___________________ الجزء العاشر ___________
.
وصلت أخيرا مطأطأ الرأس ..طأطأت رأسي و أنا أقترب من ذلك المنعطف الذي على يمينه يوجد بيتك المهترئ الفقير يا انسة ..
.
وضعت يدايا على قلبي و تشجعت لأقف أمام باب منزلك ..مناديا ..ها أنا أوفيت بوعدي ..فاخرجي و أريني شهادة الطب و قبعتي يا انسة .اخرجي
لكن ..._________ يا ربي ما هذا ..
.
لم أجد منزلا مهترئا مثلما تركته قبل ثماني سنوات ..و لم أجد أزقة ضيقة موحشة فقيرة ترهب زائريها ..لم أجد ما كنت أرسمه في مخيلتي ..
.
خفق قلبي بقوة مغشيا عليا من هول ما رأيت ..فقد رأيت قصرا ذهبي اللون شامخا و شامخا و شماخا وسط تلك المنازل الهشة التي لم تتغير بمرور تلك الثماني سنوات ..
.
أغمي عليا ..و بدأت أشعر بالبرد يتسلل الى أعماق قلبي ..شعرت بالخوف
.
غطيت نفسي بمعطفي و نمت بجانب ذلك القصر ..لعله سيأتي من يوقظني من نومي هذا و يخبرني حقيقة ماذا حدث ..و كم أتمنى أن تأتي صبيتي الطبيبة تتحسس قلبي بيديها البيضاء فتعيدني الى الحياة ..
.
نمت واقفا أما باب القصر الذهبي..نمت و البرد العاصف الغاضب سيخرج روحي لا محالة ..بدونك يا صبية ..أستسلم لمظاهر الطبيعة ..
.
نمت ..و قد تذكرت عندما جئت أول مرة الى هاته الأرض التي كانت تحمل منزلا هشا تكاد العاصفة تهدمه و تقتلك يا انسة ..لا يمكن أن أنسى كيف خرجت أنا و قبعتي الايطالية من غرفتي مسرعا اليك لانقاذك من أيادي العاصفة الهائجة .
.
نمت و قد رأيت في منامي صورتك و أنت مستلقية على أرض منزلك ترتعشين من هول العاصفة و ثيابك الرثة الممزقة تكاد لا تستر جسمك الأبيض النحيف ..
.
نمت و قد تذكرت كيف وضعت قبعتي على رأسك فاكتمل جمالك و ابتسمت تلك الابتسامة التي أوقفت العاصفة و أسكتتها لوهلة حتى تنتهين من ابتسامتك ..
.
انني أرى و أنا واقف ..نائم ..أمام هذا القصر الغريب و أنت تبكين و تقبلين رأسي اعترافا بجميلي تجاهك ..انني أرى نحيبك الهادئ الصامت و جثة أخوك الشهيد تخرج من المنزل ..
أنني أتكر كيف عرضت نفسي لقسوة الشتاء مقابل أن أمنحك الدفئ و الحنان ..كما ان صورتك الجميلة بملابس جديدة و أنا حائر كيف أدفع ثمنها ..
.
انني أتذكر اخر مساء جمعنا و أرى في منامي هذا كيف سقطت على ركبتيك تبكين بصوتك البريء عازفة بنواحك نغمة ألم شجية رافقتني و عذبتني طوال سنوات غربتي ..
.
و أنا أمرر الصور الصور تلو الأخرى ..حتى صرخت صبية من ذلك القصر ..خذني يا الهي كما أخذت أمي ..
.
دخلت و كل قواي قد خارت ..فوجدت صبية عمرها 6 سنوات ترتدي قبعتي الايطالية الأنيقة و هي تبكي جالسة بمحاذات المدفأة ..
.
واضعة يديها على خديها ..وما أشبه هاته الصبية بصبيتي الضائعة ..
.
يا صغيرتي ..لست بمجرم أو انسان ..انما أنا فاعل خير ان شاء الله قد سمع نواحك فدخل ليرى ان كان يمكن المساعدة ..و اني أستفسرك عن هاته القبعة الجميلة التي ترتدينها
.
فتكلمت بعد أن ارتمت في أحضاني ..لقد تأخرت يا أبي ..وأنني أتمسك بالحياة فقط لأمنحك قبعتك و رسالة من أمي المدعوة الوردة البيضاء ..
.
خذ الرسالة ..و خذ القبعة ..و دعني أقبل رأسك عوضا عن أمي لأنفذ وصيتها ..فسامحها يا سيدي..أرجوك
.
تناولت الرسالة ..فكانت مكتوبة بالدماء ..
.
______________اني و أنا على شفا الموت أكتب لك بدمي رسالة الوداع يا سيدي ..و أنا أعجز أن أثير استعطافك هاته المرة ..
.
يا سيدي ..لقد زينوا لي حب المال و اللهو و القصور المشيدة فتجردت من وعودي و مشيت في درب الغاوون ..يا سيدي ..لقد تخليت عن دراستي لأعيش في هذا القصر ..
.
تخليت عن كل شيء و حتى شرفي ..لأكون أميرة حمقاء ساذجة ترتدي الذهب و الفضة على مرأى الجميع من أميرات عصرها وزمانها ..
.
يا سيدي ..و ان كنت حقا قد فعلت هذا ..فصدقني أنني لم أنعم أبدا بحياة كتلك الحياة الفقيرة الجميلة الرائعة التي كانت بجانبك ..
.
يا سيدي ..تشجع أمام الله و تعال خذ بحقك مني ..فانني عاهرة لم تحسن أن تكون عند حسن ظن رجل نبيل مثلا كاد يهبني عيناه لأبكي بهما عندما جفت دموعي ..يا سيدي ..لقد أغواني رجل كان يدعي أنه نصفك الاخر ..قال لي سأعوضك صديقي حتى يعود من الغربة ..
.
فصدقته و ارتميت في أحضانه متخيلة أنني بين أحضانك ..انه صديق لك منحك ذات يوم تلك السيارة و اشترى لك ملابس في ذات ليلة
.
قدم نفسه بالمال فإواني و نال من شرفي ..فتزوجته مرغمة ..و راغبة في ثرائه الفاحش ..و ماهي الا سنة حتى أفلس هذا الخبيث السفاح ..فلجأ لبيع كل حليي و ذهبي و فضتي الى أن انتهى به المطاف لأن يريد بيع بعض أعضاء جسمي..انه متوحش ..
.
أفلس السفاح ..فلم يرحمني ..فقتلني بطعنة خنجر أمام مرأى ابنتي البريئة ..و قتل نفسه ..فمات مجنونا مهولا من فضاعة ما حدث
.
و بقيت ابنتي ..كنت سأقتلها لأجنبها العار ..لكنني تركتها لتنتظرك و تسلمك قبعتك ..فانني أريدك أن تكون أنيقا بالقبعة الايطالية لتسعد مع أنيقة أخرى سعيدة الحظ ..
.
يا سيدي ..لك الحق في أن تفعل بابنتي ما تشاء ..لكن قبلها بحنان أرجوك ..فهي كانت تحب أبا خياليا كانت تهذي و تقول أنه في الغربة سيعود ..وصفوها الأطباء بالجنون ..و لا أحد عرف ماكانت تنتظره الا أنا ..ابنتي تعتبرك أبيها
.
قبلها و دعني أذهب الى الجحيم ..و أنني أستحي من أن أقول لك أحبك ..والله أستحي ..وداعا سيدي ..قبعتك لا تليق بي..
.
يا سيدي..لقد غيرني الزمان ..و لم أعد تلك البيضاء صاحبة القبعة التي تهز كيانك ..لم أعد كذلك يا سيدي..غيابك المني فأصبحت ضعيفة ..فأغوتني الحياة المريرة ..
..
__________انتهت الرسالة ..
.
سقطت الرسالة من يدي ..ومعها سقط كل شيء ..و ضاع كل شيء ..
.
يا صغيرة لا تبكي .أنا هنا سأحميك ...ما اسمك ..و هي تبكي قالت لي .لقد أسمتني أمي باسم لينا ..أسمي لينا يا سيدي العظيم ..لينا ..تعالي و قبلي أبيك ..قبليه و احتضنيه يا لينا ..احتظينيني و أرسلي أنفاسك في وجهي لعلها تكون مثل أنفاس أمك ..
.
لينا ..هل تعرفين أن لك جدة ..
.
فابتسمت لينا ..ان أمي كانت تريد أن تكون طبيبة لتداوي جدتي ..لقد أخبرتني ..لكن للأسف ..و بكت لينا بعد أن تذكرت أمسها القاسي..
.
فحملتها الى أمي ..و أرسلتها و في يدها ورقة مكتوب فيها ..يا أمي ..لينا هي صبيتي ..اعتني بها ..و احرصي أن تكون طبيبة ..وداعا أمي ..البحر ينتظرني..
.
و عدت الى البحر أشتكي له ماساتي ..فلما راني غضب و قال لي..ألم أحذرك أنني سأقتلك اذا رأيتك من جديد تمشي على رمالي ..
.
لماذا أتيت ..هل تتحداني و تتحدى جبروتي ..فأرسل البحر أمواجه منفذا وعده ..فمات سيدك يا انسة ..مات بشرف ..مات و ترك لينا بأيدي أمينة ..
.فالقبعة تليق بك أنت فقط يا لينا ..القبعة تليق بالبراءة ..القبعة تليق بك
.
.
______________________ النهاية ______
.
.
لا تنسى أن تقدم شكرا فضلا و ليس أمرا لكاتب القصة