الرد على الموضوع

الحكم السادس: هل تشترط في الشهود العدالة؟



  لم تذكر الآية الكريمة في صفة الشهداء أكثر من أنهم أربعة رجال من أهل الشهادة، وللعلماء خلاف في أهل الشهادة من هم؟ فالشافعية يقولون: لا بد للشاهد أن يكون عدلاً. والحنفية يقولون: الفاسق من أهل الشهادة، وعلى هذا تظهر ثمرة الخلاف، فإذا شهد أربعة فساق على المقذوف بالزني، فهم قذفة عند الشافعية يحدون كما يحد القاذف الأول، والحنفية يقولون: لا حد على القاذف لأنه أتى بأربعة من أهل الشهادة، إلا أن الشرع لم يعتبر شهادتهم لقصور في (الفاسق)، فثبت بشهادتهم شبهة الزنى، فيسقط الحد عنهم وعن القاذف، فكما اعتبرنا التهمة في نفس الحد عن المشهود عليه، فكذلك وجب اعتبارها في نفس الحد عنه وعن الشهود.



  وجه قول الشافعي رحمه الله: أنهم غير موصوفين بالشرائط في قبول الشهادة، فخرجوا عن أن يكونوا شاهدين، وبقوا محض قاذفين فيحدون حد القذف.



  وقد رجح ابن تيمية رحمه الله رأي الأحناف، ودفع الحد عن الشهود لوجود الشبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، كما وضحت ذلك السنة النبوية المطهرة.

  

   الحكم السابع: هل يشترط في الشهود أداؤهم للشهادة مجتمعين؟



  ظاهر الآية الكريمة أنه لا فرق بين أن يؤدي الشهود شهادتهم مجتمعين أو متفرقين، وهذا مذهب مالك والشافعي رحمهما الله أخذا بظاهر الآية.



  وقال أبو حنيفة رحمه الله: إذا جاؤوا متفرقين فعليهم حد القذف ولا يسقط الحد عن القاذف.



  حجة مالك والشافعي: أن الآية لم تشترط إلا أن يكونوا أربعة، ولم تشترط أداؤهم للشهادة مجتمعين، فيكفي في الشهادة، كيفما اتفق مجتمعين، أو متفرقين، بل إن شهادتهم متفرقين أبعد عن التهمة، وعلى القاضي أن يفرقهم إذا ارتاب من أمرهم ليظهر له وجه الحق في أدائهم للشهادة، هل هم صادقون أم كاذبون؟



  حجة أبي حنيفة: أما حجة أبي حنيفة فهي أن الشاهد الواحد لما شهد بمفرده صار قاذفًا فيجب عليه الحد، وكذلك الثاني والثالث، ولا خلاص من هذا الإشكال إلا باشتراط الاجتماع.. واستدل بحادثة (المغيرة بن شعبة لما شهد عليه أربعة وخالف أحدهم في الشهادة جلدهم عمر).

  

   الحكم الثامن: هل عقوبة العبد مثل عقوبة الحر؟



  اتفق الفقهاء على أن العبد إذا قذف الحر المحصن وجب عليه الحد، ولكن هل حده مثل حد الحر، أو على النصف منه؟ لم يثبت حكم ذلك في السنة المطهرة ولهذا اختلف الفقهاء فيه، فالجمهور وهو مذهب الأئمة الأربعة على أن العبد إذا ثبت عليه القذف، فعقوبته (40) أربعون جلدة، لأنه حد يتنصف بالرق مثل حد الزنى، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ وذهب الأوزاعي وابن حزم وهو مذهب الشيعة إلى أنه يجلد ثمانين جلدة، لأنه حد وجب صيانة لحق الآدميين، إذ أن الجناية وقعت على عرض المقذوف، والجناية لا تختلف بالرق والحرية.



  ومن أدلة الجمهور ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء، وكلهم يضربون المملوك أربعين جلدة» وعن علي كرم الله وجهه أنه قال: «يجلد العبد في القذف أربعين».,



  قال ابن المنذر: والذي عليه الأمصار القول الأول (أي رأي الجمهور) وبه أقول.



  ورد الجمهور بأن آية القذف خاصة بالأحرار، فالحر إذا قذف محصنًا حد ثمانين جلدة، وأما العبد فحده أربعون فقاسوا القذف على حد الزنى، والله تعالى أعلم.

  

   الحكم التاسع: هل الحد حق من حقوق الله أو من حقوق الآدميين؟



  ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الحد حق من حقوق الله، ويترتب على كونه حقًا من حقوق الله تعالى ما يلي:

  أ- أنه إذا بلغ الحاكم وجب عليه إقامة الحد، وإن لم يطلب المقذوف.

  ب- لا يسقط بعفو المقذوف عن القاذف، وتنفع القاذف التوبة فيما بينه وبين الله تعالى.

  ج- يتنصف فيه الحد بالرق مثل الزنى.

  وذهب الإمامان الشافعي ومالك إلى أنه حق من حقوق الآدميين ويترتب عليه ما يلي:

  1- أن الإمام لا يقيمه إلا بطلب المقذوف.

  ب- يسقط بعفو المقذوف عن القاذف.

  ج- إذا مات المقذوف قبل إقامة الحد فإنه يورث عنه، ويسقط بعفو الوارث.

  ويرى بعض الفقهاء أن (حد القذف) فيه شائبة من حق الله تعالى، وشائبة من حق العبد، ومما لا شك فيه أن في القذف تعديًا على حقوق الله تعالى، وانتهاكًا لحرمة المقذوف، فكان في شرع الحد صيانة لحق الله، ولحق العبد فيكون الحد مزيجًا منهما، ولعل هذا هو الأرجح، والله تعالى أعلم.



  الحكم العاشر: هل تقبل شهادة القاذف إذا تاب؟



  حكم القرآن على القاذف بثلاثة أحكام:

  1- أن يجلد ثمانين جلدة.

  2- أن لا تقبل له شهادة أبدًا.

  3- وصفه بالفسق والخروج عن طاعة الله تعالى.

  ثم عقب الباري جل وعلا بعد هذه الأحكام الثلاثة بما يدل على الاستثناء فقال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾([1])، وقد اختلف الفقهاء في هذا الاستثناء هل يعود إلى الجملة الأخيرة، فيرفع عنه وصف الفسق ويظل مردود الشهادة، أم إن شهادته تقبل كذلك بالتوبة؟ على مذهبين:



  أ- مذهب أبي حنيفة: إن الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ فيرفع عنه وصف الفسق إذا تاب ولكن لا تقبل شهادته، ولو أصبح أصلح الصالحين، وهذا المذهب مروي عن الحسن البصري والنخعي وسعيد بن جبير وغيرهم من فقهاء التابعين.



  ب- مذهب الجمهور: (مالك والشافعي وأحمد) أن الاستثناء راجع إلى الجملتين الأخيرتين ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([2]) فإذا تاب قبلت شهادته، ورفع عنه وصف الفسق، وهذا المذهب مروي عن عطاء وطاوس ومجاهد والشعبي وعكرمة وغيرهم من علماء التابعين.



  وهذا الاختلاف بين الفقهاء مرده إلى قاعدة أصولية وهي: هل الاستثناء الوارد بعد الجمل المتعاطفة بالواو يرجع إلى الكل أو إلى الأخير؟ فالشافعية والمالكية يرجعونه إلى الجميع، والأحناف يرجعونه إلى الأخير فقط.



  أدلة الأحناف:

  استدل الأحناف على عدم قبول شهادة القاذف مطلقًا بما يلي:



  أولاً: إن الاستثناء لو رجع إلى جميع الجمل المتقدمة لوجب أن يسقط عنه الحد وهو الجلد ثمانين جلدة، وهذا باطل بالإجماع فتعين أن يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط.



  ثانيًا: إن الله تعالى قد حكم  بعدم قبول شهادته على التأييد ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾ فلفظ (الأبد) يدل على الدوام والاستمرار، حتى ولو تاب وأناب وأصبح من الصالحين، وقبول شهادته يناقض هذه الأبدية التي حكم بها القرآن.



  ثالثًا: ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودًا في قذف»([3]) رواه أصحاب السنن، فإنه يدل على أن القاذف لا تقبل شهادته إذا حد في القذف.

  

   الجمهور:



  وأما الجمهور فقد استدلوا على قبول شهادته بما يلي:



  أولاً: قالوا إن التوبة تمحو الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فوجب أن يكون القاذف بعد التوبة مقبول الشهادة.



  ثانيًا: أن الكفر أعظم جرمًا من القذف، والكافر إذا تاب تقبل شهادته، فكيف لا تقبل شهادة المسلم إذا قذف ثم تاب؟ وقد قال الشافعي رحمه الله: عجبًا يقبل الله من القاذف توبته وتردون شهادته.



  ثالثًاما روى في حادثة (المغيرة بن شعبة) أن عمر بن الخطاب [FONT=&quot]t ضرب الحد على الذين شهدوا على المغيرة وهم (أبو بكر، ونافع، ونفيع) حين قذفوه ثم قال لهم: من أكذب نفسه قبلت شهادته ومن لم يفعل لم أجز شهادته، فأكذب (نافع ونفيع) أنفسهما وكان عمر يقبل شهادتهما، وأما أبو بكرة فكان لا يقبل شهادته ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.[/FONT]



  رابعًاوقالوا إن الاستثناء في الآية الكريمة كان ينبغي أن يرجع إلى الكل، ولكن ما كان (الجلد ثمانين) من أجل حق المقذوف، وكان هذا الحق من حقوق العباد لم يسقط بالتوبة، فبقى رد الشهادة والحكم بالفسق وهما من حق الله فيسقطان بالتوبة.



  مذهب الشعبي والضحاك:



  وهناك مذهب وسط بين المذهبين هو مذهب (الشعبي والضحاك) فقد قالا: لا تقبل شهادة القاذف وإن تاب، إلا أن يعترف على نفسه أنه قال بهتانًا فيما قذف،ـ فحينئذ تقبل شهادته، قال سيد قطب عليه الرحمة والرضوان: وأنا أختار هذا المذهب الأخير لأنه يزيد على التوبة إعلان براءة المقذوف باعتراف مباشر من القاذف، وبذلك يمحى آخر أثر للقذف.

  [FONT=&quot]

 [/FONT] 

        http://jewelamel.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=6820#_ftnref1[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][1][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]سورة آل عمران: آية 89.[/FONT]

 

    http://jewelamel.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=6820#_ftnref2[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][2][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]سورة النور: آية 24.[/FONT]

 

    http://jewelamel.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=6820#_ftnref3[FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot][3][/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رواه أصحاب السنن.[/FONT]


العودة
Top