غروب الشمس في الشفق
دخلت الزوجة المحكمة وهي تنتظر حكم بالأعدام ضد زوجها وابن عمها الذي أتهمته "بقتل أطفالها الثلاثة بعدما تآمر مع أحد الأطباء ليقوم بحقنهم بعقاقير مميتة فور ولادتهم وأخفاء الأمر وأخبراها بأنهم ولدوا ميتين" , ألا أن الزمان كان كفيلا بكشف أمره وفعلته الشنيعة أمام الجميع والقانون وقبلهم زوجته التي جعلها ثكلى .
وحين سألته زوجته في المحكمة عن السبب ولما قتل أطفالها وكيف تجرأ وتجرد من الأنسانية وأرتكب هذه الجريمة لمن هم من صلبه ؟ لم يرد عليها .. بل ظل هادئا بارد المشاعر متكأ على الجدار ينتظر القاضي ليصدر حكما بحقه ؟
وبعد أن أنتهت مداولات القضية حكم على الزوج "بالسجن المؤبد" .. مما أغضب زوجته وعائلتها ومن تعاطفوا معها .. وأثاروا شغبا في المحكمة بسبب هذا الحكم الذي لم ينصفها ولم ينصف أبنائها الذين لم ترهم حتى .
كان الجميع يتكلم عن هذه القضية وعن مدى وحشية الأب وحيوانيته وقساوة قلبه .. ولكن تواجده في السجن كان كالجحيم الذي أنصب عليه من كل جانب , إذ أن السجناء تلاقفوه فيما بينهم وتكالبوا عليه طوال الوقت "هذا يصفعه وهذا يغتصبه وهذا يجرعه آلام السكاكين" وكأني بهم ينتقمون لزوجته وأطفاله ولم يتركوه حتى لينام ليله , كان يعيش حالة نفسية يشفق عليه حتى من يطالبه بدم .
مرت 3 سنوات عجاف على الزوجة التي لا زالت تنعى أبناءها الثالثة والضيم والقهر قد تآكل قلبها على زوجها وقاتل أطفالها الذي لم ينل عقابه الذي يستحق , وفي ذات ليلة شعرت الزوجة بوعكة صحية ألمت بها فذهبت إلى المستشفى وأجريت عليها الفحوصات اللازمة وأخذت دواء لعلاجها وغادرت المستشفى .. ولكن ما أن وصلت إلى الباب حتى تذكرت بأنها نسيت حقيبتها في غرفة الطبيبة .. فرجعت مرة أخرى حتى وصلت باب الغرفة .. ولكنها قبل أن تدخل تفاجأت حينما "سمعت الطبيبة تتحدث عنها مع إحدى زميلاتها" ؟ فتعجبت من ذلك الأمر وجلست تستمع إليهم ؟
- الطبيبة تقول لزميلتها : هل رأيتي المرأة التي خرجت قبل قليل ؟
- الزميلة : نعم .. ماذا بها ؟
- الطبيبة : كانت متزوجة من أبن عمها .. وكان يتملك شجاعة ومرؤة وشهامة تقشعر منها الأبدان .. رجل يخط الجود أسمه .
الزوجة تقف خلف الباب تستمع لذلك وكأن صاعقة أصابتها من كل ما سمعت , أقتربت من الباب أكثر لتستمع إلى الحديث جيدا ...
- الطبيبة تكمل : قبل سنين طويلة كنت أعمل في "مستشفى للولادة" .. فجاءت لزياراتنا هذه المرأة ثلاث مرات وكانت "حاملا" .. وأنجبت جميع أطفالها "مشوهين للغاية , نصفهم حي ونصفهم ميت" .. فأمر زوجها بحقنهم بعقاقير مميتة "بعد أن وقع على ورقة طبية وأخرى شرعية يثبت فيها عدم قدرتهم على العيش" , وبعدها أتفق مع الطبيب على أخفاء الأمر عن زوجته لكي "لا يجرحها ويؤذي مشاعرها" .. ولكن هل تصدقين بأن زوجها الآن يقضي عقوبة السجن مدى الحياة بسبب هذه القضية .. لأنه لم يعترف بذلك في المحكمة .. لم يرد لزوجته أن تعرف بهذا الأمر .. لا أعرف أي مرؤة يمتلكها هذا الرجل .
لم تتمالك الزوجة دموعها حينما سمعت , وكأن الأرض تهتز تحت قدميها لم تستطيع الوقوف أكثر .. شيئا ما قصمها جعلها تجلس على الأرض .. لتستمع للبقية ...
- الطبيبة تكمل : وهل تصدقين سمعت من "شقيقات زوجها" بأنه كان يحب فتاة أخرى وينوي الزواج منها .. ولكنه عندما علم بأن "أبنت عمه" كانت تحبه منذ الصغر وتحلم بالزواج منه ورفضت كل من تقدم لخطبتها لأجله .. كانت لديه الشجاعة أن يترك من يحبها ويتزوج من "أبنت عمه" لكي لا يكسر قلبها .
أصيبت الزوجة بمقتل بعد سماعها لكل تلك التضحيات من من كان زوجها ذات يوم وأتهمته بقتل أطفالها , فلم تحتمل كل هذه الصدمات بل سقطت على الأرض مغشيا عليها , بسرعة جاء الأطباء وحملوها إلى غرف العمليات وقاموا بإجراء جراحة بسيطة لها حتى أستفاقت من غيبوبتها ومما هي فيه من شعورها بالذنب لما فعلته بزوجها .
بسرعة لم تنتظر ذهبت إلى عائلتها وعائلة زوجها وأخبرتهم بما حدث , ومن جانبهم أيضا ذهبوا إلى الشرطة وأعلموهم بكل تفاصيل الحكاية وطالبوا بفتح القضية مجددا لتبرئة الزوج الذي أصبح في حالة يندى لها الجبين , وبالفعل كان لهم ما أرادوا أستأنفت القضية لأيام عدة حتى الجلسة الأخيرة في المحكمة والتي برء على أثرها الزوج ؟
فسأل القاضي الزوج في المحكمة بعد صدور حكم البراءة بحقه : هل تريد أن تقول شيئا .. هل تريد أن نساعدك بعد ما مررت به ؟
ظل الزوج هادئا وما أشبه اليوم بالبارحة وكأنه يسترجع جلسات المحكمة الأولى التي قضى فيها ثلة من عمره في جحيم الزنازن وتحت رحمة السجناء وبكاء العنابر .. للحظات على هدوءه وسكونه ثم دمعت عيناه وقال : أنا الذي تدمرت حياتي دون سبب , بدل أن تعزوني في أطفالي سجنتموني , صبرت لأجل زوجتي وهكذا تكافئوني , تدمرت سمعتي ونبذتني عائلتي والجميع ينظر إلي وكأن الحقارة دوني , فعلوا بي أشياء لن يفعلها أنسان في حيوان ربي لذبحه , وأكثر ما آلمني بأنهم حرموني حتى من البكاء على أطفالي وعلى نفسي , حين أصرخ آه متوجعا يأتي الجميع ويصفعني ويضربني وليتهم يكتفون بذلك بل يغتصبوني ولم يحترموا شيبة سني وكرامتي التي أفتخرت بها ذات يوم .
تعتع الزوج في بكاءه للحظات .. ردد بعدها مرتين : ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ) .. ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ) .
سكت برهة من الوقت فضجت المحكمة بالبكاء من مرارة الزوج وحسرته , قليلا ثم رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم أشهد عليهم , لقد آذوني .
خرج الجميع من المحكمة والأحزان والندم قد سبقتهم , تجمع الحضور من حول الزوج يتعاطفون معه ويواسونه جراحه ومصابه , وراح الجميع يطلب منه أن يقومون بإيصاله إلى منزله .. إلى أنه رفض ذلك وطلب منهم أن يتركوه وحيدا يذهب سيرا على قدميه .
وبالفعل كلٌ ذهب في طريقه , والزوجة مع عائلتها في منزلها ينتظرون عودته ليكفرون عن أخطائهم التي فعلوه معه .. لكن الدقائق والساعات مرت والزوج لم يعد .. خرج من المحكمة ولم يسمعوا عنه خبرا بعد ذاك أو أسما أو حتى ذكرى .. فلا أحد يعرف أين أستقرت به الأرض .. أختفى في صمت وهدوء كلحظات غروب الشمس في الشفق .
قلم \ مضطرب
دخلت الزوجة المحكمة وهي تنتظر حكم بالأعدام ضد زوجها وابن عمها الذي أتهمته "بقتل أطفالها الثلاثة بعدما تآمر مع أحد الأطباء ليقوم بحقنهم بعقاقير مميتة فور ولادتهم وأخفاء الأمر وأخبراها بأنهم ولدوا ميتين" , ألا أن الزمان كان كفيلا بكشف أمره وفعلته الشنيعة أمام الجميع والقانون وقبلهم زوجته التي جعلها ثكلى .
وحين سألته زوجته في المحكمة عن السبب ولما قتل أطفالها وكيف تجرأ وتجرد من الأنسانية وأرتكب هذه الجريمة لمن هم من صلبه ؟ لم يرد عليها .. بل ظل هادئا بارد المشاعر متكأ على الجدار ينتظر القاضي ليصدر حكما بحقه ؟
وبعد أن أنتهت مداولات القضية حكم على الزوج "بالسجن المؤبد" .. مما أغضب زوجته وعائلتها ومن تعاطفوا معها .. وأثاروا شغبا في المحكمة بسبب هذا الحكم الذي لم ينصفها ولم ينصف أبنائها الذين لم ترهم حتى .
كان الجميع يتكلم عن هذه القضية وعن مدى وحشية الأب وحيوانيته وقساوة قلبه .. ولكن تواجده في السجن كان كالجحيم الذي أنصب عليه من كل جانب , إذ أن السجناء تلاقفوه فيما بينهم وتكالبوا عليه طوال الوقت "هذا يصفعه وهذا يغتصبه وهذا يجرعه آلام السكاكين" وكأني بهم ينتقمون لزوجته وأطفاله ولم يتركوه حتى لينام ليله , كان يعيش حالة نفسية يشفق عليه حتى من يطالبه بدم .
مرت 3 سنوات عجاف على الزوجة التي لا زالت تنعى أبناءها الثالثة والضيم والقهر قد تآكل قلبها على زوجها وقاتل أطفالها الذي لم ينل عقابه الذي يستحق , وفي ذات ليلة شعرت الزوجة بوعكة صحية ألمت بها فذهبت إلى المستشفى وأجريت عليها الفحوصات اللازمة وأخذت دواء لعلاجها وغادرت المستشفى .. ولكن ما أن وصلت إلى الباب حتى تذكرت بأنها نسيت حقيبتها في غرفة الطبيبة .. فرجعت مرة أخرى حتى وصلت باب الغرفة .. ولكنها قبل أن تدخل تفاجأت حينما "سمعت الطبيبة تتحدث عنها مع إحدى زميلاتها" ؟ فتعجبت من ذلك الأمر وجلست تستمع إليهم ؟
- الطبيبة تقول لزميلتها : هل رأيتي المرأة التي خرجت قبل قليل ؟
- الزميلة : نعم .. ماذا بها ؟
- الطبيبة : كانت متزوجة من أبن عمها .. وكان يتملك شجاعة ومرؤة وشهامة تقشعر منها الأبدان .. رجل يخط الجود أسمه .
الزوجة تقف خلف الباب تستمع لذلك وكأن صاعقة أصابتها من كل ما سمعت , أقتربت من الباب أكثر لتستمع إلى الحديث جيدا ...
- الطبيبة تكمل : قبل سنين طويلة كنت أعمل في "مستشفى للولادة" .. فجاءت لزياراتنا هذه المرأة ثلاث مرات وكانت "حاملا" .. وأنجبت جميع أطفالها "مشوهين للغاية , نصفهم حي ونصفهم ميت" .. فأمر زوجها بحقنهم بعقاقير مميتة "بعد أن وقع على ورقة طبية وأخرى شرعية يثبت فيها عدم قدرتهم على العيش" , وبعدها أتفق مع الطبيب على أخفاء الأمر عن زوجته لكي "لا يجرحها ويؤذي مشاعرها" .. ولكن هل تصدقين بأن زوجها الآن يقضي عقوبة السجن مدى الحياة بسبب هذه القضية .. لأنه لم يعترف بذلك في المحكمة .. لم يرد لزوجته أن تعرف بهذا الأمر .. لا أعرف أي مرؤة يمتلكها هذا الرجل .
لم تتمالك الزوجة دموعها حينما سمعت , وكأن الأرض تهتز تحت قدميها لم تستطيع الوقوف أكثر .. شيئا ما قصمها جعلها تجلس على الأرض .. لتستمع للبقية ...
- الطبيبة تكمل : وهل تصدقين سمعت من "شقيقات زوجها" بأنه كان يحب فتاة أخرى وينوي الزواج منها .. ولكنه عندما علم بأن "أبنت عمه" كانت تحبه منذ الصغر وتحلم بالزواج منه ورفضت كل من تقدم لخطبتها لأجله .. كانت لديه الشجاعة أن يترك من يحبها ويتزوج من "أبنت عمه" لكي لا يكسر قلبها .
أصيبت الزوجة بمقتل بعد سماعها لكل تلك التضحيات من من كان زوجها ذات يوم وأتهمته بقتل أطفالها , فلم تحتمل كل هذه الصدمات بل سقطت على الأرض مغشيا عليها , بسرعة جاء الأطباء وحملوها إلى غرف العمليات وقاموا بإجراء جراحة بسيطة لها حتى أستفاقت من غيبوبتها ومما هي فيه من شعورها بالذنب لما فعلته بزوجها .
بسرعة لم تنتظر ذهبت إلى عائلتها وعائلة زوجها وأخبرتهم بما حدث , ومن جانبهم أيضا ذهبوا إلى الشرطة وأعلموهم بكل تفاصيل الحكاية وطالبوا بفتح القضية مجددا لتبرئة الزوج الذي أصبح في حالة يندى لها الجبين , وبالفعل كان لهم ما أرادوا أستأنفت القضية لأيام عدة حتى الجلسة الأخيرة في المحكمة والتي برء على أثرها الزوج ؟
فسأل القاضي الزوج في المحكمة بعد صدور حكم البراءة بحقه : هل تريد أن تقول شيئا .. هل تريد أن نساعدك بعد ما مررت به ؟
ظل الزوج هادئا وما أشبه اليوم بالبارحة وكأنه يسترجع جلسات المحكمة الأولى التي قضى فيها ثلة من عمره في جحيم الزنازن وتحت رحمة السجناء وبكاء العنابر .. للحظات على هدوءه وسكونه ثم دمعت عيناه وقال : أنا الذي تدمرت حياتي دون سبب , بدل أن تعزوني في أطفالي سجنتموني , صبرت لأجل زوجتي وهكذا تكافئوني , تدمرت سمعتي ونبذتني عائلتي والجميع ينظر إلي وكأن الحقارة دوني , فعلوا بي أشياء لن يفعلها أنسان في حيوان ربي لذبحه , وأكثر ما آلمني بأنهم حرموني حتى من البكاء على أطفالي وعلى نفسي , حين أصرخ آه متوجعا يأتي الجميع ويصفعني ويضربني وليتهم يكتفون بذلك بل يغتصبوني ولم يحترموا شيبة سني وكرامتي التي أفتخرت بها ذات يوم .
تعتع الزوج في بكاءه للحظات .. ردد بعدها مرتين : ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ) .. ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ ) .
سكت برهة من الوقت فضجت المحكمة بالبكاء من مرارة الزوج وحسرته , قليلا ثم رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم أشهد عليهم , لقد آذوني .
خرج الجميع من المحكمة والأحزان والندم قد سبقتهم , تجمع الحضور من حول الزوج يتعاطفون معه ويواسونه جراحه ومصابه , وراح الجميع يطلب منه أن يقومون بإيصاله إلى منزله .. إلى أنه رفض ذلك وطلب منهم أن يتركوه وحيدا يذهب سيرا على قدميه .
وبالفعل كلٌ ذهب في طريقه , والزوجة مع عائلتها في منزلها ينتظرون عودته ليكفرون عن أخطائهم التي فعلوه معه .. لكن الدقائق والساعات مرت والزوج لم يعد .. خرج من المحكمة ولم يسمعوا عنه خبرا بعد ذاك أو أسما أو حتى ذكرى .. فلا أحد يعرف أين أستقرت به الأرض .. أختفى في صمت وهدوء كلحظات غروب الشمس في الشفق .
قلم \ مضطرب