السّلامُ عَلَيكُمْ و رحمةَ اللهِ و بركاته
اُقْدُمْ لَكُمْ رِوايَةٌ بِعُنْوَانِ الْعَمَلَةِ النَّقْدِيَّةِ
مَنْ قَلَمِي مِائَة بالمائة, نَتِيجَةُ الْهامِّ اِسْتَنْشَقْتِهِ الصَّيِّفِ الْمَاضِي,
و نَقَلَتَهُ الِيِكُمْ, لِرُبَّما استوحذت هَذِهِ الروآية الْمُتَوَاضِعَةَ عَلَى إِعْجابُكُمْ او اِهْتِمَامَكُمْ,
اردت ان اِذَّكَرَ, ان هَذِهِ الْقُصَّةَ لَا تَمِسْ اي طآئفة, و لَا اِقْصِدْ بِهَا اي جِهَةٌ,
و انما عَبِرَةَ سَنَصُلُّ الِيِهَا عِبَرِ الْفُصُولِ إِنَّ شآء اللهَ و اراد,
و اردت ان اِذَّكَرَ ايضا,
اني لَا اُكْتُبْ اي كَلَمَّةٍ بِدونِ سَبَبٍ, فَاُرْجُوَا ان لَا تُفَوِّتُوا اي مُعَنّى,
و إِنَّ كآن بَيْنَ السُّطُورِ,
و الَانِ,
المقدمة
مدينة لو هافر تقع شمال غرب فرنسا , و هي كلمة فرنسية تعني المينآء ,
اين يقطن ما يقارب مئتا الف نسمة ,
و منهم بطلنا سامر الذي يعيش في حي متواضع ,
في الطابق الثالث من عمارة مختلطة ,
لا تتعدى نشاطاته الاجتماعية فيها اخراج المكنسة
و تنظيف مدخل العمارة اسبوعيا ,
لا يحتوي هاتفه على اكثر من جهة اتصال , و التي هي رب عمله ,
فمعظم جيرانه لا يحملون ذرة احترام , حياء , ولا عاطفة ,
بينما سامر , قلبه يحترق كل يوم حين يضع راسه في تلك المخدة ,
و يراجع ما فعله اليوم , واضعا خطته للغد ,
و ثنايا قلبه ترسم ملامح الندم على وجهه البشوش ,
بسبب الطريق الذي اختاره ,
و المطاف الذي وضعه في هذا السيناريو الاسود و الابيض ,
و نبضات قلبه تتكلم :
اين انا من هذه الحياة ؟
اين انا من دين امة محمد صلى الله عليه و سلم الحنيف ؟
كم مضى و عيناي مغلقتان حتى وصل بي الامر إلى هنا ؟
هل اقتل ضميري و اعيش هذه الدنيا الفانية ؟
أو احاول مجددا , و انا لا حول لي ولا قوة ؟
و يده تتحسس راسه , فلايجد شعرا ,
و يحمد الله عز و جل , على كل النعم التي اعطاه ,
سامر ليس بذلك الغباء بعد ما علمته اياه الدنيا ,
فهو ليس من النوع الذي يحزن بسبب تساقط شعره ,
ولا فخامة بيته , و مآ شآبه من ماديات ,
فهو يدرك ان الله فضله على كثير من النآس ,
فضميره لازال يخفق , و عقله لازال يعمل , و لازال لديه الخيار ,
لكنه يتحسر على شيء اخر ,
اكثر اهمية , الا و هي ذاته ,
التي استسلم لها و تركها تحركه كل هذه السنوات ,
فيبقا السؤال يطرح على باله كل يوم ,
هل سيستعيد سامر ذاته ؟
الفصل الاول : يوم عمل آخر
تضرب اشعة الشمس عيني سامر , يفتح عيناه , و ينظر عبر النافدة ,
فيجد الجوء مشمس , يبتسم و يرفع غطاءه ,
ينهض و يتفقد هاتفه الموضوع فوق الطاولة ,
و يرى الساعة فيجدها الساعة السادسة صباحا , و يبتسم لانه نهض قبل المنبه ,
يلبس ملابسه و يتجه إلى الدوش و ينظر إلى المرآة ,
يمسك المشط و يتمعن فيه ,و يسال نفسه كالعادة :
لماذا احتفظ بهذا المشط بينما لا امتلك شعرا ؟
يعيده إلى مكانه , و يحمل علبة سجائر ,
و يقول ببرودة :
لكل منا عادات سيئة ,
يضع هاتفه في جيبه , و السماعات في اذنيه , مشغلا بعض الايات من القرآن ,
يمسك دراجته , و يخرج من العمارة , و بينما هو يقفل الباب ,
ينزل بعض الجيران , ولا يلقي احد السلام على الاخر , و كانهم متعادين ,
ينتظر سامر نزولهم , و يتظاهر انه يتفقد هاتفه ,
ثم ينزل بهدوء , و يحاول ان لا يصدر ضجيجا اثناء إنزاله لدراجته معه ,
يخرج من العمارة , و يركب دراجته و ينطلق ,
و الطريق لازالت مبتلة قليلا من امطار البارحة , و هو ينظر إلى نفس الجيران ,
نفس المحلات , نفس اللافتات , و يحاول ان لا يحزن ,
و يتعمق في سماع تلك الآيآت القرآنية ,
و بعد عشرين دقيقة , يصل إلى مقر العمل ,
بناية صغيرة تابعة لشركة محلية تقوم بانتاج الجرائد , مخصصة لتوزيعها ,
يملكها رجل اصوله فرنسية و لكنه عاش في انجلترا , اسمه كيفن ,
و رجع إلى مدينة لو هافر يوم توفق في انشاء هذه البناية المتواضعة ,
قام سامر بركن دراجته مع باقي الدراجات ,
و فتح الباب فوجد المدير كيفن يتكلم على الهاتف ,
و عندما رآى سآمر , رفع ابهامه , دلالة على ان الجرائد وصلت ,
و بعد ما راى سامر ذلك , توجه إلى الغرفة المخصصة لتخزين الجرائد ,
و حمل من الحقائب المملوئة بالجرائد ما تيسر حمله ,
و لكن المفاجاة كانت انه وجد كوب قهوة موضوعا على الطاولة ,
و ورقة بجواره مكتوب عليها :
بصحتك يا سامر .
تفاجأ سآمر و ابتسم , و لكنه احتار في نفسه , فهو لم يعرف صاحب هذه الرسالة ,
اخد القهوة و خرج من البناية , و سحب علبة السجآئر , و لكنه تفاجا بانه نسي الولاعة ,
فبدا الغضب يسيطر عليه , و هو يدير راسه باحثا عن شخصا حاملا سيجارة مشتعلة ,
و لكن سرعان ما فكر مجددا و اعاد تلك العلبة ,
و قال : لعلها خير , و بدا في شرب القهوة ,
خرج المدير كيفن , فنزع سامر السماعات و نظر اليه :
ارى انك توقفت عن التدخين , و استبدلته بالقهوة , خطوة جيدا يا ,,,,, -
- سامر يا سيدي , و شكرا على الإطراء ,
و اسف لانني لم انطلق بعد , فقد فكرت ان كاس قهوة سيساعدني على العمل بسرعة .
- لا لا , خد راحتك , فنحن محظوظون لان رجلا شريفا مثلك يعمل لدينا ,
و سرعان ما يرن هاتف كيفن مجددا و يدخل إلى البنآية ,
فيعيد سامر السماعات , و يستمتع بكوب القهوة ,
و يبتسم لان المدير اساء فهم الموضوع , و ظن انه استبدل التدخين بالقهوة ,
و هذه المرة يدير راسه فيجد متسولا نائما ,
فيتوجه اليه و يضع القهوة امامه و يقول :
-اسف , هذا كل ما لدي حاليا لاعطيك اياه ,
فسامر دائما ما يجده نائما و يترك له ما استطاع ,
يتركه سآمر , يسحب الدراجة من المركن ,
يثبت الحقائب في مقدمة الدراجة و ظهره و ينطلق ,
يتجه إلى الحي الفخم , و هذا اسوء جزء من يومه دائما ,
ففجاة تتغير الوان الحياة إلى الوان زاهية ,
و يظهر اخضرار الاشجار و الندى على اوراقها ,
و هو ينظر و يسحب جريدة تلو الاخرى و يرميها على الابواب ,
و يتحايل سامر دائما لينسى معاناته ,
فيركز في المكان التي تسقط به الجريدة , و يحاول ان يوصلها إلى اقرب مكان من الباب ,
و يركز في الآيآت القرآنية مجددا التي تمليها عليه اذنيه , و ينسا كل شيء , حتى لا يتالم ,
و يؤدي عمله على اكمل وجه ,
و بعد ما انتهى من هذا الحي , يدخل إلى الحي الفقير , و يمر على اول محل ,
و يسلمه ما تبقى من الجرائد ,
و هكذا ينتهي جزء من دوامه اليومي ,
و حينها عاد سامر الى المقر ليؤكد تسليم جرائده و ياخد راحة خفيفة ,
يدخل إلى كافيتيرا البناية , ينزع السماعات , و يجلس و لا يطلب شيء , ما عدا الولاعة ,
فيقول عامل الكافيتيرا انه لا توجد ولاعة , فيستغرب للامر ,
و يقول :
- الا يريدني العالم ان ادخن ام ماذا ؟ اريد اي ولاعة لعينة !!
و لكن لا احد يستمع , و كيف لا , و صوته لم يكن مسموعا منذ البداية ,
هذا هو سامر , انسان متواضع , عمل بسيط , لا اصدقاء ولا عائلة , رب عمل محب ,
و شخص اعطاه القهوة ولا يعرفه ,
يضع راسه على الطاولة , و هاتفه بين عينيه , و هو ينظر إلى الساعة
و ينتظر وقت انتهاء الاستراحة , لكي يكمل عمله ,
فيجد رسالة تقول :
- هل استمعت بكوب القهوة ؟
يرفع راسه عاليا و يحك راسه :
- من هذا الشخص ؟
الرقم مجهول , و لم يبعث لي احد برسالة منذ شهور , مالذي يحدث ؟
فيحاول الاتصال به , فلا يعمل هاتفه , يخرج من البناية ليحاول مجددا ,
فيجد انه لا يملك رصيدا كافيا للقيام بذلك , و بعد ذلك مباشرة ياتي منبه انتهاء الاستراحة ,
فيقول في نفسه :
لعلها خير , فليس لدي وقت لهذه التفاهات , يجب علي استلام الرسائل و الانطلاق لتسليمها ,
نعم , انه وقت تسليم الرسائل , اين يستلم سامر البعض منها ,
و ينطلق إلى اماكن منها القريبة و منها البعيدة ,
مستعملا دراجته , و هذا هو الجزء الذي يحس فيه سامر بالوحدة القاتلة يوميا ,
فيدخل مجددا إلى غرفة تخزين الجرائد , و يجد الرسائل موضوعة على الرف الاعلى ,
و يتفاجا انها رسالتين فقط اليوم , فيقول في نفسه :
-يبدوا انه ليس لدي عمل كثير اليوم , لم اخطط لهذا , يمسكها و يتحقق من العنوانين ,
و يقول :
- مهلا , اسحب كلامي , العنوانان بعيدان , و الطرق مبللة بالمياه ,
و هذا يعني انه لا يمكنني الإسراع في الطريق ,
حسنا , اظنه احسن من الجلوس بدون فعل اي شيء ,
يحمل الرسالتين و يضعهما في الحقيبة و يخرج من البناية , يضع السماعات مجددا ,
و يثبت الحقيبة على ظهره و ينطلق !
بعد دقائق تصله رسالة على هاتفه مجددا ,
فيتملكه الغضب فجاة , يوقف الدراجة و يتحقق من الرسالة ,
فيجد ان نفس الشخص ارسل له رصيد ,
فيقول في نفسه :
- هل هذا الشخص مريض نفسيا ؟ يريدني ان اتصل به ,
و لكن كيف عرف انني لا امتلك الرصيد الكافي ؟
لابد انها فتاة , فتاة ضالة لم تجد ما تفعله فاختارت شخص
لا حياة له مثلي لكي تمضي به وقت فراغها ,
لا حول ولا قوة الا بالله , عافاني الله , و رزقني ببنت الحلال إن شآء و اراد .
يعيد الهاتف إلى الجيب و ينطلق مجددا , تمر الدقائق و تلحقها الساعات ,
و اذنيه تتالمان من السماعات و لكنه مركز مع تلك الآيآت القرآنية ,
حتى وصل إلى العنوان الاول ,
بيت ابيض كبير نوعا ما , يركن دراجته و يطرق الباب ,
فتفتح له تلك العجوز , قائلا :
-رسالة لك يا خالة , تفضلي !
ينظر اليها و يبتسم , فهو يؤمن بان الابتسامة صدقة ,
و سرعان ما تمسك العجوز بالرسالة فينطلق إلى دراجته ليكمل طريقه ,
و لكنها تناديه:
-يا ولدي , ادخل , انا ادعوك إلى كاس قهوة .
فيطاطئ راسه خجلا و يقول :
- اشكرك كثيرا على الدعوة , و لكن كما ترين ان لدي عمل اقوم به ,
و هنالك اناس ينتظرون الرسائل بفارغ الصبر , و ....
العجوز مصرة :
- ارجوك يا ولدي , ان تدخل و تشرب كأس قهوة ,
هل سترفض طلب سيدة عجوز مثلي ؟
يقول سامر في نفسه كالعادة :
- لعلها خير !
و تقول العجوز في نفسها :
- ارجوا ان لا يكون مضمون هذه الرسالة ما اتوقعه !
**
**
يَتْبَعُ, شَكِرَا لِلْقِرَاءةِ,
أَنْتَظِرُ أَراءَكُمْ,
سلامُي.
اُقْدُمْ لَكُمْ رِوايَةٌ بِعُنْوَانِ الْعَمَلَةِ النَّقْدِيَّةِ
مَنْ قَلَمِي مِائَة بالمائة, نَتِيجَةُ الْهامِّ اِسْتَنْشَقْتِهِ الصَّيِّفِ الْمَاضِي,
و نَقَلَتَهُ الِيِكُمْ, لِرُبَّما استوحذت هَذِهِ الروآية الْمُتَوَاضِعَةَ عَلَى إِعْجابُكُمْ او اِهْتِمَامَكُمْ,
اردت ان اِذَّكَرَ, ان هَذِهِ الْقُصَّةَ لَا تَمِسْ اي طآئفة, و لَا اِقْصِدْ بِهَا اي جِهَةٌ,
و انما عَبِرَةَ سَنَصُلُّ الِيِهَا عِبَرِ الْفُصُولِ إِنَّ شآء اللهَ و اراد,
و اردت ان اِذَّكَرَ ايضا,
اني لَا اُكْتُبْ اي كَلَمَّةٍ بِدونِ سَبَبٍ, فَاُرْجُوَا ان لَا تُفَوِّتُوا اي مُعَنّى,
و إِنَّ كآن بَيْنَ السُّطُورِ,
و الَانِ,
المقدمة
مدينة لو هافر تقع شمال غرب فرنسا , و هي كلمة فرنسية تعني المينآء ,
اين يقطن ما يقارب مئتا الف نسمة ,
و منهم بطلنا سامر الذي يعيش في حي متواضع ,
في الطابق الثالث من عمارة مختلطة ,
لا تتعدى نشاطاته الاجتماعية فيها اخراج المكنسة
و تنظيف مدخل العمارة اسبوعيا ,
لا يحتوي هاتفه على اكثر من جهة اتصال , و التي هي رب عمله ,
فمعظم جيرانه لا يحملون ذرة احترام , حياء , ولا عاطفة ,
بينما سامر , قلبه يحترق كل يوم حين يضع راسه في تلك المخدة ,
و يراجع ما فعله اليوم , واضعا خطته للغد ,
و ثنايا قلبه ترسم ملامح الندم على وجهه البشوش ,
بسبب الطريق الذي اختاره ,
و المطاف الذي وضعه في هذا السيناريو الاسود و الابيض ,
و نبضات قلبه تتكلم :
اين انا من هذه الحياة ؟
اين انا من دين امة محمد صلى الله عليه و سلم الحنيف ؟
كم مضى و عيناي مغلقتان حتى وصل بي الامر إلى هنا ؟
هل اقتل ضميري و اعيش هذه الدنيا الفانية ؟
أو احاول مجددا , و انا لا حول لي ولا قوة ؟
و يده تتحسس راسه , فلايجد شعرا ,
و يحمد الله عز و جل , على كل النعم التي اعطاه ,
سامر ليس بذلك الغباء بعد ما علمته اياه الدنيا ,
فهو ليس من النوع الذي يحزن بسبب تساقط شعره ,
ولا فخامة بيته , و مآ شآبه من ماديات ,
فهو يدرك ان الله فضله على كثير من النآس ,
فضميره لازال يخفق , و عقله لازال يعمل , و لازال لديه الخيار ,
لكنه يتحسر على شيء اخر ,
اكثر اهمية , الا و هي ذاته ,
التي استسلم لها و تركها تحركه كل هذه السنوات ,
فيبقا السؤال يطرح على باله كل يوم ,
هل سيستعيد سامر ذاته ؟
الفصل الاول : يوم عمل آخر
تضرب اشعة الشمس عيني سامر , يفتح عيناه , و ينظر عبر النافدة ,
فيجد الجوء مشمس , يبتسم و يرفع غطاءه ,
ينهض و يتفقد هاتفه الموضوع فوق الطاولة ,
و يرى الساعة فيجدها الساعة السادسة صباحا , و يبتسم لانه نهض قبل المنبه ,
يلبس ملابسه و يتجه إلى الدوش و ينظر إلى المرآة ,
يمسك المشط و يتمعن فيه ,و يسال نفسه كالعادة :
لماذا احتفظ بهذا المشط بينما لا امتلك شعرا ؟
يعيده إلى مكانه , و يحمل علبة سجائر ,
و يقول ببرودة :
لكل منا عادات سيئة ,
يضع هاتفه في جيبه , و السماعات في اذنيه , مشغلا بعض الايات من القرآن ,
يمسك دراجته , و يخرج من العمارة , و بينما هو يقفل الباب ,
ينزل بعض الجيران , ولا يلقي احد السلام على الاخر , و كانهم متعادين ,
ينتظر سامر نزولهم , و يتظاهر انه يتفقد هاتفه ,
ثم ينزل بهدوء , و يحاول ان لا يصدر ضجيجا اثناء إنزاله لدراجته معه ,
يخرج من العمارة , و يركب دراجته و ينطلق ,
و الطريق لازالت مبتلة قليلا من امطار البارحة , و هو ينظر إلى نفس الجيران ,
نفس المحلات , نفس اللافتات , و يحاول ان لا يحزن ,
و يتعمق في سماع تلك الآيآت القرآنية ,
و بعد عشرين دقيقة , يصل إلى مقر العمل ,
بناية صغيرة تابعة لشركة محلية تقوم بانتاج الجرائد , مخصصة لتوزيعها ,
يملكها رجل اصوله فرنسية و لكنه عاش في انجلترا , اسمه كيفن ,
و رجع إلى مدينة لو هافر يوم توفق في انشاء هذه البناية المتواضعة ,
قام سامر بركن دراجته مع باقي الدراجات ,
و فتح الباب فوجد المدير كيفن يتكلم على الهاتف ,
و عندما رآى سآمر , رفع ابهامه , دلالة على ان الجرائد وصلت ,
و بعد ما راى سامر ذلك , توجه إلى الغرفة المخصصة لتخزين الجرائد ,
و حمل من الحقائب المملوئة بالجرائد ما تيسر حمله ,
و لكن المفاجاة كانت انه وجد كوب قهوة موضوعا على الطاولة ,
و ورقة بجواره مكتوب عليها :
بصحتك يا سامر .
تفاجأ سآمر و ابتسم , و لكنه احتار في نفسه , فهو لم يعرف صاحب هذه الرسالة ,
اخد القهوة و خرج من البناية , و سحب علبة السجآئر , و لكنه تفاجا بانه نسي الولاعة ,
فبدا الغضب يسيطر عليه , و هو يدير راسه باحثا عن شخصا حاملا سيجارة مشتعلة ,
و لكن سرعان ما فكر مجددا و اعاد تلك العلبة ,
و قال : لعلها خير , و بدا في شرب القهوة ,
خرج المدير كيفن , فنزع سامر السماعات و نظر اليه :
ارى انك توقفت عن التدخين , و استبدلته بالقهوة , خطوة جيدا يا ,,,,, -
- سامر يا سيدي , و شكرا على الإطراء ,
و اسف لانني لم انطلق بعد , فقد فكرت ان كاس قهوة سيساعدني على العمل بسرعة .
- لا لا , خد راحتك , فنحن محظوظون لان رجلا شريفا مثلك يعمل لدينا ,
و سرعان ما يرن هاتف كيفن مجددا و يدخل إلى البنآية ,
فيعيد سامر السماعات , و يستمتع بكوب القهوة ,
و يبتسم لان المدير اساء فهم الموضوع , و ظن انه استبدل التدخين بالقهوة ,
و هذه المرة يدير راسه فيجد متسولا نائما ,
فيتوجه اليه و يضع القهوة امامه و يقول :
-اسف , هذا كل ما لدي حاليا لاعطيك اياه ,
فسامر دائما ما يجده نائما و يترك له ما استطاع ,
يتركه سآمر , يسحب الدراجة من المركن ,
يثبت الحقائب في مقدمة الدراجة و ظهره و ينطلق ,
يتجه إلى الحي الفخم , و هذا اسوء جزء من يومه دائما ,
ففجاة تتغير الوان الحياة إلى الوان زاهية ,
و يظهر اخضرار الاشجار و الندى على اوراقها ,
و هو ينظر و يسحب جريدة تلو الاخرى و يرميها على الابواب ,
و يتحايل سامر دائما لينسى معاناته ,
فيركز في المكان التي تسقط به الجريدة , و يحاول ان يوصلها إلى اقرب مكان من الباب ,
و يركز في الآيآت القرآنية مجددا التي تمليها عليه اذنيه , و ينسا كل شيء , حتى لا يتالم ,
و يؤدي عمله على اكمل وجه ,
و بعد ما انتهى من هذا الحي , يدخل إلى الحي الفقير , و يمر على اول محل ,
و يسلمه ما تبقى من الجرائد ,
و هكذا ينتهي جزء من دوامه اليومي ,
و حينها عاد سامر الى المقر ليؤكد تسليم جرائده و ياخد راحة خفيفة ,
يدخل إلى كافيتيرا البناية , ينزع السماعات , و يجلس و لا يطلب شيء , ما عدا الولاعة ,
فيقول عامل الكافيتيرا انه لا توجد ولاعة , فيستغرب للامر ,
و يقول :
- الا يريدني العالم ان ادخن ام ماذا ؟ اريد اي ولاعة لعينة !!
و لكن لا احد يستمع , و كيف لا , و صوته لم يكن مسموعا منذ البداية ,
هذا هو سامر , انسان متواضع , عمل بسيط , لا اصدقاء ولا عائلة , رب عمل محب ,
و شخص اعطاه القهوة ولا يعرفه ,
يضع راسه على الطاولة , و هاتفه بين عينيه , و هو ينظر إلى الساعة
و ينتظر وقت انتهاء الاستراحة , لكي يكمل عمله ,
فيجد رسالة تقول :
- هل استمعت بكوب القهوة ؟
يرفع راسه عاليا و يحك راسه :
- من هذا الشخص ؟
الرقم مجهول , و لم يبعث لي احد برسالة منذ شهور , مالذي يحدث ؟
فيحاول الاتصال به , فلا يعمل هاتفه , يخرج من البناية ليحاول مجددا ,
فيجد انه لا يملك رصيدا كافيا للقيام بذلك , و بعد ذلك مباشرة ياتي منبه انتهاء الاستراحة ,
فيقول في نفسه :
لعلها خير , فليس لدي وقت لهذه التفاهات , يجب علي استلام الرسائل و الانطلاق لتسليمها ,
نعم , انه وقت تسليم الرسائل , اين يستلم سامر البعض منها ,
و ينطلق إلى اماكن منها القريبة و منها البعيدة ,
مستعملا دراجته , و هذا هو الجزء الذي يحس فيه سامر بالوحدة القاتلة يوميا ,
فيدخل مجددا إلى غرفة تخزين الجرائد , و يجد الرسائل موضوعة على الرف الاعلى ,
و يتفاجا انها رسالتين فقط اليوم , فيقول في نفسه :
-يبدوا انه ليس لدي عمل كثير اليوم , لم اخطط لهذا , يمسكها و يتحقق من العنوانين ,
و يقول :
- مهلا , اسحب كلامي , العنوانان بعيدان , و الطرق مبللة بالمياه ,
و هذا يعني انه لا يمكنني الإسراع في الطريق ,
حسنا , اظنه احسن من الجلوس بدون فعل اي شيء ,
يحمل الرسالتين و يضعهما في الحقيبة و يخرج من البناية , يضع السماعات مجددا ,
و يثبت الحقيبة على ظهره و ينطلق !
بعد دقائق تصله رسالة على هاتفه مجددا ,
فيتملكه الغضب فجاة , يوقف الدراجة و يتحقق من الرسالة ,
فيجد ان نفس الشخص ارسل له رصيد ,
فيقول في نفسه :
- هل هذا الشخص مريض نفسيا ؟ يريدني ان اتصل به ,
و لكن كيف عرف انني لا امتلك الرصيد الكافي ؟
لابد انها فتاة , فتاة ضالة لم تجد ما تفعله فاختارت شخص
لا حياة له مثلي لكي تمضي به وقت فراغها ,
لا حول ولا قوة الا بالله , عافاني الله , و رزقني ببنت الحلال إن شآء و اراد .
يعيد الهاتف إلى الجيب و ينطلق مجددا , تمر الدقائق و تلحقها الساعات ,
و اذنيه تتالمان من السماعات و لكنه مركز مع تلك الآيآت القرآنية ,
حتى وصل إلى العنوان الاول ,
بيت ابيض كبير نوعا ما , يركن دراجته و يطرق الباب ,
فتفتح له تلك العجوز , قائلا :
-رسالة لك يا خالة , تفضلي !
ينظر اليها و يبتسم , فهو يؤمن بان الابتسامة صدقة ,
و سرعان ما تمسك العجوز بالرسالة فينطلق إلى دراجته ليكمل طريقه ,
و لكنها تناديه:
-يا ولدي , ادخل , انا ادعوك إلى كاس قهوة .
فيطاطئ راسه خجلا و يقول :
- اشكرك كثيرا على الدعوة , و لكن كما ترين ان لدي عمل اقوم به ,
و هنالك اناس ينتظرون الرسائل بفارغ الصبر , و ....
العجوز مصرة :
- ارجوك يا ولدي , ان تدخل و تشرب كأس قهوة ,
هل سترفض طلب سيدة عجوز مثلي ؟
يقول سامر في نفسه كالعادة :
- لعلها خير !
و تقول العجوز في نفسها :
- ارجوا ان لا يكون مضمون هذه الرسالة ما اتوقعه !
**
**
يَتْبَعُ, شَكِرَا لِلْقِرَاءةِ,
أَنْتَظِرُ أَراءَكُمْ,
سلامُي.