النجم الغامض
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 12 أوت 2006
- المشاركات
- 127
- نقاط التفاعل
- 27
- النقاط
- 7
رواية: تمائم الهلاك
المشهد 07: ــــــــــ الواثب الأول ـــــــــــ
" يوم أمطرت السماء نورا " حكاية تناقلتها الأجيال في قرية نائية وسط أدغال كثيفة ومترامية الأطراف، لدرجة أنها عزلت من الزمان والمكان، فأضحت طي النسيان من الشعوب الأخرى المجاورة لها... عرفت هذه القرية بنبات عجيب له تأثير خاص على البشر، ليس نباتا كبير الحجم بطبيعة الحال، إنما هو نوع من الطحالب التي لا تنمو إلا على أطراف نهر عجيب ومقدس لدى هذه القرية المنعزلة عن العالم، يستعمل كعلاج سريع في حال وقوع أي إصابة تخطر على بالكم، حتى الخطير منها إن لم يتم معالجة المصاب في الوقت المناسب، إنه علاج سريع وعجيب، توضع كمية من هذا الطحلب على موضع الإصابة ليتوهج بشكل يتماشى مع دقات قلب المصاب، وكأنه متحد بالروح عند اتصاله بالجسم، يشعر ويتحسس شكل وحجم الألم، ليبدأ تأثيره العجيب، لم يعرف من أين جاء هذا الطحلب، لكنه موجود منذ القدم، قدم أول مستوطن على هذه الأرض التي نسيها الزمن.
" الأول " هو زعيم هذه القرية، بالطبع لديه قصته الملحمية ليستلم الزعامة هنا، إذ أنه لا شيوخ ولا عجائز هنا، كلهم إما شباب أو قريبين من سن الكهولة، ما هو السر يا ترى؟ لكي نعرف السر، يجب أن نعود لـ 430 سنة للوراء؛ بالضبط لأول رجل وطئت قدمه هذه الأرض، اسمه سوف يحفر على أغلى أنواع المعادن والحجارة الكريمة فيما بعد، لأنه سيغدو أسطورة هذه القرية الخالدة، " أيهم " رجل في ريعان شبابه، في الثلاثين من عمره، كان يقطن احدى القرى على أطراف غابة عظيمة، كانت تعرف هذه الغابة بالعالم المجهول، إذ لا أحد قام باكتشافها ومعرفة خباياها من مخلوقات ونباتات، كان " أيهم " شغوفا ومغامرا منذ صغره، لا يكتفي عن طرح الأسئلة لأي كان، طبيعته هذه التي شب عليها منذ نعومة أظافره، ستكون سببا في أن يكون ذا سيط واسعا ومنقطع النظير مستقبلا.
تزوج " أيهم " قبل أن يبدأ مغامرته الشيقة لاكتشاف أغوار الغابة العظيمة، إنها " نائلة " لا أقول عليها سعيدة الحظ أو كئيبة الحظ، لماذا؟ لو كانت تدري ما سينتظرها مع " أيهم " لربما تراجعت عن قرارها في الزواج به... لا علينا من هذا كله، بكل تأكيد سيعرض أيهم أن تذهب نائلة معه في رحلته الطويلة لاكتشاف الغابة المجهولة، لكن والدها رفض ذلك، وبعد عدة محاولات رضخ الوالد المسكين لطلب أيهم في اصطحاب نائلة معه، الوالد كان لديه احساس غريب في ان هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر الكثيرة والمهولة في نفس الوقت، لا لشيء، فقط لأن المجهول دائما يكون أخطر من معرفتك بأن أسدا واقفا أمامك مستعد لقتلك في طرفة عين، وفرصتك بالنجاة قريبة من الصفر، ليس الصفر تماما، لكنه الموت المحتم أولا وآخرا.
أيهم كان يستعد لهذه الرحلة لسنوات، تدرب جسديا ونفسيا لخوض هذه المغامرة المصيرية، أكتاف عريضة، سواعد كبيرة وصلبة، أقدام عريضة وقوية جدا، نعم، كان يعرف ما ينتظره بالداخل، كان يتخيل أيهم دائما بأنه يتصارع مع أعتى الوحوش الأسطورية التي تخيلتها البشرية قاطبة، بالطبع هي أسطورية وخيالية ولم تكون أبدا موجودة، أبدا... لهذا اكتسب هذه الصلابة والقوة والرزانة، تعلم أيهم عندما كان بسن الخامسة درسا لم ينساه أبدا، إنه درس أعطاه إياه أبوه، أجلسه أمام موقد للنار عليه قدر كبيرة فيها طعام يطهى، كان دائما ومنذ أن بدأ أيهم يحبي، كان أبوه يحرسه ويبعده عن أي خطر، وبكل تأكيد، لا أحد يدخل للمطبخ عدى الأم أو الأب، فقط، إلا أن شغف أيهم غير العادي بمعرفة واكتشاف كل شيء أرق الوالد المتعب دائما بسبب اللحاق به لأي مكان (كم كنت مشاغبا يا أيهم)، قرر الوالد تعليم درسا خاصا لأيهم العنيد، وفي الوقت المناسب، وصل بطلنا الصغير سن الخامسة، يعني في أوج مراحل استيعابه للخطأ والصواب، أجلسه أمام الموقد، وأمره بوضع يده على القدر التي كان الطعام يغلي بداخلها، لم يجرب أيهم هذا مسبقا، لكنه كان يعرف بأنه أمر خاطئ.
عينا أيهم تبرق وتتألق كأنها تقول أريد ان أجرب وأن أعرف ماذا سيحصل، بلا مسؤولية، بلا احساس بالندم لما سيحصل بعد التجربة، شعور مسبق بالنتائج، شعور دفع بالوالد بأن يصرخ على أيهم: "ضع يدك على القدر أيها الشقي..."، مع هذه الصرخة، باشرت يد أيهم اتجاهها صوب القدر، تتلامس أطراف الأصابع، يبدأ أيهم بالتألم والابتسام في نفس الوقت، يبعد يده عن القدر المغلية... يصرخ بأعلى صوته: آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه، إنه شعور رااااائع جدا... ثم يطأطئ من الألم وتبدأ الدموع تنهمر من عينيه... مع كل هذه المشاهد غير المنطقية للعقل، ينهار الوالد ويجثو على ركبتيه، تركض الأم مسرعة نحو صوت الصراخ في المطبخ، تدخل ثم تلتفت بسرعة وهي تنادي: ابني أيهم؟ ابني أيهم؟ ماذا جرى لك؟ تبصره من بعيد وهو مطأطئ على الأرض، ويبكي من الألم، تقفز نحوه وتمسكه وتجذبه إلى حضنها الحنون، إنها غريزة الأم، لم ترى شيئا من حولها سوى ان ابنها أيهم كان يصرخ من الألم، لم تلحظ حتى زوجها الذي كان جاثيا على ركبتيه بجوار أيهم وهو في حالة ذهول. .... يتبعـــ
المشهد 07: ــــــــــ الواثب الأول ـــــــــــ
" يوم أمطرت السماء نورا " حكاية تناقلتها الأجيال في قرية نائية وسط أدغال كثيفة ومترامية الأطراف، لدرجة أنها عزلت من الزمان والمكان، فأضحت طي النسيان من الشعوب الأخرى المجاورة لها... عرفت هذه القرية بنبات عجيب له تأثير خاص على البشر، ليس نباتا كبير الحجم بطبيعة الحال، إنما هو نوع من الطحالب التي لا تنمو إلا على أطراف نهر عجيب ومقدس لدى هذه القرية المنعزلة عن العالم، يستعمل كعلاج سريع في حال وقوع أي إصابة تخطر على بالكم، حتى الخطير منها إن لم يتم معالجة المصاب في الوقت المناسب، إنه علاج سريع وعجيب، توضع كمية من هذا الطحلب على موضع الإصابة ليتوهج بشكل يتماشى مع دقات قلب المصاب، وكأنه متحد بالروح عند اتصاله بالجسم، يشعر ويتحسس شكل وحجم الألم، ليبدأ تأثيره العجيب، لم يعرف من أين جاء هذا الطحلب، لكنه موجود منذ القدم، قدم أول مستوطن على هذه الأرض التي نسيها الزمن.
" الأول " هو زعيم هذه القرية، بالطبع لديه قصته الملحمية ليستلم الزعامة هنا، إذ أنه لا شيوخ ولا عجائز هنا، كلهم إما شباب أو قريبين من سن الكهولة، ما هو السر يا ترى؟ لكي نعرف السر، يجب أن نعود لـ 430 سنة للوراء؛ بالضبط لأول رجل وطئت قدمه هذه الأرض، اسمه سوف يحفر على أغلى أنواع المعادن والحجارة الكريمة فيما بعد، لأنه سيغدو أسطورة هذه القرية الخالدة، " أيهم " رجل في ريعان شبابه، في الثلاثين من عمره، كان يقطن احدى القرى على أطراف غابة عظيمة، كانت تعرف هذه الغابة بالعالم المجهول، إذ لا أحد قام باكتشافها ومعرفة خباياها من مخلوقات ونباتات، كان " أيهم " شغوفا ومغامرا منذ صغره، لا يكتفي عن طرح الأسئلة لأي كان، طبيعته هذه التي شب عليها منذ نعومة أظافره، ستكون سببا في أن يكون ذا سيط واسعا ومنقطع النظير مستقبلا.
تزوج " أيهم " قبل أن يبدأ مغامرته الشيقة لاكتشاف أغوار الغابة العظيمة، إنها " نائلة " لا أقول عليها سعيدة الحظ أو كئيبة الحظ، لماذا؟ لو كانت تدري ما سينتظرها مع " أيهم " لربما تراجعت عن قرارها في الزواج به... لا علينا من هذا كله، بكل تأكيد سيعرض أيهم أن تذهب نائلة معه في رحلته الطويلة لاكتشاف الغابة المجهولة، لكن والدها رفض ذلك، وبعد عدة محاولات رضخ الوالد المسكين لطلب أيهم في اصطحاب نائلة معه، الوالد كان لديه احساس غريب في ان هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر الكثيرة والمهولة في نفس الوقت، لا لشيء، فقط لأن المجهول دائما يكون أخطر من معرفتك بأن أسدا واقفا أمامك مستعد لقتلك في طرفة عين، وفرصتك بالنجاة قريبة من الصفر، ليس الصفر تماما، لكنه الموت المحتم أولا وآخرا.
أيهم كان يستعد لهذه الرحلة لسنوات، تدرب جسديا ونفسيا لخوض هذه المغامرة المصيرية، أكتاف عريضة، سواعد كبيرة وصلبة، أقدام عريضة وقوية جدا، نعم، كان يعرف ما ينتظره بالداخل، كان يتخيل أيهم دائما بأنه يتصارع مع أعتى الوحوش الأسطورية التي تخيلتها البشرية قاطبة، بالطبع هي أسطورية وخيالية ولم تكون أبدا موجودة، أبدا... لهذا اكتسب هذه الصلابة والقوة والرزانة، تعلم أيهم عندما كان بسن الخامسة درسا لم ينساه أبدا، إنه درس أعطاه إياه أبوه، أجلسه أمام موقد للنار عليه قدر كبيرة فيها طعام يطهى، كان دائما ومنذ أن بدأ أيهم يحبي، كان أبوه يحرسه ويبعده عن أي خطر، وبكل تأكيد، لا أحد يدخل للمطبخ عدى الأم أو الأب، فقط، إلا أن شغف أيهم غير العادي بمعرفة واكتشاف كل شيء أرق الوالد المتعب دائما بسبب اللحاق به لأي مكان (كم كنت مشاغبا يا أيهم)، قرر الوالد تعليم درسا خاصا لأيهم العنيد، وفي الوقت المناسب، وصل بطلنا الصغير سن الخامسة، يعني في أوج مراحل استيعابه للخطأ والصواب، أجلسه أمام الموقد، وأمره بوضع يده على القدر التي كان الطعام يغلي بداخلها، لم يجرب أيهم هذا مسبقا، لكنه كان يعرف بأنه أمر خاطئ.
عينا أيهم تبرق وتتألق كأنها تقول أريد ان أجرب وأن أعرف ماذا سيحصل، بلا مسؤولية، بلا احساس بالندم لما سيحصل بعد التجربة، شعور مسبق بالنتائج، شعور دفع بالوالد بأن يصرخ على أيهم: "ضع يدك على القدر أيها الشقي..."، مع هذه الصرخة، باشرت يد أيهم اتجاهها صوب القدر، تتلامس أطراف الأصابع، يبدأ أيهم بالتألم والابتسام في نفس الوقت، يبعد يده عن القدر المغلية... يصرخ بأعلى صوته: آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه، إنه شعور رااااائع جدا... ثم يطأطئ من الألم وتبدأ الدموع تنهمر من عينيه... مع كل هذه المشاهد غير المنطقية للعقل، ينهار الوالد ويجثو على ركبتيه، تركض الأم مسرعة نحو صوت الصراخ في المطبخ، تدخل ثم تلتفت بسرعة وهي تنادي: ابني أيهم؟ ابني أيهم؟ ماذا جرى لك؟ تبصره من بعيد وهو مطأطئ على الأرض، ويبكي من الألم، تقفز نحوه وتمسكه وتجذبه إلى حضنها الحنون، إنها غريزة الأم، لم ترى شيئا من حولها سوى ان ابنها أيهم كان يصرخ من الألم، لم تلحظ حتى زوجها الذي كان جاثيا على ركبتيه بجوار أيهم وهو في حالة ذهول. .... يتبعـــ