يحتاج الناس عادة إلى نماذج بشرية يتخذونها نموذجًا في حياتهم، ولا سيما الشباب ومن هم في مقتبل أعمارهم. حيث تكون القدوة أهم سبيل لتشكيل الشخصية وإشباع الرغبات في اتخاذ موقف من الحياة ومن كثير من قضاياها. ويحتاج الشباب ومن هم في سن المراهقة إلى شخصيات واقعية؛ إما من واقع الحياة أو من واقع التاريخ، ليتخذونها ملهما لهم، ويقلدونها في تصرفاتها وأفكارها، وطريقة حياتها، ذلك أن الإنسان في هذه السن لم يرتق بعد على مستوى التجريد النظري الذي يستطيع من خلاله أن يستقل بشخصيته في الحياة.
وكما يرى علماء نفس النمو فإن الإنسان ينتقل من عمر الشيء إلى عمر الشخص ثم ينتهي إلى عمر الفكرة عندما تكتمل قواه النفسية والإدراكية. فالصبي الصغير لا فرق عنده بين ثدي أمه وبين الرضّاعة الاصطناعية، ولا فرق عنده بين أن يجلس بقربه شخص أو نضع بقربه دمية متحركة، فإن تركيزه على الحركة واللون والصورة أكثر من تركيزه على مصدرها ومن يقوم بها. أما الشاب الذي بدأت قواه الإدراكية في التطور، وأخذت قواه النفسية في النمو فإنه يحتاج إلى نموذج عملي مشخص يتمثله ويبني عليه شخصيته، ويقلده في تصرفاته، ويتبعه في أفكاره. وعندما يبلغ الإنسان مبلغ الرشد بحيث يستطيع أن يفصل بين الفعل وفاعله، وبين الشخص والفكرة، وحينما يرتقي إلى مرتبة إدراك الحقائق في ذاتها ووفق قوانينها، فإنه يستقل بشخصيته ويصبح قادرا على التمييز بين الفعل وبين صاحب الفعل، وتكون له القدرة على فك الارتباط بين فعل الشخص السليم وفعله الخطأ، ذلك أنه صارت لديه مبادئ مجردة عن الحق والعدل والخير والشر وغيرها اكتسبها أثناء مسيرة حياته بمختلف أبعادها النفسية والتربوية والاجتماعية وغيرها.
غير أن ما يهمنا في هذا المقال الوجيز هو مرحلة الشباب والمراهقة؛ وهي المرحلة الخطيرة في حياة الإنسان، حيث يتشكل فيها وعيه المستقبلي الذي يهيمن على حياته في مرحلة النضج واكتمال النمو.
ضرورة القدوة:
وفي هذا السياق فإن مسألة القدوة تثار بشكل ملح، وتأخذ أهمية كبرى لما لها من دور توجيهي لقدرات الشباب وأفكارهم؛ بل وأحلامهم أيضًا. ولقد تفطن لذلك الغربيون بشكل ذكي، فعملوا على صناعة شخصيات اجتماعية وثقافية وفكرية وفنية وسياسية ورياضية ودينية ذات صيت عالمي، وسمعة واسعة الانتشار، وبريق أخّاذ، وحضور مستمر في صناعة الحدث بمختلف أوجهه.
والمراهقون يحتاجون في بداية حياتهم إلى نموذج بشري يتخذونه قدوة لهم. فنرى بعضهم يقتدي بنجوم الرياضة أو الممثلين أو المغنيين أو غيرهم، يقلدونهم في حركاتهم ولباسهم وتسريحة شعرهم؛ بل وحتى في طريقة كلامهم.
خطر العولمة:
وفي مرحلة العولمة وزوال الحدود الجغرافية والإعلامية والسياسية وغيرها مما كان يعتبر حدودًا تحمي الداخل في وجه أي تسرب للآخر إلى حصوننا؛ فإن التدفق الإعلامي والمعلوماتي وانتشار أنماط الحياة الغربية بفعل الهيمنة والقوة الحضارية الغربية جعلنا في موقع المغلوب المتأثر بغالبه، المقلد له في صغائره وكبائره. وبما أننا لا يمكن لنا أن ننعزل عن غيرنا في هذا العالم الذي صار قرية صغيرة تتجاوب بعض جنباتها مع ما يحدث في جنباتها الأخرى؛ فإننا أمام خطر حقيقي يتهددنا في وجودنا الحضاري وفي رصيدنا المستقبلي الذي هو الشباب. والخطر في أن ينشأ هذا الشباب على نماذج غير التي نريد، ويتخذ أمثلة حياتية على غير ما نصبو إليه من التميز الديني الحضاري. فشبابنا اليوم ينشأ مبهورًا بالمشاهير الغربيين أو حتى المشاهير المحليين – من أبناء جلدتنا- الذين لا يختلفون عن الغربيين إلا في الاسم.
قدوات ممسوخة:
فشبابنا اليوم نشأ متأثرًا بنماذج جذابة في ظاهرها أمثال: لاعبي كرة القدم، والممثلين، والرياضيين، والفنانين، وبعض الكتاب والمفكرين، والسياسيين، ودعاة حقوق الإنسان وحماية البيئة والحيوان وغيرها. غير أن المطلع على خبايا حياة هذه النماذج التي انبهر بها شبابنا يجدها نماذج أبعد ما تكون عن النموذج الصالح؛ فمعظمهم غارق في الرذيلة والانحلال الخلقي، والإدمان على المخدرات، والإصابة بالإيدز والجنوح نحو الشذوذ، والخروج عن الفطرة. بينما نحن أحوج ما نكون إلى نماذج قوية في شخصيتها، طاهرة في نفسها، طيبة في سريرتها، سليمة في عقيدتها، متكاملة في شخصيتها، سابقة في أصالتها، مستقيمة مع فطرتها، واقعية في تجربتها، نموذجية وصالحة لأن نقتدي بها. وخاصة ونحن نسعى جاهدين إلى التميز عقيديًّا وحضاريًّا، والتفاعل مع غيرنا من الأمم بأصالة وفعالية، من أجل أن نسجل حضورنا بين الأمم، وأن نستعيد مكانتنا الحضارية الإسلامية كما كانت عليه من قبل رائدة للحضارة البشرية وهادية لها إلى عبادة الله الواحد الأحد وعمارة الأرض وتحقيق الاستخلاف.
الرسول قدوتنا:
ولهذا فالسؤال الموجه إلى كل واحد منا: مربين وطلابًا، ولاة أمور ورعية، حكامًا ومحكومين، رجالاً ونساءً، شبابًا وشيوخًا، أن نسأل أنفسنا: ما هي النماذج الصالحة للاقتداء؟ ومن يصلح أو من تصلح أن نتخذه أو نتخذها قدوة لنا؟ ومن يمكن له أو لها أن يتبوأ مكانة المثال والنموذج المقتدى في نفوسنا جميعًا وفي نفوس شبابنا خصوصًا؟
ولا شك أن بقليل من التأمل والتدبر في الشخصية التي نتخذها نحن وشبابنا قدوة هي شخصية محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- وشخصيات آله وزوجاته وأصحابه -رضوان الله عليهم-.
فقد كان محمد بن عبدالله نموذجًا في طفولته، وفي مراهقته، وفي شبابه، وفي كهولته. كان نموذجًا في الطموح، وفي العفة، وفي الصبر، وفي الأمانة، وفي الصدق، وفي الجد، وفي الهزل. كان نموذجًا في حياته الخاصة، وفي حياته العامة، في ثقافته، وفي تدينه، وفي سياسته، وفي علاقاته الاجتماعية، وفي نشاطه التجاري. كان نموذجًا في أسرته، وفي أولاده، وفي فقره، وفي غناه، وفي فرحه، وفي حزنه، وفي غضبه، وفي رضاه. كان نموذجًا في حياته، وفي مماته، في علمه، وفي اجتهاده، وفي حربه، وفي سلمه. ذلك هو النموذج الذي ينبغي أن نتخذه قدوة، ليس لأنه نبينا فقط، ونؤمن به ونصدقه ونتبع؛ ولكن لأنه كان فعلاً نموذجًا ناجحًا بكل المقاييس، وبكل المعايير، ومن مختلف الأوجه، وعلى مختلف المستويات. فلا ينكر نموذجيته أحد؛ مسلمًا كان أو غير مسلم. بل إن محمدًا بن عبدالله -صلى الله عليه- وسلم كان نموذجًا عمليًّا وواقعيًّا بلغت نموذجيته أن شكل نماذج أخرى تشع قدوة ومثالية؛ نساءً ورجالاً وأطفالاً، بنى بهم أمة وحضارة لم تُسبق في التاريخ.
ذلك هو فعلاً النموذج الجدير بالاقتداء والتمثل والاتباع من قبل شبابنا؛ شباب أمة تطمح إلى استعادة دورها في الشهادة والريادة، ولتكون مرة أخرى "خير أمة أخرجت للناس".
وكما يرى علماء نفس النمو فإن الإنسان ينتقل من عمر الشيء إلى عمر الشخص ثم ينتهي إلى عمر الفكرة عندما تكتمل قواه النفسية والإدراكية. فالصبي الصغير لا فرق عنده بين ثدي أمه وبين الرضّاعة الاصطناعية، ولا فرق عنده بين أن يجلس بقربه شخص أو نضع بقربه دمية متحركة، فإن تركيزه على الحركة واللون والصورة أكثر من تركيزه على مصدرها ومن يقوم بها. أما الشاب الذي بدأت قواه الإدراكية في التطور، وأخذت قواه النفسية في النمو فإنه يحتاج إلى نموذج عملي مشخص يتمثله ويبني عليه شخصيته، ويقلده في تصرفاته، ويتبعه في أفكاره. وعندما يبلغ الإنسان مبلغ الرشد بحيث يستطيع أن يفصل بين الفعل وفاعله، وبين الشخص والفكرة، وحينما يرتقي إلى مرتبة إدراك الحقائق في ذاتها ووفق قوانينها، فإنه يستقل بشخصيته ويصبح قادرا على التمييز بين الفعل وبين صاحب الفعل، وتكون له القدرة على فك الارتباط بين فعل الشخص السليم وفعله الخطأ، ذلك أنه صارت لديه مبادئ مجردة عن الحق والعدل والخير والشر وغيرها اكتسبها أثناء مسيرة حياته بمختلف أبعادها النفسية والتربوية والاجتماعية وغيرها.
غير أن ما يهمنا في هذا المقال الوجيز هو مرحلة الشباب والمراهقة؛ وهي المرحلة الخطيرة في حياة الإنسان، حيث يتشكل فيها وعيه المستقبلي الذي يهيمن على حياته في مرحلة النضج واكتمال النمو.
ضرورة القدوة:
وفي هذا السياق فإن مسألة القدوة تثار بشكل ملح، وتأخذ أهمية كبرى لما لها من دور توجيهي لقدرات الشباب وأفكارهم؛ بل وأحلامهم أيضًا. ولقد تفطن لذلك الغربيون بشكل ذكي، فعملوا على صناعة شخصيات اجتماعية وثقافية وفكرية وفنية وسياسية ورياضية ودينية ذات صيت عالمي، وسمعة واسعة الانتشار، وبريق أخّاذ، وحضور مستمر في صناعة الحدث بمختلف أوجهه.
والمراهقون يحتاجون في بداية حياتهم إلى نموذج بشري يتخذونه قدوة لهم. فنرى بعضهم يقتدي بنجوم الرياضة أو الممثلين أو المغنيين أو غيرهم، يقلدونهم في حركاتهم ولباسهم وتسريحة شعرهم؛ بل وحتى في طريقة كلامهم.
خطر العولمة:
وفي مرحلة العولمة وزوال الحدود الجغرافية والإعلامية والسياسية وغيرها مما كان يعتبر حدودًا تحمي الداخل في وجه أي تسرب للآخر إلى حصوننا؛ فإن التدفق الإعلامي والمعلوماتي وانتشار أنماط الحياة الغربية بفعل الهيمنة والقوة الحضارية الغربية جعلنا في موقع المغلوب المتأثر بغالبه، المقلد له في صغائره وكبائره. وبما أننا لا يمكن لنا أن ننعزل عن غيرنا في هذا العالم الذي صار قرية صغيرة تتجاوب بعض جنباتها مع ما يحدث في جنباتها الأخرى؛ فإننا أمام خطر حقيقي يتهددنا في وجودنا الحضاري وفي رصيدنا المستقبلي الذي هو الشباب. والخطر في أن ينشأ هذا الشباب على نماذج غير التي نريد، ويتخذ أمثلة حياتية على غير ما نصبو إليه من التميز الديني الحضاري. فشبابنا اليوم ينشأ مبهورًا بالمشاهير الغربيين أو حتى المشاهير المحليين – من أبناء جلدتنا- الذين لا يختلفون عن الغربيين إلا في الاسم.
قدوات ممسوخة:
فشبابنا اليوم نشأ متأثرًا بنماذج جذابة في ظاهرها أمثال: لاعبي كرة القدم، والممثلين، والرياضيين، والفنانين، وبعض الكتاب والمفكرين، والسياسيين، ودعاة حقوق الإنسان وحماية البيئة والحيوان وغيرها. غير أن المطلع على خبايا حياة هذه النماذج التي انبهر بها شبابنا يجدها نماذج أبعد ما تكون عن النموذج الصالح؛ فمعظمهم غارق في الرذيلة والانحلال الخلقي، والإدمان على المخدرات، والإصابة بالإيدز والجنوح نحو الشذوذ، والخروج عن الفطرة. بينما نحن أحوج ما نكون إلى نماذج قوية في شخصيتها، طاهرة في نفسها، طيبة في سريرتها، سليمة في عقيدتها، متكاملة في شخصيتها، سابقة في أصالتها، مستقيمة مع فطرتها، واقعية في تجربتها، نموذجية وصالحة لأن نقتدي بها. وخاصة ونحن نسعى جاهدين إلى التميز عقيديًّا وحضاريًّا، والتفاعل مع غيرنا من الأمم بأصالة وفعالية، من أجل أن نسجل حضورنا بين الأمم، وأن نستعيد مكانتنا الحضارية الإسلامية كما كانت عليه من قبل رائدة للحضارة البشرية وهادية لها إلى عبادة الله الواحد الأحد وعمارة الأرض وتحقيق الاستخلاف.
الرسول قدوتنا:
ولهذا فالسؤال الموجه إلى كل واحد منا: مربين وطلابًا، ولاة أمور ورعية، حكامًا ومحكومين، رجالاً ونساءً، شبابًا وشيوخًا، أن نسأل أنفسنا: ما هي النماذج الصالحة للاقتداء؟ ومن يصلح أو من تصلح أن نتخذه أو نتخذها قدوة لنا؟ ومن يمكن له أو لها أن يتبوأ مكانة المثال والنموذج المقتدى في نفوسنا جميعًا وفي نفوس شبابنا خصوصًا؟
ولا شك أن بقليل من التأمل والتدبر في الشخصية التي نتخذها نحن وشبابنا قدوة هي شخصية محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- وشخصيات آله وزوجاته وأصحابه -رضوان الله عليهم-.
فقد كان محمد بن عبدالله نموذجًا في طفولته، وفي مراهقته، وفي شبابه، وفي كهولته. كان نموذجًا في الطموح، وفي العفة، وفي الصبر، وفي الأمانة، وفي الصدق، وفي الجد، وفي الهزل. كان نموذجًا في حياته الخاصة، وفي حياته العامة، في ثقافته، وفي تدينه، وفي سياسته، وفي علاقاته الاجتماعية، وفي نشاطه التجاري. كان نموذجًا في أسرته، وفي أولاده، وفي فقره، وفي غناه، وفي فرحه، وفي حزنه، وفي غضبه، وفي رضاه. كان نموذجًا في حياته، وفي مماته، في علمه، وفي اجتهاده، وفي حربه، وفي سلمه. ذلك هو النموذج الذي ينبغي أن نتخذه قدوة، ليس لأنه نبينا فقط، ونؤمن به ونصدقه ونتبع؛ ولكن لأنه كان فعلاً نموذجًا ناجحًا بكل المقاييس، وبكل المعايير، ومن مختلف الأوجه، وعلى مختلف المستويات. فلا ينكر نموذجيته أحد؛ مسلمًا كان أو غير مسلم. بل إن محمدًا بن عبدالله -صلى الله عليه- وسلم كان نموذجًا عمليًّا وواقعيًّا بلغت نموذجيته أن شكل نماذج أخرى تشع قدوة ومثالية؛ نساءً ورجالاً وأطفالاً، بنى بهم أمة وحضارة لم تُسبق في التاريخ.
ذلك هو فعلاً النموذج الجدير بالاقتداء والتمثل والاتباع من قبل شبابنا؛ شباب أمة تطمح إلى استعادة دورها في الشهادة والريادة، ولتكون مرة أخرى "خير أمة أخرجت للناس".