قُم بوضع موصل كهربائي في الأرض وأطلق العنان للتيار الكهربائي ليمر فيه وستأتي من كل مكان، إنها خلايا حيّة تتغذي على الكهرباء!
اكتشف العلماء من قبل أنواع مختلفة من البكتيريا التي يمكنها أن تصمد وتعيش في مصادر مختلفة للطاقة ولكن هذه البكتيريا الكهربائية كما يطلقون عليها مختلفة وغريبة وموجودة في كل مكان!
بخلاف كل الكائنات الحيّة على الأرض، البكتيريا الكهربائية تستخدم الكهرباء في أنقى صورها، حيث تحصد الإلكترونات من الصخور والمعادن. وقد تعرّف العلماء حتّى الآن على نوعين فقط من هذه البكتيريا أطلقوا عليها Shewanella و Geobacter. وتمكّن علماء الأحياء حالياً من إغراء هذه البكتيريا للخروج من الصخور والمعادن باستخدام مصادر الكهرباء!
تبيّن من عدة تجارب تضمنت زرع هذه البكتيريا في البطاريات أنها تتغذى على الإلكترونات بل وتفرزها أيضاً، وقد لا يكون هذا الأمر مفاجئة على المستوى العلمي لأن كل الكائنات الحيّة تقريباً تفعل ذلك ولكن بصورة غير مباشرة فالبشر مثلاً يأكلون السكريات التي تحتوي على كمية كبيرة من الإلكترونات ثم تقوم خلايانا بتكسير هذا السكر وتنتقل الإلكترونات منه عبر سلسلة من التفاعلات الكيميائية المعقدة إلى أن تصل إلى الأكسجين المتعطش للإلكترونات لتلتصق به لكي يقوم بتوزيعها على كامل الجسم.
لعلّكم قد سمعتم من قبل في حصص العلوم والأحياء عن مركب ATP، إنه جزئ يعمل كوحدات تخزين للطاقة في كافة الكائنات الحيّة، تحريك الإلكترونات في الجسم ونقلها هو المفتاح الأساسي لصنع هذا المركب، هذه هي الطريقة التي تصنع بها كل الكائنات الحيّة طاقتها. الإلكترونات يجب أن تتحرك ليكون هناك طاقة لذلك عندما تقطع الأكسجين عن أي كائن حي سوف يموت خلال دقائق لأنك في هذه الحالة أوقفت حركة الإلكترونات في الجسم وبالتالي ستتوقف كل الأعضاء عن العمل لعدم وجود طاقة.
تتميّز هذه البكتيريا بعدم وجود كل تلك التفاصيل والمراحل فهي تتغذى وتتنفس (تفرز) الإلكترونات في صورتها النقيّة، لزرع هذه البكتيريا في المعمل قام العلماء بجلب بعض الرواسب من قاع المحيط (حيث تتواجد هذه البكتيريا بكثرة) ووضعوا فيها إلكترود (أقطاب كهربائية يمكنها توصيل الكهرباء من خلال الخلايا الحيّة) في البداية قاموا بقياس الجهد الكهربائي للرواسب قبل تعريضه لجهد مختلف، بزيادة الجهد سيمر عدد أكبر من الإلكترونات عبر الإلكترود وبخفض الجهد سيقبل الإلكترود الإلكترونات من أي شيء يحاول تمريرها من خلاله وبالتالي في حالة رفع الجهد فالبكتيريا ستقوم بأكل الإلكترونات الزائدة (عندها سيلاحظ العلماء أن الجهد لم يتغيّر) وفي حالة خفض الجهد ستقوم البكتيريا بإخراج الإلكترونات عبر الإلكترود وعندها سيتكوّن تيار كهربائي كدليل على وجود هذه البكتيريا.
بعض الباحثين توصل مؤخراً إلى 8 أنواع إضافية من هذه البكتيريا مختلفة تماماً عن بعضها البعض ما يؤكد وجود عالم كامل من هذا النوع لا نعرف عنه شيئاً بعد، تهتم وكالة ناسا أيضاً بهذا الاكتشاف من أجل دراسة قدرات هذه الكائنات على البقاء (خاصة أنها تعيش في أعمق بقاع الكرة الأرضية) وأسلوب معيشتها وهو ما قد يُساهم في رحلتها للبحث عن كائنات حيّة في الفضاء.
تطبيقات أخرى يمكن استغلال هذه البكتيريا فيها مثل تنظيف المجاري أو المياه الجوفية الملوثة يطمح العلماء أيضاً في استخدامها لإيجاد إجابات لأسئلة متعلقة بالحياة مثل ما هو الحد الأدنى من الطاقة الذي يحتاجه الجسم ليبقى على قيد الحياة؟.
يعتقد العلماء أيضاً أنهم في حال استخدام موصلين كهربائيين بدلاً من واحد ووضع البكتيريا التي تتغذى على الإلكترونات على أحدها والأخرى التي تتنفس (تفرز) إلكترونات على الآخر فستستمر على قيد الحياة إلى فترة لا يمكن التنبؤ بها ما لم يقتلها أحد لأنها سُتصبح عملية لا نهائية!
يمكن لهذه البكتيريا أن تكون سلاسل بكتيرية تقوم بتوصيل التيار الكهربائي بطول عدة سنتيميترات بالرغم من أن طولها لا يتعدى 3 مايكرومتر، الهدف من تكوين تلك السلاسل هو إيصال الأكسجين من السطح إلى البكتريا الموجودة في القاع وهو أمر بجانب ما سبق يفتح آفاقاً جديدة لما يمكن أن تستخدم فيه هذه البكتيريا ويُنبأ بظهور جيل جديد من مصادر الطاقة الحيوية التي ستعتمد على هذه البكتيريا.
يمكنكم مشاهدة السلاسل التي كوّنتها البكتيريا في الفيديو التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=3j_gJ2teK5E
لكم أن تتخيلوا ما يمكن أن يفتحه هذا الاكتشاف من آفاق واسعة يمكنها أن تحول أفلام الخيال العلمي إلى حقيقة!..