التَّسليم للنُّصوص الشَّرعيَّة عند السَّلف الصَّالح
لقد ضرب الصَّحابةُ- رضي الله عنهم- أروعَ الأمثلة في التَّسليم والإجلال للنُّصوص الشَّرعيَّة، وفي ذلك نماذج كثيرة تربو عن الحصر، ومنها:
لمَّا نَزَلَ تحريمُ الخمر، وقرأ عليهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الآيات في ذلك، وبلغ قولَه تعالى: [FONT="]}فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ[FONT="]{[/FONT] [المائدة: 91]، قال عمر- رضي الله عنه: «انتهينا انتهينا»([1]).[/FONT]
ثم نادى المنادي في المدينة: ألا إنَّ الخمرَ قد حُرِّمت. فسارع النَّاسُ إلى جرَّار الخمر في بيوتهم فكسروها، حتى جُرَّت في سكك المدينة ([2])؛ قال أنس- رضي الله عنه: «فما راجعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرَّجل»([3])، ولمَّا نزلت آيةُ الحجاب: [FONT="]}وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ[FONT="]{[/FONT] [النور: 31] شَقَقْنَ نساء الأنصار والمهاجرات مروطَهنَّ ([4]) فاختمرنَ بها ([5]).[/FONT]
ولما أُخبر الصَّحابة- رضي الله عنهم- بتحوُّل القبلة نحو الكعبة «وكانت وجوهُهم إلى الشَّام، استداروا إلى الكعبة»([6]) مباشرةً وهم في الصَّلاة.
ولما خلع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم نعلَيْه في الصَّلاة خَلَعَ الصَّحابةُ- رضي الله عنهم- نعالَهم اتِّباعًا للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ([7]).
وعندما رأى خاتم الذَّهب في يد رجل أخذه منه وألقاه، ولما ذهب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قيل له: خذْ خاتَمَك انتفع به. قال: «لا والله، لا آخذه أبدًا، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم»([8]).
ولما حلف أبو بكر- رضي الله عنه- أن لا يُنفق على مسطح بن أثاثة- رضي الله عنه؛ لكلامه في ابنته عائشة- رضي الله عنها- في حادثة الإفك أنزل الله تعالى: [FONT="]}وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[FONT="]{[/FONT] [النور: 22]؛ فقال أبو بكر- رضي الله عنه: «والله لا أنزعها منه أبدًا»([9]).[/FONT]
ولما زوَّج معقل بن يسار- رضي الله عنه- أختَه لرجل من الصَّحابة فطلَّقها ثمَّ ندم وجاء يخطبها، حلف أن لا يرجعها إليه، فأنزل الله: [FONT="]}وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ[FONT="]{[/FONT] [البقرة: 232]؛ فلما سمعها معقل- رضي الله عنه- قال: سمعًا لربِّي وطاعة. ثم دعاه فقال: أزوِّجُك وأُكْرمُك ([10]).[/FONT]
ولما أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المغيرةَ- رضي الله عنه- أن ينظر إلى المرأة التي خطبها، تَرَدَّدَ أهلُها في الأمر وكرهوا ذلك، فسمعت ذلك المرأةُ وهي في خدْرها، فقالت: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر، وإلا فإنِّي أنشدك»؛ أي: أسألك بالله أن لا تنظر إليَّ([11]).
ولما طلب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من أهل بيت من الأنصار أن يزوِّجوا ابنتَهم من جُلَيْبيب- رضي الله عنه- تردَّدَ أهلُها في تزويجه، فقالت الفتاة: «أتريدون أن تردُّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره، إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه»([12]).
ولما كان عبدُ الله بن رواحة- رضي الله عنه- ذاهبًا إلى المسجد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب: اجلسوا. فجلس مكانه خارجَ المسجد حتى فرغ من خطبته، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «زادك الله حرصًا على طواعية الله وطواعية رسوله»([13]).
وعن جابر- رضي الله عنهما- قال: لما استوى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ الجمعة على المنبر قال: «اجلسوا»، فسمع ابن مسعود فجلس على باب المسجد فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «تعالى يا عبد الله بن مسعود»([14]).
وسعد بن عبادة- رضي الله عنه- لما بلغه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير دور الأنصار: بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير». وجد في نفسه وقال: خلفنا. فكنَّا آخرَ الأربع، أسرجوا لي حماري آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكلَّمه ابنُ أخيه سهل فقال: أتذهب لتردَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم، أوليس حسبك أن تكون رابعَ أربع؟! فرجع وقال: الله ورسوله أعلم. وأمر بحماره فحلَّ عنه ([15]).
وعليُّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- يمسح ظاهرَ خُفَّيْه ويقول: «لو كان الدِّينُ بالرَّأي لكان أسفلُ الخُفِّ أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خُفَّيْه»([16]).
ورافعُ بن خديج- رضي الله عنه- يقول: «كنَّا نحاقل الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكريها بالثُّلُث والرُّبع والطّعام المسمّى، فجاءنا ذات يوم رجلٌ من عمومتي، فقال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعًا ([17])، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا»([18]).
ولما أساء أحدُهم القولَ مع عمر- رضي الله عنه- وهَمَّ أن يبطشَ به، ذكَّرَه أحدُهم بقوله تعالى: [FONT="]}خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ[FONT="]{[/FONT] [الأعراف: 199].[/FONT]
قال ابنُ عبَّاس- رضي الله عنهما: «والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله»([19]).
وسكبت جاريةٌ لعليّ بن الحسين– رحمه الله– عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه، فشجَّه، فرفع رأسَه إليها، فقالت: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: [FONT="]}وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ[FONT="]{[/FONT].[/FONT]
قال: قد كظمت غيظي.
قالت: [FONT="]}وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ[FONT="]{[/FONT] قال: قد عفوت عنك.[/FONT]
قالت: [FONT="]}وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[FONT="]{[/FONT] قال: اذهبي فأنت حرة ([20]).[/FONT]
وقد التزم سلفُ هذه الأمَّة هذا المنهج الذي كان عليه الصَّحابة؛ فكانت حالُهم قائمةً على التَّسليم للنُّصوص الشَّرعيَّة وتلقِّيها بكامل الرِّضا؛ «فكان من الأصول المتَّفَق عليها بين الصَّحابة والتَّابعين لهم بإحسان أنَّه لا يقبل من أحد قطّ أن يعارض القرآن، لا برأيه، ولا ذوقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وجده»([21]).
بل كانوا يسارعون لتطبيق النَّصِّ الشَّرعيِّ من غير تردُّد ولا شكٍّ.
عن أبي المصبح المقرائيّ قال: بينما نحن نسير بأرض الرُّوم في طائفة عليها مالك بن عبد الله الخثعميّ، إذ مرَّ مالك بجابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- وهو يقود بغلاً له.
فقال له مالك: أي أبا عبد الله، اركب؛ فقد حملك الله.
فقال جابر- رضي الله عنه: أُصلح دابَّتي، وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن اغبرَّت قدماه في سبيل الله حرَّمه اللهُ على النَّار».
فسار حتى إذا كان حيث لم يسمعه الصَّوتُ نادى بأعلى صوته: يا أبا عبد الله! اركب فقد حملك الله.
فعرف جابر الذي يريد، فقال: أُصلح دابَّتي، وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اغبرَّت قدماه في سبيل الله حرَّمَه اللهُ على النَّار».
فتواثب النَّاس عن دوابِّهم، فما رأيت يومًا أكثر ماشيًا منه ([22]).
ومن قال منهم قولاً يخالف النَّصَّ الشَّرعيَّ رجع عنه بمجرَّد أن يبلغَه.
قال عبد الواحد بن زياد: لقيتُ زُفَرَ بن الهذيل- رحمه الله([23])- فقلت له: صرتم حديثًا في الناس وضُحْكةً.
قال: وما ذاك؟
قلت: تقولون: «ادرؤوا الحدود بالشبهات»، ثم جئتم إلى أعظم الحدود، فقلتم: تقام بالشبهات.
قال: وما هو؟
قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُقتل مسلمٌ بكافر»([24]) فقلتم: يقتل به– يعني بالذِّمِّيِّ.
قال: فإنِّي أشهدك السَّاعةَ أنِّي قد رجعت عنه.
قال الذهبي- رحمه الله: هكذا يكون العالم وقَّافًا مع النص ([25]).
وحتى من قلَّ علمُه من السَّلَف كان إيمانُه وتصديقُه بالنَّصِّ الشَّرعيِّ عظيمًا.
قال أبو إسحاق الحبَّال- رحمه الله: كنَّا يومًا نقرأ على شيخ، فقرأنا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنَّة قتَّات»([26]).
وكان في الجماعة رجل يبيع القتَّ– وهو علف الدَّوابِّ– فقام وبكى، وقال: أتوب إلى الله من بيع القتّ.
فقيل له: ليس هو الذي يبيع القت؛ لكنَّه النَّمَّامُ الذي يَنقل الحديثَ من قوم إلى قوم.
فسكن بكاؤه، وطابت نفسه([27]).
قال ابنُ القَيِّم- رحمه الله: «وقد كان السَّلفُ يَشتدُّ عليهم معارضةُ النُّصوص بآراء الرِّجال، ولا يُقرُّون ذلك»([28]).
عن أبي قتادة قال: كنَّا عند عمران بن حصين- رضي الله عنه- في رهط منَّا، وفينا بشير بن كعب، فحدَّثنا عمران يومئذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء خيرٌ كلُّه».
فقال بشير بن كعب: إنَّا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أنَّ منه سكينةً ووقارًا لله، ومنه ضعفاً!
فغضب عمران حتى احمرَّتا عيناه، وقال: ألا أراني أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتُعارض فيه ([29])؟!
قال: فأعاد عمران الحديثَ؛ قال: فأعاد بشير، فغضب عمران.
فما زلنا نقول فيه: إنَّه منَّا يا أبا نُجيد، إنه لا بأس به([30]).
وعن أبي المخارق قال: ذكر عبادة بن الصَّامت- رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن درهمين بدرهم.
فقال فلان: ما أرى بهذا بأسًا يدًا بيد.
فقال عبادة: أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم، وتقول لا أرى به بأسًا، والله لا يظلني وإياك سقف أبدًا ([31]).
ولما ذكر ابنُ المبارك- رحمه الله- حديث: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ...»([32])، قال قائل: ما هذا؟ على معنى الإنكار.
فغضب ابنُ المبارك- رحمه الله- وقال: يمنعنا هؤلاء أن نحدِّثَ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلَّما جهلنا معنى حديث تركناه! لا؛ بل نرويه كما سمعنا، ونُلزم الجهل أنفسنا ([33]).
قال أبو معاوية محمد بن خازم: كنتُ أقرأ حديثَ الأعمش عن أبي صالح على أمير المؤمنين هارون الرَّشيد.
فكلَّما قلت: قال رسول الله، قال هارون: صلى الله على سيدي ومولاي.
حتى ذكرتُ حديث: «التقى آدم وموسى...([34])».
فقال عمُّ هارون الرَّشيد: أين التقيا يا أبا معاوية؟!
فغضب الرَّشيدُ من ذلك غضبًا شديدًا، وقال: أتعترض على الحديث، عليَّ بالنَّطع والسَّيف. فأحضر ذلك.
فقام الناس إليه يشفعون فيه، فقال الرَّشيد: هذه زندقة. ثم أمر بسجنه، وأقسم أن لا يخرج حتى يخبره من ألقى إليه هذا.
فأقسم عمُّه بالأيمان المغلَّظة ما قال هذا له أحد؛ وإنَّما كانت هذه الكلمة بادرةً منِّي، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه منها، فأطلقه([35]).
قال أبو إسماعيل الصَّابونيُّ- رحمه الله- معلِّقًا على هذه القصَّة: «هكذا ينبغي للمرء أن يعظِّمَ أخبارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقابلها بالقبول والتَّسليم والتَّصديق، وينكر أشدَّ الإنكار على مَن يسلك فيها غير هذا الطريق الذي سلكه هارون الرَّشيد- رحمه الله- مع مَن اعترض على الخبر الصَّحيح الذي سمعه بـ (كيف) على طريق الإنكار له والابتعاد عنه، ولم يتلقه بالقبول كما يجب أن يتلقى جميع ما يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم»([36]).
ونظر سعيد بن المسيب رحمه الله إلى رجل صلى بعد النداء من صلاة الصبح فأكثر الصلاة، فحصبه ثم قال: إذا لم يكن أحدكم يعلم فليسأل؛ إنَّه لا صلاةَ بعد النِّداء إلا ركعتين، فانصرَفَ، فقال: يا أبا محمد، أتخشى أن يعذِّبَني اللهُ بكثرة الصَّلاة؟
قال: بل أخشى أن يعذِّبَك اللهُ بترك السُّنَّة ([37]).
ومثله ما جاء عن الإمام مالك بن أنس- رحمه الله- أنَّ رجلاً جاءه فقال: من أين أُحْرم؟
قال: من حيث أَحرمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فإن زدتُ على ذلك.
قال: فلا تفعل؛ فإنِّي أخاف عليك الفتنة.
قال: وما في هذه من الفتنة؟! إنَّما هي أميال أزيدها.
قال: فإنَّ الله تعالى يقول: [FONT="]}فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[FONT="]{[/FONT] [النور: 63]، وأيُّ فتنة أعظم من أن ترى أنَّ اختيارَك لنفسك خير من اختيار الله ورسوله ([38]).[/FONT]
ومن التَّسليم للنُّصوص الشَّرعيَّة أن لا يتقدَّم الإنسانُ على المشرِّع برأيه؛ كما قال تعالى: [FONT="]}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[FONT="]{[/FONT] [الحجرات: 1]؛ فلا يتقدَّم بين يديه بأمر، ولا نهي، ولا إذن، ولا تصرف، حتى يأمر هو، وينهى، ويأذن.[/FONT]
وهذا باق إلى يوم القيامة لم يُنسَخ؛ فالتَّقدُّمُ بين يدي سنته بعد وفاته كالتَّقدُّم بين يديه في حياته، ولا فرقَ بينهما عند كلِّ ذي عقل سليم.
قال أبو عبيدة- رحمه الله: تقول العرب: لا تقدِّم بين يدي الإمام، وبين يدي الأب. أي: لا تعجلوا بالأمر والنهي دونه.
وقال غيرُه: لا تأمروا حتى يأمر، ولا تنهوا حتى ينهى.
فإذا كان رفعُ الأصوات فوقَ صوته سببًا لحبوط الأعمال، فما الظَّنُّ برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنَّته وما جاء به ([39]).
وهذه حالُ السَّلَف؛ «فالسُّنَّةُ أجلُّ في صدورهم من أن يقدِّموا عليها رأياً فقهيًا، أو بحثًا جدليًّا، أو خيالاً صوفيًّا، أو تناقضًا كلاميًّا، أو قياسًا فلسفيًّا، أو حكمًا سياسيًّا؛ فمَن قَدَّمَ عليها شيئًا من ذلك فبابُ الصَّواب عليه مسدودٌ؛ وهو عن طريق الرَّشاد مصدودٌ»([40])، قال البخاريُّ- رحمه الله: سمعت الحميديَّ يقول: كنَّا عند الشَّافعيِّ، فأتاه رجل فسأله عن مسألة.
فقال: قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا.
فقال رجل للشافعي: ما تقول أنت؟!
فقال: سبحان الله! تراني في كنيسة! تراني في بيعة! ترى على وسطي زنارا؟! أقول لك: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: ما تقول أنت؟!([41]).
وقال الرَّبيعُ بنُ سليمان- رحمه الله: سأل رجلٌ الشَّافعيَّ عن مسألة، فقال: يروى فيها كذا وكذا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
فقال له السَّائلُ: يا أبا عبد الله تقول به؟
فرأيت الشَّافعيَّ أرعد وانتفض، فقال: «يا هذا، أي أرض تقلُّني، وأي سماء تظلُّني، إذا رويتُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثًا فلم أقل به؟ نعم على السّمع والبصر، نعم على السَّمع والبصر»([42]).
والتَّسليمُ عند السَّلف تسليمٌ تامٌّ للوحي؛ [FONT="]}وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا[FONT="]{[/FONT] [آل عمران: 7]؛ فهم يسلِّمون بكلِّ ما جاء عن الله تعالى وما صحَّ عن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض كحال أهل الكتاب ومن شابَهَهم من أهل الأهواء.[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref1[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه أحمد (1/53) وأبو داود (3670) والترمذي (3049) قال ابن حجر في الفتح: وصحَّحَه عليّ بن المدينيّ والتِّرمذيّ (8/279). [/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref2[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البخاري (4620).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref3[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][3][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه مسلم (1980).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref4[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][4][/FONT][/FONT][FONT="]) المرط: كساء من صوف، لسان العرب (7/399) مادة: مرط. [/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref5[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][5][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البخاري (372)، وينظر: فتح الباري (8/490).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref6[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][6][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البخاري (403) ومسلم (526).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref7[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][7][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه أحمد (3/20) وصححه الألباني في الإرواء (1/314).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref8[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][8][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه مسلم (2090)، وقال النَّوويُّ: (فيه المبالغة في امتثال أمر رسول الله [/FONT][FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT][FONT="] واجتناب نهيه وعدم التَّرَخُّص فيه بالتَّأويلات الضَّعيفة). شرح صحيح مسلم (14/65).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref9[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][9][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البخاري (4750).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref10[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][10][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه الترمذي (2328)، ينظر فتح الباري (9/187).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref11[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][11][/FONT][/FONT][FONT="]) لسان العرب (3/421) مادة: نشد، رواه ابن ماجه (1866) وصححه الألباني في غاية المرام (1/142).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref12[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][12][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه أحمد (3/136) وابن حبان (9/365) وإسناده صحيح.[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref13[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][13][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البيهقي في دلائل النبوة بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (4/84)، ولكنه مرسل.[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref14[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][14][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البيهقي (3/206)، والحاكم (1/420) وصححه، ووافقه الذهبي. [/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref15[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][15][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه مسلم (2511).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref16[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][16][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه أبو داود (162) وصححه الألباني في الإرواء (1/140).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref17[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][17][/FONT][/FONT][FONT="]) الذي نهاهم عنه النبي [/FONT][FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT][FONT="] هو المزارعة التي لا يكون الربح فيها محددًا بالنسبة وإنما بالتعيين كأن يقول: لك الجانب الشرقي من الأرض، ولي الجانب الغربي، فهذا لا يجوز؛ لأنه قد يسلم هذا ويهلك ذاك أو العكس. [/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref18[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][18][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه مسلم (1548).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref19[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][19][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البخاري (4642).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref20[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][20][/FONT][/FONT][FONT="]) تاريخ دمشق (41/387).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref21[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][21][/FONT][/FONT][FONT="]) مجموع الفتاوى (13/28).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref22[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][22][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه ابن حبان (4604)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2/43).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref23[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][23][/FONT][/FONT][FONT="]) من أصحاب أبي حنيفة. [/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref24[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][24][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البخاري (3047).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref25[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][25][/FONT][/FONT][FONT="]) سير أعلام النبلاء (8/40).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref26[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][26][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البخاري (6056)، ومسلم (105).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref27[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][27][/FONT][/FONT][FONT="]) سير أعلام النبلاء (18/499).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref28[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][28][/FONT][/FONT][FONT="]) مختصر الصواعق المرسلة (3/1062).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref29[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][29][/FONT][/FONT][FONT="]) تأتي بكلام في مقابلته وتعترض بما يخالفه.[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref30[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][30][/FONT][/FONT][FONT="]) صحيح مسلم (37)، قوله: (إنه لا بأس به) معناه ليس هو ممن يتهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أو غيرها مما يخالف به أهل الاستقامة. [/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref31[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][31][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه الدارمي (443).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref32[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][32][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البخاري (2475).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref33[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][33][/FONT][/FONT][FONT="]) تعظيم قدر الصلاة (1/504).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref34[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][34][/FONT][/FONT][FONT="]) رواه البخاري (4736).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref35[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][35][/FONT][/FONT][FONT="]) سير أعلام النبلاء (9/288).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref36[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][36][/FONT][/FONT][FONT="]) عقيدة السلف وأصحاب الحديث (117).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref37[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][37][/FONT][/FONT][FONT="]) الفقيه والمتفقه (1/214).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref38[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][38][/FONT][/FONT][FONT="]) الباعث في إنكار البدع (22).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref39[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][39][/FONT][/FONT][FONT="]) مدارج السالكين (2/389).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref40[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][40][/FONT][/FONT][FONT="]) حادي الأرواح (8).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref41[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][41][/FONT][/FONT][FONT="]) تاريخ دمشق (51/287)، أحاديث في ذم الكلام وأهله (2/13).[/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newreply.php?do=postreply&t=1731976#_ftnref42[FONT="]([/FONT][FONT="]
[FONT="][42][/FONT][/FONT][FONT="]) الفقيه والمتفقه (1/218)، حلية الأولياء (9/601).[/FONT]