عبد الحفيظ بوصوف من مواليد 1926 بمدينة ميلة، حيث تربى في أجواء طبعها البؤس الشديد، وهو ما اضطره إلى مغادرة المدرسة الابتدائية الفرنسية مبكراً، حيث اضطر بعد حصوله على الشهادة الابتدائية على الاشتغال في غسالة كانت ملكا لأحد المعمرين في قسنطينة عامي 1944 و 1945، لينخرط بعدها في صفوف حزب الشعب بمدينة ميلة وعمره لا يتجاوز 16 سنة، وأسس بها خلايا تضم مجموعة كبيرة من مناضلي المدينة، ومنهم لخضر بن طوبال وعنان دراجي، وقد كان بوصوف يجتمع مع المناضلين بمنزله الذي كان ملجأ لمختلف الوجوه الثورية والسياسية التي ساهمت في تفجير ثورة الفاتح نوفمبر 1954.
وتعرف على محمد بوضياف والعربي بن مهيدي وبن طوبال وغيرهم بعد انضمامه في حزب الشعب الجزائري بقسنطينة. وأصبح فيما بعد أحد إطارات المنظمة الخاصة في الشمال القسنطيني، كمسؤول عن دائرة سكيكدة. وهو ما جعله محل بحث من قبل الشرطة الاستعمارية بعد حل المنظمة الخاصة في 1950، فتحول إلى العمل السري، ليعود إلى مسقط رأسه لفترة قصيرة قبل أن تحوّله قيادة حركة انتصار الحريات الديمقراطية في 1951 قائدا لها في وهران لمدة عام، حيث ساهم في إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل، وترأس عام 1954 الاجتماع السري الأول الذي سبق الاجتماع التاريخي لمجموعة 22 التي كان ضمنها.
تدرج سريع في المسؤوليات
وبعد اندلاع الثورة الجزائرية عين نائبا للعربي بن مهيدي بالمنطقة الخامسة، مكلفّا بناحية تلمسان، وبعد مؤتمر الصومام أصبح عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، كما عين قائدا للولاية الخامسة برتبة عقيد، وفي عام 1957 عين عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ بعد استشهاد العربي بن مهيدي. وكان بوصوف يبدي شخصية بسيطة لكنها مؤثرة في محيطها، ما مكنه من قيادة الولاية الخامسة باقتدار، واستطاع أن يعيد هيكلتها، حيث قسمها إلى 8 نواحي وبنظام إشارة يضاهي نظام الإشارة الذي تملكه السلطات الاستعمارية. وقد استطاع نقل عملياته العسكرية إلى غاية آفلو التي طارد فيها عناصر بلونيس.
أسّس مخابرات الثورة
وكان لعبد الحفيظ بوصوف دور فعّال في تأسيس جهاز مخابرات الثورة التحريرية عام 1957، حيث أنشأ أول مركز تكوين أعوان الإشارة في 1956، وأول مدرسة للإطارات عام 1957، وأطلق على أول دفعة منها اسم شهيد المقصلة أحمد زبانة. كما استطاع جمع 8 ملايير فرنك فرنسي قديم في عهد الثورة الجزائرية، مقابل تجارته في الاستعلامات الدولية، حيث باع معلومات للولايات المتحدة، الاتحاد السوفييتي، الصين، اليابان، وهي معلومات كانت تخص شؤوناً دولية، وكانت لهذه البلدان مصلحة فيها .
ومن إحدى عملياته البارعة أنه كشف أحد عملاء المخابرات الأمريكية بالجزائر إبان الثورة، وبعد استنطاقه تحصل منه على معلومات مهمة تتعلق ببعض الوزراء العرب العملاء لهذه الوكالة، فأخبر حكوماتهم العربية بذلك وتأكدت من صحة هذه المعلومات بعد تحقيقاتها حول الأشخاص المشار إليهم. ومن العمليات الناجحة لجهاز المخابرات الجزائرية في وقت الثورة الجزائرية، هو تجنيد سكرتيرة فاتنة تعمل لدى جنرال كبير في حلف الناتو للقيام بتجنيده، وقد كان الهدف هو إيصال أجهزة اتصال حديثة لجهاز الإشارة لجيش التحرير الوطني، بغية الاتصال بين الوحدات، وقد تمكنت مجموعة بوصوف من الحصول على الأجهزة، والتجسس عدة مرات على الاتصالات بين الوحدات الفرنسية، ما سمح باكتشاف الكثير من أسرار الجيش الفرنسي.
أنشأ معملا للأسلحة في الحدود دون علم المغرب
وتعد وزارة التسليح والاتصالات العامة التي أشرف عليها عبد الحفيظ بوصوف بصورة مستمرة في السنوات (1958 -1962)، من أكثر الدواوين الوزارية أهمية ونفوذا، وكانت الوزارة الوحيدة التي تمتلك مقرات في كل من تونس ليبيا والمغرب، وسمح تولي بوصوف على رأس هذه الوزارة دفعا مهما في جمع كم معتبر من أجهزة اتصال منذ صيف 1956، وحين أشرف على قيادة الولاية الخامسة خلفا لبن مهيدي، فقد سمح له ذلك بالتوجه نحو تكوين فريق تقني اشرف على شبكات الاتصالات في القواعد الغربية لجيش الحدود.
وحرص بوصوف على تجنيد عدد معتبر من الطلبة الجامعيين والثانويين ابتداء من مارس 1957، وتوالت الدفعات التي أشرف على تكوينها، ليزداد تجنيد العناصر في صفوف المصالح المختلفة التي تم استحداثها فيما بعد، وفي 1959 بلغ عدد الإطارات التي نجح بوصوف في جمعها وتأطيرها في وزارته عددا يتجاوز 300 بين إداري وتقني.
ويجمع كل من يعرف بوصوف عن قرب، أنه كان يتمتع بذكاء حاد ويقظة نادرة مكنته من إحباط محاولات مكاتب الاستخبارات الاستعمارية، فموازاة مع صعوبة اقتناء الأسلحة بين عامي 1958 و1959، بسبب تغطية الحدود مع المغرب وتونس بخطيّ شال وموريس المكهربين والملغمين، وهو ما جعله ينشئ معملا صغيرا لصناعة الأسلحة في ضيعة موجودة في الحدود مع المغرب، وهذا دون علم السلطات المغربية، حيث تم إنجاز طابق سفلي داخل عمارة لهذا الغرض، ونجحت العملية بعدما تم توزيع الآلاف من البنادق في المنطقة الغربية بينما صدّرت كميات أخرى مقابل دعم جبهة التحرير الوطني ماليا، حيث كان "سي مبروك" يعتمد على مهندسين روس وتشيكيين ومتعاطفين مع الثورة التحريرية.
وكان بوصوف يجمع بين الحنكة السياسية والقيادة العسكرية، إضافة إلى قوة شخصيته، ويعتبر في نظر البعض من بين أكبر القادة العسكريين للثورة، حيث استطاع تدعيم الحراسة على جميع القطر الوطني وفي هيئات الثورة وشهد له الأصدقاء والأعداء بذلك. وفي ظل أزمة 1961 - 1962 بين الحكومة المؤقتة وقيادة الأركان فضل اعتزال السياسة وأوصى جميع الوحدات التي أسسها بالبقاء في علاقة مثمرة مع قيادة الأركان ووحداتها دون الخوض في السياسة بل تركها للقادة السياسيين، وانشغل بأعماله الخاصة، حيث أبقى بوصوف على العلاقات القوية التي أنشأها مع قادة سياسيين وعسكريين في تونس والمغرب، وكان يتردد على الرئيس السوري السابق حافظ الأسد والرئيس العراقي صدام حسين بحيث أصبح مستشارهما في مجال تجهيز القوات المسلحة.
خصومه يحمّلونه مسؤولية إعدام عبان وعميرة ولعموري..
في المقابل كان عبد الحفيظ بوصوف عرضة لعديد الاتهامات الموجهة له من بعض الأطراف التي انتقدته بحجة الانفرادية في اتخاذ القرار، خاصة حين كان في لجنة التنسيق والتنفيذ، وأكد آخرون أنه كان وراء الضلوع في إعدام بعض القيادات الثورية، وفي مقدمتهم عبان رمضان، وحسب بعض المؤلفات والدراسات التاريخية، فقد أورد مصطفى هشماوي في كتابه جذور أول نوفمبر 1954 ما يوصف لدى البعض بالدور السلبي الذي لعبه بوصوف أمام باقي القيادات الأخرى، بعد أن كان لقرارات الاجتماع الثاني للمجلس الوطني للثورة الجزائرية في شهر سبتمبر 1957 بالقاهرة تأثيرها الكبير على موازين القوى داخل القيادة، من ذلك أن كريم بلقاسم أصبح يحتل المركز رقم واحد في الثورة الجزائرية بعد أن أبعد منافسه العنيد عبان رمضان. فيما تبوأ بوصوف وبن طوبال مركزا لا يستهان به، كما أن قرار توسيع القيادة أعطى لمن كانوا يلقبون بالعسكريين مكانة مرموقة. ويرى بعض المتتبعين والمهتمين أن "الباءات الثلاثة" كانوا يتميزون بالوحدة المظهرية فقط في حين أن كل واحد كان يبحث عن السلطة.
وقد أورد محمد عباس في كتابه "نصر بلا ثمن" مقولة كريم بلقاسم في هذا الصدد: "هناك وحدة مظهرية بين الثلاثة، ذلك أن كل واحد منا كان يتطلع إلى رئاسة الحكومة، بل يعتقد أنه هو الحكومة، بل يعتقد أنه يشكل قوة قائمة بذاتها وأنه هو الحكومة". كما أورد الدكتور إبراهيم لونيسي في كتابه "الصراع السياسي داخل جبهة التحرير"، أن النزوع نحو الحكم الفردي وطغيان المصلحة الشخصية على المصلحة العامة تتضح من خلال تنصيب الباءات الثلاث كمجموعة متحكمة في كل شيء رغم تنافرهم، كل تصرفاتهم الجماعية تتمسك فيها المصالح الشخصية، وكل طرف يتكون من الآخر، فكريم بلقاسم كان يحاول الإنفراد بالسلطة شاهرا في وجه الجميع، والشعور بالتعالي قد قوبل بآخر يختلف عن العقيدين بوصوف وبن طوبال.
وتشير بعض الكتابات التاريخية أن بوصوف وظف ثقل وأهمية وزارة التسليح والاتصالات العامة (1958-1962) في صفوف الجهاز التنفيذي في سعيه للقيادة وفي التنافس الداخلي الشديد حول القيادة، فقد تمكن بوصوف تحويلها إلى ما يشبه جهاز رقابة داخلي منافس لنفوذ وزارة بن طوبال، إضافة إلى التصفيات الجسدية التي كانت ملجأ لتسوية الخلافات الداخلية في صفوف الثورة، معتبرين أن بوصوف نجح في توجيه بعض مصالحها نحو إقصاء وتصفية عناصر كثيرة من الإطارات التي كانت تعلن مواقف احتجاجات في وجه الحكومة المؤقتة وبعض القادة العسكريين في الخارج دون إعطاء فرصة للمثول أمام محاكم ثورية.
وتعد قضية التصفيات الجسدية التي تتم دون الرجوع إلى المجلس الوطني للثورة من أهم النقاط التي كانت محل انتقاد من قبل خصومه ومعارضيه، واصفين ذلك على أنه خرق واضح للقوانين الداخلية للثورة، وهو الأمر الذي ورّث الحكومة المؤقتة أزمة سلطة ونفوذ حادة، ومن ذلك تصفية عبان رمضان، بضواحي تيطوان، وتم دفنه في المزرعة التي كانت تستخدم لحبس المعارضين والمشوشين، وقد قتل عبد الحفيظ بوصوف عبان رمضان رغم الاتفاق على سجنه وليس قتله حسب بعض الروايات، كما حمّلت الكتابات التاريخية بوصوف مسؤولية مقتل عميرة علاوة، وذكر فتحي الذيب في كتابه أن عميرة كان يجاهر برأيه في الحكومة، وكان قريبا في ذلك من رأي عميروش بالداخل، وفي 10 فيفري 1959 استدعي إلى القاهرة، حيث استقبل بمقر الحكومة، وفضل رئيس الحكومة استقباله بمكاتب مصالح بوصوف في الطابق الخامس من مبنى 4 شارع مديرية التحرير، وانتهى الاستقبال بحادث مؤسف، حيث أكدت بعض المعلومات أن مدبر الحادث هو بوصوف، وتم تنفيذه في الطابق الخامس المخصص لجهاز المخابرات، والذي لا يسمح لأي فرد مهما كانت صفته دخول هذا الطابق عدا أعضاء جهازه السر.
نال اعتراف ديغول وكان مصيره التهميش
ومهما قيل من سلبيات عن الرجل، إلا أن مواضع الاتهام التي وضع فيها عبد الحفيظ بوصوف وضعت لها تبريرات في الكتابات التاريخية، ففي مقتل عبان رمضان لم يكن المسؤول الأول والأخير، فعبان رمضان عرف حسب بعض الأشخاص، بتعاليه وحبه للسلطة، وهذا ما أشار إليه أحمد توفيق المدني، في كتاب عمار بوحوش "التاريخ السياسي للجزائر" قائلا: "إن اغتيال عبان رمضان يعود إلى تصادمه مع أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ، بسبب تعوّده على العمل الشخصي، والفردي وفرض إرادته على غيره، ويعتبر نفسه الزعيم المطلق للثورة.
أما بقية القيادة فكانوا يتمسكون بمبدأ الجماعة"، ومهما قيل عن ذلك الباءات الثلاثة (بوصوف، بن طوبال وكريم بلقاسم) إلا أنهم كانوا من قادة مركبة الاستقلال، مثلما أشار إليه علي هارون في كتابه "خيبة انطلاقة" قائلا"من جهتي، كنت أرى أنه ليس من الحكمة إزاحة 3 رجال كانوا هم القادة الحقيقيين للثورة طوال هذه السنوات الأخيرة، ونبعدهم عن الإدارة الأولى للجزائر المستقلة، وهذا خطا فادح له عواقب وخيمة على صلابة الأسس التي ننوي على أساسها بناء جزائر الغد وبدا لي من الضروري إضافة كريم وعبد الحفيظ وبن طوبال إلى قائمة الخمسة، فهم على الرغم مما تعرضوا له من انتقادات، فقد قادوا مركبة الجزائر إلى ميناء الاستقلال رغم كل الصعوبات".
وتعرف على محمد بوضياف والعربي بن مهيدي وبن طوبال وغيرهم بعد انضمامه في حزب الشعب الجزائري بقسنطينة. وأصبح فيما بعد أحد إطارات المنظمة الخاصة في الشمال القسنطيني، كمسؤول عن دائرة سكيكدة. وهو ما جعله محل بحث من قبل الشرطة الاستعمارية بعد حل المنظمة الخاصة في 1950، فتحول إلى العمل السري، ليعود إلى مسقط رأسه لفترة قصيرة قبل أن تحوّله قيادة حركة انتصار الحريات الديمقراطية في 1951 قائدا لها في وهران لمدة عام، حيث ساهم في إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل، وترأس عام 1954 الاجتماع السري الأول الذي سبق الاجتماع التاريخي لمجموعة 22 التي كان ضمنها.
تدرج سريع في المسؤوليات
وبعد اندلاع الثورة الجزائرية عين نائبا للعربي بن مهيدي بالمنطقة الخامسة، مكلفّا بناحية تلمسان، وبعد مؤتمر الصومام أصبح عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، كما عين قائدا للولاية الخامسة برتبة عقيد، وفي عام 1957 عين عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ بعد استشهاد العربي بن مهيدي. وكان بوصوف يبدي شخصية بسيطة لكنها مؤثرة في محيطها، ما مكنه من قيادة الولاية الخامسة باقتدار، واستطاع أن يعيد هيكلتها، حيث قسمها إلى 8 نواحي وبنظام إشارة يضاهي نظام الإشارة الذي تملكه السلطات الاستعمارية. وقد استطاع نقل عملياته العسكرية إلى غاية آفلو التي طارد فيها عناصر بلونيس.
أسّس مخابرات الثورة
وكان لعبد الحفيظ بوصوف دور فعّال في تأسيس جهاز مخابرات الثورة التحريرية عام 1957، حيث أنشأ أول مركز تكوين أعوان الإشارة في 1956، وأول مدرسة للإطارات عام 1957، وأطلق على أول دفعة منها اسم شهيد المقصلة أحمد زبانة. كما استطاع جمع 8 ملايير فرنك فرنسي قديم في عهد الثورة الجزائرية، مقابل تجارته في الاستعلامات الدولية، حيث باع معلومات للولايات المتحدة، الاتحاد السوفييتي، الصين، اليابان، وهي معلومات كانت تخص شؤوناً دولية، وكانت لهذه البلدان مصلحة فيها .
ومن إحدى عملياته البارعة أنه كشف أحد عملاء المخابرات الأمريكية بالجزائر إبان الثورة، وبعد استنطاقه تحصل منه على معلومات مهمة تتعلق ببعض الوزراء العرب العملاء لهذه الوكالة، فأخبر حكوماتهم العربية بذلك وتأكدت من صحة هذه المعلومات بعد تحقيقاتها حول الأشخاص المشار إليهم. ومن العمليات الناجحة لجهاز المخابرات الجزائرية في وقت الثورة الجزائرية، هو تجنيد سكرتيرة فاتنة تعمل لدى جنرال كبير في حلف الناتو للقيام بتجنيده، وقد كان الهدف هو إيصال أجهزة اتصال حديثة لجهاز الإشارة لجيش التحرير الوطني، بغية الاتصال بين الوحدات، وقد تمكنت مجموعة بوصوف من الحصول على الأجهزة، والتجسس عدة مرات على الاتصالات بين الوحدات الفرنسية، ما سمح باكتشاف الكثير من أسرار الجيش الفرنسي.
أنشأ معملا للأسلحة في الحدود دون علم المغرب
وتعد وزارة التسليح والاتصالات العامة التي أشرف عليها عبد الحفيظ بوصوف بصورة مستمرة في السنوات (1958 -1962)، من أكثر الدواوين الوزارية أهمية ونفوذا، وكانت الوزارة الوحيدة التي تمتلك مقرات في كل من تونس ليبيا والمغرب، وسمح تولي بوصوف على رأس هذه الوزارة دفعا مهما في جمع كم معتبر من أجهزة اتصال منذ صيف 1956، وحين أشرف على قيادة الولاية الخامسة خلفا لبن مهيدي، فقد سمح له ذلك بالتوجه نحو تكوين فريق تقني اشرف على شبكات الاتصالات في القواعد الغربية لجيش الحدود.
وحرص بوصوف على تجنيد عدد معتبر من الطلبة الجامعيين والثانويين ابتداء من مارس 1957، وتوالت الدفعات التي أشرف على تكوينها، ليزداد تجنيد العناصر في صفوف المصالح المختلفة التي تم استحداثها فيما بعد، وفي 1959 بلغ عدد الإطارات التي نجح بوصوف في جمعها وتأطيرها في وزارته عددا يتجاوز 300 بين إداري وتقني.
ويجمع كل من يعرف بوصوف عن قرب، أنه كان يتمتع بذكاء حاد ويقظة نادرة مكنته من إحباط محاولات مكاتب الاستخبارات الاستعمارية، فموازاة مع صعوبة اقتناء الأسلحة بين عامي 1958 و1959، بسبب تغطية الحدود مع المغرب وتونس بخطيّ شال وموريس المكهربين والملغمين، وهو ما جعله ينشئ معملا صغيرا لصناعة الأسلحة في ضيعة موجودة في الحدود مع المغرب، وهذا دون علم السلطات المغربية، حيث تم إنجاز طابق سفلي داخل عمارة لهذا الغرض، ونجحت العملية بعدما تم توزيع الآلاف من البنادق في المنطقة الغربية بينما صدّرت كميات أخرى مقابل دعم جبهة التحرير الوطني ماليا، حيث كان "سي مبروك" يعتمد على مهندسين روس وتشيكيين ومتعاطفين مع الثورة التحريرية.
وكان بوصوف يجمع بين الحنكة السياسية والقيادة العسكرية، إضافة إلى قوة شخصيته، ويعتبر في نظر البعض من بين أكبر القادة العسكريين للثورة، حيث استطاع تدعيم الحراسة على جميع القطر الوطني وفي هيئات الثورة وشهد له الأصدقاء والأعداء بذلك. وفي ظل أزمة 1961 - 1962 بين الحكومة المؤقتة وقيادة الأركان فضل اعتزال السياسة وأوصى جميع الوحدات التي أسسها بالبقاء في علاقة مثمرة مع قيادة الأركان ووحداتها دون الخوض في السياسة بل تركها للقادة السياسيين، وانشغل بأعماله الخاصة، حيث أبقى بوصوف على العلاقات القوية التي أنشأها مع قادة سياسيين وعسكريين في تونس والمغرب، وكان يتردد على الرئيس السوري السابق حافظ الأسد والرئيس العراقي صدام حسين بحيث أصبح مستشارهما في مجال تجهيز القوات المسلحة.
خصومه يحمّلونه مسؤولية إعدام عبان وعميرة ولعموري..
في المقابل كان عبد الحفيظ بوصوف عرضة لعديد الاتهامات الموجهة له من بعض الأطراف التي انتقدته بحجة الانفرادية في اتخاذ القرار، خاصة حين كان في لجنة التنسيق والتنفيذ، وأكد آخرون أنه كان وراء الضلوع في إعدام بعض القيادات الثورية، وفي مقدمتهم عبان رمضان، وحسب بعض المؤلفات والدراسات التاريخية، فقد أورد مصطفى هشماوي في كتابه جذور أول نوفمبر 1954 ما يوصف لدى البعض بالدور السلبي الذي لعبه بوصوف أمام باقي القيادات الأخرى، بعد أن كان لقرارات الاجتماع الثاني للمجلس الوطني للثورة الجزائرية في شهر سبتمبر 1957 بالقاهرة تأثيرها الكبير على موازين القوى داخل القيادة، من ذلك أن كريم بلقاسم أصبح يحتل المركز رقم واحد في الثورة الجزائرية بعد أن أبعد منافسه العنيد عبان رمضان. فيما تبوأ بوصوف وبن طوبال مركزا لا يستهان به، كما أن قرار توسيع القيادة أعطى لمن كانوا يلقبون بالعسكريين مكانة مرموقة. ويرى بعض المتتبعين والمهتمين أن "الباءات الثلاثة" كانوا يتميزون بالوحدة المظهرية فقط في حين أن كل واحد كان يبحث عن السلطة.
وقد أورد محمد عباس في كتابه "نصر بلا ثمن" مقولة كريم بلقاسم في هذا الصدد: "هناك وحدة مظهرية بين الثلاثة، ذلك أن كل واحد منا كان يتطلع إلى رئاسة الحكومة، بل يعتقد أنه هو الحكومة، بل يعتقد أنه يشكل قوة قائمة بذاتها وأنه هو الحكومة". كما أورد الدكتور إبراهيم لونيسي في كتابه "الصراع السياسي داخل جبهة التحرير"، أن النزوع نحو الحكم الفردي وطغيان المصلحة الشخصية على المصلحة العامة تتضح من خلال تنصيب الباءات الثلاث كمجموعة متحكمة في كل شيء رغم تنافرهم، كل تصرفاتهم الجماعية تتمسك فيها المصالح الشخصية، وكل طرف يتكون من الآخر، فكريم بلقاسم كان يحاول الإنفراد بالسلطة شاهرا في وجه الجميع، والشعور بالتعالي قد قوبل بآخر يختلف عن العقيدين بوصوف وبن طوبال.
وتشير بعض الكتابات التاريخية أن بوصوف وظف ثقل وأهمية وزارة التسليح والاتصالات العامة (1958-1962) في صفوف الجهاز التنفيذي في سعيه للقيادة وفي التنافس الداخلي الشديد حول القيادة، فقد تمكن بوصوف تحويلها إلى ما يشبه جهاز رقابة داخلي منافس لنفوذ وزارة بن طوبال، إضافة إلى التصفيات الجسدية التي كانت ملجأ لتسوية الخلافات الداخلية في صفوف الثورة، معتبرين أن بوصوف نجح في توجيه بعض مصالحها نحو إقصاء وتصفية عناصر كثيرة من الإطارات التي كانت تعلن مواقف احتجاجات في وجه الحكومة المؤقتة وبعض القادة العسكريين في الخارج دون إعطاء فرصة للمثول أمام محاكم ثورية.
وتعد قضية التصفيات الجسدية التي تتم دون الرجوع إلى المجلس الوطني للثورة من أهم النقاط التي كانت محل انتقاد من قبل خصومه ومعارضيه، واصفين ذلك على أنه خرق واضح للقوانين الداخلية للثورة، وهو الأمر الذي ورّث الحكومة المؤقتة أزمة سلطة ونفوذ حادة، ومن ذلك تصفية عبان رمضان، بضواحي تيطوان، وتم دفنه في المزرعة التي كانت تستخدم لحبس المعارضين والمشوشين، وقد قتل عبد الحفيظ بوصوف عبان رمضان رغم الاتفاق على سجنه وليس قتله حسب بعض الروايات، كما حمّلت الكتابات التاريخية بوصوف مسؤولية مقتل عميرة علاوة، وذكر فتحي الذيب في كتابه أن عميرة كان يجاهر برأيه في الحكومة، وكان قريبا في ذلك من رأي عميروش بالداخل، وفي 10 فيفري 1959 استدعي إلى القاهرة، حيث استقبل بمقر الحكومة، وفضل رئيس الحكومة استقباله بمكاتب مصالح بوصوف في الطابق الخامس من مبنى 4 شارع مديرية التحرير، وانتهى الاستقبال بحادث مؤسف، حيث أكدت بعض المعلومات أن مدبر الحادث هو بوصوف، وتم تنفيذه في الطابق الخامس المخصص لجهاز المخابرات، والذي لا يسمح لأي فرد مهما كانت صفته دخول هذا الطابق عدا أعضاء جهازه السر.
نال اعتراف ديغول وكان مصيره التهميش
ومهما قيل من سلبيات عن الرجل، إلا أن مواضع الاتهام التي وضع فيها عبد الحفيظ بوصوف وضعت لها تبريرات في الكتابات التاريخية، ففي مقتل عبان رمضان لم يكن المسؤول الأول والأخير، فعبان رمضان عرف حسب بعض الأشخاص، بتعاليه وحبه للسلطة، وهذا ما أشار إليه أحمد توفيق المدني، في كتاب عمار بوحوش "التاريخ السياسي للجزائر" قائلا: "إن اغتيال عبان رمضان يعود إلى تصادمه مع أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ، بسبب تعوّده على العمل الشخصي، والفردي وفرض إرادته على غيره، ويعتبر نفسه الزعيم المطلق للثورة.
أما بقية القيادة فكانوا يتمسكون بمبدأ الجماعة"، ومهما قيل عن ذلك الباءات الثلاثة (بوصوف، بن طوبال وكريم بلقاسم) إلا أنهم كانوا من قادة مركبة الاستقلال، مثلما أشار إليه علي هارون في كتابه "خيبة انطلاقة" قائلا"من جهتي، كنت أرى أنه ليس من الحكمة إزاحة 3 رجال كانوا هم القادة الحقيقيين للثورة طوال هذه السنوات الأخيرة، ونبعدهم عن الإدارة الأولى للجزائر المستقلة، وهذا خطا فادح له عواقب وخيمة على صلابة الأسس التي ننوي على أساسها بناء جزائر الغد وبدا لي من الضروري إضافة كريم وعبد الحفيظ وبن طوبال إلى قائمة الخمسة، فهم على الرغم مما تعرضوا له من انتقادات، فقد قادوا مركبة الجزائر إلى ميناء الاستقلال رغم كل الصعوبات".