في مساء ليلة شاتية..رن جرس الهاتف
رفعت السماعة فإذا هو عبد الله
نعم ..عبد الله..قد تخرج من الكلية في العام الماضي، وانقطعت العلاقة بيننا منذ ذلك الحين..
ما إن سمعت صوته، حتى استعادت ذاكرتي ذلك الوجه البهي والجسم الممتلئ شبابا
-حياك الله يا عبد الله مرحبا.. كيف حالك.. ما اخبارك ما ..
قاطعني بصوت ضعيف:
-تذكرني يا شيخ؟
-نعم وكيف أنساك
لم يتفاعل مع عباراتي، ولم يبد منه تجاوب، لكنه قال بصوت ضعيف:
أريدك أن تزورني في البيت ضروري .هاه ! أنا لا استطيع زيارتك.لا تسالني لماذا! اذا جئتني عرفت السبب!
قال هذه العبارات بصوت خافت حزين لكنه كان بنرة جادة وصف لي طريق منزله طرقت الباب فتح لي أخوه الصغير
أين عبد الله؟
عبد الله في المجلس تفضل
مشى الصغير أمامي ، وفتح باب المجلس، فلما دخلت المجلس دهشت ماذا أرى!! عبد الله على سرير أبيض..بجانبه عكاز وجهاز يلبس في الرجل لأجل المشي ومجموعة من الأدوية.. أما هو
فجسد ملقى على السرير
قال لي مرحبا وقد حاول جاهدا أن يقف على قدميه للسلام
حياك الله ياشيخ حياك الله كلفناك وأتعبناك
لا لم تتعبني في شيء عفوا لم أعلم بمرضك من قبل ولكن ماذا أصابك؟ ماذا حدث لك؟
ألم تتخرج من الكلية؟ ألم تكن تحدثني أنك سوف تتزوج، وسوف ..وسوف.
نعم ولكن حدث مالم يكن في حسباني
تخرجت من الكلية قبل أشهر معدودة كما تعلم، وأصابني ما يصيب الشباب عادة من
الزهو والفرح بالتخرج.. وبدأت مشوار الحياة الجديدة.. فتحت كتاب مستقبلي المزهو ورحت استمتع بتقليب صفحاته وأحلم بأيامه السعيدة
ومضت الأيام السعيدة سريعة.. لا يكدر صفوها إلا صداع بسيط كان ينتابني في بعض الأوقات.. ومع مضي الأيام بدأهذا الصداع يزداد شدة وألما.. لكن الأدوية المسكنة
كانت كفيلة بالقضاء عليه .. ومضت الأيام على هذا الحال وقت تعود رأسي على هذا الصداع صرت أنساه في كثير من الأحيان مع شدته وألمه.
لكن شدة هذا الصداع بدأت تزداد وتزداد وبدأ يصاحب ذلك ضعف في النظر..حتى اشتد ذلك علي في إحدى الليالي فذهبت إلى قسم الطوارئ في احد المستشفيات شاكيا
مما أصابني من صداع وضعف نظر فلما قابلني الطبيب المختص، عمل لي التحاليل والأشعة اللازمة ثم قال لي :
نحتاج إلى إجراء أشعة مقطعية دقيقة لرأسك وهذا غير متوفر حاليا في المستشفى
إذهب إلى مستوصف خاص واعمل هذه الأشعة ثم ارجع لي بها وحاول أن يكون ذلك سريعا!
خرجت يتملكني الوجل تارة والإستغراب تارة أخرى هذا الطبيب! لماذا يتعبني هكذا؟
كان أحرى أن يعطيني مسكنا للصداع أو قطرة عين وينتهي الأمر..وجعلت أشاور نفسي :
هل أهمل الطبيب وأشعته..وأشتري دواء ب5 ريالات يسكن هذا الصداع وأذهب للبيت وانام؟ أم أعمل الأشعة التي طلبها وانظر على ماذا ينتهي الأمر لكنني مع كل هذه
الخواطر ذهبت إلى ذلك المستوصف وأجريت الأشعة.. ثم رجعت إلى الطبيب، أحمل بين يدي أوراقا لا أغهم شيئا من رموزها..
تفضل يا دكتور هذه الاشعة التي طلبت لبس الطبيب نظارة سميكة على عينيه أخذ يقلب الأوراف بين يديه تغير وحهه وسمعته يقول لاحول ولا قوة إلا بالله ثمر رفع بصره إلي وقال:
استرخ اجلس
بشر يادكتور.. خير إن شاءا لله؟
خير أن شاءا لله خيرا
وظل صامتا، لا يرفع بصره إلي! ثم رفع سماعة الهاتف وبدأ بالإتصال على مجموعة من كبار الأطباء يطلب حضورهم!! ما هي إلا دقائق حتى اجتمع عنده ستة أو سبعة ممنهم بدؤوا جميعا يقلبون نتائج التحاليل يتاملون صور الأشعة ويتحدثون باللغة الانجليزية، ويسارقون النظر
مضت قرابة ساعة على هذه الحال.. وأنا في حال لا أحسد عليه بدأ يمر في عقلي
شريط ذكرياتي.. أخذت استعرض سجل حياتي بل مستقبلي ترى مابالهم يتناقشون؟ ما بال الطبيب اهتم كل هذا الإهتمام..
ثم رحت أطمئن نفسي واقول لها: هؤلاء الأطباء يكبرون المسائل دائما..كل منهم يريد أن يستعرض قواه.. تحاليل ! أشعة! إجتماعات! والمسالة حلها سهل: حبة أو حبتان بندول مع قطرة للعين، وينتهي كل شئ!!
ظللت أنظر إلى الأطباء محاولا ان أفهم شيئا مما يقولون، ولكن مع تركيزي الشديد لم أفهم كلمة واحدة بدأت نقاشاتهم تهدا وتهدا.. ثم خيم الصمت عليهم
خرج احدهم من العيادة وتبعه الاخر فثالث حتى لم يبقى إلا إثنان
قال لي أحدهما:
اسمع ياعبد الله! أنت اكبر ممن ان نقول لك أحضر والداك!! خير إن شاءا الله يا دكتور .. ماذا
تقصد؟!قال بإسلوب حازم:
التقارير والأشعة تدل على وجود ورم في رأسك، حجمه يزداد بسرعة مخيفة، وهو الأن يضغط على عروق العين من الداخل، وفي أي لحظة يمكن أن يزداد هذا الضغط.. فتنفجر عروق العبن من الداخل ..فتصاب بالعمى
ثم تصاب بنزيف داخلي في الدماغ ثم تموت
ثم سكت الطبيب.. نعم سكت..لكن كلمته الأخيرة بدأت ترن في أذني!!
تموت.. تموت..ياللهول.. ما أقسى هذه الكلمة.. ما أشد وقعها على النفس..أموت ..نعم اموت..ولكن شبابي..رواتبي..وظيفتي..أمي ..أبي..أموت!!
صحت بأعلى صوتي
..
يادكتور !!ماذا؟ كيف؟ متى؟ ورم؟ كيف ورم؟ متى ظهر عندي؟ ماسببه؟ وأنا في هذه السن؟ أعوذ بالله؟ ورم؟ سرطان؟ لا حول ولا قوة إلا بالله
نعم ورم ولا بد من علاجه بسرعة، كل دقيقة بل كل ثانية تمر ليست في صالحك.. الليلة ندخلك المستشفى ونكمل التحليلات اللازمة
وفي الصباح أنشاءا الله نفتح رأسك ونخرج الورم.
قال الطبيب هذه الكلمات بكل حزم وبرود
قالها وهو يمسح نظارته ويقلب نظره في أوراق يديه
اما انا فلم أكن أستممع إليه بأذني فقط بل أظن ان جسدي كله قد تحول في تلك الساعة إلى أذن تسمع وتعي
استمر الطبيب في كلامه
اصبر واحتسب لست الوحيد الذي تجري له مثل هذه العملية أناس كثيرون أجريت وشفوا بإذن الله.زوانت شاب مؤمن وعاقل، لا يحتاج مثلك إلى تصبير وتثبيت واصل الطبيب كلماته وهو ينظر إلي ام اأنا قكانت عيناي جاحظتان في عينيه ..نعم كنت أنظر إليه بتركيز شديد
أما كلامه فقد اختلط عباراته الأخيرة بعباراته الأولى ولم يلبث في ذاكرتي من كلامه غلا ورم ..سرطان..عملية..
ماذا لو كتب الله علي الموت أثناء العملية؟ ماذا ستفعل أمي؟ أبي الذي جاوز السبعين؟ إخواني؟ أخواتي الصغار؟
بل كيف سأدخل القبر وحدي ؟كيف سأمر على الصراط؟ كيف ؟ وكيف؟ أين تخطيطاتي.. وشهاداتي . الزواج.. الوظيفة الجديدة..كيف يحصل هذا فجأة.. أسئلة كثيرة تتردد في داخلي.. جعلتني اسبح في بحر من الأفكار لا ساحل له
أخذت اصرخ في داخلي ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله.. ياليتني قدمت لحياتي الاخرة
كل المتع التي كنت اجمعها والمراكز التي أسعى لها تذهب فجأة هكذا بدون مقدمات..ما أقصر هذه الحياة.. والله ما كنت إلا في غرور
كيف كنت أتبع الشهوات... وأواقع اللذات..وجهنم قد سعرت.. والأغلال قد نصبت.. والزبانية قد أعدت!؟
تبا لهذه الدنيا.. إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا. وغن فرحت أياما أحزنت أعواما و
إن متعت قليلا أشقت طويلا ...وأخذت أعاتب نفسي الخاطئة أشد المعاتبة..
اه ما اطول حزني غدا.. رحماك يارب ..رحماك يارب
وفجاة قال الطبيب:
هذه اوراق العملية! وقع عليها، حتى نحجز لك سريرا، وننهي إجراءات إدخالك إلى المستشفى!!
بقيت واجما انظر إليه فقال:
خذ! ما بالك؟ خذ
لا لن أوقع على شئ
!
كيف لن توقع!! مجنون أنت؟! المصلحة لك وليست لنا والمضرة عليك لا علينا لا تظن أننا فارغون نبحث عن رأس نتسلى بإجراء عملية فيه!!
الأمر هام وخطير
لا لن أوقع على شي
عموما لا نستطيع إلزامك.. ولكن وقع على هذه الورقة حتى نخلي مسؤليتنا منك لو حدث لك نزيف مفاجئ أخذت الورقة فإذا فيها:
أقر أنا الموقع أدناه أني خرجت بطوع إرادتي واختياري من مستشفى.. الخ وقعت الورقة وانصرفت
ولكن أين أذهب؟! إلى البيت وأخبر امي وابي؟ أم أرجع إلأى المستشفى؟ أم أذهب إلى مستشفى اخر.. لا حول ولا قوة إلا بالله
بعد تفكير سريع قررت أن أذهب إلى مستشفى اخر
وفي قسم الطوارئ
السلام عليكم يادكتور انا أشكوا من صداع في الرأس يصاحبه ضعف في النظر وبعد الكشف السريع وعمل الأشعة اللأزمة قال الطبيب:
نحتاج ألى أشعة مقطعية دقيقة لرأسك، وهذا غير متوفر حاليا في المستشفى .. إذهب إلى مستوصف خاص واعمل هذه الأشعة.. ثم ارجع إلي بها وحاول أن يكون ذلك سريعا!
قالها الطبيب ثم سكت
نزلت إلى السيارة وأخذت الأوراق الأشعة ثم صعدت بها إلأيه
عجبا!! كيف جئت بهذه السرعة!! لماذا لم تعمل الأشعة؟!
قد عملتها قبل أن أتيك.. وها هي بين يديك..
أخذ الطبيب يفكك رموز هذه الأوراق
أما أنا فقد جلست على الكرسي لا تكاد تحملني قدماي..
لكني أكثر ثباتا من المرة الأولى
ذكرت الله تعالى سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر أستغفر الله أستغفرا لله
تذكرت وصيته صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس: واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا..هان علي واطمأنت نفسي
ماذا سيحدث؟ ورم! لست الأول ولا أظني الأخير
أمي .. أبي ..إخوتي سيبكون يوما أو يويمين ثم ينسون
فجأة رفع الطبيب سماعة الهاتف واستدعى مجموعة من كبار الأطباء إلى عيادته جاءوا نظروا في الأوراق تحدثوا طويلا
كنت انتظر خبرا مفزعا لكني لم أضطرب كثيرا علقت أمري بالله بدأت الأوهام تعود إلي لماذا أنا بالذات أصاب بالمرض الخبيث؟ الناس كثيرون ثم صرخت بنفسي: أعوذ بالله ولماذا أجزم بذلك! لعل ذاك الطبيب قد أخطأ صداع عارض وينتتهي الأمر
طالت فترة الانتظار فالتفت إلي الطبيب وسالته:
هاه.. بشر.. ما الخبر؟!
رد بنبرة حازمة: انتظر قليلا اصبر
ثم تركني في دوامتي ومضى يتلمظ بلغة أعجمية مع زملائه
لم تمض ساعة حتى انتهوا من نقاشاتهم ثم خرج الاول فالثاني فالثالث
التفت إلي الطبيب ثم قال:
اسمع ياعبد الله!
انت شاب مؤمن وكل شئ بقضااء الله تعالى وقدره.. التقارير الاشعة تدلعلى وجود ورم في رأسك حجمه يزداد بسرعة مخيفة، وهو الان يضغط على عروق العين من الداخل وفي أي لحظة قد يزداد هذا الضغط فتنفجر عروق العين من الداخل فتصاب بعمى ثم تصاب بنزيف داخلي في الدماغ
!!ثم تموت
لذا لابد أن تدخل الان إلى المستشفى والليلة تدخل غرفة العمليات ونزيل جزء من عظم الجمجمة ثم نخرج الورم وبعد ذلك نعيد العظم مرة أخرى
ثم سكت الطبيب
أما انا فقد كات الصدمة علي أهون من الاولى تقبلت الخبر بهدوء تعجب منه الطبيب ثم رفعت سماعة الهاتف واتصلت بوالدي
جاء والدي
شيخ كبير تجاوز السبعين من العمر احضره السائق فنظره الكليل لا يساعده على القيادة كم تعب واجتهد في التربية والعناية جزاه الله خيرا
لما راني ابي فزع من وجوم وجهي واصفرار عيني وقال وهو واقف:
مالذي جاء بك إلى هنا ولماذا جئت ..و.قلت له يا أبي تعلم أني أشكوا من صداع دائم وقد ذهبت إلى المستشفى وعملوا إلي الفحوصات ثم جئت إلى هذا المستشفى.. وبعد الفصوحات أخبروني أن عندي ورم في الرأس ولا بد من إجراء عملية عاجلة في الراس
سمع أبي هذه الكلمات فكان أقل تحملا مني صاح بي:
ورم.. ورم.. لا حول ولا قوة إلا بالله ثم جلس على الاض وهو يردد: إنا لله وإنا إليه راجعون.
اذا نرسلك لتعالج مع أخيك في أمريكا لا حول ولا قوة الا بالله قال هذه الكلمات وهو يتذكر معاناته
منذ سنة كاملة مع أخي الأكبر عبد الرحمان الذي يعالج في امريكا من مرض السرطان
كم رأيت أبي يبكي في الهاتف وهو يكلمه
كم كان يدعوا له اخر الليل وفي الصلوات كان حزن عليه ظاهرا خاضة إذا راى أولاد عبد الرحمن الصغار يسالون عن أبيهم: جدي أين بابا..
لماذا ما عندنا اب مثل بقية الاولاد
اخذت أنظر إلى أبي ودموعه تسيل على خديه وهو يرى أولاده يموتون بين يديه فاخي خالد توفى في حادث سيارة قبل سنتين.. واخي عبد الرحمن يصارع الموت في أمريكا.وانا في اول طريق لا تعرف نهايته
التفت أبي إلى الطبيب وحاول أن يتجلد وهو يساله عن خطورة المرض لكن عاطفة الابوة كانت اقوى فبدات الدموع تسيل من عينيه
قال الطبيب: لا تحزن يا أبا عبد الله الامر سهل إن شاءا لله اطمئن
قال أبي يادكتور نريد ان تعطينا الاوراق والفحوصات الخاصة بعبد الله وسوف يسافر الى امريكا يعالج هناك مع اخيه
وافق الطبيب على ذلك اخذ ابي الاوراق وتمت الحجوزات بسرعة وسافرت الى امريكا مع اخي عبد العزيز
وصلنا الى المستشفى مساء عملوا لي التحليلات والفحوصات اللازمة
كل شئ تم بسرعة وفي الصباح ا دخلوني غرفة العمليات كم هي غرفة مفزعة.. اجهزة هنا وهناك.. سكاكين ومقصات ومشارط ..كاني في مشرحة
وجوه واجمة واعين تنظر اليك بتلهف كانما تريد أن تفترسك
ايدي الاطباء تالف الدماء لا اتصرف في نفسي بل هم يتصرفون في كيفما شاءوا.. حملوني (نعم حملوني حملا) من على
المتحرك الى سرير العمليات
بسم الله لا اله الا الله ذكرت الله كثيرا
بقيت انتظر بداية العملية واتامل في وجوه من حولي
رفعت يدي الى راسي اتحسسه مسكين ياراسي!! كيف سيكون حالك بعد قليل وقف الممرضون ينتظرون يظهر ان الطبيب الذي سيباشر العملية لم يصل بعد فجاة فتح باب الغرفةالعمليات ودخل رجل لا ترى منه الا عينيه صافحني بلطف ثم اشار الى احدهم فجاء بإبرة كبيرة( أي والله كبيرة) ثم طعن بها فخذي فكان اخر عهدي بالدنيا دخلت في غيبوبة تامة
.
حلق الطبيل شعر اسي ثم قطع فروة راسي على هيئة دائرية ثم بد اينشر عظم الجمجمة حتى نزع اعلاها ووضع العظم بجانبه ولو يكن حجم هذا العظم صغيرا كان بحجم الصحن الصغير
ثم اخرج الورم وكان اكبر من البيضة بقليل
الامور تسير على ما يرام
ووفجاة اضطرب الدم في عروق الدماغ ثم توقف الدم في الشرايين واصابتني جلطة في الدماغ
فاضطرب الطبيب وحرك خطئا الاعصاب المتصلة بالمخيخ فاصابني شلل نصفي في الجزء الايسر من جسمي
فلما راى الطبيب ذلك انهى ما تبقى من العملية بسرعة وسارع الى ارجاع عظم الجمجمة الى مكانه وغطى بالجلد فوقه وخيط المكان
ثم حملوني على السرير العملية والقوني فوق السرير المتحرك وساقوني الى غرفة العناية المركزة التي يسمونها ال(إن عاش)مكثت بعد العملية في غيبوبة تامة لمدة خمس ساعات وفجاة اصابني جلطة في الرجل اليسرى فحملوني سريعاالى غرفة العلميا ت وفتحوا صدري وووضعوا لي فلترا صغيرا على احد الشرايين القلب ثم أعادوني إلى غرفة ال(إن عاش) استقرت حالتي بعد 4 ساعات ثم اصبت بنزيف شديد في الرئة!!
حملوني للمرة الثالثة او لعلها الرابعة الى غرفة العمليات وفتحوا صدري مرة اخرى ونظفو ا الرئة من الدم وعالجوا النزيف ثم اعادوني الى غرفة الا( إن عاش) ضاق الطبيب بامري ذرعا امراض متتابعة حالة متقلبة مفاجات لا اخر لها استقرت حالتي 24 ساعة احس الطبيب بشئ من الانتعاش والسرور فجاة بدات درجة حرارة جسدي ترتفع بشكل مخيف
اجرى الطبيب فحصا سريعا علي فاكتشف بعد الفحص الدقيق ان العظم الاذي استخرج الورم من تحته ق اصابه التهاب شديد ولا بد من اخراجه وتعقيمه قبل ان يؤدي الى تسمم في الدماغ!!
استدعى الطبيب فريق العمليات ثم حملوني كالجنازة والقوني على السرير في غرفة العمليات
بدات انظر اليهم لا املك ممن امري شيئا وكلت امري الى الله غلبني البكاء فبكيت تمنيت ان ارى امي وابي لاقبل ايديهما بل والل ه الثم ارجلهما قبل ان اودع الدنيا دعوت الله واستغثت به رب ان مسني الضر وانت ارحم الراحمين.. ثم رفعت بصري الى السماء وقلت يا ارحم الراحمين
ان كانت هذه عقوبة فاسلك المغفرة والرحمة وان كانت بلاء فارزقني الصبر على البلاء وعظم لي الاجر والجزاء ثم غلبني البكاء فاخذ الممرضون يصيحون بي بلغة اعجمية لم افهم ما يقولون لكني كنت اعلم انهم يصمتونني غالبت نفسي وتصبرت
ذكرت هادم اللذات وتفكرت في انحلال الملذات
طالما سخرت لي الدنيا حتى ذهبت ايامي
كلما نصحني الناصحون قلت عن قريب اتوب وما تبت
قد غرني فيما مضى شبابي وجمال سيارتي وثيابي ونسيت الاستعداد للحياة الاخرى والله لقد عظمت كربتي وذهبت قوتي وغدا يصبح الترب فراشي ليتني كنت من قوام الليل الذين اطار ذكر النار عنهم النوم واطال اشتياقهم الى الجنان الصوم
فنحلت اجسادهم وتغيرت الوانهم
تفكرت في الحشر والمعاد تذكرت حين يقوم الاشهاد
ويلي ان في يوم القيامة الحسرات وان في الحشر لزفرات وعلى الصراط عثرات وعند الميزان عبرات والظلم يومئذ ظلمات والكتب تحوي اخفى النظرات والحسرة العظمى عند عرض السيئات فريق في الجنة يرتقون الدرجات وفريق في السعير يهبطون الدركات وما بيني وبين هذا إلا ان يقال : فلان مات
واخشى ان اصيح : رب ارجعوني .. فيقال .. العمر فات
عجبا للموتى جمعوا فما اكلوا الذي جمعوا وبنوا مساكنهم فما سكنوا تبا لهذه الدنيا اولها عناء واخرها فناء حلالها حساب وحرامها عقاب تفكرت في حالي فإذا عمري محدود ونفسي معدود وجسمي بعد الممات مع الدود
اه اذا زلت يوم القيامة القدم وارتفع البكاء وطال الندم
ويلي اذا قدمت على من يحاسبني على الصغير والكبير
يوم تزل بالعصاة الاقدام وتكثر الاهات والالام وتنقضي اللذات كانها احلام ثم بكيت ..نعم.. بكيت وتمنيت البقاء في الدنيا لا لاجل التمتع بها وانما لاصلح علاقتي بربي جل جلاله
وفجاة اقبل الطبيب نحوي فاردت ان اساله
عن المرض ولماذا هذه المضاعفات فلم يلتفت الي وانما امر بتخديري تخديرا عاما
فلم اغبت عن الدنيا سل سكانينه ومشارطه ثم انتزع فروة الراس التي تغطي العظم واخرج العظم ووضعه جانبا ثم اعاد الجلد فوق الدماغ من غير العظم!!
استغرقت العملية ساعات وبعدها حملوني والقوني على السرير في غرفة ال( إن عاش) افقت من إغمائي فإذا االجهزة تحيط بي من كل جانب هذا لقياس التنفس وهذا لقياس الضغط والثالث لضربا تالقلب والرابع .. والممرضون يحيطون بي من كل جانب
تعجبت من هذه المناظر.. اين انا ..بقيت واجما..
ثم تذكرت اني في امريكا واني كنت في غرفة العمليات
رفعت يدي وتحسست راسي فغذا هو لين.. اين العظم؟! بالامس كان راسي مكتملا.. بكيت ..سالت الطبيب : اين بقية راسي؟!
فقال لي بكل برود:
عظمك يبقى عندنا لتعقيمه وبعد ستة اشهر ترجع الينا لنعيده الى مكانه مكثت اياما تحت العناية المركزة ثم اخرجت منها مكثت في امريكا شهرا كاملا ثم رجعت الى الرياض وها انذا انتظر انتهاء الاشهر لستة لاستعيد بقية راسي!! ثم سكت عبد الله وهو يدافع عبراته وحق له ان يبكي
اما انا فاستمعت منه هذه الكلمات وانا في اشد العجب من تقلب الزمان على اهله فبعد ما كان شابا مفتول العضلا بهي الوجه يتقلب بين المال الوفير والوظيفة والصحة والعائلة المرموقة وثم هو الان على هذا الحال
فسبحان من يقضي ولا ايقضى عليه
ما احقر هذه الدنيا حقا ان الاخرة هي دار القرار
ومضت الايام وانا ازوره من حين لاخر
ومع العلاج من الله عليه فشفي من الشلل واستطاع المشي
فانقطعت عنه مدة ثم اتصل بي واخبرني انه سيسافر الى امريكا لاستعادة بقية راسه وبعد رجوعه جئته زائرا فإذا وجهه متهلل فرح ح مسرور وقد اكمل الله عليه نعمته واستعاد بقية راسه وناولني بطاقة يدعوني فيها الى زواجه
أما حال هذا الشاب الن فهو من الصالحين بل من الدعة الى الله تعالى الذين يخدمون الدين بكل ما يملكون
إن نظرت الى المساكين وجدت أنه يكفل عددا منهم يتولى جمع الزكوات وإنفاقها عليهم بل إن له باعا في تنسيق المحاضرات لبعض الدعاة والمساعدة في طباعة الكتب وتوزيعها الى غير ذلك من وجوه الخير
' فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا..
منقول
رفعت السماعة فإذا هو عبد الله
نعم ..عبد الله..قد تخرج من الكلية في العام الماضي، وانقطعت العلاقة بيننا منذ ذلك الحين..
ما إن سمعت صوته، حتى استعادت ذاكرتي ذلك الوجه البهي والجسم الممتلئ شبابا
-حياك الله يا عبد الله مرحبا.. كيف حالك.. ما اخبارك ما ..
قاطعني بصوت ضعيف:
-تذكرني يا شيخ؟
-نعم وكيف أنساك
لم يتفاعل مع عباراتي، ولم يبد منه تجاوب، لكنه قال بصوت ضعيف:
أريدك أن تزورني في البيت ضروري .هاه ! أنا لا استطيع زيارتك.لا تسالني لماذا! اذا جئتني عرفت السبب!
قال هذه العبارات بصوت خافت حزين لكنه كان بنرة جادة وصف لي طريق منزله طرقت الباب فتح لي أخوه الصغير
أين عبد الله؟
عبد الله في المجلس تفضل
مشى الصغير أمامي ، وفتح باب المجلس، فلما دخلت المجلس دهشت ماذا أرى!! عبد الله على سرير أبيض..بجانبه عكاز وجهاز يلبس في الرجل لأجل المشي ومجموعة من الأدوية.. أما هو
فجسد ملقى على السرير
قال لي مرحبا وقد حاول جاهدا أن يقف على قدميه للسلام
حياك الله ياشيخ حياك الله كلفناك وأتعبناك
لا لم تتعبني في شيء عفوا لم أعلم بمرضك من قبل ولكن ماذا أصابك؟ ماذا حدث لك؟
ألم تتخرج من الكلية؟ ألم تكن تحدثني أنك سوف تتزوج، وسوف ..وسوف.
نعم ولكن حدث مالم يكن في حسباني
تخرجت من الكلية قبل أشهر معدودة كما تعلم، وأصابني ما يصيب الشباب عادة من
الزهو والفرح بالتخرج.. وبدأت مشوار الحياة الجديدة.. فتحت كتاب مستقبلي المزهو ورحت استمتع بتقليب صفحاته وأحلم بأيامه السعيدة
ومضت الأيام السعيدة سريعة.. لا يكدر صفوها إلا صداع بسيط كان ينتابني في بعض الأوقات.. ومع مضي الأيام بدأهذا الصداع يزداد شدة وألما.. لكن الأدوية المسكنة
كانت كفيلة بالقضاء عليه .. ومضت الأيام على هذا الحال وقت تعود رأسي على هذا الصداع صرت أنساه في كثير من الأحيان مع شدته وألمه.
لكن شدة هذا الصداع بدأت تزداد وتزداد وبدأ يصاحب ذلك ضعف في النظر..حتى اشتد ذلك علي في إحدى الليالي فذهبت إلى قسم الطوارئ في احد المستشفيات شاكيا
مما أصابني من صداع وضعف نظر فلما قابلني الطبيب المختص، عمل لي التحاليل والأشعة اللازمة ثم قال لي :
نحتاج إلى إجراء أشعة مقطعية دقيقة لرأسك وهذا غير متوفر حاليا في المستشفى
إذهب إلى مستوصف خاص واعمل هذه الأشعة ثم ارجع لي بها وحاول أن يكون ذلك سريعا!
خرجت يتملكني الوجل تارة والإستغراب تارة أخرى هذا الطبيب! لماذا يتعبني هكذا؟
كان أحرى أن يعطيني مسكنا للصداع أو قطرة عين وينتهي الأمر..وجعلت أشاور نفسي :
هل أهمل الطبيب وأشعته..وأشتري دواء ب5 ريالات يسكن هذا الصداع وأذهب للبيت وانام؟ أم أعمل الأشعة التي طلبها وانظر على ماذا ينتهي الأمر لكنني مع كل هذه
الخواطر ذهبت إلى ذلك المستوصف وأجريت الأشعة.. ثم رجعت إلى الطبيب، أحمل بين يدي أوراقا لا أغهم شيئا من رموزها..
تفضل يا دكتور هذه الاشعة التي طلبت لبس الطبيب نظارة سميكة على عينيه أخذ يقلب الأوراف بين يديه تغير وحهه وسمعته يقول لاحول ولا قوة إلا بالله ثمر رفع بصره إلي وقال:
استرخ اجلس
بشر يادكتور.. خير إن شاءا لله؟
خير أن شاءا لله خيرا
وظل صامتا، لا يرفع بصره إلي! ثم رفع سماعة الهاتف وبدأ بالإتصال على مجموعة من كبار الأطباء يطلب حضورهم!! ما هي إلا دقائق حتى اجتمع عنده ستة أو سبعة ممنهم بدؤوا جميعا يقلبون نتائج التحاليل يتاملون صور الأشعة ويتحدثون باللغة الانجليزية، ويسارقون النظر
مضت قرابة ساعة على هذه الحال.. وأنا في حال لا أحسد عليه بدأ يمر في عقلي
شريط ذكرياتي.. أخذت استعرض سجل حياتي بل مستقبلي ترى مابالهم يتناقشون؟ ما بال الطبيب اهتم كل هذا الإهتمام..
ثم رحت أطمئن نفسي واقول لها: هؤلاء الأطباء يكبرون المسائل دائما..كل منهم يريد أن يستعرض قواه.. تحاليل ! أشعة! إجتماعات! والمسالة حلها سهل: حبة أو حبتان بندول مع قطرة للعين، وينتهي كل شئ!!
ظللت أنظر إلى الأطباء محاولا ان أفهم شيئا مما يقولون، ولكن مع تركيزي الشديد لم أفهم كلمة واحدة بدأت نقاشاتهم تهدا وتهدا.. ثم خيم الصمت عليهم
خرج احدهم من العيادة وتبعه الاخر فثالث حتى لم يبقى إلا إثنان
قال لي أحدهما:
اسمع ياعبد الله! أنت اكبر ممن ان نقول لك أحضر والداك!! خير إن شاءا الله يا دكتور .. ماذا
تقصد؟!قال بإسلوب حازم:
التقارير والأشعة تدل على وجود ورم في رأسك، حجمه يزداد بسرعة مخيفة، وهو الأن يضغط على عروق العين من الداخل، وفي أي لحظة يمكن أن يزداد هذا الضغط.. فتنفجر عروق العبن من الداخل ..فتصاب بالعمى
ثم تصاب بنزيف داخلي في الدماغ ثم تموت
ثم سكت الطبيب.. نعم سكت..لكن كلمته الأخيرة بدأت ترن في أذني!!
تموت.. تموت..ياللهول.. ما أقسى هذه الكلمة.. ما أشد وقعها على النفس..أموت ..نعم اموت..ولكن شبابي..رواتبي..وظيفتي..أمي ..أبي..أموت!!
صحت بأعلى صوتي
..
يادكتور !!ماذا؟ كيف؟ متى؟ ورم؟ كيف ورم؟ متى ظهر عندي؟ ماسببه؟ وأنا في هذه السن؟ أعوذ بالله؟ ورم؟ سرطان؟ لا حول ولا قوة إلا بالله
نعم ورم ولا بد من علاجه بسرعة، كل دقيقة بل كل ثانية تمر ليست في صالحك.. الليلة ندخلك المستشفى ونكمل التحليلات اللازمة
وفي الصباح أنشاءا الله نفتح رأسك ونخرج الورم.
قال الطبيب هذه الكلمات بكل حزم وبرود
قالها وهو يمسح نظارته ويقلب نظره في أوراق يديه
اما انا فلم أكن أستممع إليه بأذني فقط بل أظن ان جسدي كله قد تحول في تلك الساعة إلى أذن تسمع وتعي
استمر الطبيب في كلامه
اصبر واحتسب لست الوحيد الذي تجري له مثل هذه العملية أناس كثيرون أجريت وشفوا بإذن الله.زوانت شاب مؤمن وعاقل، لا يحتاج مثلك إلى تصبير وتثبيت واصل الطبيب كلماته وهو ينظر إلي ام اأنا قكانت عيناي جاحظتان في عينيه ..نعم كنت أنظر إليه بتركيز شديد
أما كلامه فقد اختلط عباراته الأخيرة بعباراته الأولى ولم يلبث في ذاكرتي من كلامه غلا ورم ..سرطان..عملية..
ماذا لو كتب الله علي الموت أثناء العملية؟ ماذا ستفعل أمي؟ أبي الذي جاوز السبعين؟ إخواني؟ أخواتي الصغار؟
بل كيف سأدخل القبر وحدي ؟كيف سأمر على الصراط؟ كيف ؟ وكيف؟ أين تخطيطاتي.. وشهاداتي . الزواج.. الوظيفة الجديدة..كيف يحصل هذا فجأة.. أسئلة كثيرة تتردد في داخلي.. جعلتني اسبح في بحر من الأفكار لا ساحل له
أخذت اصرخ في داخلي ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله.. ياليتني قدمت لحياتي الاخرة
كل المتع التي كنت اجمعها والمراكز التي أسعى لها تذهب فجأة هكذا بدون مقدمات..ما أقصر هذه الحياة.. والله ما كنت إلا في غرور
كيف كنت أتبع الشهوات... وأواقع اللذات..وجهنم قد سعرت.. والأغلال قد نصبت.. والزبانية قد أعدت!؟
تبا لهذه الدنيا.. إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا. وغن فرحت أياما أحزنت أعواما و
إن متعت قليلا أشقت طويلا ...وأخذت أعاتب نفسي الخاطئة أشد المعاتبة..
اه ما اطول حزني غدا.. رحماك يارب ..رحماك يارب
وفجاة قال الطبيب:
هذه اوراق العملية! وقع عليها، حتى نحجز لك سريرا، وننهي إجراءات إدخالك إلى المستشفى!!
بقيت واجما انظر إليه فقال:
خذ! ما بالك؟ خذ
لا لن أوقع على شئ
!
كيف لن توقع!! مجنون أنت؟! المصلحة لك وليست لنا والمضرة عليك لا علينا لا تظن أننا فارغون نبحث عن رأس نتسلى بإجراء عملية فيه!!
الأمر هام وخطير
لا لن أوقع على شي
عموما لا نستطيع إلزامك.. ولكن وقع على هذه الورقة حتى نخلي مسؤليتنا منك لو حدث لك نزيف مفاجئ أخذت الورقة فإذا فيها:
أقر أنا الموقع أدناه أني خرجت بطوع إرادتي واختياري من مستشفى.. الخ وقعت الورقة وانصرفت
ولكن أين أذهب؟! إلى البيت وأخبر امي وابي؟ أم أرجع إلأى المستشفى؟ أم أذهب إلى مستشفى اخر.. لا حول ولا قوة إلا بالله
بعد تفكير سريع قررت أن أذهب إلى مستشفى اخر
وفي قسم الطوارئ
السلام عليكم يادكتور انا أشكوا من صداع في الرأس يصاحبه ضعف في النظر وبعد الكشف السريع وعمل الأشعة اللأزمة قال الطبيب:
نحتاج ألى أشعة مقطعية دقيقة لرأسك، وهذا غير متوفر حاليا في المستشفى .. إذهب إلى مستوصف خاص واعمل هذه الأشعة.. ثم ارجع إلي بها وحاول أن يكون ذلك سريعا!
قالها الطبيب ثم سكت
نزلت إلى السيارة وأخذت الأوراق الأشعة ثم صعدت بها إلأيه
عجبا!! كيف جئت بهذه السرعة!! لماذا لم تعمل الأشعة؟!
قد عملتها قبل أن أتيك.. وها هي بين يديك..
أخذ الطبيب يفكك رموز هذه الأوراق
أما أنا فقد جلست على الكرسي لا تكاد تحملني قدماي..
لكني أكثر ثباتا من المرة الأولى
ذكرت الله تعالى سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر أستغفر الله أستغفرا لله
تذكرت وصيته صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس: واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا..هان علي واطمأنت نفسي
ماذا سيحدث؟ ورم! لست الأول ولا أظني الأخير
أمي .. أبي ..إخوتي سيبكون يوما أو يويمين ثم ينسون
فجأة رفع الطبيب سماعة الهاتف واستدعى مجموعة من كبار الأطباء إلى عيادته جاءوا نظروا في الأوراق تحدثوا طويلا
كنت انتظر خبرا مفزعا لكني لم أضطرب كثيرا علقت أمري بالله بدأت الأوهام تعود إلي لماذا أنا بالذات أصاب بالمرض الخبيث؟ الناس كثيرون ثم صرخت بنفسي: أعوذ بالله ولماذا أجزم بذلك! لعل ذاك الطبيب قد أخطأ صداع عارض وينتتهي الأمر
طالت فترة الانتظار فالتفت إلي الطبيب وسالته:
هاه.. بشر.. ما الخبر؟!
رد بنبرة حازمة: انتظر قليلا اصبر
ثم تركني في دوامتي ومضى يتلمظ بلغة أعجمية مع زملائه
لم تمض ساعة حتى انتهوا من نقاشاتهم ثم خرج الاول فالثاني فالثالث
التفت إلي الطبيب ثم قال:
اسمع ياعبد الله!
انت شاب مؤمن وكل شئ بقضااء الله تعالى وقدره.. التقارير الاشعة تدلعلى وجود ورم في رأسك حجمه يزداد بسرعة مخيفة، وهو الان يضغط على عروق العين من الداخل وفي أي لحظة قد يزداد هذا الضغط فتنفجر عروق العين من الداخل فتصاب بعمى ثم تصاب بنزيف داخلي في الدماغ
!!ثم تموت
لذا لابد أن تدخل الان إلى المستشفى والليلة تدخل غرفة العمليات ونزيل جزء من عظم الجمجمة ثم نخرج الورم وبعد ذلك نعيد العظم مرة أخرى
ثم سكت الطبيب
أما انا فقد كات الصدمة علي أهون من الاولى تقبلت الخبر بهدوء تعجب منه الطبيب ثم رفعت سماعة الهاتف واتصلت بوالدي
جاء والدي
شيخ كبير تجاوز السبعين من العمر احضره السائق فنظره الكليل لا يساعده على القيادة كم تعب واجتهد في التربية والعناية جزاه الله خيرا
لما راني ابي فزع من وجوم وجهي واصفرار عيني وقال وهو واقف:
مالذي جاء بك إلى هنا ولماذا جئت ..و.قلت له يا أبي تعلم أني أشكوا من صداع دائم وقد ذهبت إلى المستشفى وعملوا إلي الفحوصات ثم جئت إلى هذا المستشفى.. وبعد الفصوحات أخبروني أن عندي ورم في الرأس ولا بد من إجراء عملية عاجلة في الراس
سمع أبي هذه الكلمات فكان أقل تحملا مني صاح بي:
ورم.. ورم.. لا حول ولا قوة إلا بالله ثم جلس على الاض وهو يردد: إنا لله وإنا إليه راجعون.
اذا نرسلك لتعالج مع أخيك في أمريكا لا حول ولا قوة الا بالله قال هذه الكلمات وهو يتذكر معاناته
منذ سنة كاملة مع أخي الأكبر عبد الرحمان الذي يعالج في امريكا من مرض السرطان
كم رأيت أبي يبكي في الهاتف وهو يكلمه
كم كان يدعوا له اخر الليل وفي الصلوات كان حزن عليه ظاهرا خاضة إذا راى أولاد عبد الرحمن الصغار يسالون عن أبيهم: جدي أين بابا..
لماذا ما عندنا اب مثل بقية الاولاد
اخذت أنظر إلى أبي ودموعه تسيل على خديه وهو يرى أولاده يموتون بين يديه فاخي خالد توفى في حادث سيارة قبل سنتين.. واخي عبد الرحمن يصارع الموت في أمريكا.وانا في اول طريق لا تعرف نهايته
التفت أبي إلى الطبيب وحاول أن يتجلد وهو يساله عن خطورة المرض لكن عاطفة الابوة كانت اقوى فبدات الدموع تسيل من عينيه
قال الطبيب: لا تحزن يا أبا عبد الله الامر سهل إن شاءا لله اطمئن
قال أبي يادكتور نريد ان تعطينا الاوراق والفحوصات الخاصة بعبد الله وسوف يسافر الى امريكا يعالج هناك مع اخيه
وافق الطبيب على ذلك اخذ ابي الاوراق وتمت الحجوزات بسرعة وسافرت الى امريكا مع اخي عبد العزيز
وصلنا الى المستشفى مساء عملوا لي التحليلات والفحوصات اللازمة
كل شئ تم بسرعة وفي الصباح ا دخلوني غرفة العمليات كم هي غرفة مفزعة.. اجهزة هنا وهناك.. سكاكين ومقصات ومشارط ..كاني في مشرحة
وجوه واجمة واعين تنظر اليك بتلهف كانما تريد أن تفترسك
ايدي الاطباء تالف الدماء لا اتصرف في نفسي بل هم يتصرفون في كيفما شاءوا.. حملوني (نعم حملوني حملا) من على
المتحرك الى سرير العمليات
بسم الله لا اله الا الله ذكرت الله كثيرا
بقيت انتظر بداية العملية واتامل في وجوه من حولي
رفعت يدي الى راسي اتحسسه مسكين ياراسي!! كيف سيكون حالك بعد قليل وقف الممرضون ينتظرون يظهر ان الطبيب الذي سيباشر العملية لم يصل بعد فجاة فتح باب الغرفةالعمليات ودخل رجل لا ترى منه الا عينيه صافحني بلطف ثم اشار الى احدهم فجاء بإبرة كبيرة( أي والله كبيرة) ثم طعن بها فخذي فكان اخر عهدي بالدنيا دخلت في غيبوبة تامة
.
حلق الطبيل شعر اسي ثم قطع فروة راسي على هيئة دائرية ثم بد اينشر عظم الجمجمة حتى نزع اعلاها ووضع العظم بجانبه ولو يكن حجم هذا العظم صغيرا كان بحجم الصحن الصغير
ثم اخرج الورم وكان اكبر من البيضة بقليل
الامور تسير على ما يرام
ووفجاة اضطرب الدم في عروق الدماغ ثم توقف الدم في الشرايين واصابتني جلطة في الدماغ
فاضطرب الطبيب وحرك خطئا الاعصاب المتصلة بالمخيخ فاصابني شلل نصفي في الجزء الايسر من جسمي
فلما راى الطبيب ذلك انهى ما تبقى من العملية بسرعة وسارع الى ارجاع عظم الجمجمة الى مكانه وغطى بالجلد فوقه وخيط المكان
ثم حملوني على السرير العملية والقوني فوق السرير المتحرك وساقوني الى غرفة العناية المركزة التي يسمونها ال(إن عاش)مكثت بعد العملية في غيبوبة تامة لمدة خمس ساعات وفجاة اصابني جلطة في الرجل اليسرى فحملوني سريعاالى غرفة العلميا ت وفتحوا صدري وووضعوا لي فلترا صغيرا على احد الشرايين القلب ثم أعادوني إلى غرفة ال(إن عاش) استقرت حالتي بعد 4 ساعات ثم اصبت بنزيف شديد في الرئة!!
حملوني للمرة الثالثة او لعلها الرابعة الى غرفة العمليات وفتحوا صدري مرة اخرى ونظفو ا الرئة من الدم وعالجوا النزيف ثم اعادوني الى غرفة الا( إن عاش) ضاق الطبيب بامري ذرعا امراض متتابعة حالة متقلبة مفاجات لا اخر لها استقرت حالتي 24 ساعة احس الطبيب بشئ من الانتعاش والسرور فجاة بدات درجة حرارة جسدي ترتفع بشكل مخيف
اجرى الطبيب فحصا سريعا علي فاكتشف بعد الفحص الدقيق ان العظم الاذي استخرج الورم من تحته ق اصابه التهاب شديد ولا بد من اخراجه وتعقيمه قبل ان يؤدي الى تسمم في الدماغ!!
استدعى الطبيب فريق العمليات ثم حملوني كالجنازة والقوني على السرير في غرفة العمليات
بدات انظر اليهم لا املك ممن امري شيئا وكلت امري الى الله غلبني البكاء فبكيت تمنيت ان ارى امي وابي لاقبل ايديهما بل والل ه الثم ارجلهما قبل ان اودع الدنيا دعوت الله واستغثت به رب ان مسني الضر وانت ارحم الراحمين.. ثم رفعت بصري الى السماء وقلت يا ارحم الراحمين
ان كانت هذه عقوبة فاسلك المغفرة والرحمة وان كانت بلاء فارزقني الصبر على البلاء وعظم لي الاجر والجزاء ثم غلبني البكاء فاخذ الممرضون يصيحون بي بلغة اعجمية لم افهم ما يقولون لكني كنت اعلم انهم يصمتونني غالبت نفسي وتصبرت
ذكرت هادم اللذات وتفكرت في انحلال الملذات
طالما سخرت لي الدنيا حتى ذهبت ايامي
كلما نصحني الناصحون قلت عن قريب اتوب وما تبت
قد غرني فيما مضى شبابي وجمال سيارتي وثيابي ونسيت الاستعداد للحياة الاخرى والله لقد عظمت كربتي وذهبت قوتي وغدا يصبح الترب فراشي ليتني كنت من قوام الليل الذين اطار ذكر النار عنهم النوم واطال اشتياقهم الى الجنان الصوم
فنحلت اجسادهم وتغيرت الوانهم
تفكرت في الحشر والمعاد تذكرت حين يقوم الاشهاد
ويلي ان في يوم القيامة الحسرات وان في الحشر لزفرات وعلى الصراط عثرات وعند الميزان عبرات والظلم يومئذ ظلمات والكتب تحوي اخفى النظرات والحسرة العظمى عند عرض السيئات فريق في الجنة يرتقون الدرجات وفريق في السعير يهبطون الدركات وما بيني وبين هذا إلا ان يقال : فلان مات
واخشى ان اصيح : رب ارجعوني .. فيقال .. العمر فات
عجبا للموتى جمعوا فما اكلوا الذي جمعوا وبنوا مساكنهم فما سكنوا تبا لهذه الدنيا اولها عناء واخرها فناء حلالها حساب وحرامها عقاب تفكرت في حالي فإذا عمري محدود ونفسي معدود وجسمي بعد الممات مع الدود
اه اذا زلت يوم القيامة القدم وارتفع البكاء وطال الندم
ويلي اذا قدمت على من يحاسبني على الصغير والكبير
يوم تزل بالعصاة الاقدام وتكثر الاهات والالام وتنقضي اللذات كانها احلام ثم بكيت ..نعم.. بكيت وتمنيت البقاء في الدنيا لا لاجل التمتع بها وانما لاصلح علاقتي بربي جل جلاله
وفجاة اقبل الطبيب نحوي فاردت ان اساله
عن المرض ولماذا هذه المضاعفات فلم يلتفت الي وانما امر بتخديري تخديرا عاما
فلم اغبت عن الدنيا سل سكانينه ومشارطه ثم انتزع فروة الراس التي تغطي العظم واخرج العظم ووضعه جانبا ثم اعاد الجلد فوق الدماغ من غير العظم!!
استغرقت العملية ساعات وبعدها حملوني والقوني على السرير في غرفة ال( إن عاش) افقت من إغمائي فإذا االجهزة تحيط بي من كل جانب هذا لقياس التنفس وهذا لقياس الضغط والثالث لضربا تالقلب والرابع .. والممرضون يحيطون بي من كل جانب
تعجبت من هذه المناظر.. اين انا ..بقيت واجما..
ثم تذكرت اني في امريكا واني كنت في غرفة العمليات
رفعت يدي وتحسست راسي فغذا هو لين.. اين العظم؟! بالامس كان راسي مكتملا.. بكيت ..سالت الطبيب : اين بقية راسي؟!
فقال لي بكل برود:
عظمك يبقى عندنا لتعقيمه وبعد ستة اشهر ترجع الينا لنعيده الى مكانه مكثت اياما تحت العناية المركزة ثم اخرجت منها مكثت في امريكا شهرا كاملا ثم رجعت الى الرياض وها انذا انتظر انتهاء الاشهر لستة لاستعيد بقية راسي!! ثم سكت عبد الله وهو يدافع عبراته وحق له ان يبكي
اما انا فاستمعت منه هذه الكلمات وانا في اشد العجب من تقلب الزمان على اهله فبعد ما كان شابا مفتول العضلا بهي الوجه يتقلب بين المال الوفير والوظيفة والصحة والعائلة المرموقة وثم هو الان على هذا الحال
فسبحان من يقضي ولا ايقضى عليه
ما احقر هذه الدنيا حقا ان الاخرة هي دار القرار
ومضت الايام وانا ازوره من حين لاخر
ومع العلاج من الله عليه فشفي من الشلل واستطاع المشي
فانقطعت عنه مدة ثم اتصل بي واخبرني انه سيسافر الى امريكا لاستعادة بقية راسه وبعد رجوعه جئته زائرا فإذا وجهه متهلل فرح ح مسرور وقد اكمل الله عليه نعمته واستعاد بقية راسه وناولني بطاقة يدعوني فيها الى زواجه
أما حال هذا الشاب الن فهو من الصالحين بل من الدعة الى الله تعالى الذين يخدمون الدين بكل ما يملكون
إن نظرت الى المساكين وجدت أنه يكفل عددا منهم يتولى جمع الزكوات وإنفاقها عليهم بل إن له باعا في تنسيق المحاضرات لبعض الدعاة والمساعدة في طباعة الكتب وتوزيعها الى غير ذلك من وجوه الخير
' فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا..
منقول