- إنضم
- 14 جويلية 2011
- المشاركات
- 5,234
- نقاط التفاعل
- 5,403
- النقاط
- 351
- العمر
- 109
الكاتب:
الهادي الحسني
2015/04/30
أقامت مديرية الشؤون الدينية وبلدية تاكسانّة بولاية جيجل ـ مشكورتين ـ ملتقى وطنيا في يومي 22 - 23 أفريل 2015، أوّلهما في تاكسانّة وثانيهما في جيجل، وكان موضوع الملتقى عن "مسيرة الشيخ بلقاسم ابن منيع: أعماله وآثاره".
لم ينل هذا العالم شهرة كبيرة وصيتا واسعا، وربما يرجع ذلك إلى شخصيته الزاهدة، التي تنفر من مما يرغب فيه كثير من الناس من الشهرة الواسعة والصيت الذائع، ولبعد بلدته عن الحواضر.
لم يُقدّر لي أن أعرف الشيخ بلقاسم، الذي هو من أخوال جدي عبد العزيز رحمه الله، وعندما توفاه الله لم أكن قد بلغت الحُلم، ولكنني أحببته لأن والدي -رحمه الله- كان كثير الإعجاب به، وكان يحدثنا عنه في السهرات العائلية، خاصة عن ورعه وزهده، ولكن حبي للشيخ كان من النوع العاطفي لوشائج الخؤولة.
مع تقدمي في العمر، واحتكاكي بالأساتذة والشيوخ بدأ اسم الشيخ بلقاسم يطرق سمعي، فقد عرفت ابنه الأستاذ محمد، صاحب كتاب عن فظائع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وقد طلب منه والدي أن يمتحنني لمعرفة مستواي، ففعل ذلك في إحدى مقاهي مدينة جيجل (حوالي سنة 1961)، وطمأنه بأنني في مُكنتي الحصول على الشهادة الابتدائية لو قدر لي اجتياز امتحانها، لولا ظروف الثورة، وكان الأستاذ منيع آنذاك يعلم في مدرسة العيز الباردة بمدينة الجزائر وقد عرفت من تلاميذ الشيخ بلقاسم عميد مصلحي مدينة جيجل وما حولها، الشيخ محمد الطاهر ساحلي (الجيجلي) عضو المكتب الإداري لجمعية العلماء ومدير مدرستي الحياة الأولى في عهد الإمام ابن باديس، والثانية في عهد الإمام الإبراهيمي، وقد درست فيها، وقد بُنيت لتكون خاصة بالبنات، فلما استولى الجيش الفرنسي المجرم على مدرسة الحياة الأولى صارت الثانية مختلطة).
وممن عرفتهم من تلاميذ الشيخ بلقاسم الشيخ عبد المجيد حيرش، الذي كان أول مدير لثانوية معربة في عهد الاستقلال هي ثانوية ابن خلدون، في حي بلكور، في سنة 1963، وهي المدرسة التي اختطف الفرنسيون المجرمون منها الإمام الشهيد العربي التبسي، نائب رئيسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وقد درست في هذه الثانوية سنة واحدة، ومنها انتقلت إلى ثانوية عبان رمضان، ومما يذكر أن الشيخ عبد المجيد كان يحتفظ باسم ابن خلدون في كل ثانوية ينتقل إليها.
ومن تلاميذه الذين عرفتهم الدكتور أحمد بورزاق (بوروح)، والشيخ العباس بن الحسين الذي عملت تحت إدارته حولين كاملين في مسجد باريس، والشيخ سليمان بشنون ـ شفاه الله ـ والشيخ الدراجي بورويس، ومن تلاميذه أيضا الشيخ مبارك الميلي، ومحمد العربي التباني دفين الحجاز، وآخرين رحم الله الجميع.
لقد تعمدت ذكر هؤلاء الأساتذة لأشير إلى أن الشيخ بلقاسم، وإن لم ينضم إلى جميعة العلماء، فإنه لم يغرس في صدور تلاميذه بُغضَها، ولم يذكر عنه أنه أساء إليها بقول أو عمل، بدليل أنه لم يظهر عليهم ذلك، بل قد انضم أكثرهم إليها، ومنهم ابنه محمد.
ولد الشيخ بلقاسم في بلدة تاكسانّة (ولاية جيجل) عام 1875، حيث حفظ القرآن الكريم، وتعلم المبادئ الأولية في اللغة العربية والعلوم الشرعية، ثم التحق في 1888 إلى زاوية ابن الشيخ الحسين في سيدي خليفة بولاية ميلة، فازدادت معارفه التي مكنته من الالتحاق بجامع الزيتونة في عام 1894، فدرس على كبار علمائه، وما أن حصل على شهادة "العالِمية" (بكسر اللام وليس بفتحها) حتى رجع إلى بلدته. لبث الشيخ في بلدته بضع سنين، يعلم الناس، ويربيهم، ويصلح بينهم، قبل أن يتوجه تلقاء الزاوية التي تعلم فيها، فاستفاد منه جمّ من الطلبة، منهم من ذكرنا ومنهم من لم نذكر، واستمر على ذلك ما يقرب من ثمانية وعشرين سنة، ليعود إلى مسقط رأسه، حيث أشرف على تأسيس مسجد -وهو يحمل اسمه الآن- ينشر فيه العلم والخير إلى عام 1954، حيث أتاه اليقين، فالتحقت ورقاؤُه بعالمها الأسمى بالمدينة المنورة، وكان قد حج قبلها أربع مرات.
أهم ما ترك الشيخ بلقاسم من آثار مكتوبة هي قصيدته الطويلة ( 402) في مدح رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ التي سماها "نزهة اللبيب في محاسن الحبيب"، التي ذكرتها جريدة الشهاب للإمام ابن باديس ـ في عددها (26) بتاريخ (23 ماي 1926، ص 20)، ووصفتها بأنها "منظومة غراء، وروضة غناء..بكلام بليغ وأسلوب بديع، جمعت بين الرصانة العلمية، والعذوبة الشعرية"، واصفة صاحبها بـ"العلامة الفقيه"، ولا مرية في أن قيمة الموصوف من قيمة الواصف. وندعو الإخوة في بلدية تاكسانة إلى إعادة طبع هذه القصيدة وإهدائها لزوارها.
ومما لا أنساه ـ مادمت حيا- هو ماقامت به بلديتا بن ياجيس- مسقط رأسي- وبلدية جيملة من تكريم ـ هم أهله- لشخصي البسيط، وما غمروني به من مشاعر أتصورها ولا أستطيع تصويرها، فأشكر إخواني في البلديتين شكرا جزيلا، وأقول لهم ما قاله العالم الجليل امحمد طفيش لمن كرموه في القرارة ( ولاية غرداية): "ووني إوغزام خاط امحمد أن يوسف"، وترجمة هذه الجملة من الميزابية إلى العربية هي: "هذه الحفاوة للعلم، لا لمحمد بن يوسف". وإذا كان الشيخ اطفيش عالما فما أنا بذاك.
لم ينل هذا العالم شهرة كبيرة وصيتا واسعا، وربما يرجع ذلك إلى شخصيته الزاهدة، التي تنفر من مما يرغب فيه كثير من الناس من الشهرة الواسعة والصيت الذائع، ولبعد بلدته عن الحواضر.
لم يُقدّر لي أن أعرف الشيخ بلقاسم، الذي هو من أخوال جدي عبد العزيز رحمه الله، وعندما توفاه الله لم أكن قد بلغت الحُلم، ولكنني أحببته لأن والدي -رحمه الله- كان كثير الإعجاب به، وكان يحدثنا عنه في السهرات العائلية، خاصة عن ورعه وزهده، ولكن حبي للشيخ كان من النوع العاطفي لوشائج الخؤولة.
مع تقدمي في العمر، واحتكاكي بالأساتذة والشيوخ بدأ اسم الشيخ بلقاسم يطرق سمعي، فقد عرفت ابنه الأستاذ محمد، صاحب كتاب عن فظائع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وقد طلب منه والدي أن يمتحنني لمعرفة مستواي، ففعل ذلك في إحدى مقاهي مدينة جيجل (حوالي سنة 1961)، وطمأنه بأنني في مُكنتي الحصول على الشهادة الابتدائية لو قدر لي اجتياز امتحانها، لولا ظروف الثورة، وكان الأستاذ منيع آنذاك يعلم في مدرسة العيز الباردة بمدينة الجزائر وقد عرفت من تلاميذ الشيخ بلقاسم عميد مصلحي مدينة جيجل وما حولها، الشيخ محمد الطاهر ساحلي (الجيجلي) عضو المكتب الإداري لجمعية العلماء ومدير مدرستي الحياة الأولى في عهد الإمام ابن باديس، والثانية في عهد الإمام الإبراهيمي، وقد درست فيها، وقد بُنيت لتكون خاصة بالبنات، فلما استولى الجيش الفرنسي المجرم على مدرسة الحياة الأولى صارت الثانية مختلطة).
وممن عرفتهم من تلاميذ الشيخ بلقاسم الشيخ عبد المجيد حيرش، الذي كان أول مدير لثانوية معربة في عهد الاستقلال هي ثانوية ابن خلدون، في حي بلكور، في سنة 1963، وهي المدرسة التي اختطف الفرنسيون المجرمون منها الإمام الشهيد العربي التبسي، نائب رئيسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وقد درست في هذه الثانوية سنة واحدة، ومنها انتقلت إلى ثانوية عبان رمضان، ومما يذكر أن الشيخ عبد المجيد كان يحتفظ باسم ابن خلدون في كل ثانوية ينتقل إليها.
ومن تلاميذه الذين عرفتهم الدكتور أحمد بورزاق (بوروح)، والشيخ العباس بن الحسين الذي عملت تحت إدارته حولين كاملين في مسجد باريس، والشيخ سليمان بشنون ـ شفاه الله ـ والشيخ الدراجي بورويس، ومن تلاميذه أيضا الشيخ مبارك الميلي، ومحمد العربي التباني دفين الحجاز، وآخرين رحم الله الجميع.
لقد تعمدت ذكر هؤلاء الأساتذة لأشير إلى أن الشيخ بلقاسم، وإن لم ينضم إلى جميعة العلماء، فإنه لم يغرس في صدور تلاميذه بُغضَها، ولم يذكر عنه أنه أساء إليها بقول أو عمل، بدليل أنه لم يظهر عليهم ذلك، بل قد انضم أكثرهم إليها، ومنهم ابنه محمد.
ولد الشيخ بلقاسم في بلدة تاكسانّة (ولاية جيجل) عام 1875، حيث حفظ القرآن الكريم، وتعلم المبادئ الأولية في اللغة العربية والعلوم الشرعية، ثم التحق في 1888 إلى زاوية ابن الشيخ الحسين في سيدي خليفة بولاية ميلة، فازدادت معارفه التي مكنته من الالتحاق بجامع الزيتونة في عام 1894، فدرس على كبار علمائه، وما أن حصل على شهادة "العالِمية" (بكسر اللام وليس بفتحها) حتى رجع إلى بلدته. لبث الشيخ في بلدته بضع سنين، يعلم الناس، ويربيهم، ويصلح بينهم، قبل أن يتوجه تلقاء الزاوية التي تعلم فيها، فاستفاد منه جمّ من الطلبة، منهم من ذكرنا ومنهم من لم نذكر، واستمر على ذلك ما يقرب من ثمانية وعشرين سنة، ليعود إلى مسقط رأسه، حيث أشرف على تأسيس مسجد -وهو يحمل اسمه الآن- ينشر فيه العلم والخير إلى عام 1954، حيث أتاه اليقين، فالتحقت ورقاؤُه بعالمها الأسمى بالمدينة المنورة، وكان قد حج قبلها أربع مرات.
أهم ما ترك الشيخ بلقاسم من آثار مكتوبة هي قصيدته الطويلة ( 402) في مدح رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ التي سماها "نزهة اللبيب في محاسن الحبيب"، التي ذكرتها جريدة الشهاب للإمام ابن باديس ـ في عددها (26) بتاريخ (23 ماي 1926، ص 20)، ووصفتها بأنها "منظومة غراء، وروضة غناء..بكلام بليغ وأسلوب بديع، جمعت بين الرصانة العلمية، والعذوبة الشعرية"، واصفة صاحبها بـ"العلامة الفقيه"، ولا مرية في أن قيمة الموصوف من قيمة الواصف. وندعو الإخوة في بلدية تاكسانة إلى إعادة طبع هذه القصيدة وإهدائها لزوارها.
ومما لا أنساه ـ مادمت حيا- هو ماقامت به بلديتا بن ياجيس- مسقط رأسي- وبلدية جيملة من تكريم ـ هم أهله- لشخصي البسيط، وما غمروني به من مشاعر أتصورها ولا أستطيع تصويرها، فأشكر إخواني في البلديتين شكرا جزيلا، وأقول لهم ما قاله العالم الجليل امحمد طفيش لمن كرموه في القرارة ( ولاية غرداية): "ووني إوغزام خاط امحمد أن يوسف"، وترجمة هذه الجملة من الميزابية إلى العربية هي: "هذه الحفاوة للعلم، لا لمحمد بن يوسف". وإذا كان الشيخ اطفيش عالما فما أنا بذاك.