السعودية تعلن “الحرب النفطية” لتركيع ايران وروسيا وهزيمتهما في سورية واوكرانيا.. فهل ستنجح هذه المرة مثل سابقاتها؟ وهل سيكون نجاحا دون خسائر؟
عبد الباري عطوان
تقدم المملكة العربية السعودية على”مغامرة” تتسم بالكثير من الخطورة في اصرارها على عدم خفض الانتاج النفطي لامتصاص الفائض في الاسواق الذي يقدر رسميا بحوالي مليون برميل وزيادة الاسعار، لان تكاليف هذا القرار السياسي قد تكون باهظة في المدى المنظور.
وزير النفط السعودي السيد علي النعيمي الذي حمل استراتيجية بلاده هذه الى اجتماع منظمة “اوبك” نصف السنوي في فيينا نجح، بالتهديد والوعيد، في فرض وجهة نظر بلاده على نظرائه، في ابقاء معدل الانتاج للمنظمة (30 مليون برميل يوميا) على حاله دون اي تخفيض، وتكريس دورها كلاعب اساسي مهيمن في قطاع النفط ومنظمته، ولكنه نجاح قد يكون مؤلما لما يمكن ان تترتب عليه من نتاج سياسية بالنظر الى الدول المتضررة من هذا النجاح وعلى رأسها روسيا وايران وفنزويلا والجزائر والعراق.
السعودية، وبكل بساطة، قررت استخدام سلاح النفط، ولكن ضد روسيا وايران بالدرجة الاولى، وبتنسيق كامل مع الولايات لمتحدة الامريكية بهدف تركيع هاتين الدولتين بسبب تدخل الاولى عسكريا في اوكرانيا، ودعم الثانية للنظام السوري وتمسكها بحقها المشروع في تخصيب اليورانيوم ورفضها تقديم تنازلات في مفاوضات فيينا الاسبوع الماضي حول طموحاتها ومنشآتها النووية.
فعندما تنخفض اسعار برميل النفط الى اقل من سبعين دولارا بعد ان كانت 120 دولارا قبل بضعة اشهر، اي بمعدل يقترب من الاربعين في المئة، فإن دولا مثل ايران وروسيا تشكل صادرات النفط اكثر من خمسين في المئة من دخلها، ستجد نفسها امام ظروف اقتصادية صعبة للغاية في الاشهر المقبلة.
***
الحكومة السعودية تبرر اتخاذها لهذا القرار للتصدي للبديل الآخر لنفط دول الاوبك، اي النفط الصخري الذي اصبح استخراجه مجديا؟ رغم تكاليفه العالية، بسبب ارتفاع اسعار النفط، حتى ان الولايات المتحدة الامريكية زادت انتاجها منه في الاشهر والسنوات الاخيرة من 5.7 مليون برميل الى 8.4 مليون برميل يوميا.
المبررات السعودية تبدو مقبولة نظريا، ولكنها ليست كذلك عمليا، وقد استخدمت الحجة نفسها في الماضي فيما يتعلق بنفط الشمال الاوروبي، فقد بلغت تكاليف انتاجه اكثر من عشرة دولارات للبرميل مقابل 2.5 دولار للنفط الشرق اوسطي، ومع ذلك لم يتوقف انتاج نفط بحر الشمال مطلقا عندما انخفضت اسعار النفط الى اقل من سبعة دولارات في منتصف الثمانينات.
ولنفترض ان الاستراتيجية السعودية ستقضي على فرص التوسع في النفط الحجري، وتعيد الدول المستهلكة وعلى رأسها امريكا الى الاعتماد على النفط التقليدي، فهل تستطيع المملكة العربية السعودية تحدي امريكا، المتضرر الاكبر من سياساتها وخطواتها هذه، وتدمر استثماراتها في عمليات استخراج النفط الصخري التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات؟
انه قرار سياسي بالدرجة الاولى لتضييق الخناق على ايران وروسيا، وتدمير اقتصادياتها، تماما مثلما اقدمت القيادة السعودية على الخطوة نفسها في منتصف الثمانينات للتعجيل بإنهيار الاتحاد السوفييتي، وعام 1988 لخنق الرئيس العراقي صدام حسين ونظامه حيث وصلت اسعار النفط الى ما يعادل ستة دولارات، مما دفعه الى اطلاق مقولته الشهيرة “قطع الارزاق من قطع الاعناق”، مما مهد الطريق لسقوطه في المصيدة الكويتية التي اعدت له بعناية فائقة وبقية القصة معروفة.
المملكة العربية السعودية التي تملك صندوقا سياديا يضم اكثر من 675.9 مليار دولار ربما لا تتضرر على المدى القصير من انخفاض اسعار النفط، وكذلك هو حال حليفاتها الخليجيات مثل الكويت التي يقدر قيمة صندوقها بحوالي بـ410 مليارات دولار، والامارات773 مليار دولار، وقطر حوالي 170 مليار دولار، هذا غير الاستثمارات العقارية وغيرها، ولكن نحن نتحدث عن الخسائر السياسية التي يمكن ان تكون باهظة جدا داخليا وخارجيا واقليميا.
فعندما يوجه امير من الاسرة الحاكمة في وزن الامير الوليد بن طلال رسالة مفتوحة الى وزير النفط السعودي السيد علي النعيمي ووزراء آخرين يعترض فيها ويستنكر تصريحات هدفت الى “التهوين من الآثار السلبية الكبيرة التي ستلحق بميزانية المملكة واقتصادها جراء التراجع الكبير في اسعار النفط، وذلك على حسابه الشخصي على “التويتر”، فإن هذا الاستنكار يستحق التوقف عنده، لانه يمثل شريحة مهمة في البلاد داخل السلطة وخارجها.
في المرة الاولى، اي في منتصف الثمانينات عندما ضخت المملكة ملايين البراميل لاغراق الاسواق للتعجيل بسقوط الاتحاد السوفييتي بالتنسيق مع امريكا، كانت هذه الامبراطورية السوفييتية في حال ضعف وانهيار ويتزعمها شخص مهزوم نفسيا وسياسيا ومخترق غربيا اسمه ميخائيل غور****وف، وخلفه رئيس آخر “مخمور” اسمه بوريس يلتسين، اما الآن فروسيا في حال من الصعود، وتستعيد مكانتها الدولية كقوة عظمى، ويحكمها رئيس قوي منتخب اسمه فلاديمير بوتين، ولعل رفض الاخير استقبال الامير سعود الفيصل اثناء زيارته الاخيرة لموسكو قبل عشرة ايام رسالة على درجة كبيرة من الخطورة باعتبارها احد الادلة على توتر العلاقات السعودية الروسية.
***
نعم.. تخفيض السعودية لاسعار النفط الذي ادى الى استفزاز الرئيس الراحل صدام حسين ودفعه الى احتلال الكويت، ادى الى الاطاحة به وتدمير بلاده في نهاية المطاف، مثلما ارادت الولايات المتحدة الامريكية، ولكن الاطمئنان السعودي الخليجي ظل مؤقتا وجاءت النتائج عكسية تماما، فقد برزت قيادة عراقية معادية للمملكة، وموالية لايران، وانقسام طائفي خطير بدأت اثاره واخطاره تهدد العمق السعودي واستقرار المملكة ووحدتها الداخلية، والديمغرافية والجغرافية.
لا نعرف كيف سيكون رد فعل كل من ايران وروسيا على هذه الخطوة السعودية، فالوقت ما زال مبكرا لرصده، ولكنه لن يكون وديا، كما انه ليس شرطا ان تأتي النتائج هذه المرة لصالح السعودية، مثلما كان عليه الحال في مرات سابقة.
وربما يجادل اهل السلطة وانصارهم في الرياض بأن قيادتهم ليس امامها اي خيار غير اتخاذ هذه السياسية لحماية مصالحها، والتصدي للاخطبوط الايراني الذي يمد اذرعته العسكرية والايديولوجية الى سورية ولبنان واليمن (التيار الحوثي) ويتمترس في العراق، وهذا جدل ينطوي على بعض الصحة، ولكن المملكة العربية السعودية ليست محصنة لردود الفعل الداخلية والخارجية، والانتقامين الروسي والايراني المحتملين.
كنا، مثل الكثيرين غيرنا، نتمنى ان يستخدم سلاح النفط ضد امريكا وليس الى جانبها، وبما يؤدي الى استعادة حقوقنا في فلسطين والقدس المحتلة، وهو السلاح الذي طالما صرخنا حتى بح صوتنا من اجل هذا الهدف، لكن يبدو ان لا احد يستمع الى صراخنا، ولكننا مع ذلك سنستمر لانه ليس لدينا اي خيار آخر غيره حتى لو انفجرت حنجرتنا.
عبد الباري عطوان
تقدم المملكة العربية السعودية على”مغامرة” تتسم بالكثير من الخطورة في اصرارها على عدم خفض الانتاج النفطي لامتصاص الفائض في الاسواق الذي يقدر رسميا بحوالي مليون برميل وزيادة الاسعار، لان تكاليف هذا القرار السياسي قد تكون باهظة في المدى المنظور.
وزير النفط السعودي السيد علي النعيمي الذي حمل استراتيجية بلاده هذه الى اجتماع منظمة “اوبك” نصف السنوي في فيينا نجح، بالتهديد والوعيد، في فرض وجهة نظر بلاده على نظرائه، في ابقاء معدل الانتاج للمنظمة (30 مليون برميل يوميا) على حاله دون اي تخفيض، وتكريس دورها كلاعب اساسي مهيمن في قطاع النفط ومنظمته، ولكنه نجاح قد يكون مؤلما لما يمكن ان تترتب عليه من نتاج سياسية بالنظر الى الدول المتضررة من هذا النجاح وعلى رأسها روسيا وايران وفنزويلا والجزائر والعراق.
السعودية، وبكل بساطة، قررت استخدام سلاح النفط، ولكن ضد روسيا وايران بالدرجة الاولى، وبتنسيق كامل مع الولايات لمتحدة الامريكية بهدف تركيع هاتين الدولتين بسبب تدخل الاولى عسكريا في اوكرانيا، ودعم الثانية للنظام السوري وتمسكها بحقها المشروع في تخصيب اليورانيوم ورفضها تقديم تنازلات في مفاوضات فيينا الاسبوع الماضي حول طموحاتها ومنشآتها النووية.
فعندما تنخفض اسعار برميل النفط الى اقل من سبعين دولارا بعد ان كانت 120 دولارا قبل بضعة اشهر، اي بمعدل يقترب من الاربعين في المئة، فإن دولا مثل ايران وروسيا تشكل صادرات النفط اكثر من خمسين في المئة من دخلها، ستجد نفسها امام ظروف اقتصادية صعبة للغاية في الاشهر المقبلة.
***
الحكومة السعودية تبرر اتخاذها لهذا القرار للتصدي للبديل الآخر لنفط دول الاوبك، اي النفط الصخري الذي اصبح استخراجه مجديا؟ رغم تكاليفه العالية، بسبب ارتفاع اسعار النفط، حتى ان الولايات المتحدة الامريكية زادت انتاجها منه في الاشهر والسنوات الاخيرة من 5.7 مليون برميل الى 8.4 مليون برميل يوميا.
المبررات السعودية تبدو مقبولة نظريا، ولكنها ليست كذلك عمليا، وقد استخدمت الحجة نفسها في الماضي فيما يتعلق بنفط الشمال الاوروبي، فقد بلغت تكاليف انتاجه اكثر من عشرة دولارات للبرميل مقابل 2.5 دولار للنفط الشرق اوسطي، ومع ذلك لم يتوقف انتاج نفط بحر الشمال مطلقا عندما انخفضت اسعار النفط الى اقل من سبعة دولارات في منتصف الثمانينات.
ولنفترض ان الاستراتيجية السعودية ستقضي على فرص التوسع في النفط الحجري، وتعيد الدول المستهلكة وعلى رأسها امريكا الى الاعتماد على النفط التقليدي، فهل تستطيع المملكة العربية السعودية تحدي امريكا، المتضرر الاكبر من سياساتها وخطواتها هذه، وتدمر استثماراتها في عمليات استخراج النفط الصخري التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات؟
انه قرار سياسي بالدرجة الاولى لتضييق الخناق على ايران وروسيا، وتدمير اقتصادياتها، تماما مثلما اقدمت القيادة السعودية على الخطوة نفسها في منتصف الثمانينات للتعجيل بإنهيار الاتحاد السوفييتي، وعام 1988 لخنق الرئيس العراقي صدام حسين ونظامه حيث وصلت اسعار النفط الى ما يعادل ستة دولارات، مما دفعه الى اطلاق مقولته الشهيرة “قطع الارزاق من قطع الاعناق”، مما مهد الطريق لسقوطه في المصيدة الكويتية التي اعدت له بعناية فائقة وبقية القصة معروفة.
المملكة العربية السعودية التي تملك صندوقا سياديا يضم اكثر من 675.9 مليار دولار ربما لا تتضرر على المدى القصير من انخفاض اسعار النفط، وكذلك هو حال حليفاتها الخليجيات مثل الكويت التي يقدر قيمة صندوقها بحوالي بـ410 مليارات دولار، والامارات773 مليار دولار، وقطر حوالي 170 مليار دولار، هذا غير الاستثمارات العقارية وغيرها، ولكن نحن نتحدث عن الخسائر السياسية التي يمكن ان تكون باهظة جدا داخليا وخارجيا واقليميا.
فعندما يوجه امير من الاسرة الحاكمة في وزن الامير الوليد بن طلال رسالة مفتوحة الى وزير النفط السعودي السيد علي النعيمي ووزراء آخرين يعترض فيها ويستنكر تصريحات هدفت الى “التهوين من الآثار السلبية الكبيرة التي ستلحق بميزانية المملكة واقتصادها جراء التراجع الكبير في اسعار النفط، وذلك على حسابه الشخصي على “التويتر”، فإن هذا الاستنكار يستحق التوقف عنده، لانه يمثل شريحة مهمة في البلاد داخل السلطة وخارجها.
في المرة الاولى، اي في منتصف الثمانينات عندما ضخت المملكة ملايين البراميل لاغراق الاسواق للتعجيل بسقوط الاتحاد السوفييتي بالتنسيق مع امريكا، كانت هذه الامبراطورية السوفييتية في حال ضعف وانهيار ويتزعمها شخص مهزوم نفسيا وسياسيا ومخترق غربيا اسمه ميخائيل غور****وف، وخلفه رئيس آخر “مخمور” اسمه بوريس يلتسين، اما الآن فروسيا في حال من الصعود، وتستعيد مكانتها الدولية كقوة عظمى، ويحكمها رئيس قوي منتخب اسمه فلاديمير بوتين، ولعل رفض الاخير استقبال الامير سعود الفيصل اثناء زيارته الاخيرة لموسكو قبل عشرة ايام رسالة على درجة كبيرة من الخطورة باعتبارها احد الادلة على توتر العلاقات السعودية الروسية.
***
نعم.. تخفيض السعودية لاسعار النفط الذي ادى الى استفزاز الرئيس الراحل صدام حسين ودفعه الى احتلال الكويت، ادى الى الاطاحة به وتدمير بلاده في نهاية المطاف، مثلما ارادت الولايات المتحدة الامريكية، ولكن الاطمئنان السعودي الخليجي ظل مؤقتا وجاءت النتائج عكسية تماما، فقد برزت قيادة عراقية معادية للمملكة، وموالية لايران، وانقسام طائفي خطير بدأت اثاره واخطاره تهدد العمق السعودي واستقرار المملكة ووحدتها الداخلية، والديمغرافية والجغرافية.
لا نعرف كيف سيكون رد فعل كل من ايران وروسيا على هذه الخطوة السعودية، فالوقت ما زال مبكرا لرصده، ولكنه لن يكون وديا، كما انه ليس شرطا ان تأتي النتائج هذه المرة لصالح السعودية، مثلما كان عليه الحال في مرات سابقة.
وربما يجادل اهل السلطة وانصارهم في الرياض بأن قيادتهم ليس امامها اي خيار غير اتخاذ هذه السياسية لحماية مصالحها، والتصدي للاخطبوط الايراني الذي يمد اذرعته العسكرية والايديولوجية الى سورية ولبنان واليمن (التيار الحوثي) ويتمترس في العراق، وهذا جدل ينطوي على بعض الصحة، ولكن المملكة العربية السعودية ليست محصنة لردود الفعل الداخلية والخارجية، والانتقامين الروسي والايراني المحتملين.
كنا، مثل الكثيرين غيرنا، نتمنى ان يستخدم سلاح النفط ضد امريكا وليس الى جانبها، وبما يؤدي الى استعادة حقوقنا في فلسطين والقدس المحتلة، وهو السلاح الذي طالما صرخنا حتى بح صوتنا من اجل هذا الهدف، لكن يبدو ان لا احد يستمع الى صراخنا، ولكننا مع ذلك سنستمر لانه ليس لدينا اي خيار آخر غيره حتى لو انفجرت حنجرتنا.