(الرجاء من أصحاب القلوب الضعيفة عدم قراءة القصة)
رواية : المعمل - 107
عمار ذو الــ 27 عاما .. كسولا لا يفعل شيء عدا شرب الخمر وتعاطي الحشيش والضحك والسخرية على الجميع , يعيش منعزلا عن الآخرين في غرفته لا يغادرها ألا قليلا وقليلا جدا عاطلا بلا وظيفة لم يكـــن يعجبه مكان عملا لكثرة الضوضــاء فيه , فلا يفكـــر في مستقبلً ولم يكن لديه حلم يتمنى أن يعيشه , لا زملاء له ولا أصدقاء فلا يرتاح لأحد .. فالكل في نظره حقراء خونــة لا يهمهم عدا مصالحهم الشخصية ولا يستحقون أن يجالسهم ويضيعُ عمره معهم , يلازم الهدوء والعزلة بقدر أستطاعته والأبتعاد عن البشر كلهم , فقد أكتفى بذلك الضجيج الذي أُحدث بداخله من المخدرات والمسكرات ومشاهدة الأفلام وأشبعت غروره ودقت بطبولا على مشاعره وأحاسيسه أروع أنواع الدفوف ولا يريد من يزيد فوق ضوضاءه صخبــــا كذلك الضجيج الذي يعاني منه كل أنسان وقت فراغــــه ومــلله .
تصرمـــت سنون من عمـــره يعيش ويغني ويقرع الكـــؤوس على ذكـــريات أليمة لم يعشها بل كان يتوهمها في مخيلته وكأنه يختبئ عن أنظار الجميع ليبكــي وحيدا لسببً لم يعرفه حتى هو جعلته يهرب من واقعه ويتجنب المشاكل التي تمر في حياته ويفضل عدم حلها ومواجهتها كما هو الحال بالنسبة للكثيرين من الذين سبقوه وضربوا عرض الحائط في مثل كل تلك المصائب والأمتحانات التي يمر بها الأنسان في لحظة مـــا من سنينهم الطويلة أمـا صبرا لهم أو ربما لمعرفة مدى قدرتهم على التحمل والوقوف على أرض صلبة تدخلهم جنات خلــــدا طاب بنياها فيها عين جاريـــة وسررا مرفوعة وأكواب موضوعة وزرابية مبثوثة ونمارق مصفوفة لكنـه كان يشبه الخاسر في الأختبار وبدا أنه لا يعلم كيف يحــلُ أجابة واحدة من تلك الأسئلة التي بدا أنه لا يفهم الطريقة التي كتبت بهــــا بل فضل الذهاب إلى واقع آخر غير واقعه لكنه ليس واقعا حقيقيا أنما مجرد خيال رسمه بينه وبين نفسه في لوحـــة جميلة لونهـــا باللون الأسود فقط وخطها بخطوط متعرجة غير ثابتــة .
كانت شقيقته الكبرى تنصحه دائما وتخبره أن يبحث عن وظيفة أو وزجة ويخرج من حالته الأنعزالية تلك ويختلط مع الناس ويعيش أوضاعهم , والدته هي الأخرى والتي كانت تحبه وتدلــله كثيرا كانت تحاول معه وباستمرار ليجد لنفسه عملا يساعدهم ويعينهم في أمورهم المادية الصعبة فهو الرجل الوحيد في المنزل وليس هناك من يعيل "شقيقته ووالدته" عداه , ألا أنه لم يستمع لهم بل كان يغضب حينما يقومون بنصيحته .
كان يشبه الأحياء الأموات "أو مــايسمونهم بــالـزومــبي" ولكن على عكسهم كانت خطواته ثابتة وتفكيره سليم معافى على دراية بما يجري حوله من أشياء تحدث له في "ثمالته" التي تغنت بهـــا الأطــلال كثيرا لا يهتم بما يقولونه عنه أسرته وما يقولونه عنه الآخرين من أبناء عمومته وبقية اقرباءه ومن يسكنون في الحي معهم الذي كانوا يطلقون عليه الشائعات بين الفينة والأخرى فتارة يقولون بأنه فقد عقله وتارة أخرى يتهمونه بدخول السجن بسبب تعاطيه وادمانه ومرات كثيرة يقولون بأنه توفي وأنتحـــر ورحل عن هذا العالم بعد أن يأس منه ومن العيش فيه ومل مشاهدة غسق الليل ولحظات غروب الشمس في الشفق .
ذات عصرا حار جدا يخنق برطوبته كل من يحاول التنفس أو يختبر شهيقه وزفيره كان جالسا في غرفته كما العادة يستمع لموسيقى موزارات ثم يطفأها ويستمع لسمفوانيات باخ وألحان ريمكس أدخلت على نغماتها .. غير متهما بأحد مسترخيا فجــــأة إذ أتصل به أبن عمه "يخبره عن وظيفة في أحد المعامل السرية الحكومية والتي لا يعرف عنها أحد .. فلقد بنــاه الجيش في وسط الصحراء لأنتاج أسلحة ومواد كيماوية ولكنه أُغلق بعد فترة , ويريدون شخصا يحرِسُه لمدة شهرا كامل ثم يأخذ أجازة لخمسة أيام ويعود لحارسة المعمل مرة أخرى , ويجب عليه ألا يخبر احدا عن المكان , لأن ذلك سيسبب له مشاكل كثيرة وخطيرة جدا مع السلطات والمخابرات لسريته" .
...... ظل عمار هادئا ساكتا بصمت وسكـــون يفكر ويفكر , وبين يديه سيجارة حشيش أشبعته ضحكا وسعادة :
- هل أعمل هناك ؟
- لقد عشت سنوات طوال جالسا على أريكتي لا أفعل شيئا عدا النوم والأكل ؟
- لمــا لا أجرب العمل مرة أخرى وأذهب لأرى وأكتشف الحياة وأختلط بوظيفة ؟
- فإلى متى سأبقى هكذا ؟
- إذ يبدو بأن هذا المعمل هو وجهتي المنشودة التي بحثت عنها .
- حيث تبدو بأنهـــا رائعة وسهلة وممتعة .. حارس أمـــن لوحدي في الصحراء هناك أتعاطى المخدرات وأثملُ كيفما اشاء ..!
- ماذا أريد أكثر من ذلك والسرية والغموض المبادئ الأساسية من شروطها ..!
- فلا أذى أو أزعاج من أحد أو حتى ضجيج قد يهــــزني .
...... بعد تفكيرا طويل وعميق وافق على ذلك .
وبعد أيام خرج من منزله وركب سيارته وذهب إلى المعمل وجهته .. يسير على ذلك الطــريق الرئيسي الطويل الذي بدا خاليـــا من كل أحد رغم أرتبـــاطه بأكبر الطــرق الرئيسية في البلاد وأكثرهـــا حركة ونشاطا , وبعد مسيرا أستمر لساعتين توقف في وسط الشارع وراح ينظر هنا وهناك يبحث عن الطريق الرملي الذي اخبروه به ليوصله للمعمل .. يتقدم يرجع .. توقف يشاهد الصحــراء المخيفة التي تجعل الخبير في أتجاهاتها يضيع ما بين الشرق والغرب .. إذ بدا وكأنه أضاع الطريق .. لحظات ثم سلك شارع ترابي بالسيارة أشتبه فيه بعدما استغرق وقتا طويلا ريثما وجده وكأنه كان يبحث عن خلاصه في هذا المحل الذي احاطته الـــرمال من كل جانب تحمل بين كثبانها الناعمة حرارة تفوق الصخر في صلابة وقوة . راح يسير في ذلك الطريق الذي خلا من كل أحد بشرا وبهيمة وذا نفس وحجرا وجبلا وشجرا لــم يكـن يسمع عدا صوت الهدوء الذي تسبقه عواصــف مهيبة مفــزعة فلا دبيب ولا حفيف يُسمع .. صمت مدقع يخيف الثعابين المجلجلة وذات الرأسين التي تلبدت في جحورها خشية من المجهول , يسير ويسير في سيارته ذات الدفع الرباعي التي كانت تهتز وتختض عن اليمين وعن الشمال فالحجارة الصغيرة تلاعبت بالمركبة كأنها صخور متدحرجة من منزلق والحر الشديد قد بلغ مبلغه به والشمس بأشعتها تضـــرب كل من تجرأ عليها ونظر صوبــــها وكأنها تنتقم ممن يعيشون فوق هذه الرمال الناعمة المتحركة وبعد أن قطع مسافة أمتدت لــ 22 كيلو مترا في عمق الصحاري والبراري والصمت والخوف فعل به ما فعل وصل أخيرا إلى مكانه المنشود (المعمـــل-107) .. ينظر إليه مُنبهر إذ بدا من الخارج كتحفنة فنية ومعمارية خُبِئت بين جحيم الصحراء ودفنت ســــرً كي لا يراها أحد ويعجبُ بتلك الهندسة المعقدة الجميلة البناء كجزيرة أتلانتس المفقودة والأساطـــير التي لفت حولــها والكنوز التي دفنت في ممراتها ودهاليزهـــا والذهب الذي ملأ صناديق حكامهــا ومن تسلطوا على العباد فيها بقوانينهم وقيمهم التي شابهت أفلاطون في مدينته , ولكن على النقيض تماما أحتوى المعمل بداخله مواد كيماوية وأخرى فيزيائية تنتج عنها تفاعلات أحيائية وبيولوجية لِــتُصنع بهـــا قنبلة أو تتبخــر منها أشعاعات كيميائية وذرية ومتفجرات هيدرولجينية تخيف العدو الداخلي المعارض قبل أن يسمع بها العدو الخارجي المزعوم .
أخذ يتمتم في نفسه بعد رؤيته ذلك المنظر الخلاب والتحفة المعمارية وجمال البناء مندهشا :
- يـــا إلهي , أنه رائع بحق
- أنه جميل للغاية , يــاللروعة منظـــره وكأنه قصرا أضيف عليه خمسة نجوم ذهبية وأن كانت تلك النجوم ليست جديـــرة به أو غير موجودة في درجات القصور .
دخل المعمل الذي كان أكثر جمالً من خارجه في كل شيء تصميمه ممراته نوافذه دهاليــزه وبرودته وحتى تلك العبوات التي تحفظ فيها المواد والتي يصنع منها السلاح الكيماوي المدمر القاتل كانت أكثر روعة ورونقا من كل التحف الموجودة في المنازل والأسواق الشعبية . ذهب إلى الغرفة المخصصة له يضع فيها حقائبه ولــــوازمه ومستقبله الجديد بين تلك العلــوم والمركبات المعقدة لعــــل هناك معادلة فيزيـــــائية , وفي مقابلها غرفته التي سيحرس منها المعمل من أعين الناظرين والحاسدين كفتاة جميلة يخشى عليها زوجها من نظرات بقية الرجال لكي لا يطمعون بها ويلاحقونها دون مراعاة ذمة الرجـــل التي هي عليه .
اشعل سيجارة بعد أن لفها في الورق وراح يتجــول قليلا في المعمــل يقلب عبوات الأحياء ويصــب معادلـــة رياضية على مادة أخـــرى بجانبها يرج مواد غيرهـــا ويتفحـــص البقية غــير آبــه بكلمة الخطــر التي خطـت باللون الأحمـــر في كل الجدران والمعادن والسقوف وكأنــه ينتظر أن يحدث أنفجــارا ضخما يهـــز المكان ليجعله يضحك بشدة على ألوان الدخان المرتفع في السماء . ظل منعزل وحيدا في تلك البقعة التي خلت من مكان لها على الخريطة تحيطها أشياء مرئية وأخرى خفية وسباعا تختبئ تحت الصخور وبينها , لكنه كان سعيدا بوحدته إذ شعر بأنه يعيش على جزيرة هو من يحكمها ويضع قوانينها كان تارة يـــلاعب الوهم وتــارة أخرى يرقص ويصرخ آهـــاتً ومواويل عذبته وأبكته دون سبب .
وبعد أن حل منتصف الليل .. كان جالسا على كرسيه يعاقر الخمر ويشاهد أفلام مضحكة بطلها "مستر بين" فجأة إذ وكأنه يسمعُ بكاء طفل للحظات حتى أختفى الصوت ؟ أرتعب من ذلك كثيرا ألا انه لم يحرك ساكنا من شدة خوفه .. بلع أرياقه قليلا وهمس "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" .. لم يفعل شيء بل تصرف بهدوء وظل يتابع فلمه المضحك دون أن يضحك يتحسس بعينيه يمينا وشمالا .. فلقد كان يشعر بأن هناك احدا معه .. وبعد دقائق إذ به يسمع صرخة فتاة مدوية ؟ أنتفض على كرسيه وتصبب عرقا .. ردد ثانية "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" , لم يعرف ماذا يصنع حينها ؟ وكيف يتصرف ؟
أنقضت نصف ساعة دون همس .. وبعد فزعا وحيره .. لملم شتات نفسه وقام من كرسيه يجوب المعمل في صمت مخيف جدا وخطوات أقل وطأ من خطوات النمل وبينما هو كذلك في احد ممرات المعمل إذ به يشعر أن هناك من يسير خلفه ويتبعه ! لكنه لم يلتفت خشية أن يرى ما لا يريد رؤيته .. أحس بمن يضع يده على كتفه فنظر وراءه بسرعة ولم يشاهد أحد ؟ لم يفكر كثيرا أراد التخلص من الورطة التي هو فيها .. ورطة لربما مع من يعيشون في العالم الاخر .. ذهب مهرولا صوب "جهاز اللاسلكي" أخذ ينادي ويتكلم .. ورغم محاولاته المتكـــررة عسى أن يجيبه احدا وينقذه مما هو فيه ولكن دون نتيجة فـــاللاسلكي قديم جدا ما يستحيــل تعديل العطب الذي ألمى به إذ يبدو طوال هذه السنين التي لم يستعمله بشر حال دون أن يتمكن حتى الكهربائي ومن أخترعــــه من معرفتــة وأكتشاف الخلل الذي أصابه , ظل طوال ليلته منشغلا هو والجهاز يضربه أحيــانا وأحيانــــا ينظـــر إليه دون قدرته على فعل شيئ , أستمــر في المحاولــة وأستمــر يريــد ما يصله بالعالم الخارجي الذي أختار عنه العزلة بنفسه دون أن يُجبر على ذلك , لعلـــه يجــد ضالته ويسمعُ صوت أحد رؤساءه الذين يشرفون على المعمل السري . رجع إلى غرفته وركبتاه تصطكان ببعضهما مما جعله يجلس على الكرسي فلم يعد قادرا على الوقوف من شدة الخوف .. وفي غمرة هواجسه وفزعه فجأة قاطع صمتهُ ذاك صــوت الجرس ؟ يـــدق ويــدق ..! مــا أربكه وأخل بتوازنه على الكرسي الذي كاد أن يسقــط منه يسأل ويهمــس ويوسوس في نفـــسه
- تبا ..!
- من سيأتي في هذه الساعة ؟
- وفي هذا المكان وســـط هذه الصحراء ؟
- لا أحــد يعيش في هنــــا ؟
- أخشى أن يكون نفرا من الجن ؟
- أو قد يكون قاتلا سلابا سفاكا للدمـــــــاء !
فــزعا متحــير نظر إلى شاشات المراقبة لكنه لم يرى شيئا فالظلمة حالكة جدا ما زاد المعادلـــة تعقيدا وكأنهـــا كربون وأكسجــين وزئبق ويــورنيوم ومواد تفاعلية أخــرى مُــزجت ببعضهــا .. والجرس لا زال يرن ويـــــرن مما أصابه بخوفا لم يشعر به من قبل قشعريرة أجتاحت جسده وأوقفت كل شعرة في بدنه - فما العمل ؟ وما الخلاص ؟ هذا ما تبادر إلى ذهنه تلك اللحظات , لم يكن أمامه سبيلا عدا الأنتظار ولكن ما الجدوى .. فالجرس لم يتوقف ضجيجه وقرقعــتـه التي هـــزت المعمــل بأكمــله , ذهب يجرب اللاسلكــي مرة أخرى لعل معجـــزة تجعله يعمل في هذه الأوقــات التي يحتاج لأية مساعدة ممكــنة حتى لو من الشيطان ذاتــه يحاول أن يتواصــل مع أحدا من مرؤسيه ويطلب النجــدة منهم ولكـــن بدون فائدة فكـــل دقيقة تمـــر تزيد من توتره وغموض الحدث الذي يعيشه , أسئلة كثيرة تجــول في خلده يفكر ويفكــــر :
- مــاذا أفعل ؟ ماذا أفعل ؟
- هل أذهب ؟
- هــــل أفتح البوابـــــــة ؟
- أنهـــا مغامــــرة غير محسوبة ؟
- ذلك جنون ..!
- لقد احسست بأن هناك أحدا معي ؟
- لست وحدي هنــــــا !
- ولكن ربما يكون لصا أو قاتلا متسلسل ؟
- ماذا لو كان جاسوســا حقــا من دولة معادية ؟
- حينهــا سأكــون رهينة رجال المخابرات والمباحث وسيتهمونني بالعمالة لحساب عدو خارجي ؟
- ويحــي , ما هــذه الورطــة التي أوقعت نفسي بهـــا ؟
الجرس أستمر في سؤاله ورنينه هو الآخــــــر وكأنه يريد أن يشغل بال عمار ويمحي كل تفكيره الذي بدأ لحظة بكاء الطفل .. لملم ما تبقى من شجاعته وفــــزعه الذي تناثر من حولـه , رجــع يتساءل ويهمس في نفسه المشتتة يخاطب ذاتــــــه متحديا :
- ســـأذهب لأتبــين ما الخبر ؟
- وما سيحدث فليحدث , لا يهمني ذلك ..!
في خطوات ثقيلة تقدم صوب البوابة يرتجف وكأنه يجـــر سلاسل وأقفال في قدميه يُسمع صداها حتى في قعــر المحيــط إلى أن وصـــل , ظل في صمته وهدوءه الذي غطى على سكون الصحراء فلا يسمع عدا رنين الجرس الذي بدا كلحــن قاتل يشبه أصوات الرصاص وطلقات الكـــلاشنكوف وراجمات الصواريخ حين تعتـــرض صــاروخ عابــر , لم يحتمل ذلك يجب أن يضع حدا لكل هذه الضوضــاء وهذا الصخب والفزع .. صـاح من خلف البوابة
- من هناك ؟
- من أنت يا هـــذا ؟
- ماذا تريــد ؟
- أنصحك بالأبتعاد عن هنا .. لأنني مسلح .. فهذه منشأت حكومية ..!
- ستأتي فرقــة من الجيش بعد 10 دقائـــــــق .
- صدقــــني , لا تــريد أن تورط نفسك معهم .
ثـــوان الصمت تلك التي أمتدت إلى دقائق .. إذ به يفاجأُ بصــــــوتٍ من خلف البـوابة ينـــادي :
- أفتــح يا رجــل ؟
- ما با لك لا تــرد لي جوابـــا ..!
- أنني زميلك في العمـــل ..!
- أنــا الحــارس الجديـــد المرافــــق لك .
شعر عمار بــأرتياح كبير بعدمـــا سمع وكــأن صخــرة تفوق الجبل طــولا وعرضا قد أزيحت من فوق صــدره أنسته عفاريت الجن والأنس , قال لــــه حــين ذاك
- وكيف لي أن اتأكد من ذلك ؟
- أجابــــــه : أنني مرسل من قبل أبن عمك , وأسمك عمار أليس كذلك ؟ ألم يخبرك أحـــدا بقدومي ؟
- عمـــــــار قال مترددا : بلى بلى أبلغوني بذلك
- قــــال لـه : حسنا إذا أفتح البوابة , أنــني متعب من مشقة هذا الطـــريق الوعــر , إلامــا ستجعلنــي أنتظـــــــر ؟
وفي لحظات تفكيره وعمـــق خيالــه وحينما أنقضت 12 دقيقة ونصف الدقيقة فتح لـــه نهاية الأمـــر بعدمــا ظل ممسكــا أقفال البوابة بيديـــه بـرهة طــويلة من الوقت وكأنه لا يريد لمن خلفها أن يتسلل إلى حياتـــه السرية في المعمل ليشاركه مملكــة الحــزن التي أحتلهـــا بعواطفــه الخالية من المشاعــر وبدون عنــف , كان مستكرها لـــذلك لأن هناك من سيدخل معه في المكان الذي أعتبره ملكا له لوحده يخصه هــو , ألا أن هناك ضيفا ثقيلا سيجلس قبالته وسيحول وحدتـــه الجميلة الـــتي تحولت إلى فيلم رعب عاشها وحيدا .. ورغم ذلك ألا أنه كان سعيدا جدا بأن هناك من سيؤنسه .
يتبع ...
رواية : المعمل - 107
عمار ذو الــ 27 عاما .. كسولا لا يفعل شيء عدا شرب الخمر وتعاطي الحشيش والضحك والسخرية على الجميع , يعيش منعزلا عن الآخرين في غرفته لا يغادرها ألا قليلا وقليلا جدا عاطلا بلا وظيفة لم يكـــن يعجبه مكان عملا لكثرة الضوضــاء فيه , فلا يفكـــر في مستقبلً ولم يكن لديه حلم يتمنى أن يعيشه , لا زملاء له ولا أصدقاء فلا يرتاح لأحد .. فالكل في نظره حقراء خونــة لا يهمهم عدا مصالحهم الشخصية ولا يستحقون أن يجالسهم ويضيعُ عمره معهم , يلازم الهدوء والعزلة بقدر أستطاعته والأبتعاد عن البشر كلهم , فقد أكتفى بذلك الضجيج الذي أُحدث بداخله من المخدرات والمسكرات ومشاهدة الأفلام وأشبعت غروره ودقت بطبولا على مشاعره وأحاسيسه أروع أنواع الدفوف ولا يريد من يزيد فوق ضوضاءه صخبــــا كذلك الضجيج الذي يعاني منه كل أنسان وقت فراغــــه ومــلله .
تصرمـــت سنون من عمـــره يعيش ويغني ويقرع الكـــؤوس على ذكـــريات أليمة لم يعشها بل كان يتوهمها في مخيلته وكأنه يختبئ عن أنظار الجميع ليبكــي وحيدا لسببً لم يعرفه حتى هو جعلته يهرب من واقعه ويتجنب المشاكل التي تمر في حياته ويفضل عدم حلها ومواجهتها كما هو الحال بالنسبة للكثيرين من الذين سبقوه وضربوا عرض الحائط في مثل كل تلك المصائب والأمتحانات التي يمر بها الأنسان في لحظة مـــا من سنينهم الطويلة أمـا صبرا لهم أو ربما لمعرفة مدى قدرتهم على التحمل والوقوف على أرض صلبة تدخلهم جنات خلــــدا طاب بنياها فيها عين جاريـــة وسررا مرفوعة وأكواب موضوعة وزرابية مبثوثة ونمارق مصفوفة لكنـه كان يشبه الخاسر في الأختبار وبدا أنه لا يعلم كيف يحــلُ أجابة واحدة من تلك الأسئلة التي بدا أنه لا يفهم الطريقة التي كتبت بهــــا بل فضل الذهاب إلى واقع آخر غير واقعه لكنه ليس واقعا حقيقيا أنما مجرد خيال رسمه بينه وبين نفسه في لوحـــة جميلة لونهـــا باللون الأسود فقط وخطها بخطوط متعرجة غير ثابتــة .
كانت شقيقته الكبرى تنصحه دائما وتخبره أن يبحث عن وظيفة أو وزجة ويخرج من حالته الأنعزالية تلك ويختلط مع الناس ويعيش أوضاعهم , والدته هي الأخرى والتي كانت تحبه وتدلــله كثيرا كانت تحاول معه وباستمرار ليجد لنفسه عملا يساعدهم ويعينهم في أمورهم المادية الصعبة فهو الرجل الوحيد في المنزل وليس هناك من يعيل "شقيقته ووالدته" عداه , ألا أنه لم يستمع لهم بل كان يغضب حينما يقومون بنصيحته .
كان يشبه الأحياء الأموات "أو مــايسمونهم بــالـزومــبي" ولكن على عكسهم كانت خطواته ثابتة وتفكيره سليم معافى على دراية بما يجري حوله من أشياء تحدث له في "ثمالته" التي تغنت بهـــا الأطــلال كثيرا لا يهتم بما يقولونه عنه أسرته وما يقولونه عنه الآخرين من أبناء عمومته وبقية اقرباءه ومن يسكنون في الحي معهم الذي كانوا يطلقون عليه الشائعات بين الفينة والأخرى فتارة يقولون بأنه فقد عقله وتارة أخرى يتهمونه بدخول السجن بسبب تعاطيه وادمانه ومرات كثيرة يقولون بأنه توفي وأنتحـــر ورحل عن هذا العالم بعد أن يأس منه ومن العيش فيه ومل مشاهدة غسق الليل ولحظات غروب الشمس في الشفق .
ذات عصرا حار جدا يخنق برطوبته كل من يحاول التنفس أو يختبر شهيقه وزفيره كان جالسا في غرفته كما العادة يستمع لموسيقى موزارات ثم يطفأها ويستمع لسمفوانيات باخ وألحان ريمكس أدخلت على نغماتها .. غير متهما بأحد مسترخيا فجــــأة إذ أتصل به أبن عمه "يخبره عن وظيفة في أحد المعامل السرية الحكومية والتي لا يعرف عنها أحد .. فلقد بنــاه الجيش في وسط الصحراء لأنتاج أسلحة ومواد كيماوية ولكنه أُغلق بعد فترة , ويريدون شخصا يحرِسُه لمدة شهرا كامل ثم يأخذ أجازة لخمسة أيام ويعود لحارسة المعمل مرة أخرى , ويجب عليه ألا يخبر احدا عن المكان , لأن ذلك سيسبب له مشاكل كثيرة وخطيرة جدا مع السلطات والمخابرات لسريته" .
...... ظل عمار هادئا ساكتا بصمت وسكـــون يفكر ويفكر , وبين يديه سيجارة حشيش أشبعته ضحكا وسعادة :
- هل أعمل هناك ؟
- لقد عشت سنوات طوال جالسا على أريكتي لا أفعل شيئا عدا النوم والأكل ؟
- لمــا لا أجرب العمل مرة أخرى وأذهب لأرى وأكتشف الحياة وأختلط بوظيفة ؟
- فإلى متى سأبقى هكذا ؟
- إذ يبدو بأن هذا المعمل هو وجهتي المنشودة التي بحثت عنها .
- حيث تبدو بأنهـــا رائعة وسهلة وممتعة .. حارس أمـــن لوحدي في الصحراء هناك أتعاطى المخدرات وأثملُ كيفما اشاء ..!
- ماذا أريد أكثر من ذلك والسرية والغموض المبادئ الأساسية من شروطها ..!
- فلا أذى أو أزعاج من أحد أو حتى ضجيج قد يهــــزني .
...... بعد تفكيرا طويل وعميق وافق على ذلك .
وبعد أيام خرج من منزله وركب سيارته وذهب إلى المعمل وجهته .. يسير على ذلك الطــريق الرئيسي الطويل الذي بدا خاليـــا من كل أحد رغم أرتبـــاطه بأكبر الطــرق الرئيسية في البلاد وأكثرهـــا حركة ونشاطا , وبعد مسيرا أستمر لساعتين توقف في وسط الشارع وراح ينظر هنا وهناك يبحث عن الطريق الرملي الذي اخبروه به ليوصله للمعمل .. يتقدم يرجع .. توقف يشاهد الصحــراء المخيفة التي تجعل الخبير في أتجاهاتها يضيع ما بين الشرق والغرب .. إذ بدا وكأنه أضاع الطريق .. لحظات ثم سلك شارع ترابي بالسيارة أشتبه فيه بعدما استغرق وقتا طويلا ريثما وجده وكأنه كان يبحث عن خلاصه في هذا المحل الذي احاطته الـــرمال من كل جانب تحمل بين كثبانها الناعمة حرارة تفوق الصخر في صلابة وقوة . راح يسير في ذلك الطريق الذي خلا من كل أحد بشرا وبهيمة وذا نفس وحجرا وجبلا وشجرا لــم يكـن يسمع عدا صوت الهدوء الذي تسبقه عواصــف مهيبة مفــزعة فلا دبيب ولا حفيف يُسمع .. صمت مدقع يخيف الثعابين المجلجلة وذات الرأسين التي تلبدت في جحورها خشية من المجهول , يسير ويسير في سيارته ذات الدفع الرباعي التي كانت تهتز وتختض عن اليمين وعن الشمال فالحجارة الصغيرة تلاعبت بالمركبة كأنها صخور متدحرجة من منزلق والحر الشديد قد بلغ مبلغه به والشمس بأشعتها تضـــرب كل من تجرأ عليها ونظر صوبــــها وكأنها تنتقم ممن يعيشون فوق هذه الرمال الناعمة المتحركة وبعد أن قطع مسافة أمتدت لــ 22 كيلو مترا في عمق الصحاري والبراري والصمت والخوف فعل به ما فعل وصل أخيرا إلى مكانه المنشود (المعمـــل-107) .. ينظر إليه مُنبهر إذ بدا من الخارج كتحفنة فنية ومعمارية خُبِئت بين جحيم الصحراء ودفنت ســــرً كي لا يراها أحد ويعجبُ بتلك الهندسة المعقدة الجميلة البناء كجزيرة أتلانتس المفقودة والأساطـــير التي لفت حولــها والكنوز التي دفنت في ممراتها ودهاليزهـــا والذهب الذي ملأ صناديق حكامهــا ومن تسلطوا على العباد فيها بقوانينهم وقيمهم التي شابهت أفلاطون في مدينته , ولكن على النقيض تماما أحتوى المعمل بداخله مواد كيماوية وأخرى فيزيائية تنتج عنها تفاعلات أحيائية وبيولوجية لِــتُصنع بهـــا قنبلة أو تتبخــر منها أشعاعات كيميائية وذرية ومتفجرات هيدرولجينية تخيف العدو الداخلي المعارض قبل أن يسمع بها العدو الخارجي المزعوم .
أخذ يتمتم في نفسه بعد رؤيته ذلك المنظر الخلاب والتحفة المعمارية وجمال البناء مندهشا :
- يـــا إلهي , أنه رائع بحق
- أنه جميل للغاية , يــاللروعة منظـــره وكأنه قصرا أضيف عليه خمسة نجوم ذهبية وأن كانت تلك النجوم ليست جديـــرة به أو غير موجودة في درجات القصور .
دخل المعمل الذي كان أكثر جمالً من خارجه في كل شيء تصميمه ممراته نوافذه دهاليــزه وبرودته وحتى تلك العبوات التي تحفظ فيها المواد والتي يصنع منها السلاح الكيماوي المدمر القاتل كانت أكثر روعة ورونقا من كل التحف الموجودة في المنازل والأسواق الشعبية . ذهب إلى الغرفة المخصصة له يضع فيها حقائبه ولــــوازمه ومستقبله الجديد بين تلك العلــوم والمركبات المعقدة لعــــل هناك معادلة فيزيـــــائية , وفي مقابلها غرفته التي سيحرس منها المعمل من أعين الناظرين والحاسدين كفتاة جميلة يخشى عليها زوجها من نظرات بقية الرجال لكي لا يطمعون بها ويلاحقونها دون مراعاة ذمة الرجـــل التي هي عليه .
اشعل سيجارة بعد أن لفها في الورق وراح يتجــول قليلا في المعمــل يقلب عبوات الأحياء ويصــب معادلـــة رياضية على مادة أخـــرى بجانبها يرج مواد غيرهـــا ويتفحـــص البقية غــير آبــه بكلمة الخطــر التي خطـت باللون الأحمـــر في كل الجدران والمعادن والسقوف وكأنــه ينتظر أن يحدث أنفجــارا ضخما يهـــز المكان ليجعله يضحك بشدة على ألوان الدخان المرتفع في السماء . ظل منعزل وحيدا في تلك البقعة التي خلت من مكان لها على الخريطة تحيطها أشياء مرئية وأخرى خفية وسباعا تختبئ تحت الصخور وبينها , لكنه كان سعيدا بوحدته إذ شعر بأنه يعيش على جزيرة هو من يحكمها ويضع قوانينها كان تارة يـــلاعب الوهم وتــارة أخرى يرقص ويصرخ آهـــاتً ومواويل عذبته وأبكته دون سبب .
وبعد أن حل منتصف الليل .. كان جالسا على كرسيه يعاقر الخمر ويشاهد أفلام مضحكة بطلها "مستر بين" فجأة إذ وكأنه يسمعُ بكاء طفل للحظات حتى أختفى الصوت ؟ أرتعب من ذلك كثيرا ألا انه لم يحرك ساكنا من شدة خوفه .. بلع أرياقه قليلا وهمس "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" .. لم يفعل شيء بل تصرف بهدوء وظل يتابع فلمه المضحك دون أن يضحك يتحسس بعينيه يمينا وشمالا .. فلقد كان يشعر بأن هناك احدا معه .. وبعد دقائق إذ به يسمع صرخة فتاة مدوية ؟ أنتفض على كرسيه وتصبب عرقا .. ردد ثانية "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" , لم يعرف ماذا يصنع حينها ؟ وكيف يتصرف ؟
أنقضت نصف ساعة دون همس .. وبعد فزعا وحيره .. لملم شتات نفسه وقام من كرسيه يجوب المعمل في صمت مخيف جدا وخطوات أقل وطأ من خطوات النمل وبينما هو كذلك في احد ممرات المعمل إذ به يشعر أن هناك من يسير خلفه ويتبعه ! لكنه لم يلتفت خشية أن يرى ما لا يريد رؤيته .. أحس بمن يضع يده على كتفه فنظر وراءه بسرعة ولم يشاهد أحد ؟ لم يفكر كثيرا أراد التخلص من الورطة التي هو فيها .. ورطة لربما مع من يعيشون في العالم الاخر .. ذهب مهرولا صوب "جهاز اللاسلكي" أخذ ينادي ويتكلم .. ورغم محاولاته المتكـــررة عسى أن يجيبه احدا وينقذه مما هو فيه ولكن دون نتيجة فـــاللاسلكي قديم جدا ما يستحيــل تعديل العطب الذي ألمى به إذ يبدو طوال هذه السنين التي لم يستعمله بشر حال دون أن يتمكن حتى الكهربائي ومن أخترعــــه من معرفتــة وأكتشاف الخلل الذي أصابه , ظل طوال ليلته منشغلا هو والجهاز يضربه أحيــانا وأحيانــــا ينظـــر إليه دون قدرته على فعل شيئ , أستمــر في المحاولــة وأستمــر يريــد ما يصله بالعالم الخارجي الذي أختار عنه العزلة بنفسه دون أن يُجبر على ذلك , لعلـــه يجــد ضالته ويسمعُ صوت أحد رؤساءه الذين يشرفون على المعمل السري . رجع إلى غرفته وركبتاه تصطكان ببعضهما مما جعله يجلس على الكرسي فلم يعد قادرا على الوقوف من شدة الخوف .. وفي غمرة هواجسه وفزعه فجأة قاطع صمتهُ ذاك صــوت الجرس ؟ يـــدق ويــدق ..! مــا أربكه وأخل بتوازنه على الكرسي الذي كاد أن يسقــط منه يسأل ويهمــس ويوسوس في نفـــسه
- تبا ..!
- من سيأتي في هذه الساعة ؟
- وفي هذا المكان وســـط هذه الصحراء ؟
- لا أحــد يعيش في هنــــا ؟
- أخشى أن يكون نفرا من الجن ؟
- أو قد يكون قاتلا سلابا سفاكا للدمـــــــاء !
فــزعا متحــير نظر إلى شاشات المراقبة لكنه لم يرى شيئا فالظلمة حالكة جدا ما زاد المعادلـــة تعقيدا وكأنهـــا كربون وأكسجــين وزئبق ويــورنيوم ومواد تفاعلية أخــرى مُــزجت ببعضهــا .. والجرس لا زال يرن ويـــــرن مما أصابه بخوفا لم يشعر به من قبل قشعريرة أجتاحت جسده وأوقفت كل شعرة في بدنه - فما العمل ؟ وما الخلاص ؟ هذا ما تبادر إلى ذهنه تلك اللحظات , لم يكن أمامه سبيلا عدا الأنتظار ولكن ما الجدوى .. فالجرس لم يتوقف ضجيجه وقرقعــتـه التي هـــزت المعمــل بأكمــله , ذهب يجرب اللاسلكــي مرة أخرى لعل معجـــزة تجعله يعمل في هذه الأوقــات التي يحتاج لأية مساعدة ممكــنة حتى لو من الشيطان ذاتــه يحاول أن يتواصــل مع أحدا من مرؤسيه ويطلب النجــدة منهم ولكـــن بدون فائدة فكـــل دقيقة تمـــر تزيد من توتره وغموض الحدث الذي يعيشه , أسئلة كثيرة تجــول في خلده يفكر ويفكــــر :
- مــاذا أفعل ؟ ماذا أفعل ؟
- هل أذهب ؟
- هــــل أفتح البوابـــــــة ؟
- أنهـــا مغامــــرة غير محسوبة ؟
- ذلك جنون ..!
- لقد احسست بأن هناك أحدا معي ؟
- لست وحدي هنــــــا !
- ولكن ربما يكون لصا أو قاتلا متسلسل ؟
- ماذا لو كان جاسوســا حقــا من دولة معادية ؟
- حينهــا سأكــون رهينة رجال المخابرات والمباحث وسيتهمونني بالعمالة لحساب عدو خارجي ؟
- ويحــي , ما هــذه الورطــة التي أوقعت نفسي بهـــا ؟
الجرس أستمر في سؤاله ورنينه هو الآخــــــر وكأنه يريد أن يشغل بال عمار ويمحي كل تفكيره الذي بدأ لحظة بكاء الطفل .. لملم ما تبقى من شجاعته وفــــزعه الذي تناثر من حولـه , رجــع يتساءل ويهمس في نفسه المشتتة يخاطب ذاتــــــه متحديا :
- ســـأذهب لأتبــين ما الخبر ؟
- وما سيحدث فليحدث , لا يهمني ذلك ..!
في خطوات ثقيلة تقدم صوب البوابة يرتجف وكأنه يجـــر سلاسل وأقفال في قدميه يُسمع صداها حتى في قعــر المحيــط إلى أن وصـــل , ظل في صمته وهدوءه الذي غطى على سكون الصحراء فلا يسمع عدا رنين الجرس الذي بدا كلحــن قاتل يشبه أصوات الرصاص وطلقات الكـــلاشنكوف وراجمات الصواريخ حين تعتـــرض صــاروخ عابــر , لم يحتمل ذلك يجب أن يضع حدا لكل هذه الضوضــاء وهذا الصخب والفزع .. صـاح من خلف البوابة
- من هناك ؟
- من أنت يا هـــذا ؟
- ماذا تريــد ؟
- أنصحك بالأبتعاد عن هنا .. لأنني مسلح .. فهذه منشأت حكومية ..!
- ستأتي فرقــة من الجيش بعد 10 دقائـــــــق .
- صدقــــني , لا تــريد أن تورط نفسك معهم .
ثـــوان الصمت تلك التي أمتدت إلى دقائق .. إذ به يفاجأُ بصــــــوتٍ من خلف البـوابة ينـــادي :
- أفتــح يا رجــل ؟
- ما با لك لا تــرد لي جوابـــا ..!
- أنني زميلك في العمـــل ..!
- أنــا الحــارس الجديـــد المرافــــق لك .
شعر عمار بــأرتياح كبير بعدمـــا سمع وكــأن صخــرة تفوق الجبل طــولا وعرضا قد أزيحت من فوق صــدره أنسته عفاريت الجن والأنس , قال لــــه حــين ذاك
- وكيف لي أن اتأكد من ذلك ؟
- أجابــــــه : أنني مرسل من قبل أبن عمك , وأسمك عمار أليس كذلك ؟ ألم يخبرك أحـــدا بقدومي ؟
- عمـــــــار قال مترددا : بلى بلى أبلغوني بذلك
- قــــال لـه : حسنا إذا أفتح البوابة , أنــني متعب من مشقة هذا الطـــريق الوعــر , إلامــا ستجعلنــي أنتظـــــــر ؟
وفي لحظات تفكيره وعمـــق خيالــه وحينما أنقضت 12 دقيقة ونصف الدقيقة فتح لـــه نهاية الأمـــر بعدمــا ظل ممسكــا أقفال البوابة بيديـــه بـرهة طــويلة من الوقت وكأنه لا يريد لمن خلفها أن يتسلل إلى حياتـــه السرية في المعمل ليشاركه مملكــة الحــزن التي أحتلهـــا بعواطفــه الخالية من المشاعــر وبدون عنــف , كان مستكرها لـــذلك لأن هناك من سيدخل معه في المكان الذي أعتبره ملكا له لوحده يخصه هــو , ألا أن هناك ضيفا ثقيلا سيجلس قبالته وسيحول وحدتـــه الجميلة الـــتي تحولت إلى فيلم رعب عاشها وحيدا .. ورغم ذلك ألا أنه كان سعيدا جدا بأن هناك من سيؤنسه .
يتبع ...