salma zayna
:: عضو مُتميز ::
- إنضم
- 4 ماي 2014
- المشاركات
- 504
- نقاط التفاعل
- 369
- النقاط
- 23
تأملوا اخواتي هذا الدعاء الذي يجمع خير الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى والزموه دائما وأبدا:
(اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّمَا قْضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيَْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ))
الشرح:
هذا الدعاء الجليل، عظيم القدر والشأن, مشتمل على مقاصد ومطالب عظيمة, في الدين, والدنيا, والآخرة، وفيه معان جلال, في مسائل العقيدة والتوحيد, من التوسلات: بأسماء اللَّه تعالى وصفاته, وأفعاله, وتوسلٌ بآلائه وإنعامه, وكذلك إثبات وإقرار بصفاته تعالى المثبتة والمنفية, وإيمان بالقضاء والقدر, والمشيئة, بأجمل المباني، وأوسع المعاني, وقد ثبت هذا الدعاء المبارك في حالتين: في دعاء قنوت الوتر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضى الله عنهما وثبت عن أنس رضى الله عنه في قوله: ((كان يعلمنا هذا الدعاء)) كما في تخريج المؤلف حفظه اللَّه في الحاشية, فدلّ على أهمية هذا الدعاء المبارك من أمرين: تعليمه لابن ابنته الحسن كما سبق, وكذلك للصحابة، كما قال أنس ((وكان يعلمنا ..)) فقد ذكرنا في عدة مواضع أن فعل المضارع بعد كان, يدل على المداومة على الفعل، والاستمرارية عليه.
فبدأ بأولى المطالب وأجلّها, الذي عليها الفلاح في الدارين الهداية: ((اللَّهم اهدني)): سأل اللَّه تبارك وتعالى الهداية التامة النافعة, الجامعة لعلم العبد بالحق, والسير عليه, فإن أصل الهداية كما سبق: الدلالة, و هي نوعان: هداية دلالة وإرشاد، وهي معرفة الحق، والعلم به, وهداية توفيق وسداد وثبات, وهذه الهداية لا يملكها إلا هو عز وجل فينبغي للعبد حين يسأل اللَّه سبحانه وتعالى الهداية أن يستحضر هاتين الدلالتين التي تجمع بين: العلم, والعمل.
قوله: ((فيمن هديت)): فيه فوائد:
أولاً: أن يدخله في جملة المهديين وزمرتهم، وهم كما قال اللَّه تعالى:"فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا".
ثانياً: أن فيه توسلاً إليه بإحسانه وإنعامه, وهو من التوسّلات الجليلة المقتضية للإجابة كما سبق في توسّل زكريا عليه السلام: "وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا" أي : يا رب قد هديت من عبادك بشراً كثيراً فضلاً منك وإحساناً, فأنعم عليَّ بالهداية كما أنعمت عليهم.
ثالثاً: أن ما حصل لأولئك من الهدى لم يكن منهم، ولا بأنفسهم, وإنما كان منك، فأنت الذي هديتهم.
رابعاً: أن الهداية التي نطلبها لا تحصل هكذا غالباً, بل لابد لها من أسباب نبذلها, وأهم هذه الأسباب، وأجلها الدعاء, وصدق التوجه إليك، والمجاهدة في تحصيلها.
قوله: ((وعافني فيمن عافيت)): فيه سؤال اللَّه تبارك وتعالى العافية المطلقة الظاهرة, والباطنة, في الدين, والدنيا, والآخرة؛ لأن مفرد المضاف يفيد العموم, فلم يخص نوعاً معيناً من أنواع العافية, والعافية كما تقدم مراراً هي السلامة, والوقاية من أمراض القلوب, وأمراض الأبدان, فيدخل في ذلك العافية عن الكفر, والشرك, والفسوق, والغفلة, والأسقام, وكل الخزايا, والبلايا, وفعل ما لا يحبه, وترك ما يحبه, فهذه هي حقيقة العافية؛ ولهذا ما سُئل الربّ سبحانه وتعالى شيئاً أحب إليه من العافية؛ لأنها كلمةٌ جامعة للتخلص من الشر كله, وأسبابه, ونتائجه, وتبعاته, ولقد شرحنا معاني هذه الكلمة الجامعة في الدعاء رقم (71), ورقم (138).
قوله: ((وتولّني فيمن توليت)): فيه توسل إلى اللَّه تبارك وتعالى بفعل الولاية, وهو مشتق من اسمين للَّه تعالى من الأسماء الحسنى: (الولي، والمولى): اللذين يدلان على معنى الولاية العامة: وهي لكل الخلائق, قال اللَّه تعالى: "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَق",وولاية خاصة: وهي ولاية اللَّه تعالى للمؤمنين، كما قال تعالى: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ", وهذه هي الولاية المقصودة في هذا الدعاء المبارك التي تقتضي: التوفيق, والنصرة, والعناية, والصبر عن كل ما يغضب اللَّه تبارك وتعالى , وفي هذا تنبيه على أن من حصل له ذلّ في الناس، فهو بنقصان ما فاته من تولى اللَّه تعالى, وإلا فمع الولاية الكاملة ينتفي الذل كله، ولو سلّط عليه من في أقطار الأرض.
قوله: ((و بارك لي فيما أعطيت)): البركة هي النماء والخير الكثير الثابت, وتكون حسية أو معنوية, ففي هذا سؤال اللَّه عز وجل البركة في كل ما أعطاه الرب سبحانه وتعالى: من علم أو مال, وفي العمر، والأهل, والذرية, والمسكن، وغير ذلك, بأن ينميه, ويثبته, ويحفظه و يسلمه من كل الآفات.
قوله: ((وقني شر ما قضيت)): أي شر الذي قضيته, فإن اللَّه سبحانه وتعالى يقضي بالخير, ويقضي بالشر لحكمته البالغة, التي لا تحيط بها كل الخلائق, أما قضاؤه بالخير, فهو خير محض في القضاء والمقضي, أي في الفعل, والمفعول, مثل القضاء للناس بالرزق الواسع, والآمن والهداية والنصر ونحو ذلك, أما قضاؤه بالشر فهو خير في القضاء؛ لأنه فعله فهو خير محض من كل الوجوه, وشر في المقضي وهو المفعول أي: المخلوق, مثل ((القحط)) فهو خير من ناحية تذكير الناس بربهم، ولجوئهم إليه, كما قال تعالى"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، فظاهر هذه الأمور, من المصائب شر, ولكنها في حقيقة الأمر خير من وجه آخر, وينبغي أن يعلم أن اللَّه تبارك وتعالى لا يخلق شراً محضاً لا خير فيه البتة, فكل شر مهما عظم وكبر، فلابد فيه من الخير، فالشر واقع في بعض مخلوقاته, لا في خلقه, ولا في فعله, ولا في صفاته, وهذا من كمال الرب عز شأنه, ((وهذا الدعاء يتضمّن سؤال اللَّه تعالى الوقاية، من الشرور, والسلامة من الآفات, والحفظ من البلايا والفتن)).
قوله: ((إنك تقضي)): فيه التوسل إلى اللَّه عز وجلبأنه يقضي على شيء؛ لأن له الحكم التام، والمشيئة النافذة، والقدرة الشاملة، فهو يقضي في عباده بما يشاء، ويحكم فيهم بما يريد، لا رادَّ لحكمه، ولا معقِّب لقضائه، والقضاء هنا يعمُّ القضاء الشرعي، وهي أحكامه الشرعية، وقضاؤه الكوني: وهي أقداره التي قدرها لمن في السموات والأرض من مخلوقاته.
قوله: ((ولا يقضى عليك)): أي: لا يقضي عليك أحد كائناً من كان، فالعباد لا يحكمون على اللَّه عز وجل بشيء، بل هو الذي يحكم عليهم بما شاء، ويقضي فيهم فيما يريد، ((ويدخل في هذا حكمه الشرعي، والقدري والجزائي)).
قوله: ((إنه لا يذل من واليت)): هذا كالتعليل لما سبق في قوله: ((وتولني فيمن توليت))، يذلّ: بفتح فكسر، وكذا يعزّأي: لا يصير ذليلاً حقيقة من واليته، فإن اللَّه سبحانه وتعالى إذا تولّى العبد، فلا يذلّ، ولا يلحقه هوان في الدنيا، ولا في الآخرة.
وله: ((لا يعز من عاديت)) يعني: إذا عادى اللَّه تبارك وتعالى العبد، فإنه لا يعزّ، ولو اجتمع أهل الأرض والسموات معه، بل حاله الذل والخسران، فمن أراد العز فليطلبه من اللَّه عز وجل، ومن أراد أن يتّقي الذلّ فليكن مع اللَّه جل وعلا، قال اللَّه جلَّ ثناؤه:"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا"، ودلّ قوله: (عاديت) على صفة العداوة الفعلية للَّه تعالى، تقتضي العقاب، والعذاب، والذلّ، والخسران.
قوله(تباركت ربنا وتعاليت)): قوله: تباركت أي: تعاظمت يا اللَّه، فلك العظمة الكاملة من كل الوجوه والاعتبارات، ومن ذلك كثرة بركاتك، وعمّت خيراتك التي يتقلّب بها أهل السموات والأرض.
فقد تضمّن هذا الدعاء العظيم أعظم مسائل الإيمان، وأصول السعادة والأمان في الدارين، فمن أعظم مسائل الإيمان تضمنه في إثبات صفات وأفعال الكمال والجلال للَّه تعالى التي منها: صفة (الهداية)، المشتقة من اسم (الهادي)، وصفة (الولاية) المشتقة من اسم (الولي،والمولى)، وصفة (البركة والتبارك) للَّه عز وجل وصفة (الوقاية)، وصفة (القاضي)، وصفة (العداوة)، وصفة (التعالي) المشتقة من أسماء (العلي، الأعلى، المتعال)، وصفة من صفاته المنفيه: (ولا يقضى عليك)، والإقرار بالمشيئة الكاملة، والإرادة النافذة لكل المخلوقات، وتضمّن أصول السعادة في سؤال: الهداية، والعافية، والتولي، والبركة، والوقاية، فإن هذه المطالب الجليلة عليها السعادة، والهناء في الدنيا، والآخرة. منقولة
(اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّمَا قْضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلاَ يَعِزُّ مَنْ عَادَيَْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ))
الشرح:
هذا الدعاء الجليل، عظيم القدر والشأن, مشتمل على مقاصد ومطالب عظيمة, في الدين, والدنيا, والآخرة، وفيه معان جلال, في مسائل العقيدة والتوحيد, من التوسلات: بأسماء اللَّه تعالى وصفاته, وأفعاله, وتوسلٌ بآلائه وإنعامه, وكذلك إثبات وإقرار بصفاته تعالى المثبتة والمنفية, وإيمان بالقضاء والقدر, والمشيئة, بأجمل المباني، وأوسع المعاني, وقد ثبت هذا الدعاء المبارك في حالتين: في دعاء قنوت الوتر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضى الله عنهما وثبت عن أنس رضى الله عنه في قوله: ((كان يعلمنا هذا الدعاء)) كما في تخريج المؤلف حفظه اللَّه في الحاشية, فدلّ على أهمية هذا الدعاء المبارك من أمرين: تعليمه لابن ابنته الحسن كما سبق, وكذلك للصحابة، كما قال أنس ((وكان يعلمنا ..)) فقد ذكرنا في عدة مواضع أن فعل المضارع بعد كان, يدل على المداومة على الفعل، والاستمرارية عليه.
فبدأ بأولى المطالب وأجلّها, الذي عليها الفلاح في الدارين الهداية: ((اللَّهم اهدني)): سأل اللَّه تبارك وتعالى الهداية التامة النافعة, الجامعة لعلم العبد بالحق, والسير عليه, فإن أصل الهداية كما سبق: الدلالة, و هي نوعان: هداية دلالة وإرشاد، وهي معرفة الحق، والعلم به, وهداية توفيق وسداد وثبات, وهذه الهداية لا يملكها إلا هو عز وجل فينبغي للعبد حين يسأل اللَّه سبحانه وتعالى الهداية أن يستحضر هاتين الدلالتين التي تجمع بين: العلم, والعمل.
قوله: ((فيمن هديت)): فيه فوائد:
أولاً: أن يدخله في جملة المهديين وزمرتهم، وهم كما قال اللَّه تعالى:"فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا".
ثانياً: أن فيه توسلاً إليه بإحسانه وإنعامه, وهو من التوسّلات الجليلة المقتضية للإجابة كما سبق في توسّل زكريا عليه السلام: "وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا" أي : يا رب قد هديت من عبادك بشراً كثيراً فضلاً منك وإحساناً, فأنعم عليَّ بالهداية كما أنعمت عليهم.
ثالثاً: أن ما حصل لأولئك من الهدى لم يكن منهم، ولا بأنفسهم, وإنما كان منك، فأنت الذي هديتهم.
رابعاً: أن الهداية التي نطلبها لا تحصل هكذا غالباً, بل لابد لها من أسباب نبذلها, وأهم هذه الأسباب، وأجلها الدعاء, وصدق التوجه إليك، والمجاهدة في تحصيلها.
قوله: ((وعافني فيمن عافيت)): فيه سؤال اللَّه تبارك وتعالى العافية المطلقة الظاهرة, والباطنة, في الدين, والدنيا, والآخرة؛ لأن مفرد المضاف يفيد العموم, فلم يخص نوعاً معيناً من أنواع العافية, والعافية كما تقدم مراراً هي السلامة, والوقاية من أمراض القلوب, وأمراض الأبدان, فيدخل في ذلك العافية عن الكفر, والشرك, والفسوق, والغفلة, والأسقام, وكل الخزايا, والبلايا, وفعل ما لا يحبه, وترك ما يحبه, فهذه هي حقيقة العافية؛ ولهذا ما سُئل الربّ سبحانه وتعالى شيئاً أحب إليه من العافية؛ لأنها كلمةٌ جامعة للتخلص من الشر كله, وأسبابه, ونتائجه, وتبعاته, ولقد شرحنا معاني هذه الكلمة الجامعة في الدعاء رقم (71), ورقم (138).
قوله: ((وتولّني فيمن توليت)): فيه توسل إلى اللَّه تبارك وتعالى بفعل الولاية, وهو مشتق من اسمين للَّه تعالى من الأسماء الحسنى: (الولي، والمولى): اللذين يدلان على معنى الولاية العامة: وهي لكل الخلائق, قال اللَّه تعالى: "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَق",وولاية خاصة: وهي ولاية اللَّه تعالى للمؤمنين، كما قال تعالى: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ", وهذه هي الولاية المقصودة في هذا الدعاء المبارك التي تقتضي: التوفيق, والنصرة, والعناية, والصبر عن كل ما يغضب اللَّه تبارك وتعالى , وفي هذا تنبيه على أن من حصل له ذلّ في الناس، فهو بنقصان ما فاته من تولى اللَّه تعالى, وإلا فمع الولاية الكاملة ينتفي الذل كله، ولو سلّط عليه من في أقطار الأرض.
قوله: ((و بارك لي فيما أعطيت)): البركة هي النماء والخير الكثير الثابت, وتكون حسية أو معنوية, ففي هذا سؤال اللَّه عز وجل البركة في كل ما أعطاه الرب سبحانه وتعالى: من علم أو مال, وفي العمر، والأهل, والذرية, والمسكن، وغير ذلك, بأن ينميه, ويثبته, ويحفظه و يسلمه من كل الآفات.
قوله: ((وقني شر ما قضيت)): أي شر الذي قضيته, فإن اللَّه سبحانه وتعالى يقضي بالخير, ويقضي بالشر لحكمته البالغة, التي لا تحيط بها كل الخلائق, أما قضاؤه بالخير, فهو خير محض في القضاء والمقضي, أي في الفعل, والمفعول, مثل القضاء للناس بالرزق الواسع, والآمن والهداية والنصر ونحو ذلك, أما قضاؤه بالشر فهو خير في القضاء؛ لأنه فعله فهو خير محض من كل الوجوه, وشر في المقضي وهو المفعول أي: المخلوق, مثل ((القحط)) فهو خير من ناحية تذكير الناس بربهم، ولجوئهم إليه, كما قال تعالى"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، فظاهر هذه الأمور, من المصائب شر, ولكنها في حقيقة الأمر خير من وجه آخر, وينبغي أن يعلم أن اللَّه تبارك وتعالى لا يخلق شراً محضاً لا خير فيه البتة, فكل شر مهما عظم وكبر، فلابد فيه من الخير، فالشر واقع في بعض مخلوقاته, لا في خلقه, ولا في فعله, ولا في صفاته, وهذا من كمال الرب عز شأنه, ((وهذا الدعاء يتضمّن سؤال اللَّه تعالى الوقاية، من الشرور, والسلامة من الآفات, والحفظ من البلايا والفتن)).
قوله: ((إنك تقضي)): فيه التوسل إلى اللَّه عز وجلبأنه يقضي على شيء؛ لأن له الحكم التام، والمشيئة النافذة، والقدرة الشاملة، فهو يقضي في عباده بما يشاء، ويحكم فيهم بما يريد، لا رادَّ لحكمه، ولا معقِّب لقضائه، والقضاء هنا يعمُّ القضاء الشرعي، وهي أحكامه الشرعية، وقضاؤه الكوني: وهي أقداره التي قدرها لمن في السموات والأرض من مخلوقاته.
قوله: ((ولا يقضى عليك)): أي: لا يقضي عليك أحد كائناً من كان، فالعباد لا يحكمون على اللَّه عز وجل بشيء، بل هو الذي يحكم عليهم بما شاء، ويقضي فيهم فيما يريد، ((ويدخل في هذا حكمه الشرعي، والقدري والجزائي)).
قوله: ((إنه لا يذل من واليت)): هذا كالتعليل لما سبق في قوله: ((وتولني فيمن توليت))، يذلّ: بفتح فكسر، وكذا يعزّأي: لا يصير ذليلاً حقيقة من واليته، فإن اللَّه سبحانه وتعالى إذا تولّى العبد، فلا يذلّ، ولا يلحقه هوان في الدنيا، ولا في الآخرة.
وله: ((لا يعز من عاديت)) يعني: إذا عادى اللَّه تبارك وتعالى العبد، فإنه لا يعزّ، ولو اجتمع أهل الأرض والسموات معه، بل حاله الذل والخسران، فمن أراد العز فليطلبه من اللَّه عز وجل، ومن أراد أن يتّقي الذلّ فليكن مع اللَّه جل وعلا، قال اللَّه جلَّ ثناؤه:"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا"، ودلّ قوله: (عاديت) على صفة العداوة الفعلية للَّه تعالى، تقتضي العقاب، والعذاب، والذلّ، والخسران.
قوله(تباركت ربنا وتعاليت)): قوله: تباركت أي: تعاظمت يا اللَّه، فلك العظمة الكاملة من كل الوجوه والاعتبارات، ومن ذلك كثرة بركاتك، وعمّت خيراتك التي يتقلّب بها أهل السموات والأرض.
فقد تضمّن هذا الدعاء العظيم أعظم مسائل الإيمان، وأصول السعادة والأمان في الدارين، فمن أعظم مسائل الإيمان تضمنه في إثبات صفات وأفعال الكمال والجلال للَّه تعالى التي منها: صفة (الهداية)، المشتقة من اسم (الهادي)، وصفة (الولاية) المشتقة من اسم (الولي،والمولى)، وصفة (البركة والتبارك) للَّه عز وجل وصفة (الوقاية)، وصفة (القاضي)، وصفة (العداوة)، وصفة (التعالي) المشتقة من أسماء (العلي، الأعلى، المتعال)، وصفة من صفاته المنفيه: (ولا يقضى عليك)، والإقرار بالمشيئة الكاملة، والإرادة النافذة لكل المخلوقات، وتضمّن أصول السعادة في سؤال: الهداية، والعافية، والتولي، والبركة، والوقاية، فإن هذه المطالب الجليلة عليها السعادة، والهناء في الدنيا، والآخرة. منقولة