- إنضم
- 14 جويلية 2011
- المشاركات
- 5,234
- نقاط التفاعل
- 5,403
- النقاط
- 351
- العمر
- 109
المصدر : جريدة الشروق
2014/11/20
من كان يتصور أن شابا في الأربعينات من عمره يصبح عمدة اسطنبول، ثم يُتهم بـ"الكراهية والتحريض" ويُسجن بسبب استشهاده بمقطع من قصيدة تركية تقول: "مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذاتنا.. مآذننا حرابنا.. المصلون جنودنا.. وهذا الجيش المقدّس يحرس ديننا"؟
ومن كان يتوقع أن حزبا إسلاميا يُسقِط حكم العسكر ويغيّر الدستور ويُجري انتخابات رئاسية يفوز بها رئيسُه؟.
سقط حكم العسكر وبقي أردوغان
كان رجب طيب أردوغان أهمّ شخصية سياسية إسلامية بعد أستاذه نجم الدين أربكان؛ فبعد ترشيح "حزب الرفاه" له لمنصب عمدة اسطنبول، سُجن ومُنع من العمل السياسي، إلاّ أنه استطاع المشاركة في تأسيس حزب "العدالة والتنمية" على أنقاض "حزب الفضيلة" مع عبد الله غول عام2001 وحصد الأغلبية البرلمانية فأصبح في مارس عام 2003 رئيسا للحكومة التركية، فشرع في إعادة بناء الدولة من جديد دون أن ينسى أن لبلاده قوة عسكرية وإقليمية وأنها عضو فعّال في "حلف الناتو".
وبعد عشرة أعوام من الحكم الرّاشد، تمكن من تعديل الدستور وتأسيس أول انتخاب شعبية تعددية مباشرة لرئيس أول جمهورية تركية، وهكذا نقل بلاده من 90 سنة ديكتاتورية إلى عهد الحريات العامة والديمقراطية والدّفاع عن حقوق الإنسان، ما قد يرشحها لأن تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي بعد أن كانت أوروبا تمانع دخولَها بحجج واهية.
لماذا الجزائر؟
يعتقد الكثير من المحللين السياسيين أن زيارة أردوغان للجزائر ستكون ذات أهمية على أكثر من صعيد، فقد سبق له أن زار الجزائر عندما كان رئيس الوزراء ومواقفه سبقـته إزاء الرد على الفرنسيين و"حزبهم في الجزائر" بالتأكيد على "أن الثورة الجزائرية هزمت الاستعمار الفرنسي، وعلى فرنسا أن تعتذر للجزائر عن ماضيها غير المشرف فيها"، وهو موقف لا يختلف عن المواقف التي اتخذها لصالح فلسطين مثل انسحابه من منتدى (دافوس) بعد تأكيده على أن الجيش الإسرائيلي يقتل الأطفال في شواطئ غزة، وموقفه في كسر الحصار على غزة عام 2010 عمّق الهوة بينه وبين الكيان الصهيوني وصار الاعتداء على سفينة "مرمرة" وردّ فعل تركيا عليه مثلا يُقتدى به.
هذه ثالث زيارة يقوم بها أردوغان إلى الجزائر خلال سبع سنوات من حكمه، وربما تثير الكثير من التساؤلات حول أهدافها الحقيقية بعيدا عن البعدين الأمني والاقتصادي؛ ففي الزيارة الأولى كرّمته جامعة الجزائر بدكتوراه فخرية فقبلها بالرغم من أنه رفض أن يتسلمها من جامعة محمد الخامس، ما جعل النخبة المغربية تشن هجوما عليه.
وإذا كانت الجزائر لم تنس أن تركيا كانت في حلف الناتو خلال مشاركته في ضرب الثورة الجزائرية، وأنها تأخرت في الاعتراف بهذه الثورة، فإنها لن تنسى أن الرئيس آردوغان يُعدّ أول رئيس حكومة يهاجم فرنسا ويطالبها بالاعتراف بجرائمها في الإبادة الجماعية للشعب الجزائري، حيث كان رد فعل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عليه -يومئذ- أرحم من تعليق أحمد أويحيى، وهو يخاطب آردوغان: "نقول لأصدقائنا: لا تتاجروا بنا"، ولو قال لفرنسا -عندما كان رئيساً لثلاث حكومات- ما قاله أردوغان لقلنا إنه لا يدافع عن فرنسا، فكيف سيصافح أردوغان اليوم؟
فضّل الرئيس التركي اختصار زيارته في يوم واحد بالرغم من أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حين زار تركيا عام 2005 بمناسبة الذكرى الـ150 لمرور الأمير عبد القادر بمدينة (بورصة) التركية عام 1855، بقي فيها ثلاثة أيام بدعوة من نظيره التركي أحمد نجدت سيزر، وردا على زيارتي الرئيسين التركيين إفري كنعان (1988) وسليمان دميريل (1999) فهل تحقق هذه الزيارة ما لم تحققه زيارة بوتفليقة إلى تركيا؟
الاستثمارات التركية في الجزائر كانت متنوعة، فقد بلغت 750 مليون دولار في مصنع للحديد بوهران فقط عكس الاستثمارات الفرنسية، فهل تدرك حكومتنا أهمية تركيا بالنسبة للجزائر؟
صحيحٌ أن موقف تركيا الداعم للثورات العربية والداعم لأصحابها جعلها في موقف لا تُحسد عليه بعد الانقلاب في مصر والحرب الأهلية في ليبيا والتراجع الديمقراطي في اليمن، ومع ذلك لم تغيّر تركيا موقفها، بل إنها وقفت ضد هذا الانقلاب، ما جعل النظام المصري يتحرك باتجاه المساس بمصالحها الإستراتيجية كمحاولة دعم قبرص والتعامل مع اليونان، لكنه يراهن على الجزائر في التقليل من خطاب تركيا المعادي لها على أن تلعب الجزائر دورا مهما في إعادة الدفء إلى العلاقات التركية المصرية، كما أنه بإمكان تركيا أن تقوم هي الأخرى بالضغط على ثوار طرابلس وبنغازي للجلوس إلى طاولة المفاوضات في الحوار المرتَقب في الجزائر، فتركيا والجزائر تستطيعان القيام بعمل مشترك، وإن كانت تركيا تُتّهم بالتدخل في الشأن العربي، خاصة في سوريا بدعمها للثوار، إلا أنّها ليست الوحيدة؛ فالسعودية وقطر ومصر والإمارات كلها تتدخل في هذا الشأن، وحتى إيران تقوم بالدور نفسه.
لا تشاطر السلطات الجزائرية سياسة تركيا المتعلقة بضرورة الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، ولا تستبعد دوائر سياسية أن تكون الزيارات الرسمية السورية للجزائر قبيل مجيء أردوغان تهدف إلى طلب الوساطة الجزائرية بين النظام السوري والمعارضة، والتأثير على تركيا حتى تقبل بهذا الحوار، فهل يستطيع الرئيس أردوغان أن يفي بوعوده المتعلقة بإدراج الجزائر ضمن 70 دولة التي أسقطت عنها تأشيرة الدخول إلى تركيا؟ وهل زيارة يوم واحد تكفي لتحقيق رهانات مصر وسوريا وليبيا على الوساطة الجزائرية؟
* من كان يتصور أن شابا في الأربعينات من عمره يصبح عمدة اسطنبول، ثم يُتهم بـ"الكراهية والتحريض"، ويُسجن بسبب استشهاده بمقطع من قصيدة تركية تقول: "مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذاتنا.. مآذننا حرابنا.. المصلون جنودنا.. وهذا الجيش المقدّس يحرس ديننا"؟ ومن كان يتوقع أن حزبا إسلاميا يُسقِط حكم العسكر ويغيّر الدستور ويُجري انتخابات رئاسية يفوز بها رئيسُه؟