اللّطيف(1):
قال المؤلف رحمه الله تعالى: "ومن أسمائه الحسنى "اللّطيف": الّذي لطف علمه حتى أدرك الخفايا، والخبايا، وما احتوت عليه الصّدور، وما في الأراضي من خفايا البذور ولطف بأوليائه، وأصفيائه، فيسّرهم لليسرى وجنّبهم العسرى، وسهّل لهم كلّ طريق يوصل إلى مرضاته وكرامته وحفظهم من كلّ سبب ووسيلة توصل إلى سخطه، من طرق يشعرون بها، ومن طرق لا يشعرون بها، وقدّر عليهم أموراً يكرهونها لينيلهم ما يحبّون، فلطف بهم في أنفسهم فأجراهم على عوائده الجميلة، وصنائعه الكريمة، ولطف لهم في أمور خارجة عنهم لهم فيها كلّ خير وصلاح ونجاح،
فاللّطيف متقارب لمعاني الخبير، الرؤوف، الكريم(2).
ومن لطفه بعبده ووليّه الذي يريد أن يتمّ عليه إحسانه، ويشمله بكرمه ويرقّيه إلى المنازل العالية فييسّره لليسرى، ويجنّبه العسرى، ويجري عليه من أصناف المحن الّتي يكرهها وتشقّ عليه وهي عين صلاحه، والطريق إلى سعادته، كما أمتحن الأنبياء بأذى قومهم وبالجهاد في سبيله وكما ذكر الله عن يوسف عليه السّلام وكيف ترقّت به الأحوال ولطف الله به وله بما قدّره عليه من تلك الأحوال الّتي حصلت له في عاقبتها حسن العقبى في الدّنيا والآخرة.
وكما يمتحن أولياءه بما يكرهونه لينيلهم ما يحبون، وكم لله من لطف، وكرم لا تدركه الأفهام ولا تتصوّره الأوهام، وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدّنيا من ولاية ورياسة أو سبب من الأسباب المحبوبة فيصرفه الله عنها ويصرفها عنه رحمة به لئلاَّ تضرّه في دينه، فيظلّ العبد حزينا من جهله وعدم معرفته بربّه، ولو علم ما دخّر له في الغيب وأريد إصلاحه لحمد الله وشكره على ذلك، فإنّ الله بعباده رؤوف رحيم، لطيف بأوليائه.
وفي الدّعاء المأثور: "اللّهمّ ما رزقتني ممّا أحبّ فاجعله قوّة لي فيما تحب، وما زويت عنّي ممّا أحبّ فاجعله فراغاً لي فيما تحبّ"(3) اللّهمّ الطف بنا في قضائك وبارك لنا في قدرتك حتّى لا نحبّ تعجيل ماأخّرت ولا تأخير ما عجّلت(4).
واعلم أنّ اللّطف الّذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال، ولسان الحال هو من الرّحمة بل هو رحمة خاصة
فالرّحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها أو لا يشعر بأسبابها هي اللّطف فإذا قال العبد: يالطيف ألطف بي أو لي وأسألك لطفك
فمعناه : تولّني ولاية خاصة بها تصلح أحوالي الظّاهرة ، والباطنة وبها تندفع عنّي جميع المكروهات من الأمور الدّاخلية والأمور الخارجية.
فالأمور الدّاخلية لطف بالعبد.
والأمور الخارجية لطف للعبد
فإذا يسّر الله عبده وسهّل له طريق الخير وأعانه عليه فقد لطف به وإذا قيّض الله له أسباباً خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف له.
ولهذا لما تنقّلت بيوسف عليه السلام تلك الأحوال ، وتطوّرت به الأطوار من رؤياه، وحسد إخوته له، وسعيهم في إبعاده جدا، واختصامهم بأبيهم ثم محنته بالنّسوة ثم بالسّجن ثم بالخروج منه بسبب رؤيا الملك العظيمة، وانفراده بتعبيرها، وتبوّءه من الأرض حيث يشاء، وحصول ما حصل على أبيه من الابتلاء، والإمتحان ثم حصل بعد ذلك الإجتماع السّار وازالة الأكدار وصلاح حالة الجميع والاجتباء العظيم ليوسف عرف عليه السّلام أنّ هذه الأشياء وغيرها لطف لطف الله لهم به فاعترف بهذه النعمة فقال: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}(5) أي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده ممّن يعلمه تعالى محلاً لذلك وأهلاً له فلا يضعه إلاّ في محلّه.
الله أعلم حيث يضع فضله فإذا رأيت الله تعالى قد يسّر العبد لليسرى، وسهّل له طريق الخير، وذلّل له صعابه، وفتح له أبوابه، ونهج له طرقه، ومهّد له أسبابه، وجنّبه العسرى فقد لطف به.
-ومن لطفه بعباده المؤمنين أنّه يتولاّهم بلطفه فيخرجهم من الظّلمات إلى النّور من ظلمات الجهل، والكفر، والبدع، والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطّاعة،
- ومن لطفه أنّه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمّارة بالسّوء الّتي هذا طبعها وديدنها فيوفّقهم لنهي النّفس عن الهوى ويصرف عنهم السّوء والفحشاء فتوجد أسباب الفتنة، وجواذب المعاصي وشهوات الغي فيرسل الله عليها برهان لطفه ونور إيمانهم الّذي منَّ به عليهم فيدعونها مطمئنّين لذلك منشرحة لتركها صدورهم.
-ومن لطفه بعباده أنّه يقدّر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم فقد يريدون شيئاً وغيره أصلح فيقدّر لهم الأصلح وإن كرهوه لطفاً بهم، وبراً، وإحساناً {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}(6) {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}(7).
-ومن لطفه بهم أنّه يقدّر عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن، والإبتلاء بالأمر والنّهي الشّاق رحمة بهم، ولطفاً، وسوقا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(8).
-ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهّله للمراتب العالية، والمنازل السّامية الّتي لا تدرك بالأسباب العظام الّتي لا يدركها إلاّ أرباب الهمم العالية، والعزائم السّامية أن يقدّر له في ابتداء أمره بعض الأسباب المحتملة المناسبة للأسباب التي أهّل لها ليتدرّج من الأدنى إلى الأعلى ولتتمرّن نفسه ويصير له ملكة من جنس ذلك الأمر
وهذا كما قدّر لموسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم- في ابتداء أمرهم رعاية الغنم ليتدرّجوا من رعاية الحيوان البهيم وإصلاحه إلى رعاية بني آدم ودعوتهم وإصلاحهم.
وكذلك يذيق عبده حلاوة بعض الطّاعات فينجذب ويرغب ويصير له ملكة قويّة بعد ذلك على طاعات أجلّ منها وأعلى ولم تكن تحصل بتلك الإرادة السّابقة حتى وصل إلى هذه الإرادة والرّغبة التّامة.
-ومن لطفه بعبده أن يقدّر له أن يتربّى في ولاية أهل الصّلاح، والعلم، والإيمان وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم، وتأديبهم ولينشأ على صلاحهم وإصلاحهم ، كما أمتنّ الله على مريم في قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا}(9) إلى آخر قصّتها
-ومن ذلك إذا نشأ بين أبوين صالحين وأقارب أتقياء أو في بلد صلاح أو وفّقه الله لمقارنة أهل الخير وصحبتهم أو لتربية العلماء الربّانيّين فإنّ هذا من أعظم لطفه بعبده فإنّ صلاح العبد موقوف على أسباب كثيرة منها بل من أكثرها وأعظمها نفعاً هذه الحالة.
-ومن ذلك إذا نشأ العبد في بلد أهله على مذهب أهل السُّنَّة والجماعة فإنَّ هذا لطف له وكذلك إذا قدّر الله أن يكون مشايخه الذين يستفيد منهم الأحياء منهم والأموات أهل سنة وتقي فإن هذا من اللّطف الربَّاني.
ولا يخفى لطف الباري في وجود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أثناء قرون هذه الأمة وتبيين الله به وبتلامذته من الخير الكثير والعلم الغزير وجهاد أهل البدع والتّعطيل والكفر ثم انتشار كتبه في هذه الأوقات فلا شكّ أن هذا من لطف الله لمن انتفع بها وأنّه يتوقف خير كثير على وجودها فللّه الحمد والمنّة والفضل[FONT="].
[/FONT]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: "ومن أسمائه الحسنى "اللّطيف": الّذي لطف علمه حتى أدرك الخفايا، والخبايا، وما احتوت عليه الصّدور، وما في الأراضي من خفايا البذور ولطف بأوليائه، وأصفيائه، فيسّرهم لليسرى وجنّبهم العسرى، وسهّل لهم كلّ طريق يوصل إلى مرضاته وكرامته وحفظهم من كلّ سبب ووسيلة توصل إلى سخطه، من طرق يشعرون بها، ومن طرق لا يشعرون بها، وقدّر عليهم أموراً يكرهونها لينيلهم ما يحبّون، فلطف بهم في أنفسهم فأجراهم على عوائده الجميلة، وصنائعه الكريمة، ولطف لهم في أمور خارجة عنهم لهم فيها كلّ خير وصلاح ونجاح،
فاللّطيف متقارب لمعاني الخبير، الرؤوف، الكريم(2).
ومن لطفه بعبده ووليّه الذي يريد أن يتمّ عليه إحسانه، ويشمله بكرمه ويرقّيه إلى المنازل العالية فييسّره لليسرى، ويجنّبه العسرى، ويجري عليه من أصناف المحن الّتي يكرهها وتشقّ عليه وهي عين صلاحه، والطريق إلى سعادته، كما أمتحن الأنبياء بأذى قومهم وبالجهاد في سبيله وكما ذكر الله عن يوسف عليه السّلام وكيف ترقّت به الأحوال ولطف الله به وله بما قدّره عليه من تلك الأحوال الّتي حصلت له في عاقبتها حسن العقبى في الدّنيا والآخرة.
وكما يمتحن أولياءه بما يكرهونه لينيلهم ما يحبون، وكم لله من لطف، وكرم لا تدركه الأفهام ولا تتصوّره الأوهام، وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدّنيا من ولاية ورياسة أو سبب من الأسباب المحبوبة فيصرفه الله عنها ويصرفها عنه رحمة به لئلاَّ تضرّه في دينه، فيظلّ العبد حزينا من جهله وعدم معرفته بربّه، ولو علم ما دخّر له في الغيب وأريد إصلاحه لحمد الله وشكره على ذلك، فإنّ الله بعباده رؤوف رحيم، لطيف بأوليائه.
وفي الدّعاء المأثور: "اللّهمّ ما رزقتني ممّا أحبّ فاجعله قوّة لي فيما تحب، وما زويت عنّي ممّا أحبّ فاجعله فراغاً لي فيما تحبّ"(3) اللّهمّ الطف بنا في قضائك وبارك لنا في قدرتك حتّى لا نحبّ تعجيل ماأخّرت ولا تأخير ما عجّلت(4).
واعلم أنّ اللّطف الّذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال، ولسان الحال هو من الرّحمة بل هو رحمة خاصة
فالرّحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها أو لا يشعر بأسبابها هي اللّطف فإذا قال العبد: يالطيف ألطف بي أو لي وأسألك لطفك
فمعناه : تولّني ولاية خاصة بها تصلح أحوالي الظّاهرة ، والباطنة وبها تندفع عنّي جميع المكروهات من الأمور الدّاخلية والأمور الخارجية.
فالأمور الدّاخلية لطف بالعبد.
والأمور الخارجية لطف للعبد
فإذا يسّر الله عبده وسهّل له طريق الخير وأعانه عليه فقد لطف به وإذا قيّض الله له أسباباً خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف له.
ولهذا لما تنقّلت بيوسف عليه السلام تلك الأحوال ، وتطوّرت به الأطوار من رؤياه، وحسد إخوته له، وسعيهم في إبعاده جدا، واختصامهم بأبيهم ثم محنته بالنّسوة ثم بالسّجن ثم بالخروج منه بسبب رؤيا الملك العظيمة، وانفراده بتعبيرها، وتبوّءه من الأرض حيث يشاء، وحصول ما حصل على أبيه من الابتلاء، والإمتحان ثم حصل بعد ذلك الإجتماع السّار وازالة الأكدار وصلاح حالة الجميع والاجتباء العظيم ليوسف عرف عليه السّلام أنّ هذه الأشياء وغيرها لطف لطف الله لهم به فاعترف بهذه النعمة فقال: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}(5) أي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده ممّن يعلمه تعالى محلاً لذلك وأهلاً له فلا يضعه إلاّ في محلّه.
الله أعلم حيث يضع فضله فإذا رأيت الله تعالى قد يسّر العبد لليسرى، وسهّل له طريق الخير، وذلّل له صعابه، وفتح له أبوابه، ونهج له طرقه، ومهّد له أسبابه، وجنّبه العسرى فقد لطف به.
-ومن لطفه بعباده المؤمنين أنّه يتولاّهم بلطفه فيخرجهم من الظّلمات إلى النّور من ظلمات الجهل، والكفر، والبدع، والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطّاعة،
- ومن لطفه أنّه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمّارة بالسّوء الّتي هذا طبعها وديدنها فيوفّقهم لنهي النّفس عن الهوى ويصرف عنهم السّوء والفحشاء فتوجد أسباب الفتنة، وجواذب المعاصي وشهوات الغي فيرسل الله عليها برهان لطفه ونور إيمانهم الّذي منَّ به عليهم فيدعونها مطمئنّين لذلك منشرحة لتركها صدورهم.
-ومن لطفه بعباده أنّه يقدّر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم فقد يريدون شيئاً وغيره أصلح فيقدّر لهم الأصلح وإن كرهوه لطفاً بهم، وبراً، وإحساناً {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}(6) {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}(7).
-ومن لطفه بهم أنّه يقدّر عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن، والإبتلاء بالأمر والنّهي الشّاق رحمة بهم، ولطفاً، وسوقا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(8).
-ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهّله للمراتب العالية، والمنازل السّامية الّتي لا تدرك بالأسباب العظام الّتي لا يدركها إلاّ أرباب الهمم العالية، والعزائم السّامية أن يقدّر له في ابتداء أمره بعض الأسباب المحتملة المناسبة للأسباب التي أهّل لها ليتدرّج من الأدنى إلى الأعلى ولتتمرّن نفسه ويصير له ملكة من جنس ذلك الأمر
وهذا كما قدّر لموسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم- في ابتداء أمرهم رعاية الغنم ليتدرّجوا من رعاية الحيوان البهيم وإصلاحه إلى رعاية بني آدم ودعوتهم وإصلاحهم.
وكذلك يذيق عبده حلاوة بعض الطّاعات فينجذب ويرغب ويصير له ملكة قويّة بعد ذلك على طاعات أجلّ منها وأعلى ولم تكن تحصل بتلك الإرادة السّابقة حتى وصل إلى هذه الإرادة والرّغبة التّامة.
-ومن لطفه بعبده أن يقدّر له أن يتربّى في ولاية أهل الصّلاح، والعلم، والإيمان وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم، وتأديبهم ولينشأ على صلاحهم وإصلاحهم ، كما أمتنّ الله على مريم في قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا}(9) إلى آخر قصّتها
-ومن ذلك إذا نشأ بين أبوين صالحين وأقارب أتقياء أو في بلد صلاح أو وفّقه الله لمقارنة أهل الخير وصحبتهم أو لتربية العلماء الربّانيّين فإنّ هذا من أعظم لطفه بعبده فإنّ صلاح العبد موقوف على أسباب كثيرة منها بل من أكثرها وأعظمها نفعاً هذه الحالة.
-ومن ذلك إذا نشأ العبد في بلد أهله على مذهب أهل السُّنَّة والجماعة فإنَّ هذا لطف له وكذلك إذا قدّر الله أن يكون مشايخه الذين يستفيد منهم الأحياء منهم والأموات أهل سنة وتقي فإن هذا من اللّطف الربَّاني.
ولا يخفى لطف الباري في وجود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أثناء قرون هذه الأمة وتبيين الله به وبتلامذته من الخير الكثير والعلم الغزير وجهاد أهل البدع والتّعطيل والكفر ثم انتشار كتبه في هذه الأوقات فلا شكّ أن هذا من لطف الله لمن انتفع بها وأنّه يتوقف خير كثير على وجودها فللّه الحمد والمنّة والفضل[FONT="].
[/FONT]