محمد السلفي المالكي
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 4 أوت 2013
- المشاركات
- 248
- نقاط التفاعل
- 200
- النقاط
- 13
قال البشير الإبراهيمي:
وإذا كان الحق يغضب أقواما فحسبه أن يرضي الحقيقة، وما وقفت بينكم موقف القائل ووقفتم مني موقف المستمعين إلاَ وقد أخذ الحق علينا عهدا أن يكون الخطاب من الضمير للضمير وان لا نؤثر العواطف على العقول وأن لا نتقارض الثناء المكذوب، وان لا نخون الفضيلة في اسمها
هذه إخواني نصيحة - لي ولكم - في التريث في الحكم على فتاوى علماء السلفية .. وأنا لا أريد بهذا دعوة إلى أحد ولا التقليل من شأن أحد وإنما نصرة لِمذهب السلف المتّبع في تحرير الفتاوى وإطلاق الأحكام ....
السلفيّة لم تزرع الشّوك(*) ...!
(مذهب السلف بين جناية الجهل والتسرع وظلم الادّعاءات )
يعتقد الكثيرون أن مصطلح( السلفيّة )مصطلح حادث عصري ليس له علاقة بالتاريخ والعقيدة،وأنّه مذهب بدعيّ ليس له نتاج فكري أو خدمة للدين الإسلامي، بل ويقوم الكثير - إما عن جهل وإما عن تعمد - بإلصاق هذا الاسم بكل الأوصاف الذي تنفر منها النفوس كـ( التطرف) و ( الإرهاب ) و ( التشدد) و ( التفرق )( علماء البلاط ) ( علماء السلاطين ) ..
وعلى أساس هذه الفكرة يتمّ إقصـاء الكثير من الكتب الشرعية والأعلام القديمة والحديثة وهي فكرة خاطئة؛ ومعلوم أن الكثير من التصورات في الذهن قد تحول بين الحقيقة وبين معرفتها
وكما هو معروف عند أهل المنطق ( الحكم عن الشّيء فرع عن تصوّره ) وهي قاعدة واقعية حقيقية ؛ إذ أن بحسب تصوّر الشخص للشيء-سواء كان فكرة أو اسما أو شخصا-يكون حكمه عليه:
فإن تصوّره حسنا حكم عليه بالحسن.....!
وإن تصورهقبيحا حكم عليه بالقبح.....!
وهذا شيء خطيرجدا خاصة إذا تصوّر الحسن قبيحا فحكم عليه بالقبح أو العكس
فالتصورات الصحيحة تنتج عنها أحكـام صحيحة والتصورات الخاطئة تنتج عنها أحكـام خاطئة
؛
لذلك فالواجب :
الاجتهاد في معرفة صورة الأمور على حقيقتها وإدراكها من جميع جوانبها،
عدم الاغترار بالأحكام المسبّقة
عدم التسرع في إصدار الأحكام خاصة المتعلقة بالشّـرع ومذاهبـه.
إنّ البدار بِرَدِّ شيء لم تحط علمًا به سبب إلى الحرمان
لـــذلك :فالحقيقة التي لا يمكن إلغاؤها أو تجاهلها هي وجود مصطلح يعبّر عن انتماء عقديّ وانتماء سلوكي مرتبط بـ(السلف الصالح) موجود منذ القدم وتناوله الفقهاء والأئمة و المؤرخون والمصنّفون تعبيرا عن منهج متبّع في جميع العلوم العقدية والفقهية والسلوكيّة...
مع العلم أن هذه الكلمة الأخيرة ( السلف الصالح ) لا يوجد مسلم مؤمن على ظهر الأرض يكرهها أو يبغضها أو يكنّ لها العداء .وهذا ما يشكل في التعامل مع بعض الأشياء كونك لا تكره(السلف) فلزم منه أن لا تكره من ينتمي إليهم ابتداء دون تفهّم..!
والانتماء للسلف ليس اعتبار الشخص أن له مرتبة السلف بل هو تعبير عن كونه ينتمي إليهم من حيث الفكرة والعمل والفهم والتطبيق والسلوك في الحياة،كما ينتمي ( المالكي) إلى طريقة المالكية في الفقه، و(الشافعي) إلى طريقة الشافعية في الفقه.. وهكذا..
وكان لهذا المصطلح وجودا تطبيقيا عمليّا حيث كان التابعون وتابعو التابعين ومن بعدهم يعظّمون ما كان عليه من قبلهم وهم جيل الصحابة في كل شيء كبير وصغير ..
بل وكان الصّحابة المتأخرون عن غيرهم الذين ماتوا قبلهم يقولون: (ومن سلفنا )مع أنّهم منهم...! وكان العالم والفقيه والمحدث يقول: (وكان السلف يعجبهم هذا) (وكان السلف يفهمون من الآية كذا)
ففي المراحل الأولى للإسلام نجد أنه لمجرد أن يقول لهم الواحد: (لم يكن السلف هكذا ...) أعظموا ذلك منه لمرتبة السلف في قلوبهم وعظمتهم.
ويبرز ذلك جليا في التاريخ الإسلامي ومصادره الموثوقة التي هي ذاكرة الأمة؛ إذ درج المؤرخون في تصنيفاتهم على إبراز سيرة السلف ومنهجهم وحياتهم وكانوا يعقّبون على الأعلام التي جاءت من بعد الصحابة والتابعين بإبراز مذاهبهم الفقهية والعقدية والحياتية
فالذّهبي في كتاب التاريخ يقول :
[وكان أبو العباس علىمذهب السلف...]يقصد القاضي أبو العباس البغدادي الشافعي.
[إسحاق بن محمد .. القاضي، المحدّث، رفيع الدّين، الهمذانيّ الأصل،المصريّ، الوبريّ، الشافعيّ.إمام مقرئ، حسن السيرة، له سمتٌ ووقار، علىمذهب السّلف]
[...سلفيّ المعتقد، داعية إلى السنة. له تواليف ومجاميع، وشعر كثير...]
وقال عن أبي عمر الفقيه الحافظ: [وكان سلفيّ الاعتقاد، متين الديانة]
وكذلكابن كثير في البداية والنهاية :
[... ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهبالسلف ومنهاجهم، فلما ولي هو الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك وزينواله]
يقصد الخليفة المأمون حيث قرّر ابن كثير -رحمه الله- نقلا عن البيهقي أنّ جميع الخلفاء الذين قبله كانوا على مذهب السلف...!
كما ذكر في ترجمة الشيخ تقي الدين الواسطي الحنبلي شيخ الحديث:[وكان داعية إلى مذهب السلف والصدر الأول]
فدرج المؤرخون على كلمة(مذهب السلف)في المدح وبيان الحال والفكر والاعتقاد غير معتبرين إياها قدحا أو تفرقةأو تسمية تخالف الإسلام لأن مذهب السلف من الصحابة كان هـو الإسلام...!
كما اعتبر العلماء وأئمة التفسير( مذهب السلف ) و ( فهم السلف ) و ( طريقة السلف ) دليلا من الأدلة الشرعية؛فنجدهم يعبّرون عند بيان الأحكام الفقهية أو العقدية سواء في التحريم أو الجواز وما شابه ذلك بتعبيرات مرادفة لمذهب السلف كـ(منهج السلف)و (إجماع السلف) و (كراهية السلف) ...إلخ لأن الإسلام بدون فهم السلف تتغيّر معالمه وأحكامه،وهم الذين حكموا به واحتكموا إليه واتخذوه منهجا عمليا وعقليا ودعويا مع تزكيته من ربّ العالمين...!
ويقول ابن حزم في معرض كلامه عن المعتزلة والرافضة ( الشيعة ):
[وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام سلكوا غير مسلك السلف الصالح ليس فيهم أسوة ولا قدوة وحسبنا الله ونعم الوكيل]
وكذا قرر ابن خلدون في مقدمته مذهب السلف في العقائد فقال :
[وإنما مدركه الشرع كما هو مذهب السلف من الأمة]
وبعد حديث عائشة رضي الله عنها(إذا رأيتم الذين يجادلون في القرآن، فهم الذين عنى الله.فاحذروهم))فقـال معلّقا على هذا الحديث:[هذا مذهب السلف في الآيات المتشابهة]
وقالابن الجوزي في كتاب المنتظم:
[وكان الجويني قد بالغ بالكلام، وصنف الكتب الكثيرة فيه، ثم رأى أن مذهب السلف أولَى..]
وقال أيضا:[وكان صبوراً على الكفاف معرضا عن كسب الدنيا على طريق السلف...]
[وكان من أهل السنة والصدق على طريق السلف]
وكذا جاء الكثير والكثير في التاريخ والفقه والعقيدة من الروايات المبينة والمبرزة لمذهب السلف وطريقهم...
كمااصطلح الكثير من المؤرخين على تسمية بعض العلماءوالصالحين ممن كانوا على طريقة السلف في الدعوة وفي التصنيف والتأليف وفي الحياة باسـم( بقية السلف )مع أن هؤلاء العلماء لم يكونوا من السلف في الحقبة ولكن استحسن العلماءوالمؤرخون هذه النّسبة لأنهم امتداد لهم ولحياتهم ولعلومهم ولِما قدّموه منخدمة جليلة للدين الإسلامي ولإحياء الحياة الدينية التي كان عليها الصحابةوالتابعون فلم يروا بأسا من إطلاق لقب( بقية السلف )عليهم...
وتجدرالإشارة إلى أنّ قرب العهد من الصحابة كان عاملا لانتشار طريقتهم ومذهبهم الذي هو الإسلام فهما صحيحا وقويا وكان مرجعا يُرجع إليه عند حدوث أي قول من الأقوال...
ثم أخذت التيارات المتضادة في العقيدة تنشأ من هنا وهناك وتأخذ عن الأديان الوثنية والكفرية والفلسفات وما شابه ذلك فظلّ المذهب السلفيّ العقدي مرجعا وحاميا للإسلام في آن واحد...
وتوالت التصانيف والتآليف مدافعة عن مذهب السلف وتارة مبينة ما هو مذهب السلف في العقائد والأحكام وفي الأصول وفي الحياة والسلوك والسياسة.
ومذهب السّلف اشتراط فهم السلف شرطا أساسيّا في الدين الإسلامي حفظا له من الأفهام التي تؤدي إلى تحريفه أو تشويهه أو تطبيقه بطريقة غير التي يريدها الله سبحانه وتعالى،وقد ادّعى البعض أن هذا الشرط (بدعة ) في تناول الأدلة الشرعية أو هو (مذهبية مفرقة) وهو قول خطير جدا وباطل أيضا
يلغيه رضا الله سبحانه وتعالى عن أعمال الصحابة وتطبيقهم للإسلام وفهمهم له والأمر بمتابعتهم وتسمية طريقهم بالسنة وتواتر نقل ذلك عن العلماء السابقين جيلا بعد جيل...
وقد ظهرت أعلام على مرّ التاريخ تدعو إلى هذا المذهب وتطبيقه وتنتسب إليه:الشوكاني والصنعاني وابن تيمية وابن القيم وابن كثير...وغيرهم كثير لا ينكر مسلم علومهم ومكانتهم...!
والرّكود الذي أصاب دول الإسلام والفجوة التي حدثت بين المسلمين وبين علوم الشريعة أدت إلى اختفاء هـذه الحقيقة في أعينهم ولكنها ظلت موجودة في كل عصر من العصور السابقة...!
وإلّا فالتغيّر الكبير الذي حدث على المسلمين لا يخفى فبعد أن عرف المسلمونالبخاريّ الذي ألّف كتاب التاريخ في الرجال ودرجاتهم وهو في سن(15) والشّافعي الذي جلس للإفتاء وهو ابن(17)يبيّن الفرق الشّاسع بين زمنهم من حيث فهم النصوص الشرعية وتعظيم العلوم الشرعية وانهماكهم فيها وبين ما نعانيه اليوم من عدم استيعاب الشخص كلمة من آية أو حديث وهو في سنة الستين أو السبعين وقد بلغ في المستوى الدراسي الماجستير أو الدكتوراه...!
كما ادّعى بعض المنحرفين الانتساب لمذهب السلف وهم المعروفون بفرقة (الخوارج) قديما وحديثا القائلين بكفر الحاكم بغير ما أنزل الله مطلقا وكفر من يرضى بحكمه وكفر العصاة وأهل الكبائر من الإسلام،ولبسوا هذا اللباس من أجل اصطياد المسلمين الذين يتعطشون لعودة المجد للإسلام، فأدّى هذا إلى تشويه صورة ( مذهب السلف ) والانتساب إليه في أذهان المسلمين وكانت هذه من سيئات الادّعاءات إذ وجدت التيارات الفكرية الغربية حربا على مذهب السلف من هذا المنطلق...
هكذا (مذهب السلف) و (الطريقة السلفية) تعرضت لظلم الادعاءات من جهة وظلم الجهل من جهة أخرى
وعليه فليُحذر من خلط الأمور والتسرع في الأحكام على الأشخاص أو على الكتب والتصانيف دون معرفة كاملة بهذه التسمية وضعها وإطلاقها ومطابقتها للحقيقة
والمرجـوّ التريّث والتّفهّـم والتفقّـه أكثر في فهم المصطلح وفهم من ينتسب إليه
وكون الشخص لا يرضى بالانتماء للسلف في فكرته أو في سلوكه فلا يجمع إلى جانب ذلك رفض المنتمي والمنتسب للطريقة السلفية لمجرد فكرة في ذهنـه مهملا أومغفلا التاريخ العقدي والفكري لهذا الانتماء...
-----------------
المصادر التي يرجع إليها للتأكد وغيرها كثير اقتصرت على المشهور منها :
مقدمة ابن خلدون
تاريخ الإسلام وسير الأعلام للذهبي
البداية والنهاية لابن كثير
المنتظم لابن الجوزي
إعلام الموقعين لابن القيم فصل الفتوى بالآ ثار السلفيّة .
(*) الكلمة (لم تزرع الشوك) مقتبسة من رواية
نرجوا منكم الدعاء لصاحبة الموضوع
وإذا كان الحق يغضب أقواما فحسبه أن يرضي الحقيقة، وما وقفت بينكم موقف القائل ووقفتم مني موقف المستمعين إلاَ وقد أخذ الحق علينا عهدا أن يكون الخطاب من الضمير للضمير وان لا نؤثر العواطف على العقول وأن لا نتقارض الثناء المكذوب، وان لا نخون الفضيلة في اسمها
هذه إخواني نصيحة - لي ولكم - في التريث في الحكم على فتاوى علماء السلفية .. وأنا لا أريد بهذا دعوة إلى أحد ولا التقليل من شأن أحد وإنما نصرة لِمذهب السلف المتّبع في تحرير الفتاوى وإطلاق الأحكام ....
السلفيّة لم تزرع الشّوك(*) ...!
(مذهب السلف بين جناية الجهل والتسرع وظلم الادّعاءات )
يعتقد الكثيرون أن مصطلح( السلفيّة )مصطلح حادث عصري ليس له علاقة بالتاريخ والعقيدة،وأنّه مذهب بدعيّ ليس له نتاج فكري أو خدمة للدين الإسلامي، بل ويقوم الكثير - إما عن جهل وإما عن تعمد - بإلصاق هذا الاسم بكل الأوصاف الذي تنفر منها النفوس كـ( التطرف) و ( الإرهاب ) و ( التشدد) و ( التفرق )( علماء البلاط ) ( علماء السلاطين ) ..
وعلى أساس هذه الفكرة يتمّ إقصـاء الكثير من الكتب الشرعية والأعلام القديمة والحديثة وهي فكرة خاطئة؛ ومعلوم أن الكثير من التصورات في الذهن قد تحول بين الحقيقة وبين معرفتها
وكما هو معروف عند أهل المنطق ( الحكم عن الشّيء فرع عن تصوّره ) وهي قاعدة واقعية حقيقية ؛ إذ أن بحسب تصوّر الشخص للشيء-سواء كان فكرة أو اسما أو شخصا-يكون حكمه عليه:
فإن تصوّره حسنا حكم عليه بالحسن.....!
وإن تصورهقبيحا حكم عليه بالقبح.....!
وهذا شيء خطيرجدا خاصة إذا تصوّر الحسن قبيحا فحكم عليه بالقبح أو العكس
فالتصورات الصحيحة تنتج عنها أحكـام صحيحة والتصورات الخاطئة تنتج عنها أحكـام خاطئة
؛
لذلك فالواجب :
الاجتهاد في معرفة صورة الأمور على حقيقتها وإدراكها من جميع جوانبها،
عدم الاغترار بالأحكام المسبّقة
عدم التسرع في إصدار الأحكام خاصة المتعلقة بالشّـرع ومذاهبـه.
إنّ البدار بِرَدِّ شيء لم تحط علمًا به سبب إلى الحرمان
لـــذلك :فالحقيقة التي لا يمكن إلغاؤها أو تجاهلها هي وجود مصطلح يعبّر عن انتماء عقديّ وانتماء سلوكي مرتبط بـ(السلف الصالح) موجود منذ القدم وتناوله الفقهاء والأئمة و المؤرخون والمصنّفون تعبيرا عن منهج متبّع في جميع العلوم العقدية والفقهية والسلوكيّة...
مع العلم أن هذه الكلمة الأخيرة ( السلف الصالح ) لا يوجد مسلم مؤمن على ظهر الأرض يكرهها أو يبغضها أو يكنّ لها العداء .وهذا ما يشكل في التعامل مع بعض الأشياء كونك لا تكره(السلف) فلزم منه أن لا تكره من ينتمي إليهم ابتداء دون تفهّم..!
والانتماء للسلف ليس اعتبار الشخص أن له مرتبة السلف بل هو تعبير عن كونه ينتمي إليهم من حيث الفكرة والعمل والفهم والتطبيق والسلوك في الحياة،كما ينتمي ( المالكي) إلى طريقة المالكية في الفقه، و(الشافعي) إلى طريقة الشافعية في الفقه.. وهكذا..
وكان لهذا المصطلح وجودا تطبيقيا عمليّا حيث كان التابعون وتابعو التابعين ومن بعدهم يعظّمون ما كان عليه من قبلهم وهم جيل الصحابة في كل شيء كبير وصغير ..
بل وكان الصّحابة المتأخرون عن غيرهم الذين ماتوا قبلهم يقولون: (ومن سلفنا )مع أنّهم منهم...! وكان العالم والفقيه والمحدث يقول: (وكان السلف يعجبهم هذا) (وكان السلف يفهمون من الآية كذا)
ففي المراحل الأولى للإسلام نجد أنه لمجرد أن يقول لهم الواحد: (لم يكن السلف هكذا ...) أعظموا ذلك منه لمرتبة السلف في قلوبهم وعظمتهم.
ويبرز ذلك جليا في التاريخ الإسلامي ومصادره الموثوقة التي هي ذاكرة الأمة؛ إذ درج المؤرخون في تصنيفاتهم على إبراز سيرة السلف ومنهجهم وحياتهم وكانوا يعقّبون على الأعلام التي جاءت من بعد الصحابة والتابعين بإبراز مذاهبهم الفقهية والعقدية والحياتية
فالذّهبي في كتاب التاريخ يقول :
[وكان أبو العباس علىمذهب السلف...]يقصد القاضي أبو العباس البغدادي الشافعي.
[إسحاق بن محمد .. القاضي، المحدّث، رفيع الدّين، الهمذانيّ الأصل،المصريّ، الوبريّ، الشافعيّ.إمام مقرئ، حسن السيرة، له سمتٌ ووقار، علىمذهب السّلف]
[...سلفيّ المعتقد، داعية إلى السنة. له تواليف ومجاميع، وشعر كثير...]
وقال عن أبي عمر الفقيه الحافظ: [وكان سلفيّ الاعتقاد، متين الديانة]
وكذلكابن كثير في البداية والنهاية :
[... ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهبالسلف ومنهاجهم، فلما ولي هو الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك وزينواله]
يقصد الخليفة المأمون حيث قرّر ابن كثير -رحمه الله- نقلا عن البيهقي أنّ جميع الخلفاء الذين قبله كانوا على مذهب السلف...!
كما ذكر في ترجمة الشيخ تقي الدين الواسطي الحنبلي شيخ الحديث:[وكان داعية إلى مذهب السلف والصدر الأول]
فدرج المؤرخون على كلمة(مذهب السلف)في المدح وبيان الحال والفكر والاعتقاد غير معتبرين إياها قدحا أو تفرقةأو تسمية تخالف الإسلام لأن مذهب السلف من الصحابة كان هـو الإسلام...!
كما اعتبر العلماء وأئمة التفسير( مذهب السلف ) و ( فهم السلف ) و ( طريقة السلف ) دليلا من الأدلة الشرعية؛فنجدهم يعبّرون عند بيان الأحكام الفقهية أو العقدية سواء في التحريم أو الجواز وما شابه ذلك بتعبيرات مرادفة لمذهب السلف كـ(منهج السلف)و (إجماع السلف) و (كراهية السلف) ...إلخ لأن الإسلام بدون فهم السلف تتغيّر معالمه وأحكامه،وهم الذين حكموا به واحتكموا إليه واتخذوه منهجا عمليا وعقليا ودعويا مع تزكيته من ربّ العالمين...!
ويقول ابن حزم في معرض كلامه عن المعتزلة والرافضة ( الشيعة ):
[وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام سلكوا غير مسلك السلف الصالح ليس فيهم أسوة ولا قدوة وحسبنا الله ونعم الوكيل]
وكذا قرر ابن خلدون في مقدمته مذهب السلف في العقائد فقال :
[وإنما مدركه الشرع كما هو مذهب السلف من الأمة]
وبعد حديث عائشة رضي الله عنها(إذا رأيتم الذين يجادلون في القرآن، فهم الذين عنى الله.فاحذروهم))فقـال معلّقا على هذا الحديث:[هذا مذهب السلف في الآيات المتشابهة]
وقالابن الجوزي في كتاب المنتظم:
[وكان الجويني قد بالغ بالكلام، وصنف الكتب الكثيرة فيه، ثم رأى أن مذهب السلف أولَى..]
وقال أيضا:[وكان صبوراً على الكفاف معرضا عن كسب الدنيا على طريق السلف...]
[وكان من أهل السنة والصدق على طريق السلف]
وكذا جاء الكثير والكثير في التاريخ والفقه والعقيدة من الروايات المبينة والمبرزة لمذهب السلف وطريقهم...
كمااصطلح الكثير من المؤرخين على تسمية بعض العلماءوالصالحين ممن كانوا على طريقة السلف في الدعوة وفي التصنيف والتأليف وفي الحياة باسـم( بقية السلف )مع أن هؤلاء العلماء لم يكونوا من السلف في الحقبة ولكن استحسن العلماءوالمؤرخون هذه النّسبة لأنهم امتداد لهم ولحياتهم ولعلومهم ولِما قدّموه منخدمة جليلة للدين الإسلامي ولإحياء الحياة الدينية التي كان عليها الصحابةوالتابعون فلم يروا بأسا من إطلاق لقب( بقية السلف )عليهم...
وتجدرالإشارة إلى أنّ قرب العهد من الصحابة كان عاملا لانتشار طريقتهم ومذهبهم الذي هو الإسلام فهما صحيحا وقويا وكان مرجعا يُرجع إليه عند حدوث أي قول من الأقوال...
ثم أخذت التيارات المتضادة في العقيدة تنشأ من هنا وهناك وتأخذ عن الأديان الوثنية والكفرية والفلسفات وما شابه ذلك فظلّ المذهب السلفيّ العقدي مرجعا وحاميا للإسلام في آن واحد...
وتوالت التصانيف والتآليف مدافعة عن مذهب السلف وتارة مبينة ما هو مذهب السلف في العقائد والأحكام وفي الأصول وفي الحياة والسلوك والسياسة.
ومذهب السّلف اشتراط فهم السلف شرطا أساسيّا في الدين الإسلامي حفظا له من الأفهام التي تؤدي إلى تحريفه أو تشويهه أو تطبيقه بطريقة غير التي يريدها الله سبحانه وتعالى،وقد ادّعى البعض أن هذا الشرط (بدعة ) في تناول الأدلة الشرعية أو هو (مذهبية مفرقة) وهو قول خطير جدا وباطل أيضا
يلغيه رضا الله سبحانه وتعالى عن أعمال الصحابة وتطبيقهم للإسلام وفهمهم له والأمر بمتابعتهم وتسمية طريقهم بالسنة وتواتر نقل ذلك عن العلماء السابقين جيلا بعد جيل...
وقد ظهرت أعلام على مرّ التاريخ تدعو إلى هذا المذهب وتطبيقه وتنتسب إليه:الشوكاني والصنعاني وابن تيمية وابن القيم وابن كثير...وغيرهم كثير لا ينكر مسلم علومهم ومكانتهم...!
والرّكود الذي أصاب دول الإسلام والفجوة التي حدثت بين المسلمين وبين علوم الشريعة أدت إلى اختفاء هـذه الحقيقة في أعينهم ولكنها ظلت موجودة في كل عصر من العصور السابقة...!
وإلّا فالتغيّر الكبير الذي حدث على المسلمين لا يخفى فبعد أن عرف المسلمونالبخاريّ الذي ألّف كتاب التاريخ في الرجال ودرجاتهم وهو في سن(15) والشّافعي الذي جلس للإفتاء وهو ابن(17)يبيّن الفرق الشّاسع بين زمنهم من حيث فهم النصوص الشرعية وتعظيم العلوم الشرعية وانهماكهم فيها وبين ما نعانيه اليوم من عدم استيعاب الشخص كلمة من آية أو حديث وهو في سنة الستين أو السبعين وقد بلغ في المستوى الدراسي الماجستير أو الدكتوراه...!
كما ادّعى بعض المنحرفين الانتساب لمذهب السلف وهم المعروفون بفرقة (الخوارج) قديما وحديثا القائلين بكفر الحاكم بغير ما أنزل الله مطلقا وكفر من يرضى بحكمه وكفر العصاة وأهل الكبائر من الإسلام،ولبسوا هذا اللباس من أجل اصطياد المسلمين الذين يتعطشون لعودة المجد للإسلام، فأدّى هذا إلى تشويه صورة ( مذهب السلف ) والانتساب إليه في أذهان المسلمين وكانت هذه من سيئات الادّعاءات إذ وجدت التيارات الفكرية الغربية حربا على مذهب السلف من هذا المنطلق...
هكذا (مذهب السلف) و (الطريقة السلفية) تعرضت لظلم الادعاءات من جهة وظلم الجهل من جهة أخرى
وعليه فليُحذر من خلط الأمور والتسرع في الأحكام على الأشخاص أو على الكتب والتصانيف دون معرفة كاملة بهذه التسمية وضعها وإطلاقها ومطابقتها للحقيقة
والمرجـوّ التريّث والتّفهّـم والتفقّـه أكثر في فهم المصطلح وفهم من ينتسب إليه
وكون الشخص لا يرضى بالانتماء للسلف في فكرته أو في سلوكه فلا يجمع إلى جانب ذلك رفض المنتمي والمنتسب للطريقة السلفية لمجرد فكرة في ذهنـه مهملا أومغفلا التاريخ العقدي والفكري لهذا الانتماء...
-----------------
المصادر التي يرجع إليها للتأكد وغيرها كثير اقتصرت على المشهور منها :
مقدمة ابن خلدون
تاريخ الإسلام وسير الأعلام للذهبي
البداية والنهاية لابن كثير
المنتظم لابن الجوزي
إعلام الموقعين لابن القيم فصل الفتوى بالآ ثار السلفيّة .
(*) الكلمة (لم تزرع الشوك) مقتبسة من رواية
نرجوا منكم الدعاء لصاحبة الموضوع