faisal2000
:: عضو منتسِب ::
- إنضم
- 16 أفريل 2014
- المشاركات
- 33
- نقاط التفاعل
- 21
- النقاط
- 3
مذهب الإمام ابن تيمية في الأسماء والصفات هو مذهب السلف الصالح، فهو يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من أسماء وصفات من غير تعطيل ولا تحريف ولا تبديل ولا تأويل ولا تشبيه ولا تمثيل كما يليق بجلال الله تعالى. وقد وضع قواعد عظيمة لإثبات الأسماء والصفات لله تعالى، ورد فيها على أهل البدع والأهواء كالمعطلة والمجسمة.
مذهب الإمام ابن تيمية في الأسماء والصفات
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله في منهج أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بصفات الله عز وجل، وذلك في المجلد الخامس (صفحة 45) من مجموع الفتاوى:
[ فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سميناه كما سماه ]. أي: إذا وصف الله نفسه بوصف، أو وصف رسوله الكريم ربه تبارك وتعالى بوصف أو سماه باسم سميناه كما سماه من غير زيادة ولا نقصان، ومن غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل.
قال: [ ولم نتكلف منه صفة ما سواه ]. يعني: لا نتكلف من عند أنفسنا إثبات صفة لله عز وجل لم يثبتها لنفسه ولم يثبتها له رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
قال: [ لا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف ].
والجحود أنواع: الجحود بالتأويل، والجحود بالتحريف، والجحود بالتعطيل، والجحود بالتمثيل.
فلا نجحد ما وصف الله به نفسه، كما أننا لا نتكلف وصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه، فإننا بين أمرين: أن نؤمن بما سمى الله تعالى به نفسه وما وصف به نفسه أو وصفه رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، ولا نجحد شيئاً مما ثبت في الكتاب والسنة، ولا نتكلف شيئاً من عند أنفسنا لم يكن له وجود في الكتاب والسنة.
قال: [ اعلم رحمك الله أن العصمة في الدين أن تنتهي في الدين حيث انتهى بك ]. يعني: أن تكون وقافاً عند حد الكتاب والسنة. [ ولا تجاوز ما قد حد لك ]. أي: لا تجاوز حدك، إما في الإثبات وإما في النفي. [ فإن من قوام الدين: معرفة المعروف وإنكار المنكر، فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة وذكر أصله في الكتاب والسنة وتوارثت علمه الأمة فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيباً؛ ولا تتكلفن بما وصف لك من ذلك قدراً ]. وهو نفس معنى الكلام السابق.
قال: [ وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ]. يعني: شيء لا أصل له في الكتاب ولا في السنة، وضم إلى ذلك أن نفسك قد أنكرت هذا.
قال: [ وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في حديث عن نبيك من ذكر صفة ربك فلا تكلفن علمه بعقلك ]. يعني: لا تثبتن شيئاً من ذلك بالعقل؛ لأن باب الصفات هو تماماً كباب الذات، فكما أنه يستحيل على آدمي أن يصف ذات الله تبارك وتعالى، يستحيل عليه كذلك أن يتكلم في باب الصفات؛ لأن أهل العلم يقولون: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، ولما كان الكل مجمعين على أن ذات الله تبارك وتعالى غيب لا يعلمها أحد فكذلك لابد وأن تكون الصفات تابعة لذلك، فلا يجوز لأحد أن يتكلم في صفة من صفات الله عز وجل، وفي كيفيتها. لا أقصد معناها، كما أني لا أقصد العلم بها.
وقلنا من قبل: إن السلف إنما فوضوا الكيف ولم يفوضوا المعنى ولا العلم، فالصفة معلومة لله عز وجل، أثبت لنفسه العين، فلابد وأن يكون عندي علم بأن الله أثبت العين لنفسه، ومعنى العين معلوم لدي؛ لأن الله تبارك وتعالى يستحيل أن يخاطبني بشيء لا علم لي به، ثم يكلفني الإيمان به، ولذلك مخاطبة الخلق بالمحال محال. أي: مخاطبة الخلق بشيء لا يعرفونه ثم لزوم الإيمان به أمر محال، والله تبارك وتعالى لم يتعبد خلقه بأمر محال، فإذا أثبت لنفسه العين علمت أنها عين حقيقة لله تبارك وتعالى كما أن لي عين، ولكن لما اختلفت ذات الله عن ذات المخلوق، لابد بالتالي أن تختلف صفات الخالق عن صفات المخلوقين. ومعنى العين: أنها عين حقيقة كما يفهمها المستمع لها أولاً، والقائل بها أولاً، ولكنها عين تختلف عن أعين المخلوقين؛ لاختلاف الذات، فلابد بالتالي أن تختلف الصفات.
قال: [ وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في حديث نبيك من ذكر صفة ربك فلا تكلفن علمه بعقلك ]. يعني: إذا كان الله تبارك وتعالى نفى صفة عن نفسه، أو سكت عنها فلم يثبتها ولم ينفها فلا تتكلف إثبات ذلك أو نفيه بعقلك، ولكن الأمر كما قال أحمد بن حنبل : أصول الدين عندنا الالتزام بالكتاب والسنة. أي: أصول الدين عندنا أن نلتزم بالكتاب والسنة. ومعنى الالتزام بالكتاب والسنة: أن تقول بما قال الله عز وجل إثباتاً ونفياً، وأن تقول بما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام إثباتاً ونفياً. أي: ما كان مثبتاً في الكتاب والسنة أثبتناه، إذا كان هذا في حق الإله، فإنما نثبته على الوجه اللائق بالله عز وجل، وإذا كان في حقي فإن هذا أمر يحتمل الكمال البشري ويحتمل العين البشرية، كما أن الله عز وجل خلقني وأثبت أن لي عينين، فإن كانتا سليمتين فيكون كمالاً بشرياً في الرؤية أو في وجود العينين، وإما أن أكون أعور العين أو أعمى كفيفاً فهذا نقص في الرؤية، أما الله تبارك وتعالى فإنه ليس بأعور، كما ثبت في الحديث وسيأتي معنا.
قال: [ ولا تصفه بلسانك ]. أي: ما سكت الله عنه وما سكت عنه رسوله لا تكلفن علمه بعقلك ولا تصفه بلسانك، واصمت عنه كما صمت الرب عنه بنفسه؛ لأن الله تعالى أعلم بنفسه منك، وأعلم الخلق بالله عز وجل هو رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، فإذا أثبت الله تبارك وتعالى لنفسه العين أو اليد أو الغضب أو الرضا أو السخط أو الأصابع أو غيرها من تلك الصفات فهو أعلم بنفسه، فإذا قال الله عز وجل:
يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
[الفتح:10]، أثبت لنفسه اليد، فلا تقل: ليست هذه يد حقيقة، إذا كان الله تبارك وتعالى أثبتها مطلقاً فلم تجعلها أنت مجازاً؟ أثبتها الله لنفسه على الحقيقة فلم تصرفها أنت عن هذه الحقيقة، وتقول: اليد بمعنى القدرة، أو بمعنى النعمة؟ هذا تأويل لم يعرفه سلفنا رضي الله عنهم أجمعين.
قال: [ واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه، فإن تكلفك معرفة ما لم يصف من نفسه مثل إنكار ما وصف منها ]. أي: هذه مثل تلك، الذي يجعلك تتكلف صفة لله عز وجل هو الذي يجعلك تجحد صفة أخرى أثبتها الله لنفسه، فالذي يقحمك في الإثبات هو الذي يحملك على الجحود، فهذه مثل تلك في النفي والإثبات، فإذا كنت مؤمناً حقاً في قضية الإثبات والنفي خاصة فيما يتعلق في صفات الرب تبارك وتعالى، فلا تثبت شيئاً إلا ما أثبته الكتاب والسنة، ولا تنفي شيئاً إلا ما نفاه الكتاب والسنة؛ لأنك إذا اجترأت على إثبات ما لم يكن في الكتاب والسنة اجترأت على جحد ما ورد في الكتاب والسنة.
قال: [ فكما أعظمت ما جحده الجاحدون مما وصف من نفسه، فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف به الله تبارك وتعالى.
فقد والله عز المسلمون -أي: قل وندر- الذين يعرفون المعروف وبهم يعرف، وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر، يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه، وما بلغهم مثله عن نبيه، فما مرض من ذكر هذا وتسميته قلب مسلم، ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن.
وما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمي -أي: ما سمى الله- وما وصف الرب تعالى من نفسه وإن كان ذلك في خبر الآحاد ]. يعني: افرض أن هذه الصفة وردت في السنة فقط ولم ترد في الكتاب.
أنتم تعلمون أن صفة الأصابع لله عز وجل لم ترد في كتاب الله، وإنما وردت في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك صفة كف الله عز وجل، وصفة الأنامل لله عز وجل، إنما وردت في السنة، وأحاديثها آحاد، فشيخ الإسلام ابن تيمية يحسم في هذا الضبط: أن ما ذكر عن النبي عليه الصلاة والسلام مما سمى به ربه أو وصفه به فهو كالذي سمى الله تبارك وتعالى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه الكريم، فالسنة والقرآن سواء في قضية الإثبات والنفي، ولا يجوز لأحد أن يدعي بعد ذلك أن هذه الصفة لم ترد في كتاب الله، ولذلك أنا لا أثبتها.
قال: [ والراسخون في العلم الواقفون حيث انتهى علمهم ]. الذين يحترمون عقولهم ولا يخوضون بها في بحار لا يعلم مداها إلا الله عز وجل، ولا يتكلفون علم الغيب إلا ما أطلعهم الله عز وجل على بعض العلم من كتابه الكريم.
قال: [ الواصفون لربهم بما وصف من نفسه، التاركون لما ترك من ذكرها؛ لا ينكرون صفة ما سمي منها جحداً ]. أي: لا ينكرون ما وصف به نفسه. [ ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقاً ]. يعني: لا يتعمقون ويتحذقون ويتشدقون بإثبات شيء لله عز وجل من قبيل الأسماء والصفات، وأن الله لم يسم نفسه بهذا الاسم الذي تكلف به القوم ولا وصف نفسه بهذه الصفة.
ثم يتكلم كلاماً من نور لا شك فيه، فيقول: [ لأن الحق ترك ما ترك -أي: ترك ما ترك الله تعالى- وتسمية ما سمى ]. أي: نفي ما نفاه وإثبات ما أثبته [ ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ].
وذكر الإمام ابن تيمية أن هذا كلام ابن الماجشون ، فـابن تيمية لم يكن ليبتر هذا الكلام ثم ينسبه لقائله؛ لأن من أمانة العلم أن تنسب القول إلى قائله، وأعظم السرقة أن تسرق علم غيرك ثم لا تنسبه إليه.
قال: [ وهذا كله كلام ابن الماجشون الإمام فتدبره ]. مع أنه كلام ابن تيمية الذي يلهج به في كل كتبه.
قال: [ وانظر كيف أثبت الصفات ونفى علم الكيفية ]. أي: أثبت الصفات لأن الله أثبتها، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام أثبتها؛ وانف الكيفية لأن الكيفية غيب لم يطلع الله عز وجل عليه أحد.
قال: [ وهو في ذلك وافق غيره من الأئمة، وكيف أنكر على من نفى الصفات بأنه يلزمهم من إثباتها كذا وكذا كما تقوله الجهمية؛ أنه يلزم أن يكون جسماً أو عرضاً فيكون محدثاً ]. يعني: ابن تيمية يستنكر أشد الاستنكار على المشبهة أو الممثلة الذين يقولون: إذا ثبت أن لله تبارك وتعالى يد، يلزم أن تكون يداً كيدي، أو أن له قدماً كقدمي، أو أن له نفساً كنفسي إلى آخر الصفات. هل الذي يقول بلزوم هذا يقول بأن ذات الله كذاته؟
الذي يقول: إن لله يداً كيدي، وساقاً كساقي، ونفساً كنفسي، وعيناً كعيني، يلزمه أن يقول: وذاتاً كذاتي، وهو لا يقول بهذا.
إذاً: لابد وأن يقول في الصفات كما يقول في الذات؛ لأن الكلام في الصفات إنما هو فرع وتصور عن الكلام في الذات، فالذي تقوله وتعتقده في الذات لابد وأن تثبته في الصفات، وما ضرك لو أنك فعلت كما فعل الأنبياء والمرسلون والحواريون أصحاب الأنبياء والتابعون لهم بإحسان: أن تثبت الصفة لله تبارك وتعالى على الوجه اللائق به سبحانه!
هذا الكلام الذي ذكره ابن الماجشون وذكره ابن تيمية كلام ينبغي أن يكتب بأحرف من نور؛ لأنه مجمل اعتقاد المسلم في ربه.
إن أهل السنة والجماعة ذهبوا مذهباً وسطاً بين الممثلة والمعطلة؛ فقد قالوا بإثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله، ونفوا عن الله عز وجل ما نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسوله، وسكتوا عما سكت الله عنه ورسوله.
أما ما أثبتوه فإنهم يثبتونه على الوجه اللائق لله عز وجل، ولا يقولون: بأن الصفات الذاتية الخبرية لله عز وجل جارحة؛ والجارحة صفة عجز ونقص لا تليق إلا بالمخلوق، والله تبارك وتعالى هو الخالق.
هذا معتقدهم في جهة الإثبات والنفي، فهم في مقابلة الممثلة والمعطلة؛ لأن الممثلة قالوا: إن هذه الصفات لا نثبتها لله على الحقيقة، لأن إثباتها يستلزم المشابهة والمماثلة بين الخالق والمخلوق. والمعطلة قالوا: نحن ننزه الله تعالى أن يكون شخصاً أو أن يكون مثل خلقه، ولذلك نفوا عن الله عز وجل جميع الصفات. فقوم مثلوا صفة الخالق بالمخلوق، وقوم ذهبوا بزعمهم إلى التنزيه، فعطلوا الصفات، ولذلك لا أمل من ذكر الكلام المضيء لشيخ الإسلام ابن تيمية: (من عبد الله بالتمثيل فإنما يعبد صنماً، ومن عبد الله بالتعطيل فإنما يعبد عدماً).
مذهب الإمام ابن تيمية في الأسماء والصفات
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله في منهج أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بصفات الله عز وجل، وذلك في المجلد الخامس (صفحة 45) من مجموع الفتاوى:
[ فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سميناه كما سماه ]. أي: إذا وصف الله نفسه بوصف، أو وصف رسوله الكريم ربه تبارك وتعالى بوصف أو سماه باسم سميناه كما سماه من غير زيادة ولا نقصان، ومن غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل.
قال: [ ولم نتكلف منه صفة ما سواه ]. يعني: لا نتكلف من عند أنفسنا إثبات صفة لله عز وجل لم يثبتها لنفسه ولم يثبتها له رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
قال: [ لا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف ].
والجحود أنواع: الجحود بالتأويل، والجحود بالتحريف، والجحود بالتعطيل، والجحود بالتمثيل.
فلا نجحد ما وصف الله به نفسه، كما أننا لا نتكلف وصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه، فإننا بين أمرين: أن نؤمن بما سمى الله تعالى به نفسه وما وصف به نفسه أو وصفه رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، ولا نجحد شيئاً مما ثبت في الكتاب والسنة، ولا نتكلف شيئاً من عند أنفسنا لم يكن له وجود في الكتاب والسنة.
قال: [ اعلم رحمك الله أن العصمة في الدين أن تنتهي في الدين حيث انتهى بك ]. يعني: أن تكون وقافاً عند حد الكتاب والسنة. [ ولا تجاوز ما قد حد لك ]. أي: لا تجاوز حدك، إما في الإثبات وإما في النفي. [ فإن من قوام الدين: معرفة المعروف وإنكار المنكر، فما بسطت عليه المعرفة وسكنت إليه الأفئدة وذكر أصله في الكتاب والسنة وتوارثت علمه الأمة فلا تخافن في ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيباً؛ ولا تتكلفن بما وصف لك من ذلك قدراً ]. وهو نفس معنى الكلام السابق.
قال: [ وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ]. يعني: شيء لا أصل له في الكتاب ولا في السنة، وضم إلى ذلك أن نفسك قد أنكرت هذا.
قال: [ وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في حديث عن نبيك من ذكر صفة ربك فلا تكلفن علمه بعقلك ]. يعني: لا تثبتن شيئاً من ذلك بالعقل؛ لأن باب الصفات هو تماماً كباب الذات، فكما أنه يستحيل على آدمي أن يصف ذات الله تبارك وتعالى، يستحيل عليه كذلك أن يتكلم في باب الصفات؛ لأن أهل العلم يقولون: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، ولما كان الكل مجمعين على أن ذات الله تبارك وتعالى غيب لا يعلمها أحد فكذلك لابد وأن تكون الصفات تابعة لذلك، فلا يجوز لأحد أن يتكلم في صفة من صفات الله عز وجل، وفي كيفيتها. لا أقصد معناها، كما أني لا أقصد العلم بها.
وقلنا من قبل: إن السلف إنما فوضوا الكيف ولم يفوضوا المعنى ولا العلم، فالصفة معلومة لله عز وجل، أثبت لنفسه العين، فلابد وأن يكون عندي علم بأن الله أثبت العين لنفسه، ومعنى العين معلوم لدي؛ لأن الله تبارك وتعالى يستحيل أن يخاطبني بشيء لا علم لي به، ثم يكلفني الإيمان به، ولذلك مخاطبة الخلق بالمحال محال. أي: مخاطبة الخلق بشيء لا يعرفونه ثم لزوم الإيمان به أمر محال، والله تبارك وتعالى لم يتعبد خلقه بأمر محال، فإذا أثبت لنفسه العين علمت أنها عين حقيقة لله تبارك وتعالى كما أن لي عين، ولكن لما اختلفت ذات الله عن ذات المخلوق، لابد بالتالي أن تختلف صفات الخالق عن صفات المخلوقين. ومعنى العين: أنها عين حقيقة كما يفهمها المستمع لها أولاً، والقائل بها أولاً، ولكنها عين تختلف عن أعين المخلوقين؛ لاختلاف الذات، فلابد بالتالي أن تختلف الصفات.
قال: [ وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره في كتاب ربك ولا في حديث نبيك من ذكر صفة ربك فلا تكلفن علمه بعقلك ]. يعني: إذا كان الله تبارك وتعالى نفى صفة عن نفسه، أو سكت عنها فلم يثبتها ولم ينفها فلا تتكلف إثبات ذلك أو نفيه بعقلك، ولكن الأمر كما قال أحمد بن حنبل : أصول الدين عندنا الالتزام بالكتاب والسنة. أي: أصول الدين عندنا أن نلتزم بالكتاب والسنة. ومعنى الالتزام بالكتاب والسنة: أن تقول بما قال الله عز وجل إثباتاً ونفياً، وأن تقول بما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام إثباتاً ونفياً. أي: ما كان مثبتاً في الكتاب والسنة أثبتناه، إذا كان هذا في حق الإله، فإنما نثبته على الوجه اللائق بالله عز وجل، وإذا كان في حقي فإن هذا أمر يحتمل الكمال البشري ويحتمل العين البشرية، كما أن الله عز وجل خلقني وأثبت أن لي عينين، فإن كانتا سليمتين فيكون كمالاً بشرياً في الرؤية أو في وجود العينين، وإما أن أكون أعور العين أو أعمى كفيفاً فهذا نقص في الرؤية، أما الله تبارك وتعالى فإنه ليس بأعور، كما ثبت في الحديث وسيأتي معنا.
قال: [ ولا تصفه بلسانك ]. أي: ما سكت الله عنه وما سكت عنه رسوله لا تكلفن علمه بعقلك ولا تصفه بلسانك، واصمت عنه كما صمت الرب عنه بنفسه؛ لأن الله تعالى أعلم بنفسه منك، وأعلم الخلق بالله عز وجل هو رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، فإذا أثبت الله تبارك وتعالى لنفسه العين أو اليد أو الغضب أو الرضا أو السخط أو الأصابع أو غيرها من تلك الصفات فهو أعلم بنفسه، فإذا قال الله عز وجل:


قال: [ واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه، فإن تكلفك معرفة ما لم يصف من نفسه مثل إنكار ما وصف منها ]. أي: هذه مثل تلك، الذي يجعلك تتكلف صفة لله عز وجل هو الذي يجعلك تجحد صفة أخرى أثبتها الله لنفسه، فالذي يقحمك في الإثبات هو الذي يحملك على الجحود، فهذه مثل تلك في النفي والإثبات، فإذا كنت مؤمناً حقاً في قضية الإثبات والنفي خاصة فيما يتعلق في صفات الرب تبارك وتعالى، فلا تثبت شيئاً إلا ما أثبته الكتاب والسنة، ولا تنفي شيئاً إلا ما نفاه الكتاب والسنة؛ لأنك إذا اجترأت على إثبات ما لم يكن في الكتاب والسنة اجترأت على جحد ما ورد في الكتاب والسنة.
قال: [ فكما أعظمت ما جحده الجاحدون مما وصف من نفسه، فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف به الله تبارك وتعالى.
فقد والله عز المسلمون -أي: قل وندر- الذين يعرفون المعروف وبهم يعرف، وينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر، يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا في كتابه، وما بلغهم مثله عن نبيه، فما مرض من ذكر هذا وتسميته قلب مسلم، ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن.
وما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمي -أي: ما سمى الله- وما وصف الرب تعالى من نفسه وإن كان ذلك في خبر الآحاد ]. يعني: افرض أن هذه الصفة وردت في السنة فقط ولم ترد في الكتاب.
أنتم تعلمون أن صفة الأصابع لله عز وجل لم ترد في كتاب الله، وإنما وردت في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك صفة كف الله عز وجل، وصفة الأنامل لله عز وجل، إنما وردت في السنة، وأحاديثها آحاد، فشيخ الإسلام ابن تيمية يحسم في هذا الضبط: أن ما ذكر عن النبي عليه الصلاة والسلام مما سمى به ربه أو وصفه به فهو كالذي سمى الله تبارك وتعالى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه الكريم، فالسنة والقرآن سواء في قضية الإثبات والنفي، ولا يجوز لأحد أن يدعي بعد ذلك أن هذه الصفة لم ترد في كتاب الله، ولذلك أنا لا أثبتها.
قال: [ والراسخون في العلم الواقفون حيث انتهى علمهم ]. الذين يحترمون عقولهم ولا يخوضون بها في بحار لا يعلم مداها إلا الله عز وجل، ولا يتكلفون علم الغيب إلا ما أطلعهم الله عز وجل على بعض العلم من كتابه الكريم.
قال: [ الواصفون لربهم بما وصف من نفسه، التاركون لما ترك من ذكرها؛ لا ينكرون صفة ما سمي منها جحداً ]. أي: لا ينكرون ما وصف به نفسه. [ ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقاً ]. يعني: لا يتعمقون ويتحذقون ويتشدقون بإثبات شيء لله عز وجل من قبيل الأسماء والصفات، وأن الله لم يسم نفسه بهذا الاسم الذي تكلف به القوم ولا وصف نفسه بهذه الصفة.
ثم يتكلم كلاماً من نور لا شك فيه، فيقول: [ لأن الحق ترك ما ترك -أي: ترك ما ترك الله تعالى- وتسمية ما سمى ]. أي: نفي ما نفاه وإثبات ما أثبته [ ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ].
وذكر الإمام ابن تيمية أن هذا كلام ابن الماجشون ، فـابن تيمية لم يكن ليبتر هذا الكلام ثم ينسبه لقائله؛ لأن من أمانة العلم أن تنسب القول إلى قائله، وأعظم السرقة أن تسرق علم غيرك ثم لا تنسبه إليه.
قال: [ وهذا كله كلام ابن الماجشون الإمام فتدبره ]. مع أنه كلام ابن تيمية الذي يلهج به في كل كتبه.
قال: [ وانظر كيف أثبت الصفات ونفى علم الكيفية ]. أي: أثبت الصفات لأن الله أثبتها، ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام أثبتها؛ وانف الكيفية لأن الكيفية غيب لم يطلع الله عز وجل عليه أحد.
قال: [ وهو في ذلك وافق غيره من الأئمة، وكيف أنكر على من نفى الصفات بأنه يلزمهم من إثباتها كذا وكذا كما تقوله الجهمية؛ أنه يلزم أن يكون جسماً أو عرضاً فيكون محدثاً ]. يعني: ابن تيمية يستنكر أشد الاستنكار على المشبهة أو الممثلة الذين يقولون: إذا ثبت أن لله تبارك وتعالى يد، يلزم أن تكون يداً كيدي، أو أن له قدماً كقدمي، أو أن له نفساً كنفسي إلى آخر الصفات. هل الذي يقول بلزوم هذا يقول بأن ذات الله كذاته؟
الذي يقول: إن لله يداً كيدي، وساقاً كساقي، ونفساً كنفسي، وعيناً كعيني، يلزمه أن يقول: وذاتاً كذاتي، وهو لا يقول بهذا.
إذاً: لابد وأن يقول في الصفات كما يقول في الذات؛ لأن الكلام في الصفات إنما هو فرع وتصور عن الكلام في الذات، فالذي تقوله وتعتقده في الذات لابد وأن تثبته في الصفات، وما ضرك لو أنك فعلت كما فعل الأنبياء والمرسلون والحواريون أصحاب الأنبياء والتابعون لهم بإحسان: أن تثبت الصفة لله تبارك وتعالى على الوجه اللائق به سبحانه!
هذا الكلام الذي ذكره ابن الماجشون وذكره ابن تيمية كلام ينبغي أن يكتب بأحرف من نور؛ لأنه مجمل اعتقاد المسلم في ربه.
إن أهل السنة والجماعة ذهبوا مذهباً وسطاً بين الممثلة والمعطلة؛ فقد قالوا بإثبات ما أثبته الله لنفسه، وما أثبته له رسوله، ونفوا عن الله عز وجل ما نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسوله، وسكتوا عما سكت الله عنه ورسوله.
أما ما أثبتوه فإنهم يثبتونه على الوجه اللائق لله عز وجل، ولا يقولون: بأن الصفات الذاتية الخبرية لله عز وجل جارحة؛ والجارحة صفة عجز ونقص لا تليق إلا بالمخلوق، والله تبارك وتعالى هو الخالق.
هذا معتقدهم في جهة الإثبات والنفي، فهم في مقابلة الممثلة والمعطلة؛ لأن الممثلة قالوا: إن هذه الصفات لا نثبتها لله على الحقيقة، لأن إثباتها يستلزم المشابهة والمماثلة بين الخالق والمخلوق. والمعطلة قالوا: نحن ننزه الله تعالى أن يكون شخصاً أو أن يكون مثل خلقه، ولذلك نفوا عن الله عز وجل جميع الصفات. فقوم مثلوا صفة الخالق بالمخلوق، وقوم ذهبوا بزعمهم إلى التنزيه، فعطلوا الصفات، ولذلك لا أمل من ذكر الكلام المضيء لشيخ الإسلام ابن تيمية: (من عبد الله بالتمثيل فإنما يعبد صنماً، ومن عبد الله بالتعطيل فإنما يعبد عدماً).