بسم الله الرحمن الرحيم .
ترجمة الشّيخ مصطفى بلغيث الجزائري ( حفظه الله تعالى ) .
بقلم الطالب: زكرياء مزاري .
ـ اسمه ونسبه :
هو الشّيخ أبو زكرياء مصطفى بن أحمد بلغيث الجزائري ، من مواليد الرُّبع الأخير من القرن الرابع عشر هجري ، الموافق ليوم : 18 أوت 1971م بحي بزيوش أحد أحياء مدينة المدية جنوب العاصمة الجزائر .
ـ نشأته و بيئته :
نشأ الشّيخ في بيئة معطّرة بأنفاس القرآن الكريم من المشايخ و الطلبة في الولاية ، وسط أسرة محافظة و على رأسهم الوالد الكريم الذي كان له الفضل في هذه التنشئة الطيّبة أحسن ما ينشأ الفتيان عليها، قال الشاعر :
و ينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوّده أبوه
و ما كان الفتى نجما و لكن يعوّده على التديّن أقربوه .
وعليه فكثيرا ما نجد تلك المواهب البارزة قديما و حديثا وراءها قوة دافعة لها نحو السّمو و طهارة النفس من أجل إثراء الأمة بنور الكتاب و السنة و فهم سلف الأمة ، و غالبا ما نجد تلك القوة مصدرها الوالدين الكريمين ، و هذا حال المترجَم له مع والده و مسيرته في الطلب ، فكان خير مرافق ومشجّع له حال الصّعاب ، وهذا ما لمسته منه حين قصّ عليّ رحلته في الطّلب بدءا من موريتانيا ، فقد واجه الشّيخ بعض العقبات مثلما وجد أولاها في المطار حين طُلبت منه وثيقة أساسية من الوثائق التي تتطلب وقتا لإخراجها من مصدرها ، فحسّ الشيخ بنوع من الضّيق حال ذلك ، ولكن صحبة الوالد له حينها بالتّشجيع له مادّيا ومعنويا زاده يقينا و سعيا بالجدّ و المثابرة من أجل تحقيق المعالي في طلب العلم ، فحقيق على كل طالب العُلا لذرّيّته أن يحذو حَذْوَ والد المترجَم له في المرافقة و الصُّحبة.
و قد أثمرت تلك التّنشئة الطيّبة فردا غيورا على دينه و أمّته ،ذا سمت حسن و خلق رفيع بين أهله و طلبته و كل من خالطه ـ و لا نزكّ على الله أحدا ـ فكان الشّيخ غالبا ما يفرض احترامه على طلّابه ، مما جعل أولئك الطلّاب يهابونه حياء و يقدرونه في أنفسهم ،و ما تجده يلفظ بالكلمة المؤذية قطّ ، حتى على المخالفين له ، و إنما همّه و شغله الشّاغل هو الاستزادة من العلم و قبول كلمة الحقّ من موافقيه أو مخالفيه رغبة منه في التنوّر بمشكاة النّبوّة الصّافية من شوائب البدع و الخرافات .
ـ طلبه للعلم :
زاول الشيخ حفظه الله تعالى دراسته النّظامية بمسقط رأسه بمدينة المدية ، بعدها انتابته رغبة شديدة في حفظ القرآن الكريم ، فانتقل إلى زاوية ـ تيمزار ـ بولاية تيزي وزو ( شرق عاصمة الجزائر ) و ذلك سنة ثمان و ثمانين تسعمائة و ألف ( 1988 م) ، و بعد أن أتمّ حفظ القرآن بالزّاوية المذكورة أراد التوسّع في علوم القرآن و التفقّه فيه ، فشدّ الرّحال إلى معهد محمد بن سعود الإسلامية بموريتانيا التّابعة للجامعة الإسلامية بالرّياض من أجل التّسجيل و مواصلة الدّراسة النّظامية فيه ، وكان ذلك سنة إحدى و تسعين تسعمائة و ألف (1991م)وهناك التقى بمجموعة من المشايخ كالشّيخ محمد ولد مرابط ، و الشيخ محمد سالم ولد عدود و غيرهم ، وقد استفاد من علمهم و تجربتهم ، و في سنة ثلاث و تسعين تسعمائة و ألف (1993م) ارتحل الشّيخ حفظه الله تعالى من موريتانيا إلى المملكة العربيّة السّعودية و كلّه شوق للاحتكاك بكبار العلماء هناك ، وقد يسّر الله سبحانه و تعالى له ذلك ، أين استطاع الالتقاء بالمشايخ الأفاضل الذين كان لدعوتهم في مشارق الأرض و مغاربها الأثر البالغ في الإصلاح و إخراج الأمّة من دائرة الاختلاف والابتداع إلى دائرة الائتلاف و الإتّباع ، كالشّيخ العلاّمة عبد العزيز بن باز والعلامة محمد بن صالح العثيمين ـ رحمهما الله تعالى ـوقد استفاد منهما الشّيخ، وخصوصا منهما العلّامة بن باز ـ رحمه الله ـ الذي نال الشّيخ شرف الجلوس إليه .
بعد بلاد التوحيد عبر الشّيخ ـ حفظه الله تعالى ـ إلى دمشق ملتمسا في الاستزادة في الطّلب من أهل العلم هناك ، و قد التحق بالعلّامة المحدّث عبد القادر الأرناءوط ـ رحمه الله تعالى ـ و الذي نال منه تزكية خطّية بقلمه .
وبعد هذه الجولة في طلب العلم عاد الشّيخ ـ حفظه الله تعالى ـ إلى موريتانيا سنة خمس و تسعين تسعمائة و ألف ( 1995م ) لتكملة دراسته النّظامية بالمعهد ـ السّالف الذّكر ـ و في سنة ألفين واثنين ( 2002م ) تحصّل على شهادة الليسانس في العلوم الإسلامية .
ـ نشاطه الدعوي :
عملا بقوله تعالى : " أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة وجادلهم بالتّي هي أحسن " و قوله تعالى : " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدّين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون " و التي كان الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى كثيرا ما يستدلّ و يذكّر بها الدّفعات المتخرّجة من الجامعة الإسلامية حتى يحسّسهم بالمسؤولية المحمولة على عاتقهم خصوصا بين قومهم ، استفتح الشّيخ أبو زكرياء ـ حفظه الله تعالى ـ نشاطه الدّعوي ببلدته و ذلك مباشرة بعد عودته من موريتانيا أين عُيّن إماما خطيبا بمسجد الإمام الشافعي بحي بزيوش بمدينة المدية ، فتنوّع نشاطه فيه بين دروس مسائية للعامة في التّفسير و الفقه الميسّر و السّيرة النّبوية ، ودرس آخر مخصّص للنّساء حول كلِّ ما يهمّ المرأة المسلمة ، كلُّ ذلك بأسلوب يجمع فيه الشّيخ بين اللّسان العربي الفصيح و اللّسان العامّي الجزائري الذي يستطيع من خلاله تبليغ الرسالة المحمّدية على النّهج السّليم . و دروس أخرى للخاصّة في فنون متعدّدة كأصول الفقه و مصطلح الحديث و النّحو و المواريث، وذلك خلال أيام متفرقة من أيام الأسبوع.
ومن المشايخ الذين جعلهم بمثابة المرجعية في فقه النّوازل و القضايا المستجدّة و مصدر استشارة في النّشاط الدّعوي فضيلة الشيخ الدّكتور محمد علي فركوس حفظه الله تعالى الذي لم يبخل عليه هو الآخر ـ كلما قصده ـ بباقة من النّصائح و التّوجيهات التي لا يستغني عنها عالم أو متعلم .
و بعد ثلاث سنوات حُوّل الشّيخ إلى مسجد إبراهيم الخليل بالرّمالي بمدينة المدية ، ولا يزال فيه مواصلا نشاطه الدّعوي والذي أثمر مجموعة من طلبة العلم الذين تشبّعت قلوبهم بحبّ العلم وأهله عاملين بالنّصائح و التّوجيهات المسدّدة لهم منه.
و في السنة الحالية رجع الشيخ إماما إلى مسجد الشافعي بمدينة المدية و قد وظّف نشاطه الدّعوي خلال الأسبوع على النّحو التالي :
ـ يوم السّبت ( من المغرب إلى العشاء): تفسير القرآن الكريم.
ـ يوم الاثنين ( من المغرب الى العشاء ) : السّيرة النبوية.
ـ يوم الأربعاء ( من المغرب إلى العشاء ) : الفقه الميسّر.
للتّنبيه ؛فإنّ الشّيخ لم يقتصر نشاطه في المسجد فحسب ، بل تعدّى ذلك إلى إلقاء محاضرات علميّة في الإقامات الجامعية ، وذلك بمدينة المدية و البليدة و الجزائر العاصمة و غيرها من المدن .
و الملاحظ على الشّيخ حفظه الله تعالى ـ و لا نزكّ على الله أحدا ـ أنه ذو سمت حسن، ووجه طليق تحذوه ابتسامة لكل من يعرفه و من لا يعرفه ، و ذو صدر رحب لتوجيهات إخوانه من أجل سيرورة الدّعوة على هدى و بصيرة، كما نجده من الحريصين على إعمار المساجد ماديا و روحيا ، و مثال ذلك أنّه جعل في كل مسجد عُيّن فيه مكتبة علميّة تحمل كتبا في شتّى الفنون الإسلامية و غيرها لا يستغني عنها طالب علمٍ في أي مستوى كان فيه .
و في الأخير نساّل الله تبارك وتعالى أن يجزيَ الشّيخ خير الجزاء على جهده المبذول في الدّعوة إلى الله تعالى ، و أن يُسدّد خطاه لما فيه خير للبلاد و العباد .
و صلّ اللّهم على سيّدنا محمّد وعلى آله و صحبه أجمعين .
المصدر .موقع نور الهدى