بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق، وعلق محبته للعباد ومغفرته لذنوبهم على اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وحذرهم من مخالفة أمره وتوعّد من خالف أمره بالفتنة أو العذاب الأليم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فقد سألني بعض الإخوان عن حكم الأناشيد الملحنة التي تسمى بالأناشيد الإسلامية، وعن حكم التمثيل الذي قد كثر فعله في هذا الزمان ويسمونه التمثيل الإسلامي. وذكر السائل أن التمثيل قد أدخل اليوم في الدعوة إلى الله والتوجيه والإرشاد وجعل أسلوباً جديداً من أساليب الدعوة في هذا العصر.
والجواب عن المسألة الأولى: أن يقال: إن بعض الأناشيد التي يفعلها كثير من الطلاب في الحفلات والمراكز الصيفية ويسمونها الأناشيد الإسلامية، ليست من أمور الإسلام لأنها قد مزجت بالتغني والتلحين والتطريب الذي يستفز المنشدين والسامعين ويدعوهم إلى الطرب ويصدهم عن ذكر الله وتلاوة القرآن وتدبر آياته والتذكر بما جاء فيه من الوعد والوعيد وأخبار الأنبياء مع أممهم، وغير ذلك من العلوم النافعة لمن تدبرها حق التدبر وعمل بما جاء فيها من الأوامر، واجتنب ما فيها من المنهيات وأراد بعلمه وأعماله وجه الله عز وجل.
وقد سمعت بعض الأشرطة التي قد سجلت فيها بعض الأناشيد التي يسمونها الأناشيد الإسلامية فإذا هي تشبه الأغاني الموسيقية. وفي أول سماعي لما هو مسجل في الشريط حسبت أنه غناء فأنكرت على صاحب الشريط فقال: إنه ليس بغناء، وإنما هو من الأناشيد التي تسمى بالأناشيد الإسلامية، فقلت: لقد أخطأ المنشدون لها بألحان الغناء، وأخطأ من سجلها، وأخطأ من سماها بالأناشيد الإسلامية إذ لا فرق بينها وبين الأغاني الموسيقية في صفة الأداء والتلحين والتطريب الذي يستفز المنشدين والسامعين، وإنه لينطبق على المنشدين للأناشيد بالتغني والتلحين والتطريب قول الشاعر في إنكاره على الذين يستحلون شرب النبيذ المسكر ويقولون إنه نبيذ وليس بخمر فقال الشاعر في الرد عليهم:
فإن لا يكنها أو تكنه فإنه
أخوها غذته أمه بلبانها
وهكذا يقال في الأناشيد الملحنة بألحان الغناء، إن لا تكن غناء فإنها أخته وشقيقته فيجب اجتنابها كما يجب اجتناب الغناء. أخوها غذته أمه بلبانها
ومن قاس الأناشيد الملحنة بألحان الغناء على رجز الصحابة، رضي الله عنهم، حين كانوا يبنون المسجد النبوي، وحين كانوا يحفرون الخندق، أو قاسها على الحداء الذي كان الصحابة، رضي الله عنهم، يستحثون به الإبل في السفر فقياسه فاسد لأن الصحابة، رضي الله عنهم، لم يكونوا يتغنون بالأشعار ويستعملون فيها الألحان المطربة التي تستفز المنشدين والسامعين كما يفعل ذلك الطلاب في الحفلات والمراكز الصيفية، وإنما كان الصحابة، رضي الله عنهم، يقتصرون على مجرد الإنشاد للشعر مع رفع الصوت بذلك، ولم يذكر عنهم أنهم كانوا يجتمعون على الإنشاد بصوت واحد كما يفعله الطلاب في زماننا. والخير كل الخير في اتباع ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، رضي الله عنهم، والشر كل الشر في مخالفتهم، والأخذ بالمحدثات التي ليست من هديهم ولم تكن معروفة في زمانهم، وإنما هي من بدع الصوفية الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعباً، فقد ذكر عنهم أنهم كانوا يجتمعون على إنشاد الشعر الملحن بألحان الغناء في الغلو والإطراء للنبي صلى الله عليه وسلم، ويجتمعون على مثل ذلك فيما يسمونه بالأذكار، وهو في الحقيقة من الاستهزاء بالله وذكره. ومن كانت الصوفية الضالة سلفا لهم وقدوة فبئس ما اختاروا لأنفسهم.
وأما تسمية الأناشيد الجماعية الملحنة بألحان الغناء باسم الأناشيد الإسلامية فهو خطأ لأن الأناشيد الجماعية الملحنة بألحان الغناء من المحدثات، والمحدثات ليست من الأمور الإسلامية، وإنما هي من الأعمال التي يجب ردها والمنع منها عملاً يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها. وقد رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين . وفي رواية له ولمسلم والبخاري تعليقا مجزوما به: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» أي مردود. وفي رواية لأحمد إسنادها صحيح على شرط مسلم: «من صنع أمرا من غير أمرنا فهو مردود».
وفي هذه الروايات الصحيحة أبلغ رد على المفتونين بالأناشيد الملحنة بألحان الغناء وعلى الذين يسمونها أناشيد إسلامية وهي من الأمور التي قد صنعت بغير أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن الأدلة على المنع من هذه البدعة أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» رواه الإمام أحمد وأهل السنن وابن حبان في (صحيحه) والحاكم في (المستدرك) من حديث العرباض بن سارية، رضي الله عنه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وصححه أيضا الحاكم وابن عبد البر والذهبي.
وفي هذا الحديث أوضح دليل على المنع من الأناشيد الجماعية الملحنة لأنها من محدثات الأمور التي جاء التحذير منها في حديث العرباض بن سارية، رضي الله عنه. ومن زعم أنها من أمور الإسلام فإنه يخشى عليه أن يكون داخلاً في عموم قول الله تعالى: [FONT="]}أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ[FONT="]{[/FONT]([1]).[/FONT]
وقد أخبر الله تعالى أنه أكمل الدين لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولأمته فقال تعالى: [FONT="]}الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[FONT="]{[/FONT]([2]). وفي هذه الآية الكريمة أبلغ رد على المفتونين بالأناشيد الجماعية الملحنة بألحان الغناء، وأبلغ رد على تسميتها أناشيد إسلامية لأنها ليست من الدين الذي شرعه الله لعباده المؤمنين وأكمله لهم في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من المحدثات التي أحدثت في آخر هذه الأمة ولم تكن معروفة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في زمان الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين، ولم تكن معروفة في زمن التابعين. وبعد زمان التابعين وتابعيهم أحدث الزنادقة التغبير، وهو من جنس الأناشيد الجماعية الملحنة. قال ابن دريد في (جمهرة اللغة): التغبير صوت يردد بقراءة وغيرها. ونقل مرتضى الحسيني في (تاج العروس) عن ابن دريد أنه قال: التغبير تهليل أو ترديد صوت يردد بقراءة وغيرها. ونقل أيضا عن الليث أنه قال: المغبرة قوم يغبرون بذكر الله، أي يهللون ويرددون الصوت بالقراءة وغيرها، وقد سموا ما يطربون فيه من الشعر في ذكر الله تغبيرا كأنهم إذا تناشدوها بالألحان طربوا فرقصوا وأرهجوا([3]) فسموا المغبرة لهذا المعنى. قال الأزهري: وروينا عن الشافعي أنه قال: أرى الزنادقة وضعوا هذا التغبير ليصدوا عن ذكر الله وقراءة القرآن. انتهى. وعلى النحو الذي ذمّه الشافعي، رحمه الله تعالى، سار الضلال من الصوفية وتوسعوا في تلحين الشعر وإنشاده على طريقة الغناء والألحان الموسيقية، وكذلك كانوا يفعلون فيما يسمونه بالأذكار، وهذا من تضليل الشيطان لهم وتلاعبه بهم. وفي النشيد الجماعي الملحن بألحان الغناء شبه قريب مما ذكر عن الصوفية، وما كان بهذه المثابة فإنه يجب اجتنابه والمنع منه.
[/FONT]
وليعلم أن تسمية الأناشيد الملحنة بألحان الغناء باسم الأناشيد الإسلامية يلزم عليها لوازم سيئة جدا وخطيرة.
منها: جعل هذه البدعة من أمور الإسلام ومكملاته، وهذا يتضمن الاستدراك على الشريعة الإسلامية، ويتضمن القول بأنها لم تكن كاملة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: معارضة قول الله تعالى: [FONT="]}الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ[FONT="]{[/FONT]. ففي هذه الآية الكريمة النص على إكمال الدين لهذه الأمة، والقول بأن الأناشيد الملحنة أناشيد إسلامية يتضمن معارضة هذا النص وذلك بإضافة الأناشيد التي ليست من دين الإسلام إلى دين الإسلام وجعلها جزءا منه.
[/FONT]
ومنها: نسبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التقصير في التبليغ والبيان لأمته حيث لم يأمرهم بالأناشيد الجماعية الملحنة ويخبرهم أنها أناشيد إسلامية.
ومنها: نسبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه إلى إهمال أمر من أمور الإسلام وترك العمل به.
ومنها: استحسان بدعة الأناشيد الملحنة بألحان الغناء وإدخالها في أمور الإسلام. وقد ذكر الشاطبي في كتاب (الاعتصام) ما رواه ابن حبيب عن ابن الماجشون قال: سمعت مالكا يقول: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم، خان الرسالة لأن الله يقول: [FONT="]}الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ[FONT="]{[/FONT]فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا) وذكره الشاطبي في موضع آخر من كتاب (الاعتصام) ولفظه قال: (من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خان الرسالة) وذكر بقيته بمثل ما تقدم. انتهى. [/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=78#_ftnref1[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="]) سورة الشورى، الآية:21. [/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=78#_ftnref2[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="]) سورة المائدة، الآية:3. [/FONT]
http://www.djelfa.info/vb/newthread.php?do=newthread&f=78#_ftnref3[FONT="]([/FONT][FONT="][FONT="][3][/FONT][/FONT][FONT="]) أرهجوا : أي أثاروا الغبار وهو الرهج. [/FONT]