بسم اله الرحمن الرحيم
تنبيه هام على كذب الوصية
المنسوبة للشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف.
للشيخ :عبد العزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله
من عبد العزيز بن عبدالله بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين، حفظهم الله بالإسلام، وأعاذنا وإياهم من شر مفتريات الجهلة الطغام آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد اطلعت على كلمة منسوبة إلى الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف بعنوان: ( هذه وصية من المدينة المنورة عن الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف )
قال فيها: ( كنت ساهراً ليلة الجمعة، أتلو القرآن الكريم، وبعد قراءة أسماء الله الحسنى، فلما فرغت من ذلك تهيأت للنوم، فرأيت
صاحب الطلعة البهية رسول الله
والذي أتى بالآيات القرآنية والأحكام الشريفة، رحمة بالعالمين سيدنا محمد
، فقال: ( يا
شيخ أحمد )، قلت: ( لبيك يا رسول الله، يا أكرم خلق الله )، فقال لي: ( أنا خجلان من أفعال الناس القبيحة، ولم أقدر أن أقابل ربي،
ولا الملائكة؛ لأن من الجمعة إلى الجمعة مات مائة وستون ألفاً على غير دين الإسلام )، ثم ذكر بعض ما وقع فيه الناس من المعاصي،
ثم قال: ( فهذه الوصية رحمة بهم من العزيز الجبار )، ثم ذكر بعض أشراط الساعة إلى أن قال: ( فأخبرهم يا شيخ أحمد بهذه
الوصية؛ لأنها منقولة بقلم القدر من اللوح المحفوظ، ومن يكتبها ويرسلها من بلد إلى بلد، ومن محل إلى محل بني له قصر في
الجنة، ومن لم يكتبها ويرسلها حرمت عليه شفاعتي يوم القيامة، ومن كتبها وكان فقيراً أغناه الله، أو كان مديوناً قضى الله دينه أو
عليه ذنب غفر الله له ولوالديه ببركة هذه الوصية، ومن لم يكتبها من عباد الله اسود وجهه في الدنيا والآخرة )، وقال: ( والله العظيم
- ثلاثاً - هذه حقيقة، وإن كنت كاذباً أخرج من الدنيا على غير الإسلام، ومن يصدق بها ينجو من عذاب النار، ومن كذب بها كفر ).
هذه خلاصة ما في هذه الوصية المكذوبة على رسول الله
، ولقد سمعنا هذه الوصية المكذوبة مرات كثير منذ سنوات متعددة تنشر
بين الناس فيما بين وقت وآخر، وتروج بين الكثير من العامة، وفي ألفاظها اختلاف، وكاذبها يقول: إنه رأى النبي
في النوم فحمله
هذه الوصية، وفي هذه النشرة الأخيرة التي ذكرناها لك أيها القارئ زعم المفتري فيها أنه رأى النبي
حين تهيأ للنوم لا في النوم،
فالمعنى أنه رآه يقظة، وزعم هذا المفتري في هذه الوصية أشياء كثيرة هي من أوضح الكذب وأبين الباطل، سأنبهك عليها قريباً في
هذه الكلمة - إن شاء الله - ولقد نبهت عليها في السنوات الماضية، وبينت للناس أنها من أوضح الكذب وأبين الباطل، فلما اطلعت على
هذه النشرة الأخيرة ترددت في الكتابة عنها لظهور بطلانها وعظم جرأة مفتريها على الكذب، وما كنت أظن أن بطلانها يروج على من
له أدنى بصيرة أو فطرة سليمة، ولكن أخبرني كثير من الإخوان أنها قد راجت على كثير من الناس، وتداولوها بينهم وصدقها
بعضهم، فمن أجل ذلك رأيت أنه يتعين على أمثالي الكتابة عنها؛ لبيان بطلانها، وأنها مفتراة على رسول الله
؛ حتى لا يغتر بها
أحد، ومن تأملها من ذوي العلم والإيمان وذوي الفطرة السليمة، والعقل الصحيح عرف أنها كذب وافتراء من وجوه كثيرة، ولقد
سألت بعض أقارب الشيخ أحمد المنسوبة إليه هذه الفرية، عن هذه الوصية، فأجابني بأنها مكذوبة على الشيخ أحمد، وأنه لم يقلها
أصلاً، والشيخ أحمد المذكور، قد مات من مدة، ولو فرضنا أن الشيخ أحمد المذكور أو من هو أكبر منه زعم أنه رأى النبي
في
النوم أو اليقظة، وأوصاه بهذه الوصية لعلمنا يقيناً أنه كاذب، أو الذي قال له ذلك شيطان وليس هو الرسول
لوجوه كثيرة.
منها: أن الرسول
لا يرى في اليقظة بعد وفاته
، ومن زعم من جهلة الصوفية أنه يرى النبي
في اليقظة، أو أنه يحضر
المولد، أو ما أشبه ذلك، فقد غلط أقبح الغلط ولبس عليه غاية التلبيس، ووقع في خطأ عظيم، وخالف الكتاب والسنة وإجماع أهل
العلم؛ لأن الموتى إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة لا في الدنيا، كما قال الله سبحانه وتعالى:
ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ
[المؤمنون:16،15] فأخبر سبحانه أن بعث الأموات يكون يوم القيامة لا في الدنيا، ومن قال خلاف ذلك
فهو كاذب كذباً بيناً، أو غالط ملبس عليه، لم يعرف الحق الذي عرفه السلف الصالح، ودرج عليه أصحاب الرسول
وأتباعهم
بإحسان.
الوجه الثاني: أن الرسول
لا يقول خلاف الحق لا في حياته ولا في وفاته، وهذه الوصية تخالف شريعته مخالفة ظاهرة، من وجوه
كثيرة كما يأتي وهو
قد يُرى في النوم، ومن رآه في المنام على صورته الشريفة فقد رآه؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورته، كما
جاء بذلك الحديث الصحيح الشريف، ولكن الشأن كل الشأن في إيمان الرائي، وصدقه، وعدالته، وضبطه، وديانته، وأمانته، وهل
رأى النبي
في صورته أو غيرها، ولو جاء عن النبي
حديث قاله في حياته، من غير طريق الثقات العدول الضابطين لم يعتمد
عليه، ولم يحتج به، أو جاء عن طريق الثقات الضابطين ولكنه يخالف رواية من هو أحفظ منهم، وأوثق مخالفة لا يمكن معه الجمع
بين الروايتين، لكان أحدهما منسوخاً لا يُعمل به، والثاني ناسخ يُعمل به، حيث أمكن ذلك بشروطه، وإذا لم يمكن ذلك ولم يمكن
الجمع وجب أن تطرح رواية من هو أقل حفظ وأدنى عدالة والحكم عليها بأنها شاذة لا يعمل بها، فكيف بوصية لا يعرف صاحبها،
الذي نقلها عن رسول الله، ولا تعرف عدالته وأمانته، فهي والحالة هذه حقيقة بأن تطرح، ولا يلتفت إليها، وإن لم يكن فيها شيء
يخالف الشرع، فكيف إذا كانت الوصية مشتملة على أمور كثيرة تدل على بطلانها، وأنها مكذوبة على رسول الله
ومتضمنة
لتشريع دين لم يأذن به الله، وقد قال النبي
: { من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار}، وقد قال مفتري هذه الوصية على
رسول الله
ما لم يقل، وكذب عليه كذباً صريحاً خطيراً، فما أحراه بهذا الوعيد العظيم وما أحقه به أن يبادر بالتوبة، وينشر للناس أنه
قد كذب هذه الوصية على رسول الله
؛ لأن من نشر باطلاً بين الناس ونسبه إلى الدين لم تصح توبته منه إلا بإعلانها وإظهارها؛
حتى يعلم الناس رجوعه عن كذبه، وتكذيبه لنفسه؛ لقول الله عز وجل:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا
بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ
[البقرة:160،159] فأوضح الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن من كتم شيئاً من الحق، لم تصح توبته من ذلك إلا
بعد الإصلاح والتبيين، والله سبحانه قد أكمل لعباده، وأتم عليهم النعمة ببعث رسوله محمد
، وما أوحى الله إليه من الشرع
الكامل، ولم يقبضه إليه إلا بعد الإكمال والتبيين كما قال عز وجل:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ
دِيناً
[المائدة:3].
ومفتري هذه الوصية قد جاء في القرن الرابع عشر يريد أن يلبس على الناس دينهم، ويشرع لهم ديناً جديداً، يترتب عليه دخول الجنة
لمن أخذ بتشريعه، وحرمان الجنة ودخول النار لمن لم يأخذ بتشريعه، ويريد أن يجعل هذه الوصية التي افتراها أعظم من
القرآن وأفضل حيث افترى فيها: ( أن من كتبها وأرسلها من بلد إلى بلد، أو من محل إلى محل بني له قصر في الجنة، ومن لم يكتبها
ويرسلها حرمت عليه شفاعة النبي
يوم القيامة )، وهذا من أقبح الكذب ومن أوضح الدلائل على كذب هذه الوصية وقلة حياء
مفتريها وعظم جرأته على الكذب؛ لأن من كتب القرآن الكريم وأرسله من بلد إلى بلد، أو من محل إلى محل، لم يحصل له هذا
الفضل إذا لم يعمل بالقرآن، فكيف يحصل لكاتب هذه الفرية وناقلها من بلد إلى بلد؟ ومن لم يكتب القرآن ولم يرسله من بلد إلى بلد، لم
يُحرم شفاعة النبي
إذا كان مؤمناً به، تابعاً لشريعته، وهذه الفرية الواحدة في هذه الوصية، تكفي وحدها للدلالة على بطلانها،
وكذب ناشرها، ووقاحته، وغباوته، وبعده عن معرفة ما جاء به رسول الله
من الهدى، وفي هذه الوصية سوى ما ذكر أمور
أخرى، كلها تدل على بطلانها وكذبها، ولو أقسم، مفتريها ألف قسم أو أكثر على صحتها، ولو دعا على نفسه بأعظم العذاب وأشد
النكال، على أنه صادق لم يكن صادقاً، ولم تكن صحيحة، بل هي والله ثم والله من أعظم الكذب وأقبح الباطل، ونحن نُشهد الله
سبحانه، ومن حضرنا من الملائكة، ومن اطلع على هذه الكتابة من المسلمين، شهادة نلق بها ربنا عز وجل، أن هذه الوصية كذب
وافتراء على رسول الله
أخزى الله من كذبها، وعامله بما يستحق، ويدل على كذبها وبطلانها، سوى ما تقدم أمور كثيرة
الأول منها قوله فيها:
( لأن من الجمعة إلى الجمعة مات مائة وستون ألفاً على غير دين الإسلام ) لأن هذا من علم الغيب، والرسول
قد انقطع عنه
الوحي بعد وفاته وهو في حياته لا يعلم الغيب فكيف بعد وفاته؟ لقوله سبحانه:
قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ
[الأنعام:50] الآية. وقوله تعالى:
قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ
[النمل:65]، في الحديث الصحيح عن النبي
أنه قال: { يذاد رجال عن حوضي يوم القيامة، فأقول يا رب أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول
كما قال العبد الصالح:
وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
[المائدة:117] }.
الثاني: من الأمور الدالة على بطلان هذه الوصية وأنها كذب، قوله فيها: ( من كتبها وكان فقيراً أغناه الله، أو مديوناً قضى الله دينه، أو
عليه ذنب غفر الله ولوالديه ببركة هذه الوصية ) إلى آخره، وهذا من أعظم الكذب، وأوضح الدلائل على كذب مفتريها، وقلة حيائه
من الله ومن عباده؛ لأن هذه الأمور الثلاثة لا تحصل بمجرد كتب القرآن الكريم فكيف تحصل لمن كتب هذه الوصية الباطلة؟ وإنما
يريد هذا الخبيث التلبيس على الناس وتعليقهم بهذه الوصية حتى يكتبوها ويتعلقوا بهذا الفضل المزعوم، ويدعوا الأسباب التي
شرعها الله لعباده، وجعلها موصلة إلى الغنى وقضاء الدين ومغفرة الذنوب، فنعوذ بالله من أسباب الخذلان، وطاعة الهوى والشيطان.
الأمر الثالث: من الأمور الدالة على بطلان هذه الوصية، قوله فيها: ( ومن لم يكتبها من عباد الله اسودّ وجهه في الدنيا والآخرة ) وهذه
أيضاً من أقبح الكذب، ومن أبين الأدلة على بطلان هذه الوصية، وكذب مفتريها، كيف يجوز في عقل عاقل، أن يكتب هذه الوصية
التي جاء بها رجل مجهول في القرن الرابع عشر، يفتريها على رسول الله
ويزعم أن من لم يكتبها يسودّ وجهه في الدنيا
والآخرة، ( ومن كتبها كان غنياً بعد فقر، وسليماً من الدين بعد تراكمه عليه، ومغفوراً له ما جناه من الذنوب؟! ) سبحانك هذا
بهتان عظيم! وأن الأدلة والواقع يشهدان بكذب هذا المفتري، وعظم جرأته على الله، وقلة حيائة من الله ومن الناس، فهؤلاء أمم كثيرة
لم يكتبوها فلم تسودّ وجوههم، وهاهنا جمع غفير لايحصيهم إلا الله قد كتبوها مرات كثيرة فلم يقض دينهم، ولم يزل فقرهم، فنعوذ بالله
من زيغ القلوب، ورين الذنوب، وهذه صفات وجزاءات لم يأت بها الشرع الشرف لمن كتب أفضل كتاب، وأعظمه وهو القرآن الكريم،
فكيف تحصل لمن كتب وصية مكذوبة مشتملة على أنواع الباطل، وجمل كثيرة، من أنواع الكفر؟! سبحان الله ما أحلمه على من اجترأ
عليه بالكذب.
الأمر الرابع: من الأمور الدالة على أن هذه الوصية من أبطل الباطل، وأوضح الكذب، قوله فيها: ( ومن يصدق بها ينجو من
عذاب النار، ومن كذب بها كفر ) وهذا أيضاً من أعظم الجرأة على الكذب ومن أقبح الباطل، يدعو هذا المفتري جميع الناس إلى أن
يصدقوا بفريته، ويزعم أنهم بذلك ينجون من عذاب النار، ( وأن من كذب بها يكفر )، لقد أعظم والله هذا الكذاب على الله الفرية،
وقال: ( من كذّب بها )، لأنها فرية وباطل وكذب لا أساس له من الصحة، ونحن نشهد الله على أنها كذب، وأن مفتريها كذّاب، يريد
أن يشرع للناس ما لم يأذن به الله، و يدخل في دينهم ما ليس منه، واللهُ قد أكمل الدين، وأتمه لهذه الأمة، من قبل هذه الفرية بأربعة
عشر قرناً.
فانتبهوا أيها القراء والإخوان، وإياكم والتصديق بأمثال هذه المفتريات، وأن يكون لها رواج فيما بينكم، فإن الحق عليه نور لا
يلتبس على طالبه، فأطلبوا الحق بدليله، واسألوا أهل العلم عمَّا أشكل عليكم، ولا تغتروا بحلق الكذابين، فقد حلف إبليس اللعين
لأبويكم آدم وحواء على أنه لهما من الناصحين، وهو أعظم الخائنين وأكذب الكذرَّابين، كما حكى الله عنه ذلك في سورة
الأعراف حيث قال سبحانه:
وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ
[الأعراف:21] فاحذروه، واحذروا أتباعه من المفترين، فكم له
ولهم من الأيمان الكاذبة، والعهود الغادرة والأقوال المزخرفة للإغواء والتضليل، عصمني الله وإياكم وسائر المسلمين من شر
الشياطين، وفتن المضلين، وزيغ الزائغين، وتلبيس أعداء الله المبطلين، الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويلبسوا على
الناس دينهم، والله متم نوره، وناصر دينه، ولو كره أعداء الله من الشيطان وأتباعهم من الكفار والملحدين.
وأما ما ذكره هذا المفتري من ظهور المنكرات، فهو أمر واقع، والقرآن الكريم والسنة المطهرة قد حذّرا منها غاية التحذير، وفيهما
الهداية والكفاية، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمن عليهم باتباع الحق، والاستقامة عليه، والتوبة إلى الله سبحانه من
سائر الذنوب، فإنه التواب الرحيم والقادر على كل شيء.
وأما ما ذكر عن أشراط الساعة، فقد أوضحت الأحاديث النبوية ما يكون من أشراط الساعة، وأشار القرآن الكريم إلى بعض ذلك، فمن
أراد أن يعلم ذلك وجده في محله من كتب السنة، ومؤلفات أهل العلم والإيمان، وليس بالناس حاجة إلى بيان مثل هذا المفتري
وتلبيسه ومزجه الحق بالباطل، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين
تنبيه هام على كذب الوصية
المنسوبة للشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف.
للشيخ :عبد العزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله
من عبد العزيز بن عبدالله بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين، حفظهم الله بالإسلام، وأعاذنا وإياهم من شر مفتريات الجهلة الطغام آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد اطلعت على كلمة منسوبة إلى الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف بعنوان: ( هذه وصية من المدينة المنورة عن الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف )
قال فيها: ( كنت ساهراً ليلة الجمعة، أتلو القرآن الكريم، وبعد قراءة أسماء الله الحسنى، فلما فرغت من ذلك تهيأت للنوم، فرأيت
صاحب الطلعة البهية رسول الله
شيخ أحمد )، قلت: ( لبيك يا رسول الله، يا أكرم خلق الله )، فقال لي: ( أنا خجلان من أفعال الناس القبيحة، ولم أقدر أن أقابل ربي،
ولا الملائكة؛ لأن من الجمعة إلى الجمعة مات مائة وستون ألفاً على غير دين الإسلام )، ثم ذكر بعض ما وقع فيه الناس من المعاصي،
ثم قال: ( فهذه الوصية رحمة بهم من العزيز الجبار )، ثم ذكر بعض أشراط الساعة إلى أن قال: ( فأخبرهم يا شيخ أحمد بهذه
الوصية؛ لأنها منقولة بقلم القدر من اللوح المحفوظ، ومن يكتبها ويرسلها من بلد إلى بلد، ومن محل إلى محل بني له قصر في
الجنة، ومن لم يكتبها ويرسلها حرمت عليه شفاعتي يوم القيامة، ومن كتبها وكان فقيراً أغناه الله، أو كان مديوناً قضى الله دينه أو
عليه ذنب غفر الله له ولوالديه ببركة هذه الوصية، ومن لم يكتبها من عباد الله اسود وجهه في الدنيا والآخرة )، وقال: ( والله العظيم
- ثلاثاً - هذه حقيقة، وإن كنت كاذباً أخرج من الدنيا على غير الإسلام، ومن يصدق بها ينجو من عذاب النار، ومن كذب بها كفر ).
هذه خلاصة ما في هذه الوصية المكذوبة على رسول الله
بين الناس فيما بين وقت وآخر، وتروج بين الكثير من العامة، وفي ألفاظها اختلاف، وكاذبها يقول: إنه رأى النبي
هذه الوصية، وفي هذه النشرة الأخيرة التي ذكرناها لك أيها القارئ زعم المفتري فيها أنه رأى النبي
فالمعنى أنه رآه يقظة، وزعم هذا المفتري في هذه الوصية أشياء كثيرة هي من أوضح الكذب وأبين الباطل، سأنبهك عليها قريباً في
هذه الكلمة - إن شاء الله - ولقد نبهت عليها في السنوات الماضية، وبينت للناس أنها من أوضح الكذب وأبين الباطل، فلما اطلعت على
هذه النشرة الأخيرة ترددت في الكتابة عنها لظهور بطلانها وعظم جرأة مفتريها على الكذب، وما كنت أظن أن بطلانها يروج على من
له أدنى بصيرة أو فطرة سليمة، ولكن أخبرني كثير من الإخوان أنها قد راجت على كثير من الناس، وتداولوها بينهم وصدقها
بعضهم، فمن أجل ذلك رأيت أنه يتعين على أمثالي الكتابة عنها؛ لبيان بطلانها، وأنها مفتراة على رسول الله
أحد، ومن تأملها من ذوي العلم والإيمان وذوي الفطرة السليمة، والعقل الصحيح عرف أنها كذب وافتراء من وجوه كثيرة، ولقد
سألت بعض أقارب الشيخ أحمد المنسوبة إليه هذه الفرية، عن هذه الوصية، فأجابني بأنها مكذوبة على الشيخ أحمد، وأنه لم يقلها
أصلاً، والشيخ أحمد المذكور، قد مات من مدة، ولو فرضنا أن الشيخ أحمد المذكور أو من هو أكبر منه زعم أنه رأى النبي
النوم أو اليقظة، وأوصاه بهذه الوصية لعلمنا يقيناً أنه كاذب، أو الذي قال له ذلك شيطان وليس هو الرسول
منها: أن الرسول
المولد، أو ما أشبه ذلك، فقد غلط أقبح الغلط ولبس عليه غاية التلبيس، ووقع في خطأ عظيم، وخالف الكتاب والسنة وإجماع أهل
العلم؛ لأن الموتى إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة لا في الدنيا، كما قال الله سبحانه وتعالى:
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ
فهو كاذب كذباً بيناً، أو غالط ملبس عليه، لم يعرف الحق الذي عرفه السلف الصالح، ودرج عليه أصحاب الرسول
بإحسان.
الوجه الثاني: أن الرسول
كثيرة كما يأتي وهو
جاء بذلك الحديث الصحيح الشريف، ولكن الشأن كل الشأن في إيمان الرائي، وصدقه، وعدالته، وضبطه، وديانته، وأمانته، وهل
رأى النبي
عليه، ولم يحتج به، أو جاء عن طريق الثقات الضابطين ولكنه يخالف رواية من هو أحفظ منهم، وأوثق مخالفة لا يمكن معه الجمع
بين الروايتين، لكان أحدهما منسوخاً لا يُعمل به، والثاني ناسخ يُعمل به، حيث أمكن ذلك بشروطه، وإذا لم يمكن ذلك ولم يمكن
الجمع وجب أن تطرح رواية من هو أقل حفظ وأدنى عدالة والحكم عليها بأنها شاذة لا يعمل بها، فكيف بوصية لا يعرف صاحبها،
الذي نقلها عن رسول الله، ولا تعرف عدالته وأمانته، فهي والحالة هذه حقيقة بأن تطرح، ولا يلتفت إليها، وإن لم يكن فيها شيء
يخالف الشرع، فكيف إذا كانت الوصية مشتملة على أمور كثيرة تدل على بطلانها، وأنها مكذوبة على رسول الله
لتشريع دين لم يأذن به الله، وقد قال النبي
رسول الله
قد كذب هذه الوصية على رسول الله
حتى يعلم الناس رجوعه عن كذبه، وتكذيبه لنفسه؛ لقول الله عز وجل:
بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ
بعد الإصلاح والتبيين، والله سبحانه قد أكمل لعباده، وأتم عليهم النعمة ببعث رسوله محمد
الكامل، ولم يقبضه إليه إلا بعد الإكمال والتبيين كما قال عز وجل:
دِيناً
ومفتري هذه الوصية قد جاء في القرن الرابع عشر يريد أن يلبس على الناس دينهم، ويشرع لهم ديناً جديداً، يترتب عليه دخول الجنة
لمن أخذ بتشريعه، وحرمان الجنة ودخول النار لمن لم يأخذ بتشريعه، ويريد أن يجعل هذه الوصية التي افتراها أعظم من
القرآن وأفضل حيث افترى فيها: ( أن من كتبها وأرسلها من بلد إلى بلد، أو من محل إلى محل بني له قصر في الجنة، ومن لم يكتبها
ويرسلها حرمت عليه شفاعة النبي
مفتريها وعظم جرأته على الكذب؛ لأن من كتب القرآن الكريم وأرسله من بلد إلى بلد، أو من محل إلى محل، لم يحصل له هذا
الفضل إذا لم يعمل بالقرآن، فكيف يحصل لكاتب هذه الفرية وناقلها من بلد إلى بلد؟ ومن لم يكتب القرآن ولم يرسله من بلد إلى بلد، لم
يُحرم شفاعة النبي
وكذب ناشرها، ووقاحته، وغباوته، وبعده عن معرفة ما جاء به رسول الله
أخرى، كلها تدل على بطلانها وكذبها، ولو أقسم، مفتريها ألف قسم أو أكثر على صحتها، ولو دعا على نفسه بأعظم العذاب وأشد
النكال، على أنه صادق لم يكن صادقاً، ولم تكن صحيحة، بل هي والله ثم والله من أعظم الكذب وأقبح الباطل، ونحن نُشهد الله
سبحانه، ومن حضرنا من الملائكة، ومن اطلع على هذه الكتابة من المسلمين، شهادة نلق بها ربنا عز وجل، أن هذه الوصية كذب
وافتراء على رسول الله
الأول منها قوله فيها:
( لأن من الجمعة إلى الجمعة مات مائة وستون ألفاً على غير دين الإسلام ) لأن هذا من علم الغيب، والرسول
الوحي بعد وفاته وهو في حياته لا يعلم الغيب فكيف بعد وفاته؟ لقوله سبحانه:
[الأنعام:50] الآية. وقوله تعالى:
كما قال العبد الصالح:
[المائدة:117] }.
الثاني: من الأمور الدالة على بطلان هذه الوصية وأنها كذب، قوله فيها: ( من كتبها وكان فقيراً أغناه الله، أو مديوناً قضى الله دينه، أو
عليه ذنب غفر الله ولوالديه ببركة هذه الوصية ) إلى آخره، وهذا من أعظم الكذب، وأوضح الدلائل على كذب مفتريها، وقلة حيائه
من الله ومن عباده؛ لأن هذه الأمور الثلاثة لا تحصل بمجرد كتب القرآن الكريم فكيف تحصل لمن كتب هذه الوصية الباطلة؟ وإنما
يريد هذا الخبيث التلبيس على الناس وتعليقهم بهذه الوصية حتى يكتبوها ويتعلقوا بهذا الفضل المزعوم، ويدعوا الأسباب التي
شرعها الله لعباده، وجعلها موصلة إلى الغنى وقضاء الدين ومغفرة الذنوب، فنعوذ بالله من أسباب الخذلان، وطاعة الهوى والشيطان.
الأمر الثالث: من الأمور الدالة على بطلان هذه الوصية، قوله فيها: ( ومن لم يكتبها من عباد الله اسودّ وجهه في الدنيا والآخرة ) وهذه
أيضاً من أقبح الكذب، ومن أبين الأدلة على بطلان هذه الوصية، وكذب مفتريها، كيف يجوز في عقل عاقل، أن يكتب هذه الوصية
التي جاء بها رجل مجهول في القرن الرابع عشر، يفتريها على رسول الله
والآخرة، ( ومن كتبها كان غنياً بعد فقر، وسليماً من الدين بعد تراكمه عليه، ومغفوراً له ما جناه من الذنوب؟! ) سبحانك هذا
بهتان عظيم! وأن الأدلة والواقع يشهدان بكذب هذا المفتري، وعظم جرأته على الله، وقلة حيائة من الله ومن الناس، فهؤلاء أمم كثيرة
لم يكتبوها فلم تسودّ وجوههم، وهاهنا جمع غفير لايحصيهم إلا الله قد كتبوها مرات كثيرة فلم يقض دينهم، ولم يزل فقرهم، فنعوذ بالله
من زيغ القلوب، ورين الذنوب، وهذه صفات وجزاءات لم يأت بها الشرع الشرف لمن كتب أفضل كتاب، وأعظمه وهو القرآن الكريم،
فكيف تحصل لمن كتب وصية مكذوبة مشتملة على أنواع الباطل، وجمل كثيرة، من أنواع الكفر؟! سبحان الله ما أحلمه على من اجترأ
عليه بالكذب.
الأمر الرابع: من الأمور الدالة على أن هذه الوصية من أبطل الباطل، وأوضح الكذب، قوله فيها: ( ومن يصدق بها ينجو من
عذاب النار، ومن كذب بها كفر ) وهذا أيضاً من أعظم الجرأة على الكذب ومن أقبح الباطل، يدعو هذا المفتري جميع الناس إلى أن
يصدقوا بفريته، ويزعم أنهم بذلك ينجون من عذاب النار، ( وأن من كذب بها يكفر )، لقد أعظم والله هذا الكذاب على الله الفرية،
وقال: ( من كذّب بها )، لأنها فرية وباطل وكذب لا أساس له من الصحة، ونحن نشهد الله على أنها كذب، وأن مفتريها كذّاب، يريد
أن يشرع للناس ما لم يأذن به الله، و يدخل في دينهم ما ليس منه، واللهُ قد أكمل الدين، وأتمه لهذه الأمة، من قبل هذه الفرية بأربعة
عشر قرناً.
فانتبهوا أيها القراء والإخوان، وإياكم والتصديق بأمثال هذه المفتريات، وأن يكون لها رواج فيما بينكم، فإن الحق عليه نور لا
يلتبس على طالبه، فأطلبوا الحق بدليله، واسألوا أهل العلم عمَّا أشكل عليكم، ولا تغتروا بحلق الكذابين، فقد حلف إبليس اللعين
لأبويكم آدم وحواء على أنه لهما من الناصحين، وهو أعظم الخائنين وأكذب الكذرَّابين، كما حكى الله عنه ذلك في سورة
الأعراف حيث قال سبحانه:
ولهم من الأيمان الكاذبة، والعهود الغادرة والأقوال المزخرفة للإغواء والتضليل، عصمني الله وإياكم وسائر المسلمين من شر
الشياطين، وفتن المضلين، وزيغ الزائغين، وتلبيس أعداء الله المبطلين، الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويلبسوا على
الناس دينهم، والله متم نوره، وناصر دينه، ولو كره أعداء الله من الشيطان وأتباعهم من الكفار والملحدين.
وأما ما ذكره هذا المفتري من ظهور المنكرات، فهو أمر واقع، والقرآن الكريم والسنة المطهرة قد حذّرا منها غاية التحذير، وفيهما
الهداية والكفاية، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمن عليهم باتباع الحق، والاستقامة عليه، والتوبة إلى الله سبحانه من
سائر الذنوب، فإنه التواب الرحيم والقادر على كل شيء.
وأما ما ذكر عن أشراط الساعة، فقد أوضحت الأحاديث النبوية ما يكون من أشراط الساعة، وأشار القرآن الكريم إلى بعض ذلك، فمن
أراد أن يعلم ذلك وجده في محله من كتب السنة، ومؤلفات أهل العلم والإيمان، وليس بالناس حاجة إلى بيان مثل هذا المفتري
وتلبيسه ومزجه الحق بالباطل، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الصادق الأمين وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين