تحذير المسلمين من التشبه بالمغضوب عليهم والضالين

seifellah

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
16 جانفي 2009
المشاركات
5,964
نقاط التفاعل
7,169
النقاط
351
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله الطاهرين وصحبه المكرمين.


أما بعد فهذه نصيحة أقدمها لعموم إخواني المسلمين، أسأل الله أن ينفع بها ويجعلها خالصة له، ومقبولة عند كل مسلم، إنه على كل شيء قدير.


اعلم أرشدك الله لطاعته أن الهدى ودين الحق الذي افترضه الله على الجن والإنس هو معرفة الحق والعمل به لكونه عز وجل لم يخلق العباد عبثًا سدى لا يؤمرون ولا ينهون، بل خلقهم ليعبدوه كما أوضح ذلك بقوله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[FONT=&quot]{[/FONT].


والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ومنها النصح لكل مسلم كما جاء بحديث جرير لما بايعه عليه الصلاة والسلام على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، وقد أرشد الله إلى ذلك بقوله جل وعلا: [FONT=&quot]}[/FONT]وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[FONT=&quot]{[/FONT]، [FONT=&quot]}[/FONT]فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ[FONT=&quot]{[/FONT]، [FONT=&quot]}[/FONT]فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى[FONT=&quot]{[/FONT]، [FONT=&quot]}[/FONT]فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[FONT=&quot]{[/FONT]، [FONT=&quot]}[/FONT]أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ[FONT=&quot]{[/FONT]، [FONT=&quot]}[/FONT]فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ[FONT=&quot]{[/FONT] إلى غير ذلك مما جاء من عند ربنا على لسان رسولنا الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.


[FONT=&quot]}[/FONT]قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[FONT=&quot]{[/FONT]، [FONT=&quot]}[/FONT]وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ[FONT=&quot]{[/FONT]، [FONT=&quot]}[/FONT]وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[FONT=&quot]{[/FONT].


فبهذه الآيات الكريمات وغيرها يعلم المكلف أنها تجب طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام في جميع أوامر ونواهيه والذي يوضحه قوله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ[FONT=&quot]{[/FONT] فمن خالف أوامره أو ارتكب نواهيه فقد عرض نفسه للوعيد الشديد، يوضح ذلك قوله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[FONT=&quot]{[/FONT]، قال الإمام أحمد رحمه الله: أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ثم تلا قوله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[FONT=&quot]{[/FONT].


فمن أجل النصح الواجب لكل مسلم على أخيه رأيت أن أكتب البعض مما ورد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام في حلق اللحية وتوفير الشارب والقزع الذي هو أخذ بعض الرأس وترك البعض، والسلام بالإشارة والتشبه بمن لا خلاق له في الملابس وغيرها [FONT=&quot]}[/FONT]إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[FONT=&quot]{[/FONT]، [FONT=&quot]}[/FONT]رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[FONT=&quot]{[/FONT]، [FONT=&quot]}[/FONT]رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ[FONT=&quot]{[/FONT]، [FONT=&quot]}[/FONT]رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[FONT=&quot]{[/FONT].




اعلم وفقني الله وإياك أن المرجع لتعريف حدود اللحية هو اللغة العربية التي نزل بها القرآن، وبها عبر عن معانيه، وبها كلم من لا ينطق عن الهوى، فبين الحلال ووضح الحرام، وبها دل الأمة على الخير وحذرها من الشر، وبها يتكلم أهل الجنة في الجنة، وهي أشرف لغة من لدن آدم عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة.



فإذا تقرر عندك ما ذكر فاعلم أن اللحية هي اسم لجميع الشعر النابت على الوجه والذقن ما خلا الشارب فقط، يوضحه ما نص بتاج العروس بالجزء العاشر، قال "اللحية: بالكسر شعر الخدين والذقن وهما اللحيان وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان" ثم تكلم إلى أن قال: "اللحيان اللذان هما جانبا الفم"، وما نص بالمصباح (ص) 534 قال: اللحية الشعر النازل على الذقن، ثم تكلم إلى أن قال: واللحي عظم الحنك وهو الذي عليه الأسنان، وهو من الإنسان حيث ينبت الشعر وهو أعلى وأسفل، وما نص بالقاموس بالجزء لرابع (387) قال: اللحية بالكسر شعر الخدين والذقن".


فإذا فهمت ما جاء بكتب اللغة العربية عرفت حينئذ أن جميع شعر الوجه مما ينبت على الذقن وتحت اللحيين وما على الخدين والعارضين -يقال له لحية، ما عدا الشارب فقط كما تقدم بيانه.



وإليك البعض من الوارد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام أمرًا ونهيًا مما يتعلق باللحية فاسمع واعقل وافقه واعمل تظفر بالنجاح والفلاح، واعلم أن الأصل في الأوامر الوجوب، وفي النواهي التحريم، وأن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده والنهي عن الشيء يستلزم الأمر بضده كما تقرر في الأصول، فلا تغفل عن هذين الأصلين فإن فيهما فائدة عظيمة، وخذ ما وعدت به.



قال عليه الصلاة والسلام: «خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى وأَحفوا الشوارب»، وقال عليه الصلاة والسلام: «أنهكوا الشوارب واعفوا اللحى»، وإعفاء اللحية تركها كما نبتت لا تحلق ولا تقص ولا تقصر ولا تنتف لا كلها ولا البعض منها، بل تبقى وافرة موفرة، وأما الأخذ من أطرافها أو القص أو التقصير منها، أو نتفها، أو حلقها كليًّا فهذا خلاف لما أمر به صلى الله عليه وسلم وخلاف لما فعله عليه الصلاة والسلام، وارتكاب لما نهى عنه عليه الصلاة والسلام، وكل ذلك تشبه بالأعاجم وهو شعار الكفرة فنعوذ بالله من موارد المهالك.


قال عليه الصلاة والسلام: «إن أهل الشرك يوفِّرون شواربهم، ويحلقون لحاهم خالفوهم وابقوا اللحى وأحفوا الشوارب».


وقال صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المجوس لأنهم كانوا يطولون الشوارب ويقصرون لحاهم» وقال صلى الله عليه وسلم: «من فطرة الإسلام أخذ الشارب وإعفاء اللحية، فإن المجوس تقصر شواربها وتحفى لحاها فخالفوهم، خذوا شواربكم واعفوا لحاكم» وقال صلى الله عليه وسلم: «من مثَّل بالشعر ليس له عند الله خلاق» قال الزمخشري: المعنى نتفه أو حلقه من الخدود أو غيره بالسواد.


وقال صاحب النهاية في نهايته مثل قول الزمخشري، ويشهد لقول الزمخشري وصاحب النهاية حديث جابر عند مسلم قال: أُتى بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غيِّروا هذا واجتنبوا السواد».


وحديث ابن عباس المرفوع عند الحافظ في الفتح قال عليه الصلاة والسلام: «يكون قوم يخضبون بالسواد لا يجدون ريح الجنة»، وحديثه الآخر عند أبي داود والنسائي وابن حبان والحاكم، وقال صحيح الإسناد قال عليه الصلاة والسلام: «يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة».


وحديث أبي الدرداء عند الطبراني وابن أبي عاصم قال عليه الصلاة والسلام: «من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة» وفيه لين.


وقال صاحب المحلى في المحلى: «قص الشارب وإعفاء اللحية فرض واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين أحفوا الشوارب واعفوا اللحى» وقال عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود والنصارى»، وقال عليه الصلاة والسلام لرجل مجوسي جاء إليه وقد حلق لحيته وأطال شاربه: «ما هذا؟» فقال المجوسي: هذا ديننا، قال عليه الصلاة والسلام «لكن في ديننا نحفي الشارب ونُبقي اللحية».


وقال صلى الله عليه وسلم: لرجلين دخلا عليه قد حلقا لحاهما وأحفيا شواربهما من بعد ما كره أن ينظر إليهما: «ويلكما منْ أمركما بهذا؟» فقالا: أمرنا ربنا، قال لهما: «ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي»، وقال أنس رضي الله عنه: كانت لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ملأت من ههنا إلى ههنا، وأمرَّ يده على عارضيه، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: أمرنا بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية، وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس».


وكل الأحاديث المذكورة وغيرها مما لم يذكر موجودة في باب سنن الفطرة في البخاري ومسلم والسنن والمسانيد وغيرها من كتب السنة المشهورة، ومن له همة في معرفة الحق والعمل به يطلبه من مظانه فيجده، لكن الهوى يعمي ويصم، وما أحسن قول أبي هريرة حيث قال: القلب ملك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده، والذي يصدقه قوله عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها الجسد كله وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب».


فإن قلت كيف يسوغ لمسلم يرتكب هذه المنهيات ويترك العمل بهذه المأمورات وهو يتلو أو يتلى عليه قوله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا[FONT=&quot]{[/FONT] قلت قال عز وجل: [FONT=&quot]}[/FONT]إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ[FONT=&quot]{[/FONT] أسأله جل جلاله أن يجعلنا من الذين يخشونه بالغيب والشهادة ولا يخشون أحدًا سواه، فإنه لا توفيق ولا هدى ولا حول ولا قوة إلا بالله.


فإن قلت كيف تطمئن نفس مسلم بعد وقوفه على قوله عليه الصلاة والسلام: «أعفوا اللحى وجزوا الشوارب ولا تشبهوا باليهود والنصارى» وبعد وقوفه على قوله عليه الصلاة والسلام «لا تشبهوا بالأعاجم أعفوا اللحى وجزوا الشوارب»، وبعد وقوفه على قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود والنصارى»، ثم مما سلف يعلم علم اليقين أن لحية رسوله صلى الله عليه وسلم كثيفة عظيمة كثيرة الشعر قد ملأت عارضيه وذقنه ولم يقص، ولا قصر ولم ينتف، ولا حلق، ومع علمه بذلك يعمد إلى لحيته فيقص، أو يقصر، أو ينتف، أو يحلق و ينقصها من أطرافها من النابت على الخدين وتحت الذقن، أو مما ينبت على العارضين، ولا التفت لقوله جل شأنه: [FONT=&quot]}[/FONT]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ[FONT=&quot]{[/FONT] ولا لقوله [FONT=&quot]}[/FONT]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[FONT=&quot]{[/FONT] ولا لقوله: [FONT=&quot]}[/FONT]مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[FONT=&quot]{[/FONT] فلم يتأس برسوله، ويترك لحيته وافرة كما كانت لحيته صلى الله عليه وسلم بل صال عليها فحلق أو نتف أو قص أو قصر أو أخذ من أطرافها فخالف الأوامر وارتكب النواهي، وزهد في التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم.



إن هذا لشيء عجيب ممن يفعله من أفراد المسلمين، مع صحة ما تقدم من الأحاديث القاضية بإعفاء اللحية وحلق الشارب أو نهكه على الصفة المذكورة بالأحاديث الصحيحة الصريحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا ونهيًا وفعلا، ولم نجد عن النبي صلوات الله عليه ما يدلنا على خلاف هذا الحكم، فكيف يحل لنا تحويل الشرع المقرر بالعادة المتبعة المألوفة، أو بقول بعض أهل العلم المخالف للسنة الغراء المطهرة لكون الحق فيما قضى به خاتم الرسل صلوات الله عليه ولو خالفه عموم من في الأرض، عالمهم وجاهلهم. قلت: إن تعجب فعجب ممن ينتسب للعلم والدين كيف يعادي لحيته بالحلق، أو القص، أو النتف، أو التقصير، أو أخذ ما على الخدين، أو ما على العارضين أو ما تحت الذقن مما نبت بها بلا مبالاة بما جاء عن النبي صلوات الله عليه بهذا الخصوص، ومع كل ذلك يمر بتلاوته لكلام الله بقوله عز وجل [FONT=&quot]}[/FONT]سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ[FONT=&quot]{[/FONT].


فإذا تلبس مدعي المعرفة بهذه الأفعال مع أنه عالم بأن ما تلبس به مغاير لفعله صلى الله عليه وسلم، وأنه بذلك مخالف للأوامر مرتكب للمناهي، وقد عرف من كلام الله الوعيد الشديد لمن ارتكب المنهيات أو خالف المأمورات فالجاهل من باب أولى، أسأل الله تعالى أن يحفظنا من الهوى والجري مع العادة المخالفة للشرع الشريف المطهر، مع أن المتلبس بهذه الأفعال يعتقد أن الجزاء واقع لا محالة ولكن عدوه الشيطان غزاه بجيش فتان، فهجم عليه من باب الهوى وتقليد العادة ومطاوعة النفس الأمارة، فظفر به وقتله، فما هو عذره عند الله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا[FONT=&quot]{[/FONT].


فالنصح من أخيك لك يا مسكين لزوم باب التقوى والرجوع إلى الحق، فإن الحق أحق بالاتباع وليس بعد الحق إلا الضلال.
 
قال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع» فقيل يا رسول الله كفارس والروم، فقال: «ومن الناس إلا أولئك» أخرجه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: «لتتبعُنّ سنن من كان قبلكم شبرًا شبرا وذراعًا بذراع حتى لو دخلو جحر ضب تبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن»أخرجه البخاري.

قال عياض: الشبر والذراع والطريق ودخول الجحر تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى عنه وذمه، وقال صلى الله عليه وسلم: «لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها» رواه الشافعي، وقال الزهري إنما انسلخ اليهود والنصارى من العلم الذي كان بأيديهم حين استقلوا الرأي وأخذوا فيه.


وقال هشام: سمعت أبي يقول لم يزل أمر بني إسرائيل مستقيمًا حتى حدث فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فأحدثوا فيهم القول بالرأي وأضلوا بني إسرائيل قال: وكان أبي يقول: "السنن السنن، فإن السنن قوام الدين".


وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تترك هذه الأمة شيئًا من سنن الأولين حتى تأتيه» رواه الحافظ ابن حجر، وقال ابن بطال أعلم عليه الصلاة والسلام أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم، وقد أنذر في أحاديث كثيرة بأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس وأن الدين إنما يبقى قائمًا عند خاصة من الناس.


قال الحافظ ابن حجر: وقد وقع معظم ما أنذر به عليه الصلاة والسلام وسيقع بقية ذلك.


قلت: وذلك في زمن الحافظ فكيف بزمننا اليوم؟ فقل لي بالله عليك أيها المتلبس بأفعال الكفرة أو بالبعض منها، ما المخرج من قوله عليه الصلاة والسلام: «من تشبه بقوم فهو منهم» أخرجه أبو داود وابن حبان، والحديث دال على أن من تشبه بالفساق أو بالكفرة أو المبتدعة في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو غيره كان منهم.


قال الأمير -رحمه الله- في سبل السلام بعد كلامه على الحديث: فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله- كفر، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء منهم، من قال: يكفر وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال: لا يكفر، ولكن يؤدب.


ومن هذا وما قبله وما سيأتي بعده يظهر لك إن المتشبه بالكفرة على خطر عظيم، فالأولى بالعاقل النظر في عواقب الأمور وماذا يترتب على مخالفة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد الموت، فإن الوقت سيف إن قطعته وإلا قطعك، ونفسك إن شغلتها بالحق وإلا شغلتك بالباطل.



فتنبه وقم بما أمرت، وتجنب ما عنه نهيت وزجرت، قبل أن يسبل الحجاب، ويغلق الباب، وتواجه رب الأرباب، فتندم وتقول [FONT=&quot]}يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً[FONT=&quot]{[/FONT] فإن اليوم عمل ولا حساب وغدًا حساب ولا عمل.[/FONT]


واحذر أيها المسلم اندراجك تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم»؛ لأن في الحديث النهي الشديد والتهديد والوعيد على من تشبه بالكفار في أقوالهم، أو أفعالهم، أو لباسهم، أو أعيادهم، أو عباداتهم، أو غير ذلك مما يختصمون به، يوضحه قوله تعالى: [FONT=&quot]}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ[FONT=&quot]{[/FONT].[/FONT]


قال أهل التفسير: هذا نهي من الله لعباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم أو أفعالهم، ثم ساقوا الأدلة القاضية بمنع التشبه بالكفار، ولو لم يكن في هذا الباب إلا قوله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» لكفى به زاجرًا، لكن قد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأن الدين بدا غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، وإن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي المتمسكة بما كان عليه رسولها وأصحابه.


وبيقين أنه سيكون في هذه الأمة من لا يدع شيئًا مما يفعله اليهود والنصارى حتى يفعله كله أو البعض منه كما أخبرنا بذلك من لا ينطق عن الهوى يوضحه قوله صلى الله عليه وسلم: «لو كان في اليهود والنصارى من يأتى أمه علانية لكان في أمتي من يفعل ذلك»، وهذا علم من أعلام النبوة فإن أغلب من ينتسب إلى الإسلام في هذه الأزمان قد زهد في السنة وأعرض عن البحث عنها والعمل بها وسلك طريق الكفرة في كل ما فعلوه وتشبه بهم في غالب ما رسموه، فاندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم جعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم.



فكما أن الذلة مضروبة على من خالف أمره، فالعز لأهل طاعته يوضحه قوله تعالى: [FONT=&quot]}وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ[FONT=&quot]{[/FONT]، وقوله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ[FONT=&quot]{[/FONT]، وقوله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا[FONT=&quot]{[/FONT]، وحسبه شرفًا عظيمًا ورفعة وتكريمًا وفضلا من الله جسيمًا أن قرنت طاعته بطاعة الله، ومعصيته بمعصية الله، وإن من أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، والذي يوضحه قوله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ[FONT=&quot]{[/FONT]، وقوله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا[FONT=&quot]{[/FONT] وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى» فمن كان محبا لله راجيًا ثوابه خائفًا عقابه فليتبع الرسول صلى الله عليه وسلم وليتأس به في جميع أفعاله، ويعمل بجميع أوامره ويتجنب جميع نواهيه؛ ليكون ممن يفوز بمغفرة الذنوب ومحبة علام الغيوب، يوضحه قوله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[FONT=&quot]{[/FONT].[/FONT]


قيل: إن هذه الآية تسمى آية الامتحان لأنها حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، كما قال حسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية فقال: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله» فنسأله تعالى أن يجعلنا ممن يحبهم ويحبونه، وأن يجعلنا من الذين يدعون الناس إلى إقامة دينه وطاعته وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ليشمله قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته» وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل».اهـ
 
قال ابن عمر رضي الله عنهما، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع رواه البخاري ومسلم، وقال: رضى الله عنه- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع قيل: وما القزع؟ قال: أن يحلق من رأس الصبي مكان ويترك مكان، وقال رضى الله عنه: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم: صبيًا قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك، وقال: «احلقوه كله أو اتركوه كله» وقال علي رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها.


قلت: قال الله عز وجل: [FONT=&quot]}وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[FONT=&quot]{[/FONT] والمعنى مهما أمركم به الرسول فافعلوه ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمركم بخير وينهاكم عن شر، وإن ما حرم الرسول هو عين ما حرم الله فإن التحريم يضاف إلى الرسول باعتبار التبليغ وإلا هو في الحقيقة لله، والمراد أن ما حرم الرسول فهو مثل ما حرم الله في وجوب الطاعة ولزوم العمل به، وبهذه الآية الكريمة وأمثالها يحذر الله سبحانه وتعالى عباده مخالفة السنن التي سنها رسوله عليه الصلاة والسلام، يوضحه قوله تعالى: [FONT=&quot]}[/FONT]وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[FONT=&quot]{[/FONT].[/FONT]
وحقيقة التقوى امتثال الأوامر وترك الزواجر، فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه، وارتكب ما عنه زجره ونهاه.اهـ



 
بآرك الله فيك أخي
 
روى الترمذي بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وإن تسليم النصارى بالأكف»، وروى الطبراني وأبو يعلى كلاهما عن جابر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسليم الرجل بأصبع واحدة يشير بها فعل اليهود».


وروى الطبراني بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من تشبه بغيرنا؛ لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف، ولا تقصوا النواصي وأحفوا الشوارب واعفوا اللحى» وإحفاء الشوارب حلقها بالكلية، وإعفاء اللحية تركها على حالها وافرة كاملة لا يتعرض لها بشيء وروى مسلم وأبو داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه».


وروى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم» فقف مفكرًا عند هذه الأخبار النبوية وانظر يا أخي بعين الإنصاف حالة أكثر المسلمين كيف خالفوا المأمورات؟ وارتكبوا المنهيات، وسلموا بالأكف والأصابع، وطولوا الشوارب وحلقوا اللحى، وأخذوا البعض من الرأس وتركوا البعض، وخضبوا اللحى بالسواد، ولبسوا ملابس أهل الكفر وملابس أهل البدع والفسوق. وحذوا حذو أولئك حذو القذة بالقذة شبرًا بشبر وذراعًا بذراع فإنا لله وإنا إليه راجعون، كيف يحصل الفلاح لمن كان هذا حاله، وكيف يكون جوابه عند سؤاله ماذا كنتم تعبدون، وماذا أجبتم المرسلين؟


جوابه عند ذلك، ومقاله: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته، ورأيتهم يفعلون شيئًا ففعلته، عافانا الله من هذه الحالة وهذه المقالة، وأجارنا بفضله وكرمه من موارد المهالك إنه على كل شيء قدير.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: إن مخالفة الكفرة أمر مقصود للشارع؛ لأن المشابهة بهم في الظاهر تورث مودة ومحبة موالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد عليه الحس والتجربة أ.هـ.
 
فإن قلت: هذا أمر قد عم البلاد شرقاً وغربًا وشامًا ويمناً، وقد تلبس به كثير من الناس ما بين جاهل وعالم ومتعلم، أفيكون حرامًا؟ وتتناول هذه النصوص فاعله وأنت ترى كثيرًا من العلماء وطلبة العلم يفعلونه فضلا عن الجهال.


قلت: لو سلكنا طريق الإنصاف وتركنا متابعة الأسلاف وعرفنا أن الحق ما قام عليه دليل، لا ما اتفق عليه الجهال والمقلدة جيلا بعد جيل وقبيلا بعد قبيل - لكنا في أرغد عيش وأعلى مقام.


ولَمَا كان هذا حالنا مع أعدائنا، ولكن لما كانت عادتنا تقليد الآباء بلا دليل، وكنا لهم تبعًا من غير فرق بين دني ومثيل، صار الحق ما نحن عليه وما تلبسنا به، وما كان مخالفًا لنا فليس من الإسلام في شيء، غير أن الله قد تفضل بالفقه في دينه على الخواص من عباده ومن وفق عرف الحق، والحق لا يحتجب على أهل التوفيق والإنصاف شاهد صدق على وجدان الحق، فافهم ترشد، يوضحه قوله عليه الصلاة والسلام: «أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس» إلا أن الجمود على التقليد حجب عن كثير من الناس التبصر فيما توجبه الأدلة الشرعية، وكل منصف يقر بذلك ويعلم علم اليقين أنه لم يصب الإسلام وأهله بأعظم من التقليد، فهل عبدت الأحجار والأشجار والنجوم والشمس والقمر والملائكة والجن والإنس والقبور بمن فيها إلا بتقليد الأحبار والرهبان والسادة والكبراء؟ يشب على ذلك الصغير، ويشيب عليه الكبير، فصار عادة مألوفة لا تنكر فما أقبحها من عادة مشؤومة وما أضرها على الإسلام وأهله، فإن بها صرفت حقوق الخالق للمخلوق، وشرك بين العابد والمعبود، وبها أولت صفات الله تعالى وافترقت أمة الإجابة إلى هذا التفرق العظيم الذي قرت به عين إبليس وبه انشرح صدره واطمأنت نفسه لما رأى من تشتت المسلمين وتفرق كلمتهم.


فالرب واحد، والرسول واحد، والكتاب واحد والدين واحد والقبلة واحدة، وأمة الإجابة واحدة، كلها تدعى الإسلام، وهي مختلفة المسالك كاختلاف الملل والنحل وكل هذا من شؤم التقليد لمن يصيب ويخطئ، فالواجب على المسلمين الائتلاف وخلع ربقة الاختلاف وتحكيم الكتاب والسنة في كل قليل وكثير، وفي كل صغير وكبير، وترك الانتصار لقول المتبوع حيث ما من إمام من أئمة الهدى والتقوى إلا قد نهى عن التقليد، لكن بدل الذين قلدوا قولا غير الذي قيل لهم، وزعموا أن الاختلاف رحمة، فعكسوا الحقيقة، وأصروا على التقليد وكل نص خرج عن طريقة المتبوع أبطلوا الاستدلال به، وصربوه بالاحتمالات والتأويلات الفاسدة، ووراء ذلك لن ترضى جماعة التقليد عن المخالف للمتبوع فمن خالف المتبوع للمشروع، ونظر فيما أخذ القوم وعرف حجتهم، وعمل بالدليل الراجح من الكتاب والسنة -عابوه وذمّوه وبدّعوه، ولا يزالون منتقصين له بهذه المخالفة لهم ولما هم عليه انتقاصًا شديدًا على وجه لا يستحلونه من الفسقة، ولا يستحلونه من أهل بدعة الرفض وأشباههم بل يبغضونه بغضًا شديدًا فوق ما يبغضون أهل الذمة من اليهود والنصارى لكونهم يرون أنه قد ارتكب أمرًا شنيعًا وخالف شيئًا قطعيًا، وأخطأ خطأ لا يكفره شيء لمخالفته إمام المذهب، والأصحاب الذين قد ضاقت أذهانهم عن تصور عظيم قدرهم، وامتلأت قلوبهم من هيبتهم من حيث إنه قد تقرر عندهم أنهم في درجة عالية لم تبلغها الصحابة فضلا عن الذين من بعدهم.


فمن أجل ذلك صار المخالف لما هم عليه عندهم ضالّ مضلّ ولا ذنب له إلا أنه عمل بكتاب الله وسنة رسوله، واقتدى بعلماء الإسلام في أن الواجب على كل مسلم تقديم الكتاب والسنة على قول كل عالم كائنًا من كان.


فلموجب ذلك جعلوه عرضة للشتم والتبديع والتجهيل والتضليل فقصدوه بشرهم وهو صابر على بلائهم وضرهم متسلّـيًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا.. فطوبى للغرباء» فلما قيل ومن الغرباء؟ قال صلى الله عليه وسلم: «النزاع من القبائل».


وقد جاء عن بعض السلف أنهم أهل الحديث، ولا شك أنهم أهل الكتاب والسنة العاملون بهما، الذين يؤذون ويخرجون من الأوطان، وينزعون عن الأهل والعشيرة ولا يوهن عزمهم ولا يصدهم عن العمل بالكتاب والسنة والدعوة إليهما ما يلقون من المحن والمشاق والآلام والأحزان والمصائب والغربة؛ بل لا يزيدهم كل أمل يصيبهم بسبب العمل بالسنة والدعوة إليها إلا إيمانًا وتسليمًا، فصابروا الأذى والهوان من كل مخالف، وصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم، فلم يدعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء، فقاموا بنصرة الإسلام وعملوا بالسنن من غير مبالاة بمن خذلهم أو خالفهم، فإنهم منصورون بالله لما فيهم من الخير والله معهم كما قال: [FONT=&quot]}إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[FONT=&quot]{[/FONT]، وهو الذي يدافع عنهم كما قال: [FONT=&quot]}[/FONT]إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا[FONT=&quot]{[/FONT]، وهو الناصر لهم ممن ناوأهم وخذلهم وآذاهم كما قال: [FONT=&quot]}[/FONT]وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[FONT=&quot]{[/FONT].[/FONT]


وما أحسن قول حفيد إمام الدعوة الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ حسن قدس الله روحه لما تكلم على قوله تعالى: [FONT=&quot]}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا[FONT=&quot]{[/FONT] قال فما أكثر من اتصف بهذا الوصف خصوصًا من يدّعي العلم فإنهم صدوا عما توجبه الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى أقوال من يخطئ كثيرًا ممن ينتسب إلى الأئمة الأربعة في تقليدهم من لا يجوز تقليده، واعتمادهم على قول من لا يجوز الاعتماد على قوله، ويجعلون قوله المخالف لنص الكتاب والسنة وقواعد الشريعة هو المعتمد عندهم الذي لا تصح الفتوى إلا به، فصار المتبع للرسول صلى الله عليه وسلم بين أولئك غريبًا.[/FONT]


ثم قوله رحمه الله على قوله تعالى: [FONT=&quot]}وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا[FONT=&quot]{[/FONT] قال فما أكثر من يصدق بالكذب ويكذب بالصدق إذا جاءه، وهذا من الفساد في الأرض ويترتب عليه من الفساد أمور كثيرة تخرج صاحبها عن الحق وتدخله في الباطل، وما أحسن قول أبي بكر ابن عياش رحمه الله تعالى لما تكلم على آية: [FONT=&quot]}[/FONT]وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ[FONT=&quot]{[/FONT] قال: إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض وهم في فساد، فأصلحهم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو من المفسدين في الأرض.[/FONT]


وما أحسن قول أبي العالية على الآية المذكورة حيث قال: «من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصية الله فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء، إنما هو بطاعة الله ورسوله».


ومما يناسب هذا المقام قول العماد ابن كثير رحمه الله على قوله تعالى: [FONT=&quot]}فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ[FONT=&quot]{[/FONT] قال عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائنًا من كان، بدليل ما ثبت في البخاري ومسلم وغيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».اهـ.[/FONT]


فإن قلت: عرِّف التقليد حتى أجانبه وأكون منه على حذر، قلتُ: التقليد قبول قول الغير من غير حجة ولم يكن في عصر الصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم مذهب لرجل معين يقلد فيه ويتدارسونه كما يفعل اليوم ولم يقل بهذه التقليدات عالم من العلماء المجتهدين وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»، وما حدث هذا التمذهب بالمذاهب المشهورة إلا بعد انقراض القرون المفضلة.


وأما في وقت الأئمة عليهم من الله الرحمة والرضوان فما كان إلا الكتاب والسنة، وكانوا على وفاق من تقدمهم من السلف في هجر التقليد.


إذا تقرر هذا عندك علمت فساد التقليد، وظهر لك الذي ندندن حوله، فإياك أن تكتم الحق والتصريح بالسنة خوفًا من قيل وقال، فإنك لا تسأل يوم التغابن عن الذي ترتضيه منك العباد، بل عن الذي يرتضيه منك المعبود، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل [FONT=&quot]}وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى[FONT=&quot]{[/FONT] وبالجملة فعلى كل مسلم أن يقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأعماله، وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية والله ولي التوفيق.[/FONT]
والحمد لله رب العالمين أولا وآخرًا، وهو الذي بنعمته تتم الصالحات.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top