بسم الله الرحمن الرحيم
قصة الأخ سليم مع أمه .
كان الأخ سليم يبلغ من العمر ثلاثة أشهر حين انفصلت أمه عن أبيه و انتقل إلى العيش مع والدته في بيت جده بمدينة عين تموشنت و كانت أمه ترعاه و تحرص على أن يكون شابا صالحا و تحذره من رفقاء السوء دائما و لما كبر الأخ سليم و أصبح له من العمر سبعة عشر سنة ذهب مع أصدقائه إلى شاطئ البحر و في اليوم الثاني عرض عليه رفاقه أن يرافقهم إلى البحر مرة ثانية فاستأذن أمه فمنعته لأنّها لم تكن مرتاحة و مطمئنة على ذهاب ابنها مع هذه الرفقة إلى البحر فأمسكته من صدره و قالت لا تذهب فقام هو بنزع يدها من صدره بشدة و دفعها و ذهب مع رفاقه و ما هي إلا نصف ساعة من الزمن حتى جاء الخبر بأنَّ ابنها الوحيد سقط في البحر على حجر كبير و نقل إلى المستشفى فذهبت إلى المستشفى مسرعة خائفة مفزوعة على ابنها و فلذة كبدها و ما إن وصلت إلى هناك حتى وجدته مغمى عليه فضمته إلى صدرها و بكت عليه بكاء شديدا حتى رآها بعض الأطباء و الممرضين فقالوا لها هو بخير غدا احضري ملابسه و تعالي لتأخذيه ، بات هو في المستشفى و عادت هي في اليوم التالي فإذا به لم يفق من غيبوبته فنقل إلى مستشفى بمدينة وهران و هناك اجتمع عليه جمع كبير من الأطباء و المختصين و اجمعوا على أن َّهذا الشاب ميئوس منه و سوف يموت بعد شهريين أو ثلاثة لأنَّه أصيب بكسر في العمود الفقري و قد أدى هذا الكسر إلى شلل كلي و هو سيقضي هذه الأيام بآلات التنفس و أصبحت أمه تنتظر لحظة موته في هذه الأشهر بالأيام و الليالي بل الساعات و الدقائق و لكن شاء الله سبحانه و تعالى أن يعيش الأخ سليم و يعجز العلم و التطور الطبي أمام قدرة الله – عز و جل – و إرادته سبحانه فقد قدَّر الله لهذا الشاب أن يعيش بآلات التنفس و هو في غيبوبة كاملة و أمه المسكينة تتردد بين مدينة وهران و مدينة عين تموشنت تذهب إليه تغير ثيابه و فراشه ثم تعود إلى البيت لتغسلها ثم تعيد إليه مرة ثانية ثم بعد مرور ستة أشهر و هي على هذا الحال أفاق سليم من غيبوبته و لكنه لا يستطيع الكلام و إذا تكلم فأمه الوحيدة التي تفهمه و بقي على تلك الحال سبع سنوات و أمه تخدمه و لا تقصر في خدمته و قالت بأنَّ ابنها لم يتعبها يوما و كان يطلب منها أن تسامحه و ترضى عنه و كانت تقول له بأنَّها هي رجلاه و يداه التي لا يستطيع تحريكها و بعد ذلك سمع به أحد المسئولين فزاره في بيته و سأله ماذا يتمنى ؟ فقال الأخ سليم أنّه يتمنى أن ينطق و يتكلم ليذكر الله و يحفظ القرآن فوعد بنقله إلى الخارج للعلاج و لكن قبل ذلك علينا أن ننقله إلى الجزائر العاصمة و نعرضه على الأطباء الكبار و المختصين و بعد ذلك قرر الطبيب أن يجري له عملية تساعده على الكلام فقط أما الحركة إلا أن يشاء الله و لكن بشرط أن توقع أمه على عدم متابعته قضائيا إن حصل لإبنها مكروه فوافقت و قالت له أنا أوقع لك بأصابعي العشرة المهم أن يتعافى ابني فلما جاء موعد العملية و أُدخل سليم إلى غرفة العمليات و اجتمع الأطباء الكبار و ما دونهم و الممرضون و هو مندهشون و ينتظرون نتيجة هذه العملية بفارغ الصبر فقال لهم الأخ سليم و هو ممتد على سريره أذكروا الله قولوا بسم الله قولوا سبحان الله و بعد مرور ما يقارب الثماني ساعات و نصف أفاق و أول ما تكلم قال الماء و بعدها انطلق في الكلام و هو يحمد الله و يشكره أن رد عليه نعمة النطق و في اليوم التالي أحضروا له طبيبة تعلمه نطق الحروف باللغة الفرنسية لأنه لم يتكلم منذ سنين فضحك هو و قال لها أنا اعرف الحروف الفرنسية و بدا يرتل القرآن بصوت عال فاجتمع عليه كل من كان بجواره في ذلك المستشفى و أمر له الطبيب بأحسن غرفة في المستشفى و كان يزوره الإخوة من كل مكان حتى سمع به إمام من بلدية أولاد يعيش فزاره و طلب منه سليم أن يعلمه مخارج الحروف و صفاتها فوافق هذا الشيخ و أصبح يتردد عليه في المستشفى و يعلمه أحكام التجويد و يكتب له الدرس في ظهر الباب و بعد ما ينصرف الشيخ كان الأخ سليم يطلب من آمه أن تغلق الباب حتى يتمكن من مراجعة و حفظ الدرس و لما عرفوا منه حرصا على القرآن أحضروا له حاملة للقرآن و كانت من حديد و وضعت له أمه المصحف عليها و هي تقلب له الصفحة كلما احتاج إلى ذلك و هو منكب على المصحف تلاوة و حفظا و حتى لا يزعج أمه في تقليب المصحف كان يكثر من الدعاء بأن يحرك الله يده حتى يتمكن من تقليب صفحات المصحف وحده فاستجاب الله سبحانه و تعالى لدعائه و أصبحت أصابع يده تتحرك و هو ينادي و يصرخ بأعلى صوته أمي إنَّ أصابعي تتحرك ، يالها من عجائب قدرة الله في استجابة الدعاء و حفظ الأخ سليم ما يفوق نصف القرآن و قالت أمه أنَّه كان مواظبا على سورة الكهف كل يوم جمعة و لا يترك القرآن أبدا و طلب منها أن تمكنه من تقبيل يديها مرارا و تكرارا و لكنَّها رفضت و كانت كلما اقتربت منه لتنظف جسمه أو تيممه للصلاة يستغل فرصة قرب يديها منه فيقبلها بشدَّة و من عجائب استجابة الله لدعائه كان عنده بعض الإخوة يزورونه فقالوا بأنَّهم ذاهبون إلى لقاء الشيخ عبد الرزاق البدر – حفظه الله – الذي جاء من المدينة النبوية لإلقاء محاضرة في مدينة ارزيو فقال لهم سليم ياليتني أستطيع الذهاب معكم لرؤية الشيخ فذهب الإخوة إلى المحاضرة و بقي سليم في بيته يدعوا الله سبحانه و تعالى أن يُمكنه من رؤية الشيخ عبد الرزاق البدر – حفظه الله – و ما إن انتهى الشيخ من محاضرته وُجِهت له دعوى إلى مدينة مغنية الواقعة على الحدود الجزائرية المغربية فسافر الشيخ مع رفقته عبر الطريق السيَّار الذي يمر بمدينة عين تموشنت و لم يكن الشيخ حفظه الله ينوي زيارة الأخ سليم و هو لا يعرفه و لم يسمع به و في الطريق أخبره أحد الإخوة بقصة الأخ سليم فطلب الشيخ أن يزوره فذهبوا به إليه و ما إن دخل الشيخ على الأخ سليم حتى صاح قائلا هذه معجزة فو الله لم يأت بك إلا الدعاء و كم كنت أتمنى أن أراك يا شيخ ، فرد الشيخ قائلا أنت هو الشيخ و أخذ الشيخ يقبل رجليه و يديه و هو يبكي و طلب منه أن يقص عليه قصته كاملة و لما رجع الشيخ إلى المدينة النبوية ألقى درسا يعظ فيه الناس و بيَّن لهم صبر الأخ سليم على قضاء الله و قدره و كان الشيخ يتصل به و يسأل عنه و يبعث له الهدايا و كان كل من زار الأخ سليم خرج من عنده باكيا متأثرا متعظا و كان ممن زاره من المشايخ في الجزائر الشيخ عبد الحكيم دهاس – حفظه الله – و الشيخ عبد الخالق ماضي – حفظه الله - و الشيخ رضا بوشامة – حفظه الله – و قد ألقى هذا الأخير خطبة للجمعة يذكر الناس فيها و يعظهم بقصة الأخ سليم و كان أيضا من دعائه الذي لقي استجابة الله له كانت أمه قد خرجت لقضاء بعض حاجاته و تركته في البيت فأتت إليه ذبابة و بدأت تدخل في أذنه و انفه و تزعجه و هو لا يستطيع إبعادها فقال لها : إما أن تذهبي و إما شكوتك إلى الله حتى لم يوجد لهذه الذبابة أثرا و كان الأخ سليم يحب أمه حبا كبيرا فقال لها يوما عليك أن تحضري طفلة من المركز حفظ الأطفال حتى إذا قدر الله له أن يموت لا تبقى أمه وحيدة في البيت و ستجد من يرافقها و يعيش معها و لما جاوز عمر الطفلة سلسبيل ثلاث سنوات أصبحت تتدرب على خدمته و كان الأخ سليم يوصي أمه دائما بأن تربيها أحسن تربية حتى تكون فتاة صالحة و كان يوصي أمه أيضا بتقوى الله و الإكثار من الحسنات ، و تقول أمه كان إذا سُئِل عن حاله قال إنَّه يحمد الله و يثني عليه و كان يعظ و يذكر بالله كل من زاره و كان مما أوصى به أمه أنَّه إذا مات تكفل بتغسيله و تكفينه الإخوة السلفيون و بقي الأخ سليم على هذه الحال و بعد مرور سبعة عشر سنة من البلاء و المعاناة و التنقل بين المستشفيات و الصبر على قضاء الله و قدره و كان الإخوة قائمون عليه جزآهم الله خيرا يجهزون أوراقه للسفر به مع والدته و الطفلة الصغيرة إلى مكّة المكرمة لأداء مناسك العمرة و لكن قدر الله و ما شاء فعل أحسَّ الأخ سليم ببعض الآلام فنقلته أمه إلى المستشفى و بعدمَّا اطلع عليه الطبيب أخبرها بأنَّ ابنها قد توفي – رحمه الله – و ما إن أُعلن عن خبر وفاته حتى توافد الإخوة من كل مكان على المستشفى الذي مات فيه و تسابقوا و تنافسوا على تغسيله و تكفينه و كل واحد منهم يريد أن ينال شرف تغسيل و تكفين هذا الشاب التائب إلى الله الراجع إليه الصابر على قضائه و شُهِدَ جنازته خلق كثير و صدق فيه قول الإمام احمد : قولوا لأهل البدع بيننا و بينكم يوم الجنائز ، وصلى عليه الشيخ عبد الحكيم دهَّاس – حفظه الله – و دُفِن على السنة رحمه الله .
كَتَبَتْه أختكم في الله السلفية الأثرية .و نقله أخوكم في الله أبو ليث من منتديات التصفية و التربية.
آخر تعديل: