قال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله:
المسألة الأولى : هل يشرع القنوت في الوتر؟
الذي يترجح في هذه المسألة أن قنوت الوتر مشروع طوال العام، ويدل عليه حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، وحديث أُبي بن كعب رضي الله عنه، وهو الثابت عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما. بل وهو الثابت عن جمهور الصحابة، فقد جاء عن إبراهيم عن علقمة: “إن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع”([1]).
عن أشعث عن الحكم عن إبراهيم قال عبد الله: لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع”([2]).
وقال أبوبكر ابن أبي شيبة عقب هذا الأثر: “هذا القول عندنا”اهـ فإن قيل: جاء عن نافع عن ابن عمر: “أنه كان لا يقنت في الفجر ولا في الوتر فكان إذا سئل عن القنوت قال: ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن”([3]).
فالجواب : ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه القول بمشروعية القنوت في الوتر فيما جاء عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: “أنه كان لا يقنت إلا في النصف يعني من رمضان”. وفي رواية عند البيهقي: “كان لا يقنت في الوتر إلا في النصف من رمضان”([4]). وكذا ما جاء عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد: “أن ابن عمر قنت في الوتر قبل الركوع”([5]).
وعليه؛ فإن ما جاء عنه من ترك القنوت إنما المراد به ترك المداومة عليه، وإنما كان يداوم عليه كل ليلة في النصف من رمضان.
وما جاء عن هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: “أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبي بن كعب فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَإِذَا كَانَتْ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ: أَبَقَ أُبَيٌّ”([6]).
أقول: هذا يُحمل على أنه لم يكن يداوم على القنوت في كل ليلة إلا في النصف الباقي، أو أنه لم يكن يذكر في قنوته لعن الكفرة إلا في قنوت النصف كما يشعر به ما جاء عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير: “أن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال ـ أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم عمر على ذلك وأمر أُبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل. فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد إن عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا”([7]).
أو يُحمل ذلك على القنوت في صلاة الوتر جماعة، لا لمن قنت منفرداً.
عن إبراهيم النخعي رحمه الله: “لا وتر إلا بقنوت”([8]).
الحاصل أن القنوت في الوتر يشرع طوال العام، والسُّنّة فيه فعله أحياناً وتركه أحياناً، ويتأكد المداومة عليه كل ليلة في صلاة الوتر في النصف الآخر من رمضان. ويُسن تركه في النصف الأول من رمضان إذا صلى الوتر إماماً.
عن عمرو عن الحسن: أن عمر حيث أمر أبيا أن يصلي بالناس في رمضان وأمره أن يقنت بهم في النصف الباقي ليلة ست عشرة [قنتوا فدعوا على الكفرة].
قال: وكان الحسن يقول: إذا كان إماما قنت في النصف وإذا لم يكن إماما قنت الشهر كله”([9]).
عن معمر عن الزهري قال: “لا قنوت في السنة كلها إلا في النصف الآخر من رمضان”. قال معمر: “وإني لأقنت السنة كلها إلا النصف الأول من رمضان فإني لا أقنته وكذلك كان يصنع الحسن وذكره عنه قتادة وغيره”([10]).
عن هشام عن الحسن: “أنه كان يقنت السنة كلها في الوتر إلا النصف الأول من رمضان” قال: “وكان ابن سيرين لا يقنت من السنة شيئا إلا النصف الآخر من رمضان”([11]).
وقال مالك رحمه الله في الحدث الذي يذكره: “ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان”، قال رحمه الله: “ليس عليه العمل، لا أرى أن يعمل به، و لا يقنت في رمضان لا في أوله و لا في آخره، ولا في غير رمضان، و لا في الوتر أصلاً”([12]).
قال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: “وسئل مالك عن القنوت في الوتر في غير رمضان ؟ فقال: ما أقنت أنا في الوتر في رمضان و لا في غيره. و سئل عن الرجل يقوم لأهله في رمضان أيقنت بهم في النصف الباقي من الشهر؟ فقال: لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا أحداً من أولئك قنت. وما هو من الأمر القديم، وما أفعله أنا في رمضان، و لا أعرف القنوت قديماً.
وفي رواية: لا يقنت في الوتر عندنا”([13]).
قلت: ونقل عنه رحمه الله خارج المدونة: القول بمشروعية قنوت الوتر في النصف من رمضان([14]).
عن العباس بن الوليد بن مزيد قال أخبرني أبي قال: سئل الأوزاعي عن القنوت في شهر رمضان قال أما مساجد الجماعة فيقنتون من أول الشهر إلى آخره وأما أهل المدينة فإنهم يقنتون في النصف الباقي إلى انسلاخه([15]).
وقال الزعفراني عن الشافعي رحمه الله: “أحب إليّ أن يقنتوا في الوتر في النصف الآخر، و لا يقنت في سائر السنة، و لا في رمضان إلا في النصف الآخر” قال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: “وكذلك حكى المزني عن الشافعي”([16]).
عن عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن القنوت في الوتر كل ليلة أفضل؟ أم في السنة كلها؟ أو النصف من شهر رمضان؟ قال: لا بأس إن يقنت كل ليلة. و لا بأس إن قنت السنة كلها. قال: وإن قنت في النصف من شهر رمضان فلا بأس. حدثنا قال: حدثنا أبي قال حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن نافع أن ابن عمر كان لا يقنت إلا في النصف الثاني من رمضان”([17]).
وعن عبدالله قال: سألت أبي عن القنوت في أي صلاة؟ قال: في الوتر بعد الركوع، وإن قنت رجل في الوتر اتباع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت فدعا للمستضعفين فلا بأس.
قلت: إن قنت في الصلوات كلها؟ قال: لا، إلا في الوتر والغداة، فإذا كان يستنصر ويدعو للمسلمين”([18]).
وقال عبدالله: سألت أبي عن القنوت في الوتر؟ فقال: إن شاء قنت، وأختار أن يقنت بعد الركوع”([19]).
قال أبوداود : قلت لأحمد (يعني: ابن حنبل): القنوت في الوتر السنة كلها؟ قال: إن شاء. قلت: فما تختار أنت؟ قال: أمّا أنا ما أقنت إلا في النصف الباقي، إلا أن اصلي خلف إمام يقنت فأقنت معه.
قال أبوداود: قلت لأحمد: إذا كان يقنت النصف الآخر متى يبتديء؟ قال: إذا مضى خمس عشرة، ليلة سادس عشرة.
قال أبوداود: وكذلك صلى به إمامه في مسجده في شهر رمضان”([20]).
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ سألت أبا عبدالله (يعني: أحمد بن حنبل) عن الرجل يقنت السنة أجمع؟ قال: كنت أرى أن يقنت نصف السنة وإذا هو دعاء يقنت السنة أجمع لا بأس به”
وقال مرة: “قد كنت أرى هذا، ولكن هو دعاء أرى أن يقنت السنة أجمع”([21]). وقال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: “وكان إسحاق بن راهوية يختار القنوت في السنة كلها”([22]).
قلت: والأدلة قائمة على مشروعية القنوت في الوتر طوال العام، وأنه يفعل أحياناً ويترك أحياناً، وأنه يداوم عليه في النصف الثاني من رمضان كل ليلة، ويترك في أوله.
المسألة الثانية : هل يقنت في الوتر قبل الركوع أم بعده؟ سبق أن مذهب الحنفية أن موضع قنوت الوتر هو قبل الركوع، من الركعة الأخيرة في الوتر، ومذهب المالكية والحنابلة التخير في القنوت قبل الركوع أو بعده في الركعة الأخيرة من الوتر، ومذهب الشافعية أنه بعد الركوع.
والراجح في ذلك جوازه بعد القراءة قبل الركوع، و بعد الركوع، والأفضل قبل الركوع، فإنه المنقول عن جمهور الصحابة.
ويدل على جوازه قبل الركوع ما جاء عن عَاصِمٌ قَالَ: “سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْقُنُوتِ فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ. قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ. قَالَ: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟
فَقَالَ: كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ”([23]).
ووجه الدلالة أن جواب أنس رضي الله عنه بأن موضع القنوت قبل الركوع إنما مراده به في قنوت الوتر، بدليل أنه بيّن في تمام كلامه أن قنوت النازلة بعد الركوع.([24]).
وفي حديث أُبي بن كعب: “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِذَا فَرَغَ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ”([25]).
عن علقمة: “إن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع”([26]).
وثبت القنوت في الوتر بعد الركوع، فقد جاء عن ابن سيرين: “أن أُبي بن كعب قنت في الوتر بعد الركوع”([27]).
عن قتادة عن الحسن: “إن أبيا أم الناس في خلافة عمر فصلى بهم النصف من رمضان لا يقنت فلما مضى النصف قنت بعد الركوع فلما دخل العشر أبق وخلى عنهم فصلى بهم العشر معاذ القارئ في خلافة عمر”([28]).
عن هشام بن حسان: “أن الحسن وابن سيرين كانا يقنتان في الوتر قبل الركعة”([29]).
عن علي الباشاني قال: كان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه”([30]) .
عن عبدالله بن أحمد بن حنبل: “قلت لأبي: ومن قنت في الوتر يركع قبل القنوت أو بعده؟ قال: بعد الركوع إذا رفع رأسه”.
وقال مرّة: “وأختار أن يقنت بعدما يرفع رأسه من الركوع”([31]).
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: “سألت أبي عن القنوت في صلاة الصبح أحب إليك قبل الركوع أم بعد الركوع؟ وفي الوتر أحب إليك أم تركه؟
قال أبي: أمّا القنوت في صلاة الغداة فإن كان الإمام يقنت مستنصراً لعدو حضره فلا بأس بذلك، على معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أنه دعا لقوم على قوم”، فلا بأس بالقنوت في الفجر. وأمّا غير ذلك فلا يقنت، ويقنت بعد الركعة في الفجر، وفي الوتر بعد الركعة إذا هو قنت.
قال سمعت أبي يقول: اختار القنوت بعد الركعة لأن كل شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت إنما هو في الفجر لما رفع رأسه من الركعة فقال صلى الله عليه وسلم: “اللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام” وقنوت الوتر أيضاً أختاره بعد الركوع.
قال أبي: وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قنت في الوتر بعد الركوع، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر قبل أو بعد شيء”([32]).
وقال ابن أبي شيبة (ت235هـ) رحمه الله بعد روايته عن أشعث عن الحكم عن إبراهيم قال عبد الله: لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع”. قال أبوبكر: “هذا القول عندنا”([33]).
قال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: “سئل أحمد عن القنوت في الوتر قبل الركوع أم بعده وهل ترفع الأيدي في الدعاء في الوتر؟ فقال: القنوت بعد الركوع ويرقع يديه، وذلك على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الغداة. …
وكان إسحاق يختار القنوت بعد الركوع في الوتر. قال محمد بن نصر: وهذا الرأي أختاره”([34]).
والمقصود : أن القنوت في الوتر يشرع بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الأخيرة، ويشرع بعد الركوع فيها، والأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم قبل الركوع، لثبوت النص به عنه صلى الله عليه وسلم، وثبوت ذلك عن جمهور الصحابة، والله اعلم.
المسألة الثالثة : هل يكبر بعد القراءة للقنوت قبل الركوع؟
الذي ورد في قنوت الوتر عن الصحابة جميعه لا يصح، وهو ما جاء عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي: “انه كان يفتتح القنوت بالتكبير”([35]).
وما جاء عن ليث عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه : “أن عبد الله بن مسعود كان إذا فرغ من القراءة كبر ثم قنت فإذا فرغ من القنوت كبر ثم ركع”([36]). لكن ثبت عن بعض التابعين في قنوت الوتر:
عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: “إذا أردت أن تقنت فكبر للقنوت وكبر إذا أردت أن تركع”.
وفي رواية عنه: “إذا فرغت من القراءة فكبر ثم إذا فرغت فكبر واركع”([37]). عن شعبة قال: “سمعت الحكم وحماداً وأبا إسحاق يقولون: في قنوت الوتر إذا فرغ كبر ثم قنت”([38]).
وعن سفيان قال: كانوا يستحبون إذا فرغ من القراءة في الركعة الثالثة من الوتر أن يكبر ثم يقنت([39]).
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: “إذا كان يقنت قبل الركوع افتتح القنوت بتكبيرة”([40]).
قلت: نعم ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه([41])، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن البراء رضي الله عنه([42])، في قنوت النازلة في صلاة الفجر.
وعليه فإنه يُشرع في قنوت الوتر إذا فرغ من القراءة وأراد القنوت قبل الركوع أن يكبر قبل القنوت وبعده. وهذه من السنن المهجورة اليوم إلا ما رحم ربي.
المسألة الرابعة : هل ترفع الأيدي في دعاء القنوت؟
يشرع في دعاء القنوت رفع اليدين، وإرسالهما، ورفعهما في أوله وإرسالهما في آخره. هذا هو ما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم؛ فكل ذلك جائز.
عن ليث عن عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه: “كان عبدالله يقرأ في آخر ركعة من الوتر ]قل هو الله أحد[، ثم يرفع يديه فيقنت قبل الركعة”.
وفي رواية عن عبد الله: “أنه كان يرفع يديه في قنوت الوتر”. وعند البيهقي: “كان ابن مسعود يرفع يديه في القنوت إلى ثدييه”([43]).
عن الزهري عن حماد عن إبراهيم: “أن ابن مسعود كان يرفع يديه في الوتر ثم يرسلهما بعد”([44]).
فإن قيل : جاء عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ”([45])؛ وهذا دليل على أنه لا يشرع رفع اليدين في غير دعاء الاستسقاء.
فالجواب : ليس مراد أنس رضي الله عنه نفي رفع اليدين في الدعاء مطلقاً، إنما مراده أنه لم يرفع يديه في الدعاء على الصفة التي رآه عليها في غير دعاء الاستسقاء فقد رفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم.
ويدل على هذا أنه صح عن أنس رضي الله عنه، ذكر رفع الرسول صلى الله عليه وسلم، في دعاء قنوت النازلة؛
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: “حَدَّثَنَا هَاشِمٌ وَعَفَّانُ الْمَعْنَى قَالَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَكَتَبَ كِتَابًا بَيْنَ أَهْلِهِ فَقَالَ: اشْهَدُوا يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ.
قَالَ ثَابِتٌ: فَكَأَنِّي كَرِهْتُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ لَوْ سَمَّيْتَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ.
قَالَ: وَمَا بَأْسُ ذَلِكَ أَنْ أَقُلْ لَكُمْ قُرَّاءُ أَفَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ إِخْوَانِكُمْ الَّذِينَ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرَّاءَ فَذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ فَكَانُوا إِذَا جَنَّهُمْ اللَّيْلُ انْطَلَقُوا إِلَى مُعَلِّمٍ لَهُمْ بِالْمَدِينَةِ فَيَدْرُسُونَ اللَّيْلَ حَتَّى يُصْبِحُوا فَإِذَا أَصْبَحُوا فَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ اسْتَعْذَبَ مِنْ الْمَاءِ وَأَصَابَ مِنْ الْحَطَبِ وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سَعَةٌ اجْتَمَعُوا فَاشْتَرَوْا الشَّاةَ وَأَصْلَحُوهَا فَيُصْبِحُ ذَلِكَ مُعَلَّقًا بِحُجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُصِيبَ خُبَيْبٌ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَفِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ فَقَالَ حَرَامٌ لِأَمِيرِهِمْ دَعْنِي فَلْأُخْبِرْ هَؤُلَاءِ أَنَّا لَسْنَا إِيَّاهُمْ نُرِيدُ حَتَّى يُخْلُوا وَجْهَنَا وَقَالَ عَفَّانُ فَيُخْلُونَ وَجْهَنَا فَقَالَ لَهُمْ حَرَامٌ إِنَّا لَسْنَا إِيَّاكُمْ نُرِيدُ فَخَلُّوا وَجْهَنَا فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ بِالرُّمْحِ فَأَنْفَذَهُ مِنْهُ فَلَمَّا وَجَدَ الرُّمْحَ فِي جَوْفِهِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ فَانْطَوَوْا عَلَيْهِمْ فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَقَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَبُو طَلْحَةَ يَقُولُ لِي هَلْ لَكَ فِي قَاتِلِ حَرَامٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ مَا لَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ قَالَ مَهْلًا فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ” وَقَالَ عَفَّانُ رَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ و قَالَ أَبُو النَّضْرِ رَفَعَ يَدَيْهِ”([46]).
فقولــه في هذا الحديث: “فَقَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ“؛ دليل على مشروعية رفع اليدين في دعاء القنوت للنازلة.
وهذا فيه بيان أن مراد أنس في الحديث الذي نفى فيه رفع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء إنما مراده صفة رفع اليدين التي كان عليها صلى الله عليه وسلم، فقد رفعها حتى يُرى بياض إبطيه، وليس مراده رضي الله عنه نفي أصل رفع اليدين في الدعاء، لأنه رواه كما ترى في قنوت النازلة، وثبت عن غيره كذلك، حتى عُدّت أحاديث رفع اليدين في الدعاء من المتواتر المعنوي([47]).
فإن قيل : فقد جاء عن معمر وابن جريج عن الزهري قال: “لم تكن ترفع الأيدي في الوتر في رمضان”([48])، وهذا دليل أن الصحابة لم يكونوا يرفعون أيديهم في الدعاء لقنوت الوتر.
فالجواب : بل في هذا الأثر بدلالة مفهوم المخالفة أنهم كانوا يرفعون أيديهم في قنوت الوتر في غير رمضان. والذي يظهر في معنى هذا الأثر بالنظر إلى جميع ما ورد في المسألة، أن يقال: إن مراد الزهري بيان أنهم لم يكونوا يرفعون أيديهم في دعاء قنوت الوتر جميعه، بل كانوا يرفعونها في أوله ثم يرسلونها، كما ورد عن ابن مسعود، أو أن مراده أنهم ماكانوا يرفعون أيديهم في أوّل دعاء القنوت إنما كانوا يرفعونها في آخره، كما هو اختيار عبدالرزاق الصنعاني، فقد قيـل له: أترفع يديك إذا دعوت في الوتر؟ قال: نعم في آخره قليلا”([49])، أو فيه أنهم رضي الله عنهم كانوا أحياناً يرفعونها في قنوت الوتر وأحياناً لا يرفعونها، وترك الرفع في دعاء القنوت كان يحصل منهم في قنوت الوتر في رمضان.
عن مغيرة عن إبراهيم قال: “ارفع يديك للقنوت”([50]).
وقال الوليد: أخبرني عامر بن شبل الجرمي قال: رأيت أبا قلابة يرفع يديه في قنوته([51]).
وقال الوليد بن مسلم : سألت الأوزاعي عن رفع اليدين في قنوت الوتر؟ فقال: لا ترفع يديك وإن شئت فأشر بإصبعك.
قال: ورأيته يقنت في شهر رمضان و لا يرفع يديه و يشير بإصبعه”([52]).
وعن سفيان قال: “كانوا يستحبون أن تقرأ في الثالثة من الوتر قل هو الله أحد، ثم تكبر وترفع يديك ثم تقنت”([53]).
وكان عبد الله بن المبارك يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه([54]).
وعن عبدالله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: “سألت أبي عن الرجل إذا أراد أن يوتر في الصلاة يرفع يديه؟ فقال: إذا قنت الرجل يرفع يديه حذو صدره، ورفع يديه في قنوته في الوتر”([55]).
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عن القنوت ترفع يديك؟ قال: نعم”([56]).
وقال عبدالله: سألت أبي عن رفع اليدين في القنوت؟ قال: لا بأس به، رواه ليث عن عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه أن ابن مسعود كان يرفع يديه في القنوت”([57]).
عن عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن رفع اليدين في الوتر في رمضان؟ فقال: إنما أرفع يدي في الوتر وأنا أقنت في النصف الأخير من رمضان. وإن قنت الرجل الشهر كله لم أر به بأساً، وإن قنت رجل السنة لم أر به بأساً في الوتر، وإن قنت في الفجر إذا دعا دعا على الكفرة ويدعو للمسلمين لم أر به بأساً”([58]).
وقال عبدالله قال أبي: “مذهبي في القنوت في شهر رمضان أن يقنت في النصف الأخير، وإن قنت في السنة كلها فلا بأس، وإذا كان إمام يقنت قنت خلفه”([59]).
وقال عبدالله : سألت أبي عن الرجل يصلي خلف من يقنت؟ قال: لا بأس بالصلاة خلفه إذا كان يقنت على فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على المشركين إلا أن يكون رافضياً فلا يصلي خلفه.
قال: قلت لأبي : من الرافضي؟ قال: الذي يسب أبابكر وعمر”([60]).
وقال أبوداود رحمه الله: “سمعت أحمد سئل يرفع يديه في القنوت؟ قال: نعم يعجبني، ورأيت أحمد يرفع يديه في القنوت وكنت أكون خلفه أليه، فكنت أسمع نغمته في القنوت فلم أسمع شيئاً.
وقال أبوداود: سمعت أحمد سألته عن الرفع في القنوت؟ قلت: هكذا أو هكذا؟ فبسطت يدي ووجهت بأطراف الأصابع إلى القبلة، وجعلت مرة بعضها إلى بعض، فلم نقف منه على حد، وكان يقنت إمامه بعد الركوع”([61]).
قال البيهقي رحمه الله: “والحديث في الدعاء جمله إلا أن عددا من الصحابة رضي الله عنهم رفعوا أيديهم في القنوت مع ما رويناه عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم”اهـ([62]).
والحاصل : أنه يشرع رفع اليدين في دعاء قنوت الوتر، ويشرع إرسالهما فيه وخاصة في دعاء القنوت في النصف من رمضان، ويشرع رفعها في أوّله وإرسالها في آخره. ويكون موضع اليدين حذو الثديين، ولا يبالغ في رفعهما عن هذا الموضع.
تنبيه : لا يشرع مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، لعدم ثبوت ذلك.
سئل مالك رحمه الله، عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء؛ فأنكر ذلك، وقال: ما علمت.
عن علي الباشاني قال: سألت عبد الله يعني بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه؟ قال :لم أجد له ثبتا قال علي: ولم أره يفعل ذلك”([63]).
وسئل عبدالله رحمه الله عن الرجل يبسط يديه فيدعو ثم يمسح بهما وجهه، فقال: كره ذلك سفيان([64]).
قال أبوداود: سمعت أحمد سئل عن الرجل يمسح وجهه بيده إذا فرغ في الوتر؟ قال: لم أسمع به، وقال مرّة: لم اسمع فيه بشيء، ورأيت أحمد لا يفعله”([65]).
عن عبدالله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: “سئل أبي وأنا أسمع عن رفع الأيدي في القنوت يمسح بها وجهه؟ قال: الحسن يروى عنه أنه كان يمسح بها وجهه في دعا”([66]).
وقال عبدالله بعد أن سأل أباه عن رفع اليدين في القنوت، فقال له: لا بأس به: قلت لأبي: يمسح بهما وجهه؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
قال راوية المسائل عن عبدالله: قال لنا أبوعبدالرحمن: لم أر أبي يمسح بهما وجهه”([67]).
قال البيهقي رحمه الله: “وروينا رفع اليدين في قنوت الوتر عن ابن مسعود وأبي هريرة فأما مسح اليدين الوجه بعد الفراغ من دعاء القنوت فإنه من المحدثات”اهـ([68]).
قال البيهقي رحمه الله: “فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروي بعضهم في الدعاء خارج الصلاة وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة .
وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق”اهـ([69]).
المسألة الخامسة : هل يُشــرع الجهر بالقنـــوت و تأمين المأموم على دعاء الإمام في القنوت؟
ظاهر الأحاديث والآثار أن المشروع الجهر بالقنوت في الصلاة جماعة في النصف من رمضان، وكذا سائر العام إذ لا فرق والله اعلم.
ولم يأت في الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر ما يدل على مشروعية قول المأموم آمين، عند دعاء الإمام بالقنوت؛ لكن ورد ذكر تأمين المأموم على تأمين الإمام في قنوت النازلة.
عن ابن سيرين قال: “كان أبي يقوم للناس على عهد عمر في رمضان فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة فإذا تمت عشرون ليلة انصرف إلى أهله وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول: اللهم قحط المطر فيقولون آمين فيقول: ما أسرع ما تقولون آمين دعوني حتى أدعو”([70]).
عن عروة بن الزبير: “أن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال ـ أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم عمر على ذلك وأمر أُبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل. فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا”([71]).
قلت: فهذا ظاهر في أنهم كانوا يجهرون في قنوت الوتر، في النصف من رمضان. وهل يختص هذا فقط في قنوت النصف من رمضان في جماعة هو الذي يشرع الجهر فيه، وفي غير النصف إذا قنت المسلم لا يجهر؟ الذي يظهر أن المقصود أن في النصف من رمضان يجهرون بالقنوت في كل ليلة، أمّا في القنوت في غير النصف فلا يلزمون الجهر بالقنوت في كل ليلة.
ويدل على مشروعية الجهر بالقنوت في غير رمضان و التأمين على دعاء الإمام فيه، ما جاء في قنوت النازلة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ”([72]).
فهذا الحديث نص في القنوت للنازلة، ولمّا كان قنوت النازلة يشرع في الصلوات الخمس، ومنها المغرب، التي هي وتر النهار، فإذا شرع في قنوت النازلة الجهر من الإمام والتأمين من المأموم، وذلك في صلاة الفرض، فمثله القنوت في صلاة الوتر([73])، ولأن ما جاز في الفرض جاز في النفل، فكذا يشرع في قنوت الوتر، الذي هو وتر صلاة الليل: أن يجهر الإمام بالدعاء ويؤمن المأموم على دعاء الإمام.
عن الأوزاعي رحمه الله: “ليس في القنوت رفع، ويكره رفع الصوت في الدعاء”([74]).
عن مالك رحمه الله: “يقنت في النصف من رمضان يعني الإمام ويلعن الكفرة ويؤمن من خلفه”([75]).
قال أبوداود رحمه الله: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن القنوت؟ فقال: الذي يعجبنا: أن يقنت الإمام ويؤمن من خلفه. قيل لأحمد: قال: “اللهم إنا نستعينك ونستغفرك” يقول من خلفه: آمين؟ قال: يؤمن في موضع التأمين”([76]). وقال أبوداود: “قلت لأحمد: إذا لم أسمع قنوت الإمام أدعو؟ قال: نعم”([77]).
وقال إسحاق بن راهويه رحمه الله: “يدعو الإمام ويؤمن من خلفه.
قال محمد بن نصر : وهذا الذي أختار، أن يسكتوا حتى يفرغ الإمام من قراءة السورتين، ثم إذا بلغ بعد ذلك مواضع الدعاء أمّنوا”([78]).
المسألة السادسة : هل دعاء القنوت توقيفي؟
الظاهر من الأدلة أنه ليس في دعاء قنوت الوتر توقيف، فيجوز أن يدعو فيه المسلم بما شاء، وأفضل ذلك ما ورد؛ فمن ذلك ما جاء عن الْحَسَنُِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: “عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ (وفي رواية: فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ): اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”([79]).
وما جاء عن عطاء: “أنه سمع عبيد بن عمير يأثر عن عمر بن الخطاب في القنوت [في الوتر] أنه كان يقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق”([80]).
وما ورد عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس: “أنه كان يقول في قنوت الوتر: لك الحمد ملأ السماوات السبع وملأ الأرَضين السبع وملأ ما بينهما من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد”([81]).
وما ورد عن عروة بن الزبير: “أن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال ـ أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم عمر على ذلك وأمر أُبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل. فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف:
اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا“([82]).
وما ورد عن معمر عن عمرو عن الحسن يقول: القنوت في الوتر والصبح:
اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة والمشركين وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمتهم وأنزل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات اللهم أصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وتوفهم على ملة رسولك وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم. فكان يقول هذا ثم يخر ساجدا وكان لا يزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وكان بعض من يسأله يقول: يا أبا سعيد أيزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح والتكبير؟ فيقول: لا أنهاكم ولكني سمعت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيدون على هذا شيئا ويغضب إذا أرادوه على الزيادة([83]).
عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن قال: “علمنا ابن مسعود أن نقرأ في القنوت: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجوا رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق”([84]).
عن الثوري عن الزبير بن عدي عن إبراهيم: “كان يستحب أن يقول في قنوت الوتر بهاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق”([85]).
فهذا هو ما ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستحب قوله في قنوت الوتر، فإن زاد عليه جاز، إذ الظاهر من النصوص ذلك، كما قال إبراهيم النخعي رحمه الله: “ليس في قنوت الوتر شيء مؤقت ، إنما هو دعاء واستغفار”([86]).
قيل لأحمد بن حنبل: تختار من القنوت شيء؟ قال: كل ما جاء فيه الحديث لا بأس به”([87]).
المسألة السابعة : هل يُشرع التطويل في قنوت الوتر ؟
الذي يظهر من النصوص أنه لا يشرع تطويل القنوت؛ إذ الوارد ليس فيه تطويل: فمرّة جاء أنه يدعو بــ “اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”.
ومرّة جاء أنه يدعو بـ “اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك.
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق”.
ومرّة جاء أنه يدعو بـ “لك الحمد ملأ السماوات السبع وملأ الأرَضين السبع وملأ ما بينهما من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد”.
ومرّة جاء أنه يدعو بـ “اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.
اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق”.
ومرّة جاء أنه يدعو بـ “اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة والمشركين وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمتهم وأنزل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات اللهم أصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وتوفهم على ملة رسولك وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم”
ومرّة جاء أنه يدعو بـ “اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجوا رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق”.
بل لو جمعت الدعاء الذي ورد أنه يقال في قنوت الوتر، وضممت بعضه على بعض، تجده لا يزيد عن قدر سورة الأعلى، وذلك بعد حذف المكرر؛ تجده على هذا القدر:
“اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”.
“لك الحمد ملأ السماوات السبع وملأ الأرَضين السبع وملأ ما بينهما من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك.
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق”.
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
هذا مجمل ماورد بحذف المكرر في اللفظ والمعنى، وكما ترى ليس بالدعاء الطويل، فلو لاحظت أنه لم يرد أنه دعي بمجموع هذا الدعاء في قنوت واحد، كما سبق تقريره، تأكدت من أن القنوت في الوتر لا يشرع المداومة على تطويله.
عن إبراهيم قال: “يقام في قنوت الوتر قدر [إذا السماء انشقت]“([88]).
فإن أطال لسبب عارض أو أحياناً الظاهر جوازه:
عن إبراهيم النخعي قال: “دخلت على الأسود ذات ليلة وهو مريض فصلى الوتر ورجل مسند إليه قال فقنت فأطال القنوت حتى ظننت أنه قد زاد على ما كان يصنع [مخافة أن يقصر عما كان يقنت]”([89]).
وقد سُئل أبو عثمان النهدي عن قنوت عمر بن الخطاب في الفجر فقال: “كان يقنت بقدر ما يقرؤ الرجل مائة آية”([90]).
وقد “سُئل أحمد بن حنبل عن قول إبراهيم في القنوت قدر [إذا السماء أنشقت] قال: هذا قليل يعجبني أن يزيد”([91]).
وقد كان الحسن البصري يقول في قنوته بعضاً من هذا الدعاء الوارد، وهو: ” اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة والمشركين وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمتهم وأنزل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات اللهم أصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وتوفهم على ملة رسولك وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم” فكان يقول هذا ثم يخر ساجدا وكان لا يزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وكان بعض من يسأله يقول: يا أبا سعيد أيزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح والتكبير؟ فيقول: لا أنهاكم ولكني سمعت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيدون على هذا شيئا ويغضب إذا أرادوه على الزيادة”([92]).
فالحسن البصري رحمه الله، ما كان ينهى عن الزيادة، لكن كان يحرض على الاتباع، ويكره الحدث، حتى إنه كان لا يزيد الصلاة والدعاء والتسبيح والتكبير لأنه لم يسمع الصحابة يزيدون.
وهذا من الحسن بحسب علمه، وإلا فقد ثبت عن الصحابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت، وهي المسألة التالية.
المسألة الثامنة : هل يصلى على النبي عليه الصلاة والسلام في دعاء القنوت؟
ثبتت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر.
عن عروة بن الزبير: “أن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال ـ أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ … وفيه : قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا”([93]).
فثبتت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في قنوت الوتر بفعل الصحابة رضوان الله عليهم.
المسألة التاسعة : ما الحكم إذا سها عن قنوت الوتر؟
عن الحسن البصري رحمه الله: “إذا نسي القنوت في الفجر فعليه سجدتا السهو”([94]).
عن شريك عن ابن أبي ليى قال: سئل عن رجل سها فقنت فقال: هذا سهى فأصاب”([95]).
عن ابن جريج عن عطاء قال: “من رأى القنوت فلم يقنت فعليه سجدتا السهو”([96]).
قال أبوداود رحمه الله: “سمعت أحمد سئل عن رجل نسي القنوت؟ قال: إن كان ممن تعوّد القنوت فليسجد سجدتي السهو”
وقال أبوداود: “سمعت أحمد قال: سألت ابن علية عن الرجل ينسى القنوت في الوتر؟ فقال: لاشيء عليه.
قال أحمد: وسألت هشيماً قال: يسجد سجدتي السهو”([97]).
عن عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: “قرأت على أبي، قلت: من ترك القنوت ساهياً؟ قال يسجد إذا كان ممن يقنت.”([98]).
قلت : حكم المسألة هو هذا فمن أراد أن يقنت أو كان الغالب على صلاته الوتر أن يقنت فنسي القنوت سجد للسهو استحباباً، والله اعلم.
__________________________
([1]) إسناده حسن. سبق تخريجه.
([2]) حسن لغيره. أخرجه ابن أبي شيبة(2/305-306)، وفي السند أشعث بن سوار الكندي، قال في التقريب ص149: “ضعيف”اهـ، وإبراهيم النخعي (ت196هـ) لم يسمع من ابن مسعود، لكن مراسيله عن ابن مسعود صحيحة، قال في التقريب ص118، “ثقة إلا أنه يرسل كثيرا ، فقيه”، ساق بسنده في تهذيب الكمال (صورة المخطوط دار المأمون1/6 من طريق أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ ، قال : حدثنا أبوعبيدة بن أبى السفر الكوفى ، قال : حدثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن سليمان الأعمش ، قال : قلت لإبراهيم النخعي : اسند لي عن عبد الله بن مسعود؟ فقال إبراهيم : إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت، و إذا قلت : قال عبد الله : فهو عن غير واحد عن عبد الله”اهـ . و قال الحافظ أبو سعيد العلائي : هو مكثر من الإرسال ، و جماعة من الأئمة صححوا مراسيله ، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود”اهـ. فالسند ضعيف لوجود أشعث، لكن توبع على ذكر القنوت للوتر قبل الركوع، وعلى ذكر الوتر في كل ليلة، بما تراه في الأصل، عن عبدالله بن مسعود، فيرتقي هذا الحديث إلى الحسن لغيره.
([3]) إسناده صحيح. وسبق تخريجه.
([4]) إسناده صحيح. وسبق تخريجه.
([5]) إسناده صحيح. إذا صح ما في المطبوع من أن السند عن ابن عمر، وإلا فالصواب أنه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وسبق تخريجه.
([6]) أثر حسن لغيره. سبق تخريجه.
([7]) صحيح. وسبق تخريجه.
([8]) أخرجه ابن أبي شيبة (2/30 بسند صحيح .
([9]) أثر حسن لغيره. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/305). في السند عمرو هو ابن عبيد، متهم. ,لكن تابعه يونس بن عبيد أخرجه ابن عبدالبر في الاستذكار (2/77) من طريق يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن الحسن، والزيادة له، والحسن لم يدرك أبياً. لكن يشهد له ما جاء عن عروة عن عبدالرحمن بن عبد القارئ في قصة جمع عمر للناس خلف أُبي بن كعب لصلاة الليل.
([10]) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (3/120) بسند صحيح.
([11]) أخرجه عبدالرزاق (3/121)، وسنده صحيح عن ابن سيرين، أمّا عن الحسن فحسن لغيره، إذ في السند هشام بن حسان الأزدي، قال في التقريب: ” ثقة ، من أثبت الناس فى ابن سيرين ، و فى روايته عن الحسن و عطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما”اهـ، وقد توبع في روايته عن الحسن تابعه عمرو بن عبيد في الرواية المذكورة قبل قليل، وتابعه قتادة، جاء في (مختصر قيام الليل ص127) : “قال سعيد عن قتادة: كان يقنت السنة كلها في وتره، إلا النصف الأول من رمضان، فإنه كان لا يقنت. وكان يحدث عن الحسن أنه كان يقنت في السنة كلها إلا النصف الأول من رمضان إذا كان إماماً إلا أن يصلي وحده، فكان يقنت في رمضان كله [و] في السنة كلها” ما بين معقوفتين زيادة من عندي ليستقيم بها الكلام.
([12]) المدونة (1/195).
([13]) مختصر قيام الليل ص129.
([14]) انظر : المعونة (1/241 ، 246)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/291). ويلاحظ هنا : أن الإمام مالكاً رحمه الله في المدونة (1/100) يقول بمشروعية القنوت في صلاة الصبح، قبل الركوع وبعده، و يختار لنفسه قبل الركوع، ويقول: ليس في القنوت دعاء معروف و لا وقوف مؤقت ، و يقول من نسي القنوت في صلاة الصبح لا سهو عليه.
([15]) السنن الكبرى للبيهقي (2/499)، بسند حسن .
([16]) مختصر قيام الليل ص124ـ125.
([17]) مسـائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص90، المسألة رقم 320، بدون ذكر أثر ابن عمر، وذكره ص96، المسألة رقم (337).
([18]) مسائل عبدالله بن أحمد بن حنبل لأبيه ص92، المسألة رقم (324).
([19]) مسائل عبدالله لأبيه ص98، المسألة رقم (344).
([20]) مسائل أبي داود لأحمد ابن حنبل ص95.
([21]) مسائل إسحاق ابن هانئ لأحمد بن حنبل (1/99،100).
([22]) مختصر قيام الليل ص125.
([23]) حديث صحيح. سبق تخريجه.
([24]) وهذا ما أشار إليه البخاري رحمه الله حينما أورد هذا الحديث مبوباً عليه باب القنوت قبل الركوع أو بعده، ضمن الأبواب المتعلقة بالوتر، وما ذاك إلا إشارة منه إلى هذا المعنى والله اعلم. وقد جنح ابن حجر إلى استلماح معنى آخر يلتقي في نتيجته مع ما ذكرت، والمناسبات على كل حال لا تتمانع مالم تتناقض. حيث قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، في بيان مناسبة تبويب البخاري لأحاديث الباب، (فتح الباري2/490) : “ويظهر لي أنه أشار بذلك إلى قوله في الطريق الرابعة كان القنوت في الفجر والمغرب لأنه ثبت أن المغرب وتر النهار فإذا ثبت القنوت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية مع أنه قد ورد الأمر به صريحا في الوتر، الوتر فروى أصحاب السنن من حديث الحسن بن علي قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر اللهم أهدني فيمن هديت الحديث وقد صححه الترمذي وغيره لكن ليس على شرط البخاري “اهـ، وقد أشار ابن قتيبة في (غريب الحديث1/17) إلى أن صلاة الوتر تشبّه بصلاة المغرب، وتقاس عليها، فقال رحمه الله: “ولّا كانت المغرب وتر النهار واختلف الناس في وتر الليل كان أحسن الأشياء أن يُشبه بها”اهـ
([25]) حديث صحيح. سبق تخريجه.
([26]) إسناده حسن. سبق تخريجه.
([27]) حسن لغيره. سبق تخريجه.
([28]) أثر حسن لغيره. سبق تخريجه.
([29]) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (3/120، تحت رقم 4994). وسنده صحيح عن ابن سيرين، أمّا عن الحسن فحسن لغيره، إذ في السند هشام بن حسان الأزدي، قال في التقريب: ” ثقة ، من أثبت الناس فى ابن سيرين ، و فى روايته عن الحسن و عطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما”اهـ.
([30]) سنن البيهقي الكبرى (2/212).
([31]) مسائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص90، المسألة رقم (320).
([32]) مسائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص91ـ92، المسألة رقم (323).
([33]) المصنف لابن أبي شيبة(2/305-306). والأثر حسن لغيره. سبق تخريجه.
([34]) مختصر قيام الليل ص134. قلت: والقياس في أحكام القنوت على صلاة الغداة، يؤيده أن ما جاز فعله في صلاة الفرض جاز في صلاة النفل، فإذا تذكرنا أن الدليل قائم على مشروعية القنوت في الصلوات الخمس، ومنها المغرب، وهي وتر النهار، فأشبه شيء هي بوتر الليل، وقنت الرسول في صلاة المغرب، فأحكام القنوت في وتر النهار هي أشبه شيء بأحكام القنوت في وتر الليل، والعكس صحيح. وليلاحظ أن هذا ليس بقياس مجرد، إذ معه من فعل الصحابة ما له حكم الرفع.
([35]) إسناده ضعيف. سبق تخريجه.
([36]) حسن لغيره، بدون ذكر التكبير بعد القراءة للقنوت. سبق تخريجه.
([37]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/307) بسند صحيح .
([38]) أخرجه ابن أبي شيبة (2/307) بسند صحيح.
([39]) مختصر قيام الليل ص136.
([40]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص101.
([41]) أخرجه ابن أبي شيبة (2/315) بإسناد صحيح.
([42]) انظر ما جاء عن علي بن أبي طالب والبراء رضي الله عنهما في قنوت الوتر.
([43]) حسن لغيره. سبق تخريجه.
([44]) إسناده صحيح. سبق تخريجه.
([45]) حديث صحيح. سبق تخريجه.
([46]) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (3/137) (الرسالة 19/393، تحت رقم 12402)، وعبد بن حميد في المتتخب (3/137، تحت رقم 1274)، والطبراني في المعجم الصغير (الروض الداني 1/324، تحت رقم 536، اسم شيخ الطبراني علي بن صقر السكري)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/349)، وفي السنن الكبرى (2/211) مختصراً . والحديث قال الألباني في الإرواء (2/181) : “ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وصحح اسناده محققو مسند أحمد. فائدة: قال الألباني في الإرواء (2/181): “ثبت مثله عن عمر وغيره في قنوت الوتر”اهـ يعني رفع اليدين.
([47]) ذكر ذلك في نظم المتناثر ص113.
([48]) إسناده صحيح. سبق تخريجه.
([49]) المصنف (3/123، تحت رقم 5003).
([50]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/307)، بإسناد صحيح عنه.
([51]) السنن الكبرى للبيهقي (3/41).
([52]) مختصر قيام الليل ص140.
([53]) مختصر قيام الليل ص140.
([54]) السنن الكبرى للبيهقي (2/212).
([55]) مسائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص90، المسألة رقم (319).
([56]) مسائل عبدالله بن أحمد بن حنبل ص91، المسألة رقم (322).
([57]) مسائل عبدالله لأبيه ص95، المسألة رقم (332).
([58]) مسائل عبدالله لأبيه ص98ـ99، المسألة رقم (347).
([59]) مسائل عبدالله لأبيه ص99، المسألة رقم (34.
([60]) مسائل عبدالله لأبيه ص99، المسألة رقم (349).
([61]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص96.
([62]) سنن البيهقي الكبرى (2/211).
([63]) سنن البيهقي الكبرى (2/212).
([64]) مختصر قيام الليل ص152.
([65]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص102.
([66]) مسائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص91، المسألة رقم (322).
([67]) مسائل عبدالله لأبيه ص95، المسألة رقم (332).
([68]) السنن الصغرى للبيهقي (1/172).
([69]) سنن البيهقي الكبرى (2/212).
([70]) إسناده ضعيف. سبق تخريجه.
([71]) صحيح. سبق تخريجه.
([72]) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (1/301)، (الرسالة 4/475، تحت رقم 2746)، وأبوداود في كتاب الصلاة باب القنوت في الصلوات، حديث رقم (1443)، واللفظ له، وابن خزيمة تحت رقم (61، والحاكم في المستدرك (1/225)، والبيهقي في الكبرى (2/200). والحديث صححه ابن خزيمة والحاكم وحسّن إسناده محقق زاد المعاد (1/273)، والألباني في الإرواء (2/163)، وصحح إسناده محققو مسند أحمد.
([73]) انظر ما تقدّم في المسألة الثالثة حول ثبوت أحكام قنوت النازلة على أحكام قنوت الوتر.
([74]) مختصر قيام الليل ص150.
([75]) مختصر قيام الليل ص150. وهذه الرواية الثانية عن مالك رحمه الله وهي خارج المدونة.
([76]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص96.
([77]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص102.
([78]) مختصر قيام الليل ص150. ويقصد بالسورتين : سورتي أبي، عن الثوري عن الزبير بن عدي عن إبراهيم: “كان يستحب أن يقول في قنوت الوتر بهاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق”. أخرجه عبدالرزاق في المصنف (3/121، تحت رقم 4997)، بسند صحيح.
([79]) حديث صحيح. سبق تخريجه.
([80]) إسناده صحيح . سبق تخريجه.
([81]) إسناده صحيح. سبق تخريجه.
([82]) صحيح. سبق تخريجه.
([83]) حسن لغيره. سبق تخريجه.
([84]) السند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولكن الدعاء حسن لغيره. سبق تخريجه.
([85]) إسناده صحيح. أخرجه عبدالرزاق في المصنف (3/121، تحت رقم 4997).
([86]) مصنف ابن أبي شيبة (2/301). بسند صحيح عنه..
([87]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص101.
([88]) أخرجـــه عبدالرزاق في المصنف (3/122، تحت رقم 5001)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/30، بسند صحيح.
([89]) أخرجـه عبدالرزاق في المصنف (3/122، تحت رقم 5001)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/307)، بسند صحيح. والأسود هو ابن يزيد النخعي من كبار التابعين الثقات.
([90]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/30 بسند صحيح.
([91]) مسائل أبي داود ص96.
([92]) حسن لغيره. سبق تخريجه.
([93]) صحيح. سبق تخريجه.
([94]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/31، في السند هشيم ثقة كثير التدليس والإرسال، وقد عنعن.
([95]) المصنف ابن أبي شيبة (2/31. وإسناده حسن.
([96]) المصنف لابن أبي شيبة (2/31، في السند ابن جريج ثقة يدلس ويرسل، وقد عنعن.
([97]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص102
([98]) مسائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص94، المسألة رقم (330).
[ المصدر: الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر رواية ودراية، للشيخ محمد بازمول ]
المصدر ..موقع شبكة سحاب السلفية
المسألة الأولى : هل يشرع القنوت في الوتر؟
الذي يترجح في هذه المسألة أن قنوت الوتر مشروع طوال العام، ويدل عليه حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، وحديث أُبي بن كعب رضي الله عنه، وهو الثابت عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما. بل وهو الثابت عن جمهور الصحابة، فقد جاء عن إبراهيم عن علقمة: “إن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع”([1]).
عن أشعث عن الحكم عن إبراهيم قال عبد الله: لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع”([2]).
وقال أبوبكر ابن أبي شيبة عقب هذا الأثر: “هذا القول عندنا”اهـ فإن قيل: جاء عن نافع عن ابن عمر: “أنه كان لا يقنت في الفجر ولا في الوتر فكان إذا سئل عن القنوت قال: ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن”([3]).
فالجواب : ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه القول بمشروعية القنوت في الوتر فيما جاء عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: “أنه كان لا يقنت إلا في النصف يعني من رمضان”. وفي رواية عند البيهقي: “كان لا يقنت في الوتر إلا في النصف من رمضان”([4]). وكذا ما جاء عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد: “أن ابن عمر قنت في الوتر قبل الركوع”([5]).
وعليه؛ فإن ما جاء عنه من ترك القنوت إنما المراد به ترك المداومة عليه، وإنما كان يداوم عليه كل ليلة في النصف من رمضان.
وما جاء عن هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: “أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبي بن كعب فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَإِذَا كَانَتْ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ: أَبَقَ أُبَيٌّ”([6]).
أقول: هذا يُحمل على أنه لم يكن يداوم على القنوت في كل ليلة إلا في النصف الباقي، أو أنه لم يكن يذكر في قنوته لعن الكفرة إلا في قنوت النصف كما يشعر به ما جاء عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير: “أن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال ـ أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم عمر على ذلك وأمر أُبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل. فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد إن عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا”([7]).
أو يُحمل ذلك على القنوت في صلاة الوتر جماعة، لا لمن قنت منفرداً.
عن إبراهيم النخعي رحمه الله: “لا وتر إلا بقنوت”([8]).
الحاصل أن القنوت في الوتر يشرع طوال العام، والسُّنّة فيه فعله أحياناً وتركه أحياناً، ويتأكد المداومة عليه كل ليلة في صلاة الوتر في النصف الآخر من رمضان. ويُسن تركه في النصف الأول من رمضان إذا صلى الوتر إماماً.
عن عمرو عن الحسن: أن عمر حيث أمر أبيا أن يصلي بالناس في رمضان وأمره أن يقنت بهم في النصف الباقي ليلة ست عشرة [قنتوا فدعوا على الكفرة].
قال: وكان الحسن يقول: إذا كان إماما قنت في النصف وإذا لم يكن إماما قنت الشهر كله”([9]).
عن معمر عن الزهري قال: “لا قنوت في السنة كلها إلا في النصف الآخر من رمضان”. قال معمر: “وإني لأقنت السنة كلها إلا النصف الأول من رمضان فإني لا أقنته وكذلك كان يصنع الحسن وذكره عنه قتادة وغيره”([10]).
عن هشام عن الحسن: “أنه كان يقنت السنة كلها في الوتر إلا النصف الأول من رمضان” قال: “وكان ابن سيرين لا يقنت من السنة شيئا إلا النصف الآخر من رمضان”([11]).
وقال مالك رحمه الله في الحدث الذي يذكره: “ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان”، قال رحمه الله: “ليس عليه العمل، لا أرى أن يعمل به، و لا يقنت في رمضان لا في أوله و لا في آخره، ولا في غير رمضان، و لا في الوتر أصلاً”([12]).
قال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: “وسئل مالك عن القنوت في الوتر في غير رمضان ؟ فقال: ما أقنت أنا في الوتر في رمضان و لا في غيره. و سئل عن الرجل يقوم لأهله في رمضان أيقنت بهم في النصف الباقي من الشهر؟ فقال: لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا أحداً من أولئك قنت. وما هو من الأمر القديم، وما أفعله أنا في رمضان، و لا أعرف القنوت قديماً.
وفي رواية: لا يقنت في الوتر عندنا”([13]).
قلت: ونقل عنه رحمه الله خارج المدونة: القول بمشروعية قنوت الوتر في النصف من رمضان([14]).
عن العباس بن الوليد بن مزيد قال أخبرني أبي قال: سئل الأوزاعي عن القنوت في شهر رمضان قال أما مساجد الجماعة فيقنتون من أول الشهر إلى آخره وأما أهل المدينة فإنهم يقنتون في النصف الباقي إلى انسلاخه([15]).
وقال الزعفراني عن الشافعي رحمه الله: “أحب إليّ أن يقنتوا في الوتر في النصف الآخر، و لا يقنت في سائر السنة، و لا في رمضان إلا في النصف الآخر” قال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: “وكذلك حكى المزني عن الشافعي”([16]).
عن عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن القنوت في الوتر كل ليلة أفضل؟ أم في السنة كلها؟ أو النصف من شهر رمضان؟ قال: لا بأس إن يقنت كل ليلة. و لا بأس إن قنت السنة كلها. قال: وإن قنت في النصف من شهر رمضان فلا بأس. حدثنا قال: حدثنا أبي قال حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن نافع أن ابن عمر كان لا يقنت إلا في النصف الثاني من رمضان”([17]).
وعن عبدالله قال: سألت أبي عن القنوت في أي صلاة؟ قال: في الوتر بعد الركوع، وإن قنت رجل في الوتر اتباع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت فدعا للمستضعفين فلا بأس.
قلت: إن قنت في الصلوات كلها؟ قال: لا، إلا في الوتر والغداة، فإذا كان يستنصر ويدعو للمسلمين”([18]).
وقال عبدالله: سألت أبي عن القنوت في الوتر؟ فقال: إن شاء قنت، وأختار أن يقنت بعد الركوع”([19]).
قال أبوداود : قلت لأحمد (يعني: ابن حنبل): القنوت في الوتر السنة كلها؟ قال: إن شاء. قلت: فما تختار أنت؟ قال: أمّا أنا ما أقنت إلا في النصف الباقي، إلا أن اصلي خلف إمام يقنت فأقنت معه.
قال أبوداود: قلت لأحمد: إذا كان يقنت النصف الآخر متى يبتديء؟ قال: إذا مضى خمس عشرة، ليلة سادس عشرة.
قال أبوداود: وكذلك صلى به إمامه في مسجده في شهر رمضان”([20]).
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ سألت أبا عبدالله (يعني: أحمد بن حنبل) عن الرجل يقنت السنة أجمع؟ قال: كنت أرى أن يقنت نصف السنة وإذا هو دعاء يقنت السنة أجمع لا بأس به”
وقال مرة: “قد كنت أرى هذا، ولكن هو دعاء أرى أن يقنت السنة أجمع”([21]). وقال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: “وكان إسحاق بن راهوية يختار القنوت في السنة كلها”([22]).
قلت: والأدلة قائمة على مشروعية القنوت في الوتر طوال العام، وأنه يفعل أحياناً ويترك أحياناً، وأنه يداوم عليه في النصف الثاني من رمضان كل ليلة، ويترك في أوله.
المسألة الثانية : هل يقنت في الوتر قبل الركوع أم بعده؟ سبق أن مذهب الحنفية أن موضع قنوت الوتر هو قبل الركوع، من الركعة الأخيرة في الوتر، ومذهب المالكية والحنابلة التخير في القنوت قبل الركوع أو بعده في الركعة الأخيرة من الوتر، ومذهب الشافعية أنه بعد الركوع.
والراجح في ذلك جوازه بعد القراءة قبل الركوع، و بعد الركوع، والأفضل قبل الركوع، فإنه المنقول عن جمهور الصحابة.
ويدل على جوازه قبل الركوع ما جاء عن عَاصِمٌ قَالَ: “سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْقُنُوتِ فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ. قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ. قَالَ: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟
فَقَالَ: كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمْ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ”([23]).
ووجه الدلالة أن جواب أنس رضي الله عنه بأن موضع القنوت قبل الركوع إنما مراده به في قنوت الوتر، بدليل أنه بيّن في تمام كلامه أن قنوت النازلة بعد الركوع.([24]).
وفي حديث أُبي بن كعب: “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِذَا فَرَغَ قَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُطِيلُ فِي آخِرِهِنَّ”([25]).
عن علقمة: “إن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع”([26]).
وثبت القنوت في الوتر بعد الركوع، فقد جاء عن ابن سيرين: “أن أُبي بن كعب قنت في الوتر بعد الركوع”([27]).
عن قتادة عن الحسن: “إن أبيا أم الناس في خلافة عمر فصلى بهم النصف من رمضان لا يقنت فلما مضى النصف قنت بعد الركوع فلما دخل العشر أبق وخلى عنهم فصلى بهم العشر معاذ القارئ في خلافة عمر”([28]).
عن هشام بن حسان: “أن الحسن وابن سيرين كانا يقنتان في الوتر قبل الركعة”([29]).
عن علي الباشاني قال: كان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه”([30]) .
عن عبدالله بن أحمد بن حنبل: “قلت لأبي: ومن قنت في الوتر يركع قبل القنوت أو بعده؟ قال: بعد الركوع إذا رفع رأسه”.
وقال مرّة: “وأختار أن يقنت بعدما يرفع رأسه من الركوع”([31]).
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: “سألت أبي عن القنوت في صلاة الصبح أحب إليك قبل الركوع أم بعد الركوع؟ وفي الوتر أحب إليك أم تركه؟
قال أبي: أمّا القنوت في صلاة الغداة فإن كان الإمام يقنت مستنصراً لعدو حضره فلا بأس بذلك، على معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أنه دعا لقوم على قوم”، فلا بأس بالقنوت في الفجر. وأمّا غير ذلك فلا يقنت، ويقنت بعد الركعة في الفجر، وفي الوتر بعد الركعة إذا هو قنت.
قال سمعت أبي يقول: اختار القنوت بعد الركعة لأن كل شيء يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت إنما هو في الفجر لما رفع رأسه من الركعة فقال صلى الله عليه وسلم: “اللهم انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام” وقنوت الوتر أيضاً أختاره بعد الركوع.
قال أبي: وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قنت في الوتر بعد الركوع، ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر قبل أو بعد شيء”([32]).
وقال ابن أبي شيبة (ت235هـ) رحمه الله بعد روايته عن أشعث عن الحكم عن إبراهيم قال عبد الله: لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع”. قال أبوبكر: “هذا القول عندنا”([33]).
قال محمد بن نصر المروزي (ت294هـ) رحمه الله: “سئل أحمد عن القنوت في الوتر قبل الركوع أم بعده وهل ترفع الأيدي في الدعاء في الوتر؟ فقال: القنوت بعد الركوع ويرقع يديه، وذلك على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الغداة. …
وكان إسحاق يختار القنوت بعد الركوع في الوتر. قال محمد بن نصر: وهذا الرأي أختاره”([34]).
والمقصود : أن القنوت في الوتر يشرع بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الأخيرة، ويشرع بعد الركوع فيها، والأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم قبل الركوع، لثبوت النص به عنه صلى الله عليه وسلم، وثبوت ذلك عن جمهور الصحابة، والله اعلم.
المسألة الثالثة : هل يكبر بعد القراءة للقنوت قبل الركوع؟
الذي ورد في قنوت الوتر عن الصحابة جميعه لا يصح، وهو ما جاء عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي: “انه كان يفتتح القنوت بالتكبير”([35]).
وما جاء عن ليث عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه : “أن عبد الله بن مسعود كان إذا فرغ من القراءة كبر ثم قنت فإذا فرغ من القنوت كبر ثم ركع”([36]). لكن ثبت عن بعض التابعين في قنوت الوتر:
عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: “إذا أردت أن تقنت فكبر للقنوت وكبر إذا أردت أن تركع”.
وفي رواية عنه: “إذا فرغت من القراءة فكبر ثم إذا فرغت فكبر واركع”([37]). عن شعبة قال: “سمعت الحكم وحماداً وأبا إسحاق يقولون: في قنوت الوتر إذا فرغ كبر ثم قنت”([38]).
وعن سفيان قال: كانوا يستحبون إذا فرغ من القراءة في الركعة الثالثة من الوتر أن يكبر ثم يقنت([39]).
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: “إذا كان يقنت قبل الركوع افتتح القنوت بتكبيرة”([40]).
قلت: نعم ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه([41])، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن البراء رضي الله عنه([42])، في قنوت النازلة في صلاة الفجر.
وعليه فإنه يُشرع في قنوت الوتر إذا فرغ من القراءة وأراد القنوت قبل الركوع أن يكبر قبل القنوت وبعده. وهذه من السنن المهجورة اليوم إلا ما رحم ربي.
المسألة الرابعة : هل ترفع الأيدي في دعاء القنوت؟
يشرع في دعاء القنوت رفع اليدين، وإرسالهما، ورفعهما في أوله وإرسالهما في آخره. هذا هو ما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم؛ فكل ذلك جائز.
عن ليث عن عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه: “كان عبدالله يقرأ في آخر ركعة من الوتر ]قل هو الله أحد[، ثم يرفع يديه فيقنت قبل الركعة”.
وفي رواية عن عبد الله: “أنه كان يرفع يديه في قنوت الوتر”. وعند البيهقي: “كان ابن مسعود يرفع يديه في القنوت إلى ثدييه”([43]).
عن الزهري عن حماد عن إبراهيم: “أن ابن مسعود كان يرفع يديه في الوتر ثم يرسلهما بعد”([44]).
فإن قيل : جاء عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ”([45])؛ وهذا دليل على أنه لا يشرع رفع اليدين في غير دعاء الاستسقاء.
فالجواب : ليس مراد أنس رضي الله عنه نفي رفع اليدين في الدعاء مطلقاً، إنما مراده أنه لم يرفع يديه في الدعاء على الصفة التي رآه عليها في غير دعاء الاستسقاء فقد رفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم.
ويدل على هذا أنه صح عن أنس رضي الله عنه، ذكر رفع الرسول صلى الله عليه وسلم، في دعاء قنوت النازلة؛
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: “حَدَّثَنَا هَاشِمٌ وَعَفَّانُ الْمَعْنَى قَالَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَكَتَبَ كِتَابًا بَيْنَ أَهْلِهِ فَقَالَ: اشْهَدُوا يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ.
قَالَ ثَابِتٌ: فَكَأَنِّي كَرِهْتُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ لَوْ سَمَّيْتَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ.
قَالَ: وَمَا بَأْسُ ذَلِكَ أَنْ أَقُلْ لَكُمْ قُرَّاءُ أَفَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ إِخْوَانِكُمْ الَّذِينَ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرَّاءَ فَذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ فَكَانُوا إِذَا جَنَّهُمْ اللَّيْلُ انْطَلَقُوا إِلَى مُعَلِّمٍ لَهُمْ بِالْمَدِينَةِ فَيَدْرُسُونَ اللَّيْلَ حَتَّى يُصْبِحُوا فَإِذَا أَصْبَحُوا فَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ اسْتَعْذَبَ مِنْ الْمَاءِ وَأَصَابَ مِنْ الْحَطَبِ وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سَعَةٌ اجْتَمَعُوا فَاشْتَرَوْا الشَّاةَ وَأَصْلَحُوهَا فَيُصْبِحُ ذَلِكَ مُعَلَّقًا بِحُجَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُصِيبَ خُبَيْبٌ بَعَثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَفِيهِمْ خَالِي حَرَامٌ فَقَالَ حَرَامٌ لِأَمِيرِهِمْ دَعْنِي فَلْأُخْبِرْ هَؤُلَاءِ أَنَّا لَسْنَا إِيَّاهُمْ نُرِيدُ حَتَّى يُخْلُوا وَجْهَنَا وَقَالَ عَفَّانُ فَيُخْلُونَ وَجْهَنَا فَقَالَ لَهُمْ حَرَامٌ إِنَّا لَسْنَا إِيَّاكُمْ نُرِيدُ فَخَلُّوا وَجْهَنَا فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ بِالرُّمْحِ فَأَنْفَذَهُ مِنْهُ فَلَمَّا وَجَدَ الرُّمْحَ فِي جَوْفِهِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ فَانْطَوَوْا عَلَيْهِمْ فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَقَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَبُو طَلْحَةَ يَقُولُ لِي هَلْ لَكَ فِي قَاتِلِ حَرَامٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ مَا لَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ قَالَ مَهْلًا فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ” وَقَالَ عَفَّانُ رَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ و قَالَ أَبُو النَّضْرِ رَفَعَ يَدَيْهِ”([46]).
فقولــه في هذا الحديث: “فَقَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ“؛ دليل على مشروعية رفع اليدين في دعاء القنوت للنازلة.
وهذا فيه بيان أن مراد أنس في الحديث الذي نفى فيه رفع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء إنما مراده صفة رفع اليدين التي كان عليها صلى الله عليه وسلم، فقد رفعها حتى يُرى بياض إبطيه، وليس مراده رضي الله عنه نفي أصل رفع اليدين في الدعاء، لأنه رواه كما ترى في قنوت النازلة، وثبت عن غيره كذلك، حتى عُدّت أحاديث رفع اليدين في الدعاء من المتواتر المعنوي([47]).
فإن قيل : فقد جاء عن معمر وابن جريج عن الزهري قال: “لم تكن ترفع الأيدي في الوتر في رمضان”([48])، وهذا دليل أن الصحابة لم يكونوا يرفعون أيديهم في الدعاء لقنوت الوتر.
فالجواب : بل في هذا الأثر بدلالة مفهوم المخالفة أنهم كانوا يرفعون أيديهم في قنوت الوتر في غير رمضان. والذي يظهر في معنى هذا الأثر بالنظر إلى جميع ما ورد في المسألة، أن يقال: إن مراد الزهري بيان أنهم لم يكونوا يرفعون أيديهم في دعاء قنوت الوتر جميعه، بل كانوا يرفعونها في أوله ثم يرسلونها، كما ورد عن ابن مسعود، أو أن مراده أنهم ماكانوا يرفعون أيديهم في أوّل دعاء القنوت إنما كانوا يرفعونها في آخره، كما هو اختيار عبدالرزاق الصنعاني، فقد قيـل له: أترفع يديك إذا دعوت في الوتر؟ قال: نعم في آخره قليلا”([49])، أو فيه أنهم رضي الله عنهم كانوا أحياناً يرفعونها في قنوت الوتر وأحياناً لا يرفعونها، وترك الرفع في دعاء القنوت كان يحصل منهم في قنوت الوتر في رمضان.
عن مغيرة عن إبراهيم قال: “ارفع يديك للقنوت”([50]).
وقال الوليد: أخبرني عامر بن شبل الجرمي قال: رأيت أبا قلابة يرفع يديه في قنوته([51]).
وقال الوليد بن مسلم : سألت الأوزاعي عن رفع اليدين في قنوت الوتر؟ فقال: لا ترفع يديك وإن شئت فأشر بإصبعك.
قال: ورأيته يقنت في شهر رمضان و لا يرفع يديه و يشير بإصبعه”([52]).
وعن سفيان قال: “كانوا يستحبون أن تقرأ في الثالثة من الوتر قل هو الله أحد، ثم تكبر وترفع يديك ثم تقنت”([53]).
وكان عبد الله بن المبارك يقنت بعد الركوع في الوتر وكان يرفع يديه([54]).
وعن عبدالله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: “سألت أبي عن الرجل إذا أراد أن يوتر في الصلاة يرفع يديه؟ فقال: إذا قنت الرجل يرفع يديه حذو صدره، ورفع يديه في قنوته في الوتر”([55]).
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عن القنوت ترفع يديك؟ قال: نعم”([56]).
وقال عبدالله: سألت أبي عن رفع اليدين في القنوت؟ قال: لا بأس به، رواه ليث عن عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه أن ابن مسعود كان يرفع يديه في القنوت”([57]).
عن عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن رفع اليدين في الوتر في رمضان؟ فقال: إنما أرفع يدي في الوتر وأنا أقنت في النصف الأخير من رمضان. وإن قنت الرجل الشهر كله لم أر به بأساً، وإن قنت رجل السنة لم أر به بأساً في الوتر، وإن قنت في الفجر إذا دعا دعا على الكفرة ويدعو للمسلمين لم أر به بأساً”([58]).
وقال عبدالله قال أبي: “مذهبي في القنوت في شهر رمضان أن يقنت في النصف الأخير، وإن قنت في السنة كلها فلا بأس، وإذا كان إمام يقنت قنت خلفه”([59]).
وقال عبدالله : سألت أبي عن الرجل يصلي خلف من يقنت؟ قال: لا بأس بالصلاة خلفه إذا كان يقنت على فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على المشركين إلا أن يكون رافضياً فلا يصلي خلفه.
قال: قلت لأبي : من الرافضي؟ قال: الذي يسب أبابكر وعمر”([60]).
وقال أبوداود رحمه الله: “سمعت أحمد سئل يرفع يديه في القنوت؟ قال: نعم يعجبني، ورأيت أحمد يرفع يديه في القنوت وكنت أكون خلفه أليه، فكنت أسمع نغمته في القنوت فلم أسمع شيئاً.
وقال أبوداود: سمعت أحمد سألته عن الرفع في القنوت؟ قلت: هكذا أو هكذا؟ فبسطت يدي ووجهت بأطراف الأصابع إلى القبلة، وجعلت مرة بعضها إلى بعض، فلم نقف منه على حد، وكان يقنت إمامه بعد الركوع”([61]).
قال البيهقي رحمه الله: “والحديث في الدعاء جمله إلا أن عددا من الصحابة رضي الله عنهم رفعوا أيديهم في القنوت مع ما رويناه عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم”اهـ([62]).
والحاصل : أنه يشرع رفع اليدين في دعاء قنوت الوتر، ويشرع إرسالهما فيه وخاصة في دعاء القنوت في النصف من رمضان، ويشرع رفعها في أوّله وإرسالها في آخره. ويكون موضع اليدين حذو الثديين، ولا يبالغ في رفعهما عن هذا الموضع.
تنبيه : لا يشرع مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، لعدم ثبوت ذلك.
سئل مالك رحمه الله، عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء؛ فأنكر ذلك، وقال: ما علمت.
عن علي الباشاني قال: سألت عبد الله يعني بن المبارك عن الذي إذا دعا مسح وجهه؟ قال :لم أجد له ثبتا قال علي: ولم أره يفعل ذلك”([63]).
وسئل عبدالله رحمه الله عن الرجل يبسط يديه فيدعو ثم يمسح بهما وجهه، فقال: كره ذلك سفيان([64]).
قال أبوداود: سمعت أحمد سئل عن الرجل يمسح وجهه بيده إذا فرغ في الوتر؟ قال: لم أسمع به، وقال مرّة: لم اسمع فيه بشيء، ورأيت أحمد لا يفعله”([65]).
عن عبدالله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: “سئل أبي وأنا أسمع عن رفع الأيدي في القنوت يمسح بها وجهه؟ قال: الحسن يروى عنه أنه كان يمسح بها وجهه في دعا”([66]).
وقال عبدالله بعد أن سأل أباه عن رفع اليدين في القنوت، فقال له: لا بأس به: قلت لأبي: يمسح بهما وجهه؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
قال راوية المسائل عن عبدالله: قال لنا أبوعبدالرحمن: لم أر أبي يمسح بهما وجهه”([67]).
قال البيهقي رحمه الله: “وروينا رفع اليدين في قنوت الوتر عن ابن مسعود وأبي هريرة فأما مسح اليدين الوجه بعد الفراغ من دعاء القنوت فإنه من المحدثات”اهـ([68]).
قال البيهقي رحمه الله: “فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت وإن كان يروي بعضهم في الدعاء خارج الصلاة وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعيف وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة .
وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت ولا قياس فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق”اهـ([69]).
المسألة الخامسة : هل يُشــرع الجهر بالقنـــوت و تأمين المأموم على دعاء الإمام في القنوت؟
ظاهر الأحاديث والآثار أن المشروع الجهر بالقنوت في الصلاة جماعة في النصف من رمضان، وكذا سائر العام إذ لا فرق والله اعلم.
ولم يأت في الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر ما يدل على مشروعية قول المأموم آمين، عند دعاء الإمام بالقنوت؛ لكن ورد ذكر تأمين المأموم على تأمين الإمام في قنوت النازلة.
عن ابن سيرين قال: “كان أبي يقوم للناس على عهد عمر في رمضان فإذا كان النصف جهر بالقنوت بعد الركعة فإذا تمت عشرون ليلة انصرف إلى أهله وقام للناس أبو حليمة معاذ القارئ وجهر بالقنوت في العشر الأواخر حتى كانوا مما يسمعونه يقول: اللهم قحط المطر فيقولون آمين فيقول: ما أسرع ما تقولون آمين دعوني حتى أدعو”([70]).
عن عروة بن الزبير: “أن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال ـ أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم عمر على ذلك وأمر أُبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل. فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا”([71]).
قلت: فهذا ظاهر في أنهم كانوا يجهرون في قنوت الوتر، في النصف من رمضان. وهل يختص هذا فقط في قنوت النصف من رمضان في جماعة هو الذي يشرع الجهر فيه، وفي غير النصف إذا قنت المسلم لا يجهر؟ الذي يظهر أن المقصود أن في النصف من رمضان يجهرون بالقنوت في كل ليلة، أمّا في القنوت في غير النصف فلا يلزمون الجهر بالقنوت في كل ليلة.
ويدل على مشروعية الجهر بالقنوت في غير رمضان و التأمين على دعاء الإمام فيه، ما جاء في قنوت النازلة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ”([72]).
فهذا الحديث نص في القنوت للنازلة، ولمّا كان قنوت النازلة يشرع في الصلوات الخمس، ومنها المغرب، التي هي وتر النهار، فإذا شرع في قنوت النازلة الجهر من الإمام والتأمين من المأموم، وذلك في صلاة الفرض، فمثله القنوت في صلاة الوتر([73])، ولأن ما جاز في الفرض جاز في النفل، فكذا يشرع في قنوت الوتر، الذي هو وتر صلاة الليل: أن يجهر الإمام بالدعاء ويؤمن المأموم على دعاء الإمام.
عن الأوزاعي رحمه الله: “ليس في القنوت رفع، ويكره رفع الصوت في الدعاء”([74]).
عن مالك رحمه الله: “يقنت في النصف من رمضان يعني الإمام ويلعن الكفرة ويؤمن من خلفه”([75]).
قال أبوداود رحمه الله: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن القنوت؟ فقال: الذي يعجبنا: أن يقنت الإمام ويؤمن من خلفه. قيل لأحمد: قال: “اللهم إنا نستعينك ونستغفرك” يقول من خلفه: آمين؟ قال: يؤمن في موضع التأمين”([76]). وقال أبوداود: “قلت لأحمد: إذا لم أسمع قنوت الإمام أدعو؟ قال: نعم”([77]).
وقال إسحاق بن راهويه رحمه الله: “يدعو الإمام ويؤمن من خلفه.
قال محمد بن نصر : وهذا الذي أختار، أن يسكتوا حتى يفرغ الإمام من قراءة السورتين، ثم إذا بلغ بعد ذلك مواضع الدعاء أمّنوا”([78]).
المسألة السادسة : هل دعاء القنوت توقيفي؟
الظاهر من الأدلة أنه ليس في دعاء قنوت الوتر توقيف، فيجوز أن يدعو فيه المسلم بما شاء، وأفضل ذلك ما ورد؛ فمن ذلك ما جاء عن الْحَسَنُِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: “عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ (وفي رواية: فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ): اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”([79]).
وما جاء عن عطاء: “أنه سمع عبيد بن عمير يأثر عن عمر بن الخطاب في القنوت [في الوتر] أنه كان يقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق”([80]).
وما ورد عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس: “أنه كان يقول في قنوت الوتر: لك الحمد ملأ السماوات السبع وملأ الأرَضين السبع وملأ ما بينهما من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد”([81]).
وما ورد عن عروة بن الزبير: “أن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال ـ أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم عمر على ذلك وأمر أُبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعم البدعة هي والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل. فكان الناس يقومون أوله وكانوا يلعنون الكفرة في النصف:
اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.
قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا“([82]).
وما ورد عن معمر عن عمرو عن الحسن يقول: القنوت في الوتر والصبح:
اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة والمشركين وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمتهم وأنزل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات اللهم أصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وتوفهم على ملة رسولك وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم. فكان يقول هذا ثم يخر ساجدا وكان لا يزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وكان بعض من يسأله يقول: يا أبا سعيد أيزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح والتكبير؟ فيقول: لا أنهاكم ولكني سمعت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيدون على هذا شيئا ويغضب إذا أرادوه على الزيادة([83]).
عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن قال: “علمنا ابن مسعود أن نقرأ في القنوت: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجوا رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق”([84]).
عن الثوري عن الزبير بن عدي عن إبراهيم: “كان يستحب أن يقول في قنوت الوتر بهاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق”([85]).
فهذا هو ما ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستحب قوله في قنوت الوتر، فإن زاد عليه جاز، إذ الظاهر من النصوص ذلك، كما قال إبراهيم النخعي رحمه الله: “ليس في قنوت الوتر شيء مؤقت ، إنما هو دعاء واستغفار”([86]).
قيل لأحمد بن حنبل: تختار من القنوت شيء؟ قال: كل ما جاء فيه الحديث لا بأس به”([87]).
المسألة السابعة : هل يُشرع التطويل في قنوت الوتر ؟
الذي يظهر من النصوص أنه لا يشرع تطويل القنوت؛ إذ الوارد ليس فيه تطويل: فمرّة جاء أنه يدعو بــ “اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”.
ومرّة جاء أنه يدعو بـ “اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك.
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق”.
ومرّة جاء أنه يدعو بـ “لك الحمد ملأ السماوات السبع وملأ الأرَضين السبع وملأ ما بينهما من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد”.
ومرّة جاء أنه يدعو بـ “اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ولا يؤمنون بوعدك وخالف بين كلمتهم وألق في قلوبهم الرعب وألق عليهم رجزك وعذابك إله الحق ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين.
اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق”.
ومرّة جاء أنه يدعو بـ “اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة والمشركين وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمتهم وأنزل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات اللهم أصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وتوفهم على ملة رسولك وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم”
ومرّة جاء أنه يدعو بـ “اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجوا رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق”.
بل لو جمعت الدعاء الذي ورد أنه يقال في قنوت الوتر، وضممت بعضه على بعض، تجده لا يزيد عن قدر سورة الأعلى، وذلك بعد حذف المكرر؛ تجده على هذا القدر:
“اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”.
“لك الحمد ملأ السماوات السبع وملأ الأرَضين السبع وملأ ما بينهما من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسملين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين.
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك.
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك إن عذابك بالكفار ملحق”.
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
هذا مجمل ماورد بحذف المكرر في اللفظ والمعنى، وكما ترى ليس بالدعاء الطويل، فلو لاحظت أنه لم يرد أنه دعي بمجموع هذا الدعاء في قنوت واحد، كما سبق تقريره، تأكدت من أن القنوت في الوتر لا يشرع المداومة على تطويله.
عن إبراهيم قال: “يقام في قنوت الوتر قدر [إذا السماء انشقت]“([88]).
فإن أطال لسبب عارض أو أحياناً الظاهر جوازه:
عن إبراهيم النخعي قال: “دخلت على الأسود ذات ليلة وهو مريض فصلى الوتر ورجل مسند إليه قال فقنت فأطال القنوت حتى ظننت أنه قد زاد على ما كان يصنع [مخافة أن يقصر عما كان يقنت]”([89]).
وقد سُئل أبو عثمان النهدي عن قنوت عمر بن الخطاب في الفجر فقال: “كان يقنت بقدر ما يقرؤ الرجل مائة آية”([90]).
وقد “سُئل أحمد بن حنبل عن قول إبراهيم في القنوت قدر [إذا السماء أنشقت] قال: هذا قليل يعجبني أن يزيد”([91]).
وقد كان الحسن البصري يقول في قنوته بعضاً من هذا الدعاء الوارد، وهو: ” اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب الكفرة والمشركين وألق في قلوبهم الرعب وخالف بين كلمتهم وأنزل عليهم رجزك وعذابك اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات اللهم أصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه وتوفهم على ملة رسولك وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم” فكان يقول هذا ثم يخر ساجدا وكان لا يزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وكان بعض من يسأله يقول: يا أبا سعيد أيزيد على هذا شيئا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء والتسبيح والتكبير؟ فيقول: لا أنهاكم ولكني سمعت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيدون على هذا شيئا ويغضب إذا أرادوه على الزيادة”([92]).
فالحسن البصري رحمه الله، ما كان ينهى عن الزيادة، لكن كان يحرض على الاتباع، ويكره الحدث، حتى إنه كان لا يزيد الصلاة والدعاء والتسبيح والتكبير لأنه لم يسمع الصحابة يزيدون.
وهذا من الحسن بحسب علمه، وإلا فقد ثبت عن الصحابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت، وهي المسألة التالية.
المسألة الثامنة : هل يصلى على النبي عليه الصلاة والسلام في دعاء القنوت؟
ثبتت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر.
عن عروة بن الزبير: “أن عبد الرحمن بن عبد القاري ـ وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال ـ أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط؛ … وفيه : قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة وصلاته على النبي واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ربنا ونخاف عذابك الجد ان عذابك لمن عاديت ملحق. ثم يكبر ويهوى ساجدا”([93]).
فثبتت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في قنوت الوتر بفعل الصحابة رضوان الله عليهم.
المسألة التاسعة : ما الحكم إذا سها عن قنوت الوتر؟
عن الحسن البصري رحمه الله: “إذا نسي القنوت في الفجر فعليه سجدتا السهو”([94]).
عن شريك عن ابن أبي ليى قال: سئل عن رجل سها فقنت فقال: هذا سهى فأصاب”([95]).
عن ابن جريج عن عطاء قال: “من رأى القنوت فلم يقنت فعليه سجدتا السهو”([96]).
قال أبوداود رحمه الله: “سمعت أحمد سئل عن رجل نسي القنوت؟ قال: إن كان ممن تعوّد القنوت فليسجد سجدتي السهو”
وقال أبوداود: “سمعت أحمد قال: سألت ابن علية عن الرجل ينسى القنوت في الوتر؟ فقال: لاشيء عليه.
قال أحمد: وسألت هشيماً قال: يسجد سجدتي السهو”([97]).
عن عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: “قرأت على أبي، قلت: من ترك القنوت ساهياً؟ قال يسجد إذا كان ممن يقنت.”([98]).
قلت : حكم المسألة هو هذا فمن أراد أن يقنت أو كان الغالب على صلاته الوتر أن يقنت فنسي القنوت سجد للسهو استحباباً، والله اعلم.
__________________________
([1]) إسناده حسن. سبق تخريجه.
([2]) حسن لغيره. أخرجه ابن أبي شيبة(2/305-306)، وفي السند أشعث بن سوار الكندي، قال في التقريب ص149: “ضعيف”اهـ، وإبراهيم النخعي (ت196هـ) لم يسمع من ابن مسعود، لكن مراسيله عن ابن مسعود صحيحة، قال في التقريب ص118، “ثقة إلا أنه يرسل كثيرا ، فقيه”، ساق بسنده في تهذيب الكمال (صورة المخطوط دار المأمون1/6 من طريق أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ ، قال : حدثنا أبوعبيدة بن أبى السفر الكوفى ، قال : حدثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن سليمان الأعمش ، قال : قلت لإبراهيم النخعي : اسند لي عن عبد الله بن مسعود؟ فقال إبراهيم : إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت، و إذا قلت : قال عبد الله : فهو عن غير واحد عن عبد الله”اهـ . و قال الحافظ أبو سعيد العلائي : هو مكثر من الإرسال ، و جماعة من الأئمة صححوا مراسيله ، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود”اهـ. فالسند ضعيف لوجود أشعث، لكن توبع على ذكر القنوت للوتر قبل الركوع، وعلى ذكر الوتر في كل ليلة، بما تراه في الأصل، عن عبدالله بن مسعود، فيرتقي هذا الحديث إلى الحسن لغيره.
([3]) إسناده صحيح. وسبق تخريجه.
([4]) إسناده صحيح. وسبق تخريجه.
([5]) إسناده صحيح. إذا صح ما في المطبوع من أن السند عن ابن عمر، وإلا فالصواب أنه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وسبق تخريجه.
([6]) أثر حسن لغيره. سبق تخريجه.
([7]) صحيح. وسبق تخريجه.
([8]) أخرجه ابن أبي شيبة (2/30 بسند صحيح .
([9]) أثر حسن لغيره. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/305). في السند عمرو هو ابن عبيد، متهم. ,لكن تابعه يونس بن عبيد أخرجه ابن عبدالبر في الاستذكار (2/77) من طريق يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن الحسن، والزيادة له، والحسن لم يدرك أبياً. لكن يشهد له ما جاء عن عروة عن عبدالرحمن بن عبد القارئ في قصة جمع عمر للناس خلف أُبي بن كعب لصلاة الليل.
([10]) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (3/120) بسند صحيح.
([11]) أخرجه عبدالرزاق (3/121)، وسنده صحيح عن ابن سيرين، أمّا عن الحسن فحسن لغيره، إذ في السند هشام بن حسان الأزدي، قال في التقريب: ” ثقة ، من أثبت الناس فى ابن سيرين ، و فى روايته عن الحسن و عطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما”اهـ، وقد توبع في روايته عن الحسن تابعه عمرو بن عبيد في الرواية المذكورة قبل قليل، وتابعه قتادة، جاء في (مختصر قيام الليل ص127) : “قال سعيد عن قتادة: كان يقنت السنة كلها في وتره، إلا النصف الأول من رمضان، فإنه كان لا يقنت. وكان يحدث عن الحسن أنه كان يقنت في السنة كلها إلا النصف الأول من رمضان إذا كان إماماً إلا أن يصلي وحده، فكان يقنت في رمضان كله [و] في السنة كلها” ما بين معقوفتين زيادة من عندي ليستقيم بها الكلام.
([12]) المدونة (1/195).
([13]) مختصر قيام الليل ص129.
([14]) انظر : المعونة (1/241 ، 246)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (1/291). ويلاحظ هنا : أن الإمام مالكاً رحمه الله في المدونة (1/100) يقول بمشروعية القنوت في صلاة الصبح، قبل الركوع وبعده، و يختار لنفسه قبل الركوع، ويقول: ليس في القنوت دعاء معروف و لا وقوف مؤقت ، و يقول من نسي القنوت في صلاة الصبح لا سهو عليه.
([15]) السنن الكبرى للبيهقي (2/499)، بسند حسن .
([16]) مختصر قيام الليل ص124ـ125.
([17]) مسـائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص90، المسألة رقم 320، بدون ذكر أثر ابن عمر، وذكره ص96، المسألة رقم (337).
([18]) مسائل عبدالله بن أحمد بن حنبل لأبيه ص92، المسألة رقم (324).
([19]) مسائل عبدالله لأبيه ص98، المسألة رقم (344).
([20]) مسائل أبي داود لأحمد ابن حنبل ص95.
([21]) مسائل إسحاق ابن هانئ لأحمد بن حنبل (1/99،100).
([22]) مختصر قيام الليل ص125.
([23]) حديث صحيح. سبق تخريجه.
([24]) وهذا ما أشار إليه البخاري رحمه الله حينما أورد هذا الحديث مبوباً عليه باب القنوت قبل الركوع أو بعده، ضمن الأبواب المتعلقة بالوتر، وما ذاك إلا إشارة منه إلى هذا المعنى والله اعلم. وقد جنح ابن حجر إلى استلماح معنى آخر يلتقي في نتيجته مع ما ذكرت، والمناسبات على كل حال لا تتمانع مالم تتناقض. حيث قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، في بيان مناسبة تبويب البخاري لأحاديث الباب، (فتح الباري2/490) : “ويظهر لي أنه أشار بذلك إلى قوله في الطريق الرابعة كان القنوت في الفجر والمغرب لأنه ثبت أن المغرب وتر النهار فإذا ثبت القنوت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية مع أنه قد ورد الأمر به صريحا في الوتر، الوتر فروى أصحاب السنن من حديث الحسن بن علي قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر اللهم أهدني فيمن هديت الحديث وقد صححه الترمذي وغيره لكن ليس على شرط البخاري “اهـ، وقد أشار ابن قتيبة في (غريب الحديث1/17) إلى أن صلاة الوتر تشبّه بصلاة المغرب، وتقاس عليها، فقال رحمه الله: “ولّا كانت المغرب وتر النهار واختلف الناس في وتر الليل كان أحسن الأشياء أن يُشبه بها”اهـ
([25]) حديث صحيح. سبق تخريجه.
([26]) إسناده حسن. سبق تخريجه.
([27]) حسن لغيره. سبق تخريجه.
([28]) أثر حسن لغيره. سبق تخريجه.
([29]) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (3/120، تحت رقم 4994). وسنده صحيح عن ابن سيرين، أمّا عن الحسن فحسن لغيره، إذ في السند هشام بن حسان الأزدي، قال في التقريب: ” ثقة ، من أثبت الناس فى ابن سيرين ، و فى روايته عن الحسن و عطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما”اهـ.
([30]) سنن البيهقي الكبرى (2/212).
([31]) مسائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص90، المسألة رقم (320).
([32]) مسائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص91ـ92، المسألة رقم (323).
([33]) المصنف لابن أبي شيبة(2/305-306). والأثر حسن لغيره. سبق تخريجه.
([34]) مختصر قيام الليل ص134. قلت: والقياس في أحكام القنوت على صلاة الغداة، يؤيده أن ما جاز فعله في صلاة الفرض جاز في صلاة النفل، فإذا تذكرنا أن الدليل قائم على مشروعية القنوت في الصلوات الخمس، ومنها المغرب، وهي وتر النهار، فأشبه شيء هي بوتر الليل، وقنت الرسول في صلاة المغرب، فأحكام القنوت في وتر النهار هي أشبه شيء بأحكام القنوت في وتر الليل، والعكس صحيح. وليلاحظ أن هذا ليس بقياس مجرد، إذ معه من فعل الصحابة ما له حكم الرفع.
([35]) إسناده ضعيف. سبق تخريجه.
([36]) حسن لغيره، بدون ذكر التكبير بعد القراءة للقنوت. سبق تخريجه.
([37]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/307) بسند صحيح .
([38]) أخرجه ابن أبي شيبة (2/307) بسند صحيح.
([39]) مختصر قيام الليل ص136.
([40]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص101.
([41]) أخرجه ابن أبي شيبة (2/315) بإسناد صحيح.
([42]) انظر ما جاء عن علي بن أبي طالب والبراء رضي الله عنهما في قنوت الوتر.
([43]) حسن لغيره. سبق تخريجه.
([44]) إسناده صحيح. سبق تخريجه.
([45]) حديث صحيح. سبق تخريجه.
([46]) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (3/137) (الرسالة 19/393، تحت رقم 12402)، وعبد بن حميد في المتتخب (3/137، تحت رقم 1274)، والطبراني في المعجم الصغير (الروض الداني 1/324، تحت رقم 536، اسم شيخ الطبراني علي بن صقر السكري)، والبيهقي في دلائل النبوة (3/349)، وفي السنن الكبرى (2/211) مختصراً . والحديث قال الألباني في الإرواء (2/181) : “ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وصحح اسناده محققو مسند أحمد. فائدة: قال الألباني في الإرواء (2/181): “ثبت مثله عن عمر وغيره في قنوت الوتر”اهـ يعني رفع اليدين.
([47]) ذكر ذلك في نظم المتناثر ص113.
([48]) إسناده صحيح. سبق تخريجه.
([49]) المصنف (3/123، تحت رقم 5003).
([50]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/307)، بإسناد صحيح عنه.
([51]) السنن الكبرى للبيهقي (3/41).
([52]) مختصر قيام الليل ص140.
([53]) مختصر قيام الليل ص140.
([54]) السنن الكبرى للبيهقي (2/212).
([55]) مسائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص90، المسألة رقم (319).
([56]) مسائل عبدالله بن أحمد بن حنبل ص91، المسألة رقم (322).
([57]) مسائل عبدالله لأبيه ص95، المسألة رقم (332).
([58]) مسائل عبدالله لأبيه ص98ـ99، المسألة رقم (347).
([59]) مسائل عبدالله لأبيه ص99، المسألة رقم (34.
([60]) مسائل عبدالله لأبيه ص99، المسألة رقم (349).
([61]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص96.
([62]) سنن البيهقي الكبرى (2/211).
([63]) سنن البيهقي الكبرى (2/212).
([64]) مختصر قيام الليل ص152.
([65]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص102.
([66]) مسائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص91، المسألة رقم (322).
([67]) مسائل عبدالله لأبيه ص95، المسألة رقم (332).
([68]) السنن الصغرى للبيهقي (1/172).
([69]) سنن البيهقي الكبرى (2/212).
([70]) إسناده ضعيف. سبق تخريجه.
([71]) صحيح. سبق تخريجه.
([72]) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (1/301)، (الرسالة 4/475، تحت رقم 2746)، وأبوداود في كتاب الصلاة باب القنوت في الصلوات، حديث رقم (1443)، واللفظ له، وابن خزيمة تحت رقم (61، والحاكم في المستدرك (1/225)، والبيهقي في الكبرى (2/200). والحديث صححه ابن خزيمة والحاكم وحسّن إسناده محقق زاد المعاد (1/273)، والألباني في الإرواء (2/163)، وصحح إسناده محققو مسند أحمد.
([73]) انظر ما تقدّم في المسألة الثالثة حول ثبوت أحكام قنوت النازلة على أحكام قنوت الوتر.
([74]) مختصر قيام الليل ص150.
([75]) مختصر قيام الليل ص150. وهذه الرواية الثانية عن مالك رحمه الله وهي خارج المدونة.
([76]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص96.
([77]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص102.
([78]) مختصر قيام الليل ص150. ويقصد بالسورتين : سورتي أبي، عن الثوري عن الزبير بن عدي عن إبراهيم: “كان يستحب أن يقول في قنوت الوتر بهاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق”. أخرجه عبدالرزاق في المصنف (3/121، تحت رقم 4997)، بسند صحيح.
([79]) حديث صحيح. سبق تخريجه.
([80]) إسناده صحيح . سبق تخريجه.
([81]) إسناده صحيح. سبق تخريجه.
([82]) صحيح. سبق تخريجه.
([83]) حسن لغيره. سبق تخريجه.
([84]) السند ضعيف عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولكن الدعاء حسن لغيره. سبق تخريجه.
([85]) إسناده صحيح. أخرجه عبدالرزاق في المصنف (3/121، تحت رقم 4997).
([86]) مصنف ابن أبي شيبة (2/301). بسند صحيح عنه..
([87]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص101.
([88]) أخرجـــه عبدالرزاق في المصنف (3/122، تحت رقم 5001)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/30، بسند صحيح.
([89]) أخرجـه عبدالرزاق في المصنف (3/122، تحت رقم 5001)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/307)، بسند صحيح. والأسود هو ابن يزيد النخعي من كبار التابعين الثقات.
([90]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/30 بسند صحيح.
([91]) مسائل أبي داود ص96.
([92]) حسن لغيره. سبق تخريجه.
([93]) صحيح. سبق تخريجه.
([94]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/31، في السند هشيم ثقة كثير التدليس والإرسال، وقد عنعن.
([95]) المصنف ابن أبي شيبة (2/31. وإسناده حسن.
([96]) المصنف لابن أبي شيبة (2/31، في السند ابن جريج ثقة يدلس ويرسل، وقد عنعن.
([97]) مسائل أبي داود لأحمد بن حنبل ص102
([98]) مسائل عبدالله لأبيه أحمد بن حنبل ص94، المسألة رقم (330).
[ المصدر: الأحاديث والآثار الواردة في قنوت الوتر رواية ودراية، للشيخ محمد بازمول ]
المصدر ..موقع شبكة سحاب السلفية
آخر تعديل بواسطة المشرف: