السؤال:
ما حكم عدم إخراج المرأة زكاةَ حُلِيِّها لسنواتٍ خَلَتْ، والتي كانت طيلةَ هذه المدَّةِ جاهلةً بوجوب زكاة الحُلِيِّ على هذا التفصيل:
منذ ١٩٨١ إلى غايةِ ١٩٩٤ كان لها مِنَ الذهبِ (حُلِيٌّ) ما يبلغ مقدار (٩٣.١غ) -أي: بلغ النصابَ- وفي هذه الفترةِ كلِّها لم تُزَكِّ لكونِها لم تكن تعلم بوجوبِ زكاةِ الحليِّ.
ثمَّ علمت بالحكم لكنَّها لم تزكِّ لجهلها بكيفية إخراج الزكاة من جهةٍ، وحكمِ السنوات الماضية من جهةٍ أخرى، وهذا إلى غاية سنة ١٩٩٩.
فهي تسأل: هل تزكِّي عنِ السنواتِ الماضية؟ وكيف يكون ذلك مع الصعوبةِ في معرفةِ مقدارِ النصابِ لكلِّ سنةٍ لم تُزَكِّ عنها؟ فهي ترجو مِن فضيلتِكم بيانًا واضحًا. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فلا خلاف بين أهل العلم أنَّ حُلِيَّ المرأة من غير الذهب والفضَّة لا تجب فيه الزكاةُ مثل: اللؤلؤ والمرجان والياقوت ونحوِها من الأحجار النفيسة، ولا خلاف بين العلماء -أيضًا- في أنَّ ما حُرِّم استعمالُه واتِّخاذه مِن الذهب والفضَّة كأواني الذهب والفضَّة، والمَجامرِ والملاعق، وما يقتنيه الرجالُ مِن حُليٍّ حرَّمه الشرعُ عليهم؛ فإنَّ الزكاة تجب فيه.
لكنَّ الخلاف في حُلِيِّ الذهب والفضَّة للنساء، فإنَّ الظاهر الراجحَ مِن قولَيِ العلماء أنَّ حُلِيَّ الذهب والفضَّة تجب فيه الزكاةُ مطلقًا إذا بلغ النصابَ وحال عليه الحولُ الهجريُّ لا الميلاديُّ كما ورد في السؤال، سواءٌ كان مدَّخرًا أو ملبوسًا أو مُعَدًّا للتجارة، ويشهد لذلك عمومُ الآيات والأحاديث الشاملةِ لها والآمرةِ بالزكاة كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣٤]، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ»(١)، وحديثِ أسماءَ بنتِ يزيدَ بنِ السَّكَن الأنصارية رضي الله عنهما قالت: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالَتِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَنَا: «أَتُعْطِيَانِ زَكَاتَهُ؟» قَالَتْ: فَقُلْنَا: «لاَ»، قَالَ: «أَمَا تَخَافَانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللهُ أَسْوِرَةً مِنْ نَارٍ؟ أَدِّيَا زَكَاتَهُ»(٢)، وغيرِها من النصوص المرجِّحة لمذهب القائلين بالوجوب لكونها أقوى دلالةً وأحوطَ عملاً.
وجديرٌ بالتنبيه أنَّ بلوغ النصاب إنما يكون بالمقدار من الذهب الخالص غيرِ المختلِط بغيره، أي: أنه يمثِّل عشرين دينارًا ذهبيًّا خالصًا، ووزنُ الدينار الواحد يساوي ٤.٢٥ غرامًا، ووزن العشرين: ٨٥ غرامًا، فهو النصاب المطلوب، فما دونه فليس فيه زكاةٌ لمن جعل المعيارَ في الزكاة الوزنَ دون القيمة وهو الصحيحُ.
ومِن هذا القبيل -أيضًا- قلائدُ المرأة وخواتيمُها مِن ذهبٍ إن كان لها فصوصٌ من الجواهر، فإنها تزكِّي الذهبَ دون الجواهر والأحجار، وذلك كلُّه إذا بلغت النصابَ وحال عليها الحولُ.
هذا، فإن لم تُزَكِّ المرأةُ طيلةَ السنواتِ السابقةِ بناءً على فتوى شرعيةٍ مِن أحد العلماء أو أئمَّة المساجد، جريًا على الْتزامهم بالمذهب المالكيِّ القاضي بأنْ لا زكاةَ في حُلِيِّ الذهب والفضَّة الملبوسِ وهو مذهبُ الجمهور فلا زكاةَ عليها إذا اعتادت المرأةُ لُبْسَه.
فإن جَهِلَتْ حُكْمَ الوجوب ولم تسأل عنه أهلَ الذكر فلا يُقبل منها دعوى الجهل، وإن استفتَتْ عن حكم حُلِيِّها أو أعادت استفتاءَها عند غيرِ مَن استفتَتْه أوَّلاً؛ فأُفْتِيَتْ بحكم وجوب الزكاة في حُلِيِّها مطلقًا -كما هو الراجح-؛ فإنه يبقى في ذمَّتها دينًا يجب الوفاءُ به ما دام النصابُ مكتمِلاً ومرَّت عليه السنواتُ الأربع، غيرَ أنَّ الخلاف الفقهيَّ قائمٌ في كيفية زكاته، وسببُ الاختلاف راجعٌ إلى مسألة: هل الزكاة تجب في ذمَّة صاحب المال أم تجب في عين المال؟ وثمرةُ الخلاف فيمن مَلَك عشرين دينارًا ذهبيًّا -مثلاً- ومضى عليها حولان مِن غير زكاةٍ، أو مَلَك مائتي درهمٍ -مثلاً- ومرَّ عليها سنتان قمريتان مِن غير زكاةٍ.
فمن رأى أنَّ الزكاة واجبةٌ في عين المال قال: إنها تُزكَّى لحولٍ واحدٍ باعتبار نقصان النصاب فيها بقدر الواجب فيها وهو رُبعُ العشر في كلٍّ منهما.
ومَن قال: إنها واجبةٌ في الذمَّة فإنها تُزكَّى زكاتين: لكلِّ حولٍ قمريٍّ زكاةٌ، إذ لا تأثير في نقص النصاب، لأنَّ وجوبَ الزكاة تعلَّق بالذمَّة لا بعين المال.
وتأسيسًا على مذهب القائلين بوجوب الزكاة في الذمَّة -وهو الراجح الصحيح- فإنَّ على السائلة أن تُخْرِج عن الأربع سنواتٍ التي خَلَتْ من مقدار (٩٣.١غ) ما يساوي ٢.٣٢٧٥*٤=٩.٣١ غرامًا، فإن رأت إخراجَه بالقيمة فإنها تضرب قيمةَ الغرام الواحد مِن الذهب الخالص بالدينار الجزائريِّ في ٩.٣١ غرامًا، والناتج عنه تُخرجه وجوبًا في مصارف الزكاة من ذوي الاستحقاق تبرئةً لذمَّتها مِن الدَّين.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه مسلم في «الزكاة» (٩٨٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) أخرجه أحمد (٢٧٦١٤) من حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنهما، وحسَّن إسنادَه الألباني في «صحيح الترغيب» (٧٧٠).
المصدر ..موقع الشيخ فركوس حفظه الله
ما حكم عدم إخراج المرأة زكاةَ حُلِيِّها لسنواتٍ خَلَتْ، والتي كانت طيلةَ هذه المدَّةِ جاهلةً بوجوب زكاة الحُلِيِّ على هذا التفصيل:
منذ ١٩٨١ إلى غايةِ ١٩٩٤ كان لها مِنَ الذهبِ (حُلِيٌّ) ما يبلغ مقدار (٩٣.١غ) -أي: بلغ النصابَ- وفي هذه الفترةِ كلِّها لم تُزَكِّ لكونِها لم تكن تعلم بوجوبِ زكاةِ الحليِّ.
ثمَّ علمت بالحكم لكنَّها لم تزكِّ لجهلها بكيفية إخراج الزكاة من جهةٍ، وحكمِ السنوات الماضية من جهةٍ أخرى، وهذا إلى غاية سنة ١٩٩٩.
فهي تسأل: هل تزكِّي عنِ السنواتِ الماضية؟ وكيف يكون ذلك مع الصعوبةِ في معرفةِ مقدارِ النصابِ لكلِّ سنةٍ لم تُزَكِّ عنها؟ فهي ترجو مِن فضيلتِكم بيانًا واضحًا. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فلا خلاف بين أهل العلم أنَّ حُلِيَّ المرأة من غير الذهب والفضَّة لا تجب فيه الزكاةُ مثل: اللؤلؤ والمرجان والياقوت ونحوِها من الأحجار النفيسة، ولا خلاف بين العلماء -أيضًا- في أنَّ ما حُرِّم استعمالُه واتِّخاذه مِن الذهب والفضَّة كأواني الذهب والفضَّة، والمَجامرِ والملاعق، وما يقتنيه الرجالُ مِن حُليٍّ حرَّمه الشرعُ عليهم؛ فإنَّ الزكاة تجب فيه.
لكنَّ الخلاف في حُلِيِّ الذهب والفضَّة للنساء، فإنَّ الظاهر الراجحَ مِن قولَيِ العلماء أنَّ حُلِيَّ الذهب والفضَّة تجب فيه الزكاةُ مطلقًا إذا بلغ النصابَ وحال عليه الحولُ الهجريُّ لا الميلاديُّ كما ورد في السؤال، سواءٌ كان مدَّخرًا أو ملبوسًا أو مُعَدًّا للتجارة، ويشهد لذلك عمومُ الآيات والأحاديث الشاملةِ لها والآمرةِ بالزكاة كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣٤]، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ»(١)، وحديثِ أسماءَ بنتِ يزيدَ بنِ السَّكَن الأنصارية رضي الله عنهما قالت: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالَتِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَنَا: «أَتُعْطِيَانِ زَكَاتَهُ؟» قَالَتْ: فَقُلْنَا: «لاَ»، قَالَ: «أَمَا تَخَافَانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللهُ أَسْوِرَةً مِنْ نَارٍ؟ أَدِّيَا زَكَاتَهُ»(٢)، وغيرِها من النصوص المرجِّحة لمذهب القائلين بالوجوب لكونها أقوى دلالةً وأحوطَ عملاً.
وجديرٌ بالتنبيه أنَّ بلوغ النصاب إنما يكون بالمقدار من الذهب الخالص غيرِ المختلِط بغيره، أي: أنه يمثِّل عشرين دينارًا ذهبيًّا خالصًا، ووزنُ الدينار الواحد يساوي ٤.٢٥ غرامًا، ووزن العشرين: ٨٥ غرامًا، فهو النصاب المطلوب، فما دونه فليس فيه زكاةٌ لمن جعل المعيارَ في الزكاة الوزنَ دون القيمة وهو الصحيحُ.
ومِن هذا القبيل -أيضًا- قلائدُ المرأة وخواتيمُها مِن ذهبٍ إن كان لها فصوصٌ من الجواهر، فإنها تزكِّي الذهبَ دون الجواهر والأحجار، وذلك كلُّه إذا بلغت النصابَ وحال عليها الحولُ.
هذا، فإن لم تُزَكِّ المرأةُ طيلةَ السنواتِ السابقةِ بناءً على فتوى شرعيةٍ مِن أحد العلماء أو أئمَّة المساجد، جريًا على الْتزامهم بالمذهب المالكيِّ القاضي بأنْ لا زكاةَ في حُلِيِّ الذهب والفضَّة الملبوسِ وهو مذهبُ الجمهور فلا زكاةَ عليها إذا اعتادت المرأةُ لُبْسَه.
فإن جَهِلَتْ حُكْمَ الوجوب ولم تسأل عنه أهلَ الذكر فلا يُقبل منها دعوى الجهل، وإن استفتَتْ عن حكم حُلِيِّها أو أعادت استفتاءَها عند غيرِ مَن استفتَتْه أوَّلاً؛ فأُفْتِيَتْ بحكم وجوب الزكاة في حُلِيِّها مطلقًا -كما هو الراجح-؛ فإنه يبقى في ذمَّتها دينًا يجب الوفاءُ به ما دام النصابُ مكتمِلاً ومرَّت عليه السنواتُ الأربع، غيرَ أنَّ الخلاف الفقهيَّ قائمٌ في كيفية زكاته، وسببُ الاختلاف راجعٌ إلى مسألة: هل الزكاة تجب في ذمَّة صاحب المال أم تجب في عين المال؟ وثمرةُ الخلاف فيمن مَلَك عشرين دينارًا ذهبيًّا -مثلاً- ومضى عليها حولان مِن غير زكاةٍ، أو مَلَك مائتي درهمٍ -مثلاً- ومرَّ عليها سنتان قمريتان مِن غير زكاةٍ.
فمن رأى أنَّ الزكاة واجبةٌ في عين المال قال: إنها تُزكَّى لحولٍ واحدٍ باعتبار نقصان النصاب فيها بقدر الواجب فيها وهو رُبعُ العشر في كلٍّ منهما.
ومَن قال: إنها واجبةٌ في الذمَّة فإنها تُزكَّى زكاتين: لكلِّ حولٍ قمريٍّ زكاةٌ، إذ لا تأثير في نقص النصاب، لأنَّ وجوبَ الزكاة تعلَّق بالذمَّة لا بعين المال.
وتأسيسًا على مذهب القائلين بوجوب الزكاة في الذمَّة -وهو الراجح الصحيح- فإنَّ على السائلة أن تُخْرِج عن الأربع سنواتٍ التي خَلَتْ من مقدار (٩٣.١غ) ما يساوي ٢.٣٢٧٥*٤=٩.٣١ غرامًا، فإن رأت إخراجَه بالقيمة فإنها تضرب قيمةَ الغرام الواحد مِن الذهب الخالص بالدينار الجزائريِّ في ٩.٣١ غرامًا، والناتج عنه تُخرجه وجوبًا في مصارف الزكاة من ذوي الاستحقاق تبرئةً لذمَّتها مِن الدَّين.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
(١) أخرجه مسلم في «الزكاة» (٩٨٧)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) أخرجه أحمد (٢٧٦١٤) من حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنهما، وحسَّن إسنادَه الألباني في «صحيح الترغيب» (٧٧٠).
المصدر ..موقع الشيخ فركوس حفظه الله