السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
و الصلاة و السلام على الحبيب المصطفى
اما بعد اخوتي اعضاء و رواد منتدى اللمة
موضوعنا اليوم
نتناول فيه شخصية
تاريخية من مدينتي شلالة العذاورة
مصطفى لشــــرف [الأشرف]
عندما نتحدث عن مصطفى الأشرف، فإننا لا نخص بالذكر ذلك الوزير الدبلوماسي أو حتى رئيس المجلس الأعلى للدولة، ولا ذلك المناضل الثوري، بل ذلك المثقف والصحفي الواعي الموضوعي والوطني الثابت بل والمؤرخ الاجتماعي، هذا الوجه الذي يجهله الكثير ويتجاهله البعض، إلا أن آثاره وأعماله لا يمكن لأي كان تجاهلها أو إهمالها، لأنها تنطق بالحق وتشهد على رجل فقدته الساحة الثقافية والفكرية الجزائرية• مصطفى الأشرف (7 مارس 1917 - 13 يناير 2000) كاتب ومؤرخ وعالم اجتماع جزائري. ينحدر من عرش أولاد بوزيان بدوار الكرمة بلدية شلالة العذاورة(Maginot) ولد مصطفى الأشرف في 7 مارس 1917 بمدينة شلالة العذاورة الواقعة بالهضاب العليا، (التيطري) بولاية المدية، الجزائر. ودرس في جامعة السوربون في باريس.
بعد التخرج عاد ليعمل في ليسيه مستغانم، وانضم إلى حزب الشعب الجزائري عام 1939، وكانت له مشاركات واسعة متميزة في الصحافة النضالية مكنته من التنقيب عن العديد من الأصول التاريخية الجزائرية، ومن تكوين رؤية نضالية مرتبطة اشد الارتباط بنضال الشعب الجزائري عامة.
التحق مصطفى الأشرف بالثورة الجزائرية منذ الشرارة الأولى، وفي أكتوبر 1956 القي عليه القبض في حادثة القرصنة الشهيرة إلى جانب أربعة قياديين آخرين (بن بلة، آيت أحمد، بوضياف، خضر) ليقضي عدة سنوات في السجن·
كان عضوا في المجلس الوطني للثورة، ومن المشاركين في صياغة ما يسمى ببرنامج طرابلس، ذلك الذي حدد بكل وضوح الأساس الذي تقوم عليه الدولة الجزائرية، أي طابعها الديمقراطي الشعبي·
وبعد الاستقلال شغل مناصب عديدة من بينها مستشار لدى الرئيس هواري بومدين؛ حيث شارك في صياغة الميثاق الوطني وعين بعد ذلك وزيرا للتربية الوطنية، ثم سفيرا لبلاده في أمريكا اللاتينية، ولم يتوقف خلالها عن الكتابة التحليلية التاريخية الجادة·
وبعد الأحداث والتقلبات الخطيرة التي عرفتها الجزائر، والتي كادت تطيح بدولتها، انتمى مصطفى الأشرف إلى المجلس الاستشاري الوطني مدللا بذلك على صدق نظرته إلى التاريخ الجزائري وضرورة أن يكون هذا البلد واقفا وقفة راسخة كدولة عصرية وبالاعتماد على قدراته الذاتية في المقام الأول.
ظروف نشأته
ينتمي مصطفى لشرف إلى منطقة العذاورة(التيطري)، وكان أبوه موظفا في جهاز العدالة، الأمر الذي مكّنه من مزاولة تعليمه في مدينة الجزائر بثانوية بن عكنون والمدرسة الثعالبية، ليواصل بعدها دراسته العليا في جامعة السربون بفرنسا. وعقب تخرجه، مارس التعليم في العديد من الثانويات لبعض الوقت في الجزائر وفرنسا. إن ما يلفت الانتباه في حياته أنه رضع ثقافتي الريف والمدينة على حد سواء، باعتبار أبيه "فحصيا" من الريف، وأمه "حضرية" من قصبة مدينة الجزائر، ولا شك أن ذلك قد مكّنه من الإحاطة بمكونات الثقافة الجزائرية إحاطة عميقة، وساعده على صقل توجهه الوطني عند بلوغه سن الرشد.
كتاباته
شغلت الكتابة، بمختلف أشكالها، حيزا هاما في حياة مصطفى الأشرف، وكان إنتاجة جد زاخر وثري•
بدأ الأشرف قصته مع الكتابة من خلال الصحافة المكتوبة ونشر أول نصوصه الأدبية في La dépêche algérienne و le quotidien d'Alger و L'action algérienneالتابعة لحزب الشعب الجزائري، كتب عدة مقالات حول بعض الكتب والروايات الصادرة آنذاك، نشرت في عدة جرائد ومجلات أدبية• ولقد تعددت المقالات التي كان يكتبها في مختلف المنشورات.
أما عن الكتب التي قام بنشرها فهي أيضا عديدة وذات مواضيع مختلفة، وكان أولها في عام 1947 تحت عنوان Petits poèmes d Alger وهي مجموعة شعرية.
في عام 1953، نشر كتابه الثاني بعنوان Chansons de jeunes filles arabes • وكان أول كتاب له Colonialisme et féodalités,indigènes en Algérie إفي إطار الفكر الاجتماعي، والذي كان طرحا ومحاولة لشرح كل هذه العناصر في المجتمع الجزائري في تلك الفترة، وقد نشر الكتاب عام.1954 وقد سجل عام 1965 ميلاد أهم كتاب له في علم الاجتماع التاريخي، تميز بعمق التحليل وغزارة الأفكار والمعلومات الواردة وقوة المرجعية المعتمدة، الكتاب نشر تحت عنوان الجزائر أمة ومجتمع عند Maspero في فرنسا• وقد تم إعادة نشره في الجزائر عام.1988 وتواصلت كتاباته، ففي عام 1981 نشر كتابالتاريخ، الثقافة والمجتمع عند المركز الثقافي الجزائري.
وشهد عام 1982 صدور كتاب مهم لمصطفى الأشرف في سياق الفكر الاجتماعي بعنوان Algérie et tiers-monde وكان عبارة عن جملة تحاليل ونصوص تتناول موقع الجزائر في العالم، وكذا تفاعلها مع الأوضاع الدولية والرهانات المعاصرة• يعود مصطفى الأشرف، وبعد قطيعة طالت إلى النصوص الأدبية، وذلك من خلال كتاب Littérature de combat, essais d introduction وذلك عام1991 • وإن لم يكن الكتاب أدبيا محضا، إلا أنه مزيج من النقد الأدبي والأدب مع ربط الكل بالمقاومة.
ومع تقدم سنه، وبعد أزيد من خمسين سنة من التأريخ الاجتماعي للجزائر، فكر مصطفى الأشرف في التأريخ لحياته الحافلة بالأحداث والتجارب الإنسانية، وقرر كتابة سيرته الذاتية• وعلى خلاف الطرق المعتمدة في هذا النوع من الكتب، انفرد الأشرف بطريقة خاصة في كتابته لسيرته الذاتية، حيث ابتعد عن السرد الروائي وكتبها بأسلوب السرد التاريخي، وكأنه يكتب عن أحداث تاريخية، ومزج بين تاريخ حياته وتاريخ بلاده، وبهذا جاء ميلاد Des noms et des lieux, mémoire d une Algérie oubliée وكان ذلك عام 1998 عند دار القصبة للنشر الكتاب، وقد نال الكتاب شهرة كبيرة، وترجم إلى اللغة العربية تحت عنوان أعلام ومعالم، مآثر عن جزائر منسية• وآخر ما نشر لمصطفى الأشرف كان عام 2005 تحت عنوان القطيعة والنسيان Les ruptures et l oubli وكان عبارة عن دراسة تحليلية للاديولوجيات التخلفية والرجعية في الجزائر، وذلك خلال العشرية السوداء وتصاعد العنف. هي إذن، مسيرة أكثر من خمسين عام في ضيافة الفكر والتأليف والعمل والجهد المضني في خدمة القضية الوطنية بكل أبعادها، سواء قبل الاستقلال أو بعده، حيث ساير هذا الرجل الوطن في كل مراحله وأوضاعه، وساهم بقلمه في تنوير أبناء جيله، هذا الرجل الذي لم ينقطع يوما عن أحلام الجزائر، أراد جزائر للجميع، وخاصة للجزائريين، رجل فضل الوطنية على القومية، العقلنة على المعاصرة المتهورة، بعيدا عن كل الشعارات الفارغة التي لا تؤسس لأي فكر أو هوية•
مصطفى الأشرف.. والوطنية الجزائرية العريقة
يعتبر مصطفى لشرف من الأعلام البارزة التي طبعت عصرنا بمآثره الجامعة بين النضال وتعاطي السياسة من جهة، وبين الحراك الثقافي بما أنجزه من أعمال فكرية تمحورت حول الهوية الجزائرية بكل مقوماتها الأساسية، من إسلام وعروبة وأمازيغية.
والملفت للانتباه في نشاطه أن مقارباته كانت موضوعية، ذات مسحة علمية، أساسها الحفر في الواقع الثقافي والاجتماعي المعيش، وبعبارة أخرى كان يقرأ واقعنا كما هو كائن، ولم يحاول ليَّ عنقه بـ "الطرح الإيديولوجي" الذي يجعل المرء يتجاوز هذا الواقع، ليضع له صورة مستوحاة من تصوره الذي لا يتطابق مع الواقع.
اعتناقه للفكر السياسي التحرري
كانت مظالم الاستعمار الفرنسي بارزة للعيان، إلى درجة أن صار الجزائري يشعر بالغبن والحيف، حيثما حل وارتحل، في الشارع والمدرسة والحقول ومجالات العمل الأخرى، فحتى الجزائريون المحظوظون - الذين نالوا حظا من التعليم - لم يشفع لهم امتلاكهم لناصية اللغة الفرنسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر دأب المعمّرون على رفض جلوس أبنائهم بجنب أبناء "الأهالي" في المدارس، ورفض مجاورتهم في السكن، أو الاحتكاك بهم حتى في المجال الرياضي الذي عرف فصلا بين فرق المعمرين وفرق الجزائريين(!). والحق أن هذه السياسة العنصرية القاهرة المفروضة على الجزائريين في عقر دارهم، قد أدت إلى إشاعة السخط والتذمر والشعور بالمذلة في أوساطهم، ثم لم تلبث أن لعبت دورا لا يستهان به في بعث الشعور الوطني لدى الجزائريين. لذلك فمن الطبيعي أن ينجذب مصطفى لشرف الشاب المتخرج من الجامعة لتوِّه، نحو الفكر السياسي التحرري، الذي تبناه "حزب الشعب الجزائري"، وكان ذلك قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وهذا وقد وضع قلمه ولسانه في خدمة أفكار الحزب الوطنية ذات البعد التحرري. وفي هذا السياق، كتب في منابرها الصحفية السرية (البرلمان الجزائري، العمل الجزائري) وغيرها. وعندما ظهر الحزب من جديد باسم (حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1946م)، أهله مستواه المعرفي والسياسي لتبوُّؤ منصب كاتب المجموعة البرلمانية، ثم انتقل إلى النضال في فرنسا حيث ساهم في نشر أفكار الحزب عبر صحافة الحزب، خاصة صحيفة (النجم الجزائري) التي تولّى رئاسة تحريرها.
دوره في الثورة وبناء الدولة
هذا وقد واصل في تأدية مهامه الإعلامية والدعائية أثناء الثورة الجزائرية، إلى أن ألقي القبض عليه مع قادة للثورة، في حادثة اختطاف طائرتهم من قبل السلطات الفرنسية في أكتوبر 1956م، وبعد أن أطلق سراحه لأسباب صحية، فرضت عليه الإقامة الجبرية، لكنه نجح في الانفلات من قبضة الفرنسيين والالتحاق بصفوف الثورة. ثم ساهم في إعداد برنامج مؤتمر طرابلس، وكلف بقراءته أمام المؤتمرين في جلسة المجلس الوطني للثورة الجزائرية بصفته عضوا فيه. أما بعد استرجاع الاستقلال، فقد ظل شخصية بارزة في المجالين السياسي والثقافي، ساهم في تحرير وصياغة الاختيارات السياسية الكبرى للدولة الجزائرية، كما تبوأ منصب وزير التربية، ليعين بعده مندوبا دائما للجزائر لدى منظمة (اليونسكو)، ثم أنهى مساره السياسي - باعتباره رجل دولة - في منصب السفير. وبعد الانفتاح السياسي ساهم في تأسيس حزب (التحاف الوطني الجمهوري) إلى جانب رفيق نضاله رضا مالك.
ترميم الذاكرة الجريحة، وقراءة وطنية لثورة بوبغلة
أدرك مصطفى لشرف بحصافة رأيه وبعد نظره، أن جرائم الاستدمار الفرنسي أكبر من أن تحصر في الجانب المادي والعمراني والبيئي فقط، إذ أحدثت جرحا غائرا وشرخا عميقا في دواخل المجتمع الجزائري جراء تدمير المؤسسات التعليمية والروحية، من مدارس وزوايا وكتاتيب، ومساجد، في الأرياف والمدن، وكذا اغتصاب رصيدنا الفكري عن طريق نهب الآلاف من الكتب والمخطوطات، وفرض سياسة التفقير بعد مصادرة أراضي الجزائريين وحرمانهم حتى من الرعي في الغابات، فضلا عن تحطيم النظم الاجتماعية التي شبّ عليها الجزائريون، وهو الأمر الذي أدى إلى تفكيك الروابط الاجتماعية وتعطيل ميكانيزمات التكاتف والتآزر والتضامن بين الجزائريين، ليفسح المجال أمام ذهنية جديدة وغريبة عنهم، ألا وهي "الفردانية" التي شتتتهم وجعلتهم لقمة سائغة لأطماع الاستعمار. ولئن كان إنتاجه الفكري قد تميز بالغزارة والوفرة، فإن كتابه "أعلام ومعالم"- الذي صدرت ترجمته العربية عن دار القصبة للنشر، في إطار سنة الثقافة العربية بالجزائر،- يعد بمثابة "سفر" فكره العميق، ووطنيته المتوهجة، ووفائه الخالص للجزائر، فهو بمثابة خلاصة الذخيرة المستخلصة من قراءته المتأنية والنافذة إلى أغوار تاريخ الجزائر العميقة، انطلاقا من تجربته الشخصية التي بناها على أساس "... الفضول، على الملاحظة ثم على التفكير في المسائل الوطنية، وهذا انطلاقا من قرية الطفولة، ثم المنطقة فالبلد بأكمله، من الأقرب إلى القريب. ص 18.". أما الخطاب الإيديولوجي "المسطر مسبقا" فهو يعتبره تشويها لصورة الوطنية الجزائرية العريقة. بحث مصطفى لشرف عن الوطنية الجزائرية العريقة، فوجدها في أنقاض تقاليد سابقة في الكفاح والمقاومة التي كانت بمثابة "... مؤشر حقيقي لحصول الوعي في مجالي التاريخ والهوية الثقافية في حالته الخام أو شبه الجاهزة. ص18. ". هذا واستطاع مصطفى لشرف بذكائه الوقاد أن يستخلص قراءة وطنية من جهاد المدعو "بوبغلة"، الذي أذاق الفرنسيين الأمرين بفضل نجاحه في تفجير الثورات حيثما حل، منطلقا من الغرب الجزائري، ليصل إلى شلالة لعذاورة (التيطري)، ليستقر في منطقة زواوة (القبائل) أين قاد ثورة عارمة بمشاركة لاله فاطمة نسومر خلال فترة (1851- 1854 م). وقال عن هذه الصفحة المشرقة من الجهاد الوطني الجزائري: "... جاء أحدهم وهو لمجد عبد المالك، كان يلقب بـ "بوغلة"، من غرب البلاد، وتصاهر مع عائلة من "المرابطين" من منطقة العذاورة، ثم أقام مدة طويلة عند لعذاورة (ومنه المركز الإداري المعروف اليوم بشلالة لعذاورة)، حيث خطط للعمليات الحربية مع رفاق باسلين من منطقة التيطري، كانوا إلى غاية 1847م، تابعين لسلطة بن سالم، خليفة الأمير عبد القادر لمنطقة "سيباو" [ولاية تيزي وزو]. وقد سبق أن حارب الجميع تحت راية الأمير عبد القادر وقيادة فريقيه، حسبما ذكر به "ن. روبان n. robin "، كما حاربوا في صفوف المقاومة القبائلية. أعلنت بعض المجموعات عن انضمامها إلى "بوبغلة، وهي المجموعات الواقعة في سهول الجرجرة أو في حوض واد الساحل (صومام) على غرار بني مليكش بني منصور، بني صدقة، ايت منقلات، مما تسبب في زرع الرعب في صفوف الجيش الاستعماري لمدة أربع سنوات". ص 23. إن ما تجدر الإشارة إليه أن هذا النص مفعم بدلالات سياسية عميقة، تؤكد انكسار سياسة "فرق تسد" الاستعمارية على صخرة الوطنية الجزائرية، التي جعلت سكان زواوة يلتفون حول جهاد الأمير عبد القادر، خلافا للدعايات الفرنسية المغرضة التي تزعم أن أهل القبائل رفضوا الانضمام إلى صفه. والتي نجحت أيضا في إفشال مشروع "الوهم القبائلي" ذلك المشروع الذي حاول صنع "لبنان الجزائر"، كما سماه الكاردينال لافيجري. ولا شك أن إسناد أهل هذه المنطقة أمر قيادة الجهاد للزعيم (بوبغلة) القادم من غرب الجزائر يعد مظهرا من مظاهر وطنيتهم.
معالم أمازيغية في التيطري
نظر مصطفى لشرف إلى الواقع الوطني بآلية الملاحظة، فوجد البعد الأمازيغي قائما إلى جنب البعد العربي من خلال أسماء الطيور والأعشاب والأعلام والأماكن في منطقة التيطري "... بعد مدة زمنية دفعت بنا التجربة الميدانية والحاجة إلى التعرض لذكر الأشياء والكائنات التي تعوّدنا عليها، دون حاجة إلى أن ينبهنا إلى ذلك أحد، دفعت بنا إذن إلى اكتساب إحساس بخاصية اللغة، من خلال أحجار تعود إلى طبيعة الصخور التي نصادفها، والنباتات أو مختلف الأعشاب، وأحيانا الطيور الصغيرة أو الكبيرة التي كنا ننصب لها الفخاخ، أو نأخذ أعشاشها... كنا نلاحظ أسماءها البربرية الموغلة في القدم، والعربية أحيانا، بل وحتى البونيقية، أي الفينيقية... إن الكثير من أسماء الأمكنة، في جميع أنحاء الجزائر بل وحتى في الفضاءات التي كانت مجالا للترحال البدوي القديم، الناطقة بالعربية، والفضاءات الحالية للجماعات المستقرة (حيث وجد أيضا ترحال أمازيغي بالجمال...) كانت كلها ولا تزال ذات أصول بونيقية أو ليبية - فينيقية، أي كانت ببساطة بربرية". ص20. ثم أشار إلى الحضارة الزيرية الأمازيغية (في القرن العاشر الميلادي) التي احتضنتها منطقة التيطري، وكانت "أشير"عاصمة لها قبل أنتقال ملوكها إلى القيروان. كما استخلص من محيطه الجغرافي أسماء أعلام أمازيغية ذكر منها: مناد، زيري، مكسن، مصمودي زناتي، صنهاجي، وردت باللغتين الوطنيتين العربية والأمازيغية، وغيرها من الأسماء وصلتنا بشيء من التعديل. هذا وقد عاب الكاتب على المسؤول الأول لوزارة الداخلية في مطلع السبعينيات، عدم تصحيحه للحالة المدنية المشوهة على أيدي الإدارة الفرنسية، وذلك بأخذ البعدين الحضاريين، العربي والأمازيغي بعين الاعتبار. ومن جهة أخرى، لاحظ مصطفى لشرف أن الأمازيغية قد حافظت على بعض الكلمات العربية، وهي غير مستعملة في اللسان العربي العامي، مثل "صعقا" المحسوبة للأمازيغية، وهي عربية فصحى (الصاعقة). هذه مجرد إطلالة متواضعة جدا على فكر هذا المثقف الفذ، الذي يحتاج إلى قراءات عديدة لإبراز معالم معارفه الثقافية - الاجتماعية الموسوعية، التي نحتاجها في بناء الفرد الجزائري، لذلك لا مناص من إدراج بعضها ضمن البرامج التعليمية في إطار إصلاح المنظومة التربوية.
® Hamza Usma©