بسم الله الرحمــــــــن الرحيم
فارسة الصحراء
ايزابيل ابرهارت
Isabelle Eberhardt
شخصية تاريخية مثيرة للجدل،ليس لأنها عشقت الجزائر وعاشت ثم ماتت ودفنت بأرضها.
لكن أيضا لشهرتها العالمية ككاتبة وما أحيط حولها من جدل يحاول أن يثير الشكوك.
لست سوى إنسانة أصيلة، فريدة وغريبة نوعا ما، وصاحبة أحلام وأفكار، تريد أن تعيش بعيدا عن هذا العالم المعاصر المليء بالنفاق والخداع، تريد أن تعيش حرة، حياة البدووالرحل
نقرأ في تقارير الشرطة السرية السويسرية:
تاريخ الميلاد:17 فيفري 1877
المدينة: ميران قرب جنيف
ابنة: الأب مجهول
و: نـتالي مـوردر
المهنة: دون عمل
العنوان: طريق ميران،جنيف،فيلا نانوف
القامة: 1.65 م تقريبا
البنية الجسدية: رشيقة ورهيفة
الشعر: أشقر قصير
البشرة: بيضاء
العينان: أزرق مبقع
الاسم واللقب: إيزابيل إبرهارت
علامات خصوصية: تلبس لباس رجال.
فتاة لا تتعدى العشرين من عمرها ، في هندام رجل و الرجل هندام في مجتمع نصفه رجال و نصفه ضحايا رجال ، في لباس فارس عربي و العرب من المحيط الى الخليج "اما نعجة مذبوحة أو حاكم قصاب"...جاءتنا ايزابيل ابرهارت أو محمود سعدي كما كانت تمضي بذلك قصصها و تحقيقاتها في الصحافة الجزائرية في بداية القرن العشرين فكانت بيننا رسول حب و سلام.
ولدت في سويسرا سنة 1877 من أم روسية مسيحية و أب؟؟؟-احتار الناس في نسبها- قالت عنه هي أنه تركي مسلم و قال بعض من كتبوا عنها أنه ذلك الكاهن الارمني ، الارثذوكسي الذي ترك الكنيسة و قد أتى به الجنرال زوج أمها ليعلم له أبناءه الخمسة ففر بالزوجة من معتقل الاستبداد القيصري الى سويسرا و هي البلد الهادئ المسالم الذي يتقاطع فيه الحب و السلم.
الجنرال "بول كارلويتش دي موردر" مات قبل ثلاث سنوات من ميلاد ايزابيل فهو ليس والدها ، و المعلم الارمني الحر أعطاها من فكره و قلبه و لكنه لم يمنحها اسمه هو المقيد في سجلات الحالة المدنية تحت اسم "ألكسندر تروفيموسكي" .و ذهب أحد كتاب سيرتها و هم كثر "بيار آرنو" و هو المهووس ب"أرثر رامبو" و جعل الشاعر المنبوذ أبا لها لعلاقة روحية أو ربما وراثية تربطهما: كلاهما كانا متمردين ، مسحورين بالانطلاق نحو الآفاق البعيدة و المغامرات الغريبة.
و ليس مهما أن نعرف نسبها -نحن المولعون بالبحث في الأنساب- فربما جهلته هي نفسها فجعلت لها الأب الذي تريده لكل فترة من حياتها و طارئ من طوارئ أيامها .و ما منعها ذلك من أن تكون امراة فوق العادة ، مهمتها أن تحب فوق العادة شيئين اثنين: الشرق و الحرية.
و الشرق عند ايزابيل فوق ما أتى به المستشرقون .الشرق ليس بوابة افريقيا و افريقيا أسد هصور يغفو لفترة و ينتفض لفترات..الشرق عند ايزابيل عمق الانسانية في بساطتها و حرارتها و سجيتها..الشرق ليس عالما مجهولا ، سحريا ، اكزوتيكيا ..انه أرض تفور منها روائح الثورة و الحب و الجمال و شعب رغم الأصفاد حر الحواس ، حر المشاعر ، حر العقيدة..الشرق اسلام اعتنقته و أحبته حد التصوف أحيانا ، و اله رأته على أرضه البكر و في أعماقها حين تصفو الاعماق و ترتاح في كنف القوي العزيز و قد تحررت من كل العلائق التي ترهق و من كل شيء.
في سن العشرين تكسر الفتاة كتل الجليد الذي أحاط بها في أروبا و تنطلق بها أهواءها ، شيء في طبيعتها و أشياء في نفسها الى أجواء ترى فيها الوجه الآخر للحياة ، للأرض ، للانسان ، و تتلمس ذلك البعد الذي ان تحركت وفقه خفض الكوكب من سرعته احتراما لآهليه و حبا في ساكنيه، مثلها مثل الكثير من الأروبيين الذين خنقتهم بورجوازية القرن التاسع عشر فانطلقوا باحثين عن أراض عذراء يمتلئ فوقها ذلك الخواء الروحي الذي جوّف خلاياهم كلها و يجدون فيها شيئا جديدا ساحرا و جذابا.
في سن العشرين اذن تتبع الفتاة والدتها الى عنابة بالجزائر .و هناك تعتنق الوالدة الاسلام و تموت بعد ذلك بقليل فتعود الصبية الى جنيف لتقوم بواجبها اتجاه ذاك الذي رباها .و لكنه يموت هو الآخر بعد زمن قصير فتعود الى افريقيا و تعبر على صهوة حصان تونس و الشرق الجزائري حتى الجنوب و هي في لباس فارس عربي و قد تمكنت من لغة البلد فأتقنت التعامل بها .
و في الجزائر و بالضبط في صحرائها تجد ايزابيل نفسها ، حنينها ، قلمها و حتى دينها حيث تنضم في مدينة"الوادي" الى الجمعية الدينية "اخوان القادرية" و تزور الزوايا و تجد في التصوف راحة داخلية سرعان ما يحطمها القلق الفطري الذي يركب الفتاة .ذلك أن هذه الحسناء ، القوية ، الساحرة، كانت تتميز بطبيعة متقلبة و أهواء متناقضة تجعلها تتألم و لا تستقر على حال كما قالت هي عن نفسها.فتمضي حياتها متأرجحة بين النقيضين : بين بيوت العبادة و بيوت اللهو و المجون .و في صعودها و هبوطها كانت روحها تواجه قدرا سيزيفيا قاسيا.
غير أن أبرز و أسعد فترة في حياتها هي تلك التي قضتها في مدينة "عين الصفراء" أين التقت بالجنرال "ليوتاي" المكلف من طرف الادارة الفرنسية باعادة الامن الى الحدود الجزائرية المغربية فتنشأ بينهما صداقة عميقة مكنتها من القيام بتحقيقاتها الصحفية بكل حرية ، فجابت الصحراء مع قوافل البدو تقاسمهم حياتهم الصعبة على الرمال الساخنة و المرتفعات القاحلة فزارت القصور و القرى الصحراوية و الزوايا و الاماكن المقدسة و ذابت في المجتمع البدوي كل الذوبان .فاذا استحوذ عليها حب المغامرة انطلقت باحثة عن جماعات المتمردين لوحدها هي التي انضمت الى أحد معسكرات الجنود الفرنسيين و عاشت معهم و خضعت مثلهم لصرامة النظام العسكري.
جربت كل شيء اذن و قبلت من الرجال كل شيء أيضا الا أن تعامل كأنثى.
هل هو الجنون؟
هل هو التحدي؟ تحدي الانوثة أم تحدي الانثى التي تعرقلها الانوثة عن اتيان المعجزات و لكنها تأتيها رغم ذلك؟أم هو تحد للرجال في عقر قوتهم؟
أم هو بكل بساطة البحث عن معنى للحياة ، عن عمقها ، عن عصارتها ؟
ربما هو كل هذا ..و ربما لاشيء من هذا فقد اشتط الناس في الحديث عن عاشقة البادية التي لفها السحر و الغموض.
لم تقم ايزابيل ابرهارت بأي دور سياسي ، بل كانت دارسة لحياة أهالي البلد الذين استضافوها و أحبوها فاتخذت منهم أصدقاء لها و رفضت أن تلعب معهم دور الاستشراق الذي كان موضة ذلك العصر فتنظر اليهم بعين الدهشة و الغرابة و الفوقية ، فأثارت بذلك حفيظة المستوطنين الذين لم يحبوها و لا استساغوا مقالاتها و قصصها و أفكارها بل قاوموها و هاجموها و ربما هم الذين خططوا لمحاولة اغتيالها الفاشلة.
و لكن يشاء الموت أن يأتيها بغتة و هي في عمق الجنوب ..يأتيها ذات صباح خريفي من يوم 21 اكتوبر 1904 و هي في سن السابعة و العشرين اثر فيضان أحد الأودية بعد هطول امطار غزيرة أدت الى ردم قرية كاملة بعين الصفراء كانت الشابة تقطن فيها.و لم يعثر على جثتها الا بعد ثلاثة أيام غارقة في الأوحال تحت أنقاض بيتها.
و قد كتب عنها صديقها الجنرال "ليوتاي" كلمات تأبينية جميلة فقال:" كنا متفاهمين كثيرا محمود(ايزابيل) و أنا و سأظل محتفظا بالذكرى الرائعة لحكايانا المسائية .كانت أكثر ما يجذبني في هذا العالم: متمردة.أن تجد شخصا يمثل نفسه صادقا خارج المتعارف عليه و خارج القوالب المصنوعة و الكليشيهات الجاهزة ، يمضي في الحياة حرا كأنه طائر في الفضاء انه لشيء رائع .لقد أحببتها لما كانته و لما لم تكنه".
لم تترك ايزابيل وراءها غير بضعة مقالات منشورة في الصحف و بعض القصص (ياسمينة ، الخطيبة ، تاسعديت ، الساحر،...) و محاولة روائية (راخيل) و لكن حياتها العجيبة هي أكبر رواية تتركها.
و قد نشرت أعمالها بعد موتها .كما نشر الكثير عن حياتها .و لازالت الى يومنا هذا تثير الدهشة و الاستغراب و تسيل الكثير من الحبر.
و كانت كثيرا ما تسأل نفسها:لماذا أكتب؟
هوذا سؤال أي أديب...
الحب و الكتابة : حياة الأديب ..عالم الأديب ..رسالة الاديب، فان ربط بينهما بذلك الخيط الحريري الرفيع الذي يسمونه الصدق ، الصدق مع النفس و الصدق مع الناس و الصدق مع القلم كاد الاديب أن يكون قديسا.
فكانت ايزابيل تكتب بحب و كانت صاقة فيما كانت تكتبه الى أبعد الحدود كما كانت صادقة مع الناس الذين عاشرتهم و كتبت عنهم.كانت تريد أن تكون هي نفسها في كتاباتها كما في واقعها : مترفعة عن القوالب الاجتماعية و الأدبية السائدة في وقتها .و كانت تملك موهبة فذة تنبئ بمستقبل أدبي زاهر لولا أن الصمت جاء مبكرا.
"هذه هي حياتي ..حياة روح مغامرة ، متحررة من استبداد آلاف الأشياء الصغيرة التي نسميها "المكتسبات" و "العادات" و "الاعراف " و متشوقة الى حياة تحت الشمس ..حياة متغيرة و حرة "
أما أنا فأكتب عنها على بعد أكثر من قرن منها و على بعد مئات الاميال من ضريحها الذي أصبح مزارا و محجا للسواح و المهتمين بسيرتها في أصقاع العالم عرفانا لمحبتها لهذا الوطن و للشعب البسيط الذي يعمر جنبات هذا الوطن.و كانت تجيب في مذكراتها:"أكتب لانني أحب عملية الابداع الأدبي .أكتب كما أحب .و لأن ذاك على الأرجح هو قدري ..ذاك هو سلوتي الحقيقية".
***************
إنها من مواليد 17 فيفري 1877 بميران جنيف، من أم روسية ناتالي كرلوفتش(أرملة الجنرال الروسي موردر كرلوفتش) وأب مجهول الهوية ، لكنها تقول في مذكراتها: إنني ولدت مسلمة من أب روسي مسلم وأم روسية مسيحية، ولم أغير ديني أبدا وتقول في مقام آخر سوف أموت مسلمة مثل أبي.
وحسب الروايات أبوها أرمني إعتنق الاسلام بعد ما كان قسيسا يدعى ألكسندر تروفيموفسكي.
إنها فارسة الصحراء، عاشقة الجزائر وإنها اللغز القائم إلى الأبد، لقد بقيت في رحلة التيه منذ ولادتها حتى وافتها المنية بمدينة عين الصفراء في الجزائر يوم 21 أكتوبر 1904
نشأت في بيت أنيق يحوي حديقة وأشجار جميلة وتعلمت اللغات الروسية، الألمانية ، العربية والفرنسية وبعدها التركية والأمازيغية.
كانت إيزابيل ابرهارت تحب منذ صغرها تقليد الرجال في ملابسهم ومشيهم، حيث يمنح لها ذلك الراحة والحرية أكثر كما تقول في مذكراتها.
تبدأ قصتها مع الجزائر عندما كان عمرها 15 ربيعا حيث قرأت إعلانا بجريدة نشره ضابط فرنسي برتبة ملازم مصاب بالسأم والوحدة وعدم الرضا بوضعه خلال أدائه الخدمة العسكرية بمدينة باتنة
فسرعان ما توصل الشاب على رد من الآنسة نادية، -الاسم المستعار- وتكررت المراسلات لثلاث سنوات متتالية فتوطدت العلاقة بينهما.
في تلك الأثناء غادرت أختها سويسرا عائدة لروسيا، أما أخويها فان فلاديمير انتحر وأوغستان التحق بااللفيف الأجنبي بسيدي بلعباس.
كانت اليزابيل وهي على ظهر جواد أو ماشية على قديمها أو مستلقية إلى جذع شجرة تـُدون في مذكراتها تلك اللحظات بدقة كبيرة فتصف سحر الجزائر والمشاعر التي تغمر كيانها.
حينما وصلت إلى مدينة وادي سـوف قررت الاستقرار بها بعد أن أحبتها كثيرا، فتقول في احدى رسائلها لأخيها:
إنني بعيدة عن العالم الغربي ، عن الحضارة ومهازلها وتفاهاتها، إنني وحدي هنا في دار الاسلام والسلام، في الصحراء حرة طليقة، وفي أحوال صحية جيدة...
وادي سوف هذه البلدة كثيرة القبـب، هذه هي البلدة الوحيدة التي أقبل أن أعيش فيها إلى الأبد ... أريد شراء أرض صالحة للزراعة وأجعل فيها بئرا، ونخلا وبستان...
إشتـرت اليزابيل أو محمود السعدي حصانا وأطلقت عليه اسم ســـوف وبدأت رحلتها في المنطقة، فأحبت الصحراء وسوف وأهلها، تقول في مذكراتها:
يا قوم.. بساطتكم تستهويني، دفؤكم يملؤني، دينكم ملاذ جنوني، صحراءكم مرتع أحلامي، إنتمائي إليكم وحبي لأرضكم وهو شيء يشرفكم فاقبـلـوني.
في هذه الأرض في صحراء الجزائر تجد إليزابيل عمق الانسانية وبساطتها وتنسى كل همومها خاصة بعد اتباعها للطريقة القادرية على يد مشايخها: سي الطيب ، سي محمد الحسين، سي الهاشمي وسي محمد اليمام.
اتخذت بلدة " بهيمة" سكنا لها والتي تسمى حاليا حساني عبد الكريـم حيث لا يزال مسكنها متواجدا يعرف باسم حـوش الـروميـة، فتعرفت على شاب من الشمال عسكري خيال " سبايسي" يدعى سـلـيـمان إهـني الذي تزوجها وتسمت مـريـم فكتبت تقـول:
إن الله قد أشفق عليّ، لأنه استجاب لدعائي، ومنحني الرفيق الذي كنت أرغب فيه، والذي دونه كانت حياتي ستكون مفككة وحزينة
وتقول فيما بعد عندما رجعت إلى الزمـالـة بمدينة باتنة حيث يوجد لها بيتا لا يزال قائما تقـول:
إذا كان هناك شخص أحببته حقا في حياتي فهو سـلـيمان إهني
يتبع...
فارسة الصحراء
ايزابيل ابرهارت
Isabelle Eberhardt
شخصية تاريخية مثيرة للجدل،ليس لأنها عشقت الجزائر وعاشت ثم ماتت ودفنت بأرضها.
لكن أيضا لشهرتها العالمية ككاتبة وما أحيط حولها من جدل يحاول أن يثير الشكوك.
لست سوى إنسانة أصيلة، فريدة وغريبة نوعا ما، وصاحبة أحلام وأفكار، تريد أن تعيش بعيدا عن هذا العالم المعاصر المليء بالنفاق والخداع، تريد أن تعيش حرة، حياة البدووالرحل
نقرأ في تقارير الشرطة السرية السويسرية:
تاريخ الميلاد:17 فيفري 1877
المدينة: ميران قرب جنيف
ابنة: الأب مجهول
و: نـتالي مـوردر
المهنة: دون عمل
العنوان: طريق ميران،جنيف،فيلا نانوف
القامة: 1.65 م تقريبا
البنية الجسدية: رشيقة ورهيفة
الشعر: أشقر قصير
البشرة: بيضاء
العينان: أزرق مبقع
الاسم واللقب: إيزابيل إبرهارت
علامات خصوصية: تلبس لباس رجال.
فتاة لا تتعدى العشرين من عمرها ، في هندام رجل و الرجل هندام في مجتمع نصفه رجال و نصفه ضحايا رجال ، في لباس فارس عربي و العرب من المحيط الى الخليج "اما نعجة مذبوحة أو حاكم قصاب"...جاءتنا ايزابيل ابرهارت أو محمود سعدي كما كانت تمضي بذلك قصصها و تحقيقاتها في الصحافة الجزائرية في بداية القرن العشرين فكانت بيننا رسول حب و سلام.
ولدت في سويسرا سنة 1877 من أم روسية مسيحية و أب؟؟؟-احتار الناس في نسبها- قالت عنه هي أنه تركي مسلم و قال بعض من كتبوا عنها أنه ذلك الكاهن الارمني ، الارثذوكسي الذي ترك الكنيسة و قد أتى به الجنرال زوج أمها ليعلم له أبناءه الخمسة ففر بالزوجة من معتقل الاستبداد القيصري الى سويسرا و هي البلد الهادئ المسالم الذي يتقاطع فيه الحب و السلم.
الجنرال "بول كارلويتش دي موردر" مات قبل ثلاث سنوات من ميلاد ايزابيل فهو ليس والدها ، و المعلم الارمني الحر أعطاها من فكره و قلبه و لكنه لم يمنحها اسمه هو المقيد في سجلات الحالة المدنية تحت اسم "ألكسندر تروفيموسكي" .و ذهب أحد كتاب سيرتها و هم كثر "بيار آرنو" و هو المهووس ب"أرثر رامبو" و جعل الشاعر المنبوذ أبا لها لعلاقة روحية أو ربما وراثية تربطهما: كلاهما كانا متمردين ، مسحورين بالانطلاق نحو الآفاق البعيدة و المغامرات الغريبة.
و ليس مهما أن نعرف نسبها -نحن المولعون بالبحث في الأنساب- فربما جهلته هي نفسها فجعلت لها الأب الذي تريده لكل فترة من حياتها و طارئ من طوارئ أيامها .و ما منعها ذلك من أن تكون امراة فوق العادة ، مهمتها أن تحب فوق العادة شيئين اثنين: الشرق و الحرية.
و الشرق عند ايزابيل فوق ما أتى به المستشرقون .الشرق ليس بوابة افريقيا و افريقيا أسد هصور يغفو لفترة و ينتفض لفترات..الشرق عند ايزابيل عمق الانسانية في بساطتها و حرارتها و سجيتها..الشرق ليس عالما مجهولا ، سحريا ، اكزوتيكيا ..انه أرض تفور منها روائح الثورة و الحب و الجمال و شعب رغم الأصفاد حر الحواس ، حر المشاعر ، حر العقيدة..الشرق اسلام اعتنقته و أحبته حد التصوف أحيانا ، و اله رأته على أرضه البكر و في أعماقها حين تصفو الاعماق و ترتاح في كنف القوي العزيز و قد تحررت من كل العلائق التي ترهق و من كل شيء.
في سن العشرين تكسر الفتاة كتل الجليد الذي أحاط بها في أروبا و تنطلق بها أهواءها ، شيء في طبيعتها و أشياء في نفسها الى أجواء ترى فيها الوجه الآخر للحياة ، للأرض ، للانسان ، و تتلمس ذلك البعد الذي ان تحركت وفقه خفض الكوكب من سرعته احتراما لآهليه و حبا في ساكنيه، مثلها مثل الكثير من الأروبيين الذين خنقتهم بورجوازية القرن التاسع عشر فانطلقوا باحثين عن أراض عذراء يمتلئ فوقها ذلك الخواء الروحي الذي جوّف خلاياهم كلها و يجدون فيها شيئا جديدا ساحرا و جذابا.
في سن العشرين اذن تتبع الفتاة والدتها الى عنابة بالجزائر .و هناك تعتنق الوالدة الاسلام و تموت بعد ذلك بقليل فتعود الصبية الى جنيف لتقوم بواجبها اتجاه ذاك الذي رباها .و لكنه يموت هو الآخر بعد زمن قصير فتعود الى افريقيا و تعبر على صهوة حصان تونس و الشرق الجزائري حتى الجنوب و هي في لباس فارس عربي و قد تمكنت من لغة البلد فأتقنت التعامل بها .
و في الجزائر و بالضبط في صحرائها تجد ايزابيل نفسها ، حنينها ، قلمها و حتى دينها حيث تنضم في مدينة"الوادي" الى الجمعية الدينية "اخوان القادرية" و تزور الزوايا و تجد في التصوف راحة داخلية سرعان ما يحطمها القلق الفطري الذي يركب الفتاة .ذلك أن هذه الحسناء ، القوية ، الساحرة، كانت تتميز بطبيعة متقلبة و أهواء متناقضة تجعلها تتألم و لا تستقر على حال كما قالت هي عن نفسها.فتمضي حياتها متأرجحة بين النقيضين : بين بيوت العبادة و بيوت اللهو و المجون .و في صعودها و هبوطها كانت روحها تواجه قدرا سيزيفيا قاسيا.
غير أن أبرز و أسعد فترة في حياتها هي تلك التي قضتها في مدينة "عين الصفراء" أين التقت بالجنرال "ليوتاي" المكلف من طرف الادارة الفرنسية باعادة الامن الى الحدود الجزائرية المغربية فتنشأ بينهما صداقة عميقة مكنتها من القيام بتحقيقاتها الصحفية بكل حرية ، فجابت الصحراء مع قوافل البدو تقاسمهم حياتهم الصعبة على الرمال الساخنة و المرتفعات القاحلة فزارت القصور و القرى الصحراوية و الزوايا و الاماكن المقدسة و ذابت في المجتمع البدوي كل الذوبان .فاذا استحوذ عليها حب المغامرة انطلقت باحثة عن جماعات المتمردين لوحدها هي التي انضمت الى أحد معسكرات الجنود الفرنسيين و عاشت معهم و خضعت مثلهم لصرامة النظام العسكري.
جربت كل شيء اذن و قبلت من الرجال كل شيء أيضا الا أن تعامل كأنثى.
هل هو الجنون؟
هل هو التحدي؟ تحدي الانوثة أم تحدي الانثى التي تعرقلها الانوثة عن اتيان المعجزات و لكنها تأتيها رغم ذلك؟أم هو تحد للرجال في عقر قوتهم؟
أم هو بكل بساطة البحث عن معنى للحياة ، عن عمقها ، عن عصارتها ؟
ربما هو كل هذا ..و ربما لاشيء من هذا فقد اشتط الناس في الحديث عن عاشقة البادية التي لفها السحر و الغموض.
لم تقم ايزابيل ابرهارت بأي دور سياسي ، بل كانت دارسة لحياة أهالي البلد الذين استضافوها و أحبوها فاتخذت منهم أصدقاء لها و رفضت أن تلعب معهم دور الاستشراق الذي كان موضة ذلك العصر فتنظر اليهم بعين الدهشة و الغرابة و الفوقية ، فأثارت بذلك حفيظة المستوطنين الذين لم يحبوها و لا استساغوا مقالاتها و قصصها و أفكارها بل قاوموها و هاجموها و ربما هم الذين خططوا لمحاولة اغتيالها الفاشلة.
و لكن يشاء الموت أن يأتيها بغتة و هي في عمق الجنوب ..يأتيها ذات صباح خريفي من يوم 21 اكتوبر 1904 و هي في سن السابعة و العشرين اثر فيضان أحد الأودية بعد هطول امطار غزيرة أدت الى ردم قرية كاملة بعين الصفراء كانت الشابة تقطن فيها.و لم يعثر على جثتها الا بعد ثلاثة أيام غارقة في الأوحال تحت أنقاض بيتها.
و قد كتب عنها صديقها الجنرال "ليوتاي" كلمات تأبينية جميلة فقال:" كنا متفاهمين كثيرا محمود(ايزابيل) و أنا و سأظل محتفظا بالذكرى الرائعة لحكايانا المسائية .كانت أكثر ما يجذبني في هذا العالم: متمردة.أن تجد شخصا يمثل نفسه صادقا خارج المتعارف عليه و خارج القوالب المصنوعة و الكليشيهات الجاهزة ، يمضي في الحياة حرا كأنه طائر في الفضاء انه لشيء رائع .لقد أحببتها لما كانته و لما لم تكنه".
لم تترك ايزابيل وراءها غير بضعة مقالات منشورة في الصحف و بعض القصص (ياسمينة ، الخطيبة ، تاسعديت ، الساحر،...) و محاولة روائية (راخيل) و لكن حياتها العجيبة هي أكبر رواية تتركها.
و قد نشرت أعمالها بعد موتها .كما نشر الكثير عن حياتها .و لازالت الى يومنا هذا تثير الدهشة و الاستغراب و تسيل الكثير من الحبر.
و كانت كثيرا ما تسأل نفسها:لماذا أكتب؟
هوذا سؤال أي أديب...
الحب و الكتابة : حياة الأديب ..عالم الأديب ..رسالة الاديب، فان ربط بينهما بذلك الخيط الحريري الرفيع الذي يسمونه الصدق ، الصدق مع النفس و الصدق مع الناس و الصدق مع القلم كاد الاديب أن يكون قديسا.
فكانت ايزابيل تكتب بحب و كانت صاقة فيما كانت تكتبه الى أبعد الحدود كما كانت صادقة مع الناس الذين عاشرتهم و كتبت عنهم.كانت تريد أن تكون هي نفسها في كتاباتها كما في واقعها : مترفعة عن القوالب الاجتماعية و الأدبية السائدة في وقتها .و كانت تملك موهبة فذة تنبئ بمستقبل أدبي زاهر لولا أن الصمت جاء مبكرا.
"هذه هي حياتي ..حياة روح مغامرة ، متحررة من استبداد آلاف الأشياء الصغيرة التي نسميها "المكتسبات" و "العادات" و "الاعراف " و متشوقة الى حياة تحت الشمس ..حياة متغيرة و حرة "
أما أنا فأكتب عنها على بعد أكثر من قرن منها و على بعد مئات الاميال من ضريحها الذي أصبح مزارا و محجا للسواح و المهتمين بسيرتها في أصقاع العالم عرفانا لمحبتها لهذا الوطن و للشعب البسيط الذي يعمر جنبات هذا الوطن.و كانت تجيب في مذكراتها:"أكتب لانني أحب عملية الابداع الأدبي .أكتب كما أحب .و لأن ذاك على الأرجح هو قدري ..ذاك هو سلوتي الحقيقية".
***************
إنها من مواليد 17 فيفري 1877 بميران جنيف، من أم روسية ناتالي كرلوفتش(أرملة الجنرال الروسي موردر كرلوفتش) وأب مجهول الهوية ، لكنها تقول في مذكراتها: إنني ولدت مسلمة من أب روسي مسلم وأم روسية مسيحية، ولم أغير ديني أبدا وتقول في مقام آخر سوف أموت مسلمة مثل أبي.
وحسب الروايات أبوها أرمني إعتنق الاسلام بعد ما كان قسيسا يدعى ألكسندر تروفيموفسكي.
إنها فارسة الصحراء، عاشقة الجزائر وإنها اللغز القائم إلى الأبد، لقد بقيت في رحلة التيه منذ ولادتها حتى وافتها المنية بمدينة عين الصفراء في الجزائر يوم 21 أكتوبر 1904
نشأت في بيت أنيق يحوي حديقة وأشجار جميلة وتعلمت اللغات الروسية، الألمانية ، العربية والفرنسية وبعدها التركية والأمازيغية.
كانت إيزابيل ابرهارت تحب منذ صغرها تقليد الرجال في ملابسهم ومشيهم، حيث يمنح لها ذلك الراحة والحرية أكثر كما تقول في مذكراتها.
تبدأ قصتها مع الجزائر عندما كان عمرها 15 ربيعا حيث قرأت إعلانا بجريدة نشره ضابط فرنسي برتبة ملازم مصاب بالسأم والوحدة وعدم الرضا بوضعه خلال أدائه الخدمة العسكرية بمدينة باتنة
فسرعان ما توصل الشاب على رد من الآنسة نادية، -الاسم المستعار- وتكررت المراسلات لثلاث سنوات متتالية فتوطدت العلاقة بينهما.
في تلك الأثناء غادرت أختها سويسرا عائدة لروسيا، أما أخويها فان فلاديمير انتحر وأوغستان التحق بااللفيف الأجنبي بسيدي بلعباس.
سنة 1896 توجهت ايزابيل الى فرنسا فتعرفت بالصحفي المصري أبو نظارة صديق جمال الدين الأفغاني،كما تعرفت بالتونسي علي عبد الوهاب الذي أصبح من أعز أصدقائها.
في جو الوحدة العائلية ومضايقات البوليس الفرنسي والسويسري اتخذت القرار النهائي بضرورة الاستقرار بالأرض التي تعشقها والحياة التي تحنو اليها.أرض الجزائر .
حلت في شهر ماي 1897 بمدينة عنابةمع والدتها ومن ثم لتلتقي بحبيبها وأخيها، لكن سرعان ما فقدت والدتها التي أسلمت الروح لبارئها، فعادت اليزابيل إلى سويسرا لتبقى مع تروفيموفسكي (زوج أمها)الذي كان على فراش الموت يصارع المرض بمفرده، وسرعان ما فارق الحياة هو أيضا.
فبقيت شهرا واحدا هناك ثم توجهت نحو تونس وبمساعدة صديقها علي عبد الوهاب شرعت في الرحلة الحقيقية نحو الجزائر، فاتخذت لنفسها اسم " محمود السعدي" وتنكرت في لباس فارس جزائري متجهة نحو مدينة باتنة لملاقاة حبيبها الملازم لـيـتور لكنها لم تجده بحيث كان غائبا عن باتنة في مهمة.
استأجرت حصانين وراحت تجوب مدن الشرق وقراها في انتظار عودة صديقها، الذي التقته بعد ذلك عند عودته، لكنها لم تجد فيه الطموح الذي كانت تسعى اليه، لهذا بقيت معه ثلاثة أيام فقط ثم شدت الرحال نحو الجنوب الجزائري.
لقطة من فيلم Isabelle Eberhardt انتاج 1992 اخراج Ian Pringle Mathilda May,Tchéky Karyo,Peter O’Toole
حلت في شهر ماي 1897 بمدينة عنابةمع والدتها ومن ثم لتلتقي بحبيبها وأخيها، لكن سرعان ما فقدت والدتها التي أسلمت الروح لبارئها، فعادت اليزابيل إلى سويسرا لتبقى مع تروفيموفسكي (زوج أمها)الذي كان على فراش الموت يصارع المرض بمفرده، وسرعان ما فارق الحياة هو أيضا.
فبقيت شهرا واحدا هناك ثم توجهت نحو تونس وبمساعدة صديقها علي عبد الوهاب شرعت في الرحلة الحقيقية نحو الجزائر، فاتخذت لنفسها اسم " محمود السعدي" وتنكرت في لباس فارس جزائري متجهة نحو مدينة باتنة لملاقاة حبيبها الملازم لـيـتور لكنها لم تجده بحيث كان غائبا عن باتنة في مهمة.
استأجرت حصانين وراحت تجوب مدن الشرق وقراها في انتظار عودة صديقها، الذي التقته بعد ذلك عند عودته، لكنها لم تجد فيه الطموح الذي كانت تسعى اليه، لهذا بقيت معه ثلاثة أيام فقط ثم شدت الرحال نحو الجنوب الجزائري.
لقطة من فيلم Isabelle Eberhardt انتاج 1992 اخراج Ian Pringle Mathilda May,Tchéky Karyo,Peter O’Toole
كانت اليزابيل وهي على ظهر جواد أو ماشية على قديمها أو مستلقية إلى جذع شجرة تـُدون في مذكراتها تلك اللحظات بدقة كبيرة فتصف سحر الجزائر والمشاعر التي تغمر كيانها.
حينما وصلت إلى مدينة وادي سـوف قررت الاستقرار بها بعد أن أحبتها كثيرا، فتقول في احدى رسائلها لأخيها:
إنني بعيدة عن العالم الغربي ، عن الحضارة ومهازلها وتفاهاتها، إنني وحدي هنا في دار الاسلام والسلام، في الصحراء حرة طليقة، وفي أحوال صحية جيدة...
وادي سوف هذه البلدة كثيرة القبـب، هذه هي البلدة الوحيدة التي أقبل أن أعيش فيها إلى الأبد ... أريد شراء أرض صالحة للزراعة وأجعل فيها بئرا، ونخلا وبستان...
إشتـرت اليزابيل أو محمود السعدي حصانا وأطلقت عليه اسم ســـوف وبدأت رحلتها في المنطقة، فأحبت الصحراء وسوف وأهلها، تقول في مذكراتها:
يا قوم.. بساطتكم تستهويني، دفؤكم يملؤني، دينكم ملاذ جنوني، صحراءكم مرتع أحلامي، إنتمائي إليكم وحبي لأرضكم وهو شيء يشرفكم فاقبـلـوني.
في هذه الأرض في صحراء الجزائر تجد إليزابيل عمق الانسانية وبساطتها وتنسى كل همومها خاصة بعد اتباعها للطريقة القادرية على يد مشايخها: سي الطيب ، سي محمد الحسين، سي الهاشمي وسي محمد اليمام.
اتخذت بلدة " بهيمة" سكنا لها والتي تسمى حاليا حساني عبد الكريـم حيث لا يزال مسكنها متواجدا يعرف باسم حـوش الـروميـة، فتعرفت على شاب من الشمال عسكري خيال " سبايسي" يدعى سـلـيـمان إهـني الذي تزوجها وتسمت مـريـم فكتبت تقـول:
إن الله قد أشفق عليّ، لأنه استجاب لدعائي، ومنحني الرفيق الذي كنت أرغب فيه، والذي دونه كانت حياتي ستكون مفككة وحزينة
وتقول فيما بعد عندما رجعت إلى الزمـالـة بمدينة باتنة حيث يوجد لها بيتا لا يزال قائما تقـول:
إذا كان هناك شخص أحببته حقا في حياتي فهو سـلـيمان إهني
يتبع...
آخر تعديل: