السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بارك الله فيك وبارك لك في دينك ، عرضك ، مالك ودنياك
رضي الله عنك وارضاك ونفعك ونفع بك ، في ميزان حسناتك ان شاء الله يارب
ارجو ان تقبل الاضافة اخي الكريم :
الباحث م. علي منصور الكيلاني
تفسـير القرآن الكريم : ( هـاروت و مـاروت ) البقرة 102
وردَ في التوراة البابليّة ، أنّ ملَكَيْن كريميْن يُدعيان [ هاروت و ماروت ] ، قد قالا للّه : أرأيْت أنّ الناس قدْ فسقوا في الأرض و أنْ كلام الملائكة ( أتَجْعلُ فيها مَنْ يُفْسـدُ فيها و يسْـفك الدماء ) البقرة 30 ، كان هذا الكلام هو الصحيح ، فوضع اللّه الشَهوات فيهمـا و أنزلهمـا إلى الأرْض في مدينة [ بـابل ] في العراق [ 90 كم جنوب غرب بغـداد ] ، فوجدا إمرأةً جميلةُ فأرادا الزنا بها فقالت لهما أنّ الطفل الذي معها سيفضح الأمْر فقتـلا الطفل فقالت لهما عليكما شـرب الخمر زيادةً في النشوة فشـربا الخمر و زنيـا في المرأة ، فحوّلهما الله نجمتين في السـماء ، و مع كلّ الأسف دخلت هذه [ الإسرائيليات ] إلى الثقافة الإسلاميّة من أوسع الأبواب .
و الحقيقة القرآنيّة هيَ : بما أنّ الآية رقم / 102 / من سورة البقرة تبـدأ بحرف [ و ] الإستئنافيّة ، فيجب النظر أوّلاً في الآية التي قبلها لفهم المعنى على حقيقته :
إنّ الآية رقم / 101 / من سورة البقرة ( فلمّا جاءهم رسولٌ منْ عنْد اللّه مصـدّقٌ لمـا معهـم نبــذَ فريقٌ مِنَ الذين أوتوا الكتاب كتـاب اللّه وراء ظـهورهم ) البقرة 101 ، ثُمّ جاءت الآية 102 لتتابع ( و اتّـبعـوا مـا تتلوا الشياطين على مُلْكِ سُـليمان و مـا كـفر سـليمانُ و لـكِـنّ الشـياطين كـفروا يُعلّمون الناس السـحْرَ و مـا اُنزل على المَـلَـكَـين بـبابل هـاروت و مـاروت ) البقرة 102
إذاً تتحدّثُ الآيات عن يهود المدينة ، الذين جاءهم القرآن الكريم لكنْ ( نبـذ ) هؤلاء اليهود ( كتاب اللـه ) أيْ القرآن الكريم ( وراء ظهورهم )
و اتّبعوا [ التوراة البابليّة ] فتقول الآية : ( و اتّبعوا مـا تتلوا الشـياطين على مُلْك سـليمان ) و الشياطين هنـا هُـمْ [ شياطين الإنس ] اللذان كتـبا التوراة البابليّة ، قال تعالى ( شياطين الإنْس و الجنّ ) الأنعام 112 .
أصبح معنى الآيات أنّ يهود المدينة [ نبـذوا ] القرآن الكريم و [ اتّـبعوا ] التوراة البابليّة التي كتبها [ شياطين الإنْس ] على ملْك سـليمان عليه السلام ، و جاءت الآية / 102 / لتنفي الموضوعين معـاً ب [مـا ] النافية حيث تقول الآية ( مـا كـفر سـليمان ... و مـا اُنزل على الملَكـين بـبابل هاروت و مـاروت ) البقرة 102 ،أي لمْ يكـفرْ سـليمان كمـا ورد في التوراة البابليّة ، و لـمْ تحْصل قصـة الملَكيْن ( هاروت و مـاروت ) ، فالملائكة الكرام لا يحتجّون على اللّه بل ( يُسـبّحون اللّيل و النهار ) الأنبياء 20
و الكاتبان اللّذان كتـبا [ التوراة البابليّة ] هـمـا [ عـزْرا و نحـمْيا ] و قالا أنّ سـليمان عليه السلام قدْ مات كـافراً ، ففي هذه التوراة في [ سـفْر الملوك الأول 11 / 1 _ 5 ، 33 ] نجـد : [ و أحبّ سـليمان نسـاءً كثيرة غريبة فأمالتْ نسـاءه قلبه وراء آلـهةٍ أخرى و لـم يكن قلبه كاملاً مع الربّ فذهب سـليمان وراء عشْـتاروت _ آلـهة الجنس و اللّذة _ فغضب الربّ على سـليمان ] ، فقال تعالى صراحةً ( و مـا كـفر سـليمان و لكنّ الشـياطين كـفروا ) البقرة 102 أيْ شياطين الإنس هم الكافرين ، و قال تعالى عن سـليمان عليه السلام ( نـعْم العـبد إنّـه أوّاب ) ص 30
و تعترف التوراة أنّ كاتبهـا هو [ عزْرا ] و لـه [ سـفْر عزرا الذي ورد في الإصحاح 7 _ 6 ] منه : [ عـزْرا صـعد منْ بابـل و هـو كاتبٌ ماهر في شـريعة موسى ] .
نرجـو أنْ تكون الحقيقة قـد وضـحت ، و اللّه من وراء القصْد
سماحة الشيخ محمد صنقور
السؤال:
ما هي حقيقة ما يُذكر حول هاروت وماروت المذكورين في القرآن الكريم, وهل يصح ما ينسبونه إليهما من السجود للصنم وقتل النفس المحرمة وشرب الخمر وإرادة الزنا وتعليم السحر؟!
الجواب:
المستظهر من القرآن الكريم والعديد من الروايات الورادة عن الرسول (ص) وأهل بيته أنَّهما ملكان من الملائكة قال تعالى:
﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾(
1)، فالقرآن وصفهما في هذه الآية بالملكين، وأما ما ادعاه البعض من أنَّ القراءة الصحيحة هي بكسر اللام لا بفتحها فيكون هاروت وماروت من الملوك وليسا من الملائكة فإن هذه الدعوى مضافاً إلى استنادها إلى قراءةٍ شاذة جداً ومنافية لما عليه جمهور القراء والمفسرين فإنها منافية أيضاً لما أفادته الروايات – سواءً المعتبرة منها أو الضعيفة - من أن هاروت وماروت كانا من الملائكة.
وأما أنهما كانا يعلمان الناس السحر فيمكن استظهاره من قوله تعالى:
﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا.. ﴾(
2)
فإن المستظهر من الآية أن هاروت وماروت كانا قد علًما بعض الناس السحر إلا تعلمهما لهؤلاء الناس كان بعد التحذير من الإفتتان والكفر وهذا معناه التحذير من العمل بالسحر.
وأما منشأ تصديهما لتعليم هؤلاء الناس السحر فهو -كما أفادت بعض الروايات الورادة عن أهل البيت - أنه في زمنٍ من الأزمنة الغابرة كثر بين الناس السحرة والمموهون وكانوا يستغلون جهل الناس بحقيقة السحر، وكان من كيدهم أنهم يدعون القدرة على ما يأتي به الأنبياء من معجزات فيصرفون –بما يُظهرونه من غرائب- الناسَ عن النبي المبعوث لهم، وكانت لهم مع الناس أفعال تضر بحالهم وعلائقهم فأنزل الله الملكين هاروت وماروت على نبي ذلك الزمان ليعِرفانه سرِّ ما يظهره السحرة من غرائب، ويعرفانه الكيفية التي بها يبطل أثر سحرهم وتمويهاتهم، فكلَّف النبي الملكين هاروت وماروت بأن يتصدى كلٌّ منهما لتعريف الناس بذلك فظهرا للناس بإذن الله تعالى في صورة بشرين وعرفاهم سرَّ ما يظهره السحرة من غرائب وكيفية الوقاية من أثر سحرهم والوسيلة لإبطال سحرهم. فكان ذلك مقتضياً لتعليم هؤلاء الناس أصول السحر، إذ لا سبيل للوقاية منه وإبطاله إلا بالوقوف على أصوله إلا أنهما كانا يُحذِّران كلَّ من يتعلم منهما السحر من الإفتتان، إذ أن المعرفة بالسحر قد تُغري العارف به وتدفعه إلى أن يُسخره فيما يضرُّ بعباد الله، وهو على حدِّ الكفر كما هو مفاد قوله تعالى على لسان الملكين:
﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ﴾ فكان المتعلمون يدركون عاقبة الزيغ والانحراف عن الهدف من تعليم الملكين لهم، قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾(
3).
فتعليم السحر من قبل هاروت وماروت لهؤلاء الناس لم يكن مستقبحاً بعد أن كانت هذه هي غايته التي قدر الله تعالى أن يكون ذلك هو علاجها وبعد أن كانا يحذِّران من يتعلم منهما مغبة الإنحراف والزيع.
فكما أن تعليم الناس العناصر التي يتكون منها السم وتعليمهم كيفية تحضيره من أجل الوقاية منه ولغرض الوقوف علي وسيلة الإبطال لمفعوله وأثره، فكما أن تعليم ذلك للعقلاء وتحذيرهم في ذات الوقت ليس قبيحاً فكذلك هو تعليم الملكين للسحر في الظرف المذكور لم يكن قبيحاً.
هذا هو حاصل الرواية المأثورة عن الإمام الرضا عن أبيه عن الإمام الصادق وقد ورد في نصها أنه: "وكان بعد نوح قد كثر السحرة والمموهون فبعث الله عز وجل ملكين إلى نبي ذلك الزمان بذكر ما تسحر به السحرة وذكر ما يبطل به سحرهم ويرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله عز وجل فأمرهم ان يقفوا به على السحر وان يبطلوه ونهاهم ان يسحروا به الناس وهذا كما يدل على السم ما هو وعلى يدفع به غائلة السم ثم قال عز وجل
﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ﴾ يعنى ان ذلك النبي أمر الملكين ان يظهرا للناس بصوره بشرين ويعلماهم ما علمهما الله من ذلك فقال الله عز وجل:
﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ ذلك السحر وابطاله
﴿حَتَّى يَقُولاَ﴾ للمتعلم:
﴿إنما نحن فتنه﴾ وامتحان للعباد ليطيعوا الله عز وجل فيما يتعلمون من هذا ويبطلوا به كيد السحرة ولا يسحروهم
﴿فلا تكفر﴾ باستعمال هذا السحر وطلب الاضرار به ودعا الناس إلى أن يعتقدوا انك به تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر عليه الا الله عز وجل فإنَّ ذلك كفر.."(
4)
والمتحصل مما ورد في الرواية الشريفة أن تعليم الملكين هاروت وماروت السحر كان لغرض إيقاف الناس على حقيفة ما يفعله السحرة من إيهام وتمويه حتى يتقوا أثره، وحتى لا يغتروا بدعواهم القدرة على ما لا يقدر عليه إلا الله عزوجل كإحياء الموتى الذي قد يصدر عن بعض الأنبياء ولكن بإذن الله تعالى وإقداره.
فتلك هي الغاية من تعليم الملكين الناس للسحر إلا أن المفتونين ممن تعلموا السحر من الملكين سَخروه لغير الغاية التي من أجلها بعث الملكان، ويبدوا أن أصول ما تعلمه هؤلاء المفتونون قد تم تدوينه فاستغلَّه آخرون من أهل الضلال جاؤا بعدهم.
و الله اعلم
تحياتي احترامي وتقديري لشخصكم الكريم
في امان الله وحفظه
سلام الله عليكم