هوأبو الطيب المتنبي هو أحمدُ بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، ولد سنة 303 هـ ،نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لانتماء لهم. عاش أفضل ايام حياته واكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان أحد أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، وظل شعره إلى اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء. وهو شاعرحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي. وتدور معظم قصائده حول مدح الملوك. ويقولون عنه بانه شاعر اناني ويظهر ذلك في اشعاره. قال الشعر صبياً. فنظم أول اشعاره وعمره 9 سنوات. اشتهر بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية باكراً. صاحب كبرياء وشجاع وطموح ومحب للمغامرات. وكان في شعره يعتز بعروبته، وتشاؤم وافتخار بنفسه، أفضل شعره في الحكمة وفلسفة الحياة ووصف المعارك، إذ جاء بصياغة قوية محكمة. إنه شاعر مبدع عملاق غزير الإنتاج يعد بحق مفخرة للأدب العربي، فهو صاحب الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. وجد الطريق أمامه أثناء تنقله مهيئاً لموهبته الشعرية الفائقة لدى الأمراء والحكام، إذ تدور معظم قصائده حول مدحهم. لكن شعره لا يقوم على التكلف والصنعة، لتفجر أحاسيسه وامتلاكه ناصية اللغة والبيان، مما أضفى عليه لوناً من الجمال والعذوبة. ترك تراثاً عظيماً من الشعر القوي الواضح، يضم 326 قصيدة، تمثل عنواناً لسيرة حياته، صور فيها الحياة في القرن الرابع الهجري أوضح تصوير، ويستدل منها كيف جرت الحكمة على لسانه
شعر المتنبي كان صورة صادقة لعصره، وحياته، فهو يحدثك عما كان في عصره من ثورات، واضطرابات، ويدلك على ما كان به من مذاهب، وآراء، ونضج العلم والفلسفة. كما يمثل شعره حياته المضطربة: فذكر فيه طموحه وعلمه، وعقله وشجاعته، وسخطه ورضاه، وحرصه على المال، كما تجلت القوة في معانيه، وأخيلته، وألفاظه، وعباراته.وقد تميز خياله بالقوة والخصابة فكانت ألفاظه جزلة، وعباراته رصينة، تلائم قوة روحه، وقوة معانيه، وخصب أخيلته، وهو ينطلق في عباراته انطلاقاً ولا يعنى فيها كثيراً بالمحسنات والصناعة.
المدح
اشتهر بالمديح، وأشهر من مدحهم سيف الدولة الحمداني وكافور الإخشيدي، ومدائحه في سيف الدولة وفي حلب تبلغ ثلث شعره او اكثر ، وقد استكبر عن مدح كثير من الولاة والقواد حتى في حداثته. ومن قصائده في مدح سيف الدولة:
وقفت وما في الموت شكٌّ لواقف *** كأنك في جفن الرَّدى وهو نائم
تمـر بك الأبطال كَلْمَى هزيمـةً *** ووجهك وضاحٌ ، وثغرُكَ باسم
تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى *** إلى قول قومٍ أنت بالغيب عالم
الوصف
أجاد المتنبي وصف المعارك والحروب البارزة التي دارت في عصره وخاصة في حضرة وبلاط سيف الدولة ، فكان شعره يعتبر سجلاً تاريخياً. كما أنه وصف الطبيعة، وأخلاق الناس، ونوازعهم النفسية، كما صور نفسه وطموحه. وقد قال يصف شِعب بوَّان، وهو منتزه بالقرب من شيراز :
لها ثمر تشـير إليك منـه *** بأَشربـةٍ وقفن بـلا أوان
وأمواهٌ يصِلُّ بها حصاهـا *** صليل الحَلى في أيدي الغواني
إذا غنى الحمام الوُرْقُ فيها *** أجابتـه أغـانيُّ القيـان
الفخر
لم ينسى المتنبي نفسه حين يمدح أو يهجو أو يرثى، ولهذا نرى روح الفخر شائعةً في شعره.
الهجاء
لم يكثر الشاعر من الهجاء. وكان في هجائه يأتي بحكم يجعلها قواعد عامة، تخضع لمبدأ أو خلق، وكثيراً ما يلجأ إلى التهكم، أو استعمال ألقاب تحمل في موسيقاها معناها، وتشيع حولها جو السخرية بمجرد الفظ بها، كما أن السخط يدفعه إلى الهجاء اللاذع في بعض الأحيان. وقال يهجو طائفة من الشعراء الذين كانوا ينفسون عليه مكانته:
أفي كل يوم تحت ضِبني شُوَيْعرٌ *** ضعيف يقاويني ، قصير يطاول
لساني بنطقي صامت عنه عادل *** وقلبي بصمتي ضاحكُ منه هازل
وأَتْعَبُ مَن ناداك من لا تُجيبه *** وأَغيظُ مَن عاداك مَن لا تُشاكل
وما التِّيهُ طِبِّى فيهم ، غير أنني *** بغيـضٌ إِلىَّ الجاهـل المتعاقِـل
الرثاء
للشاعر رثاء غلب فيه على عاطفته، وانبعثت بعض النظرات الفلسفية فيها. وقال يرثى جدته:
أحِنُ إلى الكأس التي شربت بها *** وأهوى لمثواها التراب وما ضمَّا
بكيتُ عليها خِيفة في حياتهـا *** وذاق كلانا ثُكْلَ صاحبه قِدما
أتاها كتابي بعد يأس وتَرْحَـة *** فماتت سروراً بي ، ومِتُ بها غمَّا
حرامٌ على قلبي السرور ، فإنني *** أَعُدُّ الذي ماتت به بعدها سُمَّا
الحكمة
اشتهر المتنبي بالحكمة وذهب كثير من أقواله مجرى الأمثال لأنه يتصل بالنفس الإنسانية، ويردد نوازعها وآلامها. ومن حكمه ونظراته في الحياة:
ومراد النفوس أصغر من أن *** نتعادى فيـه وأن نتـفانى
غير أن الفتى يُلاقي المنايـا *** كالحات ، ويلاقي الهـوانا
ولـو أن الحياة تبقـى لحيٍّ *** لعددنا أضلـنا الشجـعانا
وإذا لم يكن من الموت بُـدٌّ *** فمن العجز أن تكون جبانا
طوال قنا تطاعنها قصار ليالي بعد الظاعنين شكول ما اجدر الأيام والليالي عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم إلام طماعية العاذل الرأي قبل شجاعة الشجعان أوه بديل من قولتي واها غيري بأكثر هذا الناس ينخدع في الخد ان عزم الخليط رحيلا إثلث فإنا ايها الطلل مغاني الشعب طيبا في المغاني أود من الأيام مالا توده أجاب دمعي وما الداعي سوى طلل أمن ازديارك في الدجى الرقباء كفى بك داء ان ترى الموت شافيا أغالب فيك الشوق والشوق اغلب المتنبي أزائر يا خيال ام عائد المتنبي باد هواك صبرت ام لم تصبرا تذكرت ما بين العذيب وبارق بقائي شاء ليس هم ارتحالا
كان أبو الطيب وصل إلى مرحلة اليأس والقنوط والإحباط في مصر ، ودخل في مرحلة نفسية معتمةٍ ، فلا هو في العير ولا هو في النفير .. أهمل مجالسَ كافور ، فما عاد يتردد عليها ، وحين كان يطلب منه قصيدة مادحة كان الشاعر الحزين يرفض القول والنشيد فلا ينقاد للطلب .. وهجَر عِشرةَ الناس ، ولقاءَهم ، وصار ينفرد بذاته ، ويخلو بنفسه، ويجتر آلامه ، ويرسم الخطط التي تنقذه من هذا الشَّرَك الذي أوقعه به كافور .
وبدأ المرجل النفسي يغلي شيئاً فشيئاً ، ويضطرب ويزداد اضطراباً ، ثم راح يقذف بالزبد ، ويتعالى صوت جَيَشانه .. وقبل أن يطفح الكيل ، جاء إلى كافور وسأله صراحة عن وعده بحكم ضيعة أو ولاية أو أي مكان .. وبَيَّن له أنه ما قدِم إلى مصر إلا بعد أن اطمأنّ إلى وعوده البراقة . فأجابه كافور :
" أنت في حال الفقر وسوء الحال وعدم المعين سَمَتْ نفسك إلى النبوة ، فإن أصبتَ ولاية صار لك أتباع ، فمن يطيقك ؟ " .
وسواء أكان رد كافور عنيفاً أم لا ، فهذا لا أهمية له ، فلن يخدع الشاعر بعد الآن لقد كانت نقمته على الرجل الملوّن المخادع ، وخيبة أمله في انهيار مشاريعه عظيمتين .
ولم يخطئ كافور في تعرف نوايا أبي الطيب ، فقد أدرك حقيقة مشاعره نحوه ، وكان يعلم أنه سيفرُّ من الفسطاط عند سنوح أول فرصة ، وأنه سيعقب فراره بشعر هجائي وسخرية لاذعة ، فنشر الجواسيس يراقبون أبا الطيب ؛ وعرف المتنبي كل هذا ، فكظم غيظه وأخفى عواطفه وخططه
ويبدو أنه أتخذ لنفسه حراساً انتقاهم من عبيده الأشداء لمقاومة كل هجوم محتمل ، وكانت خطته زيادة في إمكانية نجاحها أن يغتنم فرصة احتفالات الناس بعيد الأضحى للخروج من الفسطاط ، وكان التاسع من شهر ذي الحجة ، وهو مناسبة تجري فيها مراسم واستعراضات ، تجلب جمهوراً كبيراً من الناس ، وهي خير فرصة للهرب والتخفي .
في اليوم التاسع من الشهر المذكور ، خرج المتنبي سراً من الفسطاط ، تتقدمه الإبل المحملة بالسلاح والأمتعة والزاد لعدة أيام ، وأغذَّ السير ، فاجتاز برزخ السويس ، ثمّ أوغل في صحراء التيه شمالي سيناء .
وتنبه القوم بسرعة إلى فراره ، فلم يستطيعوا اللحاق به ؛ وكان غيظ كافور شديداً جداً ، وأراد المتنبي بعد أن أصبح بعيداً وآمناً أن يشهَد الناس مرة واحدة– على الأقل ـ على الازدراء الذي يكنّه لسيده القديم ، وتولت أيدٍ أمينةٌ إيصالَ قصيدة هجائية مقذعة إلى الخصيِّ كافور ، ولكن العملية لم تنجح ، لأن كافوراً شكّ في محتواها ، فأمر بإحراقها ، ولم يقف على ما فيها .
مناسبة القصيدة: ورد في شرح أبي البقاء العكبري لديوان المتنبي والمسمى بالتبيان في شرح الديوان أن سيف الدولة سار نحو ثغر الحدث (الحدث: قلعة بناها سيف الدولة وهي في بلاد الروم)، وكان أهلها قد سلموها
بالأمان إلى الدمستق (صاحب جيش الروم)، فنزل بها سيف الدولة في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة، فبدأ في يومه، فحط الأساس، وحفر أوله بيده ابتغاء ما عند الله تعالى. فلمّا كان يوم الجمعة نازله ابن الفقاس دمستق النصراني في خمسين ألف فارس وراجل من جموع الروم والأرمن والبلغر والصقلب، ووقعت الوقعة يوم الاثنين، سلخ جمادى الآخرة، وأن سيف الدولة حمل بنفسه في نحو خمسمائة من غلمانه، فقصد موكبه، فهزمه وأظفر الله به، وقتل ثلاثة آلاف من مقاتلته، وأسر خلقاً كثيراً، فقتل بعضهم واستبقى بعضهم، وأسر تودس الأعور بطريق سمندو (في أول بلاد الروم)، وهو صهر الدمستق على ابنته، وأسر ابن الدمستق، وأقام على الحدث إلى أن بناها، ووضع بيده آخر شرافة منها يوم الثلاثاء آخر ثالث عشر ليلة خلت من رجب.
وفي هذا اليوم أنشد أبو الطيب هذه القصيدة (على قدر أهل العزم...) لسيف الدولة بالحدث.
وهذه القصيدة تتكون من ستة وأربعين بيتاً. وتعد هذه القصيدة من أعظم قصائد المتنبي التي قالها وهو بحضرة سيف الدولة، حيث تطرق فيها إلى ماهية الرجال القادة، وكيف استطاع سيف الدولة بناء هذه القلعة رغم ما يحيط به من أعداء، ووصف جيش الروم وما كان عليه من عدة وعتاد وهو مقبل نحو الحدث، ثم تطرق إلى ما حدث في المعركة وكيف كان موقف سيف الدولة وهو في وسط المعركة.. والمعروف أن المتنبي كان بجانب سيف الدولة وهو يخوض هذه المعركة.
عش من العيش ،وابق من البقاء ،واسم من السمو ،وسد من السيادة ،وقد من قود الجيش، أي قد الجيوش إلى أعدائك ،وجد من الجود ،ومر من الأمر ،وانه من النهى ؛أي كن صاحب أمر ونهى ،ورِ من الورى وهو داء في الجوف(هو قيح يأكل الجوف ويفسده) يقال وراه الله ،يريد أصب رئات أعدائك بأن توجعهم ،وفِ من الوفاء ،واسر بضم الراء من السرو وهو المروءة في سخاء ،وبكسرها من السرى وهو مشي الليل ؛أي اسرِ إلى أعدائك،ونل من النيل ،يقول :أسر إلى أعداءك وأدرك منهم إرادتك ..
أي غظ حسادك ،وارم ببأسك من يكيدك ويشنأك ،وصب من صبا السهم الهدف يصيبه صيبا لغة في أصاب: أي أصب أعدائك برميك ،واحم حوزتك ،واغز أعداءك ،واسب أولادهم ،ورع أعداءك أي أفزعهم ،وزع من وزعته أي كففته ؛أي كف بوقائعك مسلطهم ،ود من الدية أي تحمل الدية عمن تجب عليه ،ولِ من الولاية ،واثن أعداءك من مرادهم أي اصرفهم ،ونل من ناله ينوله إذا أعطاه ،وقيل النيل أي نل ما تبتغيه بسعدك وإقبالك .
سبتني فتـاة و هـذا حرام فـتـاة يبــاح لـديها غـرام وهذا لـديــهـا يعـد مــرام حــرام غرام مرام يــرام
نستطيع قراءتها افقيا وعموديا
ومنأبياته التي يمكن أن تغير فيها دون أن يتغير المعنى - وإن كان المتنبي نفسه لم يقصد ذلك فيما أحسب - قوله في وصف الأسد: يطأ الثرى مترفقاً من تيهه *** فكأنه آس يجس عليلا فالشطر الأول يمكن أن يكون: يطأ الثرى من تيهه مترفقا
من تيهه يطأ الثرى مترفقا من تيهه مترفقاً يطأ الثرى مترفقاً من تيهه يطأ الثرى مترفقاً يطأ الثرى من تيهه
قصيدة المتنبي التي سبب موته ومع ذكر سبب القتل
واحـر قلــــباه ممــن قلبــه شبــم **** ومن بجسمـي وحـالي عنده سقـم
مـــا لـي أكتم حبا قد برى جسدي **** وتدعي حب سيف الدولة الأمم
إن كــــان يجمعــنا حب لغرتــه **** فليت أنا بقدر الحــــب نقتســـم
قد زرته و سيوف الهند مغمـــدة **** وقد نظرت إليه و السيـوف دم
فكان أحسن خلــــق الله كلهـــم **** وكـان أحسن مافي الأحسن الشيم
فوت العــدو الذي يممـــته ظفر **** في طــيه أسف في طـــيه نعــــم
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت **** لك المهابــــــة مالا تصنع البهم
ألزمت نفسك شيــــئا ليس يلزمها ****أن لا يواريـهم بحر و لا علم
أكلــما رمت جــيشا فانثنى هربا **** تصرفت بك في آثاره الهمــم
عليك هــــزمهم في كل معتـرك **** و ما عليــك بهم عار إذا انهزموا
أما ترى ظفرا حلوا سوى ظفر**** تصافحت فيه بيض الهندو اللمم
يا أعدل الناس إلا في معــاملتي **** فيك الخصام و أنت الخصم والحكم
أعيذها نظـــرات منك صادقـــة **** أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع اخي الدنيا بناظـــره ****إذا استـــوت عنده الأنوار و الظلم
سيعلـم الجمع ممن ضم مجلسنا **** باننــي خير من تسعى به قـــــدم
انا الذي نظر العمى إلى ادبــي **** و أسمعـت كلماتي من به صمــم
انام ملء جفوني عن شواردها **** ويسهر الخلق جراها و يختصم
و جـــاهل مده في جهله ضحكي **** حتى اتتــــه يــد فراســة و فم
إذا رايـــت نيوب الليــث بارزة **** فلا تظنـــن ان الليــث يبتســم
و مهجـة مهجتي من هم صاحبها **** أدركتـــه بجواد ظهره حـــرم
رجلاه في الركض رجل و اليدان يد **** وفعلـــه ماتريد الكف والقدم
ومرهف سرت بين الجحفليـــن به **** حتى ضربت و موج الموت يلتطم
الخيل والليل والبيــداء تعرفنــــي **** والسيف والرمح والقرطاس و القلم
صحبـت في الفلوات الوحش منفردا ****حتى تعجـــب مني القور و الأكــم
يــــا من يعز عليـــنا ان نفارقهـــم **** وجداننـا كل شيء بعدكم عــدم
مــا كان أخلقــنا منكم بتكـــرمة **** لـو ان أمــركم من أمرنـا أمــم
إن كــان سركـم ما قال حاسدنا **** فما لجـــرح إذا أرضاكـــم ألــم
و بينــنا لو رعيتم ذاك معرفــة **** غن المعـارف في اهل النهـى ذمم
كم تطلبـــون لنا عيبـا فيعجزكم **** و يكره الله ما تأتون والكــرم
ما أبعد العيب و النقصان عن شرفي **** أنا الثـــريا و ذان الشيب و الهرم
ليـت الغمام الذي عندي صواعقه **** يزيلهـن إلى من عنـده الديــم
أرى النوى تقتضينني كل مرحلة **** لا تستقـل بها الوخادة الرسـم
لئن تركـن ضميرا عن ميامننا **** ليحدثن لمـن ودعتهــم نـدم
إذا ترحلت عن قـوم و قد قـدروا **** أن لا تفارقهم فالـراحلون هــم
شــر البلاد مكان لا صــديق بــه **** و شر ما يكسب الإنسان ما يصم
و شـر ما قنصته راحتي قنص **** شبه البزاة سواء فيه و الرخم
بأي لفظ تقـول الشعــر زعنفة **** تجـوز عندك لا عــرب ولا عجم
هذا عـتابـك إلا أنـه مقـة **** قـد ضمـن الدر إلا أنه كلم
قد يجهل الكثيرين سبب موت مالئ الدنيا
وشاغل الناس أبو الطيب المتنبي وأنه مات مقتولاً
ومن يعرف سبب موته قد لا يعرف تفاصيل ذلك أو حيثياته
أذكر في المراحل الدراسية كنا نعرف أن أبي الطيب هو الشاعر الذي قتله بيت شعر قاله ويأتي ذلك في المسابقات والنشاطات المدرسية
وبيت الشعر هو
الخيلُ والليلُ والبيـداءُ تعرفنـيوالسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
لكن الحقيقة هي أن قصيدة كاملة تسببت في موت أبي الطيب وإن كان بيت الشعر السابق سببا آخر لكنه ليس سببا رئيساً
والقصيدة معروفة ومشهورة ومطلعا
ما أنصفَ القومُ ضبّة فما قصة مقتله ؟
كان ضبة بن يزيد العتبي غداراً بكل من نزل به وكان بذيء اللسان ، خرج مع عائلته يوماً فاعترضه قوم من بني كلاب فقتلوا أباه وسبوا أمه وفسقوا بها
وكان أبو الطيب المتنبي قد مر بضبة مع جماعة من أهل الكوفة فأقبل ضبة يجاهر بشتمهم وسبهم
فأراد رفاق المتنبي الرد عليه بمثل ألفاظه القبيحة فطلبوا من أبي الطيب ذلك فقال قصيدته التي مطلعها
ما أنصفَ القومُ ضبّة
ونذكر منها أبياتاً عدة ونترك الباقي لما فيها من أبشع الألفاظ وأقذع العبارات ، وهي :
ما أنصف القومُ ضبّة وأمـه الطرطـبّـة
فلا بمن مات فخـرٌ ولا بمن عاش رغبة
و إنما قلت ما قلـ ترحمـة لا محـبـة
و حيلة لـك حتـى عذرت لو كنت تيبه
و ما عليك من القتل إنمـا هـي ضربـة
و ما عليك من الغدر إنمـا هـو سـبـة
وقد جاء فيها كلاماً بذيئاً وفحشاً مذكراً إياه ما حصل له مع الأعراب من اعتراضهم له وفسقهم بأمه
وقد احتوت القصيدة من أبشع الألفاظ والعبارات ما جعل المتنبي ينكر إنشادها كما قال الواحدي أحد شرّاح ديوان المتنبي
علم فاتك بن أبي الجهل الأسدي ( خال ضبة ) بالقصيدة فغضب عند سماعها وأراد الإنتقام لأخته وابنها ضبة فاعترض لأبي الطيب وهو في طريقه إلى بغداد فالكوفة وواجهه بنحو 30 من رجاله وقيل 60 فقاتله المتنبي حتى قتل هو وابنه محسّد وعدد ممن كانوا معه
وقد قيل إن أبا الطيب لما رأى كثرة رجال فاتك وأحس بالغلبة لهم أراد الفرار فقال له غلام له : لا يتحدث الناس عنك بالفرار وأنت القائل
فالخيلُ والليلُ والبيـداءُ تعرفنـيوالسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
فكر راجعاً وقاتل حتى قتل سنة 354 هـ
هذه هي قصة مقتل أبي الطيب المتنبي كما جاءت في كتب الأدب والتاريخ والشعر والتراجم
....
..
.