من البدع والمنكرات: مشابهةُ الكفّار وموافقتُهُم في أعيادهم ومواسمهم الملعونة، كما يفعله كثيرٌ من جَهَلَةِ المسلمين، ومن ذلك: أعياد النَّصارى، أو غيرهم من الكافرين، أو الأعَاجِم(وهُمْ غَيْرُ العَرَب)
والأعراب الضَّالِّين، لا ينبغي للمسلم أن يَتَشَبَّهَ بهم في شيءٍ من ذلك، ولا يوافقهم عليه، قال الله تعالى لنبيِّه محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾[الجاثية:18-19](1).
وتشبُّهُ المسلمِ بالكافرين حرامٌ، وإن لم يَقْصِدْ ما قَصَدُوهُ، بدليل ما روى ابنُ عمر عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَنْ تَشَبَّهَ بقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(2).
فأنتَ تَرَى أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حرَّمَ على المسلمِ أن يَتَشَبَّهَ بالمُخَالِفِينَ لِدِينِنَا على جميعِ الأَحوال؛ سواءٌ أَكَانَ هذا المسلمُ يُحِبُّ أن يتشبَّهَ بِهِم أو لا يُحبُّ ذلكَ!
وقد جاءتْ أحاديثُ وآثارٌ كثيرةٌ في النَّهيِ عن التَّشبُّه بأهل الكتاب والكُفَّار والأَعَاجِم، ذَكَرَهَا مُؤَلِّفُ كتابِ «اقتضاءُ الصِّراطِ المستقيم مخالفةَ أصحابِ الجحيم»، كما نَقَلَ اتِّفاقَ أئمَّةِ الإسلام على النَّهيِ عن موافقة الكفَّار والأعاجم، والأَمْرِ بمخالفتهم.
وممَّا يجب أن يُخَالَفُوا فيه، ويَحْرُمُ مُوَافَقَتُهم وإِقْرَارُهم عليه: أعيادُهُم؛ فهذه يَحْرُمُ إحياؤها، وإظْهَارُها، وأن نَفْعَلَ ما يُشيرُ إلى تعظيمها أو الرِّضَاءِ بها:
- لأنَّ فيها مشابهةً للكفَّار.
- لأنَّها من البدع؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَد»(3)، فلا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَتَشَبَّهَ بهم - إذنْ - في هذه الأعياد.
* وقد صحَّ أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهى عن اليومَيْن اللّذَيْنِ كان الصَّحابةُ يلعبون فيهما في الجاهلية، وقال: «قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللهُ بِهِمَا خَيْرا مِنْهُمَا»(4)، ففي هذا الحديث دليلٌ على أنَّه كان للنَّاس في الجاهلية أعيادٌ يجتمعون فيها، لكن لمَّا بُعِثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جاءَ اللهُ بمَحْوِ تلكَ الأعيادِ، فلم يَبْقَ شيءٌ منها، فتركها النَّاسُ لأنَّ رسولَ الإسلام كان ينهى عنها ويمنعُها ولولا ذلكَ لما تركُوها.
ولِهَذَا قالَ مَنْ قالَ مِنَ العُلماء: إنَّ «إمامَ المتَّقِين - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يمنعُ أُمَّتَهُ مَنْعًا قَوِيًّا عن أعياد الكفار، ويَسْعَى في دُرُوسِهَا (أي:مَحْوِهَا) وطُمُوسِهَا (أيْ: زَوَالِهَا) بكُلِّ سبيل» اهـ(5).
* وصحَّ من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ مِنًى: عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ»(6). وهذا الحديث واضحٌ في أنَّنا - مَعْشَرَ المسلمين - نُفارِقُ غَيْرَنَا في العيد.
* وصحَّ أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - رخَّصَ في لَعِبِ الجواري (البنات الصِّغار) بالدُّفِّ وتَغَنِّيهِنَّ، وعلَّل ذلك بأنَّه لِكُلِّ قومٍ عيدًا، وأنَّ هذا عيدُنَا، فقال: «يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ»(7)، «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ! فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ»(8)، وَتِلْكَ الأَيَّامُ أيَّامُ مِنَى.
فهذا الحديثُ فيه دليلٌ على اختصاصِ كلِّ قومٍ بعيدهم، كما قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة:48]، فإذا كان للنَّصارى عيد، ولليهود عيد، مُخْتَصِّين بذلك، فلا يُشَارِكُهُمْ فيه مسلمٌ، كما لا يُشَارِكُهُمْ في شِرْعَتِهِمْ ولا في قِبْلَتِهِمْ(9).
وأنتَ ترى - أخي المسلم الَّذي يَعتَزُّ بإِسلامِهِ - أنَّهُمْ لا يُشَارِكُونَنَا هم في أعيادنا مع أنَّها هي الأعيادُ الصَّحيحةُ الَّتي أَمَرَ اللهُ بِهَا وشَرَعَها، فَكيفَ نُشارِكُهُم أعيَادَهُمْ؟!
هذا، وتِلْكُمُ الأعياد الَّتي أَبْطَلَهَا رسولُ الإسلام كانت تُعْرَفُ بالحِسَابِ العَرَبيّ، فما بالُكَ الأعياد المعروفة: (بالحِسابِ الجاهلي العَجَمِي)؛ كالحساب الرُّومي القِبْطِي، أو الفارسي، أو العِبْرِي، أو البربري ونحو ذلك...(فكيف بأعياد الكافرين العَجَمِيَّة). فهذه: الأيَّامُ العجمية أو الجاهلية الّتي لا تُعْرَفُ بالحِسابِ العربِيّ، أَوْلَى بالإِبْطَالِ والسَّعْيِلِمَحْوِهَا ونَهْيِ النَّاسِ عنها.
* إِحْيَاءُ أَعْيَادِ النَّصارى وغيرِهِمْ مُعَاكَسَةٌ لما جاءَ بهِ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -:
ثُمَّ انظرْ هذا - أخي المسلم الّذي يعتزُّ بإسلامِهِ - مَعَ مَا يَقَعُ مِنَ النَّاس اليومَ من العناية بأعياد الكفَّار والأعاجم، أو العنايةِ بعاداتهم الَّتي كان عليها أسلافُهُمْ وأجدادهم في جاهليَّتهم، وزمانِ وَثَنَيِّتَهِمْ، ولم يَأْتِ بها الإسلامُ ولم يُقِرَّهَا، فتراهم يَسْعَوْنَ في تجديدها! وإعادةِ إحْيَائِها، وحَثِّ النَّاس عليها ودَعْوَتِهِم إليها بعد طُمُوسها وَدُرُوسها، مُعَاكَسَةً لما كان عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فيتَّخِذُونها أيَّامَ فَرَحٍ ورَاحَةٍ ويُعطِّلُون فيها العَمَل، ويُوَسِّعون فيها على أهليهم ويلبسون أجمل الثِّياب، ويصنعون فيها أنواعًا مخصوصةً من الأطعمة، ويتهادون الهدايا، ويُهَنِّئُ بعضُهُم بعضًا فيها، وترى كثيرًا منهم: يَخرجون إلى القبور- قبورِ من يعتقدون فيهم الولاية ويُعظِّمونهم – ويُبَخِّرُونها ويُوقِدُونَ الشُّمُوع عليها... وهكذا يَنْشَؤُونَ على اعتياد ذلك، ويَتَلَقَّاهُ الأبناء عن الآباء، والأحفاد عن الأجداد.
وهذا كلُّهُ تصديقُ قولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَتَتَّبِعُنَّ سنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ». قلنا: يا رسولَ الله! اليهود والنَّصارى؟ قال: «فَمَنْ؟»(10)، وفي روايةٍ: «كَمَا فَعَلَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ»(11).
وهذه - أخي المسلم الَّذي يعتزُّ بإسلامِهِ - بعضٌ من أعياد ومواسم أهل الكتاب والكفَّار والأعاجِم، نأتي على ذِكْرِهَا، ليَحْذَرَهَا المسلم، وليَعْلَمَ مَصْدَرَ كثيرٍ ممَّا اعتاده الجاهلون مِنْها:
* النَّيْرُوز:
(النَّيروز) مُعَرَّبُ الكلمةِ الفارسيَّة: «نُورُوز»، وهو بمعنى «اليوم الجديد»؛ لأنَّ «نُو» بمعنى الجديد، و«روز» بمعنى اليوم، والنّيروز عند الفُرْس هو اليوم الَّذي دخل بُرْجُ «الحَمَل» فيه، وهو أوَّلُ السَّنة الشَّمسية، كما أن غُرَّةَ المحرّم أوّلُ السَّنَة القمرية.
قال الحطَّاب - رحمه الله - (ت: 954هـ) في «مواهب الجليل في شرح مختصر خليل»(13/490): «والنَّيروز هو أوَّلُ يومٍ من السَّنَة القِبطية والسِّرْيانيَّة والعَجَمِيَّة والفارسيَّة ومعناه اليومُ الجديد» اهـ.
وهذا (النُّورُوز)، أو: (عيد رأس السَّنة) يختلفُ تَوْقِيتُهُ من قومٍ إلى قومٍ، وما يتَّخِذُهُ هؤلاءِ (نيروزًا)، قد يتَّخذه آخرون في يومٍ غيرِهِ، فكلٌّ لَهُ خصوصيَّاتُهُ واعتباراتُهُ، فَمِن ذلكَ: نيروز الفُرس المجوس ونيروز الأقباط ونيروز الفراعنة ونيروز الأكراد...إلخ.
* الِمهْرَجَانُ:
قال الحطَّاب في«مواهب الجليل» (13/490): «...والمِهْرَجَانُ ويسمَّى عندهم العَنْصَرَةُ، وهو مولدُ يحيى عليه الصَّلاة والسَّلام، وهو عيدٌ عظيمُ الشَّأن عندَ الفُرْس، وهو اليوم السّادسُ[عشر] من شهر (مُهْرَمَاهُ) سابعُ أشهر السَّنة الفارسيّة وآخر يومٍ من (بَئُونَةَ) من [شُهُورِ] السَّنة القِبْطِيَّة...» اهـ.
وقال ابن العماد - رحمه الله - في «شذرات الذّهب» (3/172): «ويومُ العَنْصَرَة: رابع وعشرين (حُزَيْرَان)[وهو شهرُ (يُونيُو) أو (جوان)] وهو مَوْسِمٌ للنَّصارى مشهورٌ ببلاد الأندلس وفي هذا اليوم ...وُلِدَ يحيى بن زكرياء عليهما السَّلام» اهـ.
* عيد ميلاد المسيح:
ومن أعياد النَّصارى: (عيد ميلاد المسيح)، في الأسبوع الأخير من (ديسمبر) في (24-25) مِنْهُ، وآخرُ يومٍ من (ديسمبر) يُصادِفُ سَابِعَ الميلاد.
قال الحطَّاب في «مواهب الجليل» (6/501): «والميلاد هو اللَّيلةُ الَّتي صبيحَتُهَا الخامس والعشرون من (كانون الأول) [أي:ديسمبر]... ويُسمَّى عيد الميلاد ويَعْنُونَ به ميلاد المسيح» اهـ.
* عيد (ينَّاير) البربري:
ومن الأعياد الخاصَّة بالبربر(الأمازيغ): عيدُ «ينَّاير»، وهو عيدٌ لرأس السَّنة العجميَّة البربريّة، المصادف (12-13 جانفي)، يُحْيُونَ طقوسَهُ وفق طقوس الأجداد، يُعِدُّون لأجله أصنافَ الأطعمة، ومختلفَ المآكل، وتختلفُ طُقُوسُ الاحتفال هذه مِن منطقةٍ لأُخرى.
وللأسف أنَّ كثيرًا من جَهَلَةِ النَّاس يحرصون على المحافظةِ على هذه الطُّقُوس العَجَمِيَّة البربريَّة القديمةِ، فتراهم في ليلة (13) جانفي الّذي يُصادِفُ الأول ينّاير البربري، يَشْتَرُونَ الحلويّات المختلفة الشَّكل والفواكه المُتَنَوِّعة؛ كالتّفاح والأنجاص والبرتقالة والماندرينة والموز «والتْرَازْ» من الجوز واللُّوز والبندق والكاوكاو... وغيرِها.
وتسميةُ خليط المكسّرات بـ(التْرَازْ)، يُشيرُ إلى اليوم (13) وهو ( treize) بالفرنسيَّة، وما فَعَلُوا ذلكَ إلَّا لأجلِ التّبرُّك والتَّيَامُنِ بهذا اليوم الَّذي صادفَ أوّل ينّاير.
ألا فلْيُعلم أنَّ الحفاوةَ بهذا العيدِ هُوَ مِنْ تعظيمِ الكُفْرِ والوثنيَّةِ الّتي كان عليها البربرُ قبلَ الإسلام! فهو عيدُهم لمَّا كانُوا وَثنِيِّين، وبعدَ أن صارُوا مسلمينَ فلَيْسَ لهم من العِيدِ إلَّا ما شَرَعَ الإسلامُ وهو خيرٌ لهم من أعيادهم في جاهليَّتِهم (قَدْ أَبْدَلَهُم اللهُ خَيْرًا منها).
* عِيدُ (العْجُوزَة) ذِكْرَى وَثَنِيَّة:
وليُعْلَمْ - أيضًا - أنّ عيد (ينّاير) البربري لا يزالُ يُصاحبُهُ خرافاتٌ وأساطيرُ بربريَّة وثنيَّة، فمنهم من يَعرِفُهُ بِـ: (عيد العجوزة)، وهي الأسطورة الّتي تحكي عن امرأةٍ عجوز ظُلِمَت فأَبْدَلَتْ الطَّبيعةُ (أو الآلهةُ) حُزْنَهَا سُرُورًا وأيَّامَ ظُلْمَتِها نُورًا...
فكيفَ - أخي المسلم الّذي يعتزُّ بإسلامه - تَحْتَفِي بِعِيدٍ هُوَ في أصلِهِ ذِكْرَى وَثَنِيَّة وخُرافة بربريَّة!
* تَحْذِيرٌ مِنْ سُنَنِ الجَاهِلِيِّين!
ولْتَعْلَم - أخي المسلم الّذي يعتزُّ بإسلامِهِ - أنَّ أعياد الفُرْس، والنَّصارى، والأعَاجِم (البربر)، وغيرهم من أنواع الكفَّار، جميعُها: من (سُنَنِ الجاهليَّةِ) الَّتي نُهِينا عنها، وقد تَسَرَّبَتْ إلى المسلمين (ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله) بحُكْمِ المخالطة والتَّأثُّر.
ولْتَعْلَمْ أنَّ من احتفل بالنَّيروز، أو بأحدِ هذه (النَّيروزات)، فقد شَارَكَ (المجوسيَّةَ) و(الوثنِيَّةَ) و(أُمَمَ العَجَمِ) في تعظيم عيدهم أو أعيادهم(الجاهليَّة)، فلْيَتُبْ إلى الله مِنْ هذه الوَرْطَة الَّتي وقع فيها، ولْيَعْلَم أنَّ الإسلام هَدَمَ ومَحَا ما قبَلْهَ ُمِنْ مَوْرُوثات (الأعياد) و(المهرجانات).
والأعراب الضَّالِّين، لا ينبغي للمسلم أن يَتَشَبَّهَ بهم في شيءٍ من ذلك، ولا يوافقهم عليه، قال الله تعالى لنبيِّه محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾[الجاثية:18-19](1).
وتشبُّهُ المسلمِ بالكافرين حرامٌ، وإن لم يَقْصِدْ ما قَصَدُوهُ، بدليل ما روى ابنُ عمر عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَنْ تَشَبَّهَ بقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(2).
فأنتَ تَرَى أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حرَّمَ على المسلمِ أن يَتَشَبَّهَ بالمُخَالِفِينَ لِدِينِنَا على جميعِ الأَحوال؛ سواءٌ أَكَانَ هذا المسلمُ يُحِبُّ أن يتشبَّهَ بِهِم أو لا يُحبُّ ذلكَ!
وقد جاءتْ أحاديثُ وآثارٌ كثيرةٌ في النَّهيِ عن التَّشبُّه بأهل الكتاب والكُفَّار والأَعَاجِم، ذَكَرَهَا مُؤَلِّفُ كتابِ «اقتضاءُ الصِّراطِ المستقيم مخالفةَ أصحابِ الجحيم»، كما نَقَلَ اتِّفاقَ أئمَّةِ الإسلام على النَّهيِ عن موافقة الكفَّار والأعاجم، والأَمْرِ بمخالفتهم.
وممَّا يجب أن يُخَالَفُوا فيه، ويَحْرُمُ مُوَافَقَتُهم وإِقْرَارُهم عليه: أعيادُهُم؛ فهذه يَحْرُمُ إحياؤها، وإظْهَارُها، وأن نَفْعَلَ ما يُشيرُ إلى تعظيمها أو الرِّضَاءِ بها:
- لأنَّ فيها مشابهةً للكفَّار.
- لأنَّها من البدع؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَد»(3)، فلا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَتَشَبَّهَ بهم - إذنْ - في هذه الأعياد.
* وقد صحَّ أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نهى عن اليومَيْن اللّذَيْنِ كان الصَّحابةُ يلعبون فيهما في الجاهلية، وقال: «قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللهُ بِهِمَا خَيْرا مِنْهُمَا»(4)، ففي هذا الحديث دليلٌ على أنَّه كان للنَّاس في الجاهلية أعيادٌ يجتمعون فيها، لكن لمَّا بُعِثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جاءَ اللهُ بمَحْوِ تلكَ الأعيادِ، فلم يَبْقَ شيءٌ منها، فتركها النَّاسُ لأنَّ رسولَ الإسلام كان ينهى عنها ويمنعُها ولولا ذلكَ لما تركُوها.
ولِهَذَا قالَ مَنْ قالَ مِنَ العُلماء: إنَّ «إمامَ المتَّقِين - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يمنعُ أُمَّتَهُ مَنْعًا قَوِيًّا عن أعياد الكفار، ويَسْعَى في دُرُوسِهَا (أي:مَحْوِهَا) وطُمُوسِهَا (أيْ: زَوَالِهَا) بكُلِّ سبيل» اهـ(5).
* وصحَّ من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ مِنًى: عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ»(6). وهذا الحديث واضحٌ في أنَّنا - مَعْشَرَ المسلمين - نُفارِقُ غَيْرَنَا في العيد.
* وصحَّ أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - رخَّصَ في لَعِبِ الجواري (البنات الصِّغار) بالدُّفِّ وتَغَنِّيهِنَّ، وعلَّل ذلك بأنَّه لِكُلِّ قومٍ عيدًا، وأنَّ هذا عيدُنَا، فقال: «يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ»(7)، «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ! فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ»(8)، وَتِلْكَ الأَيَّامُ أيَّامُ مِنَى.
فهذا الحديثُ فيه دليلٌ على اختصاصِ كلِّ قومٍ بعيدهم، كما قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة:48]، فإذا كان للنَّصارى عيد، ولليهود عيد، مُخْتَصِّين بذلك، فلا يُشَارِكُهُمْ فيه مسلمٌ، كما لا يُشَارِكُهُمْ في شِرْعَتِهِمْ ولا في قِبْلَتِهِمْ(9).
وأنتَ ترى - أخي المسلم الَّذي يَعتَزُّ بإِسلامِهِ - أنَّهُمْ لا يُشَارِكُونَنَا هم في أعيادنا مع أنَّها هي الأعيادُ الصَّحيحةُ الَّتي أَمَرَ اللهُ بِهَا وشَرَعَها، فَكيفَ نُشارِكُهُم أعيَادَهُمْ؟!
هذا، وتِلْكُمُ الأعياد الَّتي أَبْطَلَهَا رسولُ الإسلام كانت تُعْرَفُ بالحِسَابِ العَرَبيّ، فما بالُكَ الأعياد المعروفة: (بالحِسابِ الجاهلي العَجَمِي)؛ كالحساب الرُّومي القِبْطِي، أو الفارسي، أو العِبْرِي، أو البربري ونحو ذلك...(فكيف بأعياد الكافرين العَجَمِيَّة). فهذه: الأيَّامُ العجمية أو الجاهلية الّتي لا تُعْرَفُ بالحِسابِ العربِيّ، أَوْلَى بالإِبْطَالِ والسَّعْيِلِمَحْوِهَا ونَهْيِ النَّاسِ عنها.
* إِحْيَاءُ أَعْيَادِ النَّصارى وغيرِهِمْ مُعَاكَسَةٌ لما جاءَ بهِ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -:
ثُمَّ انظرْ هذا - أخي المسلم الّذي يعتزُّ بإسلامِهِ - مَعَ مَا يَقَعُ مِنَ النَّاس اليومَ من العناية بأعياد الكفَّار والأعاجم، أو العنايةِ بعاداتهم الَّتي كان عليها أسلافُهُمْ وأجدادهم في جاهليَّتهم، وزمانِ وَثَنَيِّتَهِمْ، ولم يَأْتِ بها الإسلامُ ولم يُقِرَّهَا، فتراهم يَسْعَوْنَ في تجديدها! وإعادةِ إحْيَائِها، وحَثِّ النَّاس عليها ودَعْوَتِهِم إليها بعد طُمُوسها وَدُرُوسها، مُعَاكَسَةً لما كان عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فيتَّخِذُونها أيَّامَ فَرَحٍ ورَاحَةٍ ويُعطِّلُون فيها العَمَل، ويُوَسِّعون فيها على أهليهم ويلبسون أجمل الثِّياب، ويصنعون فيها أنواعًا مخصوصةً من الأطعمة، ويتهادون الهدايا، ويُهَنِّئُ بعضُهُم بعضًا فيها، وترى كثيرًا منهم: يَخرجون إلى القبور- قبورِ من يعتقدون فيهم الولاية ويُعظِّمونهم – ويُبَخِّرُونها ويُوقِدُونَ الشُّمُوع عليها... وهكذا يَنْشَؤُونَ على اعتياد ذلك، ويَتَلَقَّاهُ الأبناء عن الآباء، والأحفاد عن الأجداد.
وهذا كلُّهُ تصديقُ قولِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَتَتَّبِعُنَّ سنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ». قلنا: يا رسولَ الله! اليهود والنَّصارى؟ قال: «فَمَنْ؟»(10)، وفي روايةٍ: «كَمَا فَعَلَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ»(11).
وهذه - أخي المسلم الَّذي يعتزُّ بإسلامِهِ - بعضٌ من أعياد ومواسم أهل الكتاب والكفَّار والأعاجِم، نأتي على ذِكْرِهَا، ليَحْذَرَهَا المسلم، وليَعْلَمَ مَصْدَرَ كثيرٍ ممَّا اعتاده الجاهلون مِنْها:
* النَّيْرُوز:
(النَّيروز) مُعَرَّبُ الكلمةِ الفارسيَّة: «نُورُوز»، وهو بمعنى «اليوم الجديد»؛ لأنَّ «نُو» بمعنى الجديد، و«روز» بمعنى اليوم، والنّيروز عند الفُرْس هو اليوم الَّذي دخل بُرْجُ «الحَمَل» فيه، وهو أوَّلُ السَّنة الشَّمسية، كما أن غُرَّةَ المحرّم أوّلُ السَّنَة القمرية.
قال الحطَّاب - رحمه الله - (ت: 954هـ) في «مواهب الجليل في شرح مختصر خليل»(13/490): «والنَّيروز هو أوَّلُ يومٍ من السَّنَة القِبطية والسِّرْيانيَّة والعَجَمِيَّة والفارسيَّة ومعناه اليومُ الجديد» اهـ.
وهذا (النُّورُوز)، أو: (عيد رأس السَّنة) يختلفُ تَوْقِيتُهُ من قومٍ إلى قومٍ، وما يتَّخِذُهُ هؤلاءِ (نيروزًا)، قد يتَّخذه آخرون في يومٍ غيرِهِ، فكلٌّ لَهُ خصوصيَّاتُهُ واعتباراتُهُ، فَمِن ذلكَ: نيروز الفُرس المجوس ونيروز الأقباط ونيروز الفراعنة ونيروز الأكراد...إلخ.
* الِمهْرَجَانُ:
قال الحطَّاب في«مواهب الجليل» (13/490): «...والمِهْرَجَانُ ويسمَّى عندهم العَنْصَرَةُ، وهو مولدُ يحيى عليه الصَّلاة والسَّلام، وهو عيدٌ عظيمُ الشَّأن عندَ الفُرْس، وهو اليوم السّادسُ[عشر] من شهر (مُهْرَمَاهُ) سابعُ أشهر السَّنة الفارسيّة وآخر يومٍ من (بَئُونَةَ) من [شُهُورِ] السَّنة القِبْطِيَّة...» اهـ.
وقال ابن العماد - رحمه الله - في «شذرات الذّهب» (3/172): «ويومُ العَنْصَرَة: رابع وعشرين (حُزَيْرَان)[وهو شهرُ (يُونيُو) أو (جوان)] وهو مَوْسِمٌ للنَّصارى مشهورٌ ببلاد الأندلس وفي هذا اليوم ...وُلِدَ يحيى بن زكرياء عليهما السَّلام» اهـ.
* عيد ميلاد المسيح:
ومن أعياد النَّصارى: (عيد ميلاد المسيح)، في الأسبوع الأخير من (ديسمبر) في (24-25) مِنْهُ، وآخرُ يومٍ من (ديسمبر) يُصادِفُ سَابِعَ الميلاد.
قال الحطَّاب في «مواهب الجليل» (6/501): «والميلاد هو اللَّيلةُ الَّتي صبيحَتُهَا الخامس والعشرون من (كانون الأول) [أي:ديسمبر]... ويُسمَّى عيد الميلاد ويَعْنُونَ به ميلاد المسيح» اهـ.
* عيد (ينَّاير) البربري:
ومن الأعياد الخاصَّة بالبربر(الأمازيغ): عيدُ «ينَّاير»، وهو عيدٌ لرأس السَّنة العجميَّة البربريّة، المصادف (12-13 جانفي)، يُحْيُونَ طقوسَهُ وفق طقوس الأجداد، يُعِدُّون لأجله أصنافَ الأطعمة، ومختلفَ المآكل، وتختلفُ طُقُوسُ الاحتفال هذه مِن منطقةٍ لأُخرى.
وللأسف أنَّ كثيرًا من جَهَلَةِ النَّاس يحرصون على المحافظةِ على هذه الطُّقُوس العَجَمِيَّة البربريَّة القديمةِ، فتراهم في ليلة (13) جانفي الّذي يُصادِفُ الأول ينّاير البربري، يَشْتَرُونَ الحلويّات المختلفة الشَّكل والفواكه المُتَنَوِّعة؛ كالتّفاح والأنجاص والبرتقالة والماندرينة والموز «والتْرَازْ» من الجوز واللُّوز والبندق والكاوكاو... وغيرِها.
وتسميةُ خليط المكسّرات بـ(التْرَازْ)، يُشيرُ إلى اليوم (13) وهو ( treize) بالفرنسيَّة، وما فَعَلُوا ذلكَ إلَّا لأجلِ التّبرُّك والتَّيَامُنِ بهذا اليوم الَّذي صادفَ أوّل ينّاير.
ألا فلْيُعلم أنَّ الحفاوةَ بهذا العيدِ هُوَ مِنْ تعظيمِ الكُفْرِ والوثنيَّةِ الّتي كان عليها البربرُ قبلَ الإسلام! فهو عيدُهم لمَّا كانُوا وَثنِيِّين، وبعدَ أن صارُوا مسلمينَ فلَيْسَ لهم من العِيدِ إلَّا ما شَرَعَ الإسلامُ وهو خيرٌ لهم من أعيادهم في جاهليَّتِهم (قَدْ أَبْدَلَهُم اللهُ خَيْرًا منها).
* عِيدُ (العْجُوزَة) ذِكْرَى وَثَنِيَّة:
وليُعْلَمْ - أيضًا - أنّ عيد (ينّاير) البربري لا يزالُ يُصاحبُهُ خرافاتٌ وأساطيرُ بربريَّة وثنيَّة، فمنهم من يَعرِفُهُ بِـ: (عيد العجوزة)، وهي الأسطورة الّتي تحكي عن امرأةٍ عجوز ظُلِمَت فأَبْدَلَتْ الطَّبيعةُ (أو الآلهةُ) حُزْنَهَا سُرُورًا وأيَّامَ ظُلْمَتِها نُورًا...
فكيفَ - أخي المسلم الّذي يعتزُّ بإسلامه - تَحْتَفِي بِعِيدٍ هُوَ في أصلِهِ ذِكْرَى وَثَنِيَّة وخُرافة بربريَّة!
* تَحْذِيرٌ مِنْ سُنَنِ الجَاهِلِيِّين!
ولْتَعْلَم - أخي المسلم الّذي يعتزُّ بإسلامِهِ - أنَّ أعياد الفُرْس، والنَّصارى، والأعَاجِم (البربر)، وغيرهم من أنواع الكفَّار، جميعُها: من (سُنَنِ الجاهليَّةِ) الَّتي نُهِينا عنها، وقد تَسَرَّبَتْ إلى المسلمين (ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله) بحُكْمِ المخالطة والتَّأثُّر.
ولْتَعْلَمْ أنَّ من احتفل بالنَّيروز، أو بأحدِ هذه (النَّيروزات)، فقد شَارَكَ (المجوسيَّةَ) و(الوثنِيَّةَ) و(أُمَمَ العَجَمِ) في تعظيم عيدهم أو أعيادهم(الجاهليَّة)، فلْيَتُبْ إلى الله مِنْ هذه الوَرْطَة الَّتي وقع فيها، ولْيَعْلَم أنَّ الإسلام هَدَمَ ومَحَا ما قبَلْهَ ُمِنْ مَوْرُوثات (الأعياد) و(المهرجانات).