جدد عهدك بالغيرة

seifellah

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
16 جانفي 2009
المشاركات
5,964
نقاط التفاعل
7,169
النقاط
351

تعريف الغيرة
فأقول وبالله تعالى الرجاءُ: قال ابن منظور رحمه الله في لسان العرب: الغيرةُ في الأصل الأنفةُ والحَمِيَّةُ. يقول عياضٌ وغيرُه رحمهم الله: الغيرةُ مشتقةٌ من تَغيُّرِ القلبِ و هَيَجَانِ الغَضَبِ بسبب المشاركةِ فيما به الاختصاصُ وأشدُ ما يكونُ ذلك بين الزوجين وهذا في حق الآدميين. ويقول النوويُ رحمه الله أصلُها المنعُ, يقالُ: الرجلُ غيورٌ على أهله أي يمنعهم من التعلُّقِ بأجنبيٍ ينظرُ إليهم أو يتحدثُِ معهم أو غيرُِ ذلك وهي صفةُ كمال. وقال العلاّمةُ بكرُ أبو زيد رحمه الله في كتابه القيّم «حراسةُ الفضيلة» : الغيرةُ هي ما ركَّبَه اللهُ في العبد مِن قوةٍ روحيةٍ، تحمي المحارمَ والشرفَ والعفافَ من كل مجرمٍ وغادرٍ.إ.هـ



فضل الغيرة على الأعراض
اعلم - رحمك الله - أن الغيرةَ لها فضلٌ كبيرٌ؛ ومن ذلك أنها صفةٌ من صفاتِ الله تعالى. اللهِ الذي خَلَقَ السماواتِ والأرضَ وخلق أهلَهُما وتولَّى أمرَهم وكَتَبَ آثارَهم وأعمالَهم. ففي الحديث عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنّ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ » [أخرجه البخاري ومسلم].





وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما مِن أحدٍ أغيرُ من اللهِ؛ مِن أجْلِ ذلك حَرَّمَ الفواحشَ» [رواه البخاري ومسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: «يا أُمَةَ محمدٍ ! واللهِ ما مِن أحدٍ أغيرُ من اللهِ أن يزنيَ عبدُه، أو تزنيَ أَمَتُه» [رواه البخاري].


وأهلُ السنةِ يُثبِتون صفةَ الغيرةِ لله تعالى، ويُؤمنون بأن الله تعالى يغارُ حقيقةً، وأن غيرته ليست كغيرةِ المخلوقين، بل غيرةُ الله تليقُ به سبحانه. قال الإمام السيوطي رحمه الله في شرحه لصحيح الإمام مسلم المسمى الديباج: غيرة الله أي أنها مَنْعُه الناسَ من الفواحش وأما ما يُقارنها في حق الناسِ من تغيُّرٍ وانزعاج فإنه مستحيلُ في حقه تعالى. وقال بدر الدين العيني في شرحه لصحيح البخاري (عمدة القاري): معنى غيرة الله تعالى الزجر عن الفواحش والتحريم لها والمنع منها لأن الغيور هو الذي يزجر عما يغار عليه. وقال الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله في تعليقاته على فتح الباري: والغيرة في مثل هذا السياق تتضمن الغضب لانتهاك الحُرمة.إ.هـ


وتتميزُ صفةُ الغيرةِ بكونها من صفات الأنبياء أيضا فقد روى الإمامُ أحمدُ رحمه الله في مسنده عن أبي هريرة أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: كان النبيُ داودُ عليه السلام فيه غيرةٌ شديدةٌ وكان إذا خرج أُغلقتِ الأبوابُ فلم يدخلْ على أهلِه أحدٌ حتى يرجع.


وذكر ابنُ قدامةَ في الشرح الكبير أثراً عن محمد بنِ علي بنِ الحسين أنه قال: كان ابراهيمُ عليه السلام غيوراً وما مِن امرئٍ لا يغار.. إلا منكوسُ القلب.


وها هو خاتَمُ الأنبياءِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم قد ضرب أروع الأمثلةِ في الغيرة. فعن سهلٍ بنِ سعدٍ قال: «اطَّلع رَجُلٌ من جُحْرٍ في حُجَرِ النبيِ -صلى الله عليه وسلم - ومع النبيِ -صلى الله عليه وسلم - مُدْرَى يَحُكُ به رأسَه، فقال: لو أعلمُ أنك تنظرُ لطعنتُ به في عينِك، إنما جُعِلَ الاستئذانُ من أجل البصر » [رواه البخاري]. ومن تأمل موقف النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكره ابن كثير في البداية والنهاية فقال: قال ابن هشام: كان أمرُ بني قينقاع أنَّ امرأةً من العربِ قدِمتْ بجَلَبٍ لها فباعتْه بسوقِ بني قَينُقاع وجلستْ إلى صائغٍ هناك منهم فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبتْ فعمِد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتُها فضحكوا بها فصاحت فوثب رجلٌ من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهودياً فشدتْ اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهلُ المسلم المسلمين على اليهود فأُغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع. قال ابن إسحاق: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه.إ.هـ مَنْ تأمل هذا استبان له كيف كانت غيرةُ النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يُعنِّف أولياء المسلم الذي قتل اليهودي إنما اقتص للمرأة وللرجل المسلم.


وإذا عرفنا هذا فإنه يتأكدُ لدينا أنَّ الغيرةَ ليستْ محلَ تندُّرٍ واستهزاء بل هي صفةُ كمالٍ وعِزةٍ وفَخْرٍ وقد تأسى بالأنبياء مَنْ دُونَهم مِن الأسوياءِ والشرفاءِ بِدأً من الصحابة الكرام رضوانُ اللهِ عليهم أجمعين فها هو أبو بكر - رضي الله عنه - يوم أن قيل ما قيل في بنته عائشة رضي الله عنها قال (ما رضينا به في الجاهلية أفنرضى به في الإسلام )؟!


وها هو سعد بن عبادة - رضي الله عنه - في القصة المشهورة لمَّا سمع قولَ النبيصلى الله عليه وسلم : «مَن رأى رجلا مع زوجته فليستشهد أربعةً من الرجال ...) قال: لو رأيتُ رجلا مع امرأتي لضربتُه بالسيف غير مُصْفَحٍ أأذهبُ لأطلُبَ أربعةً يشهدون حتى يقضيَ حاجتَه ؟ فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتعجبون من غيرة سعدٍ واللهِ لأنا أغيرُ منه واللهُ أغيرُ مني ومِن أجل غَيْرَةِ الله حرَّم الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن ...» [أخرجه البخاري ومسلم] وفي هذا مدحٌ لسعد رضي الله عنه وعِتابٌ فكأن النبي صلى الله عليه يُشيرُ إلى أن الله تعالى لمَّا حكم بهذا لا يعني ضعف غيرته تعالى وتقدَّس إنما هي حِكمةُ الحليمِ سبحانه وبحمده.
وتأمل أيضاً هذا الموقفَ الجليلَ لهذه الصحابيةِ الصالحةِ التي حفظتْ زوجها في غيابه - رضي الله عنهم - فقد أخرج البخاريُ وغيرُه عن أسماء بنت أبي بكر زوجةِ الزبير بن العوام - رضي الله عنهم - أنها قالت: (كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ .. عَلَى رَأْسِي .. فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ إِخْ إِخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدْ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَنَاخَ لِأَرْكَبَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ قَالَتْ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ تَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي)

وذكر حمادٌ بنُ زيدٍ عن أيوبَ عن ابن أبي مُليكةَ أنَّ ابنَ عمر رضي الله عنهما سمع امرأته تُكلِّمُ رجلا مِن وراء جِدار ـ بينَها وبينَه قرابةٌ لا يعلمُها ابنُ عمر ـ فجَمَعَ لها جَرائدَ ثم ضربها حتى أضْبَتْ حسيسا. وذكر الخرائطيُ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يأكلُ تُفاحاً ومعه امرأتُه فدخل عليه غلامٌ له فناولتْه تفاحةً قد أكلتْ منها فأوجعها معاذٌ ضرباً ودخل يوما على امرأته وهي تطلع في خِبَاءِ أُدُمٍ فضربها. ومِن بعد الصحابة مَن سار على نهجهم من المؤمنين نعم فإنَّ الغيرةَ من صفات المؤمنِ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن المؤمن يغار» [أخرجه مسلم].



والغيرةُ من الإيمان والدِينِ لذا قال ابن القيم في الجواب الكافي: إن أصلَ الدِينِ الغيرةُ. ومَن لا غيرةَ له لا دينَ له؛ ولهذا كان الديوثُ أخبثَ خَلْق اللهِ. والجنةُ عليه حرامٌ إ.هـ وسيأتي الكلامُ إن شاء الله عن معنى الديوث.
لقد كانت الغيرةُ متأصلةً في العرب قبل الإسلام إذ هم أشدُ الناس محافظةً على أنسابهم – لكنها لا تنفك عن إفراط وشطح لذا وَأَدُوا بناتِهم - فجاء الإسلامُ وأَقَرَ الغيرةَ واستحسنها وشرَّفها ولكن مع تهذيبها فأكَرَمَ المرأةَ واحتَرَمَ مقامَها وجعل الموتَ من أجل المحافظةِ والدفاعِ عن عِرضِها شهادةً بعد ما كانتْ تُدفنُ حيةً ففي الحديث «ومن قُتل دون أهله فهو شهيد» [أخرجه الأربعة]. نعم لقد حرَّم اللهُ قتلَ الأُنثى بغير حق – سوى الغيرة المذمومة -لأنها شقيقة الرجل وهي جنسٌ لطيفٌ لا تستقيمُ الحياةُ بدونه فهي إن كانت بنتاً فهي رحمةٌ لوالديها وحجاباً عن النار إنْ أديا حقَ اللهِ فيها. وإن كانت زوجة فهي سكنٌ لبعلها ولباسٌ ساترٌ له. وإن كانت أُماً فهي حِضْنٌ دافئٌ وحنانٌ وارفٌ.


وإنَّ مِن اللطائفِ أنَّ من حقوقِ الزوجةِ على زوجها أنْ يغارَ عليها، وأنْ يحميَها؛ بل إنَّ هذا دليلٌ على صِدْقِ حُبِه لها. يقول أحدُ الرجالِ مُبالغِاً في وصف شِدَةِ غيرتِه على زوجته :


أغارُ عليك مِن عيني ومنِّي



ومِنك ومِن زمانِك والمكانِ


ولو أني خبأتُك في عيوني


إلى يومِ القيامة ما كفاني


"حضرتْ امرأةٌ عند أحد القضاة، وادّعت على زوجها أن لها عليه خمسَمائة دينارٍ مهراً، فأنكر الزوج، فقال القاضي: هاتِ شهودَك يُشيرون إليها في الشهادة، فأحضرهم، فأمر القاضي أحدَهم أنْ انظُر إلى وجه الزوجةِ لتُشير إليها في شهادتك، فقام الشاهدُ وقال للزوجة: قومي، فأخذتْ الرجلَ الحميّةُ، وحرّكتْه الغيرةُ على زوجته، وصاح أمام الناس: إني أُشْهِدُ القاضي على أن لزوجتي في ذمتي هذا المهر، ولا تُسفرْ عن وجهِها ".سبحان الله حمَّل نفسه مالاً قد يكونُ صادقاً في إنكاره حمايةً لعرضِه وصيانةً لحُرمته. أين هذا من رجل جاء ببنته ذات الرابعةِ عشرة من عمرها لحلاقٍ رجل وقد رأيتُها واللهِ كانت لا تسعُها ثيابُها حياءً وخجلاً بين الرجال ولمّا وعظْتُ أباها قال: المشاغل النسائية غاليةٌ. يالله أما سمع هذا البخيلُ قولَ الشاعرِ :


أصونُ عرضي بمالي لا أدنسه



لا بارك الله بعد العرض في المال


لطيفةٌ: إنَّ مجتمعاً تُحفظُ فيه النساءُ؛ مجتمعُ طُهرٍ وعفافٍ. قال الغزاليُ رحمه الله في الإحياء: كلُ أُمةٍ وَضعتْ الغيرةَ في رجالها وضعتْ الصيانةَ في نسائها. وقال المناوي رحمه الله في الفَيض: أشرفُ الناسِ وأعلاهم هِمةً أشدُهم غيرةً.


إن الغيرة فطرةٌ قبل أن تكون شِرعة، وإنّ التفريطَ فيها عارٌ ومذمةٌ قبل أن يكون معصيةً. فإن الله تعالى ركَّبها في الآدميين كما قد ركَّبها في البهائمِ فإنَّ البهائم تغارُ على إناثها, ففي صحيح البخاري عن عمروٍ بنِ ميمونَ أنَّ قِردةً زنتْ فرآها زوجُها فجَمَعَ عليها القِرَدَةَ فرجموها وشريكَها. وذكر ابنُ القيم للديك تسعَ خصال وذكر منها غيرتَه على أُنثاه.




في نوعي الغيرة
يجبُ أن نعلم أنَّ للغيرة على المحارمِ نوعين فهناك غَيرةٌ ممدوحةٌ محمودةٌ يُحبُها اللهُ. وغيرةٌ مذمومةٌ يكرهُها اللهُ فعن جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ ... فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي رِيبَةٍ وَأَمَّا الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ الرِّيبَةِ ...الحديث» [أخرجه أحمد وأبو داود، والنسائي، وابن حبان، والبغوي، والطبراني، وأبو نعيم، والبيهقي وحسنه الألباني رحمهم الله]


والريبةُ: هي التُهمةُ والترددُ على مظانِها ..


وبالمثال يتضحُ المقالُ فمن أمثلةِ الغيرةِ المحمودة الغيرةُ على المحارم مِن أنْ يتلبَسِنَّ بشيء من قلةِ الحياء كأن يُخاطبنّ الرجالَ بكل صَفاقةٍ أو بخضوعٍ يُطْمِعُ أهلَ القلوبِ المريضةِ أو يخرُجنّ من البيتِ مُتبرجاتٍ متعطِراتٍ. وكذا الغيرةُ على الموليةِ من التردُدِ على الأسواق بمفردها من غير حاجة سوى التسكُعِ والاستعراضِ. فهذا هو موطنُ الريبةِ ونحو ذلك وفي الجملة فالغيرة المحمودة هي الغيرةُ المعتدلةُ الشرعيةُ التي تجعلُ صاحبَها يحمي محارمَه من الوقوعِ في المنكرِ أو أن يُعتدى عليهن من السفهاء. وفائدتُها أنها تضعُ الرهبةَ في نفس المُغارِ عليه وتُعِينُه على البعدِ عن المعصية.


أما التي يكرهُها اللهُ فهي الغيرةُ مِن غَير رِيبةٍ: كأنْ يغارَ الرجلُ على أُمه أنْ ينكحَها زوجُها. أو أنْ يمنعَ بنتَه أو سائرِ محارمِه من الزواجِ؛ غيرةً عليهن أو يغارُ على بناته من صِلَةِ أخْوَالهن أو أعمامِهن سواءً بالنسب أو الرَضاعةِ فيمنَعُهُنَّ من ذلك. أو أن يغار في غير تهمة وهذا أشبهُ ما يكونُ بالوِسواسِ والشك فيَمنعُ زوجتَه من الاتصال بالجوال أو من الخروج من المنزل لحاجة ونحو ذلك وهذه الغيرةُ تُفسِدُ المحبةَ وتُوقعُ العَداوةَ بين المُحِبِ ومحبوبِه.



نعم واللهِ فالغيرةُ المذمومةُ لا تحمي عِرضاً ولا تَغْرِسُ شَرَفاً بل تزرعُ الخيانةَ من حيثُ لا يشعُرُ الرجالُ فكم امرأةٍ وقعتْ في الفاحشة بسبب اتهام الرجل لها، يُوَسْوِسُ لها الشيطانُ أن تعملَ الفاحشة! إذ هي على كلِ حالٍ ُمتهمةٌ, وفي المقابل ذاك الرجلُ المتساهلُ المحسنُ الظنَ دائما المتغافلُ عما يدور حوله يُجَرِؤ مَن تحت يده على المعصيةِ كما هي الحال في الأموال وفي المثل المصري ( المال السايب يعلم السرقة ). إذن كِلا طرفي قصدِ الأمورِ ذميمُ والخيرُ كلَ الخير في المتوسط الفطِن. ذكر السيوطيُ رحمه الله في جامعه أنَّ عليَ ابنَ أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: ( الغيرة غيرتان غيرة حسنة جميلة يُصلِحُ الرجلُ بها أهلَه وغيرةٌ تُدخلُه النارَ ).



وقال ابنُ تيميةَ رحمه الله في كتابه الاستقامة: فالغيرةُ المحبوبةُ هي ما وافقتْ غيرةَ اللهِ تعالى وهذه الغيرةُ هي أنْ تُنْتَهَكَ محارمُ اللهِ وهي أن تُؤتى الفواحشُ الباطنةُ والظاهرةُ... وغيرةُ العبدِ الخاصةِ هي مِن أنْ يُشاركَه الغيرُ في أهلِه... ولهذا كانت الغيرةُ الواجبةُ عليه غيرتُه على أهله وأعظمُهم امرأتُه ثم أقاربُه ومَن هو تحت طاعته...إ.هـ


يقول بدرُ الدينِ العينيُ رحمه الله في «عمدة القاري شرح صحيح البخاري »: قال شيخنا: إنَّ ذلك يختلفُ باختلافِ الأشخاصِ؛ فرُبَ رَجُلٍ شديدِ التخيُّلِ فيَظُنُ ما ليس بِرِيبَةٍ ريبةً، ورُبَ رَجُلٍ مُتساهلٍ في ذلك فيَحْمِلُ الرِيبةَ على مَحْمَلٍ يَحسُنُ به ظنُه.إ.هـ



وبعد هذا اعلموا رحمني اللهُ وإياكم أنّ الغيرةَ لا تَنْمُو ويَقْوَى عودُها بالقراءةِ والمواعظِ فقط إنما هذا يفيدُ في تجديدِها في النفسِ وقد يستحثُها مِن بعد فُتُورٍ. وأما الذي يُكْسِبُها ويرعى نُمُوَها في نفوسِ الرجالِ والأبناءِ فالفِطرةُ السليمةُ الصافيةُ ثم التربيةُ الجادةُ والبيئاتُ الطاهرةُ العفيفةُ المحافظةُ. إنَّ طريق السلامةِ لمن يريدُ السلامةَ... بعد الإيمان بالله وعصمتِه ورحمتِه تبدأُ من البيتِ والبيئةِ. نعم ... فثمَّت بيوتٌ تُظلُها العِفةُ والحِشمةُ وأخرى تَرْزَحُ تحت غُبارِ التساهلِ والمنكر والعياذُ بالله. إن المروءة والعِرضَ لا يَسْلمانِ ولا يُحفظانِ إلا حين يعيشُ الفتى والفتاةُ في بيتٍ محتشمٍ معمورٍ بتعاليمِ الإسلام وآدابِ القرآن قد تزيَّن أهلُه _ نساؤهم ورجالُهم _ بالسِتْرِ والحياءِ. قد انطفأتْ فيه نارُ الشهواتِ إذ لا وَقُود يُوقِدُها كآلاتِ اللهو والزمر وقنوات التفسخ والمجون. وهذا كلُه قائمٌ على قَوامةِ الرجلِ في أُسرته وبيتِه ومتى ضَعُفَ القَوَّامُ فَسَدَتْ الأقوامُ وإذا فسدتْ الأقوامُ خسروا الفضيلةَ وفقدوا العِفةَ وأصبحوا كالمياه في المفازات يَلْغُ فيها كلُ كلبٍ ويُكدرِّها كلُ واردٍ.


فياااا معشرَ المسلمين لنربي أبناءنا مِن صِغَرِهم على الغَيرة على أخواتِهم ثم زوجاتِهم وبناتِهم وعلى سائر مجتمعهم ولْنَئد تلك الظاهرةَ التي تفشَّتْ: أولئك الشبابُ المائعُ الذي يسير أحدُهم بجوار أخته لا يدفع سوءً ولا يُضفي هيبةً.


معشر العقلاء والعاقلات: مما مضى يتبيَّنُ لكل منصفٍ وعاقلٍ أنَّ الغيرة واجبةٌ في حق الرجال على نسائهم وأن التقصيرَ فيها محرمٌ. كما يتضحُ أنها هي الأصل في الخَلْقِ وأن عدمَها طارئٌ وله أسباب؛ فمن أجل ذلك سأذكرُ بعضَ الصورِ والمظاهرِ التي يظهر فيها خُلُقُ الغيرةِ عند الفرد والمجتمع واضحاً جلياً.


[FONT="]
[/FONT]
 
صورِ قوة الغيرة
أقول وبالله تعالى الرجاءُ من صورِ قوة الغيرة:





1 - ( القيامُ على النساء بعِشْرةٍ حسنة وإغناءٍ بالمعروف ) أو بعبارة أخرى ( سدُ حاجةِ الموليَّات من زوجات وبنات وأُمهاتٍ وأخوات ) وعدمُ إعْوازِهنّ للغير صيانةً لهن من التبذُل والامتهانِ بحيثُ يقضي حوائجها ويكونُ في حراستها إنْ خرجتْ من بيتها ومأمنِها. ولا يُحْوِجْها إلى السائقِ أو سياراتِ الأُجرة ولا يرضى لها أنْ تتردد على الأسواق لتَكْفِيَهُ مُؤنةَ شراءِ حاجات البيت. وهكذا



2 - العفةُ في نفس الرجل عن الحرام فإنّ الرجلَ الغيورَ يكرهُ أنَْ يطلعَ على عوراتِ غيرِه كما يكرهُ أنْ يطلع غيرُه على عوراتِه بمعنى أنه يغار على حريم الناس من عينه ويده وفرجه. إيماناً منه بما أخرج الشيخان في صحيحهما عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أنّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»




ومثله قولُ الأحنفِ بن قيس قال: " كنتُ إذا كرِهتُ شيئًا من غيري لم أفعل بأحدٍ مثلَه." ذكره ابن بطال في شرحه للبخاري والمناوي في فيض القدير. بل إنّ الغيرةَ إذا ضَعُفتْ فلن يسلم الشباب والنساءُ من اقتراف الزنا – والعياذ بالله - فالشاب إذا لم يتحلى بالغيرة فكيف نصُدُه عن الرذيلة وتأملوا قصة ذاك الشاب وكيف عالجه النبي صلى الله عليه وسلم بمخاطبة غيرته فعَنْ أَبِى أُمَامَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ائْذَنْ لِي فِي الزِّنَا قَالَ فَهَمَّ مَنْ كَانَ قُرْبَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَنَاوَلُوهُ فَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم :« دَعُوهُ ». ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم: «ادْنُهْ... أَتُحِبُّ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ بِأُخْتِكَ ». قَالَ: لاَ قَالَ: «فَبِابْنَتِكَ ». قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ بِكَذَا وَكَذَا كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لاَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم: «فَاكْرَهْ مَا كَرِهَ اللَّهُ وَأَحِبَّ لأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُبَغِّضَ إِلَيَّ النِّسَاءَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : «اللَّهُمَّ بَغِّضْ إِلَيْهِ النِّسَاءَ». قَالَ: فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ بَعْدَ لَيَالٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنْ شَىْءٍ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنَ النِّسَاءِ». [أخرجه الأئمة أحمد والبيهقي والطبراني وقال الهيثمي: رجالُه رجالُ الصحيح].



حقاً إنَّ الغيرة كالمضادِ الحيويِ ضد أمراضِ الشهوات.






3 - ومن صور الغيرة المحمودة الفاضلة ومن مظاهرها وعلامات قوتها في الرجال: أن الغيورَ يحميَ نساءَه من مزاحمةِ الرجالِ بل تأْنَفُ نفسُه من ذلك فلا يرضى أبداً أنْ تنزِلَ موليتُه في السوق العام لوحدها دون أنْ يكونَ معها مَحْرَمَاً حارساً وخادِماً. كما افترض اللهُ عليه تشريفاً للمولية وإعزازاً . نعم المَحْرَمُ للمرأةِ يقوم بخدمتها ولا أنسى أبداً ذاك الموقفَ الذي آلمني تلك المرأةُ التي ركبتْ الطائرةَ لوحدها حاملةً أمتعَتَها إلى داخل الطائرة بعد ما تأخرت في طابور تحميل العفش فاضطُرتْ لحمل أمتعتها وكانت لا تدري بأي شيء تبدأ. أبِوَضْعِ الشُنط على الكُرسي أو بوضع الأمتعةِ في الرف العلوي أو بمسك قميصها حتى لا ينكشفَ جسمها أو بتسليم رقم الجلوس للمضيف أو بالإسراع لفتح الممر للمارين فقلتُ في نفسي كيف كان حالُها إذن في سِرا العفش وكيف كان حالُها عندما نزلتْ لصالة المطار... فأيقنتُ بقيمة المَحْرَمِ. مسكينةٌ واللهِ وتباً لمن خدعها أو أهملها فأشقاها.


ثم إنّ المَحْرَمَ يُشَكِّلُ حراسةً ومهابةً للمرأة: وتأملوا هذه القصة: ذكر أَبُو بَكْرٍ الضَّبِّيُّ البَغْدَادِيّ, المُلَقَّبُ بِـ"وَكِيع" (المتوفى سنة 306هـ) في كتابه أخبارُ القُضاةِ أنَّ الخليفة الأمويَ أبا جعفرِ المنصور قال يوما للقاضي الحَسَنِ بنِ عِمارَة: تَحَدَّث فقال: لمَّا كان عامُ حَجِ عَبْد الملك بْن مروان ذُكِرَ له أنَّ عُمَرَ بنَ أبي رَبيعة – وكان مفتوناً بالنساء - كان يطوفُ فرأى امرأةً من أجمل النساء، فوقعتْ في قلبه، فدنا منها، فكلَّمها، فلم تَلتفتْ إليه، فعاودها في الليلة الثانية، فقالت: إليك عني يا هذا؛ فإنك في حَرَمِ اللهِ وفي أيامٍ عظيمةِ الحُرمةِ، فألح عليها يُكلِّمها، حتى خافتْ أنْ يُشْهِرَهَا . فلمّا كان في الليلة الثالثة جاءتْ بأخيها معها إلى الطواف، فلمّا رأى عمرُ أخاها معها عَدَلَ عنها ! فتمثَّلت بقول النابغةِ تُسمِعُه :





تعدو الذئابُ على مَن لا كلابَ له



وتتقي صولةَ المستأسدِ الضاري








فَقَالَ المنصور: قد سمعتُ هَذَا ووددت أنه لم تبق فتاةٌ في خِدرها إلا سمعتْ بهذا.



عباد الله: لقد فرض اللهُ المَحرمَ للمرأةِ تشريفاً لها وإعزازاً وقد حاربه الجاهلون اليومَ والجاهلاتُ. سوءُ ظنٍ منهم بالله أحكمِ الحاكمين سبحانه فقد اعتقدوا أنّ الفائدة منه تقييدُ المرأة والسيطرةَُ عليها وهذا معنى غيرُ مرفوض إذ المرأةُ ضعيفةٌ وهي على خطر من الأشقياء. غيرَ أنَّه فَهْمٌ قاصرٌ وأُفُقٌ ضيقٌ.. فالشرعُ يقصدُ مِن المَحْرَمِ ما هو أوسعُ من ذلك وأشملُ.



4 - ومن صُوَرِ ومظاهرِ الغيرةِ عِفَةُ النساءِ فقد عرفنا قبلُ قصةَ أسماءِ بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنهما حين همَّت لتركب مع رسول لله صلى الله عليه وسلم فامتنعتْ لمَّا تذكرتْ غَيْرَةَ زوجِها الزبيرِ رضي الله عنه وسبحان الله مع أنها في جوار الرسول الأمين إلا أن غيرة زوجِها حبستها.



وأقول ولو أن نساءَ البعضِ منّا اليوم قد لَمَسَتْ من زوجها غيرةً؛ لمَا تجرأتْ على التبرج والسفور والخلوة بالأجانب عنها والله المستعان.
5 - ومن مظاهر الغيرة حمايةُ النساء مما قد يُفسدُ دينهنّ ذكر ابنُ أبي الدنيا في ( ذم الملاهي ) أنَّ الحُطيئةَ نزل برجلٍ من العرب ومعه ابنتُه مُليكةُ فلما جنّه الليلُ سمع غناءً فقال لصاحب المنزل: كُفّ هذا عني فقال: وما تكره من ذلك فقال: إنَّ الغناءَ رائدُ الفجورِ ولا أحبُ أنْ تسمعَه هذه يعني ابنتَه فإنْ كففتَه وإلا خرجتُ عنك.. نقله ابن القيم في كتابه ( إغاثة اللهفان عن مكائد الشيطان ) وذكر صاحب العقد الفريد أن سليمان بن عبد الملك كان مفرط الغيرة، فسمع مغنيا في عسكره، فقال: اطلبوه، فجاءوا به. فقال له: أعد ما تغنيت به. فأعاد واحتفل. فقال: لأصحابه: والله لكأنها جرجرة الفحل في الشول، وما أحسب أنثى تسمع هذا إلا صبت إليه. ثم أمر به فخُصي.


وللخير أهلٌ يُعرفون بهديهم




إذا اجتمعتْ عند الخطوبِ المجامعُ


وللـشر أهلٌ يُعرفون بشكلهم



تشير إليهم بالفجورِ الأصابعُ







أسباب ضعف الغيرة

يجب أن نعلم جميعاً أنَّ الأصل في الغيرة أنها فِطرةٌ وغريزةٌ مركَّبة في المسلم إلا أنَّ هذه المرتبةَ الطيبة ما كان أولئك ليصلوها لولا توفيقُ اللهِ سبحانه وبحمده ثم سلامتُهم من أسبابِ إضعافها؛ والتي منها :


1 - ضعف الإيمان: وهو السبب الأكبر ويرجعُ إليه جميع الأسباب التي سأذكُرُها. فكلما كان العبدُ أقوى إيماناً كان أشدَ حِفظاً لنفسه، ولأهله من أي شيء يخدِشُ كرامتهم، أو يُنْقِصُ حياءَهم ودينَهم، ولا يُضعِفُ الإيمانَ إلا الذنوبُ والمعاصي. لذا صارتْ الذنوبُ والمعاصي من أفتك الأمـــورِ بالغيرة قال ابنُ القيم في الجواب الكــــــافي: ومِــن عقوباتهــا - الذنوبُ والمعاصي- أنها تُطفيءُ من القلب نارَ الغيرةِ التي هي لِحَيَاتِه وصَلاحِه كالحرارة الغريزيةِ لِحياةِ جميعِ البَدَنِ, فإنَّ الغيرة حرارتُه ونارُه التي تُخْرِِجُ ما فيه من الخَبَثِ والصفاتِ المذمومةِ كما يُخرِجُ الكيرُ خَبَث الذهب والفضة والحديد وأشرفُ الناسِ وأعلاهم قدرا وهِمَةً أشدُهم غيرةً على نفسه وخاصته وعمومِ الناس ولهذا كان النبيُ صلى الله عليه وسلم أغيرَ الخَلْقِ على الأُمة واللهُ سبحانه أشدُ غيرةً منه كما ثبت في الصحيح... والمقصودُ أنه كُلَّما اشتدتْ ملابستُه للذنوب خرجتْ من قلبه الغيرةُ على نفسه وأهلِه وعمومِ الناس وقد تَضعُفُ في القلب جداً لا يستقبح بعد ذلك القبيحَ لا من نفسه ولا مِن غيره وإذا وصل إلى هذا الحدِ فقد دخل في بابِ الهلاكِ... فانظر ما الذي حملتْ عليه قلةُ الغيرةِ...إ.هـ



2 – ومن أسبابِ إضعافِ الغيرةِ وهو داخل في مسمى المعصية: الإعلامُ الفاسد وما كان ليضُرَ لولا إطلاقُ البصرِ فيه وتسليمُ العقلِ لشروره: نعم واللهِ فإطلاقُ البصر في هذه الشاشات وهذه الصور وتسليمُ عقولِنا وعقولِ أولادِنا وعواطفِنا وعواطِفهم للإعلام الغير منضبط معصية لله تعالى. ومعلومٌ أنَّ للإعلام دوراً مُهماً في تشكيل عقول متابعيه، فانتهزه الجاهلون بنشر السلوكيات الشاذة - سواءً - للشعوب الراقية أو المنحطة عبر البرامج المنحرفة، والأغاني الهابطة، والمسلسلات الخليعة، وبنشر المفاهيمِ الدخيلةِ التي تُظهرُ الرذيلةَ فضيلةً، والقبيحَ حسناً، والشرَ خيراً، وغيرَ ذلك من المفاهيم التي يقوم الإعلاميون الجاهلون بقلب حقائقها. فكانت النتيجة أنْ أثَّر الإعلامُ سلباً – وللأسف - على كثير من الصفات الحميدة والتي منها الغيرةُ. هم حاربوها بالتشويه والتبغيضِ تارة وبالهمز والسُخريةِ تارةً أخرى وثالثةٌ بالتهوين والإغراق. فكم هي الأفلام التي تُصوِِّرُ الغيرة على أنها تَسَلُطٌ وأنها تهَوُرٌ وعنجهيةٌ ومن ذلك ذاك الفلمُ العربيُ الشهير الذي فيه أنَّ ممثلاً يَدعي الغيرةَ عمِلتْ أُختُه راقصة فجاءها بدون أي مقدمات وبدون أي وعظ وتذكير ثم اقتحم عليها وعلى زوجها البيت وضرب زوجها حتى أُغميَ عليه ثم اتجه إلى أُخته وقد أغلقت عليها الباب فكسَرَه ودخل عليها فضربها على رأسها بعمود حديدي ثم رفعها وألقاها على الأرض ثم فَرَّ هارباً وتركهما ينزفان حتى ماتا؟؟!! هكذا يصورون الغيرة وكأن الغيرة تؤدي و لا شك إلى القتل والعنف ولا أُسلوبَ آخر يتوافق معها.


ومسلسلٌ آخرُ يُصوِرُ الغيرةَ مستهتراً بأهلها وفيه كأنَ رجالاً خرجوا للبر مع نسائهم وكلما نزلوا مُنْزَلا رأوا أن الناس يكشفون نساءهم قاموا وارتحلوا وهكذا حتى غابت الشمسُ عليهم. وركَّزوا على هذه النقطة وعظَّموها مُغفلين أو متغافلين الجوانب المشرقة لهذا الفعل ومنها أن هذا الحرص هو من أجل راحة نسائهم حُباً في أن يبقينَّ في مكان مستورٍ يأخُذنَّ فيه راحتهن يأكُلنَّ ويشربنّ ويضحكن دون أن يرمُقَهنّ عابرٌ أو سفيهٌ فكرامةُ المرأةِ المسلمةِ في وجهها وضحكاتها.



ومحاولةٌ أخرى لإضعاف الغيرة من الإعلام الموجه. إذ قام بضَخِِ كَمٍِ هائلٍ من الصور العارية للرجال والنساء سواء متحركةٌ أو ثابتةٌ حتى أُغرِقتْ القنواتُ - إلا ما رحم ربي - بهذا السُمِ الذي فتك في قلوب الرجال والنساء وإنّ مِن أهونِ آثارِ ذلك أن صار الرجُلُ لا يبالي بما لبستْ زوجتُه أو بنتُه ما دام أنه أخفُ مما يشاهده من العري فصار لُبسُ القصيرِ والضيقِ أمراً عادياً وكذا صار إظهارُ الكتفين والصدرِ؛ لأنه قد تعوَّدتْ عيناه ما هو أفظعُ من ذلك نسأل الله العافية والسلامة. واستمرأتْ نفسُه العُريَ وهو لا يشعر. كنا في مجلسٍ يوماً فرفع أحدُ الحاضرين صورةً شبه عاريةٍ في الجريدة وكان يولول ويُحوقل حسرةً وتألُماً فقال أحد الحاضرين ما لك واللهِ إنك لم ترَ شيئاً فنحن نرى في القنوات أشنعَ من ذلك... فسبحان الله والله المستعان.


هذه الأساليبُ الظالمةُ جعلتْ الغيرةَ عيباً عند كثيرٍ من الناس رجالاً كانوا أو نساءَ ولا غرابة فإنَّ الصورة المتحركة المصحوبة بالصوت لها تأثير كبيـــــــرٌ جداً في المتلقي ولك أن تتأمل ولدك وهو يشاهد التلفاز وانظر إلى حركة عينيه وأصابعه لتعرف الجو الذي يتقلب فيه ومن هنا تكمُنُ خطورةُ الإعلامِ المرئي ومن أجل ذلك هبَّ إليه المصلحون مُحاولين تدارك ما فات من إهمالِ هذه الوسيلة فأحدثوا لنا قنواتٍ هادفةً ومحافظة ونسأل الله المزيد من فضله. وهذا هو ديدن الإعلام الفاسد لا هم له إلا التضليل والإفساد واتخذ لهذا جرائم الشرف بوقاً وسلاحا فهو بهذا باختصار يريد تجريم الغيرة لا غير فحسبنا الله ونعم الوكيل.


من أجل ذلك جاءتْ أهميةُ غَضِ البصرِِ فهو أنجعُ وأهمُ سبيل للعلاجِ؛ فحِفظُ البصرِ عن تلك المشاهد يجعلُ القلب طاهراً صافياً ويُنمِي في العقل الحد الفاضل من السترِ والحشمة. وعند الحديث عن الإعلامِ وأثرِه في إضعاف الغيرة أسوقُ لكم هذا الاستبانة التي طُرحت على مجموعة من البنات – وأسوقها مع أنها مختصة بالنساء لنعرف مقدار الضرر الذي انغمس فيه المسلمون والمجتمع السعودي على وجه الخصوص فالنساء هم الشق الآخر من المجتمع وتربي الشق الأول وفيها (هل تشاهدين القنوات الفضائية ؟ فأجاب 63% بنعم، و59% يحرصن على مشاهدة الأفلام والمسلسلات والأغاني وأخبار الفن، و 12% على كل شيء، أما نسبة اللاتي يحرصن على البرامج الثقافية 6%، وعلى البرامج الدينية 4%، وأما الأخبار والبرامج العلمية والوثائقية فـ 9% .ولعل هذه الأرقام تكشف لكل عاقل وعاقلة المصدرَ الأساسي لثقافةِ المرأة اليوم، أفلامٌ وأفكارٌ ومفاهيمُ تتغذى كل ليلة " بالأغاني الساقطة، والأفلام الآثمة، ومشاهدة السهرات الفاضحة، والقصص الداعرة، والملابس الخالعة، والعِبارات المثيرة، والحركات الفاجرة " والله تعالى المستعان كيف ستصبح زوجةً ؟ وكيف ستكونُ أُماً؟ وهل تصلح أن تكون مُربية أو معلمة؟ حسبنا الله ونعم الوكيل.


وأما المسلسلات المكسيكية المدبلجة والتي أقصر مسلسل فيها يزيد على خمسين حلقة، فحدِّث ولا حرج عن دورها في ضياع الحياء، وتمزيق الأُسرة، فهي تقوم كلَ ليلة بغسلِ المُخِ للكثير من بناتِ عقيدتنا.


تقول مجلة ( تحت العشرين ) في عددها الرابع " قُمنا بإجراء استبيان لـ (90) فتاةً تحت سن العشرين، حول هذه المسلسلات، وقد أظهرتْ نتائجُ هذا الاستبيان أنَّ 70% من الفتيات يَحرِصنََّ على مشاهدتِها يومياً، ولمَّا سألنا الفتياتِ عما يُعجبُهنَّ في هذه المسلسلات وجدنا أنَّ القصةَ والحِوارَ والأحداثَ إلى جانب الأزياء التي ترتديها الممثلاتُ هي أهمُ ما تُعْجَبُ به الفتياتُ. وتراوحت نسبةُ الإعجابِ بهذه الأشياء مابين 75% إلى80% " إ.هـ إنا لله وإنا إليه راجعون. هل تعلم أخي الولي أختي الكريمة أن هذه المسلسلات مليئةٌ بالخيانات، والتعري، وشربِ الخمور والاغتصاب، والعنف. بل والعلاقاتُ الجنسيةُ فيها مباحةٌ للجميع حتى بين المحارم كالأخ وأُختِه، وزوجاتِ الأصدقاء، وأن هذه المسلسلاتِ تحاول أن تُرسخَ في عقول مشاهديها أنه لا يمكن للمرأة أن تعيش بدون عشيق وصديق، على أنها عواطف ومشاعر، وحب وإعجاب، وعلاقات، ورغبات. هذه المسلسلات تثورُ بسببها براكينُ العواطفِ لدى الفتى والفتاةِ، وتتفجرُ الغرائزُ، ثم تتصادم مع القيم الأخلاقية، والآداب الإسلامية، فيعيشُ الشباب والشابات في كآبةٍ وقلق، وأوهامِ اليقظة وأحلامِها، وربما لَعِبَ عليهم إبليس فأوردهم الموارد السيئة إنه حقاً تدميرٌ للقيم، والأخلاق ؟! قاتلهم الله أنى يؤفكون.


لا تسل عما أحدثه مهند ونور في واقعنا و غيرُهما من الأنذال الأقذار الذين هم - بإجماع العقلاء المنصفين - يحاربون اللهَ ورسولَه والإسلامَ الذي يدعو إلى العِفة والحياء والفضيلة ويسعون في الأرض فساداً. والفتنةُ أكبرُ عند الله. هم هؤلاء قد يدخلون في قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33]. وأقل ما يصدق عليهم قول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[النور:19]


ويستحقُ هذا أيضاً تلك القنواتُ الفاجرةُ التي لا ترعى خُلُقاً ولا دِيناً أسأل الله لهم الهدايةَ والتوبة أو الهلاك العاجل والزوال المحقق.


ويدخل في الإعلام الانترنت الذي بات انفتاحاً على كل شيء حسنٍ وقبيحٍ خصوصاً الاتصال عبر الشات ولا يخفى امكانية رؤية الطرفين لبعضهما. وهذا ما يسميه علماء النفس الهروب المعنوي إذ تهرب الفتاة أو يهربُ الفتى إلى خارجِ عالَمِه وهو قابع في غرفته فيظن الأب الطيب أو الأم المسكينة أن ولدهم صالحٌ لا يغادرُ غُرفتَه.


3 - ومن أسباب ضعف الغيرة: السفر لبلاد الكفار لما يراه الرجلُ من فتن وصوارف عن الإيمان وقد يتأثر بما يعيشه أولئك من انعدامٍ للغيرةِ وانشغالٍ عن عبادة ربهم.


4 - اختلاطَ النساءِ بالرجالِ الأجانبِ عنهُنَّ. فاختلاطُ الجنسين بصورةٍ متكررةٍ وبمُكثٍ طويلٍ كالدراسة والعمل يورثُ حتماً الامتزاجَ والتعارُفَ والتمازُحَ المفضي إلى زوالِ الكُلْفةِ بينهم ومِن ثّمَّ اضمحلالِِ الحياءِ الذي هو مادة الدين. وأعظمُ الزواجر عن كل مَنْقَصَةٍ ومَزلَّةٍ, بل هو من أجمل صفاتِ النواعمِ. وإذا زال الحياء فلا تسل.. فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ »[أخرجه البخاري].



ومن الشبهات التي تُثار هذه الأيام قياس الاختلاط في أماكن التعليم والعمل على الاختلاط الحادث الآن في الطواف أو في الأسواق. وهذا القياس لا يصح إذ لا دليلَ صريحٌ على جواز الاختلاطِ في الأسواق أو الطواف لتصلُحَ للقياس. بل قد جاء عن الصحابة ما يُحذر من ذلك فهذا علي رضي الله عنه يُرسِلُ لإحدى المُدُنِ يُخاطبُ أهلَها ويقول ((بلغني أن نساءكم يزاحِمنَّ العُلوجَ – أي كفارَ العَجَمِ- في الأسواق ألا تستحون ألا تغارون ؟!! إنه لا خيرَ فيمن لا يغارُ )) [أخرجه الإمام أحمد في مسنده].


ثم يجب أن نعلم أنّ الاختلاطَ الموجودَ في المطافِ اليوم ليس من عهد النبيِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فانظر وتأمل ما أخرجه البخاريُ والبيهقيُ وعبدُ الرزاقِ في مصنَفه حيث ذكروا: أنَّ إبراهيمَ ابْنَ هِشَامٍ - خالَ هشامِ بنِ عبدِ الملك بنِ مروان ووالي المدينة فوَّضَه هشامٌ إمرةَ الحجِ بالناس في خلافته - يومَ مَنَعَ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ قال ابْنُ جُرَيْجٍ فأخبرتُ عَطَاءً بنَ أبي رباح رضي الله عنه بذلك فقال كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ الرِّجَالِ قُلْتُ أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ قَالَ إِي لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ قال بنُ جريج قُلْتُ كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ قَالَ لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ انْطَلِقِي نَسْتَلِمُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ انْطَلِقِي عَنْكِ وَأَبَتْ...


وقال الفاكهي: يُذكَرُ أنَّ سفيانَ ابنِ عُيينة قال: إنَّ أولَ مَن فرَّق بين الرجال والنساء في الطواف هو خالدُ بنُ عبد الله القسري وكان أميرَ مكةَ في زمن عبد الملك بن مروان. أي قبل بن هشام السالفِ الذكر.


وقد روى الفاكهي أيضاً عن إبراهيمِ النخعيِ أنه قال نهى عمرُ رضي الله تعالى عنه أنْ يطوفَ الرجالُ مع النساءِ فرأى يوماً رجلاً معهنَّ فضربَه بالدُّرةِ.



ولا يقتصر ضرر الاختلاطَ على الغيرة فقط بل يُفضي إلى محاذيرَ كثيرةٍ منها النظرُ المُحرمُ والخلوةُ المحرمةُ ونحوها. ثم إنّ النساءَ مع لزوم الاختلاط قد تهون عليهن كرامتُهنَّ وتبرد أجسادهنَّ بسبب كثرة الاحتكاك بالرجال في المقاعد والممرات والحافلات ونحوها وتكثر على إثر ذلك حالاتُ الاغتصاب وحالات التحرش – أجارنا اللهُ والمسلمين – وبالمناسبة فإن ما يُقالُ عن الدولِ المفتوحة وأنَّ شبابَ الدولِِ المحافظةِ هم الذين يُلاحقون النساءَ ويعاكسونهنَّ بينما غيرُهم لا يأبهونَ بامرأةٍ مرتْ أو احتجبتْ فهذا غير صحيح أبداً فالأجيالُ تتوارث وليست الحياة واقفة على جيل واحدٍ يألفُ ثم يبرد. وللشيخ محمد الأمين الشنقيطي في كتابه أضواء البيان كلام نفيس قال فيه: ودعوى الجهلة السفلة: أن دوام خروج النساء بادية الرُّؤوس والأعناق والمعاصم، والأذرع والسوق، ونحو ذلك يُذهب إثارةَ غرائزِ الرجال. لأن كثرة الإمساس تُذهب الإحساس. كلامٌ في غاية السقوط والخِسة. لأن معناه: إشباعُ الرَّغبة مما لا يجوز، حتى يزولَ الأَرَبُ منه بكثرةِ مزاولته، ولأن الدوامَ لا يُذهب إثارةَ الغريزة باتفاق العقلاء. فالرجل يمكث مع امرأته سنين كثيرة حتى تلد الأولاد، ولا تزال ملامسته لها، ورؤيته لبعض جسمها تثير غريزته. كما هو مشاهد لا ينكره إلا مكابر.إ.هـ وهذه الظاهرة – إن كانتْ صِدْقاً – فإنها ليستْ ظاهرةً صحيةً كما يَتصورُ البعضُ إنما هي بَلادةُ إحساسٍ بسبب كثرةِ المِساس وهي بسبب الاختلاط المطبق في جميع أحوالهم حتى صار الصيد في متناول اليد فلا يهمه ولا يعجل إليه إن كان مشغولاً بغيره أو في طريقه لما سيُشبعه!!! والكلُ مُتاحٌ له النظرُ لنساء الغير.. فلا يرى بأساً من نظر الآخرين لمحارمه كما الحالُ معه. وأنا لستُ أبررُ هذا السلوك المنحطَ – أعني المعاكسة _ إنما أُجيب عن هذه الشبه التي صار يطنطن بها بعضُ أهلينا اليوم... وفي هذا أيضا تتضحُ ضرورةُ الحجابِ فإنَّ النساء هناك لو تحجبنَّ الحجابَ الشرعيَ الصحيحَ لخف الضرر والله المستعان. أخيراً فأقل ما يُمكنُ أن يُقال في هذه الأحوال - أعنى الطواف بالبيت والتسوق في الأسواق المفتوحة - أنها لا يحصل فيها التِكْرارُ والتعارُفُ وفي كلٍ شرٌ وفتنة.


5 - ومن أسباب ضعفها الجهلُ بالأحكام الشرعية عموماً والجهل بوجوب الغيرة والجهل بالسن الذي إن بلغتْه الفتاةُ أصبحتْ محرَّمة على الرجال الأجانب عنها ينظروا إليها أو يخلوا بها وصارت فِتنةً وأضحتْ على خطرٍ من سفهاء الرجال وتأثمُ و يأثمُ وليُها إن تبرجتْ وأسفرت عن زينتها وفي هذا تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: " إذا بلغت الجاريةُ تسع سنين فهي امرأة " أخرجه الترمذي والبيهقي وبسبب هذا الجهل قد يرضى الوليُ لموليته أنْ تلبسَ البنطال ويتركَها تعرِضُ جسدَها في كامل زينته في الأسواق أمام الأعين الجائعة والنفوس المريضة ويزداد الشر إن كانت الفتاة ذات لحم.



6 - جلساء السوء: وهم آفةُ كلِ خير وداءُ كلِ فلاحِ. فهم كلما غار الرجلُ على أهله ثبطُوه وخذَّلوه وسخِروا منه. كلما غضِب الغيورُ من تبَذُلِ النساء هَوَّنَ عليه جليسُ السوءِ الأمر ووصمه بالتشدد وقال الناسُ كلُهم يفعلون هذا، دعْهم على حُريتهم، ونحو ذلك مُتجاهلاً أنَّ تبذُّل الموليات سفاهةٌ ومن مصلحتهن أنْ يُمسِك الوليُ على أيديهن لكي لا يهلَكوا جميعاً, فكثيرٌ مما تهواه النفسُ يكونُ فيه هلاكُها.


7 - الاغترار والانبهار بتقدم الغرب جعل بعض الناس اليوم يستحي من الاتصاف بالغيرة لأنها في نظره أضحت خُلُقَ المتخلفين والبائسين. وأستأذن القارئ الكريم بشيء من التعليق على هذا التقدم المزعوم. أيُ تقدمٍ فازتْ به تلك المغاربُ؟ التقنيُ أقولُ نعم وأيضا الصناعيُ أقولُ نعم وحسبك.... فنظراً لكون تقدُمِهم هذا لا يحوطُه دينٌ وتعبدٌ للخالق سبحانه. وكونه ليس مقيداً بشرعِ رب العالمين وخالقِ الناس أجمعين آلَ بهم إلى التخلُفِ والتأخُرِ الأخلاقيِ والنفسيِ والاقتصاديِ. فالنساءُ لا قيمةَ لهن إلا الاستمتاعَ بطراوتِهن التي تَفْقِدُها العجائزُ منهن. والنفوسُ تعيشُ حالاتٍ كثيرةٍ من الاكتئابِ والقلقِ الذي بسببه لا تكاد تجدُ كافراً منهم إلا وقد أدمن المخدراتِ والمسكراتِ أو أفضى به إلى الانتحار. واقتصادُهم يعيشُ طَبَقِيَةً مقيتةً ورأسَ ماليةٍ مُفرطةً مما أسفر عنه تكبُلُ الكثير منهم بالديون والمطالباتِ فيا ليت قومي يعلمون... هذا وقد صدَّق الكثيرُ من المسلمين وللأسف بأن الإسلام الذي ميَّزنا اللهُ به وشرَّفنا والذي محِله أنْ نفتخر به بين الأمم.. أنه هو سبب تخلُّفِنا وتأخُرِنا عن صفوف الدول المتقدمة قياساً على التمرد الذي حصل على الكنائس الكاثولوكية النصرانية. وكيف يُقاس الإسلام الذي هو دين الخالق الرازق سبحانه وبحمده على تلك العقائد المحرَّفة ؟! والحق أنَّ سبب تخلُّفنا هو الإقصاء الذي يفرضه الكفار على المسلمين حكوماتٍ وأفراداً المفضي إلى التحجيرِ واحتكارِ الصناعات المؤثِرَةِ أعني صناعة الأسلحة والمحركات الثقيلة والخفيفة والصناعات الدقيقة. نعم فإن الدينَ من هذا التخلف الذي نعيشه براء.. فالإسلام يدعو إلى العمل بل ويدعو إلى إتقان الصنعة. والمسلمون ليسوا أقل من غيرهم في الذكاء فكثير من مصانعِ القومِ قائمةٌ على المسلمين من مهندسين وفنيين والله المستعان.


8 - الثقة المفرطة في الأهل أو الغلو في الثقة تجعل الرجل يدافع غيرته حتى تضعف وتضمحل. ولتعلم يارعاك اللهُ أنَّ المرء إنْ حَرِصَ على موليته فليس ذلك سوءَ ظنٍ بها – مع أن الأصل في النفس أنها أمَّارة بالسوء - بل سوءُ ظنٍ بالناس ومِن حقِه ذلك فهل يصلُح أن أُلقي في السوق كيساً من الذهب وأقول لن يأخُذه أحدٌ ؟!. لقد أخرج البيهقي في سننه والطبراني في جامعه أنّ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: احْتَرِسُوا مِنَ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ. وَرُوِىَ ذَلِكَ عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا وعن الحسن بن علي رضي الله عنه موقوفاً. ويدل عليه خبر ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: ((من حَسَّنَ ظنَه بالناسِ كثُرتْ ندامتُه)).


لكن من المؤسف أنَّ هناك أقواماً على الضد تماماً قد عُدِمَتْ ثقتُهم في نسائهم وهذا وهذا مرضان وإفراطٌ وتفريط وقد مضى القول في الغيرة المذمومة .


9 - ضعفُ شخصيةِ الرجلِ في بيته وعند أهله: حتى صارتْ الكَلِمَةُ في البيت للزوجة؛ فهي الآمرةُ الناهيةُ، وبالطبع فالمرأةُ ضعيفةٌ لا تستطيعُ إدراك الأمور وتعجزُ عن الوصول لصالحِ نفسِها ومَن تحتها، تتجاوب مع الإغراءات والعواطفِ وتَسْمَعُ لكل ناعقٍ ومُثَرِّبٍ ومشجعٍ فلا تستقرُ على رأيٍ ولا يُعجبُها والحالةُ هذه شيءٌ فتَظَلُ في لَهَثٍ لتُرضي الناسَ كلَهم ولو على حسابها وحسابِ ولييها، وليس هذا الحُكْمُ عاماً ولكنه الأغلبُ في النساء وهذا حكمُ الله فيهن (وليس الذكرُ كالأنثى )وعلينا التسليمُ والرضا . وعندما تكونُ المرأةُ مُتحكِّمَةً في أمور البيت فلا تسل عن التيه الذي سيَحِلُ بها وبزوجِها والله المستعان فخيرٌ لهذا الأخرقِ أن يستأجرَ رجلاً مسلماً أميناً ولو أعجمياً ليُديرَ حياته. فالمرأةُ خَلَقَها اللهُ وقدَّر قُوَّتَها وإمكانياتِها فهي تابعة لا متبوعة مُتظلِّلةٌ لا ظِلالَ لها ( وتبارك اللهُ أحسنُ الخالقين ). ومن الأمثلة ذاك الرجل الذي كان عليه سِما الصلاح وكانت زوجته تسير معه في السوق متبرجة بزينة فجاء أحدُ الناصحين فهمس له بخطأ زوجته وأنه مسؤول عنها فأجاب بصوت مرتفع انصحها ياشيخ انصحها ما تسمع مني !! ولو أن هذا المسكين جلس مع زوجته وناقشها وحاول إقناعها بالحجاب الشرعي وأعانها فاشترى لها ما يستر وحاول منعها من خلافه لكسب انصياعها وتأثُرَها. ولكنَّ الحاصل أن بعض الشباب يتزوج بامرأة لربما تجهلُ الواجب أو عاشت في بيئةٍ غافلةٍ ولا يتفضل حضرتُه بنصحها وتذكيرها وتنبيهها ومحاولة الأخذ على يدها بل يتركها إما خجلاً بسبب حداثة الزواج أو خوراً وجُبناً أو مراعاة زائدة لنفسيتها فيُقدِّم بذلك رضاها على رضا ربه سبحانه وبحمده شَعُرَ أم لم يشعُر ثم قد يتأثر هو بالنقص نعوذ بالله من حور بعد الكور والواجب أن نجعل الحرام خطاً أحمرَ لا نسمح بتجاوزِه مع من كان وأنْ نطأ على عواطفنا وأحاسيسنا المرهفة في جنب الله.


وفي المقابل نجد بعض الشباب يأمُر زوجته بالتقصير والتبرج - وإن كان هذا موجوداً إلا أنه قليل بإذن الله - حتى ضَلَّ بعضُ الفتياتِ الصالحاتِ بسبب أزواجهن الفسقة والله المستعان. ومن مثل هذا اشتكى الفاروق رضي الله عنه "أشكوا إلى الله جلد الخائن وعجز الثقة" ذكره ابن الجوزي في مناقبه.


وإنّ مما نتج عن إدارةِ المرأة للبيت أنها تعملُ أعمالاً هي في نظرها لا تَضُرُ وهي في الحقيقةِ سكاكينُ تخْرِقُ قلوبَ الرجال كأنْ تَلبَسَ وتُلْبِسَ بناتها ما يُعرِّضُها لأذى السفهاءِ من الرجال وعلى هذا فقيسوا رحمني اللهُ وإياكم وما ذاك إلا لأن المرأة لا يفتنُها من المرأةِ ما قد يَفتِتِنُ به الرجالُ .



أينَ الأبُ الراعي وأين الزوجُ في




بيتٍ تنهى فيه النساءُ وتأمرُ؟




إني لأسأل عن رجالِ عشيرتي




أين الثباتُ وأين أين الجوهرُ




أين القَوامةُ يا رجالُ أما لكم




شرفٌ ؟ أليس لكم إباءٌ يذكرُ؟




أين العقولُ أما لديكم حِكمةٌ ؟




أين القلوبُ أما تَحُسُ وتشعرُ ؟




إنْ عُدَّتْ الفِتنُ العِظامُ فإنما




فِتنُ النساءِ أشدُهن وأخطرُ




أخشى على الأخلاق كـسراً بالغاً




إنّ المبادئَ كـسرُها لا يُجبرُ








فليعلمَ الرجلُ أن القوامة له على المرأة شرعاً مكلَّفاً بها لا مُشرَّفاً، ولتعلمَ ذلك المرأةُ المسلمة المنقادةُ لأمر الله تعالى ولترضى ولتُسلِّم ولتكن عوناً لقيِّمها على قِوامته قال الله عز وجل: ﴿الرِّجَالُ قَّوَامُونَ عَلَىالنِّسَاءِ [النساء: 34] والقوامة هي وظيفة الرجل في بيته ومن أبرز مهامها الغيرة بل لا تتحقق القوامة إلا بالغيرة .


10 - ومن الأسباب قلةُ طرح الموضوع وحديثِ العلماءِ والدعاة عنه مع أهميته: في وقت لم تَفْتُرْ فيه هجماتُ الجاهلين على الدين وتعاليمه حيثُ جعلوا قتلَ الغيرة هدفاً من أهدافهم البغيضة لتدمير المجتمعاتِ الإسلاميةِ؛ فهم يسعون إلى إفسادِ المسلمين، وصرفِهم عن دينهم وتدميرِ أخلاقِهم بنشرِ الفواحشِ ووسائلِها من خلال مقاعد التعليم والوظائف المختلطة، والبعثات العلمية للنساء إلى بلاد الكفر والتبرج والسفور إلى غير ذلك. والواجب أنْ يكون أهلُ الغيرة عقبةً أمام مخططاتِ الأعداء فيجبُ على العلماء وطلبةِ العلم والكُتّابِ الطيبين أن يتكلَّموا ويكتبوا عن هذا الموضوعِ المهمِ العظيمِ مواجهةً لأعداء الله ـ تعالى ـ دعاةِ الفاحشةِ والرذيلةِ ولكي تحيا في نفوسِ الرجال الغيرةُ على الأعراض وحمايةُ المحارم.


11 - ومن أسباب ضعفها تناول أو تعاطي الحشيشة والمخدرات قال ابن تيميةَ في الفتاوى: الحشيشةُ تورثُ قِلةَ الغيرةِ وتَصيرُ بصاحبها إلى الدياثة..
 
صور ضعف الغيرة


وبعد أن عرفنا صور قوة الغيرة في الرجل وفي المجتمع وعرفنا أسباب ضعف هذه القوة فلابد من معرفة صور ضعف الغيرة في الرجل والمجتمع حتى يسهُلَ علينا جميعاً قياسُ قوةِ غيرتنا على حريمِنا وأعراضنا ولعلي أسوقُ بعضَ الأمثلة واللبيبُ بالإشارةِ يفهمُ.


1 – انتشارُ استخدامِ سيارات الأُجرة من قِبلِ النساءِ ومثلُه انتشارُ السائقين الأجانبِ فهذا علامةٌ على تفريط الرجال وتقصيرِهم في حق مُولياتِهم حتى أعوزوهُنَّ للأجانب كما إنَّ انتشارَ ذلك يوحي إلى أنَّ النساء أفرطنَّ في كثرةِ الخروج من المنزل لمَّا خفتْ غيرةُ أوليائهنّ – والله المستعان – .


2 - الرأفةُ بأهلِ الفواحش يقول ابنُ تيميةَ في مجموع الفتاوى تعليقاً على قَول اللهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾ الْآيَةُ: نَهَى تَعَالَى عَمَّا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَانُ من الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَالرَّأْفَةِ الَّتِي يُزَيِّنُهَا الشَّيْطَانُ بِانْعِطَافِ الْقُلُوبِ عَلَى أَهْلِ الْفَوَاحِشِ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ حَتَّى يَدْخُلَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْآفَةِ فِي الدِّيَاثَةِ وَقِلَّةِ الْغَيْرَةِ ... وظن البعض أن الرأفة بهؤلاء َولَوْ كَانَ وَلَدَهُ أَنَّ هَذَا مِنْ رَحْمَةِ الْخَلْقِ وَلِينِ الْجَانِبِ بِهِمْ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وقد غلط َإِنَّمَا ذَلِكَ دِيَاثَةٌ وَمَهَانَةٌ وَعَدَمُ دِينٍ وَضَعْفُ إيمَانٍ وَإِعَانَةٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَتَرْكٌ لِلتَّنَاهِي عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ . وَتَدْخُلُ النَّفْسُ بِهِ فِي الْقِيَادَةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الدِّيَاثَةِ كَمَا دَخَلَتْ عَجُوزُ السُّوءِ زَوْجِة لُوطٍ عليه السلام مَعَ قَوْمِهَا فِي اسْتِحْسَانِ مَا كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهُ مِنْ إتْيَانِ الذُّكْرَانِ . وَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَأْخُذَنَا بِالزُّنَاةِ رَأْفَةٌ بَلْ نُقِيمُ عَلَيْهِمْ الْحَدَّ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ مِنْ هَجْرٍ وَأَدَبٍ بَاطِنٍ وَنَهْيٍ وَتَوْبِيخٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ .


وَذَلِكَ أَنْ الْمُحِبَّ الْعَاشِقَ َلَيْسَ دَوَاؤُهُ فِي أَنْ يُعْطِيَ نَفْسَهُ مَحْبُوبَهَا وَشَهْوَتَهَا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَرِيضٌ وَالْمَرِيضُ إذَا اشْتَهَى مَا يَضُرُّهُ أَوْ جَزِعَ مِنْ تَنَاوُلِ الدَّوَاءِ الْكَرِيهِ فَأَخَذَتْنَا رَأْفَةٌ عَلَيْهِ فمنعناه من شُرْبِهُ فَقَدْ أَعَنَّاهُ عَلَى مَا يَضُرُّهُ أَوْ يُهْلِكُهُ وَعَلَى تَرْكِ مَا يَنْفَعُهُ. فَيَزْدَادُ سَقَمُهُ فَيَهْلَكُ. وَهَكَذَا الْمُذْنِبُ الْعَاشِقُ وَنَحْوُهُ هُوَ مَرِيضٌ فَلَيْسَ الرَّأْفَةُ بِهِ وَالرَّحْمَةُ أَنْ يُمَكَّنَ مِمَّا يَهْوَاهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَا يُعَانَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ تَرْكِ مَا يَنْفَعُهُ مِنْ الطَّاعَاتِ الَّتِي تُزِيلُ مَرَضَهُ قَالَ تَعَالَى: ﴿ إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ أَيْ فِيهَا الشِّفَاءُ وَأَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ. بَلْ الرَّأْفَةُ بِهِ أَنْ يُعَانَ عَلَى شُرْبِ الدَّوَاءِ وَإِنْ كَانَ كَرِيهًا: مِثْلَ الصَّلَاةِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ وَأَنْ يُحْمَى عَمَّا يُقَوِّي دَاءَهُ وَيَزِيدُ عِلَّتَهُ وَإِنْ اشْتَهَاهُ إ.هـ


3 - ومن صور ضعفها: الرضا للبنات أنْ يتبذَلنَّ في لباسهنَّ في البيوت عند إخوانهن وبني أخواتهن فكم هي البيوتُ التي تسمح لبناتها أنْ يلبسنَّ البناطيل الضيقةَ أو الفساتين القصيرة أو التي لا تغطي الصدر و العضُدين ونحو ذلك من المناظر التي يُؤسف لها لما فيها من الخدش لحياء الفتيات, وهذا واللهِ يتعارضُ مع تربيةِ الأبناء على الغيرة. بل وبسببه صار بعضُ الشبابِ يقعُ على أُخته بدلاً من أن يحميَها من السوء أو ينهاها عنه فصارت النتيجةُ عكسيةً.


4 - عندما تموت الغيرةُ ترى الرجلَ يَسمَحُ لمحارمِه أنْ يتبرجن في الأسواق ويُظهرنَّ زينتهن ويلبسنَّ الملابسَ الضيقةَ والقصيرةَ، والخفيفةَ التي تُظهِرُ المفاتن، مثل البنطلون الضيق والتنورة الميدي وغير ذلك من ملابس التبرج التي فيها فتنة، وقد توحي لكل سفيه وغادر أنَّ هذه الفتاة لا وليَ لها ولا حامي.


والبعض إن وُجد لديه شيءٌ من الحياء والغيرةِ فإنه يُلزِمُهُنَّ بِلُبْسِ عَبَاءةٍ تحتاجُ إلى عباءةٍ. لما فيها من زينة وفتنة.


نعم فاللهُ سبحانه وبحمده ما شرع الحجابَ إلا ليَسْتُرَ زينةَ المرأةِ ويَحُوطَها دونَ أعينِ الرجالِ الأجانبِ عنها وعليه فأيُ غطاءٍ لا يسترُ الزينةَ أو هو زينةٌ في ذاتِه فليس حجاباً يرضاه اللهُ ويجازي عليه. بل هو تَبَرُجٌ يُعاقَبُ الله عليه. والله المستعان


ثُم لِتَعْلَمَ كلُ امرأةٍ مسلمةٍ أنَّ اللهَ ـ عز وجل ـ لم يُلزمْها بهذا الحجابِ إلا تكريماً لها وإعزازاً وصيانةً؛ فالحجاب له أسرارُ عظيمةٌ، وفضائلُ محمودةٌ، ومصالحُ كثيرةٌ. وليعلم كلُ رجلٍ مسلمٍ أنه مسؤول عن حماية أهله من وسائلِ الفتنةِ والضلالِ أو الإضلالِ.



ومن هذا الباب أناشد الآباء والأمهاتِ أنْ يتقوا اللهَ في أبنائِهم أيضاً فبعضُ أبناءِ هذا الزمانِ صاروا قريباً من البنات من حيثُ النعومةُ والميوعة والمفاتن – والله المستعان – إذ قد تعالت الصيحات من البعضِ من كثرة حالات الاختطاف والاغتصاب وزنا المحارم نسأل اللهَ أن يحفظ أعراضنا وأعراض المسلمين.


وأُناشد جميع تجارِ المسلمين أن يتقوا اللهَ تعالى الذي بيده الخير ومِن عندِه الرزقُ ويجتهدوا في توفير الألبسة الساترة. وأنْ لا يطغى عليهم حبُ المال على حساب أخلاق إخوانهمُ المسلمين. بل الواجبُ على التاجر الذي يرجو فضلَ اللهِ والرزقَ الحسن أن يبحث عن رضا الرازقِ قبل بَحْثِه عن الرزق. ويجبُ أنْ يكون داعيةً إلى دين اللهِ وإلى سِتْرِ المسلمات وعوناً لهن على طاعة ربهن.


5 - عندما تضعُفُ الغيرةُ يسمحُ الرجلُ لزوجتِه المسكينة، أو لبنتِه المحرومةِ من عطف والدها أنْ تسافر لوحدها وبدون مَحرمٍ يُعينُها ويَحوطُها إما للدراسةِ وإما للعلاج وإما للعمل ونحوِ ذلك، سواء إلى بلاد إسلامية أو بلاد كافرة، بل قد يتفاخر بعض الرجالِ بذلك أمام الناس. وبالمناسبة فالمَحْرَمُ هو الزوجُ ومَن كانت المرأةُ تحرمُ عليه تحريماً مؤبداً كالابن والأب والأخ والعم والخال وابنِ الأخ وابنِ الأخت ويستثني الإمامُ مالكٌ رحمه الله مِن هذا الأخَ من الرَضَاع، وولدَ الزوجِ مع أنهما يحرُمان على المرأة تحريما مؤبدا، ويُعلِّلُ ذلك بفسادِ الزمن. اعلموا رحمني اللهُ وإياكم أنَّ سفر المرأةِ بلا محرمٍ لا يجوز حتى للحج على الصحيح كما ثبتت بذلك الأدلة ومنها ما اتفق على صحته البخاري ومسلمٌ من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ » ففيه النهي عن سفرها لوحدها أيَ سفرٍ قريباً كان أو بعيداً ولم يقلْ بجواز سفرِها بدون محرم أحدٌ إلا الشافعي رحمه الله قال بالجواز في حج الفرض فقط إذا كانت مع نِسوةٍ ثقاتٍ ومع إحداهُن محرمٌ. قياساً على الصلاة فلا يجوز للرجل أنْ يُصلي بنساءٍ مفرداتٍ إلا أنْ تكونَ إحداهن مَحْرَماً له. ذكره بن حجر في الفتح.



6– ومن المظاهر أيضاً الرضا والسماحُ للمرأةِ أنْ تختليَ بالرجلِ الأجنبيِ عنها سواءً كان طبيباً أو مشرفاً اجتماعياً أو محامياً أو مُدرساً أو سائقاً ونحوَهم. ومن ذلك الرضا بخلوةِ الزوجةِ بقريب الزوجِ إما أخيه أو غيرِه فنرى بعضَ النساءِ يذهبنَّ بمفردهن أو – وللأسف - يذهبُ معها وليُها ولكن يبقى في الانتظار حتى تخرجَ. ومثلُه في القُبْح ذهابُ الرجل بموليَته للطبيب ليكشف عليها وقد يولِّدها مع وجود طبيباتٍ حاذقاتٍ مبدعاتٍ وهذا ما تشهدُ به المستشفياتُ اليوم ولله الحمدُ والمنَّة. وليعلم كل مسلم ومسلمة أن الخلوة سببٌ من أسبابِ الوقوعِ في فاحشةِ الزنا؛ لذلك سَدَّتْ الشريعةُ هذا الطريقَ، وأغلقتْ هذا البابَ؛ حفاظاً على الأعراض، وحمايةً للفضيلة. فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَخْلُونَّ أَحَدكُمْ بامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» [متفقٌ عَليْهِ] وعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاء فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يَا رَسولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ – وهو قريبُ الزوج - قَالَ: الحَمْوُ المَوْتُ» ومثارُ الغيرةِ هنا أن الرجل الغيور لا يمكن أبداً أن يسمحَ لأحدٍ يخلوْ بموليته فيشتهيها وتشتهيه وإن سلَّمَهُمَا اللهُ من الفاحشةِ فلا أظنُهما يسلمان من وسوسة الشيطانِ فالشيطان للمسلمين بالمرصاد. حاضرٌ خصوصا في مثل هذه المواطن كما أخرج الترمذيُ وغيرُه عن عمرَ بنِ الخطاب أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا كان ثالثَهما الشيطانُ » فالخلوةُ بالمرأةِ من أقوى مواطن الشهوة لذلك ينصحُ بعض الأطباء الرجلَ الذي يعاني من ضعفٍ جنسي أن يخلوَ بزوجته أياماً بعيداً عن الناس والأولاد.


7 – ومن صور ضعف الغيرة في الرجل أو في المجتمعات اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن في حافلات النقل العام أو الحفلات والمناسبات ونحوها، الذي بسببه يقعُ النظر المحرمُ من الرجال للنساء والعكس، ويقع بذلك فتنة عظيمة، حيث يرى الرجلُ أنَّ زوجةَ فلانٍ أجملَ من زوجته، وترى الزوجةُ أن فلاناً وسيمٌ ليس كزوجها، فيقعُ التقاطعُ وسوءُ العِشْرَةِ. وفي ذلك إثارةٌ للشهوات وإضعافٌ لحياءِ البناتِ بسبب ما قد يحصل من الضحك والمزاح. وبسبب الاختلاط تفقِدُ النساءُ نعومةَ أجسامهن بسبب كثرة الاصطدامات مع الرجال؛ فيُستساغ هذا العمل عند الرجل فتموت الغيرة، وعند المرأة فتفقد حياءها. وقلَّ أن ينفعَ المرأةَ حجابُها فإنَّها لن تدومَ طويلاً مع ما تشاهده من تبرجِ قريناتها ولن تسلم من السُخرية والامتهان ولنْ يحميَها حجابُها من التحرُش ووسوسةِ الشياطين، والواقع يشهدُ بذلك فليس هناك مجتمعٌ يرضى بالاختلاط في البيوت والمناسبات يسلم مما ذكرتْ والله المستعان ومن مساوئه أنَّ النساءَ يتنافسنَّ في الزينةِ والخضوعِ والرجالَ كذلك فكيف ستصبر الصالحةُ والصالحُ على هذا إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم الاعتزال. ومِن أماكنِ الاختلاط التي ابتُليَ المسلمون بها معاقلُ التعليم كالمدارسِ والجامعاتِ وأماكنُ العمل كالمستشفياتِ وبعضِ الشركاتِ وبعضِ الدوائر الحكومية؛ فلا يليق برجلٍ عنده ولو شيءٌ يسيرٌ من الغيرةِ والشرفِ أنْ يسمح لمحارمه بالدراسة أو العمل في هذه الأماكن، بأي حجة من حجج الشيطان. فالعِلْمُ قد يُطْلَبُ في غيرِ المدارسِ والرزقُ يُفتحُ في البيوت. فاتقِ الله أيها الوليُ ولا يكن همُك المعاشَ فلا بارك اللهُ في مالٍ ولا في عِلْمٍ يُفسِدُ الدين والأخلاق. سأل أحدُ رجالِ السياسة في أوربا العلامةَ أحمدَ توفيق باشا العثماني قائلا: لماذا تبقى نساءُ الشرق في بيوتهن مدى حياتِهن من غير أن يُخالطنَّ الرجال ويَغشَين مجامعهم ؟ فأجابه قائلا: لأنهن لا يرغبن أنْ يلدن من غير أزواجهن. فسكت الرجلُ كأنما أُلقِم حَجَرا.



8 - عندما تموت الغيرة ترى الرجلَ يسمحُ لنسائه بالاحتفاظ بصور المُمثلين والمغنيين والرياضيين وغيرِهم من المشاهير؛ بحجة أنها مُعْجَبةٌ بهم وقد لا يُعارِضُ ذلك الرجلُ؛ بحُجةِ أنها حُرةٌ تحب من تريد وتُعْجَبُ بمن تريد وهذا من خصوصياتها، ولا يعلمْ هذا الرجلُ الضعيفُ أنَّ هذا لا يتناسبُ مع الرجولةِ الحَقَةِ المعتبرةِ في الدين والدنيا. سبحان الله كيف يرضى المسلم هذا وهو من قبيل الحب المحرم الذي قد يؤولُ إلى سوءٍ وفحشاء لا سيما وأن هؤلاء المشاهير قد يغلب على بعضهم الفسق والفجور؟! رحم اللهُ الشرف والأعراض عند ذَكَرٍ ليس له عقلٌ يُدبِرُه ولا دينٌ يزجره.


9 - عندما تضعف الغيرة تجد الرجلَ يُؤْثِرُ راحتَه على راحةِ أهلِه وقد يتغافلُ عن أشغالِ زوجته وبناته ليتركوه بلا قيود؛ يُطيلُ المكث في الاستراحات والبراري أو لربما جلس أمام النت أو التلفاز في بيته كل ذلك هروباً عن إشغال ذهنه وعن دوشة الرأس كما يسمونها فلا يدري عن أهله شيئاً، ولا يهتمُ بأمورِهم، ولا يُكلِّفُ نفسه بمعرفة متى دخلن البيت، ومتى خرجن منه، ومع من يذهبن، ومع من يأتين؟ ناسياً أو متناسياً أنه قد قدَّم الراحة في الدنيا على راحة الآخرة وأنه يوماً مسؤولٌ عن إهماله ومحاسبٌ عليه وقد لا يسلم من السوء في أهله في الدنيا فكم هي القصص التي نقرؤها ونطالعها من فتياتٍ مُتْنَّ مع أصدقائهن أو قصص قبض رجالِ الهيئة لفتياتٍ في خلوةٍ محرمة ونحوها من القصص المؤلمة وأنا أقبِّح هذا الإهمال حماية للموليات وعوناً لهن فبعض المشاوير قد يقضيه الرجلُ لوحده فيجبُ عليه حينها أنْ يكفي موليتَه التعبَ والعناءَ وبعضُ المشاوير ليست ضرورية ولا عاجلة فيكون بذلك قد رتَّبَ نفسه ورتَّبَ أهلَه.


فهذا الرجل في غفلة وسيُسألُ يومَ القيامة، وما يومُ القيامةِ ببعيد.


10 - عندما تضعف الغيرة فإن الرجل يكلف زوجته، أو بنته بشراء حاجات البيت دون ضرورة؛ فهو صحيح ولديه وقت فراغ، وإن كان مشغولاً فلديه أولاد كبار يذهبون إلى الأسواق بدلاً عنه، لكنه ضعف الغيرة، بل يصل الأمر ببعض الرجال أن يلقي مسؤولية البيت كاملة على زوجته فهي التي تذهب إلى السوق، وتشتري الطعام والشراب ولباسَها ولباسَ الأطفال، بل وملابس زوجها، وهي من تستأجر البيت، وتتفاهم مع صاحب البيت، وتدفع الإيجار وتذهب لتسديد فاتورة الكهرباء والمياه، وأصبحت كالرجل تختلط بالرجال، وتحتك بهم، وزوجها يسلِّم لها ما تحصَّل عليه من مال، ثم يذهب ليأكل ويشرب، وينام وكأنه بهيمة، ليس عليه أي مسؤولية. بل هناك رجالٌ تنفقُ عليهم زوجاتهم؛ فأي رجل هذا، وأي رجولة لديه؟


وإني بهذه المناسبة أُحذر أخواتي الفاضلات اللاتي أُبتُلين بمثل هؤلاء الأزواج من الانخراط في كثرة الاحتكاك بالرجال الذي قد يورث الاسترجال فقد جاء فيه وعيدٌ شديدٌ من النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال «لعن الله الرَّجُلَة من النساء» [أخرجه أبو داود عن عائشة]. قال المناوي في التيسير أي المترجلة وهو بفتح الراء وضم الجيم التي تتشبه بالرجال في زيهم أو مشيهم أو رفع صوتهم أما في العلم والرأي فمحمود قال وإسناده حسن. كما أخرج النَسائيُ عن بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ إليهم يومَ القيامة: العاقُ لوالديه والمرأةُ المترجلةُ والديوثُ ».




خطورة ضعف الغيرة
وآخر مبحث في هذا الموضوع هو تنبيهُ الأذهان إلى خطورة الأمر وأنْ الموضوع ليس ترفاً فكرياً كما قد يظنُ البعض بل هو ضرورة ثقافيةٌ وشرعية وسياسية واجتماعيةٌ. إي وربي فانعدام الغيرة في الفرد أو المجتمع كارثةٌ عظيمة يترتب عليها مصائبُ كثيرةٌ ومآثمُ عظيمةٌ منها :
1 – أنه غش للرعية وفسق وتأمل هذا الحديث :عن مَعْقِلَ بْنِ يَسَارٍ الْمُزنِيَّ رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» [أخرجه مسلم]. وقال ابن تيمية: فعلى العبد أن يفعل ما أمره الله به من الغيرة وغيرها فإذا كان قد أمره بأن يغار لمحارمه إذا انتهكت وأن ينكر المنكر بما يقدر عليه من يده ولسانه وقلبه فلم يفعل فإنما هو فاسق عن أمر ربه.


2 – أنه إهمال للمسؤلية فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ – وتأمل - مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ... وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » [أخرجه الأربعة وأحمد]


3 - إنَّ ميّتَ الغيرة الذي يُقر الخبث في أهله ولا يغار عليهم يسمى الديوث. ولقد توعَّدَ النبيُ صلى الله عليه وسلم الديوثَ بأشنعَ وعيدٍ وأنكرِه كما أخرج النَسائيُ عن بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم « ثلاثةٌ لا ينظرُ اللهُ إليهم يومَ القيامة: العاقُ لوالديه والمرأةُ المترجلةُ والديوثُ» [وأخرج الإمامُ أحمدُ] «ثلاثةٌ حرَّم اللهُ عليهم الجنة: مدمنُ الخمر، والعاقُ و الديوثُ الذي يُقِرُ في أهله الخَبَثَ ». وعن مالك بنِ أُخيمر الجُذامي - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ الله لا يَقبلُ يومَ القيامة مِن الصَقُّورِ صرفا ولا عدلا قيل وما الصقور يا رسول الله قال الذى يُدْخِلُ على أهله الرجال» [أخرجه البخاري، والطبراني، والبيهقي].


"والصَقُّورُ": هو الديوث . وعند النسائي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ الْغَيْرَةَ مِنَ الإِيمَانِ وَإِنَّ الْمِذَاءَ مِنَ النِّفَاقِ وَالْمِذَاءُ الدَّيُّوثُ ». وعن عمار بن ياسر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم « ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدًا الديوثُ والرَجُلَةُ من النساء ومدمنُ الخمر قيل يا رسول الله ما الديوثُ قال الذي لا يُبالى مَن دخل على أهله. قيل فما الرَجُلَةُ قال التي تتشبه بالرجال» [أخرجه الطبراني والبيهقي وقال المُنذري: رواته ليس فيهم مجروح وشواهده كثيرة. وغيرها من النصوص التي تُنفِّرُ من هذه الصفة الذميمة].



وأخيراً ....


فيكفي قِلةَ الغيرةِ شؤماً أنْ يظهرَ الزنا وصدق من قال :


إن لم يصُن تلك اللحومَ أسودُها



أُكلتْ بلا عوض ولا أثمان








ختاماً معشر الأفاضل والفضيلات: أنا لا أدعو إلى غيرة مشركي قريش التي بسببها وأدوا البنات ولا غيرة ذاك الأعرابي الذي نحر ذلوله لما نزلت عنه عروسُه ولا غيرة ذاك الموسوس الذي بات مراقباً لموليته في كل حركاتها. أنا أدعو نفسي وإخواني المسلمين إلى غيرةِ النبي صلى الله عليه وسلم وغيرة أبي بكر الصديق وغيرهما ممن حفظوا الأعراض وبسببهم ارتفع شأن النساء وحُميتْ أعراضُهن. وينبغي للمسلمة أن تعين زوجها على الغيرة عليها وعلى بناتها وعليهما أن يُنْهِضَاها في نفوسِ أبنائهما. أريد بطرحي لهذا الموضعِ الشائك وَعَظَ الجاهلين والرد على شُبُهاتهم وتبيين عوارِهم للناس فهم لا يُصرِّحون بخُبثِهم إنما يدخلون على المسلمين بأسماء وهمية: كتحرير المرأة، والمطالبة بحقوقٍِ ابتدعوها وفقاً لشهواتهم كتوظيفِها وإقحامها في لأواء الحياة كدحاً من أجل البقاء وهذا فيه إفسادٌ لصحتها ودينِها وإفسادٌ لأخلاق الرجال وإفسادٌ للبيوت وإهمالٌ للجيل القادم الذي لن يتربى في حضنٍ صادقِ الود والحنان فليست النائحة الثكلى – وأقصدُ بها الأمَ - كالمستأجرة وأعني بها الخادمة - وماذا يريدون سوى المخالفةِ لكتابِ الله وحكمته في كَونِه سبحانه جعل الذكر ليس كالأنثى فمساواةُ المرأةِ بالرجل في كل شيء، ومحاولةُ إشراكها في جميعِ مجالات الحياةِ سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، لتَفْسُدَ هي في ذاتها ويَفْسُدَ المجتمعُ بها. هذا ما يسعون إليه علموا أو جهلوا.


أكتب في هذا لعل اللهَ تعالى أنْ يكُفَ الشرَ والفتنةَ وأن يَكْشِفَ الغُمَّة وأن يحفظ علينا وعلى المسلمين العِرضَ والإيمان إنه سبحانه رحيم ودود. وأسأله تعالى أن ينفع بها وأن يجعل لها أثراً نافعاً مباركاً وأن يجعل هذا الجهد خالصا لوجهه وأن يعيذني مما سواه...آمين والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبيينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top