«الحمد لله خالِقِ الأَلْسُنِ واللغات، وواضعِ الألفاظ للمَعاني بحَسَبِ ما اقتضَتْهُ حِكَمُه البالغات، الذي علَّم آدَمَ الأسماءَ كُلَّها، وأَظْهَرَ بذلك شَرَفَ اللغةِ وفَضْلَها، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا محمَّدٍ أَفْصَحِ الخَلْقِ لسانًا وأَعْرَبِهِم(١) بيانًا، وعلى آله وصَحْبِه، أَكْرِمْ بهم أنصارًا وأعوانًا!»(٢)، أمَّا بعد:
فإنَّ اللغة العربية لغةٌ حيَّةٌ مِن أغنَى لُغاتِ البشرِ ثروةً لفظيةً، تَوارَثَها جيلٌ بعد جيلٍ، وأدَّتْ رسالتَها في الحياةِ وعبر العصور على أَكْمَلِ وجهٍ وأَحْسَنِ أداءٍ، وأَلْبَسَها القرآنُ الكريمُ حُلَّةً مِن القداسة غَمَرَتْ كُلَّ مسلمٍ مهما كان جِنْسُه ولُغَتُه، واستوعبَتْ حاجاتِ الأمَّةِ الحسِّيَّةَ والمعنويةَ في التعبير عن علومها وآدابها ومَطالِبِها وآمالِها وآلامِها، وهي على أَتَمِّ استعدادٍ لأَنْ تَتَّسِعَ أَكْثَرَ مِن ذي قَبْلُ لتَشْمَلَ ـ في تعبيرها ـ جميعَ جزئياتِ مجالاتِ الحياة وما جدَّ فيها مِنِ ابتكارٍ واختراعٍ.
وقد اختارَ اللهُ تعالى لغةَ العربِ لسانًا لدينه: قرآنًا وسنَّةً وتشريعًا وعبادةً، وامتنَّ بذلك على المسلمين عامَّةً والعربِ خاصَّةً، وما اختيارُها إلَّا لأنها أغنَى اللغاتِ اتِّساعًا، وأَحْكَمُها بيانًا، وأقواها دليلًا وبرهانًا.
قال الشافعيُّ ـ رحمه الله ـ: «ولسانُ العربِ أَوْسَعُ الألسنةِ مَذْهَبًا، وأَكْثَرُها ألفاظًا، ولا نعلمه يُحيطُ بجميعِ عِلْمِه إنسانٌ غير نبيٍّ، ولكنَّه لا يذهب منه شيءٌ على عامَّتِها حتَّى لا يكونَ موجودًا فيها مَن يعرفه، والعلمُ به عند العربِ كالعلمِ بالسنَّةِ عند أهل الفقه»(٣).
وقال رحمه الله ـ أيضًا ـ: «وأَوْلى الناسِ بالفضل في اللسانِ مَن لسانُه لسانُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يجوز ـ واللهُ أَعْلَمُ ـ أَنْ يكون أهلُ لسانِه أتباعًا لأهلِ لسانٍ غيرِ لسانِه في حرفٍ واحدٍ، بل كُلُّ لسانٍ تَبَعٌ لِلِسانه، وكُلُّ أهلِ دينٍ قَبْلَه فعليهم اتِّباعُ دينِه.
وقد بيَّن اللهُ ذلك في غيرِ آيةٍ مِن كتابه: قال الله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٢ ـ ١٩٥]، وقال: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾ [الرعد: ٣٧]، وقال: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الشورى: ٧]، وقال: ﴿حم. وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ. إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف: ١ ـ ٣]، وقال: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الزُّمَر: ٢٨].
قال الشافعيُّ: فأقامَ حُجَّتَه بأَنَّ كتابه عربيٌّ في كُلِّ آيةٍ ذكَرْناها، ثمَّ أَكَّدَ ذلك بأَنْ نَفَى عنه ـ جلَّ ثناؤُه ـ كُلَّ لسانٍ غيرِ لسان العرب في آيتين مِن كتابه فقال ـ تَبارَك وتعالى ـ: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، وقال: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٤]»(٤).
وهذه اللغةُ لا تَزال عنصرًا قويًّا وعاملًا مُساعِدًا لنشرِ الإسلام والإقبالِ عليه؛ لذلك كان الباعثُ الأساسيُّ للاهتمام باللغة العربية وتدوينِها وتصحيحِها ونشرِها وحفظِ التراث اللغويِّ وتنقيته مِن الدخيل الأعجميِّ أثناءَ الفتوحاتِ وما بَعْدَها إنما هو الإسلامُ بجميعِ دعائمه ومقوِّماته، وما انتهض أُناسٌ مِن الأعاجم لخدمةِ لغةِ العرب غيرةً مِن جَوْرِ الأعجمية التي هي لغةُ آبائهم وأجدادهم، لا لشيءٍ إلَّا لأنها لغةُ الفضيلةِ الإنسانيةِ التي لا تُفَرِّقُ بين العربيِّ والأعجميِّ، والقرشيِّ والحبشيِّ؛ فهي لغةُ مساواةٍ بين جميعِ المؤمنين التي أكَّدَها القرآنُ الكريم ورَعَاها الإسلامُ في مَضامِينِه وخصائصه.
والواقعُ التاريخيُّ يُثْبِتُ هذه الحقيقةَ التلازمية بين اللغة العربية والدينِ الإسلاميِّ مع ما يتمتَّع به كُلٌّ منهما مِن خصيصةِ القوَّةِ الذاتية والاستعدادِ المتميِّز الأصيل وما يَكْفُلُ له الهيمنةَ والغلبةَ ويُحقِّقُ له المطلوبَ؛ فبارتباطِ هذه الخصائصِ بينهما انتشر كُلٌّ منهما وازدهر بمساعَدةِ الآخَر.
وقد أَفْصَحَ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ عن هذه العلاقةِ التلازمية بين اللغة والإسلام وبين حُكْمِها في قوله: «.. فإنَّ نَفْسَ اللغةِ العربيةِ مِن الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ؛ فإنَّ فَهْمَ الكتابِ والسنَّةِ فرضٌ، ولا يُفْهَمُ إلَّا بفهمِ اللغة العربية، و«مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ»، ثمَّ منها ما هو واجبٌ على الأعيان، ومنها ما هو واجبٌ على الكفاية، وهذا معنَى ما رواه أبو بكرِ بنُ أبي شيبة: حدَّثنا عيسى بنُ يونس عن ثورٍ عن عُمَرَ بنِ زيدٍ قال: كَتَبَ عُمَرُ إلى أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنهما: «أمَّا بعد: فتَفَقَّهُوا في السنَّةِ وتَفَقَّهوا في العربية، وأَعْرِبُوا(٥) القرآنَ فإنه عربيٌّ»(٦)، وفي حديثٍ آخَرَ عن عُمَرَ رضي الله عنه أنه قال: «تَعَلَّموا العربيةَ فإنها مِن دينكم، وتَعَلَّموا الفرائضَ فإنها مِن دينكم»(٧)، وهذا الذي أَمَرَ به عُمَرُ رضي الله عنه مِن فقهِ العربية وفقهِ الشريعة يجمع ما يُحتاج إليه؛ لأنَّ الدين فيه أقوالٌ وأعمالٌ؛ ففِقْهُ العربيةِ هو الطريقُ إلى فِقْهِ أقواله، وفِقْهُ السنَّةِ هو فِقْهُ أعماله»(٨).
وفي هذا السياقِ ـ أيضًا ـ يقول أبو منصورٍ الأزهريُّ(٩) ـ رحمه الله ـ: «.. أَنَّ تَعَلُّمَ العربيةِ التي بها يُتوصَّلُ إلى تَعَلُّمِ ما به تجري الصلاةُ مِن تنزيلٍ وذِكْرٍ فرضٌ على عامَّةِ المسلمين، وأنَّ على الخاصَّةِ التي تقوم بكفايةِ العامَّةِ فيما يحتاجون إليه لدِينِهم الاجتهادَ في تَعَلُّمِ لسان العرب ولُغاتها، التي بها تمامُ التوصُّل إلى معرفةِ ما في الكتاب والسنن والآثار، وأقاويلِ المفسِّرين مِن الصحابة والتابعين، مِن الألفاظ الغريبةِ والمُخاطَبات العربية؛ فإنَّ مَنْ جَهِلَ سَعَةَ لسانِ العرب وكثرةَ ألفاظها، وافتنانَها في مَذاهِبِها؛ جَهِلَ جُمَلَ عِلْمِ الكتاب، ومَن عَلِمَها ووَقَفَ على مَذاهِبِها، وفَهِمَ ما تَأوَّلَه أهلُ التفسير فيها؛ زالَتْ عنه الشُّبَهُ الداخلةُ على مَن جَهِلَ لسانَها مِن ذوي الأهواء والبِدَع»(١٠).
هذا، وعلى الرغم مِن أنَّ هذه البلادَ أَنْقَذَها اللهُ تعالى مِن استيطانِ المُسْتَعْمِرِ الفرنسيِّ الغاشم، وكَتَبَ اللهُ عليهم الجلاءَ ـ والحمدُ لله أوَّلًا وآخِرًا ـ إلَّا أنه ما بَرِحَتْ أقدامُه عن هذه الديار حتَّى ورَّثَ استعمارًا آخَرَ مِن طرازٍ آخَرَ أشَدَّ وأنكى مِن الاستعمار المسلَّح، ألَا وهو «الاستعمارُ الفكريُّ الغربيُّ»، والذي واجِهَتُه الظاهرةُ فرنسا الماكرةُ؛ فأَشْعَلَ نيرانَ معركةٍ فكريةٍ خبيثةٍ في الخفاء لِينالَ حظَّه في تطويعِ أبناءِ جِلْدَتِنا والمساسِ بدينهم وأخلاقهم وأفكارهم ولُغَتِهم؛ وذلك بالعملِ على تكريسِ نظامِ التعليم الغربيِّ وفَتْحِ المدارس ذاتِ المناهجِ التربويةِ والتعليميةِ الخَدُومةِ للتنصير والتغريب لهذا الغرضِ تحت ظِلِّ مُثلَّثِ التنصير: («المدرسة»، «المستشفى»، «دار الأيتام»)، تلك المدارسُ بهياكلها ومَناهِجِها وأساليبِ التغريب تَغَلْغَلَتْ في أوساط المجتمعاتِ الطُلَّابيةِ والثقافيةِ تحت شعاراتٍ مُخْتَلِفةٍ مثل شعارِ: «المدارس المُنْتَسِبة»، وتارةً بشعارِ: «توأمة المدارس»، وتارةً أخرى تحت شعارِ: «التربية الدولية»، وكُلُّها تَرْتَكِزُ ـ أساسًا ـ على مُجاوَزةِ حدود الدين والتعدِّي على اللغة العربية إهمالًا وتهوينًا؛ بُغْيَةَ تذويب الشخصيةِ الإسلامية ومَسْخِ أبناء الإسلام مَسْخًا يصعب معه تربيتُهم على الهُدى والخُلُق الكريم، كما أنَّ الآفاق المُسْتَقْبَليةَ التي يريد المُسْتَعْمِرُ الوصولَ إليها هي تشكيلُ هذه الأمَّةِ في قالبٍ غربيٍّ تابعٍ للمُسْتَعْمِر، يَسْتمِدُّ مُقوِّماتِه وتشريعَه وثقافتَه ولغتَه مِن مَحاضِنِ الغربِ العلمانيِّ المتربِّصِ بها، تلك المَحاضنُ التي تَخرَّجَ منها متغرِّبون مِن أبناء جِلْدَتِنا، ممَّن حَطَبُوا بحبلِ أعداءِ الإسلام وكَالُوا بصاعِه؛ فرجعوا حربًا على أُمَّتِهم بأَنْكى وسائلِ الهدم والتذويب، سواءٌ للجانب الدينيِّ أو الخُلُقيِّ أو اللغويِّ؛ فاتَّحَدَ التابعُ بالمتبوع في تبعيةٍ فكريةٍ مخطِّطةٍ للتآمر على اللغة العربية، وغايتُها هَدْمُ الدينِ بهَدْمِ لسانه الذي يتعبَّدون به، وقَدْ تَقَدَّمَ التلازمُ بين اللغة والدين.
هذا، ولا يَزال الاستعمارُ الفكريُّ ـ وعلى رَأْسِه فرنسا ـ يُحاوِلُ ـ جاهدًا ـ بيدِ أبناءِ الوطنِ هَدْمَ اللغةِ العربيةِ وإضعافَها في نفوسهم، وهو ما يُلاحَظُ ـ عيانًا ـ مجسَّدًا في تَراجُعِ اللغةِ العربيةِ في ميادينَ شتَّى، وذلك إمَّا بإحلالِ الفرنسيةِ أو اللغاتِ الأجنبيةِ مَحَلَّها، سواءٌ في خطاباتِ الناسِ والمسؤولين خاصَّةً، أو في واجهات المَحَلَّات، وإمَّا بالدعوة إلى استخدام اللهجات العامِّية الدارجةِ لغةً للتخاطب على القنوات الإذاعية العربية الرسميةِ وغيرِها مِن المجالات، بل أَصْبَحَتِ اللغةُ العامِّيةُ الدارجةُ لغةً للتأليف والكتابة، وإمَّا بالدعوة إلى كتابتها بالحروف اللاتينية.
وقد واجهَتِ اللغةُ العربية طعونًا كثيرةً مِن أعدائها، أَهَمُّها: أنها لغةٌ رجعيةٌ مُتَخلِّفةٌ لا تتماشى مع العلم الحديث، وأنها عاجزةٌ عن أداءِ مَهَمَّتِها البيانيةِ بالنظر إلى صعوبةِ ألفاظها خاصَّةً عند الأطفال ونحو ذلك.
ولا يخفى على مُنْصِفٍ أنَّ اللغة التي حَفِظَتِ التُّراثَ العِلْميَّ والعالَميَّ واستوعبَتْهما أعوامًا مديدةً وعصورًا عديدةً يَسْتَحِيل أَنْ تعجز عن أداءِ نَفْسِ الرسالة في الوقت الراهنِ مع اعترافِ المُخالِفين بقابليَّتِها للتطوُّر والتجديد، ودعوى الصعوباتِ في تَعَلُّمِ اللغةِ العربية وخاصَّةً مِن التلاميذ الصِّغارِ فذلك شأنُ كُلِّ لغةٍ أجنبيةٍ؛ فإنه يجد صعوباتٍ مَن يَتعلَّمُها مِن غيرِ أهلها مِن جهةٍ، ومِن جهةٍ أخرى ففَرْضُ لغاتٍ أجنبيةٍ على التلميذ في سنٍّ مُبكِّرةٍ يُشوِّشُ عليه ويَعوقُه ـ بالتأكيد ـ عن تحصيلِ لُغةِ قومه بصورةٍ حسنةٍ؛ والمعلومُ أنه لا مُبرِّرَ ولا حاجةَ إلى تَعَلُّمِها في تلك السنِّ المُبكِّرةِ؛ إِذْ بالإمكان لمن يُجيدُ لُغتَه الأصليةَ أَنْ يتَعَلَّمَ اللغاتِ الأجنبيةَ ـ عند الحاجة ـ في وقتٍ لا يزيد عن ثلاثةِ أشهرٍ ـ كما يُقرِّرُه رجالُ التربية والتعليم ـ علمًا بأنَّ أيَّ صعوبةٍ تعتري تَعَلُّمَ اللغةِ العربية فإنَّ ثَمَّةَ وسائلَ وأساليبَ للتغلُّب عليها، مِن أهمِّها: تطويرُ طُرُقِ تدريسِ اللغة، واستعمالُ الوسائلِ الحديثةِ في تَعَلُّمِها.
هذا، وما يَدَّعِيهِ أهلُ التغريبِ مِن أنَّ اللغةَ العربيةَ عاجزةٌ عن مُسايَرةِ رَكْبِ العلم الحديثِ، فهذا جَوْرٌ في حقِّ اللغةِ الوَلودِ الوَدودِ العَؤودِ التي حَمَلَتْ ـ منذ خمسةَ عَشَرَ قرنًا ـ الميراثَ الضخمَ مِن حضارةِ الإسلام الدينيةِ والعلمية، واستولدَتْ ـ بيَدِ علماءِ العربيةِ قديمًا ـ كلماتٍ ومعانيَ جديدةً مِن لُغاتٍ أخرى عن طريقِ التعريب والاشتقاق؛ فكيف تَعْجَزُ ـ اليومَ ـ عن أداءِ رسالتِها البيانيةِ والتاريخيةِ بكُلِّ اعتزازٍ وفخرٍ إلى أقصى غاياتها!!؟
إنَّ التقصير الحقيقيَّ ليس في ذات اللغةِ العربية الغنيَّةِ السخيَّة، وإنما التقصيرُ والإهمالُ والعجزُ منسوبٌ إلى نَفَرٍ مِن أبنائها العاقِّين الذين يُجَسِّدون الدعواتِ المُغْرِضةَ الساعيةَ للقضاء على الدين الإسلاميِّ ووَحْدتِه وتَماسُكِه بالقضاء على لُغَتِه التي هي مَنْبَعُ الْتقائهم وثمرةُ اتِّحادِهم، المتمثِّلةُ في «لغةِ القرآن» و«لغةِ السنَّة» و«لغةِ التراث والحضارةِ الإسلامية».
إنَّ قِوامَ الوحدةِ المنشودةِ ترتبط ـ أساسًا ـ بالدين الإسلاميِّ الذي لا يَنْفَصِل عن اللغةِ العربية التي أعزَّ اللهُ بها هذه الأمَّةَ؛ فالدفاعُ عن اللغةِ العربية الفُصْحى التي وَسِعَتْ كتابَ اللهِ لفظًا ومعنًى وغايةً وحجَّةً وتشريعًا إنما هو الدفاعُ عن الدين الإسلاميِّ بجميعِ مقوِّماته وميراثه وسائِرِ مجالاته.
وهكذا ابْتُلِيَتِ الأمَّةُ بسرطانِ الغربِ الحاقدِ وفي طليعته فرنسا الماكرةُ باستعمالِ أبناءِ هذه الأمَّةِ الذين يعملون على تفعيلِ مخطَّطاته لفصلِ وتمزيقِ الوحدة الشعبيةِ والعربيةِ والإسلاميةِ التي وسيلتُها اللسانُ العربيُّ وقِوامُها الدينُ الإسلاميُّ، وإطفاءِ نورِ حضارتهم الإسلاميةِ المَجيدةِ بأفواههم، ووَأْدِ تُراثهم الفقهيِّ وذخائرِ علومهم الفكريةِ والأدبية تحت ترابِ الضياع واللامبالاة، وطَمْسِ مَعالِمِ شخصيتهم العربيةِ الإسلامية العريقة بإملاءاتٍ غربيةٍ حاقدةٍ؛ فقَلَبُوا بذلك الموازينَ والقِيَمَ حتَّى صارَ الحقُّ باطلًا والباطلُ حقًّا، واللهُ المستعان.
إنَّ المتآمِرين على الإسلام ولُغتِه وتُراثِه الحضاريِّ ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢]، وستبقى اللغةُ العربيةُ صامدةً رَغْمَ أنوفهم؛ فقَدْ صَمَدَتْ أمامَ الغاراتِ المُدمِّرةِ وخلالَ الاحتلالِ الفرنسيِّ الطويلِ للجزائر ما دامَ لها أنصارٌ يدافعون عنها ويريدون لها البقاءَ.
وأَحْسَنُ ما أختم به ـ في هذا الصددِ ـ كلمتي هذه: قصيدةُ الشاعرِ حافظ إبراهيم(١١) المشهورةُ، والتي يتحدَّث فيها على لسان اللغة العربية، إِذْ يقول ـ رحمه الله ـ:
وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصَلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
(١) يقال: «أَعْرَبَ الرجلُ كلامَه» إذا لم يَلْحَنْ في الإعراب، و«أَعْرَبَ الرجلُ» إذا أَفْصَحَ في الكلام، و«أَعْرَبَ عن الرجل»: بيَّن عنه. و«أَعْرَبَ عنه» أي: تكلَّمَ بحجَّته. [انظر: «غريب الحديث» لابن سلَّام (١/ ١٦٣)، «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٢٠٠)، «تاج العروس» للزبيدي (٣/ ٣٣٦)]، فالمعنى أنه أَفْصَحُهم وأَوْضَحُهم بيانًا وأَبْعَدُهم عن اللحن والقصورِ في البيان.
(٢) مقدِّمة «المُزْهِر» للسيوطي (١/ ١).
(٣) «الرسالة» للشافعي (٤٢)، «تفسير الشافعي» (٢/ ١٠١٦).
(٤) «الرسالة» للشافعي (٤٦).
(٥) معنَى إعرابِ القرآن ـ في كلام العلماء ـ يدور على قراءته كما تقرؤه العربُ الفُصَحاءُ بدون لحنٍ، وعلى فهمِ معناه ومعرفةِ تفسيره على مقتضى اللسان العربيِّ، ولا مانِعَ مِن إرادة المعنيين معًا إلَّا أنَّ المعنى الثانيَ أَوْلى لقلَّةِ وقوعِ اللحن زمنَ الصحابة، ولأنَّ الفِقْهَ في القرآنِ هو المطلوبُ للعمل به الذي هو الغايةُ الأسمى مِن تلاوته، وانظر: الهامش (١).
(٦) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (٢٩٩١٤).
(٧) أخرج شَطْرَه الثاني الدارميُّ في «سننه» (٢٨٩٣)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١٢١٧٧)، وجاء في «شُعَب الإيمان» للبيهقي (١٥٥٦) عنه رضي الله عنه: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ؛ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ».
(٨) «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (١/ ٥٢٧).
(٩) هو أبو منصورٍ محمَّدُ بنُ أحمد الأزهريُّ الهرويُّ الشافعيُّ، الأديب اللغويُّ، وُلِد في هَراةَ بخراسان، وعُنِيَ ـ ابتداءً ـ بالفقه، ثمَّ غَلَبَ عليه عِلْمُ العربية، مِن تصانيفه: «تهذيب اللغة»، و«التقريب» في التفسير، «الزاهر في غرائب الألفاظ»، و«عِلَل القراءات» وغيرُها. تُوُفِّيَ سنة: (٣٧٠ﻫ).
انظر ترجمته في: «معجم الأدباء» لياقوت (١٧/ ١٦٤)، «وفيات الأعيان» لابن خِلِّكان (٤/ ٣٣٤)، «اللُّباب» لابن الأثير (١/ ٤٨)، «سِيَر أعلام النبلاء» للذهبي (٦/ ٣١٥)، «طبقات الشافعية» للإسنوي (١/ ٣٥)، «البُلْغة» للفيروزآبادي (٢٠٥)، «بُغْية الوُعَاة» للسيوطي (٨)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٧٢)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٤٧).
(١٠) «تهذيب اللغة» للأزهري (١/ ٦).
(١١) هو محمَّد حافظ بنُ إبراهيم فهمي المهندس، الشهير ﺑ: «حافظ إبراهيم»، ويُلَقَّبُ ﺑ: «شاعر النيل»، وُلِد في ذهبية بالنيل سنة: (١٢٨٧ﻫ)، فنَشَأَ يتيمًا، ثمَّ الْتحق بالمدرسة الحربية، واشتغل ـ بعد المَعاش ـ مُحرِّرًا في جريدة «الأهرام»، ثمَّ عُيِّنَ رئيسًا للقسم الأدبيِّ بدار الكُتُب المصرية، مِن آثاره: ديوانُ شعرٍ في مجلَّدين. تُوُفِّيَ ـ رحمه الله ـ بالقاهرة سنة: (١٣٥١ﻫ).
انظر ترجمته في: «الأعلام» للزركلي (٦/ ٧٦)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٢٠٤)، «مشاهير شعراء العصر» لأحمد عبيد ـ القسم الأوَّل: شعراء مصر (١٨١)، «صفوة العصر» لزكي فهمي (١/ ٦٤٠).
(١٢) الحَصَاةِ: العقلُ، تقول: فلانٌ ذو حَصَاةٍ أي: ذو عقلٍ ورأيٍ [انظر: «النهاية» لابن الأثير (١/ ٣٩٨)، «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (١٢٧٤)، «تاج العروس» للزبيدي (٣٧/ ٤٤٢)].
(١٣) «أُسَاةٌ»: جمعُ «آسٍ» مِن «أَسَا الجرحَ، يَأْسُوهُ» أي: داواه، [انظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (١٢٥٩)].
(١٤) يقال: «نَعَبَ الغرابُ» مِن بابِ «مَنَعَ يَمْنَعُ» و«ضَرَبَ يَضْرِبُ» نَعْبًا ونعيبًا ونُعابًا وتَنْعابًا ونَعَبانًا: صوَّت، [انظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (١٣٩)].
(١٥) «الرموس»: جمعُ «رَمْسٍ» وهو القبرُ أو الترابُ الذي يُحْثَى عليه، [انظر: «لسان العرب» لابن منظور (٦/ ١٠١)، «تاج العروس» للزبيدي (١٦/ ١٣٣)].
(١٦) «ديوان حافظ إبراهيم» (١/ ٢٥٣).
المصدر ..موقع الشيخ فركوس حفظه الله
فإنَّ اللغة العربية لغةٌ حيَّةٌ مِن أغنَى لُغاتِ البشرِ ثروةً لفظيةً، تَوارَثَها جيلٌ بعد جيلٍ، وأدَّتْ رسالتَها في الحياةِ وعبر العصور على أَكْمَلِ وجهٍ وأَحْسَنِ أداءٍ، وأَلْبَسَها القرآنُ الكريمُ حُلَّةً مِن القداسة غَمَرَتْ كُلَّ مسلمٍ مهما كان جِنْسُه ولُغَتُه، واستوعبَتْ حاجاتِ الأمَّةِ الحسِّيَّةَ والمعنويةَ في التعبير عن علومها وآدابها ومَطالِبِها وآمالِها وآلامِها، وهي على أَتَمِّ استعدادٍ لأَنْ تَتَّسِعَ أَكْثَرَ مِن ذي قَبْلُ لتَشْمَلَ ـ في تعبيرها ـ جميعَ جزئياتِ مجالاتِ الحياة وما جدَّ فيها مِنِ ابتكارٍ واختراعٍ.
وقد اختارَ اللهُ تعالى لغةَ العربِ لسانًا لدينه: قرآنًا وسنَّةً وتشريعًا وعبادةً، وامتنَّ بذلك على المسلمين عامَّةً والعربِ خاصَّةً، وما اختيارُها إلَّا لأنها أغنَى اللغاتِ اتِّساعًا، وأَحْكَمُها بيانًا، وأقواها دليلًا وبرهانًا.
قال الشافعيُّ ـ رحمه الله ـ: «ولسانُ العربِ أَوْسَعُ الألسنةِ مَذْهَبًا، وأَكْثَرُها ألفاظًا، ولا نعلمه يُحيطُ بجميعِ عِلْمِه إنسانٌ غير نبيٍّ، ولكنَّه لا يذهب منه شيءٌ على عامَّتِها حتَّى لا يكونَ موجودًا فيها مَن يعرفه، والعلمُ به عند العربِ كالعلمِ بالسنَّةِ عند أهل الفقه»(٣).
وقال رحمه الله ـ أيضًا ـ: «وأَوْلى الناسِ بالفضل في اللسانِ مَن لسانُه لسانُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يجوز ـ واللهُ أَعْلَمُ ـ أَنْ يكون أهلُ لسانِه أتباعًا لأهلِ لسانٍ غيرِ لسانِه في حرفٍ واحدٍ، بل كُلُّ لسانٍ تَبَعٌ لِلِسانه، وكُلُّ أهلِ دينٍ قَبْلَه فعليهم اتِّباعُ دينِه.
وقد بيَّن اللهُ ذلك في غيرِ آيةٍ مِن كتابه: قال الله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٢ ـ ١٩٥]، وقال: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا﴾ [الرعد: ٣٧]، وقال: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الشورى: ٧]، وقال: ﴿حم. وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ. إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف: ١ ـ ٣]، وقال: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الزُّمَر: ٢٨].
قال الشافعيُّ: فأقامَ حُجَّتَه بأَنَّ كتابه عربيٌّ في كُلِّ آيةٍ ذكَرْناها، ثمَّ أَكَّدَ ذلك بأَنْ نَفَى عنه ـ جلَّ ثناؤُه ـ كُلَّ لسانٍ غيرِ لسان العرب في آيتين مِن كتابه فقال ـ تَبارَك وتعالى ـ: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، وقال: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٤]»(٤).
وهذه اللغةُ لا تَزال عنصرًا قويًّا وعاملًا مُساعِدًا لنشرِ الإسلام والإقبالِ عليه؛ لذلك كان الباعثُ الأساسيُّ للاهتمام باللغة العربية وتدوينِها وتصحيحِها ونشرِها وحفظِ التراث اللغويِّ وتنقيته مِن الدخيل الأعجميِّ أثناءَ الفتوحاتِ وما بَعْدَها إنما هو الإسلامُ بجميعِ دعائمه ومقوِّماته، وما انتهض أُناسٌ مِن الأعاجم لخدمةِ لغةِ العرب غيرةً مِن جَوْرِ الأعجمية التي هي لغةُ آبائهم وأجدادهم، لا لشيءٍ إلَّا لأنها لغةُ الفضيلةِ الإنسانيةِ التي لا تُفَرِّقُ بين العربيِّ والأعجميِّ، والقرشيِّ والحبشيِّ؛ فهي لغةُ مساواةٍ بين جميعِ المؤمنين التي أكَّدَها القرآنُ الكريم ورَعَاها الإسلامُ في مَضامِينِه وخصائصه.
والواقعُ التاريخيُّ يُثْبِتُ هذه الحقيقةَ التلازمية بين اللغة العربية والدينِ الإسلاميِّ مع ما يتمتَّع به كُلٌّ منهما مِن خصيصةِ القوَّةِ الذاتية والاستعدادِ المتميِّز الأصيل وما يَكْفُلُ له الهيمنةَ والغلبةَ ويُحقِّقُ له المطلوبَ؛ فبارتباطِ هذه الخصائصِ بينهما انتشر كُلٌّ منهما وازدهر بمساعَدةِ الآخَر.
وقد أَفْصَحَ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ عن هذه العلاقةِ التلازمية بين اللغة والإسلام وبين حُكْمِها في قوله: «.. فإنَّ نَفْسَ اللغةِ العربيةِ مِن الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ؛ فإنَّ فَهْمَ الكتابِ والسنَّةِ فرضٌ، ولا يُفْهَمُ إلَّا بفهمِ اللغة العربية، و«مَا لَا يَتِمُّ الوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ»، ثمَّ منها ما هو واجبٌ على الأعيان، ومنها ما هو واجبٌ على الكفاية، وهذا معنَى ما رواه أبو بكرِ بنُ أبي شيبة: حدَّثنا عيسى بنُ يونس عن ثورٍ عن عُمَرَ بنِ زيدٍ قال: كَتَبَ عُمَرُ إلى أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنهما: «أمَّا بعد: فتَفَقَّهُوا في السنَّةِ وتَفَقَّهوا في العربية، وأَعْرِبُوا(٥) القرآنَ فإنه عربيٌّ»(٦)، وفي حديثٍ آخَرَ عن عُمَرَ رضي الله عنه أنه قال: «تَعَلَّموا العربيةَ فإنها مِن دينكم، وتَعَلَّموا الفرائضَ فإنها مِن دينكم»(٧)، وهذا الذي أَمَرَ به عُمَرُ رضي الله عنه مِن فقهِ العربية وفقهِ الشريعة يجمع ما يُحتاج إليه؛ لأنَّ الدين فيه أقوالٌ وأعمالٌ؛ ففِقْهُ العربيةِ هو الطريقُ إلى فِقْهِ أقواله، وفِقْهُ السنَّةِ هو فِقْهُ أعماله»(٨).
وفي هذا السياقِ ـ أيضًا ـ يقول أبو منصورٍ الأزهريُّ(٩) ـ رحمه الله ـ: «.. أَنَّ تَعَلُّمَ العربيةِ التي بها يُتوصَّلُ إلى تَعَلُّمِ ما به تجري الصلاةُ مِن تنزيلٍ وذِكْرٍ فرضٌ على عامَّةِ المسلمين، وأنَّ على الخاصَّةِ التي تقوم بكفايةِ العامَّةِ فيما يحتاجون إليه لدِينِهم الاجتهادَ في تَعَلُّمِ لسان العرب ولُغاتها، التي بها تمامُ التوصُّل إلى معرفةِ ما في الكتاب والسنن والآثار، وأقاويلِ المفسِّرين مِن الصحابة والتابعين، مِن الألفاظ الغريبةِ والمُخاطَبات العربية؛ فإنَّ مَنْ جَهِلَ سَعَةَ لسانِ العرب وكثرةَ ألفاظها، وافتنانَها في مَذاهِبِها؛ جَهِلَ جُمَلَ عِلْمِ الكتاب، ومَن عَلِمَها ووَقَفَ على مَذاهِبِها، وفَهِمَ ما تَأوَّلَه أهلُ التفسير فيها؛ زالَتْ عنه الشُّبَهُ الداخلةُ على مَن جَهِلَ لسانَها مِن ذوي الأهواء والبِدَع»(١٠).
هذا، وعلى الرغم مِن أنَّ هذه البلادَ أَنْقَذَها اللهُ تعالى مِن استيطانِ المُسْتَعْمِرِ الفرنسيِّ الغاشم، وكَتَبَ اللهُ عليهم الجلاءَ ـ والحمدُ لله أوَّلًا وآخِرًا ـ إلَّا أنه ما بَرِحَتْ أقدامُه عن هذه الديار حتَّى ورَّثَ استعمارًا آخَرَ مِن طرازٍ آخَرَ أشَدَّ وأنكى مِن الاستعمار المسلَّح، ألَا وهو «الاستعمارُ الفكريُّ الغربيُّ»، والذي واجِهَتُه الظاهرةُ فرنسا الماكرةُ؛ فأَشْعَلَ نيرانَ معركةٍ فكريةٍ خبيثةٍ في الخفاء لِينالَ حظَّه في تطويعِ أبناءِ جِلْدَتِنا والمساسِ بدينهم وأخلاقهم وأفكارهم ولُغَتِهم؛ وذلك بالعملِ على تكريسِ نظامِ التعليم الغربيِّ وفَتْحِ المدارس ذاتِ المناهجِ التربويةِ والتعليميةِ الخَدُومةِ للتنصير والتغريب لهذا الغرضِ تحت ظِلِّ مُثلَّثِ التنصير: («المدرسة»، «المستشفى»، «دار الأيتام»)، تلك المدارسُ بهياكلها ومَناهِجِها وأساليبِ التغريب تَغَلْغَلَتْ في أوساط المجتمعاتِ الطُلَّابيةِ والثقافيةِ تحت شعاراتٍ مُخْتَلِفةٍ مثل شعارِ: «المدارس المُنْتَسِبة»، وتارةً بشعارِ: «توأمة المدارس»، وتارةً أخرى تحت شعارِ: «التربية الدولية»، وكُلُّها تَرْتَكِزُ ـ أساسًا ـ على مُجاوَزةِ حدود الدين والتعدِّي على اللغة العربية إهمالًا وتهوينًا؛ بُغْيَةَ تذويب الشخصيةِ الإسلامية ومَسْخِ أبناء الإسلام مَسْخًا يصعب معه تربيتُهم على الهُدى والخُلُق الكريم، كما أنَّ الآفاق المُسْتَقْبَليةَ التي يريد المُسْتَعْمِرُ الوصولَ إليها هي تشكيلُ هذه الأمَّةِ في قالبٍ غربيٍّ تابعٍ للمُسْتَعْمِر، يَسْتمِدُّ مُقوِّماتِه وتشريعَه وثقافتَه ولغتَه مِن مَحاضِنِ الغربِ العلمانيِّ المتربِّصِ بها، تلك المَحاضنُ التي تَخرَّجَ منها متغرِّبون مِن أبناء جِلْدَتِنا، ممَّن حَطَبُوا بحبلِ أعداءِ الإسلام وكَالُوا بصاعِه؛ فرجعوا حربًا على أُمَّتِهم بأَنْكى وسائلِ الهدم والتذويب، سواءٌ للجانب الدينيِّ أو الخُلُقيِّ أو اللغويِّ؛ فاتَّحَدَ التابعُ بالمتبوع في تبعيةٍ فكريةٍ مخطِّطةٍ للتآمر على اللغة العربية، وغايتُها هَدْمُ الدينِ بهَدْمِ لسانه الذي يتعبَّدون به، وقَدْ تَقَدَّمَ التلازمُ بين اللغة والدين.
هذا، ولا يَزال الاستعمارُ الفكريُّ ـ وعلى رَأْسِه فرنسا ـ يُحاوِلُ ـ جاهدًا ـ بيدِ أبناءِ الوطنِ هَدْمَ اللغةِ العربيةِ وإضعافَها في نفوسهم، وهو ما يُلاحَظُ ـ عيانًا ـ مجسَّدًا في تَراجُعِ اللغةِ العربيةِ في ميادينَ شتَّى، وذلك إمَّا بإحلالِ الفرنسيةِ أو اللغاتِ الأجنبيةِ مَحَلَّها، سواءٌ في خطاباتِ الناسِ والمسؤولين خاصَّةً، أو في واجهات المَحَلَّات، وإمَّا بالدعوة إلى استخدام اللهجات العامِّية الدارجةِ لغةً للتخاطب على القنوات الإذاعية العربية الرسميةِ وغيرِها مِن المجالات، بل أَصْبَحَتِ اللغةُ العامِّيةُ الدارجةُ لغةً للتأليف والكتابة، وإمَّا بالدعوة إلى كتابتها بالحروف اللاتينية.
وقد واجهَتِ اللغةُ العربية طعونًا كثيرةً مِن أعدائها، أَهَمُّها: أنها لغةٌ رجعيةٌ مُتَخلِّفةٌ لا تتماشى مع العلم الحديث، وأنها عاجزةٌ عن أداءِ مَهَمَّتِها البيانيةِ بالنظر إلى صعوبةِ ألفاظها خاصَّةً عند الأطفال ونحو ذلك.
ولا يخفى على مُنْصِفٍ أنَّ اللغة التي حَفِظَتِ التُّراثَ العِلْميَّ والعالَميَّ واستوعبَتْهما أعوامًا مديدةً وعصورًا عديدةً يَسْتَحِيل أَنْ تعجز عن أداءِ نَفْسِ الرسالة في الوقت الراهنِ مع اعترافِ المُخالِفين بقابليَّتِها للتطوُّر والتجديد، ودعوى الصعوباتِ في تَعَلُّمِ اللغةِ العربية وخاصَّةً مِن التلاميذ الصِّغارِ فذلك شأنُ كُلِّ لغةٍ أجنبيةٍ؛ فإنه يجد صعوباتٍ مَن يَتعلَّمُها مِن غيرِ أهلها مِن جهةٍ، ومِن جهةٍ أخرى ففَرْضُ لغاتٍ أجنبيةٍ على التلميذ في سنٍّ مُبكِّرةٍ يُشوِّشُ عليه ويَعوقُه ـ بالتأكيد ـ عن تحصيلِ لُغةِ قومه بصورةٍ حسنةٍ؛ والمعلومُ أنه لا مُبرِّرَ ولا حاجةَ إلى تَعَلُّمِها في تلك السنِّ المُبكِّرةِ؛ إِذْ بالإمكان لمن يُجيدُ لُغتَه الأصليةَ أَنْ يتَعَلَّمَ اللغاتِ الأجنبيةَ ـ عند الحاجة ـ في وقتٍ لا يزيد عن ثلاثةِ أشهرٍ ـ كما يُقرِّرُه رجالُ التربية والتعليم ـ علمًا بأنَّ أيَّ صعوبةٍ تعتري تَعَلُّمَ اللغةِ العربية فإنَّ ثَمَّةَ وسائلَ وأساليبَ للتغلُّب عليها، مِن أهمِّها: تطويرُ طُرُقِ تدريسِ اللغة، واستعمالُ الوسائلِ الحديثةِ في تَعَلُّمِها.
هذا، وما يَدَّعِيهِ أهلُ التغريبِ مِن أنَّ اللغةَ العربيةَ عاجزةٌ عن مُسايَرةِ رَكْبِ العلم الحديثِ، فهذا جَوْرٌ في حقِّ اللغةِ الوَلودِ الوَدودِ العَؤودِ التي حَمَلَتْ ـ منذ خمسةَ عَشَرَ قرنًا ـ الميراثَ الضخمَ مِن حضارةِ الإسلام الدينيةِ والعلمية، واستولدَتْ ـ بيَدِ علماءِ العربيةِ قديمًا ـ كلماتٍ ومعانيَ جديدةً مِن لُغاتٍ أخرى عن طريقِ التعريب والاشتقاق؛ فكيف تَعْجَزُ ـ اليومَ ـ عن أداءِ رسالتِها البيانيةِ والتاريخيةِ بكُلِّ اعتزازٍ وفخرٍ إلى أقصى غاياتها!!؟
إنَّ التقصير الحقيقيَّ ليس في ذات اللغةِ العربية الغنيَّةِ السخيَّة، وإنما التقصيرُ والإهمالُ والعجزُ منسوبٌ إلى نَفَرٍ مِن أبنائها العاقِّين الذين يُجَسِّدون الدعواتِ المُغْرِضةَ الساعيةَ للقضاء على الدين الإسلاميِّ ووَحْدتِه وتَماسُكِه بالقضاء على لُغَتِه التي هي مَنْبَعُ الْتقائهم وثمرةُ اتِّحادِهم، المتمثِّلةُ في «لغةِ القرآن» و«لغةِ السنَّة» و«لغةِ التراث والحضارةِ الإسلامية».
إنَّ قِوامَ الوحدةِ المنشودةِ ترتبط ـ أساسًا ـ بالدين الإسلاميِّ الذي لا يَنْفَصِل عن اللغةِ العربية التي أعزَّ اللهُ بها هذه الأمَّةَ؛ فالدفاعُ عن اللغةِ العربية الفُصْحى التي وَسِعَتْ كتابَ اللهِ لفظًا ومعنًى وغايةً وحجَّةً وتشريعًا إنما هو الدفاعُ عن الدين الإسلاميِّ بجميعِ مقوِّماته وميراثه وسائِرِ مجالاته.
وهكذا ابْتُلِيَتِ الأمَّةُ بسرطانِ الغربِ الحاقدِ وفي طليعته فرنسا الماكرةُ باستعمالِ أبناءِ هذه الأمَّةِ الذين يعملون على تفعيلِ مخطَّطاته لفصلِ وتمزيقِ الوحدة الشعبيةِ والعربيةِ والإسلاميةِ التي وسيلتُها اللسانُ العربيُّ وقِوامُها الدينُ الإسلاميُّ، وإطفاءِ نورِ حضارتهم الإسلاميةِ المَجيدةِ بأفواههم، ووَأْدِ تُراثهم الفقهيِّ وذخائرِ علومهم الفكريةِ والأدبية تحت ترابِ الضياع واللامبالاة، وطَمْسِ مَعالِمِ شخصيتهم العربيةِ الإسلامية العريقة بإملاءاتٍ غربيةٍ حاقدةٍ؛ فقَلَبُوا بذلك الموازينَ والقِيَمَ حتَّى صارَ الحقُّ باطلًا والباطلُ حقًّا، واللهُ المستعان.
إنَّ المتآمِرين على الإسلام ولُغتِه وتُراثِه الحضاريِّ ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢]، وستبقى اللغةُ العربيةُ صامدةً رَغْمَ أنوفهم؛ فقَدْ صَمَدَتْ أمامَ الغاراتِ المُدمِّرةِ وخلالَ الاحتلالِ الفرنسيِّ الطويلِ للجزائر ما دامَ لها أنصارٌ يدافعون عنها ويريدون لها البقاءَ.
وأَحْسَنُ ما أختم به ـ في هذا الصددِ ـ كلمتي هذه: قصيدةُ الشاعرِ حافظ إبراهيم(١١) المشهورةُ، والتي يتحدَّث فيها على لسان اللغة العربية، إِذْ يقول ـ رحمه الله ـ:
«رَجَعْتُ لِنَفْسِي فَاتَّهَمْتُ حَصَاتِي(١٢)
وَنَادَيْتُ قَوْمِي فَاحْتَسَبْتُ حَيَاتِي
رَمَوْنِي بِعُقْمٍ فِي الشَّبَابِ وَلَيْتَنِي
عَقُمْتُ فَلَمْ أَجْزَعْ لِقَوْلِ عُدَاتِي
وَلَدْتُ وَلَمَّا لَمْ أَجِدْ لِعَرَائِسِي
رِجَالًا وَأَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتِي
وَسِعْتُ كِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً
وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وَعِظَاتِ
فَكَيْفَ أَضِيقُ اليَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ
وَتَنْسِيقِ أَسْمَاءٍ لِمُخْتَرَعَاتِ؟
أَنَا البَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ
فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي
فَيَا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَتَبْلَى مَحَاسِنِي
وَمِنْكُمْ ـ وَإِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ ـ أُسَاتِي(١٣)
فَلَا تَكِلُونِي لِلزَّمَانِ فَإِنَّنِي
أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَحِينَ وَفَاتِي
أَرَى لِرِجَالِ الغَرْبِ عِزًّا وَمَنْعَةً
وَكَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بِعِزِّ لُغَاتِ
أَتَوْا أَهْلَهُمْ بِالمُعْجِزَاتِ تَفَنُّنًا
فَيَا لَيْتَكُمْ تَأْتُونَ بِالكَلِمَاتِ
أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِ نَاعِبٌ(١٤)
يُنَادِي بِوَأْدِي فِي رَبِيعِ حَيَاتِي
سَقَى اللهُ فِي بَطْنِ الجَزِيرَةِ أَعْظُمًا
يَعِزُّ عَلَيْهَا أَنْ تَلِينَ قَنَاتِي
حَفِظْنَ وِدَادِي فِي البِلَى وَحَفِظْتُهُ
لَهُنَّ بِقَلْبٍ دَائِمِ الحَسَرَاتِ
وَفَاخَرْتُ أَهْلَ الغَرْبِ ـ وَالشَّرْقُ مُطْرِقٌ
حَيَاءً ـ بِتِلْكَ الأَعْظُمِ النَّخِرَاتِ
أَرَى كُلَّ يَوْمٍ بِالجَرَائِدِ مَزْلَقًا
مِنَ القَبْرِ يُدْنِينِي بِغَيْرِ أَنَاةِ
وَأَسْمَعُ لِلْكُتَّابِ فِي مِصْرَ ضَجَّةً
فَأَعْلَمُ أَنَّ الصَّائِحِينَ نُعَاتِي
أَيَهْجُرُنِي قَوْمِي ـ عَفَا اللهُ عَنْهُمُ ـ
إِلَى لُغَةٍ لَمْ تَتَّصِلْ بِرُوَاتِي
سَرَتْ لَوْثَةُ الأَعْجَامِ فِيهَا كَمَا سَرَى
لُعَابُ الأَفَاعِي فِي مَسِيلِ فُرَاتِ
فَجَاءَتْ كَثَوْبٍ ضَمَّ سَبْعِينَ رُقْعَةً
مُشَكَّلَةَ الأَلْوَانِ مُخْتَلِفَاتِ
إِلَى مَعْشَرِ الكُتَّابِ وَالجَمْعُ حَافِلٌ
بَسَطْتُ رَجَائِي بَعْدَ بَسْطِ شَكَاتِي
فَإِمَّا حَيَاةٌ تَبْعَثُ المَيْتَ فِي البِلَى
وَتُنْبِتُ فِي تِلْكَ الرُّمُوسِ(١٥) رُفَاتِي
وَإِمَّا مَمَاتٌ لَا قِيَامَةَ بَعْدَهُ
مَمَاتٌ لَعَمْرِي لَمْ يُقَسْ بِمَمَاتِ»(١٦)
الجزائر في: ٢١ ربيع الأوَّل ١٤٣٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٢ يـنـايـر ٢٠١٥م
الموافق ﻟ: ١٢ يـنـايـر ٢٠١٥م
(١) يقال: «أَعْرَبَ الرجلُ كلامَه» إذا لم يَلْحَنْ في الإعراب، و«أَعْرَبَ الرجلُ» إذا أَفْصَحَ في الكلام، و«أَعْرَبَ عن الرجل»: بيَّن عنه. و«أَعْرَبَ عنه» أي: تكلَّمَ بحجَّته. [انظر: «غريب الحديث» لابن سلَّام (١/ ١٦٣)، «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٢٠٠)، «تاج العروس» للزبيدي (٣/ ٣٣٦)]، فالمعنى أنه أَفْصَحُهم وأَوْضَحُهم بيانًا وأَبْعَدُهم عن اللحن والقصورِ في البيان.
(٢) مقدِّمة «المُزْهِر» للسيوطي (١/ ١).
(٣) «الرسالة» للشافعي (٤٢)، «تفسير الشافعي» (٢/ ١٠١٦).
(٤) «الرسالة» للشافعي (٤٦).
(٥) معنَى إعرابِ القرآن ـ في كلام العلماء ـ يدور على قراءته كما تقرؤه العربُ الفُصَحاءُ بدون لحنٍ، وعلى فهمِ معناه ومعرفةِ تفسيره على مقتضى اللسان العربيِّ، ولا مانِعَ مِن إرادة المعنيين معًا إلَّا أنَّ المعنى الثانيَ أَوْلى لقلَّةِ وقوعِ اللحن زمنَ الصحابة، ولأنَّ الفِقْهَ في القرآنِ هو المطلوبُ للعمل به الذي هو الغايةُ الأسمى مِن تلاوته، وانظر: الهامش (١).
(٦) أخرجه ابنُ أبي شيبة في «المصنَّف» (٢٩٩١٤).
(٧) أخرج شَطْرَه الثاني الدارميُّ في «سننه» (٢٨٩٣)، والبيهقيُّ في «السنن الكبرى» (١٢١٧٧)، وجاء في «شُعَب الإيمان» للبيهقي (١٥٥٦) عنه رضي الله عنه: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ؛ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ».
(٨) «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (١/ ٥٢٧).
(٩) هو أبو منصورٍ محمَّدُ بنُ أحمد الأزهريُّ الهرويُّ الشافعيُّ، الأديب اللغويُّ، وُلِد في هَراةَ بخراسان، وعُنِيَ ـ ابتداءً ـ بالفقه، ثمَّ غَلَبَ عليه عِلْمُ العربية، مِن تصانيفه: «تهذيب اللغة»، و«التقريب» في التفسير، «الزاهر في غرائب الألفاظ»، و«عِلَل القراءات» وغيرُها. تُوُفِّيَ سنة: (٣٧٠ﻫ).
انظر ترجمته في: «معجم الأدباء» لياقوت (١٧/ ١٦٤)، «وفيات الأعيان» لابن خِلِّكان (٤/ ٣٣٤)، «اللُّباب» لابن الأثير (١/ ٤٨)، «سِيَر أعلام النبلاء» للذهبي (٦/ ٣١٥)، «طبقات الشافعية» للإسنوي (١/ ٣٥)، «البُلْغة» للفيروزآبادي (٢٠٥)، «بُغْية الوُعَاة» للسيوطي (٨)، «شذرات الذهب» لابن العماد (٣/ ٧٢)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٤٧).
(١٠) «تهذيب اللغة» للأزهري (١/ ٦).
(١١) هو محمَّد حافظ بنُ إبراهيم فهمي المهندس، الشهير ﺑ: «حافظ إبراهيم»، ويُلَقَّبُ ﺑ: «شاعر النيل»، وُلِد في ذهبية بالنيل سنة: (١٢٨٧ﻫ)، فنَشَأَ يتيمًا، ثمَّ الْتحق بالمدرسة الحربية، واشتغل ـ بعد المَعاش ـ مُحرِّرًا في جريدة «الأهرام»، ثمَّ عُيِّنَ رئيسًا للقسم الأدبيِّ بدار الكُتُب المصرية، مِن آثاره: ديوانُ شعرٍ في مجلَّدين. تُوُفِّيَ ـ رحمه الله ـ بالقاهرة سنة: (١٣٥١ﻫ).
انظر ترجمته في: «الأعلام» للزركلي (٦/ ٧٦)، «معجم المؤلِّفين» لكحالة (٣/ ٢٠٤)، «مشاهير شعراء العصر» لأحمد عبيد ـ القسم الأوَّل: شعراء مصر (١٨١)، «صفوة العصر» لزكي فهمي (١/ ٦٤٠).
(١٢) الحَصَاةِ: العقلُ، تقول: فلانٌ ذو حَصَاةٍ أي: ذو عقلٍ ورأيٍ [انظر: «النهاية» لابن الأثير (١/ ٣٩٨)، «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (١٢٧٤)، «تاج العروس» للزبيدي (٣٧/ ٤٤٢)].
(١٣) «أُسَاةٌ»: جمعُ «آسٍ» مِن «أَسَا الجرحَ، يَأْسُوهُ» أي: داواه، [انظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (١٢٥٩)].
(١٤) يقال: «نَعَبَ الغرابُ» مِن بابِ «مَنَعَ يَمْنَعُ» و«ضَرَبَ يَضْرِبُ» نَعْبًا ونعيبًا ونُعابًا وتَنْعابًا ونَعَبانًا: صوَّت، [انظر: «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (١٣٩)].
(١٥) «الرموس»: جمعُ «رَمْسٍ» وهو القبرُ أو الترابُ الذي يُحْثَى عليه، [انظر: «لسان العرب» لابن منظور (٦/ ١٠١)، «تاج العروس» للزبيدي (١٦/ ١٣٣)].
(١٦) «ديوان حافظ إبراهيم» (١/ ٢٥٣).
المصدر ..موقع الشيخ فركوس حفظه الله