إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أنْ لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71]
أمَّا بعد: فإنَّ أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أما بعد:
فَقَدْ رَوَى اَلْبُخَارِيُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ »([1])، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ : «إِنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ ؟ قَالَ : مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»([2]).
قال الحافظ في الفتح : «والحديث عامٌّ بالنسبة إلى اللسان دون اليد؛ لأنَّ اللسانَ يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد، بخلاف اليد، نعم! يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة، وإنَّ أثرها في ذلك لعظيم»([3])
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: « (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) : سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ فلا يسبهم ، و لا يلعنهم ، و لا يغتابهم ، و لا ينم بينهم ، و لا يسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر والفساد ، فهو قد كف ّ لسانه ، و كفُ اللسان من أشد ما يكون على الإنسان ، و هو من الأمور التي تصعب على المرء و ربما يستسهل إطلاق لسانه»([4])
وعَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ»([5]).
قال الحافظ ابن رجب : « وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الْأَدَبِ ، وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الصَّلَاحِ عَنْ أبي محمد بن أبي زيد ـ إمام المالكية في زمانه ـ أنَّه قال: جماعُ آداب الخير وأزمته تتفرَّع من أربعة أحاديث: قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، وقوله صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وقوله للذي اختصر له في الوصيَّة: لا تغضب، وقوله صلى الله عليه وسلم: المؤمن يُحبُّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه»([6]).
و مع هذا فقد ابتلينا في زماننا هذا بألسنة غلاظ حداد لا يسلم منها أحد ، ألسنة عدوانية لا تلتزم الصمت تنطق بلا ترقب و لا مراعاة لأعراض الناس تشتغل بما لا يعني عمّا يعني ، وهذا من نقص العقل وعدم إدراك ما يضر وما ينفع ، قال ابن حبان: «الواجبُ على العاقل أن يلزم الصمتَ إلى أن يلزمه التكلُّمُ، فما أكثرَ مَن ندم إذا نطق، وأقلَّ من يندم إذا سكت، وأطول الناس شقاءً وأعظمهم بلاءً من ابتُلي بلسانٍ مطلقٍ، وفؤادٍ مطبقٍ»([7]).
وقال أيضاً: «الواجبُ على العاقل أن يُنصف أذنيه من فيه، ويعلم أنَّه إنَّما جُعلت له أذنان وفم واحدٌ ليسمع أكثر مِمَّا يقول؛ لأنَّه إذا قال ربَّما ندم، وإن لَم يقل لَم يندم، وهو على ردِّ ما لَم يقل أقدر منه على ردِّ ما قال، والكلمةُ إذا تكلَّم بها ملكَتْه، وإن لَم يتكلَّم بها ملكها»([8]).
وقال أيضاً: «لسانُ العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القولَ رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلاَّ فلا، والجاهلُ قلبُه في طرف لسانه، ما أتى على لسانه تكلَّم به، وما عقل دينَه من لَم يحفظ لسانه»([9]).
و قال عبد الله بن عون البصري : « ثلاث أرضاها لنفسي و لإخواني : أن ينظر هذا الرجل المسلم القرآن فيتعلمه و يقرأه و يتدبره و ينظر فيه . و الثانية أن ينظر ذاك الأثر و السنة فيسأل عنه و يتبعه جهده . و الثالثة أن يدع هؤلاء الناس إلا من خير »([10]).
و جاء عنه بلفظ : «ذكر الله دواء و ذكر الناس داء» . و قد قيل قبل هذا : «عليكم بذكر الله فإنه شفاء ، وإياكم و ذكر الناس فإنه داء»([11]).
قال الحسن البصري : « إني أطمعت نفسي في جوار الله فطمعت ، و أطمعت نفسي في الحور العين فطمعت ، و أطمعت نفسي في السلامة من الناس فلم تطمع . إني لما رأيت الناس لا يرضون عن خالقهم علمت أنهم لا يرضون عن مخلوق مثلهم »([12]).
و عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا ، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»([13]).
ولما قال معاذ رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم:«يَانَبِيَّ اللهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟».
فأجابه صلى الله عليه و سلم بقوله : « وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ »([14]).
قال الحافظ ابن رجب: «والمرادُ بحصائد الألسنة: جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته؛ فإنَّ الإنسانَ يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيِّئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمَن زرع خيراً مِن قولٍ أو عملٍ حَصَد الكرامة، ومن زرع شراًّ من قولٍ أو عملٍ حصد غداً الندامة»([15]).
فيا أهل الإيمان أيحب أن يكون أحدكم من أهل النار بسبب لسانه؟
السب و الشتم من الأمور المنكرة :
كما هو معلوم أنَّ سب و شتم المسلمين من الأمور المنكرة التي نهى عنها الشرع الحنيف و قد ثبتت أحاديث تنهى عن ذلك فلا يجوز لمسلم أن يسب أخاه المسلم أو شتمه أو عيبه إلا في حق كأن يكون مظلوماً ، يرد عن نفسه ، قال تعالى :﴿ لَاْ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا﴾[ النساء: 148] يقول العلامة السعدي رحمه الله : «يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول ، أي : يبغض ذلك ، ويمقته ، ويعاقب عليه ، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن : كالشتم ، والقذف ، والسب ونحو ذلك ، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله .
ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول : كالذكر ، والكلام الطيب الليِّن .
وقوله : ﴿إِلا مَن ظُلِمَ﴾ أي : فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه ، ويجهر بالسوء لمن جهر له به ، من غير أن يكذب عليه ، ولا يزيد على مظلمته ، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه ، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى ، كما قال تعالى : ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾».
فالواجب عدم التهور ومسك اللسان و الاهتمام بما هو أصلح مع اجتناب أعراض المسلمين ، فلا تسب المسلم و لا تلعنه و لا ترميه بكفر، ففي الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال : «سِبَابُ الْمُسْلِم فُسُوقٌ وَقِتالُهُ كُفْرٌ»([16]).
قال ابن حجر في شرح هذا الحديث : « ... و هذا يقتضي أن من قال لآخر أنت فاسق أو قال له أنت كافر فإن كان ليس كما قال كان هو المستحق للوصف المذكور ، و أنه إذا كان كما قال لم يرجع عليه شيء لكونه صدق فيما قال ، و لكن لا يلزم من كونه لا يصير بذلك فاسقا ولا كافرا أن لا يكون آثما في صورة قوله له أنت فاسق بل في هذه الصورة تفصيل : إن قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز ، و إن قصد تعييره و شهرته بذلك ، محض أذاه لم يجز ، لأنه مأمور بالستر عليه و تعليمه و عظته بالحسنى »([17]).
وَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلا بِالْفِسْقِ وَلا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ ، إِلا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ»([18]).
وَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْن صُرَدٍ ، قَالَ :« اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ، لَوْ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، فَقَالُوا لِلرَّجُلِ : أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !! قَالَ : إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ »([19]).
وروى ابن رجب قصة فيها فائدة عظيمة من تمسك بها صان نفسه من التعرض لأعراض المسلمين ، أنه لما ركب ابن سيرين الدَين و حُبس به قال : « إني أعرف الذّنب الذي أصابني هذا ، عيًرت رجلا منذ أربعين سنة ، فقلت له يا مفلس»([20]).
فتأمل هداني الله و إياك كلمة قالها منذ أربعين سنة و لم ينساها رحمه الله و هذا ما دل إلا على عدم غفلة السلف على أنفسهم ، فما بالك بالذي يقذف كل يوم كلمات تسيء لإخوانه السلفيين و التي هي أقبح وأشر من (مفلس) .
هذا و الأحاديث كثيرة في هذا الباب ، فكيف يسب المسلم أخاه المسلم و الإسلام ينهى عن هذا الفعل الذميم؟ ، و هذا ناتج عن غفلة المسلمين وجهلهم بدينهم الحنيف فلو كانوا متمسكين به لما فاتتهم هذه الأحاديث ، فلنحذر عباد الله فالأمر ليس هيّنا و الله المستعان.
الابتعاد عن التجسس و التنقيب عن عيوب الناس :
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا﴾ [ الحجرات: 12].
قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله : «ففي هذه الآية الكريمة الأمر باجتناب كثير من الظنِّ، وأنَّ منه إثماً، والنهي عن التجسُّس، والتجسُّسُ هو التنقيب عن عيوب الناس، وهو إنَّما يحصل تَبَعاً لإساءة الظنِّ»([21]).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: « إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا»([22]).
وقد قيل: «ولا تظنَّنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلاَّ خيراً، وأنت تجد لها في الخير مَحملاً»([23]).
وقال بكر بن عبد الله بن عمرو المزني : «إيَّاك من الكلام ما إن أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظنِّ بأخيك»([24]).
و على المسلم الحق ألا يتسرع في الحكم لعل ذاك المخطئ له عذره و لذلك يحذر من إصدار الأحكام جزافا من غير تبين و من غير بحث عن المخارج و لذلك يقول أبو قلابة رحمة الله عليه : «إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك؛ فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعلَّ لأخي عذراً لا أعلمه»([25]).
فتأمل هذه الكلمة التي خرجت من صدر سليم من المسلمين ، فلا تتسرع ، إذا رأيته يفعل شيئا تسارع بالحكم عليه ، ثم تشنع عليه مشرقا و مغربا ، ثم تبث هذه المثلبة في كل الناس ، فهذا من الغلط ، وما أبلغ قول الله عزَّوجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا﴾ [ الحجرات: 12].
فاجتنب كثيرا من الظن لأن بعضه إثم ، فكيف لو كان كله إثما ؟ تترك الكثير خشية الوقوع في القليل ، وهذا سدا للذريعة ، لأن أعراض المسلمين مصونة ، فإذا كان هذا هو حال السلف رحمهم الله كأبي قلابة فما بال أقوام ينتسبون إلى المنهج السلفي وهم حرب على إخوانهم بسبب خطأ أو خطأين صدر منهم ودون النظر أله عذر في نفسه أم ليس له عذر؟ فأنت ما دخلت في قلبه فربما هو يعلم أمرا و أنت تجهله ، ولهذا ينبغي عليك أن تكون سليم الصدر اتجاه إخوانك السلفيين كما قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر: 10]. ما يكون لك غل في صدرك على إخوانك بل تعتذر لهم ما أطقت ذلك ووجدت له سبيلا إلى أن تنغلق و تنسد أمامك الأبواب .
وانظر لهذا الأثر العجيب عن إياس بن معاوية : قال سفيان بن حسين: «ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا، قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟! قال: فلَم أعُد بعدها»([26]).
لم أر ردا أعجبني مثل هذا القول و هذا لا يدل إلا على ذكاء إياس بن معاوية فلاحظ كيف كان جوابه وطبقه على مفتوني هذا الزمان ، يسلم منهم الإخواني و القطبي التكفيري و يسلم منهم التبليغي و الحلبي والحجوري وهلم جرا و لا يسلم منهم السلفي فاللهم سلم سلم .
و قد وصف العلماء من لا يتجسس بالعاقل كما قال ابن حبان: «الواجبُ على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛ فإنَّ من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنَه ولم يُتعب قلبَه، فكلَّما اطَّلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإنَّ من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه وتعذَّر عليه ترك عيوب نفسه»([27]).
و قال : «التجسُّس من شعب النفاق، كما أنَّ حسنَ الظنِّ من شعب الإيمان، والعاقل يحسن الظنَّ بإخوانه، وينفرد بغمومه وأحزانه، كما أنَّ الجاهلَ يُسيء الظنَّ بإخوانه، ولا يُفكِّر في جناياته وأشجانه»([28]).
فليعتبر كل معتبر ، و ليهتم كل واحد بعيوب نفسه كما قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَى فِي عَيْنِ أَخِيهِ ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ ، أَوْ قَالَ : الْجِذْلَ فِي عَيْنِهِ »([29]).
قال الشاعر :
قَبِيْحٌ مِنَ الإِنْسَانِ أَنْ يَنْسَى عُيْوبَهُ *** وَيَذْكُرُ عَيْباً فِي أَخِيهِ قَد اخْتَفَى.
وَلَوْ كَانَ ذَا عَقْلٍ لَمَا عَابَ غَيْرَهُ *** وَفِيهِ عُيُوبٌ لَوْ رَآهَا بِهَا اكْتَفَى.
فيجب علينا يا إخواني إصلاح ذات بيننا أولا كما جاء عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ، قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، قَالَ : فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ »([30]).
ومن الغريب أنك تجد من يدعي الغيرة على المنهج و الدفاع عنه و يحث على الأخلاق العالية و الرفق بالآخرين و لكنه في حد ذاته محتاج إلى كف لسانه ، أليس هذا سوء خلق؟ إذ كيف تسلط لسانك و تعمم الحكم و الله تعالى أمرنا بأن نكف ألسنتنا ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق: 18] ، ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾[البقرة: 83] و كيف تقول : (أنا مستقيم في إيماني و منهجي سوي!!!) و لسانك يؤذي من حوله وقد صدق رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حين قال: «لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ»([31]).
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي حفظه الله في مقدمة رسالته : (وجوب حفظ اللسان) : « نهاك - أي الله - عن بذاءة الكلام : كالسب ، و القذف ، و اللعن ، و الغيبة و النميمة ، و غيرها من الآثام ، فتكون من المفلسين يوم يبعث الأنام .
و لكن السلامة لا يعدلها شيء ، فقل خيرا تغنم ،و اسكت عن شر تسلم ، و لا تكلم بكلام تعتذر منه غدا»..
فالواجب التريث فقد يكون ما خرج من فيك من الأمور التي توجب لك النار و العياذ بالله.
و قال تعالى : ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [ النور: 15].
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴿8﴾ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ﴿9﴾﴾[البلد:8-9] قال ابن كثير في تفسيره: «وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾ أي يُبصر بهما،﴿وَلِسَاناً﴾.أي.ينطق به فيعبِّر عمَّا في ضميره، ﴿وَشَفَتَيْنِ﴾ يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام، وجمالاً لوجهه وفمه»([32]).
و لهذا قال الشيخ عبد المحسن العباد : «ومن المعلوم أنَّ هذه النعمة إنَّما تكون نعمة حقًّا إذا استُعمل النطق بما هو خير، أمَّا إذا استُعمل بشرٍّ فهو وبالٌ على صاحبه، ويكون مَن فقد هذه النعمة أحسنَ حالاً منه»([33]).
و لهذا يجب حفظ اللسان لما فيه من أذى للناس و لا ننطق إلا في الخير ، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب:70-71] وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات:12].
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:16-17-18].
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾[الأحزاب:58]
وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾[الإسراء:36].
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا: فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالَ»([34]).
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ»([35]) ، و المراد بما بين اللّحْيَيْن والرِّجْلَين اَللِّسانُ والفرْجُ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»([36]).
قال النووي رحمه الله تعالى: « وقد أخذ الإمام الشافعي رضى الله عنه معنى الحديث فقال: إذا أراد أن يتكلَّم فليُفكِّر، فإن ظهر أنَّه لا ضرر عليه تكلَّم، وإن ظهر أنَّ فيه ضرراً وشكَّ فيه أمسك»([37]).
إن المتأمل في هذه الأدلة لا مجال له أن يتكلم في أعراض الآخرين بسوء أبدا، فأحيانا نتكلم لغرض النصح فإذ بنا نقدح في عرض المنصوح فتتحول النصيحة إلى غيبة و من التحذير من فلان إلا نميمة ، لهذا حذرنا الرسول صلى الله عليه و سلم من الغيبة حيث جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»([38]) .
و لهذا أحذر نفسي و إياكم فقد يكون كلامنا من الغيبة و لكن الشيطان يزينه لنا و يجعله غير ذلك و لقد وجدت في مجموع الفتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلام والله أرعبني لهذا أحببت أن أنقله كاملا ، قال : « فمن الناس يغتاب موافقة لجلسائه و أصحابه و عشائره مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون أو فيه بعض ما يقولون ، لكن يرى أنه لو أنكر عليهم قطع المجلس و استثقله أهل المجلس و نفروا عنه ، فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة و طيب المصاحبة ،و قد يغضبون و يغضب لغضبهم ، فيخوض معهم ، و منهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى ، تارة في قالب ديانة و صلاح فيقول : ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ، و لا أحب الغيبة و لا الكذب ، و إنما أخبركم بأحواله ، و يقول : و الله إنه مسكين أو رجل جيد ، و لكن فيه كيت و كيت ، و ربما يقول دعونا منه ، الله يغفر لنا و له ، و إنما قصده استنقاصه و هضم لجانبه ،و يخرجون الغيبة في قوالب صلاح و ديانة يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقا ، و قد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا و أشباهه ، و منهم من يرفع غيره رياء ، فيرفع نفسه فيقول : لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان ، لما بلغني عنه كيت و كيت ، ليرفع نفسه و يضعه عند من يعتقده ، أو يقول : فلان بليد الذهن قليل الفهم و قصده مدح نفسه و إثبات معرفته و أنه أفضل منه ، و منهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين : الغيبة و الحسد . و إذا أثنى عن شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين و صلاح ، أو في قالب حسد و فجور و قدح ، ليسقط ذلك عنه ، و منهم من يخرج الغيبة في قالب تمسخر و لعب ، ليضحك غيره باستهزائه و محاكاته و استصغار المستهزأ به . و منهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب فيقول : تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت و كيت ، و من فلان كيف وقع منه كيت وكيت ، و كيف فعل كيت و كيت ، فيخرج اسمه في معرض تعجبه . و منهممن يخرج الإغتمام فيقول : مسكين فلان ، غمني ما جرى له و ما تم له ، فيظن من يسمعه أنه يغتم له و يتأسف ، و قلبه منطوي على التشفي به ، و لو قدر لزاد على ما به ، و ربما يذكره عند أعدائه ليشتفوا به ، و هذا غيره من أعظم أمرا ض القلوب و المخادعات لله و لخلقه ، و منهم من يظهر الغيبة في قالب غضب و إنكار منكر ، فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول ، و قصده غير ما أظهر . و الله المستعان »([39]) .
إذا كان هذا كله من الغيبة فما يسعنا إلا كف الألسن و الاهتمام بما هو أصلح و أنفع لنا وهو طلب العلم الشرعي النافع فنسأل الله أن يهدينا و يهدي إخواننا إلى سواء السبيل كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظنا و أن يثبتنا على دينه إنه وحده القادر على ذلك سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت ، أستغفرك و أتوب إليك.
======
([1]) : صحيح البخاري : متاب الإيمان : باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده ، رقم (10).
([2]) : صحيح مسلم ، رقم (40).
([3]) : فتح الباري (1/107).
([4]) : شرح رياض الصالحين ( 2/512).
([5]) : حديث حسن، رواه الترمذي (2317) وغيره.
([6]) : جامع العلوم والحكم (1/288).
([7]) : روضةُ العقلاء. ت : الفقي (ص:43).
([8]) : روضةُ العقلاء. ت : الفقي (ص:45).
([9]) : روضةُ العقلاء. ت : الفقي (ص:47).
([10]) : علقه البخاري ووصله محمد بن نصر المروزي في السنة رقم (108) ، و اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (36).
([11]) : روي هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه وهو عند أحمد في الزهد ( ص:151) و في الزهد لهناد بن السري (2/537) . وهو منقطع و كونه منقطعا لا يعني عدم صحة معناه.
([12]) : انظر : تبيين كذب المفتري (ص: 422).
([13]) : رواه البخاري في صحيحه (6477) ومسلم في صحيحه (2988)، واللفظُ لمسلم.
([14]) : أخرجه الترمذي (2616) وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
([15]) : جامع العلوم والحكم (2/147).
([16]) : رواه البخاري في صحيحه (7076) ومسلم في صحيحه (64).
([17]) : الفتح (10/466).
([18]) : رواه البخاري (6045).
([19]) : رواه البخاري (6115) ومسلم (2610).
([20]) : الفرق بين النصيحة و التعيير ضمن مجموعة رسائل ابن رجب (ص:413).
([21]) : رفقا أهل السنة بأهل السنة (ص: 24).
([22]) : رواه البخاري (6064)، ومسلم (2563).
([23]) : هذا الأثر روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ذكره ابن كثير في تفسيره و لم يسق له إسنادا و أشار إلى ضعفه بصيغة التمريض (روينا)، و لكن لا يعني هذا أن معناه لا يصح.
([24]) : تهذيب التهذيب.ط. الرسالة (1/244).
([25]) : الحلية لأبي نعيم (2/285).
([26]) : ذكره ابن كثير في البداية و النهاية.ت: التركي (13/121).
([27]) : روضةُ العقلاء. ت : الفقي (ص:125).
([28]) : روضةُ العقلاء. ت : الفقي (ص:126).
([29]) : رواه ابن حبان في صحيحه رقم ( 1848) ، و أبو نعيم في الحلية (4/99) و الحديث صححه الألباني في الصحيحة رقم ( 33). و القذى : هو ما يقع في العين و الماء و الشراب من تراب أو تبن أو وسخ.
([30]) : رواه أبو داود رقم (4919) ، و الترمذي رقم (2509) و قال : حسن صحيح ، ثم قال : و يروى أنه قال : ( هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، و لكن تحلق الدين).
([31]) : أخرجه أحمد في مسنده: (3/ 198)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. والحديث حسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة: (6/ 822).
([32]) : انظر تفسير ابن كثير.
([33]) : رفقا أهل السنة بأهل السنة (ص: 12).
([34]) : أخرجه بهذا اللفظ مسلم في الصحيح برقم (1715)، وجاءت هذه الثلاثة المكروهة في حديث المغيرة عند البخاري (2408)، و مسلم (1715).
([35]) : رواه البخاري في صحيحه (6474).
([36]) : رواه البخاري في صحيحه (6475) ومسلم في صحيحه (47).
([37]) : شرح النووي على صحيح مسلم (2/19).
([38]) : صحيح مسلم (2589).
([39]) : مجموع الفتوى ( 28/236-238).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71]
أمَّا بعد: فإنَّ أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أما بعد:
فَقَدْ رَوَى اَلْبُخَارِيُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ »([1])، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ : «إِنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ ؟ قَالَ : مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»([2]).
قال الحافظ في الفتح : «والحديث عامٌّ بالنسبة إلى اللسان دون اليد؛ لأنَّ اللسانَ يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد، بخلاف اليد، نعم! يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة، وإنَّ أثرها في ذلك لعظيم»([3])
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: « (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) : سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ فلا يسبهم ، و لا يلعنهم ، و لا يغتابهم ، و لا ينم بينهم ، و لا يسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر والفساد ، فهو قد كف ّ لسانه ، و كفُ اللسان من أشد ما يكون على الإنسان ، و هو من الأمور التي تصعب على المرء و ربما يستسهل إطلاق لسانه»([4])
وعَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ»([5]).
قال الحافظ ابن رجب : « وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الْأَدَبِ ، وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو بْنُ الصَّلَاحِ عَنْ أبي محمد بن أبي زيد ـ إمام المالكية في زمانه ـ أنَّه قال: جماعُ آداب الخير وأزمته تتفرَّع من أربعة أحاديث: قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، وقوله صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وقوله للذي اختصر له في الوصيَّة: لا تغضب، وقوله صلى الله عليه وسلم: المؤمن يُحبُّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه»([6]).
و مع هذا فقد ابتلينا في زماننا هذا بألسنة غلاظ حداد لا يسلم منها أحد ، ألسنة عدوانية لا تلتزم الصمت تنطق بلا ترقب و لا مراعاة لأعراض الناس تشتغل بما لا يعني عمّا يعني ، وهذا من نقص العقل وعدم إدراك ما يضر وما ينفع ، قال ابن حبان: «الواجبُ على العاقل أن يلزم الصمتَ إلى أن يلزمه التكلُّمُ، فما أكثرَ مَن ندم إذا نطق، وأقلَّ من يندم إذا سكت، وأطول الناس شقاءً وأعظمهم بلاءً من ابتُلي بلسانٍ مطلقٍ، وفؤادٍ مطبقٍ»([7]).
وقال أيضاً: «الواجبُ على العاقل أن يُنصف أذنيه من فيه، ويعلم أنَّه إنَّما جُعلت له أذنان وفم واحدٌ ليسمع أكثر مِمَّا يقول؛ لأنَّه إذا قال ربَّما ندم، وإن لَم يقل لَم يندم، وهو على ردِّ ما لَم يقل أقدر منه على ردِّ ما قال، والكلمةُ إذا تكلَّم بها ملكَتْه، وإن لَم يتكلَّم بها ملكها»([8]).
وقال أيضاً: «لسانُ العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القولَ رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلاَّ فلا، والجاهلُ قلبُه في طرف لسانه، ما أتى على لسانه تكلَّم به، وما عقل دينَه من لَم يحفظ لسانه»([9]).
و قال عبد الله بن عون البصري : « ثلاث أرضاها لنفسي و لإخواني : أن ينظر هذا الرجل المسلم القرآن فيتعلمه و يقرأه و يتدبره و ينظر فيه . و الثانية أن ينظر ذاك الأثر و السنة فيسأل عنه و يتبعه جهده . و الثالثة أن يدع هؤلاء الناس إلا من خير »([10]).
و جاء عنه بلفظ : «ذكر الله دواء و ذكر الناس داء» . و قد قيل قبل هذا : «عليكم بذكر الله فإنه شفاء ، وإياكم و ذكر الناس فإنه داء»([11]).
قال الحسن البصري : « إني أطمعت نفسي في جوار الله فطمعت ، و أطمعت نفسي في الحور العين فطمعت ، و أطمعت نفسي في السلامة من الناس فلم تطمع . إني لما رأيت الناس لا يرضون عن خالقهم علمت أنهم لا يرضون عن مخلوق مثلهم »([12]).
و عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا ، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»([13]).
ولما قال معاذ رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم:«يَانَبِيَّ اللهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟».
فأجابه صلى الله عليه و سلم بقوله : « وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ »([14]).
قال الحافظ ابن رجب: «والمرادُ بحصائد الألسنة: جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته؛ فإنَّ الإنسانَ يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيِّئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمَن زرع خيراً مِن قولٍ أو عملٍ حَصَد الكرامة، ومن زرع شراًّ من قولٍ أو عملٍ حصد غداً الندامة»([15]).
فيا أهل الإيمان أيحب أن يكون أحدكم من أهل النار بسبب لسانه؟
السب و الشتم من الأمور المنكرة :
كما هو معلوم أنَّ سب و شتم المسلمين من الأمور المنكرة التي نهى عنها الشرع الحنيف و قد ثبتت أحاديث تنهى عن ذلك فلا يجوز لمسلم أن يسب أخاه المسلم أو شتمه أو عيبه إلا في حق كأن يكون مظلوماً ، يرد عن نفسه ، قال تعالى :﴿ لَاْ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا﴾[ النساء: 148] يقول العلامة السعدي رحمه الله : «يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول ، أي : يبغض ذلك ، ويمقته ، ويعاقب عليه ، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن : كالشتم ، والقذف ، والسب ونحو ذلك ، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله .
ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول : كالذكر ، والكلام الطيب الليِّن .
وقوله : ﴿إِلا مَن ظُلِمَ﴾ أي : فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه ، ويجهر بالسوء لمن جهر له به ، من غير أن يكذب عليه ، ولا يزيد على مظلمته ، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه ، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى ، كما قال تعالى : ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾».
فالواجب عدم التهور ومسك اللسان و الاهتمام بما هو أصلح مع اجتناب أعراض المسلمين ، فلا تسب المسلم و لا تلعنه و لا ترميه بكفر، ففي الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال : «سِبَابُ الْمُسْلِم فُسُوقٌ وَقِتالُهُ كُفْرٌ»([16]).
قال ابن حجر في شرح هذا الحديث : « ... و هذا يقتضي أن من قال لآخر أنت فاسق أو قال له أنت كافر فإن كان ليس كما قال كان هو المستحق للوصف المذكور ، و أنه إذا كان كما قال لم يرجع عليه شيء لكونه صدق فيما قال ، و لكن لا يلزم من كونه لا يصير بذلك فاسقا ولا كافرا أن لا يكون آثما في صورة قوله له أنت فاسق بل في هذه الصورة تفصيل : إن قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز ، و إن قصد تعييره و شهرته بذلك ، محض أذاه لم يجز ، لأنه مأمور بالستر عليه و تعليمه و عظته بالحسنى »([17]).
وَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : «لا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلا بِالْفِسْقِ وَلا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ ، إِلا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ»([18]).
وَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْن صُرَدٍ ، قَالَ :« اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ، لَوْ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، فَقَالُوا لِلرَّجُلِ : أَلا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !! قَالَ : إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ »([19]).
وروى ابن رجب قصة فيها فائدة عظيمة من تمسك بها صان نفسه من التعرض لأعراض المسلمين ، أنه لما ركب ابن سيرين الدَين و حُبس به قال : « إني أعرف الذّنب الذي أصابني هذا ، عيًرت رجلا منذ أربعين سنة ، فقلت له يا مفلس»([20]).
فتأمل هداني الله و إياك كلمة قالها منذ أربعين سنة و لم ينساها رحمه الله و هذا ما دل إلا على عدم غفلة السلف على أنفسهم ، فما بالك بالذي يقذف كل يوم كلمات تسيء لإخوانه السلفيين و التي هي أقبح وأشر من (مفلس) .
هذا و الأحاديث كثيرة في هذا الباب ، فكيف يسب المسلم أخاه المسلم و الإسلام ينهى عن هذا الفعل الذميم؟ ، و هذا ناتج عن غفلة المسلمين وجهلهم بدينهم الحنيف فلو كانوا متمسكين به لما فاتتهم هذه الأحاديث ، فلنحذر عباد الله فالأمر ليس هيّنا و الله المستعان.
الابتعاد عن التجسس و التنقيب عن عيوب الناس :
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا﴾ [ الحجرات: 12].
قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله : «ففي هذه الآية الكريمة الأمر باجتناب كثير من الظنِّ، وأنَّ منه إثماً، والنهي عن التجسُّس، والتجسُّسُ هو التنقيب عن عيوب الناس، وهو إنَّما يحصل تَبَعاً لإساءة الظنِّ»([21]).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: « إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا»([22]).
وقد قيل: «ولا تظنَّنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلاَّ خيراً، وأنت تجد لها في الخير مَحملاً»([23]).
وقال بكر بن عبد الله بن عمرو المزني : «إيَّاك من الكلام ما إن أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظنِّ بأخيك»([24]).
و على المسلم الحق ألا يتسرع في الحكم لعل ذاك المخطئ له عذره و لذلك يحذر من إصدار الأحكام جزافا من غير تبين و من غير بحث عن المخارج و لذلك يقول أبو قلابة رحمة الله عليه : «إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك؛ فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعلَّ لأخي عذراً لا أعلمه»([25]).
فتأمل هذه الكلمة التي خرجت من صدر سليم من المسلمين ، فلا تتسرع ، إذا رأيته يفعل شيئا تسارع بالحكم عليه ، ثم تشنع عليه مشرقا و مغربا ، ثم تبث هذه المثلبة في كل الناس ، فهذا من الغلط ، وما أبلغ قول الله عزَّوجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا﴾ [ الحجرات: 12].
فاجتنب كثيرا من الظن لأن بعضه إثم ، فكيف لو كان كله إثما ؟ تترك الكثير خشية الوقوع في القليل ، وهذا سدا للذريعة ، لأن أعراض المسلمين مصونة ، فإذا كان هذا هو حال السلف رحمهم الله كأبي قلابة فما بال أقوام ينتسبون إلى المنهج السلفي وهم حرب على إخوانهم بسبب خطأ أو خطأين صدر منهم ودون النظر أله عذر في نفسه أم ليس له عذر؟ فأنت ما دخلت في قلبه فربما هو يعلم أمرا و أنت تجهله ، ولهذا ينبغي عليك أن تكون سليم الصدر اتجاه إخوانك السلفيين كما قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر: 10]. ما يكون لك غل في صدرك على إخوانك بل تعتذر لهم ما أطقت ذلك ووجدت له سبيلا إلى أن تنغلق و تنسد أمامك الأبواب .
وانظر لهذا الأثر العجيب عن إياس بن معاوية : قال سفيان بن حسين: «ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا، قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟! قال: فلَم أعُد بعدها»([26]).
لم أر ردا أعجبني مثل هذا القول و هذا لا يدل إلا على ذكاء إياس بن معاوية فلاحظ كيف كان جوابه وطبقه على مفتوني هذا الزمان ، يسلم منهم الإخواني و القطبي التكفيري و يسلم منهم التبليغي و الحلبي والحجوري وهلم جرا و لا يسلم منهم السلفي فاللهم سلم سلم .
و قد وصف العلماء من لا يتجسس بالعاقل كما قال ابن حبان: «الواجبُ على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛ فإنَّ من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنَه ولم يُتعب قلبَه، فكلَّما اطَّلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإنَّ من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه وتعذَّر عليه ترك عيوب نفسه»([27]).
و قال : «التجسُّس من شعب النفاق، كما أنَّ حسنَ الظنِّ من شعب الإيمان، والعاقل يحسن الظنَّ بإخوانه، وينفرد بغمومه وأحزانه، كما أنَّ الجاهلَ يُسيء الظنَّ بإخوانه، ولا يُفكِّر في جناياته وأشجانه»([28]).
فليعتبر كل معتبر ، و ليهتم كل واحد بعيوب نفسه كما قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « يُبْصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَى فِي عَيْنِ أَخِيهِ ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ ، أَوْ قَالَ : الْجِذْلَ فِي عَيْنِهِ »([29]).
قال الشاعر :
قَبِيْحٌ مِنَ الإِنْسَانِ أَنْ يَنْسَى عُيْوبَهُ *** وَيَذْكُرُ عَيْباً فِي أَخِيهِ قَد اخْتَفَى.
وَلَوْ كَانَ ذَا عَقْلٍ لَمَا عَابَ غَيْرَهُ *** وَفِيهِ عُيُوبٌ لَوْ رَآهَا بِهَا اكْتَفَى.
فيجب علينا يا إخواني إصلاح ذات بيننا أولا كما جاء عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ، قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، قَالَ : فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ »([30]).
ومن الغريب أنك تجد من يدعي الغيرة على المنهج و الدفاع عنه و يحث على الأخلاق العالية و الرفق بالآخرين و لكنه في حد ذاته محتاج إلى كف لسانه ، أليس هذا سوء خلق؟ إذ كيف تسلط لسانك و تعمم الحكم و الله تعالى أمرنا بأن نكف ألسنتنا ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق: 18] ، ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾[البقرة: 83] و كيف تقول : (أنا مستقيم في إيماني و منهجي سوي!!!) و لسانك يؤذي من حوله وقد صدق رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حين قال: «لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ»([31]).
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي حفظه الله في مقدمة رسالته : (وجوب حفظ اللسان) : « نهاك - أي الله - عن بذاءة الكلام : كالسب ، و القذف ، و اللعن ، و الغيبة و النميمة ، و غيرها من الآثام ، فتكون من المفلسين يوم يبعث الأنام .
و لكن السلامة لا يعدلها شيء ، فقل خيرا تغنم ،و اسكت عن شر تسلم ، و لا تكلم بكلام تعتذر منه غدا»..
فالواجب التريث فقد يكون ما خرج من فيك من الأمور التي توجب لك النار و العياذ بالله.
و قال تعالى : ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [ النور: 15].
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴿8﴾ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ﴿9﴾﴾[البلد:8-9] قال ابن كثير في تفسيره: «وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾ أي يُبصر بهما،﴿وَلِسَاناً﴾.أي.ينطق به فيعبِّر عمَّا في ضميره، ﴿وَشَفَتَيْنِ﴾ يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام، وجمالاً لوجهه وفمه»([32]).
و لهذا قال الشيخ عبد المحسن العباد : «ومن المعلوم أنَّ هذه النعمة إنَّما تكون نعمة حقًّا إذا استُعمل النطق بما هو خير، أمَّا إذا استُعمل بشرٍّ فهو وبالٌ على صاحبه، ويكون مَن فقد هذه النعمة أحسنَ حالاً منه»([33]).
و لهذا يجب حفظ اللسان لما فيه من أذى للناس و لا ننطق إلا في الخير ، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب:70-71] وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات:12].
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:16-17-18].
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾[الأحزاب:58]
وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾[الإسراء:36].
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا: فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالَ»([34]).
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ»([35]) ، و المراد بما بين اللّحْيَيْن والرِّجْلَين اَللِّسانُ والفرْجُ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»([36]).
قال النووي رحمه الله تعالى: « وقد أخذ الإمام الشافعي رضى الله عنه معنى الحديث فقال: إذا أراد أن يتكلَّم فليُفكِّر، فإن ظهر أنَّه لا ضرر عليه تكلَّم، وإن ظهر أنَّ فيه ضرراً وشكَّ فيه أمسك»([37]).
إن المتأمل في هذه الأدلة لا مجال له أن يتكلم في أعراض الآخرين بسوء أبدا، فأحيانا نتكلم لغرض النصح فإذ بنا نقدح في عرض المنصوح فتتحول النصيحة إلى غيبة و من التحذير من فلان إلا نميمة ، لهذا حذرنا الرسول صلى الله عليه و سلم من الغيبة حيث جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ»([38]) .
و لهذا أحذر نفسي و إياكم فقد يكون كلامنا من الغيبة و لكن الشيطان يزينه لنا و يجعله غير ذلك و لقد وجدت في مجموع الفتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلام والله أرعبني لهذا أحببت أن أنقله كاملا ، قال : « فمن الناس يغتاب موافقة لجلسائه و أصحابه و عشائره مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون أو فيه بعض ما يقولون ، لكن يرى أنه لو أنكر عليهم قطع المجلس و استثقله أهل المجلس و نفروا عنه ، فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة و طيب المصاحبة ،و قد يغضبون و يغضب لغضبهم ، فيخوض معهم ، و منهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى ، تارة في قالب ديانة و صلاح فيقول : ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ، و لا أحب الغيبة و لا الكذب ، و إنما أخبركم بأحواله ، و يقول : و الله إنه مسكين أو رجل جيد ، و لكن فيه كيت و كيت ، و ربما يقول دعونا منه ، الله يغفر لنا و له ، و إنما قصده استنقاصه و هضم لجانبه ،و يخرجون الغيبة في قوالب صلاح و ديانة يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقا ، و قد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا و أشباهه ، و منهم من يرفع غيره رياء ، فيرفع نفسه فيقول : لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان ، لما بلغني عنه كيت و كيت ، ليرفع نفسه و يضعه عند من يعتقده ، أو يقول : فلان بليد الذهن قليل الفهم و قصده مدح نفسه و إثبات معرفته و أنه أفضل منه ، و منهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين : الغيبة و الحسد . و إذا أثنى عن شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين و صلاح ، أو في قالب حسد و فجور و قدح ، ليسقط ذلك عنه ، و منهم من يخرج الغيبة في قالب تمسخر و لعب ، ليضحك غيره باستهزائه و محاكاته و استصغار المستهزأ به . و منهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب فيقول : تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت و كيت ، و من فلان كيف وقع منه كيت وكيت ، و كيف فعل كيت و كيت ، فيخرج اسمه في معرض تعجبه . و منهممن يخرج الإغتمام فيقول : مسكين فلان ، غمني ما جرى له و ما تم له ، فيظن من يسمعه أنه يغتم له و يتأسف ، و قلبه منطوي على التشفي به ، و لو قدر لزاد على ما به ، و ربما يذكره عند أعدائه ليشتفوا به ، و هذا غيره من أعظم أمرا ض القلوب و المخادعات لله و لخلقه ، و منهم من يظهر الغيبة في قالب غضب و إنكار منكر ، فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول ، و قصده غير ما أظهر . و الله المستعان »([39]) .
إذا كان هذا كله من الغيبة فما يسعنا إلا كف الألسن و الاهتمام بما هو أصلح و أنفع لنا وهو طلب العلم الشرعي النافع فنسأل الله أن يهدينا و يهدي إخواننا إلى سواء السبيل كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظنا و أن يثبتنا على دينه إنه وحده القادر على ذلك سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت ، أستغفرك و أتوب إليك.
======
([1]) : صحيح البخاري : متاب الإيمان : باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده ، رقم (10).
([2]) : صحيح مسلم ، رقم (40).
([3]) : فتح الباري (1/107).
([4]) : شرح رياض الصالحين ( 2/512).
([5]) : حديث حسن، رواه الترمذي (2317) وغيره.
([6]) : جامع العلوم والحكم (1/288).
([7]) : روضةُ العقلاء. ت : الفقي (ص:43).
([8]) : روضةُ العقلاء. ت : الفقي (ص:45).
([9]) : روضةُ العقلاء. ت : الفقي (ص:47).
([10]) : علقه البخاري ووصله محمد بن نصر المروزي في السنة رقم (108) ، و اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد رقم (36).
([11]) : روي هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه وهو عند أحمد في الزهد ( ص:151) و في الزهد لهناد بن السري (2/537) . وهو منقطع و كونه منقطعا لا يعني عدم صحة معناه.
([12]) : انظر : تبيين كذب المفتري (ص: 422).
([13]) : رواه البخاري في صحيحه (6477) ومسلم في صحيحه (2988)، واللفظُ لمسلم.
([14]) : أخرجه الترمذي (2616) وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
([15]) : جامع العلوم والحكم (2/147).
([16]) : رواه البخاري في صحيحه (7076) ومسلم في صحيحه (64).
([17]) : الفتح (10/466).
([18]) : رواه البخاري (6045).
([19]) : رواه البخاري (6115) ومسلم (2610).
([20]) : الفرق بين النصيحة و التعيير ضمن مجموعة رسائل ابن رجب (ص:413).
([21]) : رفقا أهل السنة بأهل السنة (ص: 24).
([22]) : رواه البخاري (6064)، ومسلم (2563).
([23]) : هذا الأثر روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد ذكره ابن كثير في تفسيره و لم يسق له إسنادا و أشار إلى ضعفه بصيغة التمريض (روينا)، و لكن لا يعني هذا أن معناه لا يصح.
([24]) : تهذيب التهذيب.ط. الرسالة (1/244).
([25]) : الحلية لأبي نعيم (2/285).
([26]) : ذكره ابن كثير في البداية و النهاية.ت: التركي (13/121).
([27]) : روضةُ العقلاء. ت : الفقي (ص:125).
([28]) : روضةُ العقلاء. ت : الفقي (ص:126).
([29]) : رواه ابن حبان في صحيحه رقم ( 1848) ، و أبو نعيم في الحلية (4/99) و الحديث صححه الألباني في الصحيحة رقم ( 33). و القذى : هو ما يقع في العين و الماء و الشراب من تراب أو تبن أو وسخ.
([30]) : رواه أبو داود رقم (4919) ، و الترمذي رقم (2509) و قال : حسن صحيح ، ثم قال : و يروى أنه قال : ( هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، و لكن تحلق الدين).
([31]) : أخرجه أحمد في مسنده: (3/ 198)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. والحديث حسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة: (6/ 822).
([32]) : انظر تفسير ابن كثير.
([33]) : رفقا أهل السنة بأهل السنة (ص: 12).
([34]) : أخرجه بهذا اللفظ مسلم في الصحيح برقم (1715)، وجاءت هذه الثلاثة المكروهة في حديث المغيرة عند البخاري (2408)، و مسلم (1715).
([35]) : رواه البخاري في صحيحه (6474).
([36]) : رواه البخاري في صحيحه (6475) ومسلم في صحيحه (47).
([37]) : شرح النووي على صحيح مسلم (2/19).
([38]) : صحيح مسلم (2589).
([39]) : مجموع الفتوى ( 28/236-238).