هذه المواقع والتطبيقات التي تزدهر يوماً بعد يوم – شبكات التواصل الاجتماعي – أحدث وتحدث تغييرات كبيرة في مجتمعاتنا ، قد لا تكون هذه التغييرات واضحة أمام أعين غير المهتمين أو المتخصصين ، قد يراها البعض مجرد أدوات للتواصل والحصول على الأخبار ودورها بسيط في حياة الناس، لكن الحقيقة غير ذلك ،، فالدور الذي تلعبه هذه الشبكات كبير جداً والتغييرات التي تحدثها في المجتمعات لا يستهان به ، ونحن في هذه المقالة نحاول أن نسرد بعض هذه الآثار من خلال متابعتنا المتواضعة وتحليلاتنا الغير علمية ، فهذه الأمور يهتم بها أكثر علماء الإجتماع ويجب أن تحتل أهمية كبيرة في أبحاثهم ورسائلهم الأكاديمية.
في هذه المقالة ،، سأعرض لكم أهم 5 سيئات أو سلبيات أحدثتها شبكات التواصل الاجتماعي ، وذلك من وجهة نظري الشخصية ، وبناءً على استعمالي ومتابعتي لبعض هذه المواقع منذ أكثر من 5 سنوات ، وكذلك بناءً على اهتمامي بهذه المواقع خلال بحث الماجستير الذي أنهيته في السنوات الماضية ، وطبعاً قد تتفق معي في بعض هذه النقاط أو تختلف ، فهذا أمرٌ طبيعي ، لكن سيكون من المفيد اخي القارئ أن تشاركنا وجهة نظرك في هذه المسألة ،، وأن تسرد لنا أيضاً بعض السيئات التي قد تراها انت وتلاحظها في هذه الشبكات.
سردنا لهذه السلبيات لا يعني أن هذه الشبكات غير مفيدة ، فهنالك الكثير من الإيجابيات التي أحدثتها في مجتمعاتنا ، الأمر يتعلق باستخدام هذه الشبكات وطريقة التفاعل معها.
1) ضعف العلاقات الإنسانية
مفارقة عجبية أن تكون هذه الشبكات التي من المفترض انها أدوات لزيادة التواصل بين الناس هي نفسها أداة تؤدي إلى تضعييف العلاقات الاجتماعية والإنسانية ، ولفهم هذه المفارقة ، يجب ان نفرق اولاً بين التواصل بين الأفراد وبين العلاقات الاجتماعي بمفهوما الواسع ، فالتواصل هو وسيلة من وسائل تقوية العلاقات الاجتماعية في المجتمع ، لكن الترابط الإجتماعي مفهوم أوسع بكثير ولا يقتصر فقط على التواصل. أيضاً يجب أن نفهم التواصل بشكل جيد ،، فالتواصل الذي يتم عبر الحياة الافتراضية ليس تواصلاً مكتمل الأركان ،، يكاد يكون خالياً من المشاعر المتدفقة ، تنعدم فيه لغة العيون وتقاسيم الوجه ، التواصل الإلكتروني تواصل جاف جامد ، يكاد يناسب الروبوتات الآلية أكثر من الإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه.
عندما ترى أحد الأصدقاء في الفيسبوك يكتب عن وفاة أحد أقربائه مثلاً ، تجد تحته سيل من الردود المتشاهبة ،، كلمتين أو ثلاث كلمات متكررة لدى أغلب المعلقين ،، وكأنه روبوت آلي يقوم بتكرار تلك الكلمات في تلك التعليقات لكن بأسماء مختلفة ، فرق كبير بين تلك التعليقات المتبلدة ، وبين صوت الإنسان المليئ بالمشاعر والإحاسيس عندما يتصل لصديقه ويعزيه ، وفرق أكبر بينه وبين تلك العيون الحزينه وتلك التعبيرات المتعطافة التي تظهر في الوجه عندما يعزي الصديق صديقه بنفسه.
إن التواصل ليس فقط بالكلمات ،، الكلمات لا تصنع تواصلاً ، الكلمات تنقل المعلومة، معلومة جافة، فهي لاتنقل الأحاسيس والمشاعر المصاحبة لتلك الكلمات ولا النظرات أو حتى تقاسيم الوجه ،، لذلك فتلك الشبكات الاجتماعية وسيلة سيئة للتواصل الإنساني ،، لكنها طبعاً قد سهلت لنا كثيراً في مجال التواصل العملي والمهني ولها إيجابيات في هذا الجانب من زوايا أخرى.
ومن أوضح الأمثلة على هذه النقطة ، حين ترى اجتماع الأهل في البيت الواحد على طاولة الطعام أو في غرفة المعيشة ، لكن في نفس الوقت ترى كل شخص منشغل مع هاتفه في الواتس اب او تويتر أو عبر شبكة اجتماعية أخرى ، تراه مهتماً بالتواصل (الجاف) مع البعيدين وإهمال التواصل الحقيقي من القريبين ، وقد لا يرد الإبن على والده في نفس المجلس إلا أذا دخل عليه في الواتس أب وأرسل له رسالة .
2) غياب المصادر وكثرة الشائعات
في عالم الشبكات الاجتماعية ، تغيب المصادر الموثوقة ، وتغيب حقوق الملكية الفكرية ،، تجد مثلاً أحد المفسبكين النشطين ، يكتب منشورات مميزة ،، تجذب الآلاف من المعجبين كل مرة ، لكن يتضح بعد ذلك أنه كان ينسخها من مواقع أخرى ومصادر خارجية. بإمكان أي شخص في هذه الشبكات ان يأخذ أي صورة عن طريق محرك البحث قوقل ، ويلصقها في منشوره كي يجذب مئات أو آلاف الإعجابات دون أن يتحقق من رخصة استعمال تلك الصورة.
تلك مشكلة ،، لكن المشكلة الأكبر عندما تغيب ثقافة كتابة المصادر أو المراجع ، هي انتشار الأخبار الكاذبة مثل النار في الحطب في هذه الشبكات ، وخاصة تلك الأخبار المثيرة والحساسة والمهمة ،، قد يكتب أحد المفسبكين المشهورين وجهة نظر معينة حول قضية حساسة ،، فتجد العشرات يكتب وجهة النظر تلك عبر صفحاتهم ، لكن مع بعض التغييرات والتحريفات ، ثم يكتب عن أولائك العشرات المئات ، ثم تأتي بعض المواقع الإخبارية على شبكة الانترنت فتنشر ذلك الرأي على أنه خبر أكيد لأنه قد حرف قليلاً قليلاً حتى تحول من مجرد رأي إلى خبر وواقع، وعندما يغيب المصدر تغيب الحقيقة ،، لا يتمكن المتابع أو القارئ من الوصل إلى مصدر الخبر كي يتأكد بنفسه ، فلو أن كل شخص كتب المصدر الذي نقل منه لتمكن المتابع أن يصل إلى ذلك الشخص الأول الذي نشر المنشور ،، وطبعاً سيتفاجأ أنه كان مجرد رأي ، حتى إن كان خبراً ؛ فعلى الأقل يمكن التواصل مع الشخص للتأكد من مصداقيته.
من المظاهر السلبية التي نراها في الفيسبوك خاصة : نسخ بعض منشورات الآخرين ونشرها في صفحاتنا ، وأحياناً يتم ذكر اسم صاحب المنشور الأصلي تحت المنشور ، لكن هذا لا يكفي ، لأن الفيسبوك قد اخترع شيء اسمه (مشاركة) تحت كل منشور من أجل هذا الغرض ،، فإذا أعجبك الكلام فيمكنك عمل مشاركة لنشره في صفحتك ، ويمكنك اضافة تعليقك عليه عند نشره ، بهذه الطريقة تحفظ حقوق الآخرين وتجلب المصدر بكامله إلى القارئ ، أما أن تحصد الشهرة والإجابات بواسطة مجهود الآخرين وأفكارهم ، فهذا ليس من العدل أو الأمانة.
الحقيقة مقدسة ،، يجب أن لا نعتدي عليها ، قد تأخذ العاطفة الدينية أو غير الدينية بعض الأشخاص أن يكتبوا بعض الأخبار الكاذبة وهو يظنون أنهم ينصرون قضيتهم ، أو يظنون أن هذا أصلح لغيرهم أو تكون نواياهم طيبة ، لكن المشكلة هي أن الوسيلة خاطئة.
3) ضياع الأوقات
أعتقد أنها تحدث مع الكثير من المستخدمين ولست أنا فقط من أعاني منها ، وهي مشكلة (المصيدة) في الشبكات الاجتماعية ،، فأحياناً تقوم بالدخول إلى صفحتك الرئيسية في شبكة من شبكات التواصل الاجتماعية من أجل أمر محدد وواضح ، مثلاً أن تقرأ رسالة أو تتأكد من إسم شخص أو أي شيء آخر ،، لكنك عندما تفتح الصفحة الرئيسية (وخاصة في الفيسبوك) تبدأ بقراءة المنشور الأول الظاهر لديك في الصفحة من باب الفضول ، ثم تنزل إلى الذي تحته من باب (منشور آخر لن يظر) ثم تنزل أكثر وتقرأ التالي من باب (قد يكون هنالك ما هو مهم) ثم (قد يكون هنالك ماهو مفيد) …… ثم (لااااااا .. لقد أضعت الكثير من الوقت) حين تتفاجأ أنك قد أمضيت ساعة أو اكثر وانت تنتقل من منشور إلى آخر.
إن مشكلة تضييع الوقت في شبكات التواصل الاجتماعية قد تؤثر على مسيرة الفرد الحياتية وعلى إنجازاته وفاعليته ، فبالرغم من كون هذه الشبكات وسيلة جيدة لزيادة الفاعلية ،، إلا أن استعمالها بشكل غير منضبط وعدم الجدية في تنظيم الوقت قد يؤدي إلى إهدار الكثير من الوقت يومياً في صفحات تلك المواقع وبداخل تطبيقاته في هواتفنا المحمولة ، فساعة واحدة في اليوم قد لا تؤثر ، لكن ساعة واحدة كل يوم سوف تؤثر على المدى الطويل وخاصة لأولائك الذين لديهم أهداف واضحة ويسعون بجدية لتحقيق أحلامهم ، فهم بالتأكيد يشعرون بهذه المشكلة لأن الوقت عندهم غالٍ جداً.
4) الكثير من الأخبار السلبية
قد تشتعل فتنة بسبب خبر انتشر وملأ شبكات التواصل، فليس كل خبر سيء يجب ان ينشر ويذاع ، قد تكون الحكمة في أن نتغاضى عن بعض الأخبار السيئة كي لا نحدث فتنة بين فريقين من الناس ، قد يؤثر خبر غير سار على نفسية الكثير من القراء ويؤدي ذلك إلى تنغيص يومهم أو تقليل فاعليتهم الحياتية في ذلك اليوم بدون أن يكون من وراء نشر الخبر فائدة أو مصلحة حقيقية.
من أكبر مشاكل الإعلام في عصرنا الحالي ؛ التركيز على السيئات والسلبيات ، تلك الأخبار الصادمة تجد رواجاً وقبولاً لدى الجمهورة وتحضى بمشاركات كبيرة ، طيب لماذا ، إذا كان نشر ذلك الخبر السيء لن يؤدي إلى نتيجة إيجابية أو عمل صالح فلماذا ننشر تلك الأخبار ونعكر سعادة الآخرين ، طبعاً هنالك حاجة لنشر بعض الأخبار السلبية عندما تكون الغاية من وراء ذلك أمر إيجابي ، مثلاً نشر خبر بعض المظالم من أجل ان يتم معالجة هذا الأمر وإعادة الحقوق إلى أهلها ، يجب ان تكون الغاية من نشر تلك الأخبار السلبية حاظرة في الذهن وأن يكون الهدف هو امر إيجابي في آخر المطاف.
مشكلة كبيرة عندما تشترك هذه السيئة مع السيئة السابقة (نشر الشائعات والأكاذيب) ، عندما يكون الخبر المنشور سيء وفي نفس الوقت غير صحيح ، عندما يقرأ المستخدم في منشور أحد أصدقائه فيقوم هو بنشره في صفحته دون أن يتأكد من صحته ، ثم ينشره آخر ثم العشرات ثم المئات ،، وقد تهدم بسبب هذه الأخبار الكاذبة بيوت وقد تثار فتن وقد يحصل مالا تحمد عقباه.
5) تدعيم النرجسية
النرجسية هي حب النفس بدرجة كبيرة ،، كل شخص يحب نفسه بدرجات متفاوته ، لكن عندما يزيد هذا الحب ويطغى على شخصية الانسان وتصبح جميع اهتماماته وأنشطة متمحورة حول نفسه ، حينها يصبح هذا مرضاً اسمه النرجسية. هذه المنصات المخصصة للكتابة والتعبير عن الرأي ، قد تستدرج الشخص إلى الاعتزاز بآرائه وكتاباته شيئاً فشيئاً وتوصله إلى حد المرض.
لماذا الفيسبوك وضع إمكانية الإعجاب بالمنشور ولم يضع إمكانية عدم الإعجاب، إن تلك الإعجابات تشجع المستخدم أن يكتب أكثر وأكثر كلما رأى عداد الإعجابات يزيد ويزيد ، وكلما زادت الكتابة وزاد التفاعل كان هذا أفضل لتلك المواقع ولجلب مكاسب أكبر ، لكن إذا كانت خاصية عدم الإعجاب موجودة ، فسوف يقلل هذا من نشاط الأشخاص العاديين ذو الآراء العادية أو حتى غير الجيدة.
عندما يصبح هم الشخص كم من اللايكات كسب ، وكم من الثنائات حصل ، ويصبح هذا هو الدافع الأساسي لما يكتب أو ينشر ، وتصبح حالته النفسية متعلقة بعدد الإعجابات ، فإذا زادت ارتاح ، فلقد دخل مرحلة المرض.
6) التعود على قراءة المقتطفات والمحتوى القصير
التعود على قراءة المقتطفات والمحتوى القصير والسريع (التيك اواي) ، وهذا يؤثر سلباً على رغبتنا في قراءة الكتب التي تحتوي على المعرفة الدسمة ، فلم نعد نطيق أن نقرأ مقالة طويلة أو كتاباً مفيداً ، ولم نعد نطيق مشاهدة فيديو طويل ،، تعودنا على المحتوى السريع القصير بسبب هذه الشبكات الاجتماعية.