليه وسلم-في صحيح سنته، حري بكل مسلم أن يتخلق بها، وحري بكل بيت مسلم أن يعلم بعضهم بعضا، وأن يوصي بعضهم بعضا، بحسن الأخلاق لما لها من الأثر الجميل في الدنيا عليه، ولما لها من الأدب الجميل في الآخرة عند ربه تبارك وتعالى.
أيها المؤمنون:
إن الأخلاق والحديث عنها ليس هو من باب الطرب، وليس هو من باب تحصيل الحاصل، وليس هو من باب التكميل، وإنما الحديث عنها من باب إفشاء ما يلزم إفشاؤه، والحث على ما يلزم التخلق به.
فالله الله في ذلك، فلنتخلق بأخلاق الإسلام، فإنه ما نهضت الأمة في صدرها الأول، إلا بتمسكها في ذلك، وما تنكبت الأمة في آخر عصرها إلا بسبب تركها لذلك.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
آخر تعديل: